سؤال: نظرة عامة على الحروف المقطعة:
الحروف المقطعة في القرآن يجب أن نفهم مدلولها لا معناها. فالحرف ليس له عامة في ذاته. إذا سألك أحد ما معنى ألم؟ فسؤاله خطأ لأنه لا معنى للحروف وإنما لها مدلول. المفسرين اجتهدوا فيها وعندنا أكثر من 16 رأي ويعجبني رأي أبو بكر الصديق رضي الله عنه عندما قال: لا تبحث عن معناها ولم يكن يريد أن يلغي الإجتهاد لكنه لا يريد أن يوجه أنه خطأ أن تقول ما معناها؟ المعنى يعني ما معنى نقدّس؟ هذه كلمة يجوز أن يكون لها معنى بل مفروض أن يكون لها معنى أما أن تقول ما معنى النون في نقدّس؟ فهذا خطأ. الحرف له إسم وله مسمّى وأيّ حرف عندما أقول (ألف) هذا إسم و(أ، إي، أو) هذا المسمى لأنه سيدخل في كلمة. والأميّ هو الذي لا يعرف إسم الحرف لكن يعرف مسمّاه. قد تتحدث مع رجل أميّ في أي موضوع في الإقتصاد أو أي موضوع آخر ولكن لو سألناه أن يهجيء كلمة إقتصاد فلا يستطيع لأنه لا يعرف إسم الحرف. ونحن المتعلمون في نعمة لا نعرف قيمتها أو قدرها لأن المتعلم يعرف المسمى ويعرف الإسم أما الأمي فلا يعرف إسم الحرف. فهذه الحروف إذا نطق بها رسول الله r فقد تعلّم. هو r أميّ وتوصيفه إلى يوم القيامة أميّ والأمّية سُبّة في أي شخص إلا عنده r فهي شرف لأن هذا الرجل r أول ما تعلّم علّمه شديد القوى ذو مرة فاستوى. وقد سبق أن ضربت مثالاً في أمية الرسول r وهو مثال الورقات الثلاثة واحدة بيضاء وواحدة مكتوب عليها بالرصاص وأخرى مكتوب عليها بالحبر وطلبت منك أن تكتب على ورقة فستكتب على الورقة البيضاء أما التي كُتب عليها بالرصاص فهي مثل رجل تعلّم على يد معلّم ضعيف فسهل أن نمسح ما تعلمه الرجل منه تماماً كما نقولها في حياتنا اليومية (امسح كل ما تعرفه عن هذا الموضوع ولنبدأ من جديد) والتي كتبت بالحبر مستحيل أن تمسحها لتكتب عليها. ولو تعلم الرسول r على يد بشر كان سيكون عنده تشويش فلا يتلقّى القرآن كما لو كان أمياً. لهذا فالأمية شرف عند الرسول r. ليكون صفحة بيضاء في تلقي الوحي. الأمية هي صفحة بيضاء تجعل الرجل الأمي أحسن مَنْ يحفظ القرآن. هل كان الأنبياء كلهم أميون؟ كلا لكن الرسول r سيأخذ أثقل كتاب ويختلف عن سائر الكتب السابقة وهو مهيمن على جميع الكتب السابقة، فهو ثقيل، هو لغة ولذلك فهو محتاج لصفة خاصة في المتلقي r فالأمية شرف له r لأنه أول ما تعلم (إقرأ باسم ربك الذي خلق).
التعلّم والأمية: التعلّم هي اللغة. العلم بالأشياء معلومة طبيعية. يقولون أن الرسول استمع إلى الشعر؟ كلا الرسول r ما ثبت عنه أنه إستمع إلى شعر قبل الرسالة، استمع إلى الخنساء وحسان بن ثابت بعد البعثة. كان r ينزع إلى الغار ليتأمل (ولا نقول ليتعبد) ومن قال يتعبد فقد إتهم الرسول إتهاماً يجب الدفاع عنه. لأن في هذا إتهام للرسول. يتعبّد بم؟ صعوده r إلى الغار يشبه إبراهيم u عندما خرج يبحث عن الإله الحق (فلما جنّ عليه الليل رأى كوكباً قال هذا ربي) لم يكن عنده معطيات بدليل لما أفل قال: (لا أحب الآفلين) يقصد أن الإله الحق لا يتغير.
