قصة آدم عليه السلام في سورة الأعراف:
النظرة العامة في سورة الأعراف أنها تتناول بعض التوقيعات للقصة. توصيف القصة بدأ في سورة البقرة من حيث الجمع لأن جمع القرآن أنتج هذا الكتاب. سورة البقرة أعطت كل من يقرأ صورة عامة للقصة ككل. في سورة البقرة التوصيف يقول (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (28) هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (29)) فالذي يقرأ سورة البقرة يريد أن يصل بسرعة إلى آيات الخلق وقصة آدم فلا ينتبه للآيتين 28 و29 واللتان هما بمثابة تمهيد للقصة. كما في القصص العادية لها تمهيد ومقدمة قبل الإبتداء بالقصة وللأسف هناك من يضع كتاباً كاملاً ثم يكتب مقدمته بعد أن ينتهي منه وهذا نسميه مؤخرة وليست مقدمة لأن المقدمة يجب أن تكون تمهيداً للقصة قبل أن تُكتب وليس بعد الإنتهاء منها حتى يستفيد القارئ. فالآيات في سورة البقرة 28 و29 هما توصيف وتوقيعه في سورة الأعراف (وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (10)).
سؤال: هل كنا مخلوقين ساعة خلق الله تعالى لنا هذه الأشياء في الأرض؟
أنت مخلوق بالتقدير. من ساعة قدّر الله تبارك وتعالى الخلق لأنه لا مفاجآت مع الله تبارك وتعالى. هذه القضية التي لا يفهمها الناس في موضوع (النفس) في آية سورة النساء (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً) فحمّلوها ما ليس منها وساروا وراء ظاهر النص القرآني. المولى تبارك وتعالى يقول: آدم ساعة خُلِق خلقنا نحن أيضاً لكن كل واحد سيولد في عصره لكن عند المولى عز وجل الشيء كلّيٌ وليس جزيء. الطفل الذي سيولد يوم القيامة قدّره الله تبارك وتعالى من ساعة خلق آدم لأنه الله تعالى القادر (إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون) وقلنا أن الضمير (له) يدل على أن الشيء موجود. للأسف وحدة القرآن غابت عن المسلمين (إن الدين عند الله الإسلام) هو ليس ديننا نحن وحدنا وإنما هو الدين من عهد آدم u ومحمد r آخر الأنبياء. اليهودية والنصرانية نعترف بهم نحن كمسلمين حق كديانات وليس أديان كما يستعمل كثيرون هذا اللفظ ويسمون مقارنة الأديان والأولى أن يقال مقارنة الديانات. وحتى نحقق وحدة القرآن الكريم لا يوجد في القرآن الكريم ولا في الحديث الصحيح كلمة أديان مطلقاً. الديانة هي الشريعة وقال تعالى (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا) لكن كلهم على شرع واحد والشرع لا يُجمع وإنما الشِرعة تجمع. الدين لا يُجمع إنما الديانة تجمع على ديانات. الله تعالى يخاطب أمة محمد r (شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ (13) الشورى) لو وضعنا هذه الآية لنفهم معنى (من). من تأتي للتبعيض وهذا الشائع فيها لكنها تأتي أحياناً لبيان التبعيض. لو كانت للتبعيض في الآية لقال تعالى : شرع لكم من الأديان. إذن (من) لو بمفهومنا نحن لكانت جاءت (من الأديان) لكنه تعالى (شرع لكم من الدين) فكأني بالدين وعاء يكتنف كل الأنبياء فهو وحدة. الذي أعطانا إياه وصّى به نوحاً ومحمد وابراهيم وموسى وعيسى، الأنبياء جمعهم الدين وفرّقتهم الديانات. (أن أقيموا الدين) هذا الخطاب للرسل الخمسة ثم يتفرقوا في الديانة كل واحد في عصره.
