الحلقة 172
اللمسات البيانية في سورة يس
المقدم: نكمل رحلتنا مع سورة يس متعلمين مما علمكم الله سبحانه وتعالى وما منّ به عليكم من علم. كنا توقفنا في اللقاء المنصرم عند قوله تبارك وتعالى (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنْ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لاَ يَرْجِعُونَ (31)) وتحدثنا في نقاط كثيرة في غيرما موضع ولمسة من هذه الآية الكريمة. لكن وقفنا عند سؤال لماذا سبحانه وتعالى قدّم (قبلهم) على القرون مع العلم أنه في مكان آخر يقدّم القرون (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ (13) يونس) (وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِن بَعْدِ نُوحٍ (17) الإسراء) فلماذا هذا التقديم والتأخير؟
د. فاضل: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وإمام المتقين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن دعا بدعوته إلى يوم الدين. (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنْ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لاَ يَرْجِعُونَ (31) يس) تقديم الظرف (قبلهم) أو تأخيره بحسب القصد، السياق وإذا أراد تهديد المشركين الذين في زمن الرسول r قدّم (قبلهم) لأن الظرف متعلق بهم وإذا لم يرد ذلك أخّر لأنهم هم المعنيين والضمير مضاف إليهم. فمثل ما ذكرت في مكان آخر (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنْ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لاَ يَرْجِعُونَ (31) يس) هذه تقديم (قبلهم). (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ (13) يونس) تأخير. تقديم ما يتعلق بهم هو يعني تهديدهم بخلاف التأخير. وردت التقديم في ثمانية مواطن كلها تهديد والتأخير في موضعين ذكرتهما. (أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاء عَلَيْهِم مِّدْرَارًا وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ (6) الأنعام) (مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ) يهددهم.
المقدم: هذا فيه تهديد وردع.
د. فاضل: (وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا (74) مريم) (وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُم بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ هَلْ مِن مَّحِيصٍ (36) ق) وهكذا (أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّأُوْلِي النُّهَى (128) طه) تهديد. بينما هنالك موضعان تأخّر فيهما الظرف ولكن ليس فيهما تهديد. نلاحظ الآية (وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِن بَعْدِ نُوحٍ (17) الإسراء) لو نظرنا في السياق ليس فيها تهديد (وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا ﴿١٧﴾ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا ﴿١٨﴾ وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا ﴿١٩﴾ كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا ﴿٢٠﴾ الإسراء) ليس فيها تهديد وإنما ذكر القرون على العموم. أيضاً في يونس (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (13) ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ فِي الأَرْضِ مِن بَعْدِهِم لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (14)) المقام في جعلهم خلائف وليس في إهلاكهم، ما قال يهلكهم وإنما قال (لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ). فإذن إذا أراد التهديد كل ما ورد تقديم الظرف (قبلهم) فيه تهديد وموطنان لم يرد فليس فيه تهديد.
المقدم: إذن تقديم (قبلهم) المراد منها التهديد والوعيد والتحذير. هل في اللغة العربية مجرد تقديم الظرف لغوياً من الناحية اللغوية أم هذه خصيصة من خصائص الاستعمال القرآني؟
د. فاضل: التقديم بلاغة، من حيث اللغة جائز، لغة يجوز التقديم والتأخير لكن يبقى الاختيار البلاغي تقديم ما هو أهمّ.
المقدم: إذن نتعلم منكم أن الذي يتعرض لتفسير كلام الله عز وجل أو العمل به لا بد أن يحيط علماً بقواعد اللغة وبمسرح الحالة والسياق العام للسورة وضع الآيات مع التي قبلها وبعدها ولا يكتفي فقط بمجرد معرفة اللفظة ومرادفها ومعناها.
