الحلقة 165
اللمسات البيانية في سورة يس
المقدم: نكمل رحلتنا مع سورة يس وكنا توقفنا في اللقاء المنصرم عند الآية (وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى). ونبدأ بقوله تعالى (قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20) اتَّبِعُوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُم مُّهْتَدُونَ (21)) بداية نود فكر عامة عن هذه الاية الكريمة.
د. فاضل: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وإمام المتقين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن دعا بدعوته إلى يوم الدين. الآية الكريمة (قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20) اتَّبِعُوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُم مُّهْتَدُونَ (21)) نلاحظ أول مرة قال لهم (يا قوم) أضاف القوم إلى نفسه بياء المتكلم ليعطف قلوبهم ولعلها تلين لسماع ما يقول. هو في الحقيقة ذكر ثلاثة أمور تدعوا إلى اتباع هؤلاء. الأول كونهم مرسلين وهذا كاف للإتباع وأهم ما يستوجب الإتباع كونه مرسل. إذا كان مرسلاً لم يأتي بشيء من نفسه وإنما جاء من خالق السموات والأرض، لا يدعو لأمر شخصي كونه مرسل من الله هذا سبب كافي.
المقدم: هو بداية ذهب يدعم وجود الثلاثة رسل الذي ذهبوا لأصحاب القرية، هذا الرجل الذي جاء من أقصى المدينة يسعى.
د. فاضل: جاء من أقصى المدينة يسعى وقال هذا الكلام.
المقدم: هل كان الرجل من بني جلدتهم؟
د. فاضل: هو قال (يا قوم) إذن هو من بني جلدتهم فالظاهر أنه كان منهم. ثم ذكر الأمر الآخر أنهم لا يسألون أجراً على التبليغ لا يبتغون مصلحة شخصية كما هو شأن الكثير من أصحاب الدعوات الأرضية.
المقدم: يدعون لمقابل المال! ولو أنهم يتخوفون من أن يطلبوا مالاً منهم!
د. فاضل: إذن لا يبتغي مصلحة معناه مخلص. والأمر الآخر كونهم مهتدون. هذا الأمر كافٍ في الإتباع لأن هذا المبتغى كونه مهتدي. إذن ثلاثة أمور كونه مرسل هذا كافي، لا يبتغي أجر ولا يبتغي مصلحة شخصية وكونه مهتدي كل هذه الأشياء تدعو إلى الاتباع. هي حقيقة كلمة جامعة في الترغيب لا تخسرون شيئاً من دنياكم إذا اتبعتموهم لأنكم لن تدفعوا لهم أجراً وإنما ستربحون الدين والآخرة. إذن هي كلمة جامعة جمعت كل الأمور التي توجب الإتباع.
المقدم: إذا لم يكسبوا منهم فلن يخسروا.
د. فاضل: لن يخسروا شيئاً .
المقدم: هذا الرجل كان معتقداً بهم فهو مصدّق المرسلين. لماذا كرر (اتَّبِعُوا) (الْمُرْسَلِينَ اتَّبِعُوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا)؟
د. فاضل: أولاً نقول أن التكرار يفيد التوكيد، لكن هنالك يبدو أمر آخر. أولاً (اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ) ثم قال (اتَّبِعُوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا). (اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ) وحدها كافية في الإتباع كونه مرسل اتبعوه لسنا في حاجة لتأكيد آخر. غير المرسل ذكر لنا أمرين: أولاً أن يكون مهتدياً وليس له منفعة شخصية، هذا لغير الرسول r. فهو الآن كأنما
المقدم: المهتدي للرسول أم لغير الرسل؟
د. فاضل: لا، هو متبع الرسل مهتدي. إذن هنالك أمرين (اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ) كونه مرسل هذا كافي. لغير المرسلين (اتَّبِعُوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُم مُّهْتَدُونَ) ليس في كل الأوقات هنالك رسل، الرسل انقطعت أو فترة من الفترات ليس فيها رسل، إتّباع الرسل معروفة (اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ) فكيف يكون إتباع غير الرسل؟
المقدم: يقصد بعدهم مثلاً؟
د. فاضل: بعد الرسل، ذكر لنا أمرين الأول في الإتباع كونه مهتدي والآخر لا يبتغي مصلحة خاصة أو منفعة شخصية. هذا هو الميزان. (اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ) هذه لا تحتاج لشيء آخر لأنه مرسل. أما غير المرسل.
