الفصل الخامس
الأدلة المادية في أصل الكون وأصل الانسان
في الأنفس والآفاق
الكون مليء بآيات العلم التي تدل على وجود الله، وليس معنى ذلك أننا نستدل على صحة القرآن بالعلم، بل ان القرآن هو المهيمن والمسيطر وهو الحق، وما العلم الا كاشف لقدرة الله في الكون، فما جاء به القرآن ونحن نؤمن به ايمانا غيبيا لا يرقى اليه أي شك ولا نريد عليه دليلا.
لأن دليلنا ويقيننا أن الله هو الذي قال، ولكننا نكتب هذا الكتاب لنرد على غير المؤمنين.
ولذلك فنحن نأتي بالحجة والدليل المادي ما لا يستطيعون أن يردوا عليه، ونحن لا نقدر أن نحيط بكل آيات الله في الكون، ذلك أن آيات الله أكبر من أن يحيط بها بشر مهما كانت قدرته وعلمه.
وفي جولة تشمل الكون المحيط بنا وحسب قدراتنا البشرية سنثبت أن لله آيات ومعجزات ذكرت في القرآن الكريم، واعترف غير المؤمنين أنه لا يمكن ان يكون منزل هذه الايات الا الله سبحانه وتعالى، ولذلك فانا سنجوب الكون لنعطي مثلا واحدا على عدة أماكن، ففي خلق الانسان آيات، وفي الجبال آيات، واذا صعدنا الى السماء وجدنا آيات، واذا نزلنا الى باطن الأرض كانت هناك آيات، واذا عصنا في أعماق البحار كانت هناك آيات، كل هذا موجود، نحن سنعطي لمحات، لأننت اذا اردنا أن نحيط بكل شيء فنحن نحتاج الى مجلدات كثيرة.
وكما قلت فان أي تصادم بين القرآن والعلم لا يمكن الا أن تكون النظرية العلمية خاطئة، أو يكون فهمنا للقرآن غير سليم، وقد تحدثنا عن ذلك في الفصل السابق.
الله سبحانه وتعالى قال في كتابه الكريم:{ سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق} فصلت 53.
ومعنى سنريهم، أي سيرون رؤية العين، ورؤية يقين، ومعنى قوله تعالى: { حتى يتبين لهم أنه الحق} هو أن الذين سيرون غير المؤمنين، والا لو كانوا مؤمنين لعرفوا أنه الحق، ولما احتاجوا الى هذا الدليل المادي، ولذلك فان عددا من غير المؤمنين سيكشف الله لهم عن آياته في الكون، فلا يستطيعون أن ينكروا أنها من عند الله، ولا يستطيعون أن يتكبروا ويقولون أن هذا من عند أي بشر، ولا يستطيعون أن يدعوا أنها المصادفة، ولا يمكنهم الا أن يعترفوا ولكنهم لا يؤمنون.
ولقد اخترنا في هذا الفل أقوال عدد من العلماء الغربيين، كلهم قبل أن يبدأوا الحديث قلوا: اننا علماء لا نصدق الا ما نرى، ولا نتعامل الا مع الأشياء المادية البحتة. ولقد تجنبت الحديث عما قاله علماء مسلمون ولهم كشوفهم العلمية. وبعضهم يعيش في الغرب وله مكانته العلمية، ذلك أن الانسان المؤمن مندفع بحماس الايمان الى أن يصل الى نتائج، لأنه يحب أن يظهر اعجاز القرآن وفيه حماس لأن يجعل غيره يؤمنون، ولذلك استبعدت كل ما قالوه، وأخذت من اقوال الذين بدأوا جدالهم بانه لا علاقة بين العلم والدين، بل ادعوا لأنهما نقيضان لا يلتقيان.
فالعلم يتحدث عن أشياء واقعية ترى وتشاهد، والدين يتحدث عن أشياء غيبيبة يؤمن بها الناس، وكان هذا في رايهم هو نقطة عدم الالتقاء ولكننا نقول لهم: أنه لا الزام عليكم فأنتم غير مؤمنين، تستطيعون أن تقولوا ان ما جاء في القرآن يختلف مع العلم، ذلك انه لا حرج عليكم فيما تقولون، وأنتم لن تخالفوا ضمائركم، ونحن على يقين من أن الله سبحانه وتعالى هو خالق الكون، وأن القرآن الكريم هو كلام الله، واذا تكلم عن كونه فهو أعلم منا جميعا.
