لمسات بيانية, لمسات بيانية - حلقات

لمسات بيانية – الحلقة 111

اسلاميات

الحلقة 111

سورة الجن:

(وَأَنَّا ظَنَنَّا أَن لَّن تَقُولَ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (5)) تقديم الإنس على الجن في هذه الآية ما فحواه؟

الآية الكريمة (وَأَنَّا ظَنَنَّا أَن لَّن تَقُولَ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا) قدّم الإنس لأن هذا طبعاً كلام الجن لأنهم ذكروا سيئات الجن ومعاصيهم ما لم يذكروه في الإنس كما في قوله تعالى (وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا (4)) وقوله (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا (6)) (وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا (11)) (وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا (14)) فقدّم الإنس على الجن باعتبار يرونهم أبعد عن الكذب لأنهم ذكروا من معاصي الجن الكثير ولم يذكروا شيئاً عن معاصي الإنس فكأن هؤلاء أبعد عن الكذب وأنأى عن الكذب وربما أنهم كانوا يحسنون الظن بالإنس هذا احتمال لأن عالم الإنس غير عالم الجن يعلمون أن في جماعتهم الصالح والطالح ودون ذلك وكانوا يرون في الإنس مظنّة الصدق على الله كما أن الإنس أيضاً يرون في الجن مظنة الصدق الكهنة كانوا يحسنون القول فيما يلقيه لهم الجن ويصدقونهم فيما يقولون. عالم غير عالمهم هم يرون في عالمهم الشرور والكذب ويطنون الإنس أفضل منهم فقدّم الإنس على الجن.

سؤال من المقدم: قال تعالى (وَأَنَّا ظَنَنَّا أَن لَّن تَقُولَ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا) نكّر كلمة كذباً مع أن القرآن الكريم استخدمها معرفة كما في سورة يونس (قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ (69)) وآل عمران (فَمَنِ افْتَرَىَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (94)) ما دلالة تنكير الكذب أو تعريفه؟

نكّر الكذب ليشمل كل كذب عام لأن المعرفة ما دلّ على شيء معين. الكذب يقصد شيئاً معيناً بأمر معين (قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ (69) يونس) هنالك أمر في السياق يقصده فذكر الكذب، فلما يقول الكذب فهو كذب عن أمر معين بالذات مذكور في السياق أما عندما يقول كذب فيشمل كل كذب مثل قوله تعالى (كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِـلاًّ لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُواْ بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (93) فَمَنِ افْتَرَىَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (94) آل عمران) الكلام عن الطعام، أمر معين، هو حرّم على نفسه وكذب على الله وقال حرّم كذا قال فاتوا بالتوراة في هذه المسألة مسألة الطعام فقال (فَمَنِ افْتَرَىَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ) لأن الكذب في مسألة معينة محددة. (قَالُواْ اتَّخَذَ اللّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ إِنْ عِندَكُم مِّن سُلْطَانٍ بِهَـذَا أَتقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (68) قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ (69) يونس) إذن هذا الكذب معرّف لأنه في مسألة معينة. (مَا جَعَلَ اللّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَآئِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ وَلَـكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ (103) المائدة) يتعلق بهذه الذبائح، هذا التعريف.

التنكير: (وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (92) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (93) الأنعام) ليس هنالك مسألة معينة ذكرها فهذه عامة، كذب يشمل كل كذب وليس الكذب في مسألة معينة (قُل لَّوْ شَاء اللّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَدْرَاكُم بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِّن قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ (16) فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ (17) يونس) لم يذكر مسألة معينة حصل كذب فيها (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ (17) يونس) الكذب عام. (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَإِن يَشَأِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (24) الشورى) لم يقل ما هو الشيء. (إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ (38) المؤمنون) إذن التنكير في اللغة يفيد العموم والشمول. في الآية (وَأَنَّا ظَنَنَّا أَن لَّن تَقُولَ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا) في أي شيء لا في مسألة معينة لا يكذبون على الله أبداً كما يظنون، كان ظنهم هكذا فإذن نكّر كذب ليشمل كل كذب وليس هنالك أمراً معيناً.

