تابع سورة الحديد:
(أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ (16))
نظرة عامة على الآية: قال تعالى (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ) ألم يأن يعني ألم يحِن؟ الفعل يأن ماضيه أنى يأني، أنى يعني حان ونضج. ألم يأن معناه ألم يحِن لهذه القلوب أن تخشع لذكر الله؟ لما تقول حان الشيء أي هذا وقته ووجب. ألم يأن أي إلى الآن لم يحِن هذا الأمر وقد جاءت الآيات والبينات؟ (ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم) نلاحظ أنه أسند الخشوع إلى القلب والخشوع هو أمر مشترك بين القلب والجوارح في الحديث “لو خشع قلبه لخشعت جوارحه” وفي القرآن قال تعالى (خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ (43) القلم) (أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ (9) النازعات) وقال (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ (2) الغاشية) ويقال صوت خاشع والرجل يوصف بالخشوع (وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ (45) الشورى). الخشوع هو الخضوع والخشية والتذلل. فخشوع القلب أي خضوعه وتذلله وخشيته لله رب العالمين. ما قال تخضع واستعمل الخشوع لأن فيه التذلل والخشية والخضوع. ذكر أمرين قال (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ) (لذكر الله) وهو عام. والقرآن هو من الذِكر وسمّاه الله سبحانه وتعالى ذكراً (أَأُنزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا (8) ص) فالذكر عام والقرآن من الذكر والذكر أعم من القرآن فالذكر يكون في القرآن في التسبيح والتحميد والتفكّر. (وما نزل من الحق) أي القرآن. عندنا أمران: ذكر الله العام (عموم ذكر الله) أن تذكر الله تعالى خالياً فتفيض عيناك كما في حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله ذكر منهم (ورجل ذكر الله خالياً ففضات عيناه)، وما نزل من الحق هو القرآن تحديداً فذكر الخاص بعد العام وكل منهما مدعاة إلى الخشوع. ذكر الله عموماً حتى لو في نفسك تذكر عظمته وتسبحه وهذا مدعاة للخشوع والخشية وقال تعالى (وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (34) الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (35) الحج) والقرآن هو في حد ذاته مدعاة للخشوع والخشية (إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا (107) وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً (108) وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا (109) الإسراء) الخشوع من القرآن، (لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ (21) الحشر) (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ (22) الزمر) إذا كان علماء أهل الكتاب إذا يتلى عليهم القرآن يخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعاً وإذا كان الجبل يتصدع من خشية الله تعالى فكيف لا يخشع قلب المؤمن؟!. ذكر ثلاثة أمور كل منها مدعاة للخشية أولاً الخطاب للمؤمنين (يا أيها الذين آمنوا) وذكر الله والحق الذي نزل والذي هو القرآن وهذا قوله تعالى (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الأنفال). هذه نظرة عامة على الآية.
هناك مسألة: قال (تخشع قلوبهم لذكر الله) ثم قال بعدها (قست قلوبهم) وضع المؤمنين في مقابل الذين قست قلوبهم. وللعلم فإن القرآن لم يُسند القسوة إلا إلى القلوب (فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ (22) الزمر) (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً (74) البقرة) لم تسند القسوة إلا إلى القلوب في القرآن كله. (فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون) منهم أي من الذين أوتوا الكتاب.