خلق الجنين في القرآن
اذا أردنا أن نبدأ بمعجزة الجنين وما يذكر عنها في القرآن الكريم منذ أكثر من أربعة عشر قرنا، وما كشفه العلم يقينا وصوره وعرض علينا صوره، ان علم الأجنة لم يعرفه العالم بشكل واضح الا في القرن العشرين، ففي القرن السابع عشر كان العلم يقول: الانسان خلق خلقا كاملا في الحيوان المنوي للرجل على صورته الانسانية، أي أنك اذا أخذت الحيوان المنوي واستطعت أن تكبره وجدت فيه الانسان بكامل تفاصيله مخلقا كاملا، أي أن الانسان لا يخلق على اطوار في بطن أمه بل يخلق مرة واحدة.
ولكن في القرن الثامن عشر تغيرت الصورة عندما اكتشفوا بويضة المرأة وركز العلم على دور المرأة في الحمل وأهملوا دور الرجل، وقالوا: ان بويضة المرأة هي التي فيها الانسان الكامل لأنها الأكبر، وأن نطفة الرجل هي مجرد عملية تلقيح فقط لا غير، وظل هذا الرأي سائدا حتى القرن العشرين، وجاء العلم الحديث ليغير الصورة تماما، ويعطينا صورة جديدة للجنين في بطن أمه، وياتي بصور تثبت ذلك، حتى ان العملية أصبحت أمرا يقينيا لا يمكن تصوير الجنين وهو يتطور وينمو في بطن أمه.
وكان للقرآن الكريم في هذا كلمة، ذلك أن القرآن جاء بوصف دقيق لأطوار الجنين منذ أربعة عشر قرنا، يوم أن كانت الدنيا كلها بكل من فيها وما فيها لا تعرف شيئا عما في بطن الأم، وذكر القرآن الكريم لهذه الآيات لا يمكن أن ياتي الا اذا كان هذا القرآن منزلا من عند الله.
ومحمد النبي الأمي صلى الله عليه وسلم لم يكن يملك من العلم البشري شيئا، وحتى لو كان يملك فلم يكن علم البشر يعرف شيئا، وكما قلت فان المخاطرة بذكر شيء علمي في القرآن لا يمكن أن يقدم عليها بشر، لماذا؟ لأن القرآن هو كلام الله الذي لا يتغير ولا يتبدل والمتعبد بتلاوته الى يوم القيامة، فكيف يكون موقف الدين وموقف المسلمين اذا ذكر في القرآن شيء يمس العلم البشري، ثم جاءت الأبحاث وتقدمت العلوم واكتشفت أن هذا غير صحيح؟ كانت ستضيع قضية الدين كله، وما الذي يجعل محمد صلى الله عليه وسلم يخوض في هذه الأشياء التي كانت البشرية كلها تجهلها، فيتطوع باعطاء أعداء الدين ما يهدمونه به.
ماذا قال القرآن الكريم عن أطوار الجنين؟
قال الله سبحانه وتعالى:{ ولقد خلقنا الانسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر، فتبارك الله أحسن الخالقين} المؤمنون 12_14.
فاذا بدأنا بهذه الآية تفصيلا، فهي تذكر أولا ان خلق الانسان من طين، ومعنى ذلك أنها حددت المادة التي خلق منها الانسان وهي الطين، والطين موجود في كل مكان من الأرض، والعلماء اخذوا الطين وححلوه، فوجدوه يتكون من ثمانية عشر عنصرا، منها الحديد والبوتاسيوم والمغنيسيوم وغير ذلك من المواد، ثم درسوا جسم الانسان فوجدوه يتكون من نفس هذه المواد، وهي الثمانية عشر عنصرا التي يتكون منها الطين، وهكذا جاءت الحقيقة الأولى، حقيقة مشاهدة معملية لا تخضع للجدل، ثم بدأ القرآن في وصف خلق الانسان في بطن أمه فتقول الأية الكريمة:{ ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة}.