ما مفهوم (هذا ربي)؟ (هذا ربي) ظن أنه هو وكان يتمنى أن يجده. إبراهيم رفض الأصنام فخرج يبحث عن الإله الحق . التعبير القرآني يقول (فلما جن عليه الليل) أي أصبحت الظلمة شديدة فبان الكوكب قال هذا ربي لأنه كان في إطار البحث. ننظر في توقيع القرآن: هل هذه المرة الأولى التي يرى إبراهيم الكوكب؟ كلا. إبراهيم u رأى الكواكب قبلها عارضاً أما الآن فهو يراها باحثاً.
والرسول r كان يقضي الليالي ذوات العدد في الغار يبحث عن الإله الحق ويتأمل ولا نقول يتعبّد وإنما تأمل كما تأمل إبراهيم بحثاً عن الإله الحق. فكرة الإله كانت معروفة في ذلك الوقت لكن من هو الإله هذا ما لم يكن معروفاً. والرسول r لم يشرب الخمر أبداً وذلك بفطرته السليمة السوية. من المسلمين الآن من لا يشرب الخمر لا عن عبادة وإنما يستنكفها أو أنه ممنوع من الدكتور وهناك فرق بين من يرفض الخمر لأنها حرام ومنهم من يرفضها لأن الدكتور منعه وحذره أنه سيموت لو شربها.
الرسول r مصطفى من قِبَل الله تعالى أزلاً لأن كل أفعال الإله الحق أزلية. فكان r بفطرته السليمة السوية يرفض المجتمع الجاهلي كله بما فيه وما يحدث فيه وأبو بكر الصديق رضي الله عنه أول ما عُرِض عليه الإسلام قبِل بفطرته السليمة في الوقت الذي رفض صناديد قريش الإسلام.
(نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك) ستأخذ القصص من عند الله تعالى (وإن كنت من قبله لمن الغافلين) جاءت الآية (نحن) ولم يقل (أنا). فمتى يقول (نحن) ومتى يقول (أنا)؟ في القرآن الكريم يختلف إستعمال (أنا) و(نحن): في قوله تعالى: (إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني) عندما يكون هناك توحيد يذكر الإفراد (أنا) لكن عندما يذكر شيء فيه تعدد صفات يقول (نحن) هذه تحتاج لعدة صفات والقصة تحتاج لهيمنةوقدرة وعلم وعدد من الصفات فلا تنفع (أنا). في صلب التوحيد قال (إنني أنا الله) لأنه تعالى يريد موسى أن يوحّده هذه عبادة التوحيد ولا ينفع أن يقال معها (نحن الله). قال تعالى (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون): الذكر يحتاج (نحن) لتعدد الصفات مع التوحيد (أنا). القصة تحتاج لعلم وقدرة وهيمنة وتوصيففي أكثر من ملمح فتحتاج إلى (نحن) لذلك قال تعالى (نحن نقص عليك). كل كلمة في القرآن الكريم حتى الحروف المقطعة تجد أنها عاشقة لمكانها لا ينفع أن تستبدل بغيرها.
الحكمة من الحروف المقطعة سنعرفها يوم القيامة ولو عرفنا كل معاني القرآن نقلل من شأنه ومن عظمة الكتاب أننا نبحث فيه ونستنبط منه ولكن يوم القيامة سنجده أعظم مما وصلنا إليه ومما نظن جميعاً وأن ما حققناه ما هو إلا جزء بسيط مما هو عليه حقاً.
سؤال: ما دلالة إستخدام (نقص)؟ ولماذا لم يستخدم كلمة العلم أو النبأ؟
نقص: هي من قصّ الأثر كما ذكرنا في الحلقة السابقة وسميت القصة لأنها من قص الأثر (وقالت لأخته قُصّيه) أي تتبعي أثره. الخطاب في الآية هو للرسول r (نحن نقص عليك)لأن الذي يقص هو الله تعالى وهو يقص على الرسول r حتى لا نأخذ نحن من غيره r. الذي فعله يوسف مع إخوته لما قُصّت على الرسول أفاد منه r في فتح مكة وفهم المغزى من القصة فطبّقها، نحن لا نروي حكاية ولكن نعطي ملمحاً من قصة يحكيها المهيمن سبحانه وتعالى، من لدن حكيم خبير حتى نقص أثر القصة.
