الحلقة 115
سورة الجن.
سؤال من المقدم: (وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا (10)) بناء الفعل للمجهول مع (أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الْأَرْضِ) بأهل الأرض وبناؤه للمعلوم (أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا) لماذا اختلف البناء في الآية؟
قال تعالى (وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا) هذا قول الجن عندما مُنِعوا من الاستماع (فَمَن يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَّصَدًا (9)) الآن هم يجهلون الأمر لا يعلمون أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشداً. أما بالنسبة إلى السؤال فنحن ذكرنا في أكثر من مناسبة أن هنالك في القرآن خط تعبيري واضح أن ربنا سبحانه وتعالى لا يسند العيب لنفسه وإنما ينسب له الخير وذكرنا أمثلة كثيرة في القرآن فهنا لما ذكر الشر قال (أَشَرٌّ أُرِيدَ) ولما ذكر الخير والرشد نسبه وأسنده للرب سبحانه وتعالى (أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا) وذكرنا أمثلة في القرآن (وَإِذَآ أَنْعَمْنَا عَلَى الإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَؤُوسًا (83) الإسراء) لم يقل مسسناه بالشر وإن كان الكل من عند الله سبحانه وتعالى لكن تأدباً (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ (14) آل عمران) لم يقل زين لهم بينما يذكر (وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ (7) الحجرات) (إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ (6) الصافات)
استطراد من المقدم: لكن في حالة بناء الفعل للمجهول ماذا يكون الفاعل؟
الفعل المجهول له نائب فاعل وليس فاعلاً كتقدير للجملة (أشر أريد) نائب الفاعل الآن مستتر، الآن نائب الفاعل ضمير الشر (مستتر) أريد شراً بمن في الأرض، شر مبتدأ وأريد فعل مبني للمجهول ونائب الفاعل ضمير مستتر يعود على الشر وعلى هذا الغرار قوله تعالى (الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) الشعراء) نسب المرض إلى نفسه وهذا كثير في القرآن الكريم كما في (آتيناهم الكتاب) و(أوتوا الكتاب) إذا قال (آتيناهم الكتاب) مدح وإذا قال (أوتوا الكتاب) ذمّ. وذكرنا أكثر من مرة قد يقول زينا لهم أعمالهم لكن لم يقل مطلقاً زينا لهم سوء أعمالهم وإنما يقول (زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ (37) التوبة).
سؤال من المقدم: إذن لا بد أن يكون هناك تأدب مع الله سبحانه وتعالى ونحن نتحدث عن الله؟
نعم..
سؤال من المقدم: الملاحظ في هذه الآية (أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا) قدّم إرادة الشر على إرادة الرشد فلماذا هذا النسق؟
جرى في السورة ذكر ما يفعله أهل الأرض من الشرور من الجن والإنس ذكر جملة من الشرور فاستحقوا التهديد وإنزال الشر بهم، تقدم الآية قوله تعالى (وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا (4) وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (5)) لكن تبيّن أنهم يقولون الإنس والجن تقول على الله كذباً، (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا (6)) هذا من الشرور، (وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا (7)) هذا إنكار للحشر فاستحقوا تقديم إرادة الشرّ.