والقرار المكين هو رحم الأم، ثم تاتي مسألة العلقة، ونترك الحديث للبروفيسور الكندي ” كيث ل. مور” وهو من أشهر علماء العالم في علم الأجنة ورئيس قسم التشريح والأجنة في بجامعة تورنتو بكندا، ورئيس الاتحاد الكندي الأمريكي لعلماء الأجنة، وله عدة كتب مترجمة الى ثماني لغات، وهو الحائز على الجائزة الأولى في العالم عن كتابه ” علم الأجنة”، هذه الجائزة التي تعطى لحسن الكتاب تأليفا.
قال الدكتور كيث ل. مور: ان الجنين عندما يبدأ في النمو في بطن أمه يكون شكله يشبه العلقة أو الدودة، وعرض الصورة بالأشعة لبداية خلق الجنين ومعها صورة للعلقة، فظهر التشابه واضحا بين الاثنين، ولماقيل له: ان العلقة عند العرب معناها الدم المتجمد، ذهل وقال ان ما ذكر في القرآن ليس وصفا دقيقا لشكل الجنين الخارجي، ولكنه وصف دقيق لتكوينه، ذلك أنه في مرحلة العلقة تكون الدماء محبوسة في العروق الدقيقة في شكل الدم المتجمد.
فاذا جئنا الى المرحلة الثانية في قوله تعالى:{ فخلقنا العلقة مضغة}.
نعلم أن القرآن الكريم جاء بالوصف الدقيق، فعندما عرضت صورة الأشعة المأخوذة للجنين وهو في مرحلة المضغة، وصورة قطعة من الصلصال أو اللبان الممضوغ، وجد الشكل واحدا، ثم أظهرت صورة الأشعة التي التقطت للجنين في مرحلة المضغة وأن فيها تجويفات تشبه علامات الأسنان، بل ان الله سبحانه وتعالى قد تجاوز مرحلة الشكل الخارجي الى التكوين الداخلي، فقال جل جلاله:
{ مضغة مخلّقة وغير مخلّقة}. الحج 5.
وعندما جيء بالمضغة الآدمية من بطن الأم وطولها سنتمتر واحد، وتم تشريحها تحت الميكروسكوب الالكتروني، وجد أن بعض أجهزة الجنين بدأت تتخلق وبعضها لم يتخلق، ولو أن القرآن الكريم قال مضغة مخلقة، لكان ذلك لا ينطبق على حقيقة التكوين، لأن فيها أجزاء غير مخلقة.
ولو قال القرآن الكريم مضغة غير مخلقة لكان ذلك لا ينطبق على حقيقة التكوين لأن فيها أجزاء مخلقة، ولكن الوصف الدقيق الوحيد الذي ينطبق على المضغة هو قوله تعالى:{ مضغة مخلقة وغير مخلقة}.
ولقد عرض العالم الكندي كل أطوار الجنين في بطن امه، والتي التقطت بأحدث الأجهزة العلمية، فاذا هي تنطبق تماما على كل ما ذكر في القرآن الكريم. من مراحل تكوين العظام واللحم الى غير ذلك.
ولما قيل للدكتور : هل كان من الممكن أن يعرف رسول الله صلى اله عليه وسلم كل هذه التفصيلات عن أطوار الجنين؟ قال: مستحيل ان العالم كله في ذلك الوقت لم يكن يعرف أن الجنين يخلق أطوارا، فما بالكم بتحديد هذه المراحل التي لم يستطع العلم حتى الآن تسمية أطوار الجنين، بل أعطاها أرقاما بشكل معقد غير مفهوم، في حين جاءت في القرآن بأسماء محددة وبسيطة وغاية في الدقة يتضح لي بأن هذه الأدلة حتما جاءت لمحمد من عند الله، وهذا يثبت لي أن محمد رسول الله، فقبل له: بعد أن قلت ما قلت، أفلا تسلم؟ فقال: انه مستعد أن يضع في الطبعات القادمة من كتبه اشارة الى ما علمت.
ولقد قريء معنى الآيات التي جاءت في القرآن الكريم على أكبر علماء الأجنة في العالم، فلم يجرؤ أحد منهم من ان يدعي أن هناك تصادما بين ما جاء في القرآن الكريم وأحدث ما وصل اليه العلم.
