الحلقة 114
سؤال: (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاء وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (110) يوسف) ما هو تفسير الآية؟ ممن كُذِبوا؟
قال سبحانه وتعالى (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا) طبعاً هنالك قراءة متواترة من السبعة من أكثر من قارئ (كُذِّبوا) ومن الأقوال المشهورة في تفسير هذه الآية استيأس الرسل من إيمان قومهم (استيأس مبالغة في اليأس) استيأسوا من إيمان قومهم وظنّ قومهم أن الرسل قد كذبوهم، ظن القوم أنهم قد كُبِوا فيما أخبر به الرسل، الرسل أخبروهم أنه إن لم تؤمنوا فسيحل بكم عقاب الله وعذابه وحذروهم وإذا آمنتم فهنالك نصر، هؤلاء لم يؤمنوا فاستيأس الرسل من إيمان قومهم، لم يحصل شيئاً بالنسبة للقوم إذن قالوا أنهم كُذِبوا يعني هؤلاء قد كذبوهم يعني استيأس الرسل من إيمان قومهم وقومهم ظنوا أنهم قد كُذبوا فيما أُخبروا به، الظنّ هنا للقوم وليس للرسل وهذا من أشهر ما قيل فيها أن استيأس للرسل والظن للقوم ويؤيد هذا الرأي أمران: قراءة (كُذّبوا) والأمر الآخر أن السياق الكلام عن عدم إيمان الأقوام، قال قبلها (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (103) (وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ (105) وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ (106)) (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِم مِّنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ (109)) السياق في عدم إيمان الأقوام. إذن هذا من مشاهير القول أن الرسل استيأسوا من إيمان قومهم ولم تنزل عقوبة بهم إذن ظن القوم أن الرسل قد كذبوهم، أنهم قد كُذِبوا، هذا من أشهر ما قيل، القوم كذبوا فيما أُخبروا يعني الرسل كذبوهم فيما أخبروهم، إذن (كُذِبوا) هنا تعود على القوم فيما وصل إليهم على لسان الأنبياء والرسل. وأيضاً هنالك رأي آخر أن الأتباع أي الرسل وعدوا أتباعهم المؤمنين بأن الله سينصرهم ويعذب الكافرين.
استطراد من المقدم: هنا (كُذِبوا) تعود على أن ما وصل إلى أقوام الأنبياء على لسان رسلهم جاء كذباً وقراءة كُذِّبوا الرسل كُذِّبوا. والقراءتان متواتران فهي تجمع المعنيين.
سؤال من المقدم: ألا يعتبر هذا تشتيت لفهم الدلالة داخل القرآن الكريم بتعدد القراءات ؟
تعدد القراءات إما أن يوضح أو يعطي معنى آخر زيادة للمعنى الأول. على سبيل المثال في الفاتحة عندنا قراءة مالك يوم الدين وملك يوم الدين وربنا ملك ومالك، ملك يوم الدين هو مالكهم، الملِك غير المالك، المالك يتصرف غير تصرف الملك، أنت لك أن تبيع وتشتري وتهب، المالك له التصرف في مُلكه أما الملك فليس له الحق أن يملك أموال الناس والرعية. ليس كل ملك مالك ليس بالضرورة قد يكون ملكاً وليس مالكاً فهناك فرق بين الملِك والمالك. كلٌ له تصرفه المالك له تصرف والملِك له تصرف. والله تعالى يريد أن يجمع الأمرين فلا بد من قراءتين كما في قوله تعالى (مَالِكَ الْمُلْكِ (26) آل عمران) جمع الأمرين مالك من التملّك، والمُلك من الملِك ليس من التملك (أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ (51) الزخرف) صاحب المُلك ملِك والمالك هو صاحب المِلك. هناك فرق بين مُلك ومِلك، المُلك الحكم (أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ) هو يحكمها والمِلك هو ما يملكه، يبيعه ويشتريه أو جاءه عن طريق ما. فصاحب المِلك مالك وصاحب المُلك مَلِك وربنا قال (مالك المُلك) المُلك مِلْكُه فجمع الدلالتين بهذا وهاتان القرآتان جمعتا ملك ومالك. التدبر في القراءات يوضح المعاني وتجمع أكثر من معنى. إذن كُذبوا وكُذّبوا لكل منها دلالة صحيحة. فإذن هذه الدلالة الأولى أن الأقوام ظنوا أن رسلهم قد كذبتهم وأنهم كُذِبوا فيما أُخبروا به وقسم قال الأتباع أتباع الرسل المؤمنين بهم طال الأمر وهم يعذَّبون ويفتنون ولم يحصل إلى الآن ما أخبر به الرسل بأن الله سينتقم من الكافرين أو ينصركم أو ينجيكم فدخل في بعض الظن هل يعقل أن الرسل قد كذبونا فيما أخبروا؟ الأتباع ظنوا أنهم قد كذبوا إلى درجة أن الأتباع ظنوا أنهم قد كُذِبوا، فجاءهم نصرنا إلى أن بلغوا حالة، استيأس الرسل من إيمان أقوامهم وظنت الأقوام التي لم تؤمن بالرسل أنهم قد كُذِبوا وأن ما أخبرهم به الرسل كذب. (جاءهم نصرنا) جاءهم تعود على الرسل.
