الحلقة 118
سؤال: (لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا (18) الكهف) ما دلالة تقديم الفرار على الرعب؟ مع أن المنطق يكون الرعب أولاً ثم الفرار.
الواو كما هو معلوم لا تفيد ترتيب ولا تعقيب وإنما الواو لمطلق الجمع فقط. عندما نقول دخل محمد وأحمد لا يعني أن محمد دخل أولاً، ليس بالضرورة. الكفار يقولون (وَقَالُواْ إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (29) الأنعام) لو أخذت على الترتيب معناها أنهم يؤمنون بالعبث لكنهم يقولون (وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ) الترتيب أنهم يحييون ويموتون. إذن الواو لا تفيد ترتيب ولا تعقيب، تحتمل هذا وذاك، أقبل محمد وخالد، محمد قبل أو خالد قبل أو الاثنين جاءا معاً تحتمل، إذن هنا ليس معنى ذلك أن الرعب جاء بعد الفرار ولم يقل (ثم) ليس هنالك ترتيب ولو قال ثم تفيد الترتيب والتراخي والفاء تفيد الترتيب والتعقيب والواو لمطلق الجمع. إذن أصل المسألة لعل السائل يظن أن المفروض الرعب أولاً ثم الفرار. الواو فقط لمطلق الجمع. يبقى لماذا جاء بهذا الترتيب؟ الواو لا تفيد الترتيب إذن ليس معنى الآية أن التولية قبل الرعب. ربنا تعالى يقدم مرة الأرض على السماء ومرة السماء على الأرض ومرة يقدم النفع على الضر ومرة الضر على النفع. التقديم يكون حسب الأهمية وهنا يدخل هذا في باب التقديم والتأخير بحسب الأهمية. هم لماذا ذهبوا إلى الكهف؟ حتى لا يطلع عليهم الناس (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ (13) الكهف) خرجوا من القوم ليسلموا من الفتن، إذن المهم أن لا يطلع عليهم أحد ولا يعرفهم أحد، خرجوا فارين بدينهم من أذى قومهم فذهبوا إلى الكهف ودخلوا فيه من باب أنه آمن لهم. إذن المهم هو أن لا يطلع عليهم أحد، حتى لا يشي بهم حتى لا يؤتى بهم فيفتنون. ماذا يعنيهم الرعب؟ المهم ألا يتفرس فيهم أحد فيعرفهم هذا المهم أن يولي منهم فراراً أراد ربنا أن يحميهم فيوقع الهيبة فيهم فيفر منهم حتى لا يتفرس بهم فلا يعرفهم حتى يحميهم. إذن المهم ألا يتفرس فيهم أحد ولا يتصفح وجوههم لأن هذا هو المهم فقدم المهم (لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا) لا يمكث أمامهم طويلاً فلا يتفرس في وجوههم فيعرفهم. ثم الآن لو دخل واحد في غار ورأى أناساً مفتحة عيونهم وساكتين (كانوا مفتحة أعينهم طوال هذه المدة قالوا حتى لا تتلف وتبلى عيونهم لأنها لو كانت مغمضة طوال هذه المدة لكانت ذهبت عيونهم (وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ (18)) مفتحة عيونهم) هذا يصيب الإنسان بالرعب، تخيل لو أن لصوصاً دخلوا ورأواهم هكذا لامتلأوا بالرعب كما لو دخلوا مغارة فوجدوا فيها وحشاً أو حية لا يتفرسون فيها وإنما يهربون حتى أنهم لو تذكروا المشهد فيمتلئون بالرعب. هكذا يحصل يهرب ثم يتملى الأمر فيراه عظيماً فيمتلئ بالرعب فيشتد في الهرب، يكون هربه من تلقاء نفسه لأول مرة يرى فيها المنظر ثم يتخيل المنظر فيمتلئ رعباً ويهرب. والرعب أحياناً يوقف الإنسان يتملكه ولا يستطيع أن يهرب يتسمر مكانه، الذئب أحياناً إذا أتى إلى الفريسة تتسمر في مكانها ولا تستطيع الهرب. وقرأنا في التاريخ عندما احتل التتار بغداد كانوا يقولون للرجل إمكث مكانك حتى آتي بالسيف فأقتلك فيبقى مسمراً في مكانه من الرعب. قسم من الرعب يثبت وقسم يهرب. في أهل الكهف هناك حكمة في الهرب ألا يتفرس بهم ولا يشي بهم أحد. الكلب مثلهم والوصيد يعني الباب. قسم قالوا لم تبلى أجسامهم ولم تطل شعورهم وإنما استيقظوا كما ناموا وبقوا على حالهم.