سؤال من المقدم: ما دلالة الصيغة (وَأَنَّا ظَنَنَّا أَن لَّن تَقُولَ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا) إذا قلنا وأنا لم نظن فما الفرق بين ما ظننت أن يفعل وظننت ألا يفعل؟

هم ظنوا وهو أثبت الظن وأكد الظن. فرق بين أن تقول (ظننت أنه لا يفعل) هو حصل الظن أثبت الظن، (ما ظننت) نفيت الظن، (وَأَنَّا ظَنَنَّا أَن لَّن تَقُولَ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا) هم ظنوا ذلك. مثلاً (ما علمت أنه مسافر) لم تعلم، (علمت أنه غير مسافر) علمت، إذن واحدة نفي العلم وواحدة إثبات العلم والأقوى إثبات العلم. إذا قال وأنا لن نظن نفى عنهم الظن لكن هذه الصيغة آكد لأنها إثبات للظن. (ما علمت أنه قادم) ليس لدي علم، (عملت أنه غير قادم) لدي علم بأنه غير قادم، أيها الأقوى؟ علمت أنه غير قادم أقوى. (ما سمعت أنه ناجح) و(سمعت أنه غير ناجح) هذا أثبت عدم النجاح. واحدة إثبات وواحدة نفي الظن وهؤلاء أثبتوا ظنهم بالإنس والجن. (وَأَنَّا ظَنَنَّا أَن لَّن تَقُولَ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا) أثبت لهم حسن الظن وإذا قال وأنا لن نظن فهي نفي (أنا ظننا) أقوى وهذه الآية (وَأَنَّا ظَنَنَّا أَن لَّن تَقُولَ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا) ذكر فيها أبعد حالات الكذب على الله أولاً قال (إنا ظننا) ولم نقل إنا لم نظن، والآخر نفى بـ (لن) المؤكدة (لن) تفيد توكيد نفي المستقبل وليس فقط نفي المستقبل، ثم قال (على الله) لأنه أبعد من أن يُكذب عليه يمكن أن يكذب أحدهم على شخص لكن لا يمكن أن يكذب على الله، إذا كذبت على شخص وقعت في معصية فكيف إذا كذبت على الله؟ (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (68) العنكبوت)، ثم نكر كذب ليشمل كل أنواع الكذب ثم وصف بالمصدر (كذب) ولم يقل مكذوباً أو مكذوباً فيه والتعبير بالمصدر أقوى من حيث الدلالة والتعبير. فإذن ذكر كل حالات البعد عن الكذب عن الله سبحانه وتعالى.

سؤال من المقدم: في قوله تعالى (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا (6)) ما معنى الرهق؟

الرهق هو غشيان المحارم، إرتكاب المحرمات والمآثم وتأتي بمعنى الذِلّة وليس مجرد التعب. المعنى إذن أن الإنس استعاذتهم بالجن زادوهم كِبراً وكفراً وضلالاً. والعرب يقولون كانوا إذا أمسى المساء في وادي قفر واضطروا إلى أن يبيتوا في القفر (القفر صحراء ليس فيها زرع) خاف على نفسه فكان يقول أعوذ بسيد هذا الوادي من سفهاء قومه يقصد الجنّ كانوا يرون أن الجن منتشرون في الأرض وهو يخاف أن يمسه من الجن شيء فكان يقول أعوذ بسيد هذا الوادي من سفهاء قومه يلجأ لسيد الجن حتى يمنعه من سفهاء الجن. (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ) يعوذون بمعنى يستعينون بهه ويلجأون إليهم فهم كانوا يحتمون بهم. كيف زادوهم رهقاً؟ أولاً من الذي زاد رهقاً؟ الجن أم الإنس زادوا رهقاً؟ كانوا يستعيذون في بعض مسائلهم إذا خشوا على أنفسهم من الجن والجن إذا سمعوا ذلك استكبروا وقالوا سُدنا الجن والإنس هذا من الرهق استكبروا وعتوا، إذن الجن هم الذين زادوا رهقاً .واحتمال آخر أن الجن زادوا الإنس رهقاً بقوا يستعيذون بهم وهذا ضلال فبإغوائهم واستعاذتهم بهم زادوا إثماً وضلالاً إذن فيها احتمالين والإحتمالان قائمان ولذلك لم يذكر من الذي زاد، زاد فعل والواو فاعل والضمير (هم) يعود على الجن والإنس معاً لأن الإنس ازدادوا رهقاً بغشيانهم للمحارم واستعاذتهم بالجن وما إلى ذلك وغواية وضلالاً وأولئك زادوا كبراً وقالوا سُدنا الجن والإنس فكلاهما ولذلك لم يذكر يعود الضمير على من ليشمل كليهما الإنس والجن، الجن ازدادوا رهقاً وعتواً وتجبراً والإنس زادوا ضلالاً وغواية وهذا من قبيل التوسع في المعنى لأنه يريد المعنى إذن كلاهما وارد كون الإنس يستعيذون بالجن هذا ضلال وأولئك يزدادون كِبراً وتجبراً ويرهقونهم أيضاً.

