الحلقة 189
اللمسات البيانية في سورة يس
المقدم: في اللقاء المنصرم توقفنا عند قوله تبارك وتعالى (إِن كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ (53)). لماذا جاء بلفظ (جميع) في هذه الآية وليس مجموعون كما في قوله تبارك وتعالى مثلاً (قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ (49) لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ (50) الواقعة) أو كما جاء في سورة هود (ذَلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ (103) هود) فلماذا جميعٌ تحديداً؟
د. فاضل: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وإمام المتقين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن دعا بدعوته إلى يوم الدين. كلمة (جميع) تكون بمعنى مجموع وقد تكون بمعنى مجتمِع (أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُّنتَصِرٌ (44) القمر) يعني مجتمعون، (وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ (56) الشعراء) يعني مجتمعون. وقد تأتي بمعنى مجموعون. وهنا معناها مجموعون لأنه قال (فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ) يعني مجموعون.
المقدم: (محضرون) فيها صفة الجمع أيضاً؟
د. فاضل: نعم. كلمة (جميع) على وزن فعيل بمعنى مفعول مثل قتيل وجريح وطريد وكسير وأسير. هذا الصيغة (فعيل) لا تقال إلا لمن وقع عليه الفعل. يعني ما يقال جريح إلا لمن جُرِح، مجروح ليس بالضرورة يحتمل أن تقال لمن وقع أو لمن سيقع عليه الفعل. قتيل يعني مقتول لكن مقتول ليس بالضرورة (إني مقتول من يومي هذا) (وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَونُ مَثْبُورًا (102) الإسراء) لم يحصل بعد، يعني ستُثبر. (مفعول) لمن وقع عليه الفعل أو من سيقع عليه أما (فعيل) لمن وقع عليه الفعل تحديداً. هذا الفرق بين فعيل ومفعول. يبقى اختيار كل تعبير في مكانه (إِن كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً) يتكلم عن أمر واقع (فَإِذَا هُم مِّنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ (51)) إذن الأمر واقع، إذن جميع يعني مجموعون لا تعني سيجمعون. بينما الآيتين اللتين ذكرتهما في هود والواقعة هما في الدنيا ومعناها سيجمعون (قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ (49) لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ (50) الواقعة) قُل يعني هو أمر بالتبليغ، هذا الكلام في الدنيا لا يمكن أن يقول جميع لا يصح (لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ). أو حتى في آية هود (إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّمَنْ خَافَ عَذَابَ الآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ (103) وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلاَّ لِأَجَلٍ مَّعْدُودٍ (104)) ما جاء بعد، (يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ (105)) لا يمكن أن يستعمل كلمة جميع هنا لأن الأمر لم يقع. بينما في آية يس يتكلم أن الأمر واقع (نفخ في الصور، إن كانت إلا صيحة واحدة) فلذلك استعمل جميع وليس مجموع.
المقدم: في قوله تبارك وتعالى (فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ (53)) لماذا التعبير بـ (لدينا) وليس عندنا؟
د. فاضل: (لدينا) يدل على القرب وهي أخص من (عندنا). عندما تقول عندي ليس بالضرورة أن يكون عندك الآن، قد يكون في بيتك تملكه، لما تقول عندي مال ليس بالضرورة أن يكون معك الآن بينما (لدي) يجب ان يكون حاضراً.
المقدم: فرق في الدلالة بين أن أقول عندي مال أو لدي مال
د. فاضل: طبعاً، عندي مال يعني عندك الآن أو محتمل أنك تملك هذا الشيء أما لدي فلا يقال إلا لما هو حاضر فقط. (لدينا) يعني عندنا الآن.
المقدم: عندنا لا تؤدي نفس الدلالة. وفي قوله (وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ (23) ق)؟
د. فاضل: عتيد يعني مُحضَر الآن.
المقدم: (فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (54)) نود فكرة أولية عن هذه الاية الكريمة.