د. فاضل: إذا أراد النظر في مسألة التعبير في القرآن وما فيه من أسرار وما إلى ذلك، ما قالوا هذا فقط وإنما قالوا التفسير لا يحق لأحد أن ينظر في التفسير إلا لمن كان متبحِّراً في اللغة وعلومها في النحو والصرف واللغة والبلاغة هكذا تحديداً. هذا أول شرط من شروط المفسر أن يكون متبحراً باللغة وليس مجرد المعرفة القليلة أو اليسيرة وإنما نصّوا: “التبحر في علوم اللغة النحو والصرف واللغة والبلاغة”. أما المعنى العام للعمل فيه هو نفسه هم يعرفون القصد منه، لكن إذا أراد أن يفسر
المقدم: عليه أن يتبحّر. لكن هنالك إشكالية تراودني منذ العام الذي بدأنا فيه هذا البرنامج مع حضرتك هل المفسرون الذين فسّروا -بارك الله في الجميع وسدد خطاهم وبارك في جهودهم- هل هذا مراد الله سبحانه وتعالى بالفعل؟ هل يُفسّر القرآن يوم القيامة؟ هل نعرف مضامين القرآن؟ هل نعرف مراد الله عز وجل يوم القيامة؟ أم أن الأمر هكذا لكلٍ اجتهاده ورأيه؟
د. فاضل: نعرف في الأثر أن الله تعالى يجمع المفسرين يوم القيامة في الجنة ويفسره فكأنهم لم يعلموا شيئاً
المقدم: الله أكبر! يفسره سبحانه وتعالى. يعني كل هذه التفاسير ما يعلموا منها شيئاً؟!
د. فاضل: ولذلك أسرار وبحار.
المقدم: سبحان الله العظيم. على غرار التقديم والتأخير (أنهم إليهم لا يرجعون) في نفس الآية الكريمة، لماذا التقديم والتأخير؟
د. فاضل: التقديم هنا للإختصاص لا يرجعون إليهم بل إلينا يرجعون، هذا إلماح إلى الحشر أنهم إليهم لا يرجعون معناه يرجعون إلينا.
المقدم: ولو قال أنهم لا يرجعون إلينا؟
د. فاضل: ليس فيها حصر، هذا تقديم الجار والمجرور على متعلّقه
المقدم: على متعلّقه؟
د. فاضل: طبعاً العامل الذي عمل فيه
المقدم: هو يرجع إليه، التركيب اللغوي الفعل وبعده حرف الجر والمجرور (رجع إليه). وإليه رجع؟
د. فاضل: خاصة لا يرجع إلى غيره. إليهم لا يرجعون وإنما معناه يرجعون إلينا حصراً
المقدم: وليس إلى أيّ أحد
د. فاضل: إليه راجعون، وإليه ترجعون حصراً. سترجعون سترجعون ترجعون إليه حصراً لا يتركهم هملاً وإنما إليه ترجعون حصراً لا إلى مكان آخر ولا إلى جهة أخرى وهذا فيه إلماح إلى الحشر أنهم يرجعون.
المقدم: أفهم من كلامك أن النفي هنا (أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لاَ يَرْجِعُونَ) عدم الرجوع إليهم والرجوع إلى الله سبحانه وتعالى حصراً
د. فاضل: ذكر النفي بـ (لا) وكان ممكناً النفي بـ (لم) ولكن المعنى سيتغير لأنه لو قال (لم) يتكلم عن القرون الماضية لا يتكلم عن القرون المستقبلة، لم يرجعوا يعني في الماضي.
المقدم: أنا أفهم كلها القرون الماضية (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنْ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لاَ يَرْجِعُونَ) قبلهم من القرون
د. فاضل: لما قال (أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لاَ يَرْجِعُونَ) ما قال لم يرجعوا في الماضي معناه ممكن يرجعون في الدنيا بعد هذا الوقت لكن لا يرجعون في المستقبل أبداً لا في الماضي ولا في المستقبل ليس لهم رجعة إلى الدنيا (إليهم).
المقدم: القرون التي قبلهم، قبل أهل القرية.
د. فاضل: القرون معناها الأمم
المقدم: ما زال الحديث مع أصحاب القرية؟ انتقل إلى سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام؟
د. فاضل: نقاش هام، إنتهى. الآن الكلام عام.
المقدم: عمومية الكلام أن هنالك قرون أي الأمم
د. فاضل: الأمم الماضية لا ترجع إلى الدنيا وإنما يرجعون إلى الله حصراً
المقدم: ولو قال “لم يرجعوا”
د. فاضل: قد يكون فيما بعد يرجعون، (لم) لنفي الماضي.