النطفة والوراثة
ولكن احدهم أثار ان الوراثة أو البرنامج الوراثي للانسان يوجد في نطفة الرجل، ويتحدد فيها تفاصيل الانسان الذي سيولد أذكر ام أنثى، ما هو لون العينين ولون الجلد ولون الشعر الى آخره، أي أن الانسان تكون صفات خلقه موجودة في شفرة خاصة في نطثة الرجل، فلما قرئت عليه الآية الكريمة:{ قتل الانسان ما أكفره من أي شيء خلقه من نطفة خلقه فقدره} عبس 17_19.
قال: لا يمكن أن أن يكون هذا الا من عند الله.
هذه الأبحاث كلها التي ذكرتها وشهادات العلماء مدونة ومسجلة بالصوت والصورة في المؤتمرات المتعاقبة عن الاعجاز في القرآن الكريم، وهي مؤتمرات عقدت في الدول الاسلامية المختلفة، ويستطيع كل من يريد أن يرجع الى هذه الأشرطة ويشاهد هؤلاء العلماء وهم يتحدثون ويتكلمون، بل ان عالما منهم شهر اسلامه، وشهد أن لا اله الا الله وان محمدا رسول الله أمام الحاضرين في أحد هذه المؤتمرات وهو البروفيسور التايلاندي ” تاجاثات تاجاسن” وهو من أكبر علماء العالم في علم التشريح، وذلك عندما كان يتحدث عن الأعصاب، وكيف أنها موجودة تحت الجلد مباشرة، بحيث اذا احترق الجلد انتهى الاحساس بالالم تماما، والله سبحانه وتعالى يقول عن أهل النار:{ كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب} النساء 56.
ذلك أن الحق سبحانه وتعالى يريد أن يلفتنا الى أن عذاب النار، عذاب دائم مستمر لا يخفف ولا يتوقف، ولما كان في علمه سبحانه وتعالى وهو الخالق، لا يخفف ولا يتوقف، ولما كان من علمه سبحانه وتعالى وهو الخالق، أن الجلود اذا احترقت انتهى الاحساس بالألم، نبهنا أن جلود أهل النار كلما احترقت بدلهم الله جلودا غيرها ليستمر شعورهم بالعذاب.
وعندما عرض معنى هذه الآيات على البروفيسور تاجاثات جاسن، قال: أهذا الكلام قيل منذ أربعة عشر قرنا؟ قالوا: نعم قال: ان هذه الحقيقة لم يعرفها الا العلم الحديث، ولا يمكن أن يكون قائلها بشر، بل هي من الله سبحانه وتعالى، وحان الوقت لأن أشهد أن لا اله الا الله وأن محمدا رسول الله.
ولنا أن نتأمل هذه الأية الكريمة:{ كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب}.
ماذا كان يمكن أن يحدث لو أن الله سبحانه وتعالى لم يلفتنا الى أنه كلما احترقت جلود أهل النار بدلهم غيرها، أكان من الممكن أن نعرف كيف سيستمر عذاب اهل النار بلا توقف وأن احساسهم بالعذاب دائم؟
الحقيقة العلمية تقول: ان الأعصاب موجودة تحت الجلد، فاذا احترق الجلد فلت يحس الانسان بالألم، وهذا ما بيّنه لنا القرآن الكريم عن كيفية استمرار العذاب، كان الكفار العاصون سيقولون ستعذب فترة قصيرة حتى تحترق جلودنا، ثم بعد ذلك لا نحس بأي عذاب أو ألم، ولكان هذا تشجيعا للانسان على الاستهانة بعذاب الله في الآخرة، لأنه لن يستمر العذاب الا لفترة قصيرة يحترق الجلد فيها وتموت تحته الأعصاب وينتهي العذاب، لوجد هناك تصادم بين القرآن الكريم والحقائق العلمية، في أن الكفار سيخلدون في عذاب جهنم، وذلك في قوله سبحانه وتعالى:{ ان المجرمين في عذاب جهنم خالدون لا يفتّر عنهم وهم فيه مبلسون} الزخرف 74_75.