سؤال: في الآية الكريمة (شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ) التصور الأقرب أن يأتي ذكر محمد r في الآخر في ترتيب الآية، فما الحكمة من ترتيب أسماء الرسل على النحو الذي جاء في الآية؟
الله تبارك وتعالى يخاطب أمة محمد r ولو قال شرع لكم من الدين الذي أوحينا به لمحمد كان المنطق أحد أمرين: إما أن يبدأ به أو أن يختم به. البدء به إستثناء والمنطق أن يكون الترتيب: نوح، إبراهيم، موسى، عيس، محمد لكن الخطاب لآمة محمد r لو أجريت الإستثاناء ولا يمكن أن تبني قاعدة على إستثناء ولو لم يتكلم عن نوح لم يبيّن أن محمداً r هو في سلسلة الأنبياء والمرسلين وهي كلٌ لا يتجزّأ. لو اختتمت به أنت تخاطب أمته فالمولى عز وجل يعلّمنا القاعدة: يبدأ بنبي رسول يساوي آدم عند أهل المنطق لأن آدم نبي وليس رسولاً والله تعالى يتكلم عن رسالات وليس عن نبوءات (النبوة خاصة مستقلة ليس لها علاقة بالأمة وإنما بالأفراد) النبي له نبوءة من غير كتاب: بالوحي، بالإلهام أما الرسول فله كتاب. كل رسول نبي وليس كل نبي رسول لذا لما قال تعالى (مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا) قال خاتم النبيين ولم يقل خاتم المرسلين لأنه لو قال خاتم المرسلين لكان هناك إحتمال أن يكون وراءه نبي لكن قوله خاتم النبيين فلا يحتمل أن يكون وراءه لا نبي ولا رسول.
يتكلم عن نوح u فنحن سنأخذ الذي أخذه الرسل الأربعة على يد محمد r لكن نحن نختلف في نقطة وهي أن كل واحد من الأربعة موسى u على سبيل المثال دينه الإسلام وديانته اليهودية وكتابه التوراة ومعجزته تسع آيات. معجزته تعددت واختلفت عن كتابه وعن ديانته وعن دينه. وباقي الرسل الأربعة كذلك إلا محمد r دينه الإسلام وديانته الإسلام ومعجزته وكتابه القرآن فعنده توحّد لا يوجد عند الرسل الأربعة لأنه هذه الديانة التي ستختم لهذا لها مواصفات تختلف عن الآخرين لأن باقي الكتب سيحدث فيها تحريف. هذه حقائق ثابتة سنقر بها يوم القيامة لو لم نقر بها في الدنيا. اليهودية ديانة دينها الإسلام والنصرانية ديانة دينها الإسلام فلما أراد الله تبارك وتعالى أن يختتم الديانات لأهل الأرض إختار إسم الديانة الأخيرة بإسم الشرع : الإسلام. عقيدتنا في حياتنا ومن هنا يجب على المسلم أن لا تنفك معاملاته عن عباداته لذا في هذا الكتاب قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3) الصف). عندنا آيات لو فهمناها تظهر هذه النقطة كما في آيات الطلاق وفي الخلافات الزوجية كلمات تخيف الرجل كما في قوله تعالى (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا) لم يقل إن افتريت على زوجتك سيتصدى لك أبوها أو أخوها وإنما يتصدى لك الله تبارك وتعالى.
سؤال: لماذا التمهيد في سورة الأعراف بالآية (وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ)؟
لأنك خُلٌِت على التمكين. ما هو التمكين؟ هو أن أسلّم لك المكان كمكين دون أن يستطيع مخلوق أن يزحزحك عنه بمعنى أنه حتى في القانون الوضعي إذا كان هناك نزاع على مكان يصدر قرار تمكين وأهل القانون الوضعي يفعلونه دون أن يشعروا. (ولقد مكناكم) أي أنك لم تأت إلى الأرض طارئاً وإنما ممكناً.