سؤال من المقدم: من خلال الآيات التي تفضلت بها الآن نلحظ لفظ الجلالة (الله) ولكن في هذه الآية (أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا) قال (ربهم) فما دلالة لفظ ربهم في الآية؟
ذكرنا في أكثر من مناسبة أن الرب هو المربي والقيم على الأمر والرازق والهادي ورب الشخص عادة يريد له هدايته وصلاحه وخيره والشخص إذا أصابه سوء أو فزع فزع إلى مالك الأمر والقائم عليه إذن رب الجماعة يريد لهم الخير هذا من ناحية ناسب ذكر الربّ. لكن هنالك في الحقيقة أمر في القرآن الكريم لم يرد إسناد فعل إرادة السوء أو الضر (أراد أو أريد) إلى الرب وإنما تسند إلى الله، فعل الإرادة. مثلاً لم يرد (أراد ربهم أن يهلكهم) مثلاً يقول (قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعًا (17) المائدة) لم يقل ربهم، (وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ (11) الرعد) لم يقل الرب (قُلْ مَن ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُم مِّنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا (17) الأحزاب) (أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً) الله تعالى ينسب إلى نفسه الرحمة والرشد وينسب إن أراد السوء والضر إن أراد. لكن فعل الإرادة بالذات لا يأتي إلا مع الله لا يأتي مع الرب وإذا أتى يأتي في السوء والضر. (قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا (11) الفتح) (قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ (38) الزمر) إذا ذُكِر الرب لا يسند إليه إلا إرادة الخير والرشد (فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ (82) الكهف) (أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا (10) الجن) يعني يسند احتمال إرادة العقوبات والسوء إلى الله كما أسند إليه إرادة الخير والرشد لكن ذكر الرب لا يسند إليه إلا إرادة الخير أقصد في فعل الإرادة خصوصاً أما في غير أفعال الإرادة قد يذكر الرب في عموم المقامات مع التفضل والعقوبات (إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (12) البروج) (وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ (82) مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (83) هود) (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) الفجر) أقصد قعل الإرادة فقط هذا الكلام على هذا وهذا من خصوصيات الاستعمال القرآني، رب الإنسان يعاقبه لكن فعل الإرادة ماذا يريد؟ في القرآن لم يرد فعل الإرادة مع الرب إلا في الخير وهذا معناه أن الله تعالى لا يريد لنا إلا الخير. يأتي في العقوبات لكن فعل الإرادة بالذات يأتي بالخير أما مع (الله) يأتي كل شيء.
سؤال من المقدم: (وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا (11)) ما معنى طرائق قددا؟
القدد يعني الجماعات المتفرقة وهو جمع (قِدّة) قدّ يَقُدّ يعني قطع، طرائق مختلفة متقطعة ومذاهب، يعني طرائق (جمع طريقة) في الاعتقاد، وأنا منا الصالحين وغير الصالحين، غير الصالحين ذكرنا في أوائل الكلام عن السورة أنها لا تقابل الشيء بمقابله وإنما بما يتضمنه، ذكر مع القاسطين المسلمين لم يذكر الذين يعدلون وهنا الصالحون ولم يذكر المفسدون وإنما قال ومنا دون ذلك أي ما يتضمنهم. (ومنا دون ذلك) دون يعني أقل، يعني منا دونهم في الصلاح إلى أن يصل إلى الكفر. الدلالة (ومنا دون ذلك) لا توحي بأنهم كفار وإنما هم في تدرج في الصلاح. كيف عرفنا الكفار؟ لما قال (كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا) أي متقطعة غير ملتقية هذا يمضي إلى الكفر.
سؤال من المقدم: ألا تُفهم (وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ) بأنهم طرائق قددا؟
ليس بالضرورة، الآن في مجتمعنا في المسلمين فيهم صالحين وفيهم طالحين، يشرب الخمر ويقولو إن شاء الله أتوب يفعل الموبقات وهو على ذمة المسلمين يقول الشهادتين، هذا دون أولئك في الصلاح، كلاهما في طريقة واحدة طريقة الإسلام ليسوا قدداً، القدد تنتهي إلى طرائق غير ملتقية ليسوا قددا ما زالوا على ملة الإسلام لكنهم مختلفين في الصلاح. إذن (قددا) وضحت أنهم طرق مختلفة غير ملتقية متقطعة. الصلاح تدرج إلى الكفر الطرق المتقطعة غير الملتقية. قد يقال كنا طرائق متقطعة لكن التقطع قد يوحي بالتواصل ربما لكن (قدداً) بمعنى أنهم لن يتواصلوا أبداً، هم يتكلمون عن أنفسهم.
فكرة عامة عن الآية (وَأَنَّا ظَنَنَّا أَن لَّن نُّعجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ وَلَن نُّعْجِزَهُ هَرَبًا (12))
يعني نحن أيقنا أننا لن نعجر الله على أية حال لا نفوته إذا طلبنا سواء كنا في الأرض أم هربنا إلى السماء. نعجز الله يعني لا نفوته لا يعجز عن الإتيان بنا إذا أراد، إذا هربنا أينما ذهبنا يأتي بنا الله تعالى. وجاء بـ (لن) الدالة على توكيد النفي في الاستقبال يعني ليدل على أنهم لن يعجزوه في المستقبل أيضاً لا الآن ولا في المستقبل في الدنيا مهما جدّت من وسائل للهرب يستعين بها من يستعين بها للهرب يخرج من الأرض إلى جو آخر.