د. فاضل: فاليوم يقصد يوم القيامة. (لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ) نلاحظ أنه نكّر كلمة نفس وبذلك شمل جميع النفوس أيّ نفس كان لا يصيبها ظلم في هذا اليوم، أيّ نفس لا تُظلم وإنما تأخذ حقها، كل نفس مدعوّة للحساب لا تُظلم شيئاً. كلمة (شيئاً) هنا تحتمل معنيين قد تكون مصدراً يعني لا تُظلم شيئاً من الظلم. شيئاً تحتمل معنيين لا تُظلم شيئاً من الظلم فتكون مفعولاً مطلقاً، أنا لا أظلمك شيئاً. ومحتمل شيئًً من الأشياء فتكون مفعولاً به. لا أظلمك شيئاً تحتمل معنيين.
المقدم: فاعلها تُظلم؟
د. فاضل: هذا نائب فاعل (لا تظلم نفسٌ شيئاً)
المقدم: ما هو أصل التركيب خارج القرآن؟
د. فاضل: لا يظلم الله نفساً شيئاً
المقدم: فعل يظلم ينصب مفعولين؟ هل هي تمييز؟
د. فاضل: ممكن بحسب السياق. لا، ليست تمييز هي إما مفعول مطلق أو مفعول به مثل (وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً (77) النساء) الفتيل مقصود به المصدر يعني ظلماً وإن كان بمقدار فتيل وفتيل هو الخط في شق النواة، فهي تحتمل شيئين. لو قال شيئاً من الظلم ستكون قطعاً مفعول مطلق لو قال شيئاً من الأشياء تحدد معنى واحداً لكنه قال شيئاً حتى يشمل كل الأشياء.
المقدم: لو كان مفعول مطلق أو مفعول به تتغير الدلالة ويتغير المقصود من الآية؟
د. فاضل: قطعاً، شيء من الأشياء يعني مادية مال أو غيره. فلما قال شيئاً جمع نفي عام نفي الظلم وإن كان قليلاً ونفي الحيف في أي شيء ذرّة مما يستحق مادي أو غير مادي. فكلمة شيئاً هنا لها دلالتان.
المقدم: في قوله (فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (54)) علّقت على كلمة نفس مع أن الحديث في صدر الآية عن النفس (فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (54)) لمن هذا الخطاب؟ والمفهوم من صدر الآية أن الله سبحانه وتعالى يتحدث عن النفس فلماذا لم يقل مثلاً لا تجزى إلا ما كانت تعمل؟
د. فاضل: أولاً ما معنى (لا تجزون إلا ما كنتم تعملون)؟
المقدم: لمن هذا الخطاب؟
د. فاضل: إذا فهمنا المعنى سنفهم لمن الخطاب. هذا الكلام فيه دلالتان (وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) إما أن يكون أنه بمقدار ما كنت تعمل تُجزى بمقداره، الجزاء بمقدار العمل هذا احتمال، والاحتمال الثاني أن الجزاء من جنس العمل إن كان خيراً فخير وإن كان شرّاً فشرّ. هذا التعبير (وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) فيه احتمالين. إذن إما أن يكون المقصود به الجزاء من جنس العمل من عمل خيراً جزاه الله خيراً ومن عمل سوءاً يجز به، الناس مجزيون بأعمالهم إن خيراً فخير وإن شراً فشر، هذه دلالة. والدلالة الأخرى أنه بمقدار ما كنت تعمل، هذا المعنى الثاني لا يصح مع المؤمن لأن المؤمن يجزى أضعاف ما يعمل وليس بمقدار ما يعمل (مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا (89) النمل) (مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا (160) الأنعام). ولذلك كثير من المفسرين يقول هذا إلتفت إلى الكافرين لأنهم هم الذين يجزون بمقدار كانوا يعملون. الظلم نفي للجميع.
المقدم: نفى الظلم عن جميع الأنفس وأثبت الجزاء من جنس العمل أو بالمقدار للكافرين.
د. فاضل: ويقولون هكذا هو السياق (وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (48) يس)
المقدم: هل الجزاء يصح في الخير والشر؟
د. فاضل: نعم، (ذَلِكَ جَزَاء أَعْدَاء اللَّهِ النَّارُ (28) فصلت) (وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ (17) سبأ) فإذن فيها إلتفات.
المقدم: (فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا) ثم التفت سبحانه وتعالى بالضمير إلى الكفار. حتى في الاية التي قبلها ليست هناك ضمائر محددة (إِن كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ (53)) ضمير الغائب (فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا) وهنا حولها إلى ضمير المخاطب
د. فاضل: (وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) إذن أصلاً السياق في غير المؤمنين فالتفت إليهم.
