البسملة
بسم الله الرحمن الرحيم: ما هي وما معناها وما تفسيرها؟
نحن في الحلقة الماضية وقفنا عند الإستعاذة وبيّنا كل ما يتعلق بها إن شاء الله بقدر وسعنا. الآن ننتقل إلى سورة الفاتحة. وسورة الفاتحة تبدأ بقوله تعالى: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3)) إلى آخر السورة. نحن هنا نريد أن ننبه إلى مسألة لعلها تتعلق بأصول الفكر الإسلامي والفهم الإسلامي كيف ينبغي أن يكون وماذا ينبغي أن يكون عليه المسلم في علاقته بالآخرين. البسملة فيها كلام لكن الذي أخذ به المصحف المتداول الآن الذي هو مصحف المدينة النبوية وما أُخِذ عنه ومطبوع بالملايين وهو بين أيدي المسلمين هو أن تكون البسملة هي الآية الأولى من سورة الفاتحة. الآن إذا فتحنا المصحف سنجد بسم الله الرحمن الرحيم في الفاتحة أمامها رقم 1 معناه هي الآية الأولى وهذا الذي أخذ به المصحف هو ما كان عليه جمهور عظيم من أصحاب النبي r وقد نبّه المشرفون على تدقيق المصحف في آخره إلى أنهم أخذوا من هذا وغيره في عدّ الآيات بما ورد أو بما رواه عبد الرحمن السُلَمي عن أمير المؤمنين علي إبن أبي طالب كرّم الله وجهه. قد يكون هناك آراء أخرى أو لا شك هناك آراء أخرى وروايات أخرى لكننا نقول حينما تكون هناك أكثر من رواية في قضية معينة ويقتنع المسلم بإحدى هذه الروايات بناء على ما يراه من دليل .عند ذلك هذا هو الأصل الذي أريد أن أقرره هنا: ينبغي أن يعتقد أن ما أخذ به هو لصاحب الأجرين وما أخذ به مُخالِفه أخذ بما قال به صاحب الأجر الواحد في إعتقاده هذا نصف الإعتقاد. والنصف الثاني أن يُقرّ في نفسه أن يكون إحتمال أن يكون ما أخذ به هو للأجر الواحد وما أخذ به مخالِفه هو صاحب الأجرين حتى لا نبقى في شد وفي تعصب. أنا مقتنع الآن تماماً بأن ما أخذ به هذا المطبوع ،أخذ به هذا المصحف، من عدّه آية واحدة نقلاً عن الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه أخذ به وسائر الصحابة إذن أعتقد أن الأخذ بهذا أخذٌ برأي صاحب الأجرين من المجتهدين وما أخذ به غيري الذي لا يعدّها آية من الفاتحة هو صاحب الأجر الواحد لكن في الوقت نفسه أنا معتقد قد أكون أنا صاحب الأجر الواحد وهو صاحب الأجرين حتى نتخلص من فكرة المشاحّة والمجادلة وإضاعة الوقت فيما لا فائدة من ورائه لأن هذا أخذ به جمع من الصحابة وهذا أخذ به جمع من الصحابة ولسنا خيراً من خير القرون لأن الرسول rr قال: خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم. ومن هنا نحن سنقف عند قوله بسم الله الرحمن الرحيم بوصفها الآية الأولى من سورة الفاتحة.
يقولون أن البسملة وردت 114 مرة كعدد سور القرآن فهل في هذا إيجاز؟ هذه الآية وردت في سورة النمل في داخلها (إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (30)) ولم توضع في البراءة أو سورة التوبة فجاءت على عدد سور القرآن الكريم 114 مرة.