استطراد من المقدم: كيف نفهم (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا (25) الكهف)؟
يقولون سنين شمسية وقمرية. سنين بدل، لو أضفنا نقول مائة سنة لكن هنا ليست مضافة، ثلاث مائة لم تضفها حتى تقول ثلاث مائة سنة، هذا بدل وليس تمييز عدد. (سنين) بدل لأن تمييز العدد له أحكام بعد المائة والألف يكون مفرد مضاف إليه (فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا (14) العنكبوت) (بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ (259) البقرة) (ثَلَاثَ مِائَةٍ) نوّن لأن هذا أمر عجيب فنوّن، هذا تنوين التمكين لكن الغرض منه، لماذا لم يضف؟ لأن الأمر يدعو إلى العجب والتعجيب (ثَلَاثَ مِائَةٍ) أبهمت ويسمى الإيضاح بعد الإبهام. إذا قلنا (ثَلَاثَ مِائَةٍ) السامع لا يتوقع أو لا ينتظر منك شيئاً آخر لأنه لو أردت أن تضيف لأضفت بعد المائة، إذن انتهى السائل فإذا جئت بالبدل تكون أتيت بشيء جديد ما كان يتوقعه قالوا الإيضاح بعد الإبهام.
سؤال: (وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (11) الجمعة) ما دلالة تقديم التجارة واللهو مرة وتأخيرها مرة أخرى؟
هذه حادثة واقعة جاءت عير المدينة فكان في يوم الجمعة والرسول r r يخطب والتجارة كان يُضرَب لها بالدفوف إشعاراً بمجيئها فانفض معظم الناس وتركوا الخطبة وتركوا الصلاة والرسول r r يخطب، إذن التجارة التي كانت سبب الإنفضاض وليس اللهو لأن ضرب الدفوف كان بسبب التجارة وإشعاراً بأنها جاءت (اللهو هنا هو ضرب الدفوف).
سؤال من المقدم: ألا تقتضي (أو) أن ما بعدها يغير ما قبلها؟
أحدهما هذا أو هذا هو ليس بالضرورة الجمع بينهما لكن هذا إشعار بالمجيء فقال (انفَضُّوا إِلَيْهَا) لأن الإنفضاض كان للتجارة. (انفَضُّوا إِلَيْهَا) معناها ذهبوا إليها وتركوا المجلس. تركوا سماع الخطبة وذهبوا. هذا هو الأصل كان تقديم التجارة لأنها سبب الإنفضاض. أما تقديم اللهو فيما بعد (خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ) الناس ليس كلهم عندهم تجارة واللهو أعم من التجارة. أكثرهم يلهون لكن ليس أكثرهم يتاجر فقدّم ما هو أعم (قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ) ثم قال (وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) جعل الرزق بجانب التجارة لأن التجارة من أسباب الرزق وليس اللهو من أسباب الرزق. إذن صار هنالك أمرين السبب الأول سبب لنزول هذه الآية هو التجارة وليس اللهو فقدم التجارة ثم أعطى الحكم العام (قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ) لأن اللهو أعم. (وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا) هذه واقعة حصلت بالفعل وقوله (قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ) هذا حكم. حتى من الناحية الفنية والبيانية أنه يضع التجارة بجانب الرزق وليس بجانب اللهو (قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (11))، الرازقين وضعها بجانب الرزق.
ليس فقط هذا وإنما كرر (من) (قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ) مع أنه يجوز لغة أن يقول من اللهو والتجارة، لكن لماذا جاء بـ (من)؟ حتى يؤذن باستقلال الأفضلية لكل منهما سواء اجتمعا أو تفرقا حتى لا يُظن أن الذمّ كان من اجتماع اللهو والتجارة معاً خير منهما معاً. إذا جاء من اللهو والتجارة يحتمل أنه في اجتماعهما لكن يمكن أن يكون خير في تفرقهما يحتمل لكن لما قال (خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ) يؤذن باستقلال الأفضلية لكل منهما إذا اجتمعا كما نقول: الأناة خير من التهور ومن العجلة، خير من كل واحدة على حدة لو قال خير من التهور والعجلة تعني إذا اجتمعا.