استطراد من المقدم: قال في الآية (وَأَنَّا ظَنَنَّا) معنى الظن هنا لا يرتقي إلى درجة اليقين؟
الظنّ في اللغة يتدرج، يتدرج من أدنى شك يعتري الإنسان هكذا من دون دليل (مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ (157) النساء) يعتريه أظن هكذا أو أظن هكذا ثم يقوى الظن بأمارات أنا أظن هو الذي فعل كذا هنالك ظن هكذا يعتري الذهن اعتراء بدون دليل هذا فيه نسبة شك ثم يقوى هذا الظن عنده أمارات تدل على قوة الظن حتى يصل إلى العلم. أيقنا ترتقي إلى درجة العلم، نذكر مثلاً في القرآن الكريم (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ (19) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ (20) الحاقة) هل كان شاكّاً؟ لا. (قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو اللّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ (249) البقرة) يظنون يعني موقنون بلقاء الله تعالى. الظنّ درجات هو هكذا يعتري من دون أي دليل يظن ثم يقوى بحسب الأدلة إلى أن يصل إلى اليقين لكن أهل اللغة يقولون أن الظن هو علم ما لم يُبصر ما يقول ظننت الحائط مبنياً الأشياء التي تُرى وتُبصر لا يقال ظنّ، الظن علم ما لم يُبصر أنت توقن لكن ليست الأشياء المبصَرة لا تقول أظن أن الحائط مبنياً وهو أمامك لا يصح هذا التركيب لكن تقول أظن أن وراء الحائط فلان، هذا أمر آخر يجوز فيه الظن لكن شيء تبصره وتقول أظنه هذا لا يصح ولذلك هم قالوا الظن درجات حتى يصل إلى اليقين.
استطرد من المقدم: على هذا المنوال مثلاً (حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ (24) يونس)؟
هكذا في زعمهم وفي تقديرهم (فقلت ظنوا بألفي مدجج) هذا استعمال لغوي قديم هو يرتقي الظن حتى يصل إلى اليقين وهنا (وَأَنَّا ظَنَنَّا أَن لَّن نُّعجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ (12) الجن) هذا إيقان أنه لا الآن ولا المستقبل مهما جدّت من وسائل للهرب فلن نعجزه أيضاً.
استطراد من المقدم: وبالتالي نفس الفعل ظنّ مضمر في قوله (وَلَن نُّعْجِزَهُ هَرَبًا) فيها ظن أيضاً؟
نعم هي معطوفة على (لن) الأولى وكلها داخلة في (أن) المصدرية.
سؤال من المقدم: (وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ فَمَن يُؤْمِن بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا (13)) ما معنى البخس والرهق؟
البخس نقص الشيء على سبيل الظلم تبخس حقه تعطيه أقل من حقه تكون ظلمته مثلاً بضاعة تساوي ألف تقول له بمائة مستغلاً سلطانك أو نفوذك إذن البخس نقص الشيء على سبيل الظلم تقول بخسه حقه إذا نقصه.
استطراد من المقدم: إذن اللغة عندها دقائق في التعبير ليس مجرد نقص الشيء فقط يعني البخس ليس مجرد نقص الشيء؟
لا وإنما على سبيل الظلم وفي القرآن (وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ (20) يوسف) يعني ليست قيمته الحقيقية.
الرهق الظلم والذلة والقهر وذكرنا سابقاً أنه غشيان المحارم والذِلّة، أرهقه الأمر أي أذله، أرهقه الأمر أي غشيه بقهر قهره وأتعبه. رهق مقلوب قهر إبن جني وقبله ذكروا أن أن حروف الكلمة في عموم تقليباتها هنالك خيط يجمعها في المعنى، هذا يسمى الاشتقاق الأكبر عند إبن جني. الفرق بين عمل الخليل ابن أحمد الفراهيدي وابن جني أن الخليل ذكر التقليبات ولكن لم يذكر الخيط الرابط بين هذه التقليبات في المعنى بينما إبن جني ذكر هذا وقال التقليبات هذه في الغالب يجمعها خيط معنوي، الكلمة إذا قلبتها وذكر لنا قول ولوق ولقو وذكر أمثلة قال تقريبات الكلمات يجمعها خيط في المعاني بينما الخليل لم يذكر هذا وإنما ذكر تقليبات الكلمة ومعانيها كإحصائية. إذن الرهق القهر والذلة والبخس نقص الأشياء على سبيل الظلم.