بسم الله:
هذه اللفظة حينما نقول بسم الله في أول المصحف الشريف، الله سبحانه وتعالى يعلّمنا يعني هذا من فضله جلّت قدرته أنه يُجري على أنفسنا ما ينبغي أن نقوله كما أن آدم u لما عصى ربه لم يعرف كيف يتوب وكيف يستعغفر فأوحى إليه الله سبحانه وتعالى كلمات فتلقى آدم من ربه كلمات فرددها فتاب عليه, هذه الفاء التي في (فتاب عليه) تسمى الفاء الفصيحة لأنها تفصح عن كلام محذوف يعني فرددها فتاب الله عليه. فمن فضل الله تعالى على هذه الأمة أن علّمها كيف تقول وكيف تدعو وكيف تناجي ربها؟ فتبدأ بكلمة بسم الله. والعلماء يقدّرون محذوفاً يقولون لأن الجار والمجرور في الكلام لا يقويان على الوقوف لوحدهما ينبغي أن يتعلقا أي أن يرتبطا بفعل أو ما يقوم قيام الفعل من أسماء الفاعلين والمفعولين فيقدّرون : بسم الله أبتدئ أو بسم الله إبتدائي، بسم الله أبتدئ في القرآءة أو بسم الله أبتدئ القرآءة، بسم الله أبتدئ الأكل، بسم الله أابتدئ اللبس، بسم الله أبتدئ حياتي وأنا خارج من منزلي، بسم الله أبتدئ وأنا داخل إلى أهلي إلى منزلي. بحسب ما تفعله تقول: بسم الله. وقدّروا هذا المحذوف من فعل أو غيره بعد كلمة بسم الله حتى لا يبتدئ الإنسان في ذهنه بغير إسم الله يعني أن تكون كلمة بسم الله هي البداية. أنت تبدأ بها في كل شأن من شؤون حياتك وعند ذلك تكون مطمئناً أنك مع الرحمن الرحيم، مع اللطيف الخبير، مع الذي يراك حين تقوم وتقلّبك في الساجدين، مع الله سبحانه وتعالى فتبدأ بسم الله.
كلمة (الله) هي في الحقيقة إسم للذات التي هي كما يقولون في الفلسفة واجب الوجود. هي إسم له يعني هي لفظ يشير إلى خالق السموات والأرض إلى الذي ليس كمثله شيء. هذه لفظة(الله). الله هي إسم أيضاً نحن نبدأ بإسم الإسم كيف يكون هذا؟ أثار بعض المفسرين كيف نقول بسم الإسم؟ ثم جمهور العلماء وبعض العلماء قالوا هذه اللفظة هي تشير إلى الذات الإلهية. أنت يمكن أن تقول أنا أحدّثك الآن بإسم فلان وليس بإسمي الشخصي. بإسم زيد حينما تذكر كلمة زيد هذه الأصوات الزاي والياء والدال مع المصوتات التي فيها يحضر في ذهنك ذلك الإنسان. وعندما تقول يوسف، المخرج يوسف تحضر في ذهننا صورة الشخص يوسف. فكلمة (الله) عندما نقولها الله سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء كل ما خطر في ذهنك فالله عز وجل بخلافه لكن يحضر في ذهننا هذا المسمّى كما وصف نفسه سبحانه وتعالى. أنت عندما نقول بسم الله يعني بسم هذا المسمى الذي لفظه الله تشير إليه.
لماذا لفظة الله؟ قد يقول قائل لماذا لم يقل القادر، القهار، أو أي إسم من أسماء الله الحسنى؟ لعلنا تطرقنا إلى ذلك في المرة الماضية. كلمة الله حينما يقولها الإنسان هذه خاصة بالذات، بالذي وصف نفسه ليس كمثله شيء. حتى في الجاهلية خصصوا كلمة الله لخالق السموات الأرض وما بينهما المهيمن المسيطر على أمور الدنيا وذكروا لأصنامهم أسماءً. حتى إذا قالوا الإله أو الآلهة يعنون بها الأصنام لكن لم يطلقوا كلمة الله على صنم من الأصنام أو معبود من المعبودات فالله في أ ذهان العرب مميز، هذا اللفظ مميز له خصوصية لا يشاركه فيه أحد.