ولا يفتر معناها، لا يخفف، فكيف يقول الله سبحانه وتعالى ان أهل جهنم سيدخلون في العذاب، وأنه لن يخفف عنهم، مع أنهم اذا احترقت جلودهم فقدوا الاحساس بالألم، وهذا ما لم يعرفه البشر الا حديثا؟! ألا يكفي هذا كدليل مادي على أن القرآن الكريم من عند الله؟ ألا يكفي هذا أيضا كدليل مادي، على أن الذي خلق هو الذي قال واذا كان هذا قد دفع عالما من اكبر علماء علم التشريع وهو العارف بأسرار هذا العلم، أن يعلن اسلامه أمام الناس في مؤتمر عام، وقد بهره الاعجاز الالهي ووجد بين يديه الدليل المادي على وجود الله فنطق بالشهادتين، ألا يكفي هذا ليؤمن العالم كله ويؤمن اهل الأرض جميعا؟
الأصل الواحد للكون
ونحن نكتفي بهذا الجزء بالنسبة للانسان، ذلك أننا نريد أن نتحدث عن آيات أخرى في الكون بالنسبة لغير الانسان، بالنسبة للكون نفسه، والأصل الواحد للكون.
يقول الله سبحانه وتعالى:{ أولم ير الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا رثقا ففتقناهما، وجعلنا من الماء كل شيء حيّ، أفلا يؤمنون} الأنبياء 30.
لقد عرض معنى هذه الآية في مؤتمر الاعجاز القرآني في السعودية على الدكتور ألفرد كرونر، وهو من أشهر علماء العالم في الجيولوجيا، وعندما قرأ المعنى أخذ يصيح: مستحيل، مستحيل أن تكون هذه الحقائق قد ذكرت في أي كتاب منذ أربعة عشر قرنا. اننا لم نصل الى هذه الحقيقة العلمية الا منذ سنوات، وباستخدام وسائل علمية متقدمة جدا وبعد دراسات معقدة طويلة خاصة بعلم الطبيعة النووية، والأصل الواحد للكون لا يمكن أن يكون قد توصل اليه بشر منذ ألف وأربعمائة سنة، ولكن الوسائل العلمية الحديثة الآن في وضع تستطيع أن تثبت ما قاله محمد منذ ألف وأربعمائة سنة.
ولعلنا جميعا نذكر تجربة صعود الانسان الى القمر، وكيف كان العلماء يحلمون قبل اتمام هذه التجربة بالعناصر النادرة التي سيجدونها على سطح القمر، وبالمواد التي سيحضرونها، وكيف أنه سيكون فيها مواد تشفي أمراضا لا يوجد لها دواء على الأرض ومواد اذا أضيفت لعناصر الأرض نتجت عنها عناصر جديدة لم تعرفها البشرية وأخذت أحلامهم تزداد عما سيضيفونه الى الكرة الأرضية من عناصر غير موجودة، واشتد الخيال وامتلأت الرؤوس بالأحلام.
ثم ماذا حدث؟ صعد الانسان الى القمر ومشى فوق سطحه، وجاء بعينات من الصخور الموجودة تحت السطح وعادوا بها الى الأرض. واذا بهم يكتشفون أن سطح القمر مكون من نفس عناصر سطح الأرض، وأن صخور القمر في تركيباتها هي نفس صخور الأرض وأنهما من أصل واحد.
ألم يكن هذا كافيا كدليل مادي قوي لكي يؤمنوا؟ ألم يكن اثبات نظرية الأصل الواحد للسموات والأرض، الذي أخبرنا الله به سبحانه وتعالى في القرآن الكريم، ومنذ أكثر من ألف وأربعمائة سنة دليلا كافيا على وجود الله، وعلى أنه الخالق؟
ان العالم الذي قال: ان الوسائل العلمية الحديثة الآن في وضع تستطيع أن تثبت ما قاله محمد منذ ألف وأربعمائة سنة، وهو البرفيسور ألفريد كرونر، عالم مراوغ جدا، حتى انه كان يحاول أن يتهرب من الاجابة، لكيلا يشهد بان هذا العلم قد أنزل من الله شبحانه وتعالى، حتى انه في كل ما كان يقول: ( ان محمد قال) فقالوا له: سنثبت لك أن محمد لم ينطق الا بوحي من الله، وأنه في عدد من الأحاديث النبوية اعجاز نرجو أن تفسره لنا.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث رواه أبو هريرة يقول في جزء منه: ( لا تقوم الساعة حتى تعود أرض العرب مروجا وأنهارا)، أي مزارع وبساتين وأنهارا، ولما سئل الدكتور كرونر هل كانت ارض العرب بساتين وأنهار كما روى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، فقيل له متى كان ذلك؟ قال: في العصر الجليدي الأول الذي مر به العالم في عصوره الأولى.