المقدم: لا يسأل أجراً وهو مهتدي.
د. فاضل: إذن هو مخلص لا يبتغي منفعة خاصة وهو مهتدي. ذكر الإخلاص وصحة ما يدعو إليه.
المقدم: كأنه يقول إذا ظننتم أن هؤلاء مرسلين اتبعوهم وإذا لم يكونوا مرسلين
د. فاضل: فعندكم أمرين. يعني ينطبق على الرسل وغير الرسل ذكر ميزاناً فيه نقطتين. إتباع الرسل (اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ) وغير الرسل الإخلاص وصحة الرسالة. لو حذف (اتَّبِعُوا) لكانت فقط للمرسلين يعني اتبعوا المرسلين من لا يسالكم أجراً وهم مهتدون فتصبح كلها للمرسلين لم يذكر غيرهم. الآن هو ذكر أمرين: أولاً هذه قد تفيد التوكيد ثم كونه مرسل كافي، غير المرسل ذكر نقطتين.
المقدم: يعني على غرار (وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ (28) غافر) في الحالين مقبول غذا كان كاذباً هو يتحمل وإن كان صادقاً تنجوا. لهذا علمنا تكرار (اتَّبِعُوا) لكن لماذا قال (من) تحديداً (اتَّبِعُوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُم مُّهْتَدُونَ) ولم يقل الذي؟
د. فاضل: (الذي) للشخص الواحد مفرد. (من) للواحد أو الاثنين أو الجماعة فهي عامة فلو قال (الذي) ستعني واحداً. هم الآن جماعة (ثلاثة) فقال (من) لأنها تشملها كلها سواء كان الداعية واحد أو أكثر.
المقدم: (من) أقوى لأنهم ثلاثة.
د. فاضل: هم ثلاثة وليس واحداً و(من) عامة إذا كان واحداً أو أكثر.
المقدم: يستمر كلام هذا الرجل الذي جاء من أقصى المدينة (وَمَا لِي لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (22)) بداية فكرة عامة عن هذه المقولة التي ذكرها.
د. فاضل: هو بعد أن نصح باتّباع المرسلين وقال أنه بدأ بنفسه (وَمَا لِي لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي) قبل أن يقول لهم اتبعوا حتى لا يقال له لماذا لم تؤمن أنت؟
المقدم: يقول أن آمنت بهم منذ البداية لأنهم يمكن أن يحاجوه لِمَ لم تؤمن أنت في البداية.
د. فاضل: يعني ينصح وهو لا يفعل بنصيحته وهذا يحدث كثيراً. أخبرني أستاذ أنه يقول لابنه صلِّ يا بني يقول له الإبن وأنت لماذا لا تصلي؟
المقدم: منطق سليم وغير مرفوض في النقاش. أفهم أنه قدّم نفسه.
د. فاضل: حتى لا يُسأل أنت لماذا لم تفعل؟ إبدأ بنفسك! فقال (وَمَا لِي لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي). هو حقيقة ذكر من الدواعي الموجبة لعبادة ربه ذكر أمرين أنه هو المبدئ المعيد، المبدئ (الَّذِي فَطَرَنِي) خلقني من العدم، والمعيد (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) يعني المعيد في الآخرة. إذن هو ذكر أمرين كونه فطرني وإليه ترجعون، بداية الخلق والمآل إليه. ذكر هذين الأمرين لأنه يعلم أن آلهتهم التي يعبدونها لا تستطيع فعل هذين الأمرين.
المقدم: إذن هما مقصودان في حد ذاتهما؟
د. فاضل: طبعاً لأنهم يعبدون آلهتهم.
المقدم: لم يقل الله الواحد الأحد، التوحيد لن نشرك به شيئاً فلماذا ذكر (الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)؟
د. فاضل: لأنهم يقرون جميعاً أن الآلهة لا تستطيع أن تفعل هذين الأمرين، هي لا تخلق الخلق ولا تعيدهم. لا تستطيه هذا الأمر فذكر أمرين بحيث يلزمهم الحجة (فطرني) يعني فطركم أيضاً لم يخلقني وحدي، ذكر أمرين الكل يعلم أن الآلهة لا تستطيعهما فأراد أن يلزمهم الحجة. لم لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون؟ (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) هذا حصر.