المقدم: عجيب! مع أن (لم) للنفي أيضاً؟
د. فاضل: (لم) يسموها حرف جزم ونفي وقلب تقلب زمن الفعل المضارع إلى ماضي
المقدم: قلب تقلب زمن المضارع إلى ماضي. اللغا الأخرى ليس فيها سعة اللغة العربية من حيث الأدوات ومن حيث الظروف أو الأحرف أو الكلمات أو المفردات
د. فاضل: لا، في العربية يمكن أن تنفي بتسعة ثمانية أشكال وفي الانجليزية بشكل واحد. لم يذهب، لمّا يذهب، كلها ماضي، ما ذهب
المقدم: إذا أردنا التعبير البلاغي الذي يعبر عن الذات ومكنونها فعلينا بالعربية اللغات الأخرى لا تستطيع
د. فاضل: لا تستطيع، لأنها ليست وضع كلمات وإنما قواعد، ممكن أن يضعوا كلمات كثيرة لكن كيف القواعد؟
المقدم: كما تعلمنا سيدي أن اللغة مسألة اعتباطية عشوائية اصطلاحية فيما اصطلحت عليه جماعة الناس. يعني لم تفردت العربية؟ بودي أن نخصص مجموعة من الحلقات لدراسة جماليات اللغة العربية حتى نتعرف على العربية عن قُرب.
المقدم: (وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ) لا بد أن نقف عند هذا التركيب، ما معنى هذا التركيب؟
د. فاضل: يعني: وإن كلٌ إلا جميع لدينا محضرون. هذه (لمّا) معناها (إلا)، لمّا قد تكون بمعنى إلاّ مثل (إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ (4) الطارق) يعني إلا عليها حافظ..
المقدم: لكن نقول في العامية لمّا تأتي إليّ
د. فاضل: هذا غير معنى، هذه ظرفية، يسمونها حينية “لمّا زارني أكرمته” هذه حينية للزمان .
المقدم: وهذه إستثناء.
د. فاضل: هذه معناها (إلا).
المقدم: ماذا أفادت (جميع) بعد (كل) وكُلّ بمعنى جميع؟
د. فاضل: جميع ليست دائماً بمعنى كُلّ وهنا طبعاً ليست بمعنى كل. (جميع) قد تكون بمعنى مجموع مجموعون، هي خبر ثاني أو صفة. يعني مجموعون. لما أقول إن تأكلوا جميعاً أو أشتاتاً (جميع) بمعنى مجتمعين. جميع قد تأتي بمعنى كُل جميعهم، وقد تأتي بمعنى مجموع بمعنى إسم المفعول، وقد تأتي بمعنى مجتمعين (أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُّنتَصِرٌ (44) القمر) يعني مجتمعين. إذن قد تكون بمعنى مجموعين بمعنى إسم مفعول مثل قتيل بمعنى مقتول، فعيل بمعنى مفعول، أسير بمعنى مأسور، كسير بمعنى مكسور، جميع هنا بمعنى كلكم مجموعون نجمعكم، يجمعكم الله ليوم القيامة.
المقدم: هذا هو المراد (وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ)
د. فاضل: أي مجموعون يعني يجمعكم
المقدم: ليس مجتمعين
د. فاضل: لا
المقدم: ما الفرق الدلالي بين مجتمعين ومجموعين؟
د. فاضل: مجموع إسم مفعول، مجتَمِع إسم فاعل. “الطلاب جميعاً مجتمعين” جميع يعني مجموع مثل (يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ (9) التغابن). فهنا جميع معناها مجموعون ليس معناها كُلّ، يعني كلكم مجموعون يجمعكم كلكم لا يترك أحداً منكم
المقدم: ولو قال (وإن كل لما لدينا محضرون) تعني معنى الحصر والشمولية والكليّة
د. فاضل: لكن (كل) ليس معناها مجتمعين، لما تقول جاء الطلاب كلهم ليس بالضرورة كلهم جاؤوا معاً
المقدم: ممكن أن يكونوا فرادى
د. فاضل: طبعاً.
المقدم: الآية تريد أن تعبّر عن اجتماعهم
د. فاضل: (كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ (185) آل عمران) هل كلهم يموتون مع بعض؟ لا. جميع معناها مجتمعين يجمعكم ليس فقط (كل). (كل) لها دلالة معناها الإحاطة لكن ليس معناها أنهم مجتمعين
المقدم: كأنها تعبّر عن يوم الحشر.
د. فاضل: هو الكلام عن يوم الحشر، تلك لا يرجعون إليهم ضمناً وهنا بيّن أن المهلكين سوف يرجعون إليه محضرون إليه يحاسبهم. (محضرون) يحاسبهم يعني من أهلكه الله سوف يجمعه ويحاسبه ويعاقبه.
المقدم: هل (محضرون) خبر؟
د. فاضل: نعم محضرون خبر.