كلمة الله خاصة ليست كلمة رب مثلاً. أيضاً يمكن أن يقولوا مع الإضافة يقولون: رب الإبل يضيفونها (أنا رب الإبل وللبيت رب يحميه) الإله الآلهة إلخ.. لكن لفظة الله مخصوصة خاصة بالعليم الخبير، بخالق الكون، بالموجِد للموجودات جميعاً. من هنا جاء بعض القول أن هذه اللفظة إذن مرتجلة إرتجلت هكذا غير مشتقة كلمة الله لكن الذي يرجحه جمهور العلماء أنها مشتقة يعني مأخوذة في الأصل القديم من فِعل كأنما في تصورهم في القديم وهو يوافق اللفظ كما سنأتي أنها أُخِذت من فعل إلِه يأله وعندنا الباب الآخر إلَه يألَه بمعنيين متقاربين. إلِه يأله بمعنى عبَد أو أحب حباً عظيماً إلى درجة العبادة وبعض العرب أبدل الهمزة واواً فقال ولِه يوله ويله ومنها الولهان العاشق المغرم فهي في الأصل إذن بمعنى المحبة العظيمة إلى درجة العبادة أو العبادة مخلوطة بالحب الغامر. فأصل اللفظة إذن هي عبادة وحب أوعبادة بحُبّ ألِه يأله. ثم دخلت الألف واللام فصارت الإله وهي أصلها إلِه (إلِه يأله إلهاً) بوزن كتاب. كتاب وزنها فعلان لكن معناها مفعول. تقول هذا كتابنا أي هذا مكتوبنا هذا الشيء الذي كتبناه فهي فعال بمعنى مفعول. إله بمعنى مألوه مثلها يعني معبود محبوب مألوه. ثم دخلت (أل) على ألِه فصارت الإله. الهمزة التي تقابل فاء الكلمة (الإله) لكثرة إلاستعمال حذفتها العرب. والعرب تحذف لكثرة الإستعمال: (لم تكون) يقولونها (لم تك) عندها الحذف لكثرة الإستعمال فصارت الله بفتح اللام ووزنها العال لأن الفاء حذفت. العرب بجمهورهم فخّموا اللام فما يقولوا (اللَه) بالترقيق وإنما قالوا (اللَه) بالتفخيم. وليست هناك قبيلة عربية حينما تنطق إسم الجلالة تقول الله بالترقيق وإنما تقول الله بالتفخيم وهذا أيضاً في إجماعهم. بعض العرب في لغاتهم الأخرى يفخمون فمنهم من يقول الصلاة بترقيق اللام ومنهم من يقولها مفخّمة ومظلوم مرققة ومظلوم مفخمة، القدامى. نحن الآن لا نصلح شاهداً لكن هكذا كانوا بعض العرب يرقق اللام ووبعضهم يفخّم اللام في مواصع لكن العرب جميعاً كما روى علماؤنا المشافهون لقبائل العرب قالوا: أجمع العرب على تفخيم هذا الإسم إلا إذا كان ما قبله كسرة أو ياء عند ذلك يرقق إستثناءً فنقول (بالله) أو (أفي الله شك). لكن بخلاف ذلك (وعلى الله فليتوكل المتوكلون) فيكون مفخماً. إذن هي لفظة الله هي توصف الله الرحمن ، الله الرحيم لكن لا تأتي وصفاً.لا نقول الرب الله نصفه ولذلك حتى بعضهم يقول هو الإسم الأعظم لله سبحانه وتعالى لأنه يوصف ولا يصف غيره ولأنه يحمل كل سمات الأسماء الأخرى (ولله الأسماء الحسنى) كل إسم من تلك الأسماء موجود تحت مظلة لفظة الله وهذه الخصوصية في التفخيم التي فيها وهذا المعنى الذي فيها من عبودية ومحبة يعني حب الله سبحانه وتعالى والإنسان يعني هؤلاء المتصوفة الذين عرفوا الشريعة يعني كانوا على منهج الشرع كانوا مغرمين فعلاً بالله سبحانه وتعالى لأنهم في إطار فهمهم للشريعة وليس في إطار الخروج على الشريع,. هم الذين قالوا الحقيقة والشريعة واحدة ما عندنا هذه حقيقة وهذه شريعةكالشيخ عبد القادر الجيلاني قدّس الله سرّه ومعروف الكرخي وغيرهم كانوا علماء شريعة. الشيخ الجيلاني كان حنبلياً ودرّس المذهب الحنبلي 30 سنة في مدرسته. كانوا علماء ومان فيهم رقة في قلوبهم فاتّصلوا بالله سبحانه وتعالى بهذا النوع من الشفافية في الروح فهو حبٌ إذن. هذا لفظ الله.