المقدم: لماذا تقديم الجار والمجرور في (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)؟
د. فاضل: للحصر يعني إليه وحده ترجعون أما ترجعون إليه فلا تفيد الحصر.
المقدم: يعني إليه ترجعون غير ترجعون إليه؟ من حيث ماذا؟
د. فاضل: من حيث إليه حصراً لا ترجعون إلى غيره. لما أقول رجعت إليك لا تعني أنني لا أرجع إلى غيرك أما لما أقول إليك رجعت فهذه حصراً.
المقدم: يعني ما رجعت إلى أحد سواك
د. فاضل: هي مقصود بها الآخرة (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) حصراً مثلما يقول (إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) (وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) (وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى (42) النجم) حصراً.
المقدم: المنتهى إلى ربك ويُفهم على مدار اللغة؟
د. فاضل: أن المنتهى إليه ولا يمنع أن يكون المنتهى إلى غيره أيضاً. لكن هذا حصر.
المقدم: إذن بهذا المعنى نفهم (إياك نعبد)
د. فاضل: طبعاً، لا نعبد غيرك حصراً وإياك نستعين حصراً لكن لم يقل إيانا إهدي لأنه لا يجوز من حيث اللغة ومن حيث الشرع. إينانا إهدي تعني إهدينا نحن ولا تهدي أحداً غيرنا!
المقدم: هكذا تعني في اللغة؟
د. فاضل: هكذا في اللغة لو قال إيانا اهدي يعني خُصنا في الهداية ولا تهدي أحداً سوانا.
المقدم: واهدنا؟
د. فاضل: هذه تطلب الهداية اهدنا اطلب الهداية لنفسك وغيرك، اهدنا فيمن هديت. (إياك نعبد) حصراً
المقدم: وهنا (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)؟
د. فاضل: حصراً لا ترجعون إلا لله.
المقدم: اللافت في كلام هذا الرجل الصالح أنه بدأ بالكلام عن نفسه مفرداً فقال (وَمَا لِي لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي) ثم تحول بالضمير إلى الجمع (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) مدار الفهم أن يقول الذي فطرني وإليه أرجع فلماذا التحول في الضمير؟
د. فاضل: طبعاً هو أراد أن يدعوهم فعندما قال (فطرني) لا شك أنه فطرهم لكن قوله (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) هذه دعواه لهم أن يعبدوا ربه، يدعوهم هم.
المقدم: هو آمن بالمرسلين
د. فاضل: هو يريد أن يدعوهم فقال (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) يعني أنتم داخلون أيضاً يعني سترجعون إليه، لما قال فطرني يعني فطركم وإليه ترجعون تحتمل أنه هو أيضاً يرجع. ولذلك هم يقولون حتى المفسرين يقولون أن هذا التعبير بدل من (فطرني وإليه أرجع) (فطركم وإليه ترجعون) فاختار من كل واحد ما يدل عليه فجمع الاثنين.
المقدم: كأن مدار الكلام على المفرد الجمع. فطرني وإليه أرجع وفطركم وإليه ترجعون
د. فاضل: هذا الكلام فاختار من كل واحد فجمع الاختيار للإيجاز والدلالة.
المقدم: لم لم يقول فطرنا وإليه نرجع؟
د. فاضل: هو الآن يتكلم عن نفسه (وَمَا لِي لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي) أنعم عليّ فلماذا لا أعبده؟ (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) هو أراد أن يدعوهم
المقدم: وكأنه يذكّرهم بأن آخرتهم سوف يُسألون عن عدم اتباعهم الرسل.
د. فاضل: أنا أنعم الله علي بالإيجاد لم لا أعبده فطرني وأنعم علي هذه إشارة إلى أنه فطركم وعليكم أن تنبهوا لهذا الأمر و(إليه ترجعون) الكلام لهم باعتبار أنهم لم يؤمنوا فيدعوهم إليه وهذه فيها تحذير لهم وإرهاب لهم وفيها أيضاً ترغيب لهم.