سؤال من المقدم: لماذا جاء بالفاء في قوله (فَلَا يَخَافُ بَخْسًا) وهو ليس من مواطن وجوب الاقتران بالفاء؟
لو حذف الفاء سيقول (لا يخف) مثل (لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا (14) الحجرات) كان ممكناً أن يقول فلا يليتكم لو جاء بالفاء. هو الآن جاء بالفاء في موطن ليست من مواطن وجوب الفاء الفاء جائزة هنا وليست واجبة حتى الفعل المضارع العادي يمكن أن نأتي بالفاء ويمكن أن نحذف الفاء.
استطراد من المقدم: حتى نوضح للمشاهدين أن هذه جملة شرطية وجواب الشرط يكون واجب الإقتران بالفاء.
في مواطن إما يمتنع من الاقتران بالفاء أو واجب أو جائز هذا من مواطن الجواز. جواب الشرط عندنا هنا (فَلَا يَخَافُ بَخْسًا) من مواطن الجواز. يبقى السؤال لماذا؟ هو طبعاً مجيء الفاء آكد لأن الجملة ستصبح إسمية لأنه لما نقول فلا يخاف هذا على تقدير مبتدأ محذوف تقديره (فهو) (فهو لا يخاف) هذا الآن (فلا يخاف) هذه جملة إسمية الفاء داخلة على مبتدأ محذوف فهو لا يخاف فالجملة الإسمية أقوى وآكد من الفعلية فإذن هنالك توكيد أن المؤمن ناجٍ لا محالة لا يخاف بخساً ولا رهقاً (فَمَن يُؤْمِن بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا) هذه أقوى وآكد من لا يخاف لأن الجملة ستكون إسمية في التقدير (فهو لا يخاف) فستكون أقوى فإذن كما يقول أهل اللغة والنحاة على تحقيق أن المؤمن ناج لا محالة بأعلى الدرجات (فَمَن يُؤْمِن بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا) فهي آكد من لا يخف فجاء بالفاء.
استطراد من المقدم: إذن القرآن كان وما زال يكلم أناساً لا بد أن يفهموا اللغة العربية
بلسان عربي مبين
استطراد من المقدم: لا ينبغي علينا أن نتدنى أو نتسفل في الحوار حينما نتحدث عن القرآن باعتبار أننا نبسط هذه الكلمات للناس ونتحدث عنه باللهجات العامية وكل يتحدث بلغته الخاصة.
هو حسب الغرض وحسب المستمعين، هناك أناس لا يفهمون الأشياء هذه أو لا يعلمونها فتريد أن تفهم الأمور الأساسية فتبسطها على ما يفهم لكن إذا أردت أن تبين البلاغة ووجوه الإعجاز لا بد أن يكون لديك علم.
سؤال من المقدم: في سورة طه (وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا (112)) ما أوجه الاختلاف بين هذه الآية وآية سورة الجن؟
نجن ذكرنا البخس أنه نقص الشيء على سبيل الظلم، الظلم أعمّ من البخس، البخس جزء من الظلم أنت تعاقب واحد من غير حق أو تغتصب كل مال واحد من غير حق أو العدوان عليه أن تعتدي عليه بالضرب أو غريه فالأمر ليس بخساً وإنما هذا ظلم، منع الحقوق ليس فيه بخس وإنما منعته الحق كله أساساً فالظلم أ‘م من البخس. لو قتل أحدهم بغير حق لا نسميه بخساً هذا ظلم. لو نصح أحدهم حاكماً بالحسنى فهدم الحاكم عليه داره وشرد أهله وهجرهم هذا لا يسمى بخساً وإنما ظلم، إذن الظلم عام. الهضم هو الظلم والغصب وقيل هو نقص الحسنات هذا من معانيه وهذا في الاصطلاح. الرهق ذكرناه أنه الذلة والقهر إذن الظلم أعم البخس هو جزء من الظلم. قال في طه (وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ) إذن ذكر في طه من هو أفضل، في طه ذكر أمرين (وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ) هناك لم يذكر العمل وإنما قال (فَمَن يُؤْمِن بِرَبِّهِ) لم يذكر العمل بينما في طه ذكر العمل هذا أفضل ثم قال (وَهُوَ مُؤْمِنٌ) هذه جملة إسمية بينما في الجن قال (فَمَن يُؤْمِن بِرَبِّهِ) جملة فعلية. الفرق بين الجملة الإسمية والفعلية في التعبير الدلالي أن الإسم يدل على الثبوت فرق بين أن تقول هو يتعلم وهو متعلم، هو متعلم أقوى، هو يتفقه وهو فقيه، هو فقيه أقوى، إذن الجملة الإسمية أقوى وآكد في التعبير وهذا من أوائل ما يُدرس لمتعلم اللغة العربية المتخصص أن الإسم يدل على التحقق والثبوت والفعل يدل على التجدد والحدوث.