المقدم: أي محضرون لدى الله سبحانه وتعالى للحساب
د. فاضل: نعم.
المقدم: طبعاً هنا الكلام على المسلم وغير المسلم، الكافر وغير الكافر لا تستثني أحداً.
د. فاضل: الكُلّ،
المقدم: ليست القرون التي قبلهم فقط أو القرون التي تحدثت عنها الآية التي قبلها ولكن الكل
د. فاضل: (إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93) مريم)
المقدم: لأنه قال في الآية التي قبلها (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنْ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لاَ يَرْجِعُونَ (31) يس)
د. فاضل: من القرون.
المقدم: المراد ليست القرون التي قبلهم فقط وإنما الكلّ
د. فاضل: الكلّ، كل الخلائق ستجتمع عند الله سبحانه وتعالى.
المقدم: تقديم (لدينا محضرون) في هذه الآية ماذا يفيد؟
د. فاضل: مثل (أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لاَ يَرْجِعُونَ) لدينا حصراً لا إلى مكان آخر ولا إلى جهة أخرى، عندنا.
المقدم: هل كان يتسرب إلى أذهانهم أنهم يُحضرون عند أحد آخر؟
د. فاضل: هم ينكرون الحشر أصلاً.
المقدم: ألاحظ في هذه الآية التقديم والتأخير يصر حصراً وقصراً عليه تحديداً فلماذا هذا الحصر والقصر؟
د. فاضل: لإثبات الحشر وأنه لله وحده ليست هنالك آلهة ولا أرباب كما يظنون.
المقدم: إذن نفهم من هذه الآية أنهم كانوا يكذّبون
د. فاضل: طبعاً كذّبوا.
المقدم: هذا الأسلوب هل هو كافي مثلاً، نحن أبناء اللغة العربية ربما نعرف منها أسباب ونفهم منها كلام، هل الناطقون بغيرها أو غير الناطقين باللغة العربية يعلمون كل هذه المضامين؟
د. فاضل: ليس بالضرورة
المقدم: وليس مطلوباً منهم أن يعلموا
د. فاضل: المهم أن يعرفوا المعنى العام
المقدم: لأنه يقال لماذا لم يأت القرآن بلغة يفهمها الجميع؟ لماذا نزل حصراً على العرب تحديداً؟
د. فاضل: لا، من يتعلم يتعلم ويكون أفهم من العربي وأعلم من العربي، عندنا مفسرين ليسوا عرباً
المقدم: مع إن العرب كانوا قِلّة آنذاك حيال الأمبرطورية الفارسية أو الأمبرطورية الرومية وكانتا تقتسمان الأرض حينها والعرب كانوا قلة فلماذا نزل القرآن بلغة القلّة هذه؟
د. فاضل: (اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ (124) الأنعام)
المقدم: سبحانه لا يُسأل عما يفعل، لكن سؤالي يدور في ذهن كثير من الناس، العرب قِلّة ولغتهم لم تكن منتشرة في ذلك الوقت على غرار اللغات الأخرى الفارسية والرومية والبيزنطية وغيرها وحتى اللغات التي كانت قبلها كان لها صولات وجولات.
د. فاضل: إذا كنت تقصد الروم كثير منهم كانوا نصارى وفي كثير من كتب النصارى أنه يأتي من ولد إسماعيل يعني من العرب ومحدد حتى المكان (فاران) يعني مكة، المكان محدد، الولد من ولد إسماعيل ومن ذرية فاران من مكة يخرج وعليه في كتفه شامة علامة النبوة ومهاجرته المدينة يعني ذكر علامات لو جاءت من غيرها لا يصح. حتى قرأت في زرادشت الفارسي نصاً عن الرسول r عليه الصلاة والسلام
المقدم: يتحدث عن مجيئه عليه الصلاة والسلام؟
د. فاضل: نعم.
المقدم: إذن هم يعلمون بمجيئه عليه الصلاة والسلام، هو مسطور في كتبهم
د. فاضل: من يطلع على الكتب يعلم. ثم أنه من ذرية إبراهيم وجعل النبوة فيما بعد في ذرية إبراهيم. واللغة (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ (4) إبراهيم)
المقدم: سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام أُرسل للناس كافة.
د. فاضل: بلسان قومه يفهموه أول مرة ثم يبلغوه للناس، قومه يعلموه (وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَّقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ (44) فصلت). ينزل بلغتهم ثم تنتشر اللغة ينشرها أهلها ثم يخرج من أهل اللغات الأخرى من هو أعلم من قسم من العرب باللغة.