المقدم: ماذا يسمى هذا التحول في الضمير؟
د. فاضل: هذا إلتفات. ولكن هذا أقرب إلى الاحتباك.
المقدم: الاحتباك؟
د. فاضل: نعم، يعني يذكر أمر من هنا وأمر من هناك ويجمع الاثنين، هذا يسمى احتباك. مثل قوله تعالى (وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (3) النصر) لم يقل إنه كان غفارا.
المقدم: استغفره فيها غفران
د. فاضل: هو أراد الاثنين يعني فاستغفره وتب إليه
المقدم: إنه كان غفاراً توابا لكن قال (وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا)
د. فاضل: يعني استغفره وتب إليه والرسول r صلى الله عليه وسلم يجمع بينهما فيقول أستغفرك وأتوب إليك.
المقدم: نحن نحفظها ولا نقف عندها بالمرة. هذا يسمى احتباك
د. فاضل: تذكر أمراً من هنا وأمراً من هنا وتجمع بينهما. اصلاً الإستغفار من دون توبة لا ينفع إذن لو قال استغفره تنفع معها تواب.
المقدم: حتى يطمئن قلبه أنه قد قُبِل فيتوب الله عليه
د. فاضل: استغفره إنه كان توابا يعني أنت تستغفره وتتوب
المقدم: لذلك لم يقل فاستغفره إن كان غفاراً
د. فاضل: هذا تصبح واحدة
المقدم: وليس فيها توبة، فقط غفران. أليس الغفران معناه قبول التوبة؟
د. فاضل: إن تاب. الغفران ستر بعد أن يتوب. ولذلك نقول هذا احتباك يعني استغفره وتب إليه بدليل إنه كان تواباً يعني هو طلب الاثنين استغفره وتب إليه.
المقدم: لم يطلب واحدة فقط
د. فاضل: طلب الاثنين وكان الرسول r صلى الله عليه وسلم يقول أستغفرك وأتوب إليك.
المقدم: يستمر الكلام من الرجل الذي جاء من أقصى المدينة (أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَن بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلاَ يُنقِذُونِ) فكرة عامة عن هذه الاية.
د. فاضل: بعد أن ذكر استحقاقه للعبودية وحده وأنه ينبغي أن يوحّده ذكر أنه لا ينبغي أن يتخذ آلهة من دونه ولا معه ولا وسيطاً، هذه الآية أنه لا ينبغي أن يتخذ إلهاً من دونه (من دونه يعني من غيره)
المقدم: (من دونه) يعني غيره؟
د. فاضل: (من دونه) لها جملة معاني منها غير. دون قد تعني الأسفل أو الأقل ولها معاني كثيرة منها الغيرية.
المقدم: (أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ) من دونه يعني غيره.
د. فاضل: إذن لا يتخذ إلهاً من دونه يعني غيره ولا معه ولا واسطة.
المقدم: من أين علمنا هذه الثلاثة؟
د. فاضل: (أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلهة) هذه واضحة، ولا معه لأنه لما قال (إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَن بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا) يعني ليس فيهم دونه
المقدم: هذا على سبيل أنه لو اتخذ
د. فاضل: هذه صيغة الآية (أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَن بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلاَ يُنقِذُونِ) إذن هم دونه لا يستطيعون أن يفعلوا شيئاً.
المقدم: أمام إرادة الله سبحانه وتعالى.
د. فاضل: إذن لا يصح أن يكون معه آلهة.
المقدم: هنا دونه بمعنى الدونية
د. فاضل: يعني لا يصح أن يكون غيره إلهاً ولا معه لأن هذا الذي معه ماذا يفعل إذا أراد الرحمن بضر لا تغني شفاعتهم شيئاً ولا ينقذون فإذن على ماذا يقدر؟ هو أقل منه إذن لماذا هو معهم؟
المقدم: إستدلال منطقي. هذا الرجل واضح أنه منطقي جداً.
د. فاضل: ولا وسيط ولا شفيع لأنه يقول (لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلاَ يُنقِذُونِ) كيف تدخله شفيعاً وشفاعته لا تُغني؟!