(وجعلنا لكم فيها معايش): هذه مظاهر التمكين ودلالاته. كلمة معايش تعطي توقيعاً غريباً الناس تفعله. هذا اللفظ لا تجده عند الملائكة ولا ينفع أن نقول معيشة الملائكة لأن طبيعتهم تختلف. وسبق أن ذكرنا في حلقة سابقة أن كلمة عيش في بعض البلاد تعني الأرز وفي بلاد أخرى تعني الخبز، لماذا لم نسأل أنفسنا لماذا يسمونه عيش؟ لأن مناط المعيشة عندهم هكذا. المعايش هي مظاهر تمكينك في الأرض وهي كل شيء تبدأ بالأكل والشرب التي تعطيك قوام الحياة. انظر لرجل أضرب عن الطعام بعد أيام تجده نائماً فأول ما تعطيه ماء وسكراً ولحماً يقوم، الروح قوام حياته لكن ليس عنده قوامها وهي المعايش. حتى الحيوان يقال عشش حتى يعيش والإنسان أيضاً أما الملائكة فلا لأن قوام حياتهم ليس كقوام حياتنا نحن.
كلام القرآن على الإنس والجن باختلاف طبيعة الحياة. الجن له تمكين في الأرض يختلف عن تمكين الإنس. القرآن نزل للإثنين في التكليف لكن هذه الآيات في سورة الأعراف تتكلم عن البشر والجن طارئ على الأرض يسكن الأرض كونه طارئ مؤقت وليس مثلنا. الأرض خلقت لنا. الكلام في الآية عن آدم وذرية آدم. الجن له ذرية ويتناسل ولا يوجد تزاوج بين الإنس والجن كما يعتقد البعض من المدجلين.
سؤال: الآية في سورة الأعراف كلها تختص بالكلام عن آدم.فما دلالة الجمع في كلمة معايش؟ ولماذا لم يقل (اسجدوا لكم)؟
قال تعالى (وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ) كلها بصيغة الجمع لكن لم يقل (اسجدوا لكم). لو فهمنا العملية صح لقال: اسجدوا لكم بضمير المخاطب لكن حصل إلتفات لأن هذا واقع أن ساعة خلق الله تعالى آدم خلق الكل وصوّر الكل (البشرية كلها) فقدرة الله تعالى مطلقة وكلام القرآن لا يعقّب عليه.
سؤال: لقد خلقناكم ثم صورناكم، ما دلالة التمكين قبل الخلق والتصوير؟
ليقول لك أنت مخلوق على راحة فلا تقلق أنت أتيت ممكناً. والنتيجة أن يكون الشكر كثير لكن (قليلاً ما تشكرون) هذه تجعلنا نبحث : هل الشكر قليل أم الشكر من العدد قليل؟ هل عدد الذين يشكرون قليل؟ أو العدد كثير لكن شكرهم قليل؟ الحالان مؤلمان. البعض قد يقول بسم الله في أول الأكل ثم ينسى أن يحمد الله في آخره فهذا شكر قليل. الرسول r علّمنا أن نشرب على ثلاث دفعات وفي كل مرة نسمي الله تعالى عند البدء ونحمده عند الانتهاء في كل مرة هذا ليدربك على الشكر. ولذا لما تسمع (قليلاً ما تشكرون) عليّ أن أعلّم نفسي كيف أشكر؟ يجب أن نقف عندها. الآية تلفت نظرك إلى ما كان يجب منك.
سؤال: هل الخطاب هنا موجه لأمة محمد r أم لكل البشر؟
عندما نقرأ الآية نجد الإجابة. التمكين كان للكل والتكليف بالشكر طالما هو في القرآن فهو لأمة محمد r. القرآن يتكلم عن الأمم السابقة لكن أي تكليف داخله هو لأمة محمد r فقط وهذا التكليف يجب أن أقبله بمنطق الشاكر لأني مُيّزت على الأمم بالقرآن. كما كلّفنا بالصيام (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) لازم معنى الآية أن الأمم التي لم يكن فيها محمد r كانت تصوم فلما نصوم نحن فصيامنا يجب أن يكون أعلى. التمكين للبشر كلهم، قليلاً ما تشكرون لأمة محمد r بالتوجيه. الناس قبل القرآن لم تتمتع بهذا الكتاب.