سؤال من المقدم: (ظنوا أنهم كذبوا) ألا يعود الضمير في ظنوا على الرسل؟
فعلاً قسم من المفسرين قال هم بشر دخل في نفوسهم شيء من الظن طارئ ليس يقيناً لكن يبدو أن السياق والقرآءة الأخرى ترجح ما ذكرناه أولاً. استيأس الرسل من إيمان قومهم لأنه ذكر قبلها الأقوام التي كذبت رسلهم وتتابع في ذكرها يعني لم ييأس الرسل من تبليغ رسالة الله ولكن استيأسوا من إيمان قومهم.
استطراد من المقدم: لما يحذف ربما تكون هنالك قرينة سياقية تعين على تحديد دلالة معينة.
السياق واضح (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (103) (وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ (105) وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ (106)) (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِم مِّنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ (109)) السياق في هؤلاء الذين لم يؤمنوا أصلاً.
سؤال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ (6) المائدة) ما دلالة الواو في وأرجلكم؟ هل هي للعطف على رؤوسكم؟
معطوفة على وجوهَكم. ليس بالضرورة أن يكون العطف على الأقرب والعطف قد يكون على الأبعد. مثال من القرآن (فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (17) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ (18) الروم) السماء والأرض عطف على حين تمسون وحين تصبحون؟ لا، الأرض معطوفة على السموات، و(له الحمد) معطوفة على (فسبحان)، حين تصبحون معطوفة على حين تمسون. (وعشياً وحين تظهرون) معطوفة على أبعد شيء. نقول دخلت إلى السوق واشتريت كتباً ثم ذهبت إلى البزاز واشتريت قماشاً ثم ذهبت إلى البقال واشتريت كذا وكذا ثم رجعت (رجعت معطوفة على دخلت). لو قرأنا قصص الرسل في الأعراف كل قصة ثم قال (وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً (65)) معطوفة على (لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ (59)) ثم تأتي قصة نوح ثم (وَإِلَى عَادٍ) معطوفة على (أَرْسَلْنَا نُوحًا) يعني وأرسلنا إلى عاد أخاهم هوداً، أخاهم مفعول به منصوبة. نقول (وإلى عاد) هذ الواو واو العطف ثم قال (وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا (73)) تكلم على عاد وما فيها ثم قال (وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا (73)). في آية الوضوء قراءة النصب واضحة والذي يحدد الأمر هو السُنّة إذن (وأرجلَكم) معطوفة على (اغسلوا وجوهَكم). (وأرجلكم) معطوفة على أرجلكم. من حيث اللغة لا تمنع، اللغة لا تمنع العطف على الأبعد هذا حكم شرعي والذي يحدد هو ما ورد من الآثار.
سؤال: ما معنى نافلة في قوله تعالى (وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ (72) الأنبياء)؟
النافلة هو الزيادة، ابراهيم سأل فقال (رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (100) الصافات) أراد ولداً فأعطاه ولداً وولد ولد، أعطاه (إسحق) ويعقوب زيادة (إبن اسحق) إذن يعقوب هو نافلة. ليس إسحق ويعقوب نافلة، إسحق ابنه ويعقوب ليس ابنه وإنما إبن اسحق، إذن نافلة متعلقة بيعقوب. (نافلة) تُعرَب حالاً. إسحق هو إبنه كما طلب ويعقوب ليس إبنه زيادة والنافلة هي الزيادة. سميت النَفل والأنفال بمعنى الزيادة.