المقدم: في مكان آخر يقول ربنا تبارك وتعالى (بما كنتم تعملون) بزيادة الباء فلماذا؟ وما الفرق بينها وبين آية يس؟
د. فاضل: (بما كنتم) يعني بسبب، الباء بسبب، هذا السبب لا يقتضي أن الجزاء بمقدار العمل وإنما سبب.
المقدم: يعني تُجزى بسبب فعلك كذا.
د. فاضل: لكن ليس بالضرورة أن يكون مساوياً له يمكن أن يكون أكثر أو اقل، يحتمل، واحد فعل فعلة كبيرة وأنت تجازيه وتقول هذه أول مرة يفعلها المفروض أن أعاقبه أكثر لكن هذه المرة أقل.
المقدم: (ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِمَا كَفَرُوا (17) سبأ) يعني بسبب كفرهم.
د. فاضل: لكن الجزاء قد يكون أعظم لكن من دون ظلم.
المقدم: لكن ليس هناك تحديد في الآية الكريمة.
د. فاضل: هذا الكلام عام.
المقدم: لاحظنا الفرق أن الباء بسبب العمل تُجزى وكأنه يحدد نوعاً معيناً من الجزاء مثلاً
د. فاضل: كما تقول أكرمتك بحسن إجابتك.
المقدم: لكن الله سبحانه وتعالى عندما يتحدث عن مسألة الجزاء أو الثواب والعقاب ما ذكر في الآية الكريمة مقدار هذا الجزاء سواء كان كثيراً أم قليلاً فكيف لنا أن نفهم هذا من الآية؟
د. فاضل: في القرآن الكريم لا تجد (وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) في خطاب المؤمنين البتة، إما لخطاب الكافرين أو لعموم الخلق.
المقدم: هل هذا شيء من التهديد والوعيد؟
د. فاضل: لا، هي من باب العدل. مثال (وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) (وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (33) سبأ) (وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَلِقَاء الآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (147) الأعراف) (وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (90) النمل) ما جاءت للمؤمنين مطلقاً.
المقدم: مع أنك من قريب تفضلت أن الجزاء يكون لهذا وذاك؟.
د. فاضل: أصلاً كلمة الجزاء ممكن لكن (ما كانوا يعملون) هذه المسألة. ممكن أن تكون لعموم الخلق (لِيَجْزِي اللّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ (51) إبراهيم) لكن للمؤمنين لا، (وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (28) الجاثية) (الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) عموم الخلق، يعني من جنس ما تعمل لكن بمقدار ما تعمل لم ترد للمؤمن إنما قال تعالى (لِيَجْزِيَهُمُ اللّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (121) التوبة) ما قال ما كانوا يعملون وإنما أحسن ما كانوا يعملون (لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ (38) النور) أما (ما كانوا يعملون) فلا، (مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا (40) غافر) (وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (84) القصص) السيئة مثلها أما الحسنة فله عشر أمثالها أو فله خير منها. التعبير بالباء يرد للمؤمن والكافر لأنه سبب، المؤمن والكافر يعملون بالسبب. لكن (إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) فهي للكافرين أو لعموم الخلق ويستثني المؤمنين منهم، عموم الخلق لأن الجزاء من جنس العمل يدخل في المعنى الثاني من المعاني التي ذكرناها.
المقدم: الدلالة تتغير بحسب المقصود. ماذا يسمى هذا الأسلوب في اللغة؟
د. فاضل: هذا من خصوصيات الاستعمال القرآني لأنه وضع أمر رفع الاحتمال يعني في آية يس (ما كنتم تعملون) لو خاطب المؤمنين (وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (54)) سيكون فيها احتمال أنهم يجزون بمقدار ما كانوا يعملون وإن كان فيها احتمال المقصود جنس العمل ولكن حتى ينفي هذا الاحتمال عدل عن هذا التعبير فإذن لا تجزى بمقدار ما كانوا يعملون ولذلك حتى لا يكون في الذهن أن المقصود به عند مخاطبة المؤمن أنه يُجزى بمقدار ما يعمل لم يات بهذا للمؤمن. هي فيها احتمالين فحتى يرفع الإحتمال هذا مطلقاً ويبقى الاحتمال الذي نص عليه القرآن وهو أن الحسنة تجزى بخير منها. أما تلك فهي عامة (إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُواْ يَقْتَرِفُونَ (120) الأنعام) (سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يَصْدِفُونَ (157) الأنعام) لكن المؤمن فليس فيه هذا الشيء (لِيَجْزِيَهُمُ اللّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (121) التوبة) (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (97) النحل) بأحسن.