المستمع يفكر أن اللفظ مر بمراحل من إلِه بأله ثم حذفت الهمزة ثم إلى أن وصل إلى اللفظ الله فكيف تفسر هذا؟ هذا نحن نقوله ولا ندري المدة التس إستغرقها هذا التحول في لغة العرب لما كانت هكذا ممكن أن يكونبوقت قصير وممكن أن يكون وٌضِع ابتداء وضعاً هكذا (الله) لكن هذا التأويل مستساغ. التأويل يعني أن جاءت الكلمة (الله). كلمة رحمن عندنا الفعل رحم وعندنا رحمن ورحيم وسنأتي إليها. إذن فهذه كلمة بسم الله أنه نبدأ هكذا مع هذا التصور للفظ الله سبحانه وتعالى.
الرحمن الرحيم:
ننتقل إلى كلمة الرحمن الرحيم: كلتا الكلمتين مشتقة من ر-ح-م رحم ومن هنا جاءت الرحمة وفيها معنى الإنعطاف والعطف أو الضمّ والإحتضان. هذا فيه رحمة فيها عاطفة وفي الحديث الصحيح: شققت الرحم من إسمي الرحمن فهي معلقة بالعرش تقول اللهم صِل من وصلني واقطع من قطعني. في صلة الرحم بين الناس يعني الإسلام حريص على الروح الإجتماعية . ما عندنا في الإلاسم أب يعيش في معزل عن أبنائه يطردونه أو يضعونه في ملجأ أو الأم لا تدري من أولادها وأين أولادها وهذا الذي نراه في الغرب. والإسلام دين تراحم، جين تعاطف، دين توادّ تبحث عن جارك وتسأل عنه. الناس الآن لا يعرفون مَنْ جارهم؟ ماذا يشتغل؟ بات جوعان أو شبعان؟ ليس هذا ديننا. فهذه هي الرحمة وكلمة رحمن لاحظ التدرج من العام إلى الخاص الآن. والتدرج قد يكون من الخاص إلى العام ومن العام إلى الخاص. نحن قلنا أن كلمة الله هيلا تضم تحت لوائها كل الأسماء الحسنى أنت تستحضرها. لما ننتقل إلى الرحمن نجد أن صيغتها صيغة فعلان مثل عطشان وظمآن. يسميها العلماء صيغة تكثير أو صيغة مبالغة يعني فلان عطِش أو يعطش غير عطشان. عطشان كثير العطش وعطشه شديد. رحمن معناه كثير الرحمة ذو الرحمة العامة الشاملة ولذلك يقولون كلمة الرحمن معتاها هو رحمن في الدنيا والآخرة هو رحمن بكل خلقه مؤمنهم وكافرهم لأن الله سبحانه وتعالى لا يحرم الكافر من رحمته وفي الحديث: لو كانت هذه الدنيا تعدل جناح بعوضة عند ربكم ما سقى كافراً فيها شربة ماء. لكن يسقي الكافر ويعطيه الصحة ويعطيه النظر ويعطيه السمع ويعطيه الإستقامة وهو يكفر بالرحمن ومع ذلك يرحمه الله في هذه الدنيا ولكن سيأتي الوقت الذي يحاسبه عليه. فهو رحمن في الدنيا والآخرة للجميع.