المقدم: معظم الذين اشتغلوا بمعاجم اللغة أو بعلم اللغة والمفردات كانوا أعاجم وليسوا بعرب أبو علي الفارسي، ابن جنّي، سيبويه، كلهم ليس فيهم عربي إلى الخليل بن أحمد الفراهيدي.
د. فاضل: ومن كبار المفسرين مثل الزمخشري والرازي، كبار البلغاء والمفسرين.
المقدم: منهم من تعلم العربية وتفوق على أبناء العربية فيها
د. فاضل: هذا يعتمد ولكن هناك تبحر في اللغة
———فاصل———-
المقدم: في قوله تبارك وتعالى (وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ (32) يس) الملاحظ أن محضرون صيغة جمع بينما في سورة القمر يقول تبارك وتعالى (أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُّنتَصِرٌ (44)) لم يقل منتصرون بصيغة الجمع كما في (محضرون) وقوله (وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ (56) الشعراء) أيضاً جاءت بصيغة الجمع، فلماذا صيغة الجمع؟
د. فاضل: كلمة (جميع) يصح الإخبار عنها على اللفظ وعلى المعنى، على اللفظ يعني على الإفراد. يصح الإخبار عنها عن اللفظ وعن المعنى، بموجب اللفظ وبموجب المعنى. تحمل على اللفظ تقول (محضر)، تحمل على المعنى تقول (محضرون) ممكن، لكن يبقى السؤال لماذا؟
المقدم: يعني نقول جميع محضر أو جميع محضرون؟
د. فاضل: يصح
المقدم: إذن لم اختيار محضرون ويجوز في اللغة الاثنان؟
د. فاضل: هو ذكر قروناً كثيرة (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنْ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لاَ يَرْجِعُونَ (31) وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ (32)) إذن الآن ذكر قروناً كثيرة (كل). بينما في سورة القمر فريق واحد جمع واحد وهو قريش (أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُّنتَصِرٌ (44) سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (45)) هؤلاء بالنسبة لأؤلئك كم هم؟ قلّة قليلة، جمع واحد بينما تلك جموع وقرون.
المقدم: من لدن آدم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
د. فاضل: فإذن ناسب الكثرة الجمع. بينما في القمر فريق واحد، قريش (أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُّنتَصِرٌ (44) سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (45)) قِلّة. هناك أمر آخر (أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُّنتَصِرٌ) الفريق المنتصر إذا كان جيشاً الجندي ما يقول انتصرت وإنما يقول انتصرنا حتى أي فريق يقول فزنا ما يقول فزت، لا ينسبه إلى نفسه.
المقدم: أحسنتـ لفتة طيبة. يجمع
د. فاضل: طبعاً، ما يعبر عن نفسه، الفريق جميع منتصر. بينما كل واحد محضر يحاسَب، القرون وكل فرد، القرون كلها بمقابل فريق جمع، وهنا لا يصح كل واحد أن يقول انتصرت الانتصار للجميع بينما هناك كلهم محضرون فرداً فرداً
المقدم: ولأجل هذا جمع (محضرون) ولو قال (محضر) لا يفي بالغرض.
د. فاضل: لا يفي. من حيث البلاغة فرق كبير بين هذه وهذه.
المقدم: على غرار (وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا (9) الحجرات) اقتتلوا بينهما
د. فاضل: الاقتتال بين الأفراد كثير والإصلاح بين فئتين
المقدم: كبار القوم هنا. (وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ) أي أن الكل سيأتي ويُحضر ويُحاسب
د. فاضل: والقرون هذه كلها وكل فرد (إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93) مريم) (وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا (95) مريم) فرد، هذه ليست مثل هذه
المقدم: ولو قال محضر لا يفي بالغرض للخصوصية.
د. فاضل: من حيث البلاغة يمكن تقولها لغة لكن فرق ظاهر بينهما.
المقدم: واضح ما شاء الله أنك تتذوق اللغة العربية. هذا الكلام يحتاج إلى ذوّاقة بالفعل لا يحتاج إلى مجرد قواعدإنما يحتاج إلى مدارسة وتعايش مع النصوص العربية حتى نحبها. بارك الله فيك وأحسن الله إليك.