وسئل كرونر: ومن الذي أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الحقيقة؟ قال: ربما علم ذلك من الرومان الذي كانوا متقدمين في هذه العلوم، فسألوه هل تعود بلاد العرب بساتين وأنهار مرة اخرى؟ قال: نعم هذه حقيقة علمية، قالوا: كيف تقول على شيء سيقع في المستقبل أنه حقيقة علمية، قال: لأن العصر الجليدي الثاني بدأ، ومن مقدماته ذلك الشتاء القارس والعواصف الثلجية التي بدأت تزحف على أوروبا في السنوات الأخيرة وكل شتاء يأتي سيكون أقسى من الذي قبله، فكتلة الجليد في القطب الشمالي بدأت تزحف ببطء نحو الجنوب، وهي في كل عام تقترب، ولكن ببطء جدا من المنطقة التي فيها بلاد العرب، عندما يزداد هذا الاقتراب بعد فترة طويلة من منطقة بلاد العرب ستعود بساتين وأنهارا.
وعندما سئل الدكتور كرونر: هل الرومان هم الذين أخبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن بلاد العرب ستعود بساتين وأنهارا؟ قال: لا يمكن أن يحدث ذلك الا بوحي من السماء.
اعجاز يتلوه اعجاز
نعود الى الآية الكريمة:{ أولم ير الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا رثقا ففتقناهما، وجعلنا من الماء كل شيء حيّ، أفلا يؤمنون} الأنبياء 30.
في هذه الآية أعطانا الله سرا من أسرار الحياة وهو الماء.
ولقد اصبح هذا حقيقة علمية يعترف بها العالم أجمع، فالصور الحديثة التي تلتقط بالأقمار الصناعية وسفن الفضاء والكواكب القريبة من الأرض، يستطيع العلماء أن يتنبأوا اذا كان في هذه الكواكب حياة أم لا؟ رغم أن هذه الصور لا تأتي بالتفاصيل الدقيقة التي تبيّن اذا كانت هناك مخلوقات موجودة على سطح هذه الكوكب أم لا؟
ولكن مجرد علمهم بأن الصور لا تدل على وجود الماء على سطح الكواكب فانهم يؤكدون أنه لا حياة فيه، فاذا كان هناك ما يشير الى أن الماء موجود تحدثوا عن احتمالات الحياة، وعملية وجود الماء هي من قدرة الله سبحانه وتعالى التي احتفظ بها لنفسه، وهي عندنا في الأرض تتم دون عمل من الانسان، بل هي عطاء من الله، بخار الماء يتصاعد من البحار والمحيطات، ويتكثف في طبقات الجو العليا وينزل مطرا، ولذلك يقول الله سبحانه وتعالى:{ أفرأيتم الماء الذي تشربون أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون لو نشاء جعلناه أجاجا فلولا تشكرون} الواقعة 68_70.
اذن الماء هو رزق من السماء بقدرة الله، وكل من يدعي غير ذلك نطالبه أن ينشيء لنا نخرا صغير وسط الصحراء، ويملأه بالماء ان كان يستطيع، ولن يستطيع، ولكن اعتراف العلم ويقينه من أن وجود الماء معناه وجود الحياة، لم يلفتهم الى ما ذكره القرآن الكريم منذ أربعو عشر قرنا، وكان يجب ان يلتفتوا الى هذا الاعجاز، فيؤمنوا بالله خالقا وموجودا والها واحدا، ولذلك يقول الحق جل جلاله:{ أفلا يؤمنون}.
السماء والدخان وأصل الخلق
لقد قدم لهم الدليل المادي في الأصل الواحد للسموات والأرض، ومن ان الماء هو سر الحياة، فان لم يؤمنوا، حينئذ يكون عدم ايمانهم مكابرة وعنادا، ويكون عذابهم في جهنم عدلا من الله، الذي أعطاهم الدليل تلو الدليل، ومع ذلك لا يؤمنون.
وقبل أن نترك السماء وآياتها، لا بد أن نتحدث عن الاعجاز في خلق السموات والأرض، نحن ننظر الى السماء ونرى أشياء وتغيب عنا أشياء مثلا عندما عرض معنى الاية الكريمة:{ ثم استوى الى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا او كرها قالتا أتينا طائعين} فصلت 11.