سؤال: ما الفرق بين سلام والسلام في قوله تعالى (وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا (15) مريم) و (وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33) مريم) ؟
السلام معرفة والمعرفة هو ما دلّ على أمر معين، وسلام لك والأصل في النكرة العموم إذن كلمة سلام عامة وكلمة السلام أمر معين. لما نقول رجل يعني أيّ رجل ولما نقول الرجل أقصد رجلاً معيناً أو تعريف الجنس. الأصل في النكرة العموم والشمول. إذن (سلام) أعم لأنها نكرة وربنا سبحانه وتعالى لم يحييّ إلا بالتنكير في القرآن كله مثل (قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى (59) النمل) (سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ (79) الصافات) (سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ (109) الصافات) (سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ (120) الصافات) حتى في الجنة (سَلَامٌ قَوْلًا مِن رَّبٍّ رَّحِيمٍ (58) يس) حتى الملائكة (سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73) الزمر) ربنا تعالى لم يحييّ هو إلا بالتنكير لأنه أعم وأشمل كل السلام لا يترك منه شيئاً. (سلام عليه) هذه تحية ربنا على يحيى والآية الأخرى عيسى u سلم على نفسه وليس من عند الله سبحانه وتعالى، سلام نكرة من قبل الله تعالى والسلام من عيسى u وليس من الله تعالى والتعريف هنا (السلام) أفاد التخصيص. ويقوون تعريض بالذين يدعون أن مريم كذا وكذا فقال (والسلام علي) رد على متهمي مريم عليها السلام.
سؤال: (قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا (151) الأنعام) ذكر سياق المحرمات في البداية ثم قال ألا تشركوا به شيئاً كأن عدم الشرك هو المحرّم فهل يمكن توضيح الآية؟.
الآية (قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151) وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ (152)) لو نهى وقال لا تسيئوا إليهما كيف ينهي؟ هذا لا يفي بحق الوالدين لأن الإساءة لا تنبغي وإنما ينبغي الإحسان، عدم الإساءة لا يقتضي الإحسان. منصوص الآية من حيث الدلالة وأحسنوا بالوالدين إحساناً لأن الوالدين لا يكفي في حقهما النهي عن الإساءة، عدم الإساءة إليهما هذا أمر مفروغ هذا لا يكفي وإنما عدم الإساءة والإحسان إليهما واجب. الأمر بعدم الإساءة أمر مفروغ منه لكنه لا يكفي عند الله. (وبالوالدين إحساناً) إحساناً مفعول مطلق وأحسنوا بالوالدين إحساناً مفعول مطلق لفعل محذوف، ولذلك كل القرآن لم ينهى وإنما يقول (لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً (83) البقرة) (وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا (36) النساء) (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا (23) الإسراء) (أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا (151) الأنعام) (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا (15) الأحقاف) لا يكفي أنه لا تسيء إليهما هذا لا يكفي، لو نهى كان يكون هذا في حقهما كافياً أن لا تسيء إليهما، لا هذا ليس كافياً في حقهما وإنما ينبغي أن تُحسن إليهما. ولهذا لم تأت بهذا الشكل مطلقاً في القرآن الكريم في موضع آخر في القرآن لعظمة الوالدين وكبير أمرهما عند الله.
استطراد من المقدم: لكن الله تعالى استخدم النهي مع الشرك بالله؟
(لا تشرك) هذا مطلوب إذن منزلة الوالدين عند الله تبارك وتعالى ما بعده منزلة. (فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ (23) الإسراء) يعني دون شيء أقل شيء ينبغي أن لا يقال حتى لا تظهر الضجر ليس فقط تحسن إليهما ولكن لا تظهر إليهم الضجر. حتى ربنا لما ذكر (يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (11) وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (12) وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ (13) وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ (14) المعارج) لم يذكر الأب والأم بينما في سورة عبس ذكر في الفرار الأم والأب. في الفداء قال (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) عبس) يفتدي من العذاب، يفدي نفسه من العذاب فلا بد أن يقدم شيئاً ما فيقدّم بنيه بدلاً منه وصاحبته أي زوجته وأخيه وفصيلته التي تؤويه أي عشيرته ومن في الأرض جميعاً ولم يذكر الأم والأب لأنه لا يستطيع أن يقدمهما لأن ذلك سيغضب ربه. يقول أنا أمرتك بالإحسان إليهما فكيف يفتدي بهما؟ هذا لعظيم منزلة الأبوين عند الله المجرم لا يجرؤ أن يفتدي بالأم والأب والله تعالى أمر بالإحسان إليهما وكأن هذا الإحسان دنيا وآخرة. أنت عندما تفتدي عند صاحب الأمر والنهي تفتدي بما يحب لا بما يكره، فربنا يكره أن تفتدي بالأب والأم لا يحب ذلك وإنما ينبغي الإحسان إليهما. فهذا يدل على عظيم مكانة الأبوين عند الله.