د. فاضل: (وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ (56) الشعراء) لو نقرأ الآية تتضح (فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (53)) إذن أرسل فرقاء في المدائن، جماعات في المدائن (إِنَّ هَؤُلَاء لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (54) وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ (55) وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ (56)) هذه ليست فريقاً وإنما مجموعات في المدن ثم (حاذرون) لم يرد الحذر للفريق وإنما لكل فرد ينبغي لكل فرد أن يحذر لم يقل حاذر
المقدم: لو قال حاذر تكون للفريق
د. فاضل: ومحتمل حتى على الواحد لكن حاذرون كل واحد ينبغي أن يحذر، الفريق يحذر وكل فرد ينبغي أن يحذر
المقدم: فيها استقصاء تام على مستوى الفرد وعلى مستوى الجماعة. كيف نفهم هذا الكلام يا دكتور؟! إذن اللغة العربية صعبة؟ ستة أشهر يتعلمون الإنجليزية أما العربية فتحتاج إلى وقت؟
د. فاضل: اللغة العربية الأمور الأساسية ليست صعبة، الأمور الأساسية لتحُسن الكلام بالعربية أما البلاغة تحتاج إلى علم لكن إذا فقط للكلام وأنا ذكرت أكثر من مرة نحن في الصف السادس الابتدائي ما احتجنا أن نقوّم لساننا في اللغة حتى في الكليّة.
المقدم: هذا حضرتك لكن الآن الصف السادس لا يجيد العربية الفصحى!
د. فاضل: يمكن التدريس اختلف عما سبق والاهتمام بها اختلف عما سبق لكن عموم الدورات في الصف السادس ابتدائي يأخذوا كل المعلومات الرفع والنصب والجر والنعت كلها يعرفها. إذا كان الغرض هو فقط إقامة اللسان، النطق الصحيح لا يحتاج لكثير وقت.
المقدم: لا يحتاج لكثير وقت لكن هذا يحتاج إلى مدارسة. دكتور كم عام قضيتها مع القرآن الكريم في دراسة بلاغته وبيانات القرآن الكريم؟
د. فاضل: فقط إذا قراءة هكذا لي لنفسي وفرق بين انشغالي بالكتابة وبين الهواية القراءة. كهواية كان يستهويني القرآن من الخمسينات يستهويني من ناحية المعنى بالذات، يستهويني كثيراً، وما كان يكتب أقرأ اللفتات كانت تستهويني في الخمسينات 52، 53
المقدم: إذن في مرحلة مبكرة من حياة حضرتك، كنت في الجامعة.
د. فاضل: قبل الجامعة، قبلها كنت أحب اللغة العربية
المقدم: ما شاء الله. أنت عاشق اللغة العربية.
د. فاضل: قبل دخولي الجامعة قرأت ابن عقيل
المقدم: ما شاء الله أمهات كتب النحو
د. فاضل: وأكثر من مرة قرأت كتاب الجرجاني دلائل الإعجاز قبل دخولي الجامعة
المقدم: ما شاء الله. أنت مفعم بحب العربية
د. فاضل: حبها، لا أدري سبحان الله
المقدم: أنت ما درستها تنسيق أو مكتب تنسيق الجامعات أو المجموع هكذا؟
د. فاضل: لا هي كانت سبحان الله وأنا صغير هي كانت تجري في عروقي وأنا صغير أحبها حباً شديداً
المقدم: واضح أن العائلة كانت تهتم باللغة
د. فاضل: والدي رجل أُميّ
المقدم: عليه سحائب الرحمة لكن ما شاء الله أنجب علماء. وعلِمنا أيضاً أنه في العائلة من هو مهتم باللغة العربية.
د. فاضل: رحمه الله أخي الدكتور مهدي في البلاغة كان، أخي الذي كان أصغر مني كان يدرّس البلاغة في الجامعة الدكتور مهدي السامرائي
المقدم: معروف الإسم، كان أستاذ بلاغة. ما شاء الله بلاغة بلاغة في المنزل وابنك الدكتور محمد ما شاء الله في النحو وقريباً الدكتور مصعب ما شاء الله في اللغة العربية أيضاً. تقبل الله منكم صالح الأعمال ونفعكم بما تعلّمون به وجعله في ميزان حسناتكم، بارك الله بكم لا نملك إلا أن نقول بارك الله فيكم وجزاكم الله عنا كل الخير وعن كل المشاهدين والمستمعين الكرام. شكراً لك سيدي.