المقدم: (لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا) ألا توحي بأن لهم شفاعة؟
د. فاضل: لا تغني حتى لو شفعوا. فهو هذا التعبير أفاد أنه يوحده لا يتخذ غيره إلهاً (أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً) ولا معه (لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا) ولا واسطة لأنه لا تغني الشفاعة إذن لا يصح أن يكون واسطة لا شفيع فجمعها كلها وهذا هو التوحيد الخالص.
المقدم: إذن ربما قومه يقولون هذا الكلام أنهم ربما يعبدون الآلهة لأنهم يكونوا شفعاء؟
د. فاضل: كفار قريش يقولون هكذا (وَيَقُولُونَ هَـؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ (18) يونس)
المقدم: إذن هذا مستقر في أذهانهم وبالتالي هو ينسف القضية من جذورها لا شفاعة ولا إنقاذ ولا شيء.
د. فاضل: كلها. ثم نلاحظ لطيفة أنه أخرج الكلام على الاستفهام الإنكاري (أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً) يعني ما قال لا أتخذ من دونه آلهة
المقدم: المفهوم هكذا.
د. فاضل: المفهوم هكذا لكنه لم يقل هكذا وإنما قال (أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً) سؤال استنكاري، بعد أن ذكر الحجة المخاطَب ماذا سيقول؟ هو لم يعطي الجواب وإنما أراد من السامع أن يقرر.
المقدم: وكأنه يُجبره على الإيمان وكأنما هو الإشارة للطريق الصحيح.
د. فاضل: لو قال لا أتخذ لقيل له لِمَ لا تتخذ؟ لكن هذه المسألة بهذه الصورة (أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً) لو سألنا أي واحد عاقل أأتخذ من دونه آلهة ليس لها شفاعة؟ سيقول لا، إذن هو سيجيب عن السؤال.
المقدم: هل بنفس المنطق ونفس الاستفهام قوله (وَمَا لِي لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)؟ هذا استفهام أيضاً؟
د. فاضل: نعم.
المقدم: لكنه قال في الاية كما هو واضح (إن يُرِدْنِ الرَّحْمَن بِضُرّ (23) يس) بالفعل المضارع مع أنه في سورة الزمر جاء فعل الإرادة بالماضي (إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ (38) الزمر) لماذا؟
د. فاضل: طبعاً هم النحاة يقولون الفعل الماضي أولاً بعد الشرط يفيد الاستقبال، لكن يبقى السؤال لماذا؟ مع أن الإرادة واحدة لماذا جاء هنا بالماضي وهنا بالمضارع؟
المقدم: مع أن الإرادة واحدة.
د. فاضل: الذي لاحظناه في القرآن الكريم أنه إذا استعمل الفعل المضارع بعد الشرط فمظنة التكرار. واستعمال الماضي مظنة عدم التكرار ووقوعها مرة واحدة. يقول تعالى (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا (93) النساء) يقتل فعل مضارع وقال (وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَئًا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ (92) النساء) الآيتان متتابعتان في سورة النساء من قتل ومن يقتل، الفعل مستقبل لكن القتل المنعنمد يعني أنه كلما سنحت له الفرصة بالقتل قتل ما دام متعمد يتقل، تتكرر. هو يتعمد قتل المؤمن إذن كلما سنحت له الفرصة سيقتل. بينما قال (وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَئًا) الخطأ ما يتكرر لأنه غير متعمد.
المقدم: ولذلك الجزاء مختلف.
د. فاضل: طبعاً. قال (قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعًا (17) المائدة) أيضاً مستقبل لكن استخدم الفعل الماضي ما قال إن يريد، فعل ماضي لأن الإرادة مرة واحدة إن هلك انتهى الأمر. كم مرة يهلكه؟
المقدم: الهلاك مرة واحدة.
د. فاضل: (فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا (233) البقرة) إذا انفصلا انتهى الأمر، كم مرة سيطلق؟ لا تتكرر الإرادة هذه. (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا (16) الإسراء) إذا أهلكها ماذا يحصل بعد؟ لن تتكرر. يحيهم ثم يهلكهم؟ أراد أن يهلكها فأهلكها.
المقدم: ليس فيها تجدد أراد أن يهلكها فأهلكها.