سؤال من المقدم: قال تعالى (أن تخشع قلوبهم) بإسناد الخشوع إلى القلوب فلم لم يقل مثلاً: ألم يأن لقلوب المؤمنين أن تخشع لذكر الله وما نزل من الحق؟
هو حذّرهم من أن يكونوا كالذين أوتوا الكتاب ولم يحذرهم من قلوبهم. لم يُحذّروا من قلوب الذين أوتوا الكتاب وإنما من الذين أوتوا الكتاب لم يقل ولا يكونا كقلوب الذين أوتوا الكتاب. إذن التحذير من أن يكونوا كالذين أوتوا الكتاب هذا أمر. وصار تشبيه جماعة بجماعة، الذين أوتوا الكتاب بمقابل الذين آمنوا. ثم قال (وكثير منهم فاسقون) هذا وصف للأشخاص لا للقلوب. ثم ذكر المؤمنين وقلوبهم وأهل الكتاب وقلوبهم (وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ)، (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ) كأن الله تعالى حريص على العباد حتى لا يطول عليهم الأمد فتقسو قلوبهم لأن طول الأمد مدعاة لقسوة القلوب ولهذا قال (تخشع قلوبهم). الأمد هو الزمن وجمعها آماد.
سؤال من المقدم: لماذا قال (أوتوا الكتاب) ولم يقل (آتيناهم الكتاب)؟
القرآن الكريم يستعمل أوتوا الكتاب في مقام الذم ويستعمل آتيناهم الكتاب في مقام المدح. قال تعالى (وَلَمَّا جَاءهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ كِتَابَ اللّهِ وَرَاء ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ (101) البقرة) هذا ذم، (وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَّا تَبِعُواْ قِبْلَتَكَ (145) البقرة) هذا ذم، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ (100) آل عمران) (وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَةُ (4) البينة) هذا ذم، (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلاَلَةَ وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّواْ السَّبِيلَ (44) النساء) ذم. بينما آتيناهم الكتاب تأتي مع المدح (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ (121) البقرة) مدح، (أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ (89) الأنعام) مدح، (وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ (36) الرعد) (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ (52) القصص) مدح، (وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ (47) العنكبوت) مدح. هذا خط عام في القرآن على كثرة ما ورد من أوتوا الكتاب وآتيناهم الكتاب حيث قال أوتوا الكتاب فهي في مقام ذم وحيث قال آتيناهم الكتاب في مقام ثناء ومدح. القرآن الكريم له خصوصية خاصة في استخدام المفردات وإن لم تجري في سنن العربية. أوتوا في العربية لا تأتي في مقام الذم وإنما هذا خاص بالقرآن الكريم. عموماً رب العالمين يسند التفضل والخير لنفسه (آتيناهم الكتاب) لما كان فيه ثناء وخير نسب الإيتاء إلى نفسه، أوتوا فيها ذم فنسبه للمجهول (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا (5) الجمعة) (وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِن بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ (14) الشورى)، أما قوله تعالى (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا (32) فاطر) هذا مدح.
سؤال من المقدم: ما دلالة (من قبلُ) في الآية (وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ) ولماذا البناء على الضم في (قبلُ)؟
لو لم يقل (من قبلُ) يعني لو قال ولا يكونوا كالذين اوتوا الكتاب هذا لا يدل على أن الأولين قست قلوبهم وإنما فقط يدل على المعنيين في زمن الرسول r أما الأولون فلم تقسو قلوبهم. (من قبلُ) هي التي دلت على أن الأولين طال عليهم الأمد فقست قلوبهم. إذن (وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ) (من قبل) أفاد أن الأولين قست قلوبهم ولو لم يقل (من قبلُ) لم يفد هذا. لو قال ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب قد يكون المقصود بهم الذين في زمن الرسول r ولم يشر إلى الأولين فهوالآن كأنه ذمّ الذين في زمن الرسول r أن هؤلاء طال عليهم الأمد وليس فيه دلالة على أن الأقدمين قست قلوبهم كذلك والمراد هم الأقدمون. لما قال (من قبلُ) دل على أن الأولين طال عليهم الأمد فقست قلوبهم فكيف لهؤلاء وقد تطاول عليهم الأمد؟! إذا كان الأولون قست قلوبهم وقد تطاول الزمن فما بالك بهؤلاء؟!.