الرحيم:
أما الرحيم فهي مرتبة ثالثة: الله، الرحمن، وتأتي الرحيم. يقول علماؤنا الرحيم بالمؤمنين لذلك لاحظ كلمة الرحمن لأنها المرحلة الثانية بعد لفظ الله جاءت الرحمن كما أن لفظة الله لا يُسمّى بها مخلوق كذلك كلمة الرحمن لا يسمى بها مخلوق ولا حتى بالإضافة لذلك لما مسيلمة سمي رحمن اليمامة أخزاه الله سبحانه وتعالى لايسمى الرحمن. لكن كلمة الرحيم يمكن أن يوصف بها البشر أيضاً لأنها رحمة قليلة بالقياس إلى الرحمن ولا تقارن برحمة الله سبحانه وتعالى ووصِف محمد r بالرحيم (قد جاءكم رسول من أنفسكم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم). أنت ممكن أن تقول هذا إنسان رحيم لكن لا يمكن أن تقول هذا إنسان رحمن. هذا التدرج يفيد الإنتقال من الكل إلى الجزئيات.
هنا نقف عند شيء آخر في (بسم الله الرحمن الرحيم) يتعلق بالرسم. كلمة إسم ينبغي أن يكون فيها ألف وكلمة الله ينبغي أن يكون فيها ألف وكلمة الرحمن ينبغي أن يكون فيها ألف. هذه الإلأِفات غير موجودة هنا. في هذا المجال نقول خط المصحف توقيف. وقولنا خط المصحف توقيف هو نقل لما قاله القدماء لكن ماذا يعنون بالتوقيف؟ فيها قولان: بعضهم يرى أن الرسول rr قال لهم إرسموا هذه الكلمة هكذا مع أنه كان أمياً لكن كان هذا بإلهام من الله تعالى فجاء رسم الكلمات هكذا. وفريق آخر من العلماء يقولون لا، ما عندنا نص ثابت يقول أن الرسول rr قال إرسموا كلمة رحمة هنا هكذا وارسموها هنا هكذا، لا يوجد. فإذن هذا رسم الصحابة الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم. وكان الإسم يمر بمراحل تطور الخط العربي كان يمر بمراحل فهذه مرحلة من مراحل تطور الخط العربي. وعقلاً كان يمكن أن يُغيّر رسم المصحف إلى الكتابة الحديثة لكن المسلمون وأول من أفتى بعدم جواز تغيير خط المصحف هو الإمام مالك رحمه الله. لما سُئل بعد أن إنتشر التعليم وتطور الخط العربي فسُئل: أنكتب المصحف على كتبة اليوم؟ نغيّر؟ هو رحمه الله رأى أن هذا قد يكون سبباً للتحريف وقد يُحرّف المصحف بحجة كتابته على الإملاء الحالي فقال لا إلا على الكتبة الأولى التي أقرّها صحابة رسول الله r جميعاً في عهد عثمان عندما بعث المصاحف إلى الآفاق. قال هذا الذي أجمع عليه صحابة رسول الله r يثبت كما هو أما التعليم للصبيان أو إقتطاع الآيات لغرض علمي تعلميم فعل كتبة اليوم. لهذا إلى اليوم إذا أردت أن تكتب مصحفاً تضع نسخة من المصحف القديم وتنقش عليه حرفاً حرفاً فما رسمه القدماء ترسمه وما تركوا رسمه لا ترسمه. بحيث أن رسم المصحف كما هو معلوم: الحروف لم تكن منقوطة ولا مشكّلة فلما أنتشر الإسلام وصار الناس لا يقرأون من الشيوخ وصاروا يريدون أن يقرأوا من الكتاب، من المرسوم، من الورق بدأ الناس يحفظونه من غير شيخ كما هو الحال الآن وهذا من أخطر ما يكون الذي يريد أن يحفظ سورة ينبغي أن يقرأها على مقرئ على شخص حتى لا تحفظ كلمة خطأ وتعلق به. فبدأوا يخطئون في المرفوع والمنصوب إلى أن تنبّه زياد بن أبيه وحاول مع أبو الأسود الدؤلي الذي هو من التابعين فقال له ضع للناس شيئاً يعصم ألسنتهم من اللحن، من الخطأ في القرآن. قال كيف أضع شيئاً ما وضعه صحابة رسول الله؟ فقال: هو والله خير. فلم يقتنع إلى أن وضع زياد إبن أبيه على مدرجته (على الطريق) قارئاً بصوت جميل قال إذا جاء أبو الأسود الدؤلي فاقرأ قوله تعالى (وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ) وإقرأها (ورسولِه) وهذا طبعاً يقلب المعنى. فلما سمعها أبو الأسود الدؤلي جاء هو إلى زياد فقال: إبغني كاتباً وقال له إذا ضممت فمي في الحرف فضع نقطة بين يديه (نقطه مطموسة) هذا حديث قد يطول.