د. فاضل: بارك الله فيك
المقدم: في قوله تبارك وتعالى (وَآيَةٌ لَّهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (33)) بداية ارتباط هذه الاية بالآية التي قبلها؟
د. فاضل: قبل هذه الآية (وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ (32)) إذن هو ذكر الحشر في الآية السابقة (محضرون) فالآن ذكر الدليل على الحشر (أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا)
المقدم: وكأنه يضرب مثلاً
د. فاضل: مثلاً على هذا لأنه أحياناً يستجل بالأرض (كَذَلِكَ يُحْيِي اللّهُ الْمَوْتَى (73) البقرة) فيستدل بالأرض الميتة وإحياءها على الحشر
المقدم: باعتبار أن الناس شاهدوها ويعرفونها
د. فاضل: فعندما قال (وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ) آية لهم علامة دليل أن الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حب وجعلنا فيها جنات من نخيل وعنب وهي ميتة فكان في سياقها أن هذا بمقدوره سبحانه وتعالى.
المقدم: ولهذا قال (وَآيَةٌ لَّهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا)
د. فاضل: كذلك يخرج الله الموتى
المقدم: الذي قادر على إحياء الأرض بعد موتها قادر
د. فاضل: (إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى (39) فصّلت)
المقدم: واضح أن تكذيبهم بيوم الحشر ما زال مستمراً
د. فاضل:نعم. فيها دلائل فقط على توحيد الله سواء قدرته البالغة ورحمته وذكر عدة أمور.
المقدم: في قوله تبارك وتعالى (وَآيَةٌ لَّهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ) هل هي لهم خاصة أم للكل؟
د. فاضل: هي عامة لكل منكِر، لكفار قريش ومن ينكر الحشر ولكل منكِر، هذا أمر عقلي لا يخصهم به وحدهم. يعني هي أولاً لعموم العقلاء من خلق الله، هي آية للخلق لكل عاقل ثم هي آية لمن ينكر الحياة بعد الموت سواء كان من هؤلاء أو من غيرهم ذكر لهم هذه الآية
المقدم: ليس لهم تحديداً. مع أن في القرآن يقول (وآية لهم) فيها عموم وشمول للجميع
د. فاضل: لكن ليست خاصة بهم.
المقدم: من خلال معرفتنا المتواضعة بالنحو مثلاً أنه لا يجوز تقديم الخبر على المبتدأ إذا كان المبتدأ معرفة (وَآيَةٌ لَّهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ)
د. فاضل: إلا بمسوّغ
المقدم: لكن سؤالي كان في قوله تبارك وتعالى (وَآيَةٌ لَّهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ) لماذا قدّم الخبر على المبتدأ مع أن الأرض معرفة ولا تجوز الابتداء بالنكرة
د. فاضل: لا يجوز الابتداء بالنكرة ما لم تُفِد. الكلام على العلامات الدالة على قدرته وليس على الأرض إنما الأرض سيقت بقياس أنها آية من الآيات ليس كلامه على الأرض نفسها وإنما على الآيات الدالة ولذلك حتى بعدها ساق الليل والنهار يعني هو لما قال (وَآيَةٌ لَّهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ) قال بعدها (وَآيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ (37)) (وَآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (41)) الكلام عن الآيات والعلامات وليس على الأرض فقدّم الآية، الكلام على الآية والاهتمام بالآية لأن بعدها قال (وَآيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ) وقال (وَآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ) فإذن الكلام عن الآيات الدالة على قدرته وعلى المقصد فقدّم.
المقدم: ما زلنا في صدر الآية (وَآيَةٌ لَّهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا) في أكثر من موضع من القرآن الكريم (هَـذِهِ نَاقَةُ اللّهِ لَكُمْ آيَةً (73) الأعراف) (قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّي آيَةً (10) مريم) لماذا اختلف التركيب هنا عن هنا؟ لماذا صدّر الآية (وَآيَةٌ لَّهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا) مع أنه أخّرها في الآيات السابقة وقدّم الجار والمجرور؟
د. فاضل: يعني لماذا لم يقل لهم آية؟ لو قدّم (لهم الأرض) كانت الأرض تخصهم وحدهم ليست لغيرهم. بينما الآية (هَـذِهِ نَاقَةُ اللّهِ لَكُمْ آيَةً (73) الأعراف) هذه خاصة بقوم صالح ليست لغيرهم، لكم آية ليست لغيرهم
المقدم: تحديداً لقوم صالح
د. فاضل: ليست لغيرهم، هي خاصة بهم. حتى (قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّي آيَةً) هذه خاصة به تحديداً،
المقدم: فقال (قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا)
د. فاضل: هذه ليست هذه مثل هذا، الأرض ليست حاصة بهم وهي ليست كناقة صالح خاصة بهم.