د. فاضل: (وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ (50) الأحزاب) كم مرة يريد أن يستنكحها؟ مرة واحدة. لكن قال (وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا (145) آل عمران) الثواب يتجدد كل عمل أنت فيه له ثواب.
المقدم: لو قال ومن أراد يكون مرة واحدة.
د. فاضل: تلك (وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا (19) الإسراء) الآخرة واحدة أما الثواب فمتجدد لأنه في كل عمل تعمله أنت تبتغي الثواب.
المقدم: مع الآخرة في آية أخرى يقول (وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ)
د. فاضل: (وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ) ليس الثواب.
المقدم: هي آخرة واحدة.
د. فاضل: هي آخرة واحدة بينما الثواب جاء معه بالمضارع (يريد) لأنه متجدد، ثواب الدنيا كلما عملت عملاً تأتيك أجرة إذن (وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا) وثواب الآخرة كذلك. (وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللّهُ هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62) الأنفال)
المقدم: الخديعة تستمر.
د. فاضل: تتكرر. (وَإِن يُرِيدُواْ خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُواْ اللّهَ مِن قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (71) الأنفال) هذه تتكرر. إذن هذا الذي ورد في القرآن مرات كثيرة.
المقدم: (قُلْ مَن ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُم مِّنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً (17) الأحزاب)
د. فاضل: لم يذكر التكرار هنا. سنأتي إلى الآية
المقدم: إذن هنا (إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَن) جاء بالمضارع
د. فاضل: (إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَن) إشارة إلى أنه كان يتوقع تكراره أما في الزمر فليس فيها تكرار بينما آية يس فيها توقع التكرار
المقدم: وإن كانت الإرادة واحدة.
د. فاضل: نعم لكن ما كان يتوقع أن يتركوه معناه كلما أرادوا أن يوقعوا عليه ضرر يعني هذه إرادة جديدة. فإذن هو كان يتوقع هذا.
المقدم: هو قال (إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَن) قال الرحمن مع أن آية الزمر قال (إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ) لماذا اختلف لفظ الجلالة مع أنها نفس الإرادة واحدة.
د. فاضل: هناك حقيقة أكثر من أمر في هذا. هو ماذا كان يتوقع خاصة من أصحاب القرية الذي توعدوا المرسلين (لَئِن لَّمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (18) يس) إذن هو كان يتوقع الضر فذكر إسم الرحمن كأنه يلوذ به ليرحمه من هؤلاء كما قال (قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (18) مريم) أن يرحمني منك. فهو كان يتوقع أن يؤذوه ويكرروا فبمن يلوذ؟
المقدم: بالرحمن
د. فاضل: فقال الرحمن يعني بمثابة سؤالي للرحمن. الضر سيقع لكنه يطلب من الله أن يرحمه. لو أكملنا الاية (إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَن بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلاَ يُنقِذُونِ (23)) الرحمن ورد مع الشفاعة. أولاً يستدر عطف الشخص الذي يشفع عنده ويستدر الرحمة ولو كان رحيماً حتى إن لم يكن للشافع عنده وجاهة يقبله، هذا مع الرحمن لا تنفع الشفاعة برغم كونه رحمن إذن ليس لهم جاه اصلاً فاختيار الرحمن مع عدم الشفاعة لأنه عادة الذي يشفع يستدر الرحمة، هذا محتاج، هذا كذا.
المقدم: يعزف على منطق الرحمة الموجود عنده وكأنه يرد حتى مع هذه الرحمة لا شفاعة له.
د. فاضل: ومع الرحمن لا تنفع! يعني مع الرحمن لا تنفع الشفاعة
المقدم: إذن لا قيمة لهم.
د. فاضل: إذا مع الرحمن لا تنفع
المقدم: ربما لا تنفع الشفاعة مع الجبار أو مع القهار لكن هنا حتى مع الرحمن لا تنفع أيضاً.
د. فاضل: هذا اختيار في غاية الدقة الرحمن مع الشفاعة. حتى من ناحية السمة التعبيرية إسم الرحمن ورد في سورة يس أربع مرات وفي الزمر ولا مرة. إسم الله في سورة الزمر ورد 59 مرة بينما ورد في سورة يس ثلاث مرات.