استطراد من المقدم: إذن (فَمَن يُؤْمِن بِرَبِّهِ) لا ترتقي إلى درجة الثبات أو الإيمان القاطع بالله سبحانه وتعالى على غرار (وَهُوَ مُؤْمِنٌ).
إذن ذكر في طه من هو أفضل إذن يدفع عنه ما هو أعمّ فذكر الظلم.
الهضم: ذكرنا من جملة معاني الهضم نقص الحسنات، الذي يعمل الصالحات يبتغي الحسنات أما هناك فلم يذكر العمل فلماذا يذكر الهضم؟ إذا لم يذكر العمل لا داعي لذكر الهضم. ثم إن كل آية مناسبة لما ورد قبلها ففي سورة طه قال قبلها (وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا (111) طه) هذا يناسب الظلم. في سورة الجن أيضاً قال (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا (6)) فهي أيضاً مناسبة للسياق العام.
أسئلة المشاهدين خلال حلقة 28/4/2008م:
-
أقترح أن يكون البرنامج كله من غير أسئلة أو تكون الأسئلة عبر الفاكس أو غيره.
-
البسملة في السور جميعها ليست آية كما يقولون فهل هي آية في سورة الفاتحة أم هي مجرد بسملة كما في باقي السور؟
-
(قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ رَدِفَ لَكُم بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ (72) النمل) والرسول r يقول (ما تجدون من شدة الحر وشدة البرد) ما تجدون وردف لكم هل هم كمالك يوم الدين وملك يوم الدين، ردف يعني وصل وما تجدون يعني وصل لنا جزء من عذاب جهنم في الدنيا؟ هل وصل (ما تجدون) أم لا؟
-
أكد الدكتور حسام النعيمي سابقاً أن انعدام الجاذبية لرائد الفضاء إذا وقع وضرب رأسه في سقف المركبة يقال هوى بأم رأسه ولا نقول وقع على رأسه وفي قوله تعالى (فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ (9) القارعة) أي أنتم تعلمون أنكم تقعون على رؤوسكم وفي الدنيا نعلم أن الجاذبية فيها عالية جداً في التفاسير تجد وأمه هاوية إلى الأسفل وسلفنا الصالح لا يعلمون انعدام الجاذبية فهل هذا التفسير محتاج لتجديد أو لا يحتاج لتجديد؟
-
وجدت كتاباً فيه ترتيب قراءة الفاتحة عن السلف في ورد يقال له ورد السعادة حتى أني في بعض الأحيان ألمح الجن وأراهم فوجدت الإمام الغزالي يقول فإنك إن فعلت أتاك آت بما يغنيك عن زيد وعمر فهل اطلع الدكتور فاضل على هذا الورد؟ لا لم أقرأه.
-
في سورة الروم (فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (17) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ (18)) لا بد أن هنالك لرتابة هذه الأوقات ملامح طيبة وأسرار عجيبة نرجو التفضل بتبيانها وتبيان اللمسات البيانية فيها.
-
ما هي اللمسات البيانية في الآية (وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ (31) المدثر)؟
-
ما هي اللمسات البيانية في الآية (وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاء وَنِدَاء صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ (171) البقرة)؟
-
ما معنى تقياً في آية سورة مريم (قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا (18))؟
-
(بَلِ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14) القيامة) ما اللمسة البيانية في الآية؟ وما دلالة (بصيرة)؟
-
يقال أن اللغة العربية لا تجد فيها كلمتين مترادفتين تماماً فهل هذا الكلام صحيح؟
-
نعرف أن الخبر ثلاثة أنواع الخبر الابتدائي والخبر الطلبي والخبر الإنكاري والخبر الإنكاري يؤكد بمؤكدين وأكثر وفي القرآن قوله تعالى (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (56) القصص) هذه الآية فيها مؤكدين فهل كان الرسول r منكراً حتى أُكِّد له بمؤكدين (إنك) و(لكن)؟
بُثّت الحلقة بتاريخ 28/4/2008م
2009-03-16 16:08:49الدكتور فاضل السامرائي>برنامج لمسات بيانيةpost