المقدم: أحسنت.
أسئلة المشاهدين خلال حلقة 18/5/2009م:
أم آية من بلجيكا: لدينا مشكلة في الحصول على كتب الدكتور فاضل خاصة في اللغة.
المقدم: هناك كتاب لمسات بيانية، بلاغة الكلمة في القرآن، التعبير القرآني، اسئلة بيانية، على طريق التفسير البياني ستصدر قريباً بإذن الله تعالى. هي صدرت من دار عمّار في الأردن وستصدر من دار الفكر بإذن الله تبارك وتعالى في الفترة القليلة القادمة بإذن الله تعالى.
أبو عبد العزيز من أبو ظبي: حرف التقليل (قد) وحرف التحقيق (قد) يأتي بعد الفعل المضارع وبعد الفعل الماضي تقليلاً بعد الفعل المضارع وتحقيقاً بعد الفعل الماضي وفي القرآن العظيم في آخر سورة الحجر (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (97) الحجر) وفي آخر سورة النور (أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (64) النور) هل يمكن للدكتور الفاضل أن يبين لماذا جاء حصراً العلم بعد (قد)؟
د. فاضل: (قد) إذا دخلت على الماضي للتحقيق وإذا دخلت على المضارع فمن معانيها التقليل
المقدم: من معانيها وليس مطلقاً. (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء (144) البقرة)
د. فاضل: من معانيها التقليل ومن معانيها التكثير، من معانيها التحقيق والتقليل والتكثير نفهمها بحسب السياق (قد يصدق الكذوب) هذه قلّة، (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء) تكثير
المقدم: إذا كان الفعل متحقق الحدوث أو بإمكانية الحدوث يكون تكثير الله سبحانه وتعالى يرى تقلب وجهه في السماء.
د. فاضل: هذا ما يذكره النحاة في معاني (قد) لكننا نحن كنا نعلم الصغار ونكتفي نقول (قد) للتقليل لأنهم كانوا مبتدئين وكانوا لا ياخذون التفصيل، مبتدئين نعطيهم معنى واحد. إما هي (قد) الداخلة على المضارع فمن معانيها التقليل
المقدم: ليس مطلقاً، بحسب السياق.
د. فاضل: وفيها التحقيق والتكثير.
عمر من قطر: في سورة النجم الآيات من بداية السورة إلى قوله تعالى (لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (18)) هل الكبرى هي لكل الآيات أو أنه رأى الآية الكبرى من آيات ربه؟ وهل هناك دلالة بلاغية أو لغوية تشير إلى أن المصطفى صلى الله عليه وسلم قد رأى ربه (ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى ﴿٨﴾ فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى ﴿٩﴾ فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى ﴿١٠﴾)؟ هذه جبريل.
في سورة غافر قال تعالى (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ (60)) لماذا قال أستجب ولم قال أجبكم كما قال في آية أخرى (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ (186) البقرة) لم يقل أستجيب لدعوة الداعي؟
مازن من الشارقة: سؤال شخصي في سورة الأعلى (فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى ﴿٩﴾ سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى ﴿١٠﴾ وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى ﴿١١﴾ الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى ﴿١٢﴾ ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَا ﴿١٣﴾) هذه الاية (ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَا) هل يمكن تفسيرها؟
طه من السعودية: لكل كلمة موضعها في القرآن حسب السياق وكل جملة حسب المعنى وكنت بالأمس أتابع برنامج “من يكتب التاريخ” وكان الضيف الدكتور فتحي كان يتكلم عن سورة يوسف وقال أن الآية (وَمَا أُبَرِّىءُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ (53)) تنصرف إلى امرأة العزيز وليس إلى سيدنا يوسف والدكتور فاضل قال أنها تنصرف إلى سيدنا يوسف فهل الكلمة تحتمل المعنيين؟ أم أن لكل منهم دليله؟ فأرجو التوضيح.
بُثّت الحلقة بتاريخ 18/5/2009م
2009-05-19 07:15:40الدكتور فاضل السامرائي>برنامج لمسات بيانيةpost