قرأ البروفيسور يوشيدي كوزاي مدير مرصد طوكيو هذا الكلام وقال: ان العلم لم يصل الا منذ فترة بسيطة جدا الى أن السماء كانت دخانا وقد أصبح هذا شيئا مشهودا ومرئيا الآن. بعد اطلاق سفن الفضاء والأقمار الصناعية وعرض صور التقتت لنجم من السماء وهو يتكون، وقد بدا كتلة من الدخان وفي وسطها تكون الجزء المضيء من النجم وحوله الدخان وتحيط لالدخان حافة حمراء دليل على ارتفاع درجة الحرارة.
وقال: لقد كنا نعتقد منذ سنوات فقط أن السماء كانت ضبابا ولكننا عرفنا الآن بعد التقدم العلمي بانها ليست ضبابا ولكنها دخان، لأن الضباب خامد وبارد، والدخان حار وفيه حركة، هذا يدل على ان السماء كانت دخانا، وقال: انني متأثر جدا باكتشاف هذه الحقيقة في القرىن.
واذا كنا نريد أن نمضي في التفاصيل، ليقتنع من لن يقتنع، فاننا نستعرض بسرعة ما قاله أشهر العلماء في العالم في مؤتمرات الاعجاز العلمي في القرآن، الدكتور أستروخ وهو من أشهر علماء وكالة ناسا ألاميركية للفضاء، قال: لقد أجرينا أبحاثا كثيرة على معادن الأرض وأبحاثا معملية، ولكن المعمل الوحيد الذي يحير العلماء هو الحديد لها تكوين مميز، ان الالكترونات والنيترونات في ذرة الحديد لكي تتحد فهي محتاجة الى طاقة هائلة تبلغ أربع مرات مجموع الطاقة الموجودة في مجموعتنا الشمسية، ولذلك فلا يمكن أن يكون الحديد قد تكون على الأرض، ولا بد أنه عنصر غريب وفد الى الأرض ولم يتكون فيها، فلما ترجموا معنى الآية الكريمة:{ وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس} الحديد 25.قال: ان هذا الكلام لا يمكن أن يكون من كلام بشر.
وفي البحار أيضا
فاذا تركنا السماء وأسرارها ونزلنا الى أعماق البحار وجدنا شيئا عجيبا، ان الصور الحديثة التي التقطت للبحار قد أثبتت أن بحار الدنيا ليست موحدة التكوين، بل هي تختلف في الحرارة والملوحة والكثافة ونسبة الأكسيجين، وفي صورة التقطت بالأقمار الصناعية، ظهر كل بحر بلون مختلف عن البحر الآخر، فبعضها أزرق قاتم، وبعضها أسود وبعضها أصفر، وذلك بسبب اختلاف درجات الحرارة في كل بحر عن الآخر، وقد التقطت هذه الصورة بالخاصية الحرارية، وبالأقمار الصناعية ومن سفن الفضاء، وظهر خط أبيض رفيع يفصل بين كل بحر وآخر، فاذا قرأت الآية الكريمة:{ مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان} الرحمن 19_20.
نجد أن وسائل العلم الحديثة قد وصلت الى تصوير البرزخ بين البحرين، وبينت معنى لا يبغيان، بأن مياه بحر حين تدخل الى البحر الآخر عن طريق البرزخ، فانها تأخذ وقت دخولها خصائص البحر الذي تدخل فيه، فلا تبغي مياه بحر على مياه بحر آخر فتغيرها.
ولقد تم الوصول الى هذه الحقائق بعد اقامة مئات المحطات البحرية، والتقاط صور بالأقمار الصناعية، والذي قال هذا الكلام هو البروفيسور شرايدر، وهو من أكبر علماء البحر بألمانيا الغربية، كان يقول: اذا تقدم العلم فلا بد أن يتراجع الدين، لكنه عندما سمع معاني آيات القرآن الكريم بهت وقال:ان هذا لا يمكن أن يكون كلام بشر.
ويأتي البروفيسور دورجاروا أستاذ علم جيولوجيا البحار ليعطينا ما وصل اليه العلم في قوله تعالى:{ أو كظلمات في بحر لجيّ يغشاه موج من فوقه موج سحاب، ظلمات بعضها فوق بعض اذا اخرج يده لم يكد يراها، ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور} النور 40.