المقدم: سبحان الله! هذه خصوصية من خصوصيات الاستعمال القرآني
د. فاضل: نعم لأن ربنا تعالى وضع الميزان أن السيئة بمثلها والحسنة بعشر أمثالها أما آية يس فالسياق يبدو هكذا (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (45))، (قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (52)) وكأنما السياق هكذا.
المقدم: هل نشتم رائحة التهديد أو الوعيد أو شدة الآخرة أو شدة هذا اليوم فيه صعوبة وقوة؟
د. فاضل: بالتأكيد.
المقدم: (وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (54)) الملاحظ في هذه الاية الكريمة أن ربنا سبحانه وتعالى بداية قدّم نفي الظلم على الجزاء (فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) وفي مواطن أخرى عكس الترتيب فقال (الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (17) غافر) فلماذا؟ وكيف نفهم اللمسة البيانية الموجودة في كل منهما؟
د. فاضل: التقديم والتأخير طبعاً بحسب السياق. جو سورة يس هي في العلاقات علاقات أفراد المجتمع وظلم بعضهم لبعض، معاملات، ذكر قبل هذه الآية ظلم أصحاب القرية للمرسلين (وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءهَا الْمُرْسَلُونَ (13) إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُم مُّرْسَلُونَ (14)) وظلمهم بقتل الرجل الصالح الذي جاء من أقصى المدينة قتلوه، هذا ظلم. وذكر ظلم الموسرين للفقراء (أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَاء اللَّهُ أَطْعَمَهُ (47)) وذكر أن الصيحة تأخذهم وهم يخصّمون إذن الجو في العلاقات وظلم بعضهم لبعض فإذن قدّم الظلم مناسبة لمسرح الحالة التي تعبر عنها السورة. بينما الآية الثانية في سورة غافر ليس السياق ولا السورة أصلاً في العلاقات بين أفراد المجتمع وإنما هي في العقيدة، ليست في العلاقات بين الأفراد وظلم بعضهم لبعض، والسورة لم يرد فيها ظلم بعض الناس لبعض إلا في آية واحدة (وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ (5) غافر) وذكر الهمّ لم يذكر الأخذ. والهمّ يعني لم يفعلها وأنت لا تجازي على الهمّ، أنت تعاقب على ما حصل وليس على ما في نفس الشخص، همّ ولم يفعل فقدّم الجزاء. في آية يس قدم الظلم لأن السياق فيه مظالم (فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (54) يس) فالفرق في السياق مختلف والمقام مختلف.
—–فاصل——–
المقدم: واضح من كلامكم أنه ليست الآية وحدها وليست الكلمة داخل الآية الواحدة بل وليست الآيتين والثلاث ولكن المنظومة العامة في السورة كلها منظومة مع بعضها البعض لا يجزأ جزء منها عن الآخر، فهم مضامين القرآن عجيب يحتاج إلى دقة نظر وكثرة علم باللغة العربية.
د. فاضل: بالتأكيد.
المقدم: (إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ (55) هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِؤُونَ (56) لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُم مَّا يَدَّعُونَ (57)) نود فكرة أولية عن هذه الآية الكريمة.
د. فاضل: (إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ) هذا الكلام من جملة ما يقال للكفار تتمة ماذا قال لهم (فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (54) يس)، ثم قال لهم (إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ) فحتى تزداد حسرتهم ليروا فرق ما هم فيه.
المقدم: الكلام هنا لله سبحانه وتعالى ليحسّرهم أكثر؟
د. فاضل: نعم، عندما قال لهم هكذا أخبرهم عن أصحاب الجنة (إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ) انظروا حالتكم وحالة الذين أطاعوا ربهم حتى تزداد حسرتهم. ويحتمل أن يكون هذا استئناف كلام جديد إخبار جديد وكأن ما حدث لقطة وهذه لقطة أخرى إستئناف إخبار ربنا يخبرنا الآن حتى يجعل لنا حافزاً لنطيع ربنا لأن ما ذكر لنا من أمور تكون حافزاً وباعثاً لنا لنكون منهم. فهذا يحتمل أمرين محتمل أن يكون كلام إخبار لأهل النار فيكون حسرة وتنديم ومحتمل أن يكون استئناف وكلام جديد وإخبار لنا عن أصحاب الجنة فيكون باعثاً لنا.