سؤال من المقدم: الآية يستدل بها من كثير من المسليمن أن الإنس يحضر الجن والجن يطلب منه طلبات؟

يقال أن الجن يطلب طلبات والإنس يطلب طلبات. (وَيَوْمَ يِحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُم مِّنَ الإِنسِ وَقَالَ أَوْلِيَآؤُهُم مِّنَ الإِنسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِيَ أَجَّلْتَ لَنَا (128) الأنعام) كلها غواية، الإنس يزداد غواية وضلال والجن يزداد غواية وضلال ولذلك لم يقل فأرهقوهم، هو قال فزادوهم رهقاً إذن الرهق موجود فكلما يستعيذ به يزداد والاستعاذة بحد ذاتها رهق فكلما استعاذ يزداد ضلالاً على ضلال لم يقل فأرهقوهم وإنما قال فزادوهم رهقاً.

سؤال من المقدم: (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنّ) أخّر الفعل يعوذون عن (كان) وفي آية قبلها (وأنه كان يقول سفيهنا)؟ ألصق يقول بـ (كان) فلماذا؟

ذكرنا في الآية السابقة (وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا (4)) قلنا فيها ضميران للشأن (أنه) واحد وفي (كان) هي ضمير الشأن (كان سفيهنا يقول) وضمير الشأن يفيد التفخيم والتعظيم هذا حكم عام. إذن هناك بينا سبب الصيغة والآن نأتي إلى الآية: إذن ضمير الشأن يفيد التفخيم والتعظيم وكلما كانت ضمائر الشأن أكثر كلما كانت المسألة أهم. عندنا الآن مسألتين المسألة الأولى (وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا) كان يقول اتخذ صاحبة وولداً (وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا (3)) فرد عليهم (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنّ). أيها الأكبر الشِرك أم هذه المسألة؟ الشِرك أكبر وقولهم اتخذ الله صاحبة وولداً أكبر من هذه المسألة إذن هما ليسا بمرتبة واحدة لو قال (وأنه كان يعوذ) سيصير مرتبة واحد ويصير فيها ضميران للشأن وهما ليسا بمنزلة واحدة قطعاً لأن ذاك شرك واتخذا صاحبة وولداً، الشرك أكبر من هذا ولذلك في الميزان البياني لم يساوي بينهما في المرتبة اللغوية من حيث الدلالة لأن المسألة مختلفة من حيث العقيدة.

إذن القرآن لا يوظّف الكلمة إلا في مكانها الصحيح، ميزان دقيق في البيان والدلالة، ما يحتاج التأكيد يؤكد بمؤكد أو اثنين أو ثلاثة وما لا يحتاج لا يؤكده.

ثم قال (يعوذون) فجاء بالفعل المضارع الذي يفيد التجدد ولم يقل عاذوا أو استعاذوا أو كانوا قد عاذوا والمضارع فيه تجدد وخاصة لما يأتي بعد (كان)، الفعل المضارع بعد (كان) يدل على الاستمرار، (كان يفعل) يدل على الاستمرار فمعنى أنه كان يعني تجدد ازداد الرهق لأنه لما كان الاستمرار في الاستعاذة صار الزيادة في الرهق، هذا يستمر والرهق يستمر.