استطراد من المقدم: إذا كان أبو جهل وأبو لهب يعلمون أن هذا القرآن ليس من عند محمد r وإذا كانت شهادتهم بأن هذا ليس كلام بشر فلماذا لم يؤمنوا؟
الإنسان عجيب، الكبر وخلافه. اليهود كانوا يعرفون الرسول r كما يعرفون أبناءهم، العلماء منهم كانوا يعرفون الحق ويكتمونه على الآخرين لأن ليس كلهم يقرأ الكتب.
سؤال: (أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا (79) فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا (81) فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ (82) الكهف) الفرق بين فأردت وأردنا وأراد ربك؟
هذا أجبنا عنه في أكثر من مناسبة وذكرنا في الحلقة الماضية أن الله تعالى لا ينسب العيب إلى نفسه. إبراهيم u قال (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) الشعراء). العيب نسبه الرجل الصالح إلى نفسه ولم ينسبه إلى الله سبحانه وتعالى تأدباً كأمثلة كثيرة في القرآن الكريم (زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ (4) النمل) (وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاء عَرِيضٍ (51) فصلت) فقال (فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا) لأنه لا يصح أن ينسب العيب إلى الله سبحانه وتعالى. في الغلام قال (فَأَرَدْنَا) مسألة الغلام فيها جانبان قتل الغلام في ظاهر الأمر شر حتى بالنسبة للأبوين وهذا أمر في ظاهره سوء لكن في حقيقته إستبدال خير منه فصار الأمر مشترك قتل وإبدال خير منه فقال (فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا) العمل مشترك قتل وإبدال والذي باشر القتل العبد الصالح والذي يُبدل هو الله سبحانه وتعالى، هو ليست له إرادة مستقلة لأنه قال (وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي (82)) هي إرادة الله تعالى لكنه نسب العيب إلى نفسه. أما الجدار فليس فيه مظنة سوء كله عمل صالح ويتيمين في المدينة (فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ) كله خير فنسبه لله تعالى (فَأَرَادَ رَبُّكَ). الكل من عند الله سبحانه وتعالى.
سؤال: (أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُم بِهِ آلآنَ وَقَدْ كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (51) يونس) ما دلالة أثم؟ وما الفرق بينها وبين (ثُم) و (ثَمّ)؟
(ثُم) حرف عطف و(ثَم) إسم، ظرف بمعنى هناك. هذا الآن الذي نسمعه في الإذاعات (ومن ثُم) هذا لا يصح، هذا خطأ شائع والصحيح (ومن ثَم) معناه (ومن هنا) أو (من هناك). (ثَم) و(ثَمة) الدلالة واحدة وأحياناً يؤتى بالتاء واللغتان صحيحتان.
استطراد من المقدم: يقال في الإعلام خطأ شائع خير من صحيح مهجور
كلا هذا يكرس الخطأ يعني بمرور الزمن لا تبقى لغة يضيع الصحيح ولا تبقى لغة، هذه ليست حجة أن الناس عرفت هذا، لماذا إذن نصحح؟ كنا ننصب الفاعل ونرفع المفعول به ما دام مفهوماً؟! ونأتي بعد حرف الجر بإسم مرفوع ما دام مفهوماً؟! في الإنجليزية يراعون هذه الأشياء أدق المراعاة هم يقولون he is going ولا يقولون he is go. لا بد أن ينشر الصواب وإلا ستموت اللغة ولا يبقى لها أثر. لماذا نستعمل الغلط؟!
سؤال: هل يمكن شرح آيات الحجاب، وما معنى الخمار والجلباب والجيوب؟ وكذلك في الحديث النبوي “فشققن مروطهن”.