المقدم: في صدر السورة كان يتكلم عن أصحاب القرية هم يمكلونها ويملكون القصور والدور وهنا تكلم عن أصحاب الجنة فهل تُملّك الجنة؟! أو أن صاحب بمعنى ساكن؟
د. فاضل: ممكن، لكن ربنا سبحانه وتعالى ذكر حالة بيع وشراء (إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ (111) التوبة)
المقدم: هذه بتلك. لكن (إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ) لماذا تنكير كلمة شغل؟
د. فاضل: الشغل هو الأمر الذي يشغل المرء عن ما سواه سواء كان خيراً أم شراً لكن عندما قال (فاكهون)
المقدم: ما معنى فاكهون؟ وهل هذه جمع مفردها فاكه؟
د. فاضل: متلذذون متنعمون. نعم هي جمع فاكه.
المقدم: هل هي فَكُه أو فَكِه من الفكاهة؟
د. فاضل: أتصور أنها فَكِه لأن عندنا أيضاً (فَكِهون) هو فعل أكثر ما يقال من فعِل بمعنى متمتعون متلذذون الفاكه هو المتنعم المتلذذ معناها أن هذا الشغل ليس متعباً ولا مرهقاً وليس فيه همّ لأن الإنسان لما يكون في شغل يكون في همّ يشغله، عندما قال فكهون رفع هذا الاحتمال
المقدم: الشغل في حدّ ذاته نعيم له
د. فاضل: نعم، يعني متنعمون في الشغل. أما التنكير في (شغل) معناها أن هذا الشغل ليس مما نعلم ولا نعرف كيف هو. لما تسأل الواحد أين أبوك؟ يقول هو في الشغل، يعني في الشغل المعروف لكن لما يقول في شغل يعني لا نعرفه. هنا نكّر
المقدم: التنكير للعموم والشمول
د. فاضل: نعم، ما نعرفه بالنسبة لنا نكرة لكنه ذكر (هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِؤُونَ (56)) هذا الشغل ليس مما نعهد، ليس مما نعلم، عندما قال فاكهون رفع احتمال الهمّ.
المقدم: إذن كلمة (فاكهون) مهمة. ألا يُرفع احتمال الهمّ بقوله (إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ) والجنة ليس فيها هم وغم
د. فاضل: لا، لكنه هو نص عليها ليس فيها شغل.
المقدم: في تضعيف الاية قوله (لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُم مَّا يَدَّعُونَ (57)) ما معنى يدّعون؟
د. فاضل: يتمنون، ما يطلبون، يعني ما يتمنى، ما يطلب.
المقدم: يقولون إدّعى عليه،
د. فاضل: ادّعى عليه يعني ذكر عنه أشياء. ادّعى شيئاً يعني طلبه.
المقدم: وفي القانون يقال ممثل الإدّعاء
د. فاضل: ما يدّعي يعني ما يذكره له. يدّعون يعني كل ما يذكرون، كل ما يطلبون، كل ما يتمنون ويقولون هو لهم ذلك.
المقدم: الملاحظ أن ربنا قدّم (لهم) على (فيها) ولم يقل فيها فاكهة لهم؟
د. فاضل: لأن الكلام عليهم، على أصحاب الجنة (إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ) الكلام على أصحاب الجنة فقدّم (لهم)
المقدم: مرة يقول (لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَآؤُونَ (31) النحل) ومرة يقول (لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ (35) ق) هل هنالك تغير من حيث الدلالة في تلك الآيتين؟
د. فاضل: لما قال (فيها) يعني في الجنة إذن هو قدّم ما في الجنة على ما يشاؤون وفي موطن آخر قدّم ما يشاؤون على ما في الجنة. هذه بحسب السياق إذا كان الكلام على الجنة والسياق في الجنة قدّم (فيها) وإذا كان الكلام على أصحاب الجنة يقدم المشيئة. مثلاً (وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ (30) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَآؤُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللّهُ الْمُتَّقِينَ (31) النحل) يتكلم عن الجنة، (قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاء وَمَصِيرًا (15) لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاؤُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْؤُولًا (16) الفرقان) آية سورة ق قدم ما يشاؤون على فيها (هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ وَجَاء بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ (33)) الكلام على أصحاب الجنة (ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (34) لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ (35)), إذا كان السياق في الجنة قدّم ضمير الجنة (لهم فيها) وإذا كان السياق على أصحاب الجنة قدّم ما يتعلق بهم، هكذا السياق هو الذي يختار الكلام من الناحية البيانية ومن ناحية البلاغة.