فيقول: لقد كان الانسان في الماضي لا يستطيع أن يغوص بدون استخدام الآلات أكثر من عشرين مترا، ولكننا نغوص الآن في أعماق البحار بواسطة المعدات الحديثة فنجد ظلاما شديدا على عمق مائتي متر.
الآية الكريمة تقول:{ بحر لجيّ}، كما أعطتنا اكتشافات أعماق البحر صورة لمعنى قوله تعالى:{ ظلمات بعضها فوق بعض}.
فالمعروف أن ألوان الطيف سبعة، منها الأحمر والأصفر والأزرق والبرتقالي الى أخره، فاذا غصنا في أعماق البحر تختفي هذه الألوان واحدا بعد الآخر، واختفاء كل لون يعطي ظلمة.
فالأحمر يختفي أولا ثم البرتقالي ثم الأصفر، وآخر ألوان الاختفاء هو اللون الأزرق على عمق مائتي متر، كل لون يختفي يعطي جزءا من الظلمة حتى تصل الى الظلمة الكاملة، أما قوله تعالى:{ موج من فوقه موج}، فقد ثبت علميا أن هناك فاصلا بين الجزء العميق من البحر والجزء العلوي، وأن هذا الفاصل مليء بالأمواج، فكأن هناك أمواجا على حافة الجزء العميق من البحر وهذه لا نراها، وهناك أمواج على سطح البحر وهذه نراها، فكأنها موج من فوقه موج وهذه حقيقة علمية مؤكدة.
ولذلك قال البروفيسور دورجاروا عن هذه الآيات القرآنية: ان هذا لا يمكن أن يكون علما بشريا.
الجبال والأوتاد
واذا كانت العلوم الحديثة اكدت أن للجبال جذورا عميقة في الأرض، وهو لم يكن معروفا، ففي كل الخرائط الجغرافية تظهر الجبال بلا جذور ممتدة داخل الأرض، ولكن الصور الأخيرة الت التقطت للجبال، ظهر فيها أن لكل جبل وتدا يقويه يسميه العلماء جذرا، وأن هذا الجذر يمتد الى أعماق بعيدة، وهكذا ظهر اعجاز الآية الكريمة:{ ألم نجعل الأرض مهادا والجبال أوتادا} النبأ 6_7.
ثم جاءت حقيقة أخرى في قوله تعالى:{ الم غلبت الروم في أدنى الأرض} الروم 1_3.
وقد فسرت أدنى الأرض على أساس أنها قريبة من أرض العرب، فقد حدثت المعركة قرب بيت المقدس، وجاءت الخرائط الجيولوجية التي صورت أخيرا بالأقمار الصناعية، لتثبت أن المنطقة التي دارت فيها المعركة هي أكثر الأماكن انخفاضا على سطح الأرض، لأن أدنى تعني المكان المنخفض.
لقد أوردنا عددا من الأبحاث التي تمت في مؤتمرات الاعجاز العملي للقرآن الكريم، والتي شارك فيها عدد من أكبر علماء العالم في مختلف فروع العلم من غير المؤمنين، والذين شهدوا جميعا أن الآيات القرآنية التي قرئت عليهم معانيها، لا يمكن أن تكون الا من وحي الهي، ومن خالق لهذا الكون، نقول للناس جميعا: يكفي أن كل ما قلناه كأدلة علكية على وجود الله، كلها جاءت من أفواه الذين لا يؤمنون، ورفضوا الايمان حتى بعد أن سمعوا الاعجاز القرآني.
ان كل ما أوردناه ليس مجال بحث ولكنه قائم على المشاهدة والرؤية، وعلى صور عرضت وقدمت، ولم يكن الذين قدموا هذه الصور يهمهم اثبات معجزات وآيات القرآن الكريم، بل ان معظمهم كان يقول: اذا جاء العلم فليتراجع الدين، وبعضهم عارض في أول الأمر في الاشتراك في حوار يدخل فيه الدين.
واذا كان الله تعالى قد استخدم غير المؤمنين في اثبات قضية الايمان، فلا بد أن نعلم أن المؤمن والكافر كليهما يخدم قضية الايمان في الكون.