هكذا تُرسم (بسم الله الرحمن الرحيم) رُسمت من غير ألف. ولفظة الرحمن حيثما وردت في القرآن هي من غير ألف ولفظة الله حيثما وردت في القرآن هي من غير ألف. لفظة إسم أحياناً تأتي بألف وأحياناً تأتي من غير ألف. قد يكون في ذلك سر وقد يكون هذا الذي كان عليه الكُتّاب. لو نظرنا في الآيات التي بين أيدينا من سورة الفاتحة الآية الأولى (بسم الله الرحمن الرحيم) نجد أن كلمة إسم أضيفت إلى لفظة الله ودخلت عليها الباء . في سورة النمل الآية 30-31 (إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (30) أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (31)) نجد أيضا أن الباء إتصلت بكلمة إسم وأضيفت إلى إسم الجلالة (الله). في سورة هود الآية 41 (وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (41)) أيضاً أضيفت إلى لفظ الجلالة الله وابتدأت بالباء. إذا كانت الآين بهذا الشكل: إذا إتصلت بالباء اللفظة (إسم) وأضيفت إلى إسم الجلالة (الله) فعند ذلك ينبغي أن تحذف الألف. إذن عندنا شرطان لحذف الألف مع إسم. نحن نسميها ألف وهي في الحقيقة رمز لهمزة الوصل وهمزة الوصل كما هو معلوم تسقط في الدرج وتثبت في البداية. يعني عندما نقول: ما اسمك؟ (حذفت الألف في اللفظ ولكن هي ثابتة في الرسم) الرسوم يكون على الإبتداء أو الوقف ولكن إذا قال: إسمي فلان بدأ بهمزة قطع. فإذن بهذين الشرطين تحذف ألف إسم وإذا إختل أحد هذين الشرطين أو كلاهما عند ذلك تثبت الألف.
عندنا نماذج: في سورة الواقعة (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (96)) الباء إتصلت بلفظة إسم لكن أضيفت إلى لفظة رب ولم تضف إلى لفظة الله. فنجد في المصحف رسمت بالألف في الواقعي في الآيات 74 و 96 (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (74)) (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (96)) وفي الحاقة الآية 52 (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (52)) وفي العلق الآية الأولى (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1)). ولو قال نسبح بحمد الله لحذف الألف. (واذكروا اسم الله) المائدة أضيفت إلى لفظة الله لكن لفظة إسم غير مرتبطة بالباء. فكلمة إسم أضيفت إلى لفظ الله لكنها في الوقت نفسه خلت من الباء فعند ذلك ذكرت الألف مع أنها مضافة في آية المائدة وفي الأتعام في عدة مواطن وفي الحج في عدة مواطن. (تبارك اسم ربك) هنا لا الباء موجودة ولا أضيفت إلى إسم الله.فالألف أيضاً موجودة وكذلك (بئس الإسم الفسوق بعد الإيمان) في الحجرالكلمة الإسم فيها الألف. إذن الخلاصة نقول: تحذف الألف بوجود هذين الشرطين: مضافاً إلى لفظ الجلالة ومتصلة بالباء. إذا إختل أحد الشرطين أو كلاهما فعند ذلك تثبت الألف وعلى هذا رسم المصحف.