سؤال: سمي القصص في سورة يوسف أحسن القصص وفي سورة الكهف (نحن نقص عليك نبأهم بالحق) فما دلالة أحسن القصص؟
من آية سورة الكهف (نبأهم بالحق) نفهم منها أن هناك قصص بالحق وأخرى ليست بالحق وهذا حصل عندنا من دخول الإسرائيليات وفكرة الإسرائيليات تشويش مصادر الشريعة لأنهم فشلوا في تحرف الكتاب فدخلوا بالإسرائيليات على التفسير بعد أن تأكدوا من أنهم لن يتمكنوا من تحريف القرآن . ونحن نرى في المساجد إذأ أخطأ الإمام في القراءة في الصلاة تجد المصلين كأنهم سيهجمون عليه لتصحيح خطئه. لما نزلت الآية (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون): هناك مادة للحفظ وسبيل للحفظ. القرآن لم يحرّف لأن الله تعالى تصدى بحفظه هذه مسلّم بها ولكن سبب هذا الحفظ أن هذا الكتاب حُفِظ في الصدور فلا يمكن تحريفه. الله تعالى أجرى تجربة عملية بالتوراة والإنجيل فحُرّف الأول وزُوّر الآخر، اما جاء الكتاب الأخير تصدى الله تعالى لحفظه ولهذا الحفظ سبب أنه يحفظ في الصدور. مادة الحفظ هي أن القرآن لما كان ينزل كان يُحفظ في الصدور ولو أراد أن يحرّف أحدهم يصحح له الحُفّاظ.
سؤال: ما دلالة الغافلين في قوله تعالى (وإن كنت من قبله لمن الغافلين)؟
(من قبله) تعمي قبل القرآن. (بما أوحينا إليك هذا القرآن). والغافلين: هي الأمي. غفِل يعني لم يهتم بأمر ما فغفل عنه وهذه ليست سُبّة كما يفهمها الناس ولكنها شرف للرسول r وهو r لم ينشغل بأمر إلا لمّا أوحى الله تعالى له به. الرسول r بفطرته السليمة لم ينشغل بأمر قصة سمعها من بشر وإنما ظلّ عل فطرته السليمة حتى أوحى الله تعالى إليه بالقرآن عن القصص الذي يُحكى ويروى قبل القرآن. القصص الذي كان يحكى ويروى قبل القرآن لم يشغل الرسول r باله بالسؤال عن الأمم السابقة لأنه مُعدٌ من قِبَل الله تعالى لتلقي الوحي. وهو r يقول: “من حُسن إلاسم المرء تركه ما لا يعنيه” هذه هي الغفلة فالشيء الذي لا تراه مهماً لا تشغل بالك به فما بالك برجل مُعدّ بالفطرة السليمة لتلقي الوحي. هو r مُعدٌ لدرجة أنه لم يشغل باله بشيء وهناك فرق بين تلقي الوحي من الله تعالى وبين سماع القصص من الناس.
(وإن كنت من قبله لمن الغافلين) أي : وإن كنت من قبله لمن الأميين الذين لم يتعلموا عن طريق البشر. وسورة النجم أنصفت الرسول r في هذه النقطة (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى علّمه شديد القوى) تقابل قوله تعالى (إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلا). (لمن الغافلين) هذه مدح للرسول r والأمية كما قلنا في حقه وحده شرف دون غيره من البشر.
الأمية في حق البشر سُبّة لكن في حق الرسول r النبي الأمي هي الشرف الكبير الذي لا يدانيه شرف لأنه تعلّم أول ما تعلّم علّمه شديد القوى. وهو r يختلف عن غيره من الأميين (هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم) أنه r هو الوحيد الذي له هذا الشرف لأن باقي الأميين تعلموا على يديه r هو هذا الأميّ الذي علّم العلماء بهذا الكتاب العظيم.