المقدم: المشيئة لهم أياً كانت هذه المشيئة؟
د. فاضل: أيّاً كانت.
المقدم: لكن المشيئة الملاحظ حتى في الايتين أن (يشاؤون) بصيغة المضارع هل لهذا دلالة؟
د. فاضل: لأنها متجددة مستمرة.
المقدم: ليست مشيئة واحدة وإنما المشيئة متجددة ومستمرة.
د. فاضل: نعم.
المقدم: (لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُم مَّا يَدَّعُونَ (57)) الملاحظ أنه سبحانه وتعالى ما كرر (ولهم فيها) مع أنه في سورة فصّلت قال (وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31)) بتكرار (فيها) لماذا؟
د. فاضل: نحن تعلمنا أن السياق هو الذي يحدد. آية يس التي لم يكرر (فيها) هي في أصحاب الجنة بينما هذه الآية في النزع أن هؤلاء لا يزالون في الدنيا (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (30)) هذه عند نزع الأرواح (وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ) هذه في الدنيا لم يدخلوا الجنة بعد، فعندما قال (وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ) في الجنة، لو قال (ولكم ما تدّعون) قد يكون قبل دخول الجنة لكن لما قال (ولكم فيها) يعني في الجنة.
المقدم: لو قال ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم ما تدعون؟
د. فاضل: ليس بالضرورة فيها وإنما الآن في البرزخ قبل الدخول
المقدم: هم يدّعون قبل دخول الجنة إنما (ولكم فيها) عندما تدخلون تدّعون لكم.
د. فاضل: هم في الجنة الآن فلا يحتاجون لكلمة (فيها) لكن هؤلاء ليسوا فيها.
المقدم: إذن في فصلت (وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ) لو قال ربنا تبارك وتعالى (ولكم ما تدعون)
د. فاضل: ليس النصّ في الجنة.
المقدم: يدّعوا في الدنيا
د. فاضل: في البرزخ، لكن ليس فيها نص أنها في الجنة.
المقدم: ولو قال (ولكم فيها ما تدّعون)؟
د. فاضل: يعني هم في الجنة.
أسئلة المشاهدين خلال حلقة 17/8/2009م:
في سورة الحج (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78)) ما دلالة استخدام كلمة شهيداً وليس شاهداً؟
أحمد من الأردن: في سورة يوسف في قوله تعالى (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23) وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24)) اختلف المفسرون في تفسير الهمّ من امرأة العزيز والهمّ من يوسف وهذه الآية ترتبط بما بعدها من آيات بقوله تعالى (وَمَا أُبَرِّىءُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ (53)) اختلف المفسرون أيضاً هل جاء هذا الكلام على لسان سيدنا يوسف أم على لسان امرأة العزيز، فمن قال أن هذه الآية وردت على لسان سيدنا يوسف وجّه الايات الأولى توجيهاً ومن قال أنها جاءت على لسان امرأة العزيز أيضاً وجّه الايات توجيهاً آخر فأرجو من الدكتور بيان ذلك.
هل هناك كتب تتحدث عن السياق القرآني؟
د. فاضل: كتاب البرهان في علوم القرآن فيه كلام طويل عن السياق وأنا تكلمت في بعض كتبي عن السياق في كتاب الجملة العربية تأليفها وأقسامها أو في كتاب الجملة العربية والمعنى تكلمت عن القرينة والسياق وهي موجودة في كتب علوم القرآن وكذلك كتاب السيوطي الإتقان. وحتى سيد قطب في ظلال القرآن تكلم عن السياق القرآني وعن التصوير الفني.
المقدم: الدكتور محمد حسن له كتاب عن السياق والمعنى والدكتور محمد يوسف له أيضاً كتاب عن نظرية السياق في اللغات العربية وهناك بعض الترجمات في السياق.