سؤال: الآية التي تليها تتحدث عن العبودية لله تعالى (خلقناكم، مكناكم،…) الأولى أن يقول: اعبدوني ولكننا نجد آيات خلق آدم فكيف نربط بين الآيات؟
الخلق حدث بعد التمكين. لم يخلقك الله تعالى إلا بعد أن مهّد الكون لك كما في سورة الرحمن (الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآَنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4)) أحدهم قال أن القرآن خاص بأمة محمد r والآية تقول الرحمن علم القرآن خلق الإنسان فالإنسان مطلقة. لكن هذا الشخص لم يعرف مسألة المجاز ولازم المعنى والمعنى فهناك فرق بين العبادة بالقرآن والتدبر ولكل أجره. القرآن هنا في آية سورة الرحمن مثال المنهج، هذا لازم معناه كأننا بالله تبارك وتعالى يقول: أنا لم أخلق أحداً إلا على منهج ولم أترك عبادي هكذا وإلا فما قيمة الأنبياء والمرسلين؟ دأب البشر أن يكذبوا رسولهم لكن الحقيقة أن الله تعالى قالها حتى نفهمها أنه ما ترك خلقه ولكنهم جاءوا على منهج فإذا كانت كل الأمم تشكر الله تعالى مرة فعلى أمة محمد r أن تشكر الله تبارك وتعالى ألف مرة لأن الرسول أعظم.
قال تعالى مكناكم ثم قال خلقناكم مع أن المنطق أن يكون الخلق قبل التمكين لكن الأجمل أن يكون التمكين قبل الخلق. ومثال على ذلك أنت تحضّر أغراض ولدك الذي ما زال جنيناً في بطن أمه قبل أن يأتي إلى الدنيا.
سؤال: كيف نفهم سياق آيات التمكين والمعايش ونربطها مع الخلق؟
بعض الألفاظ جعلت الناس يعتقدون أن جنة آدم في السماء لكن الله تعالى أخبرنا أن التمكين كان في الأرض ولذا فجنة آدم في الأرض.
سؤال: ما دلالة (لقد) في تأكيد الفعل في (ولقد مكناكم)؟ وهل إذا قال تعالى (مكناكم في الأرض) سيُشكّ في الكلام؟
الله تعالى في صياغته للقرآن يؤكد أن المشكلة عندنا نحن. الإنسان يشهد بالكَبَد على نفسه والله تبارك وتعالى يقول (ولقد خلقنا الإنسان في كبد) والإنسان أصل خِلقته كذلك. بعض الأمور في القرآن الكريم جاءت بالقسم المنفي وهي ما تحتاج إلى قسم (فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ) وقال بعدها (وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ) مع أنه نفاه. نحن نشهد بالتمكين لكن للتأكيد.
سؤال: الخلق والتصوير ألا يدل على شيء واحد؟ وهل التصوير أولاً أم الخلق؟
الخلق أولاً بدليل (ولقد خلقناكم ثم صورناكم) هذا التصوير كيف يتم؟ الجنين في بطن أمه يبدأ بالتشكّل. التصوير لصورة كاملة وليس للوجه وحده فلما يقول تعالى (ولقد خلقناكم ثم صورناكم) لو دخلنا بطن الأم الحامل نجد الخلق يمشي مع التصوير. الخلق هو الإيجاد والتصوير هو تكوين المخلوق (هو الذي يصوركم في الأرحام) الخلق جنباً إلى جنب مع التصوير.
سؤال: عندما تصبح النطفة علقة ثم مضغة، إلخ، هذه مراحل الخلق. فما دلالة ثم في قوله تعالى (ولقد خلقناكم ثم صورناكم)؟
ثم في اللغة تفيد الترتيب والتراخي لأن الآية تتكلم عن آدم، عنكم كمخلوقين من شاعة خلق آدم لكن حتى يتم الخلق على أنه ممثل للجنس البشري سيتم من تراب ثم من طين ثم من حمأ ثم من صلصال، إلخ، ونحن من علقة ثم من مضغة، إلخ. نحن مكناكم جميعاً لما مكّنّا آدم لكن ساعة خلق آدم كان خلق لكم وساعة تصوير آدم كان تصويراً لكم لكن خلق آدم كان بطريقة يكون فيها تراخي ليحدث تزاوج.