استطراد من المقدم: إذا كان الله تعالى يحب الأبوين هكذا فلم لا نقدمهما فداء؟
يقدمهم فداء حتى يدخلوا النار مكانه؟! هل هذا جزاء الإحسان إليهما؟ وهل يدخلهما النار مكانه؟!
سؤال: (ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا (12) الكهف) ما هي صيغة أحصى هل هي تفضيل؟
في اللغة والتفسير يمكن أن تكون (أحصى) إسم تفضيل وإما أن تكون فعلاً ماضياً.
سؤال: في سورة الحجرات الخطاب فيها تكرر 5 مرات بـ(يا أيها الذين آمنوا) ومرة واحدة (أيها الناس) فما دلالة تغير الخطاب؟
(يا أيها الذين آمنوا) إذا كان يخاطب المؤمنين خاصة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ (11)) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ (11))، بينما (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا (13)) لما يكون الخطاب لعموم الناس (وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ) هذه ليست للذين آمنوا وإنما لكل الناس، هذا ليس خاصاً بالمؤمنين فقال يا أيها الناس، الخطاب للناس لكن الأخرى أحكام للمؤمنين.
سؤال من المقدم: الحج أحكام للمؤمنين ولكن الخطاب جاء (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ (27) الحج)؟
لأن الحج دعوة إلى الإسلام لما يأمروا الناس بالحج يعني يدخلوا في الإسلام. فرق بين (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77) الحج) الخطاب للمؤمنين وبين الناس، ما الفرق؟ وما الفرق بين لو قال يا أيها الناس صلوا واركعوا، اليهود يصلون والنصارى يصلون إذن هم دخلوا لكنهم لا يحجوا إلى البيت وإنما هذه العبادة تفرد بها المسلمون.فعندما يناديهم يناديهم للدخول في الإسلام ليس لمجرد الحج كركن من أركان الإسلام. لو قال صلّوا قالوا نحن نصلي (وَاجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ (87) يونس) ولو قال صوموا قالوا نصوم (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ (183) البقرة)، أما الحج هل كان اليهود يحجون إلى مكة؟ أو النصارى يحجون إلى مكة؟ ما كانوا يحجون وليس عندهم هذه الشعيرة فلما يكتبه على الناس معناه يدعوهم للدخول في الإسلام لأن الحج يختلف عن جميع العبادات.
سؤال: حينما تكلم ربنا تبارك وتعالى على سيدنا موسى قال (وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (39) طه) ولما تكلم عن الرسول r r قال (وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48) الطور) فما الفروق الدلالية بين الآيتين؟
الصنع يكون في بداية الأمر، هو الكلام على موسى u تكلم على ولادته ونشأته (إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى (38) أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (39) طه) هذا في مرحلة طفولته (إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى (40) وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (41) طه) والرسول r r بعد الأربعين يحمل همّ الرسالة كيف يقال له تصنع على عيني؟ وإنما هو يحتاج إلى رعاية الآن للتبليغ. الدلالة العامة لقوله (وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي) أي ينشئك بالصورة التي يريدها ابتداء ويهيأ المكان الذي يريده ولما قال عن النبي r (فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا) يعني يحفظك، كما قال (وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ (13) تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا (14) القمر) السفينة قال تجري بأعيننا يعني برعايتنا وحفظنا. (وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ (67) المائدة) يعني يحفظك أنت تحت رعايتنا وحفظنا نراقب الأمر (إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى (46) طه) نحن نراك ونحفظك ونحميك ونرعاك يعني أنت تحت رعايتنا.
سؤال: (فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (17) الروم) ما دلالة تقديم الإمساء على الإصباح مع أن الإصباح أسبق؟.
في آية أخرى قدم أيضاً وقال (وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (42) الأحزاب). الآية (فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (17) الروم) أصلاً هو السياق في ذكر الساعة (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ (14) فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ (15) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآَخِرَةِ فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ (16) فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (17) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ (18) الروم) السياق في الآخرة والساعة هي آخر الدنيا والمساء آخر النهار فربط بين هذه وتلك. وفي الحديث قال “ما بقي من يومكم إلا ما بين العصر والمغرب” يذكر أن الوقت قصير. فالمساء هو آخر النهار والساعة هي الآخر فقدم المساء لمناسبة الحديث العام عن الموضوع بينما الاية الأخرى (وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (42) هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا (43) الأحزاب) نأخذ الآن القياس بين البكرة والأصيل الظلمات تمثل الليل والنور يمثل النهار بعد الظلمات نهار ونور بعد الليل نهار إذن (بُكْرَةً وَأَصِيلًا) لأن البكرة تأتي مباشرة بعد الظلمة، البكرة هي الصباح والأصيل المغرب لما قال (مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ) يقدم البكرة على الأصيل طبيعة الحال لأن بعد الظلمات هي البكرة وليس الأصيل تلك مناسبة الساعة الآخر بالآخر ومناسبة الظلمات والنور.