محمد من اليمن: المنصوب بنزع الخافض في القرآن هل مواضعه معروفة في القرآن؟ وهل قوله تعالى (إهدنا الصراط المستقيم) من هذه المواضع؟ وما فائدة حذف حرف الجر؟
لماذا يتكلّف بعض علماء اللغة في ردّ الكلمات إلى أصولها حتى كلامهم مع ورودها في القرآن الكريم بخلاف قولهم وهو الأصل والمرجع كقول أبي جعفر النحاس في كتابه في سورة البقرة الآية 19 عن كلمة صيّب أن أصلها عند البصريين صيرب وعند الكوفيين صويب وكذلك في قوله تعالى (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاء بِنَاء وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء (22)) قال والأصل في كلمة ماء مَوْهٌ وغيرها من هذه الكلمات.
المقدم: الأخ محمد يتساءل عن المنصوب على نزع الخافض في القرآن الكريم وهل إهدنا الصراط المستقيم منصوبة على نزع الخافض إلى الصراط المستقيم؟
د. فاضل: كل واحدة لها معنى. فرق بين إهدنا إلى الصراط كما يقال لمن كان بعيداً عنه فيوصله إليه يعني أرشدنا إليه، إهدنا الصراط لمن كان فيه ولمن كان بعيداً، للإثنين معاً يعلمنا المراحل لأننا نحن نحتاج إلى هدايات متعددة من كان بعيداً تحتاج أن توصله إليه وتقول له هذا الصراط، من جاء إليه تعلمه بما في الصراط حتى يسلكه وكيف يسلكه. ولذلك قالوا من كان بعيداً يقول إهدنا إلى الصراط أي أرشدنا إليه دلّنا عليه، أما إهدنا الصراط فلمن فيه ولمن ليس فيه.
المقدم: ليست منصوبة على نزع الخافض إذن.
أبو خالد من العراق: أهدي بيتين من الشعر لك وللدكتور
تحية حب واحتراما لبطل عملاق هماما
وإلى مدير البرنامج الرائع كأنه في قلبنا ما بين سؤال واستفهاما
فلكم مني دعاء الخير والخير كله عن أمة محمد جزاكم بالميزان شكراً عند القيامة
سؤالي للدكتور الفاضل الله سبحانه وتعالى حدّد المغرب والليل (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ (39) ق) الله عز وجل ثبّت المغرب وثبّت الليل، وقال (ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ (187) البقرة) نحن نفطر والسماء ما زال فيها ضوء، هناك غروب وهناك عشاء فأريد توضيح أين الليل وأين المغرب وكيف سيكون الإفطار؟
د. فاضل: نحن عندنا فِرَق فيها البعض يقول أن الليل يبدأ عند غروب الشمس وذهاب الليل قسم يقول عند الفجر وقسم يقول عند طلوع الشمس. قسم يقول أن الليل ينتهي بطلوع الفجر يبدأ النهار وقسم يقولو يبدأ النهار بطلوع الشمس أما الليل عندهم فيكون عند غروب الشمس، واختلف الفقهاء. بداية الليل عندهم هو غروب الشمس فيها آثار وهذه يُسأل فيها فقيه أما في اللغة فهو ما قلت عند غروب الشمس يبدا الليل.
المقدم: لكن اصطُلح على الساعة والتوقيتات
د. فاضل: هذا أمر آخر رأوا متى تغرب الشمس ووضعوا لها مواقيت.
المقدم: (حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ (86) الكهف) إستعمل غروب الشمس وقال الخيط الأسود.
د. فاضل: (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ (187) البقرة) هنا يتكلم عن الفجر، مقصود بها بزوغ الفجر وليس له علاقة بساعة الإفطار.
المقدم: لكن ساعة الإفطار غير محددة بآي الصيام
د. فاضل: الآثار عن الرسول r صلى الله عليه وسلم هي التي تحدد هذا الزمن.
المقدم: بارك الله فيكم دكتور وشكر الله لك. سيتوقف البرنامج خلال شهر رمضان ونعود إن شاء الله بعد العيد إذا كنا من أهل الدنيا وكان في العمر بقية.
بُثّت الحلقة بتاريخ 17/8/2009م
2009-08-18 08:00:45الدكتور فاضل السامرائي>برنامج لمسات بيانيةpost