المقدم: السمة التركيبية العامة للسورة القرآنية مختلفة.
د. فاضل: الزمر ليس فيها إسم الرحمن في يس أربع مرات، لفظ الجلالة الله ورد في الزمر 59 مرة وورد في يس ثلاث مرات. يعني من أي ناحية نأخذها فالتناسب موجود.
المقدم: لكن في الزمر مع تكملة الآية (إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ (38)) يذكر الرحمة لكن الرحمة غير مذكورة في آية يس.
د. فاضل: أولاً صاحب يس لم يكن يتوقع غير الضر هذا واحد، لم يكن يتوقع من أصحاب القرية رحمة. لكن الأمر الآخر من هو الرحمن؟ أليس الذي يرحم؟ فهو عندما ذكر إسم الرحمن هو أغنى عن الرحمة.
المقدم: وبالتالي هو مفهوم من إسم الرحمن
د. فاضل: (إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَن بِضُرّ) الرحمة سيكون ذكرها لكن بشكل آخر. الرحمن من الرحمة فذكر الأمرين في لفظ واحد، أما هناك فذكرها بطريقة أخرى ذكر أمرين (إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ) ذكر أمرين هذا من الله، وصف الجلالة الله ليس فيه وصف فذكر الأمرين وفي آية سورة يس ذكرهما بلفظ واحد فقال (الرحمن) حتى لا يصير هنالك تكرار.
المقدم: في قوله (لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلاَ يُنقِذُونِ (23)) نجد استخدام الضمير ذكور عقلاء وفي الزمر (هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ) نجد أنه استخدم المؤنث وجمع، فلماذا اختلف الضمير مع أنه يتحدث عن الأصنام.
د. فاضل: لاحظ ضمير الإناث يستعمل للإناث ويستعمل لجمع غير العاقل، مثلاً نقول الجبال هُنّ شاهقات ما تقول هم. (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ (197) البقرة) هي للأشهر. إذن ضمير الإناث يستعمل للإناث ولجمع غير العاقل. وجمع المؤنث السالم (ممسكات، كاشفات) أيضاً يستعمل الجمع منه للمؤنث الحقيقي ويستعمل لجمع مذكر غير عاقل سواء كان وصفاً أو إسماً نقول مثلاً جبال شاهقات، أنهار جاريات، بل حتى أحياناً الإسم غير العاقل الذي ليس له جمع آخر يستعمل المؤنث مثل اصطبل اصطبلات، حمّام حمّامات، مستنقع مساتقعات. هذا الفرق. بينما ضمير الواو في جمع المذكر السالم هذا لا يستعمل إلا العاقل، لا يستعمل إلا للذكور العقلاء فقط.
المقدم: (لا تغني عني شفاعتهم)
د. فاضل: يُستعمل للذكور العقلاء أو ما نُزّل منرلتهم مثل (وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (40) يس). يبقى السؤال هذا الأمر. أولاً نعرف الحكم النحوي ثم نطبقه على الآيات. إذن جمع المؤنث وضمير الإناث يستعمل للإناث ولجمع غير العاقل وضمير المذكر يستعمل للعاقل فقط. الآن ننظر في الايات. آية الزمر (قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ (38)) قال (ما) (قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ) فإذن جعلها آلهة لا تعقل (ما) أداة غير العاقل.
المقدم: ألا يمكن أن تدل (ما) على العاقل كما في قوله (له ما في السموات)؟
د. فاضل: هذا لما يكون مختلطاً العاقل وغير العاقل أو صفة من يعقل صفة العاقل وذات من لا يعقل.
المقدم: أما إذا خصص فئة محددة من بداية الحديث فتنصرف الدلالة على هذا.
د. فاضل: ثم هو جاء بـ (هُنّ) إما أن يكون للإناث أو لجمع غير العاقل، إذن ما زالت لغير العاقل. ثم جاء بجمع المؤنث السالم (هن كاشفات- هن ممسكات) أيضاً هذا جعلهم غير عاقل. إذن هذه الآية نزلت في المجتمع الجاهل (قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ) وربنا تعالى قال عن هؤلاء (إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثًا وَإِن يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَانًا مَّرِيدًا (117) النساء) فأصلاً هم يسمون الأصنام بنات الله ويضعون لها أسماء مؤنثة (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (20) النجم) فإذن من كل ناحية هي لا تعقل وأسماءها إناث فاختار لهم المؤنث وهو أنسب شيء. يبقى لماذا قال في آية يس (لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ (23)) بالمذكر؟ الشفيع لا بد أن يكون عاقلاً وإلا كيف يكون شفيعاً. (وَلَا يُنْقِذُونِ) هل ينقذ من هو غير عاقل؟!