سؤال: هل هناك دلالات وتوجيهات محددة لإختلاف التعبير القرآني (أحسن القصص) (نبأهم بالحق) (منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص )؟
طبعاً لأن قصّ هي تتبع الأثر والمفروض أن القصة يجب أن يكون لها أثر في الواقع ولا تكون من وحي الخيال وقلنا سابقاً أنه إذا كانت من وحي الخيال تسمى أسطورة. لكن عندما يقص عليك شيئاً حصل فهي قصة. هناك فرق بين التوصيف (أحسن القصص) والتوقيع (نبأهم بالحق). التوصيف هو أن تشرح صفة شيء لكن التوقيع أسمع التوصيف وأنفّذ .
(نحن نقص عليك نبأهم بالحق) تعني عندما تسمع منا يا محمد ستأخذ الحق ولو سمعت من غيرنا لن تأخذ الحق. فكلمة الحق تلفتنا إلى أنه طالما هناك حق هناك غير حق.
المُنصِف من اليهود تركوا التوراة المحرّفة واعتمد على القرآن في القصص. الرجل الذي زار الرسول r عندما مرض ابنه فوجد عنده ملائكة الموت فجلس الرسول r بجانبه بحنانه وعطفه وقال له: إشهد أنه لا إلا الله وأن محمداً رسول الله فنظر الولد إلى أبيه الذي قال له” أطِع أبا القاسم وهو نفسه لم يسلم. اليهود تركوا التوراة وأخذوا من القرآن بعض القصص لأنهم يعلمون أنها حُرّفت في كتبهم. ولذلك لما قال تعالى (نحن نقص عليك نبأهم بالحق) لفت نظرنا إلى أن هناك ما هو غير الحق وما من عند الله تعالى يأتي بالحق.
سؤال: بعض الآيات تزيد كلمة أو تنقص كلمة للقصة نفسها فهل إختلاف النظم له دلالة في القصة؟
الملمح. تجد قصة موسى في أكثر من سورة لكنها ليست كلها ملمحاً واحداً. وردت في سورة (فاقذفيه في التابوت) ووردت في سورة أخرى (فألقيه في اليم) وكل منهما ملمح مختلف عن الملمح الآخر. لو جمعت قصة موسى u في القرآن كله أو قصة آدم أو قصة نوح أوقصص الأنبياء نجد قصة واحدة فقط من القصص كله التي جاءت بالأسماء وهي قصة مريم إذ ورد ذكر إسمها (مريم ابنت عمران) وإسم ابنها (عيسى ابن مريم) لكن لم يذكر الأسماء في باقي القصص فلم يذكر إسم إخوة يوسف ولا أصحاب الكهف ولا من كان مع قارون ولا غيرهم لأن القصة في القرآن كما قلنا هي ليست قصة وإنما هي مدلول نسير عليه. فرعون مثلاً وصل العلماء على أنه رمسيس الثاني وهذا لا يهم لأن فرعون في الكتاب مقصود به كل حاكم ظالم وقارون يمثل كل من يعبد المال فلا يجب على المسلم الحق أن يقرأ عن فرعون وقارون وغيرهم ولا يستفيد. قصة سليمان مثلاً نقف عندها: سليمان u هيمن على الجنّ والهدهد أحاط بما لم يحط به سليمان على علمه وقوته (أحطت بما لم تحط به) وكذلك قصة موسى والعبد الصالح تمثل لنا أن موسى نبي يتعلم من العبد الصالح فالمولى عز وجل لا يريد أن يغترّ أحد بمعطيات الله تعالى له.
نضرب مثلاً الرجل الذي يصلي جيداً ويعبد جيداً وصادق وأمين ومتقي تأتي عليه لحظات من كثرة العبادة الحقّة يقع في غلطة لا يقع فيها كافر وهذه المعصية تأتي لأنه أصبح على ثقة أنه قريب من الله تعالى فغفل. إذن إياك أن تغتر أو تركن لإيمانك.
القرآن الكريم لفت نظرنا في القصص (سليمان والهدهد) حتى لا نغترّ بالمعطيات. فآدم u في القرآن مثال لكل بني آدم وموسى u مثال لطالب العلم لأنه مهما كاان عليه من العلم سيتعلم ممن هو أعلم منه وسليمان وغيرهم في القرآن الكريم هم أمثلة لشيء في قصص القرآن.