فكرة عامة عن الآية (وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا (7)):

هذا التعبير يحتمل أن يكون كلام الجن، كان قبلها الإنس والجن (وَأَنَّا ظَنَنَّا أَن لَّن تَقُولَ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (5)) فمحتمل أن يكون هذا كلام الجن يخاطبون قومهم أن الإنس يظنون كما تظنون أنتم قسم منهم ينكر اليوم الآخر واحتمال أن يكون هذا مما أوحى الله به يقول لكفرة قريش أن الجن يظنون كما تظنون أنتم، أنه مما قاله الجن أنهم الجن ظنوا كما تظنون أنتم أيها الكفار أن لن يبعث الله أحداً وهذا إنكار اليوم الآخر وقسم قال إنكار النبوات والرسل لكن يبدو أن إنكار اليوم الآخر أرجح لأنه قال (أن لن) و(لن) للمستقبل، كان قال لم يبعث ولن يبعث هذا للستبقين أنكرها، ألن يبعث هذا استقبال. ألن يبعث يعني بالمستقبل هذا هو الراجح إنكار للبعث والنشور من أساسه. هم أنكروا هذا اليوم وأنكروا إرسال الرسل. الجن قالوا سمعنا كتاباً من بعد موسى ولذلك الراجح أنه إنكار البعث. لكن الآية تحتمل أن كلاهما قال الإنس والجن.

سؤال من المقدم: (وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاء فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا (8) وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَّصَدًا (9)) ما معنى لمسنا السماء؟

إلتمس معناها طلب، ألتمس كذا ولمس أيضاً معناها طلب في اللغة. لمس هو الفعل الثلاثي والتمس هو مزيد زيادة في الطلب مثل جهد واجتهد. لمسنا السماء أي طلبنا واستماع كلام أهلها وليس المعنى الحسي للمس. لمسنا يعني طلبنا وأردنا ذاك المزيد وهذا المجرّد، لمسنا السماء أي طلبنا الاستماع لما فيها، هم في واقع الأمر لم يصلوا إلى السماء هو قال (فَمَن يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَّصَدًا (9)) يعني هم كانوا يستمعون والآن مُنِعوا، إذن طلبنا السماء والاستماع إلى أهلها فوجدناها ملئت حرساً شديداً ملائكة مكلفين بحفظها ومملوءة بالحرس الشديد ومملوءة بالشهب، كانوا يستمعون (وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَّصَدًا (9)) يجد له مخصصاً شهاباً رصداً لم يقل فمن يستمع الآن يجد شهاباً وإنما يجد له. رَصَد يعني معدّ له ليرجمه لأنه محتمل كلمة رصد تكون بمعنى إسم فاعل أي شهاب راصد يعني يرقبه ومحتمل بمعنى إسم المفعول. رصد يرصد رَصْداً، رَصَد بفتح الصاد (فَعَل) لها عدة دلالات بمعنى إسم المفعول مثل السلب بمعنى المسلوب أو الهَمَل بمعنى مهمل، همل من أوزان إسم المفعول، قنص ويقنص هذه من أوزان إسم المفعول. شهاباً رصداً أي معداً له أرصد له ليرجُمه ويحتمل أن يكون بمعنى إسم فاعل يعني راصداً له فيحرقه إذن المعنى من يروم استراق السمع يجد له شهاباً مرصداً له معداً له لا يتخطاه، يجد له يعني لن يفلت منه أحد.

سؤال من المقدم: بعض آيات سورة الصافات تناولت نفس الموقف تحديداً لكنه قال فيها (إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ (10)) ما قال هذا الموقف في سورة الجن مع أن الموقفين متشابهين؟

لو نقرأ آيات الصافات تبين لنا (إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ (6) وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ (7) لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ (8) دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ (9) إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ (10)) الفرق هو ذكر في سورة الجن من الحراسة ما هو أشد، قال (مُلِئَتْ) ولم يقلها في الصافات ثم قال (مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا) وفي الصافات لم يذكر أن فيها حرساً وإنما قال (وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ (7)) ليس فيها ذكر للحرس وفي الجن ذكر الحرس الشديد وذكر أنها ملئت بالشهب وفي الصافات قال (إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ (6) وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ (7)) لم يقل أنها ملئت بالشهب أو الحرس الشديد ثم ذكر أنه أُعِدّ لكل من أراد الاستماع تحديداً شهاباً ولم يقل ذلك في الصافات، يعني يتعذر في مثل هذا أن يصير حطفة وهناك لا يتعذر (إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ) وفي الجن لا يستطيع لأنه يجد له شهاباً. خطف يعني استمع خبراً فخطفه وهرب.