نتكلم فقط من حيث اللغة. نذكر ثلاث كلمات كلمتين في القرآن وواحدة في الحديث فقط لكن من حيث الأحكام الشرعية فليس من اختصاصنا. أولاً (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ (31) النور) الخمار عند العرب وفي اللغة هو غطاء الرأس تحديداً والجيب هو فتحة الصدر، إذن تضع الخمار على رأسها وتداري صدرها هذا هو الخمار. والجلباب هو ثوب واسع تغطي به المرأة ثيابها، فوق الثياب (يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ (59) الأحزاب) الجلباب هو يسترها من فوق إلى أسفل فوق الثياب، الجلباب تحته ثياب وهو يستر الثياب التي تحته فكل ثوب تلبسه المرأة فوق ثيابها هو جلباب يسترها من فوق إلى أسفل سوءا كان بصورة عباءة أو بصورة آخرى. وعندنا المِرْط كما في الحديث (عن عائشة رضي اللّه عنها أنها قالت: إن كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ليصلِّي الصبح فينصرف النساء متلفِّعاتٍ بِمُرُوطِهِنَّ ما يعرفن من الغلس) الغلس يعني الظلام، ظلمة الليل. المِرط ثوب يشتملون به غير مخيط مثل الملحفة، كل ثوب غير مخيط يؤتزر به يسمونه مرطاً (فما يعرفن من الغلس) معناه أنه لو كان الدنيا نهار كن يعرفنّ، لأنه في قوله تعالى (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ (30) النور) رأي الجمهور أن يظهر الوجه والكفين. يغضوا من أبصارهم على ماذا؟ لو كان ليس هناك شيء ظاهر فعن ماذا يغض بصره؟ يغض بصره عما يظهر من الوجه والكفين. وقال للمرأة (وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنّ (31) النور) فهل يجب أن يكون الرجل مختمر أو يلبس حجاباً ولا أدري حقيقة إن كان هناك حديث صحيح حول هذا الأمر لكن هذا من حيث اللغة وهذه ليست فُتية. عندما قال تعالى يغضوا ويغضضن عن أي شيء يغضضن؟ لو وارى وجهه لما قال يغضضن، هذا من حيث اللغة وهو موافق لرأي الجمهور أما الحكم الشرعي فيُسأل به أهل الفقه.
سؤال: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَن يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُم مِّن رَّحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (46) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاؤُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَانتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (47) اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاء كَيْفَ يَشَاء وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (48) الروم) الآيات 46 و48 تتحدث على نفس الموضوع بينما اختلف الموضوع في الآية 47 فما السبب في اختلاف الموضوع؟
نقرأ الآيات حتى تكون واضحة، قال تعالى (وَمِنْ آيَاتِهِ أَن يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُم مِّن رَّحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (46) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاؤُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَانتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (47) اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاء كَيْفَ يَشَاء وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (48) الروم) ترتيب الآيات مهم، قبل هذه الآيات ذكر عاقبة الأمم الكافرة (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُم مُّشْرِكِينَ (42)) ثم ذكرها بعدها فضله على الذين آمنوا تحديداً قال (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِن فَضْلِهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ (45))، إذن أولاً ذكر عاقبة الأمم الكافرة ثم ذكر فضله على الذين آمنوا ثم بدأ بهذه الآيات فضله على الناس (وَمِنْ آيَاتِهِ أَن يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ) هذه عامة، هذا الكلام عن الناس (وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) إذن هذا تدرج. ثم حذر المخاطبين الذين لا يشكرون ربهم على ما آتاهم من النعم وذكرهم بمن قبلهم فقال (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاؤُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَانتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (47)) حذر المخاطبين الذي لا يشكرون ربهم إذن هذا الترتيب طبيعي. ثم بعد ذلك ذكر ما يتعلق بأمر الرياح على سبيل الخصوص، هناك ذكرها عامة ما ذكر مطر أو غيرها وإنما قال (وَمِنْ آيَاتِهِ أَن يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُم مِّن رَّحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (46))، هنا ذكر ما يتعلق بالمطر، أول مرة ذكر موقف الأمم من الرسل ثم هنا ذكر موقف الناس من النِعم، عموم الناس (اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاء كَيْفَ يَشَاء وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (48)) هم يستبشرون بهذا لكن ينسون المنعِم، استبشروا بالنعمة ولكن نسوا المنعم فاقتضوا التحذير. ثم ذكر الفلك وذكر المطر الفلك سبيل النجاة والمطر قد يكون سبيل الهلاك. الملاحظ هنا ذكر الفضل والعقوبات (وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (فَانتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا)، ذكر الكافرين والمؤمنين، ذكر الرياح والريح (وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَّظَلُّوا مِن بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ (51)) الرياح تبشير والريح عقوبة، ذكر الإستبشار والإبلاس (إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) (وَإِن كَانُوا مِن قَبْلِ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْهِم مِّن قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ (49)) ، ذكر الرحمة والانتقام (وَلِيُذِيقَكُم مِّن رَّحْمَتِهِ) (فَانتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا)، جمع كل المتقابلات وكان يأتي من النعمة فيذكرهم، يذكر له شيئاً ثم يذكر أليس هذا قد أحسن إليك، ثم اذكر أمراً آخر إضافة إلى ذاك، وهذا يحصل تذكر بأمر ثم تقول أليس هذا من نعمه عليك يا رجل ثم يكر له أمراً آخر ويذكره بنعمة أخرى ويقول هل يحق لك أن تكفر به؟ يذكر نعمة ثم يحذره، يذكر نعمة أخرى ثم يحذره، هذا هو جريان مساق هذه الآيات ثم ذكر المتقابلات الفضل والعقوبة، الكافرين والمؤمنين، الرياح والريح، الإستبشار والإبلاس، الفضل والانتقام كلها في سياق واحد.