(ثم جعلناه نطفة) جعلناه من آدم لكم سيكون هناك فترة على أن تحمل حواء. لكن لما قال تعالى (آدم) المقصود آدم وحواء لأن آدم لا يعطي خلقاً وبشراً لوحده (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) نحن لم نأت من نفس واحدة وإنما من آدم وحواء فكل ذكر لآدم المقصود به آدم وحواء والبشرية كلها كانت في تقدير الله تبارك وتعالى.
القدر هو ما قدّره الله تبارك وتعالى في علمه والقضاء هو تحقيق القدر.
سؤال: (ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا) ما دلالة أستعمال الفاء في (فسجدوا)؟
ثم فيها تراخي فترة زمنية بين خلق آدم والجنس البشري كله، هل هذا الوقت معلوم؟ لا هذا الوقت غير معلوم وما سكت عنه القرآن نسكت عنه.
(فسجدوا) لم يقل ثم سجدوا لأن الملائكة دأبهم الطاعة فهم نفّذوا الأمر بسرعة أما إبليس فلم ينفّذ (إلا إبليس لم يكن من الساجدين).
في معظم آي القرآن الكريم يستثنى إبليس دائماً لأنه ليس من الملائكة أصلاً. هو اسمه إبليس وما يشاع في الإسرائيليات عن أسماء عزرائيل وعزازيل عن ملك الموت فهذا لا أساس له وإنما إسمه عندنا ملك الموت. معنى إبليس: هو إسم أعجمي وهناك قاعدة في القرآن أن الكلمة التي لا تعرف أن تضع لها مقابلاً عربياً عرّبها.
سؤال: لماذا قال تعالى (لم يكن من الساجدين) ولم يقل لم يسجد مثلاً؟
إبليس ليس ملكاً أو طاووس الملائكة كما تذكر الإسرائيليات. لو قال إلا إبليس وحدها سنفهم أنه لم يسجد لكن في الآية (إلا إبليس لم يكن من الساجدين) نفهم أنه لم يسجد ونفهم طبيعته ونفهم سبب امتناعه عن السجود. هو لم يكن من الساجدين لأنه لم يكن من طبيعتهم، من خلقتهم. ساعة صدر الأمر من الله تبارك وتعالى للملائكة بالسجود كان إبليس وحده موجوداً وليس ذريته. والأمر صدر من الله تبارك وتعالى للملائكة على الأرض.
الجنّ كان كله مسلماً إلى هذه اللحظة وما كان هناك كافر لأن الكفر ابتدأ بأول معصية من الشيطان. وهنا يجب أن ننبه الناس أن أول معصية على الإطلاق هي معصية إبليس برفضه السجود آدم وأول معصية من البشر كانت معصية آدم.
سؤال: هل سجود الملائكة لآدم كان سجود عبادة أو طاعة أم ماذا؟
سجود الملائكة لآدم ومعهم إبليس الذي أبى هو طاعة لله تبارك وتعالى وهو ليس إختباراً بقدر ما هو إظهار لكُنه إبليس وما خلقه الله تعالى لأجله. والأمر الثاني علينا أن نفهم أن كل شيء بأمر الله تبارك وتعالى وعلينا أن نشكر الله تبارك وتعالى أن جعلنا مسلمين. نحتاج إلى تدبر هذا السؤال فأولاً هي طاعة لله تعالى وبهذا أقفل الباب أمام من يقولون كلاماً بمنتهى الغرابة ويقولون أن إبليس لم يسجد لأن عنده قاعدة أنه لا سجود إلا لله تبارك وتعالى.
بُثّت الحلقة بتاريخ 31/7/2006م