المقدم: باعتراف سلفنا أنهم لن يشفعوا ولن ينقذوا.
د. فاضل: لكن الشفيع لا بد أن يُنقذ. ربنا قال (أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ شُفَعَاء قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ (43) الزمر) وإلا الشفيع يجب أن يكون عاقلاً.
أسئلة المشاهدين خلال حلقة 20/4/2009م:
الأخ عبد الرحمن من دبي: تعليق بسيط في بداية البرنامج بدأتم بتفسير (اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20) اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ (21)) الكلام واضح جداً لكن شعرت أن الموضوع التبس عليكم. اتبعوا المرسلين ليس هناك مجال أن يكونوا صادقين أو كاذبين فالمرسلون هم صادقون في كل الأحوال، هذه نقطة. والنقطة الأخرى (اتَّبِعُوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُم مُّهْتَدُونَ) حسب ما فهمت من كلام الدكتور فاضل أي ما عدا المرسلين إذا وجدتم شخصاً على هداية وعلى صراط مستقيم ويدعو للهداية ولا يطلب منكم أجراً فأيضاً يجب اتباعهم إلى جانب المرسلين. أما المرسلين فلا نقاش لو قلنا إن كانوا على حق فزنا وإن لم يكونوا على حق خسرنا نكون قد وضعنا أنفسنا في شك.
المقدم: أنت تضيف بعداً آخر لما قاله الدكتور فاضل؟
الأخ عبد الرحمن: أنا فهمت هذا منه.
المقدم: هل أنت تقول أنه إذا ظهر شخص غير المرسلين يدعو لا يسأل أجراً وهو مهتدي فهم يُتّبع؟
د. فاضل: هكذا هو.
الأخ عبد الرحمن: أقصد علماء الدين وغيرهم
د. فاضل: هو هكذا، ذكر أمرين المرسلين وغيرهم. ومع ذلك هؤلاء كونهم مهتدين ولا يسألون أجراً لكن كونه مرسل كافي.
المقدم: هو يقصد علماء الدين مثلاً هل يجوز؟ لكن مناط التكليف على الآية الكريمة؟ هل نتّبع اي أحد غير مرسل طالما لا يسأل أي أجر وهو مهتدي؟
د. فاضل: هو إذا كان مهتدياً فهو على طريق الرسل وإلا كيف يكون مهتدي؟
المقدم: أنا ما فهمت من الآية أنه يتكلم عن المرسلين فقط، لأن المرسلين لا يسألون أجراً وهم مهتدون وهم رسل فيُتّبعوا. لكن الأخ عبد الرحمن أضاف بعداً آخر فهل الآية تحتمل هذا المعنى؟
د. فاضل: نحن ذكرنا في حينها، المرسل مرسل، والآية لما قال (اتَّبِعُوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُم مُّهْتَدُونَ (21)) وضع ميزان لاتّباع الآخرين.
سؤال في الآية 18 و19 في سورة يس (قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (18) قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (19))، ماذا لو كانت الآية “ولنمسّنكم بعذاب أليم” هل كانت ستفيد معنى مختلفاً أم أن هنالك لمسة بيانية في الآية؟
الأخ عبد العزيز من السعودية: (قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِن ذُكِّرْتُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ (19)) الإسراف في الأمورالمباحة من حيث الأصل والتبذير يكون في الأمور الحرام أو غير الجائزة فماذا تفيد الآية لو قال بل أنتم قوم مبذّرون لأن الآية في التطير وتكذيب الرسل؟
د. فاضل: الإسراف هو مجاوزة الحدّ. أفي الماء سرف؟ قال وإن كنت على نهر جاري. فالإسراف مذموم في كل حال.
بُثّت الحلقة بتاريخ 20/4/2009م