سؤال: الآيات تحتلف كثرة أو قلة لنفس القصة فهل لهذا الإختلاف دلالة من حيث كمّ الآيات؟
القصة واحد لها أكثر من ملمح. قصة آدم جاءت في أكثر من سورة لكنها لها ملامح. وقصة آدم لو أردنا أن نذكرها بإختصار فهي أن الله تعالى أمره أن لا يأكل من الشجرة فأكل منها فأُخرج من الجنة وهبط إلى الأرض بعد أن تاب الله تعال عليه. لكن هذه القصة لهاملامح متعددة في القرآن من أول إخبار عن آدم. قصو يوسف u لما قال ليعقوب (إذ قال يوسف لأبيه) (إذ) تعني: إذكر يا محمد r ساعة قال يوسف لأبيه كأن محمد r عاشها. يوسف قال لأبيه (يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكباً والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين) وقال يعقوب (يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك) إذن إخوة يوسف هنا مثال لكل إخوة حقدوا على أخيهم فإن لم نفد نحن المسلمين من هذه القصة فلا نكون قد فهمنا المقصود من القصة. يجب أن أحب إخوتي وأتلافى ما فعل إخوة يوسف بيوسف. وإخوة يوسف اجتمعوا أوجدوا لنفسهم المبررات (إذ قالوا ليوسف وأخوه لأحبّ إلى أبينا منا ونحن عصبة إن أبانا لفي ضلال) ثم طرحوا حلولاً (أقتلوا يوسف أو إطرحوه أرضاً يخل لكم وجه أبيكم) لأنهم كانوا مقتنعين بأن لهم مبرر (وتكونوا من بعده قوماً صالحين) وعملوا الحيلة فالله تعالى يأخذ يوسف من بينهم ويجعله عزيز مصر. القصة واحدة ولكن على مدار القصة هناك ملامح متعددة تعني أحداث مختلفة. عند آدم u مثلاً إذا أردنا الحديث عن قصته فلا يحسن أن نبدأ بقوله تعالى (إني جاعل في الأرض خليفة) وإنما يجب أن نرجع إلى الوراء آيتين من قوله تعالى (كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتاً فأحياكم) أمواتاً هل تعني أنه لا يوجد خلق؟ ثم قال تعالى (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة) هذه توحي بهذه. ستبدأ الدنيا والخلق ولا يمكن أن نقول أن الخلق بدأ من العدم لأن العدم غير مفترض في وجود الله تعالى.
سؤال: يختلف نهج الآية القرآنية من ترغيب وترهيب وترجي واستفهام وخبر وإنشاء وتمني وغيرها فهل لهذا دلالة وهل هو مقصود لذاته؟
أساس القرآن كتاب منهج. القضية في جزئية المنهج مهمة في أن (الرحمن علّم القرآن خلق الإنسان علّمه البيان) هذا الترتيب من وجهة نظر الإنشاء البشري يكون خلق الإنسان أولاً لكن (علّم القرآن) أي علّم المنهج. لم يأت بشر إلا على منهج لذا تجد في القصة نفسها تحذير وترهيب وترغيب لأن الغرض من القصة التطبيق بعد سماع القصة وهذا حدث بيقين عند المسلمين الأوائل، الحقبة الأولى في الإسلام كانت كلها تطبيق. بدأ التطبيق يضعف ببعدنا عن رسول الله r لأننا ابتعدنا عن المنهج وعن التدبّر. المولى سبحانه وتعالى لم يأمرنا بالقراءة في القرآن كله وإنما أمرنا بالتدبر (أفلا يتدبرون القرآن ) وعكس التدبر (أم على قلوب أقفالها). عندما تقرأ القرآن فقط فلن تفيد لكن الإفادة الحقيقية تكون عند التدبر, ومن قرأ القرآن ولم يطبقه ما أفاد شيئاً.
سؤال: يقول بعض الناس وبعض المستشرقين أن القرآن عندما أهمل الأسماء في القرآن فكأن هذا دليل عجز؟
أذكر ما حدث خلال محاضرتي عن قصة يوسف فرفع أحدهم يده وسألني عن أسماء إخوة يوسف فقلت له ما عليك من أسمائهم وشرحت له الأمر وللحضور فاقتنع الجميع بحمد الله إلا هو فقال لي لو كنت تعرف أسماءهم لذكرتهم ولكن يبدو أنك لا تعرفهم فقلت له لا أنا أعرفهم هذه أسماؤهم وذكرتها له. لكن ما الفائدة؟ إتهام الناس شيء مسلّم به ونحن نعرف الأسماء لأننا تتبعنا واقع قصص القرآن مع كل ما هو موجود.