إذن ترتيب الكلمات يخضع لنسق عام أراده المولى تبارك وتعالى، السياق من الناحية الفنية.
أسئلة المشاهدين خلال حلقة 24/4/2008م:
-
قال الدكتور في حلقات سابقة في (ما في السموات وما في الأرض) وأحياناً (ما في السموات والأرض) وكأني فهمت أنه لما يقول وما في الأرض يتكلم بعدها عن أهل الأرض وفي آية سورة العنكبوت (قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (52)) هنا قال السموات والأرض مع أن السياق بعد الآية ذكر عن أهل الأرض (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ (53))؟ نحن قلنا ذلك في آيات التسبيح خاصة فقط (سبح لله ما في السموات وما في الأرض) أو (يسبح لله) في آيات التسبيح خاصة هنالك ظاهرة أنه إذا قال (وما في الأرض) يأتي الكلام بعدها على الأرض وإذا قال (والأرض) لا يأتي الكلام، هذا الذي قلناه ولم نطلقه إطلاقاً وإنما قلناه في آيات التسبيح خاصة.
-
كيف نفهم الآية (إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ (14) التغابن)؟
-
تكلم ربنا سبحانه وتعالى عن طعام اليهود فقال (وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى (57) البقرة) وقال فيما بعد على لسانهم (لَن نَّصْبِرَ عَلَىَ طَعَامٍ وَاحِدٍ (61) البقرة) مع أن المن والسلوى طعامان؟
-
من المعلوم أن يوم القيامة فيه شفاعة فكيف نفهم قوله تعالى (مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ (254) البقرة)؟
-
(وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ (254) البقرة) فكيف حصر الظلم على الكافرين مع أن من غيرهم من هو ظالم وليس بكافر؟
-
معلوم أن كيد الشيطان أعظم من كيد النساء فكيف نفهم قوله تعالى في حق الشيطان (إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا (76) النساء) وفي حق النساء (إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28) يوسف)؟
-
(وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ (84) يوسف) والمعروف أن الحزن لا يحدث العمى؟
-
سبق أن تحدثتم عن (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ (255) البقرة) وكنت تنحو منحنى اللغة العربية ثم أوردت حديثاً أن الكرسي لا يقدر قدره وهذا حديث معروف وإنما الكرسي في اللغة هو العلم كما قال الشاعر (كراسي بالأحداث حين تنوء). الآية في سياق الحديث عن العلم فالكرسي هو العلم وإلا فكيف يكون الكرسي موضعاً لله تعالى وقد وسع السموات والأرض إذا كان على التفكير السطحي الذي يريده بعض المجسمة إنما الكرسي في اللغة هو العلم وقال تعالى (رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا (7) غافر)؟
-
في الحلقة قبل السابقة ذكر الدكتور (وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً (60) البقرة) وفي الأعراف (وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا (160)) ذكر الدكتور أنه في سورة الأعراف ما قال فاضرب مع أنه ورد في الآية (اضرب)، هل حدث الإنفجار والانبجاس في مكان واحد وزمن واحد؟
-
(وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسَتَعْصَمَ (32) يوسف) ما اللمسة البيانية في كلمة (استعصم)؟
-
سورة القصص (وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ (82)) ما دلالة نصب (اللهَ)؟
-
(إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ (85) القصص) ما دلالة معاد وليس ميعاد؟
-
(يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ (105) هود) ما دلالة تكلم وليس تتكلم؟
-
(وَعَدَ الله الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا (68) التوبة) (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ (73) التوبة) ما دلالة جمع كافر على كفار وليس كافرون؟ مع أنها وردت كافرون في آية أخرى (إِنَّ اللّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا (140) النساء)؟
-
بالنسبة لوصول الرسل إلى قوم لوط مرة يقال (وَجَاءهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ (78) هود) ومرة (وَجَاء أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ (67) الحجر) فما الفرق بين استعمال يهرعون ويستبشرون؟
-
(وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ (48) مريم) والرد جاء (فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ (49) مريم) السؤال ورد بما تدعون والرد كان ما يعبدون فما الفرق بين تدعون ويعبدون؟
بُثّت الحلقة بتاريخ 24/4/2008م
2009-03-16 16:07:10الدكتور فاضل السامرائي>برنامج لمسات بيانيةpost