سؤال: (وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَؤُلَاء مَن يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ (47) العنكبوت) ما الفرق بين يؤمنون به ويؤمن به؟
(فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ) الذين جمع فيقول يؤمنون به لا يصح أن يقول يؤمن به. (وَمِنْ هَؤُلَاء مَن يُؤْمِنُ بِهِ) (من) للمفرد والمثنى والجمع والأصل في (من) إذا ذكرت أن يُبدأ بدلالة لفظها ثم ينصرف إلى المعنى، دلالة اللفظ مفرد مذكر ثم يصرف إلى المعنى الذي يحدده السياق (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ (8) البقرة) هم جمع ومن يقول مفرد، يبدأ بالمفرد. (وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ (49) التوبة) من يقول مفرد، سقطوا جمع، يبدأ بالمفرد. (يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ (30) الأحزاب) من يأت مفرد، (من وما) يبدأ بلفظها تكونان للمفرد والمثنى والجمع مذكر أو مؤنث. أكثر الكلام عند العرب إذا بدأوا بـ (من) حتى لو كان جمعاً (من) لها لفظ ولها معنى، لفظها المفرد المذكر ومعناها يختلف، يبدأ بالمفرد المذكر ثم يوضح المعنى فيما بعد (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ (8) البقرة) مفرد مذكر، وما هم بؤمنين جمع، (وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا (31) الأحزاب)، وعليها يؤمنون به ويؤمن به.
سؤال: ما اللمسة البيانية في الآية (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ (85) القصص)؟ وما دلالة كلمة معاد؟ ولماذا لم يقل ميعاد؟
المعاد غير الميعاد. المعاد هو بلد الرجل من العَوْد، معاد إسم مكان بلد الرجل معاده لأنه يسافر ثم يعود. هناك فرق بين المعاد والميعاد: المعاد من عاد والميعاد من وعد (مفعال – موعاد) أصلها موعاد سكن حرف العلة وقبلها كسرة فيصير ميعاد. إذن المعاد من عاد من العوْد إسم مكان، المعاد هو البلد بلد الإنسان هو معاده، البلد الذي يعيش فيه لأنه مهما ذهب يعود إليه فهو معاده (إلى معاد) يعني لرادك إلى مكة، الآية نزلت في الجحفة هي بشارة أنه r سيعود إلى مكة فالمعاد هو من العوْد من عاد يعود والميعاد من عاد، الميعاد هو الموعد (إِنَّ اللّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (31) الرعد) يعني لا يخلف الموعد ولا يصح أن يقال لا يخلف المعاد. (إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ (81) هود) هذا موعد من ميعاد، (حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللّهِ إِنَّ اللّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (31) الرعد) (وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ (47) الحج). قسم قال المعاد هو الحشر والجنة باعتبار الناس يعودون أو الجنة لأنه تعود إليهم حياتهم. نقول نعود إلى المعاد في الميعاد.
بُثّت الحلقة بتاريخ 8/5/2008م
2009-03-16 16:14:17الدكتور فاضل السامرائي>برنامج لمسات بيانيةpost