سؤال من المقدم: (يجد له) يجد له بالذات. يجد له هل توحي بأنه دُمِّر من قبل الشهاب؟

يتبعه يحرقه، في الجن منع أن يقترب لكن هناك خطف ونزل وأتبعه شهاب. في الصافات قال (وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ) هذا على العموم، في الجيش عندما يهاجم يقذف لكن ليس بالضرورة القذف يصيب كل جندي في المواجهة، ترمى عليه السهام هكذا لكن ليس بالضرورة أن كل أفراد الجيش سيصابون. هنا المسألأة مختلفة، هنا لا يكفي وإنما يجد له على سبيل الخصوص (فَمَن يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَّصَدًا (9)).


أسئلة المشاهدين خلال حلقة 14/4/2008م:

  1. سورة العاديات (وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا (1) فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا (2) فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا (3) فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا (4) فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا (5) إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (6) وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ (7) وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (8) أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ (9) وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ (10) إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ (11)) ما دلالة استخدام الجمع في نهاية السورة مع أن أولها بالإفراد؟ هو قال (أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ) القبور جمع وما فيها جمع و (وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ) جمع والإنسان عام.

  2. بعض أوائل السور مثل يس وطه هل هذه أسماء للرسول r لأننا نسمع بعض الماس يلقبون الرسول r r بـ طه ويس؟ هذه قسم قال هكذا لكن علماء التفسير قالوا هي مثل حم وألم عبارة عن أحرف مقطعة. وصار الاشتباه في الخطاب بعدها (يس (1) وَالْقُرْآَنِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3) يس) (طه (1) مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لِتَشْقَى (2) طه) لكن (كهيعص (1) ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2) مريم) ربك خطاب فهل معنى هذا أن كهيعص إسم؟ كذلك (حم (1) عسق (2) كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ(3) الشورى) فيها ضمير خطاب لكن ليس حم عسق إسم من أسماء الرسول r. إذن وجود ضمير الخطاب بعد هذه الأحرف لا يعني أنها إسم للرسول r. هذا رأي عموم المفسرين أنها أحرف مقطعة.

  3. سورة عبس (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36)) ما سر تأخير الأبناء في الآية؟ ربنا قال يوم يفر المرء، الفرار أول مرة يفر من الأباعد أو من الأقارب؟ آخر من يفر منهم الأقارب، آخر من يفر منهم أقربهم إليه، يفر من الأبعد ثم ينتهي بأقرب الناس إليه، هذا الفرار. الآن المذكورين الأخ هو أبعد المذكورين (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ) الإنسان في كل وقت يأوي إلى الصاحبة (الزوجة) والأبناء، الإنسان يعيش مع زوجته وأبنائه أحياناً سنين ولا يعيش مع أخيه وقد يبقى سنوات لا يرى أخوه يبدأ بالأخ وهو أبعد المذكورين. الإنسان لما يخاف أول مرة بمن يستعين؟ بأمة أو بأبيه؟ يستعين بأبيه وهذا فرار الأب أقرب إليه في هذا الموقف تحديداً لأن الأب أقدر على النفع والدفع والأم تبكي والأعرابي لما بُشِّر بمولودة قال والله ما هي بنِعم الولد نصرها بكاء وبِرُّها سرقة تأخذ من مال زوجها. فإذن الفرار من الأم ثم الأب ثم الصاحبة والولد لأنه يأوي إلى صاحبته وأقرب المذكورين في الآية هم الأبناء.

  4. (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا (14) العنكبوت) ما الفرق بين السنة والعام؟

  5. في سورة الكهف (حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْمًا لَّا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا (93)) هل هم يأجوج ومأجوج أم غيرهم؟

  6. (وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ (34) ص) ما هو هذا الجسد وما اللمسات البيانية في الآية؟

  7. (قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ (4) البروج) يقولون أن قتل في القرآن تعني اللعنة فهل هذا صحيح؟ إذا كان هذا صحيحاً فما الفرق بين القتل واللعنة في الآية (مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا (61) الأحزاب)؟

بُثّت الحلقة بتاريخ 14/4/2008م

2009-03-16 16:01:52الدكتور فاضل السامرائي>برنامج لمسات بيانيةpost