سؤال: لماذا جاءت لزاماً منصوبة وأجل مرفوعة مع أنها معطوفة على منصوب في قوله تعالى في سورة طه (وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى (129))؟
هذه مسألة نحوية: لزاماً خبر كان. وأجلٌ: الواو عطفت جملة ولم تعطف مفرداً يعني والأمر أجلٌ مسمى كأنه خبر لمبتدأ محذوف ويكون من قبيل عطف الجمل وليس من عطف المفردات.
سؤال: لماذا النهي ضعيف في قوله تعالى في سورة النور (وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ (33) النور)؟
سبب نزول الآية أن فلاناً من كفار مكة كان يبعث بخادماته إلى فعل الفاحشة حتى يأخذ منها المال. فالقرآن الكريم أراد أن يشنّع به وهو كان من كبراء قريش ومات كافراً. ومنهم من يقول أنه المقصود كان أحد المنافقين في المدينة. أياً كان الذات غير مهمة بقدر أهمية الواقعة أن الذي يفعل هذا كان منافقاً أو من الكافرين مات على كفره أو مات على نفاقه كان يفعل هذا. فكما أن القرآن أرّخ لنا في القرآن الكريم (وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (9) التكوير) وهذا لم يكن شائعاً في العرب وإنما لعِظم الجُرم أرّخه مع أنه قليل كان ومع ذلك سجّله لعِظمه. وهذا أيضاً كان لِعِظمه: أنت وجه من وجوه قومك كيف تفعل هذا؟ فأراد القرآن الكريم أن يثبّت أنه كان في العرب من أمثال هؤلاء من غير المسلمين. فهذا ليس نهياً للمسلمين أن لا تفعلوا هكذا. هذا أمر والأمر الآخر أن بعض المفسرين يذهب إلى أنه (ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء) بمعنى أنه -ويكون عامّاً عند ذلك وخصوص السبب لا يمنع أحدكم من عموم الحكم- إنه إذا منعت إبنتك من الزواج وحرمتها من ذلك قد يكون هذا سبباً في بغائها يعني قد لا تصبر فلا تكرهها على البغاء بعدم تزويجك إياها. هذا قول رأي لا ينسجم مع سبب النزول لكن أيضاً يمكن أن يفهم هكذا لأن الكلام كان على الزواج والتزويج فجاءت هذه الآية (ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء). هو يريد أن يبقي ابنته حتى يستفيد منها حتى قيام الساعة ويمكن الآن يريد أن يستفيد منها من راتبها ولا يزوجها. قد يكون هذا لكن أصل الرواية كما قدّمناه.
سؤال: ما هو الفرق بين الريح والرياح في القرآن؟
الفرق بين ريح ورياح تكلم فيه بعض العلماء وقالوا أن الرياح تكون للخير وريح تكون للشر. لكن التدقيق في الآيات جميعاً وعندما نستعرض نحن نستفيد مما جمعه محمد فؤاد عبد الباقي في المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم نجد أن كلمة الرياح مرسومة بالألف لم ترد إلا في موضع واحد وهي للخير فعلاً (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (46) (الروم)) هذه للخير. في جميع المصحف الرياح لم ترسم بالألف وإنما من غير ألف. كونها من غير ألف في 13 موضعاً أجمع القرّاء السبعة على قراءتها ريح . وفي 15 موضعاً رسمت الريح ولكنها فيها قراءة الرياح. عندما نعود للفظ نجد أن أصل الريح هو الهواء المتحرك وهو إسم جنس مثل كلمة ماء جنس وكما قالت العرب ماء ومياه وأمواه جمعت قالت ريح ورياح فهي تأتي للجمع.
بُثّت الحلقة بتاريخ 29/1/2006م
أسئلة المشاهدين خلال حلقة 29/1/2006م:
ما تفسير قوله تعالى في سورة البقرة (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (29))؟
إذا كانت الوقفة على كلمة الراسخون في آية سورة آل عمران (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (7)) فكيف يكون تفسير الآية؟
قال تعالى في سورة القصص (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آَتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (14)) كيف يقتل موسى رجلاً يعد أن يؤتى العلم والحكمة؟2009-01-30 18:59:43