سؤال: يقول الناس عندما يذكر القرآن إسماً تجدون له مبرراً وعندما يُهمل إسماً تجدون له مبرراً وتقولون لا يهم فكيف نبرر ذلك؟
محمد r عندما بَشّر به عيسى u فقال (ومبشراً برسول يأتي من بعدي إسمه أحمد) تلكأ بعضهم على هذه الكلمة وقالوا ننتظر أحمد. لكن هل عرف الناس أن هذا الرسول لأن ذكره من عهد آدم إلى يوم القيامة كان يجب أن يكون إسمه مشتقاً؟ الذي تدبّر عندما سمع قول عبيسى u (إسمه أحمد) قال في نفسه لماذا قال أحمد ولم يقل محمد؟ لأن عيسى u ما كان يستطيع أن يقول محمد لأن محمد إسم مفعول ومن عظمة الرسول r أن يُشتق إسمه. فهو r قبل الميلاد كان عند عيسى أحمد كأنب بعيسى عليه السلام يقول ومبشراً برسول يأتي من بعدي أحمد مني لرب الناس فإذا ولد الأحمد (إسمه أي صفته) فهو محمد.
في قوله تعالى (بئس الإسم الفسوق) فهل نسمي أحداً الفسوق؟ كلا لأن الإسم هو الصفة. الإسم في اللغة يشتمل على معنيين: إما على الذات أو الصفة. فلما تكلم عيسى u قبل محمد بـ 610 سنوات قال (ومبشراً برسول يأتي من بعدي إسمه أحمد) إسمه أي صفته أحمد. لأنه لما ولد الرسول r سمي محمداً. إسم المفعول من الحمد. ومن عظمة هذا الرجل أنه قبل ميلاده أحمد وبعد ميلاده محمد ويوم القيامة محمود المنقلب وكلها إشتقاقات من الحمد.
سؤال: في القرآن الكريم في قوله تعالى في قصة نوح (يا بني اركب معنا) يقولون أن إسم إبن نوح سآو ونحن نقول سام وحام هما أبناء نوح والقرآن حجب هذا الإسم لماذا؟ ومن أين أتينا بإسمي سام وحام؟
سام وحام أهم إسمين ونوح عليه السلام لم يكن له ولد واحد وهما اللذين تفرعت منهما الذريّة. والذي يهم كنه القصة لا الأسماء. نوح يسمى آدم الثاني أو آدم الصغير لأنه بعد الطوفان بدأت الذرية بمن كان معه في السفينة والذي غرق لا يهم إسمه لأنه غرق, وطالما نحن نتمسك فيما لا يفيد ولا يعني نكون قد ضيعنا التعلم من هذا الكتاب.
بالتالي من الزمن الذي استغرقه أهل الكهف لا يهم وذكر العدد: (309) سنة نأخذ العبرة منها أنه مدّة. العرب يستعملون الألف والأعداد للدلالة على الكثرة (يود أحدهم أن يعمر ألف سنة) الألف تدل على الكثرة في وقتها. وكذلك قوله تعالى (إن تستغفر لهم سبعين مرة ) لا تعني الرقم 70 وإنما تعني الكثرة وكان r يقول لو أعلم أني لو استغفرت أكثر من سبعين يغفر الله لهم لاستغفرت. فالعدد 70 لا تعني الرقم وإنما الكثرة والتهويل. القرآن الكريم نزل بالمدلول اللغوي عند العرب. ويجب أن نأخذ هذا القرآن بما له وبما قال من لدن حكيم خبير كما قال ابراهيم u (إذا قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين) هذا هو الإسلام نسلّم بالقصة كما هي في القرآن ولا نذهب لكتاب عرائس المجالس أو قصص الأنبياء لأن كلها إسرائيليات بعيدة عن لب القرآن. وتأويل القرآن يؤخذ من القرآن نفسه. وفي الحلقات القادمة سنبدأ بتناول القصص من واقع الكتاب بدءاً من سورة البقرة وإذا كان هناك حديث صحيح للرسول صلى الله عليه وسلم في أي قصة سنذكرها.
بُثّت الحلقة بتاريخ 30/1/2006م