أما السؤال الآخر وهو لماذا جاءت (قبلُ) بالضم؟ هذه تسمى الظروف المقطوعة (قبل وبعد وما جرى مجراها) قبلُ هنا ظرف زمان لكن الظروف المقطوعة لا تنحصر في الزمان (الظروف: فوق وتحت وما جرى مجراها مثل من فوق ومن تحت ومن قبل ومن بعد). إذا حذف المضاف إليه ونُويَ معناه نقول (من قبلُ). عندنا أن يذكر المضاف إليه كما في قوله (لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ (10) الحديد) هذا مُعرَب والمضاف مذكور. وعندنا أن يحذف المضاف إليه وينوى معناه (من قبلُ)، وعندنا أن يحذف المضاف إليه ولا ينوى معناه يصير نكرة (من قبلٍ) ليس هناك مضاف إليه أصلاً كنكرة من النكرات فننوّن هنا ويكون ظرفاً مجروراً بالكسرة (كجلمود ضخر حطّه السيل من علِ). قد يحذف وينوى لفظه فيحذف التنوين كأنه موجود. هذا أن يحذف المضاف إليه وينوي معناه تقصد هنالك زمن محدد يعلمه المخاطَب هذا من المعارف. هذه هنا (من قبلُ) لما تحذف المضاف إليه وتنوي معناه ستبنيه على الضمّ فيصبح معرفة وليس نكرة لأنك تنوي زمناً معلوماً للمخاطَب لذلك قالوا سقط من علُ فُهم أنه من علو معلوم، سقط من علِ أي سقط من مكان عالٍ لا نعرف ارتفاعه لذا قال (حطّه السيل من علِ) أي من مكان مرتفع لم يقصد مكاناً معيناً. (من قبلُ) من زمن يعلمه المخاطَب ولديه فكرة عنه. (وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ) أي من قبلهم، من قبل الكتاب عليهم. إذا كانت مبنية على الضم تدل على أمر معين زمن أو مكان وإعرابها مبني على الضم في محل جرّ. قوله تعالى (إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ (10) الأحزاب) (من أسفلَ) هذا ليس فيه حذف وإنما هو ممنوع من الصرف. الظروف المقطوعة أي مقطوعة للإضافة.
سؤال من المقدم: آخر الآية قال تعالى (وكثير منهم فاسقون) نقف عند (كثير) وفي مواطن أخرى استخدم إسم التفضيل (أكثر) فلماذا استخدم هنا كثير؟
كثير على وزن فعيل وهي صفة مشبهة، أكثر إسم تفضيل. يعبّر بـ (أكثر) إذا كان السياق في تعداد أسوأ الصفات والإطالة في ذكرها. (أكثرهم) جاءت صيغة التفضيل هذه في مكانين في المائدة وآل عمران. في آية الحديد ذكر وانتقل إلى كلام آخر ليس له علاقة بأهل الكتاب، فالكلام عن أهل الكتاب جزء من آية ثم انتقل بكلام آخر ليس له علاقة بأهل الكتاب. أما في سورة المائدة فالآيات من 57 إلى 65 (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (57) وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ (58) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ (59) قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ (60) وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آَمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ (61) وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (62) لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (63) وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (64) وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (65)) يستمر في ذكر الصفات فلما يطيل ذكرهم ويعدد مساوئهم يأتي بإسم التفضيل (أكثر). في آل عمران الآيات من (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (65) هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (66) مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (67) إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ (68) وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (69) يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (70) يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (71) وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آَمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آَخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (72) وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (73) يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (74) وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75) بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (76) إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (77) وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (78)) ومن (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ (98) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (99) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ (100) وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آَيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (101)) (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آَمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110) لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ (111) ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (112) لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آَيَاتِ اللَّهِ آَنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (113) يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (114) وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (115)) آيات كثيرة أفاض فيها فقال (أكثر). أما التي لا يطيل فيها فيقول (كثير). قد تشترك صيغة فعيل في المبالغة والصفة المشبهة وإسم المفعول من حيث الصيغة فقط أما إذا كان أصل الفعل متعدياً تصير مبالغة وإذا كان أصل الفعل لازماً تصير صفة مشبهة. مثال: سميع من سمع وهو فعل متعدي إذن سميع صيغة مبالغة، عليم من علم وهو فعل متعدي إذن عليم مبالغة، حتى في رحيم قالوا إذا كانت من رحِم فعل متعدي فهي مبالغة وإذا كانت من رَحُم فعل لازم تصير صفة مشبهة. وعندنا فعُل أبلغ من فعِل وأحياناً نحوِّل إلى فعُل بقصد المبالغة. طويل من طال فعل لازم فطويل صفة مشبهة وكذلك قصير وقبيح وجميل صفة مشبهة.
(اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (17))
نظرة عامة على الآية وارتباطها بما قبلها وما بعدها: أمرنا ربنا أن نعلم هذا الأمر وهو أن الله تعالى هو الذي يحيي الأرض بعد موتها فما كانت لتحيا لولا أن الله يحييها، لا تحيا من الماء بنفسها ولا أن هنالك ذاتاً معه أو بدونه قادرة أن تحيي وإنما هو الذي يحيي الأرض وأراد أن نعلم هذا الأمر فقال (اعلموا). الارتباط بما قبلها ظاهر من جهتين: أولاً في الآية قبلها قال تعالى (ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق) فهو تمثيل لأثر الذكر والقرآن في القلوب وأنه يحييها كما يحيي الغيث الأرض. أثر الذكر والقرآن في القلوب يحييها كما يحيي الغيث الأرض. الله تعالى يحيي الأرض بالغيث والذكر والقرآن يحيي القلوب (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ (24) الأنفال) هذه حياة. إذن أثر الذكر الذي أمرنا به (ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق) هذا الذكر يحيي كما تحيا الأرض بالغيث فالذكر يحيي القلوب من موتها كما يحيي الله الأرض من موتها، هذا أمر. والأمر الآخر أن فيها دلالة على بعث الأموات وقد ذكر قبلها مشهداً من مشاهد الآخرة (فضرب بينهم بسور له باب) ويذكر لنا في القرآن حياة الأرض للتمثيل بحياة الآخرة فينتقل منها إلى الآخرة (كذلك يحيي الله الموتى). إذن من جهتين من جهة أن الله سبحانه وتعالى كما يحيي الأرض بعد موتها يحيي القلوب بذكر الله وما نزل من القرآن، هذا أمر ومن ناحية أخرى دليل أو تشبه كيف يحيي الله الموتى وذكر مشهداً من مشاهد الآخرة هذا أيضاً تدل على أن الله سبحانه وتعالى سيحيي الموتى كما يحيي الأرض، يحيي الموتى في الآخرة كما يحيي الأرض.
سؤال من المقدم: قال تعالى (يحيي الأرض بعد موتها) أليس هذا مظنة والعياذ بالله لأي شك أن الذي يميت هو غير الله تعالى؟
قال يحيي بعد موتها ولم يقل بعد إماتتها. يقال مات فلان وأماته أي شخص آخر يميته. قال تعالى (وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا (44) النجم) (ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ (28) البقرة) أنت تقول مات الإنسان. يميتكم من أمات، عندنا مات يموت وعندنا أمات يميت. هناك فرق بين الموت والإماتة. الموت من تلقاء نفسه، أماته أي الله سبحانه وتعالى أماته. مات وأمات فعلان أحدهما لازم والآخر متعدي. لو قال يحيي الأرض بعد إماتتها يكون للسؤال وجاهة لكنه قال بعد موتها.
إرتباطها بما بعدها (إن المصدقين والمصدقات) شأن الأرض التي تحيا بالغيث تضاعف ما فيها (مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (261) البقرة) والمصدقين والمصدقات أيضاً يضاعف لهم كما أن الأرض بعد موتها تضاعف ما يخرج من الغلّة كذلك الصدقة تضاعف الأجور (كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ) المنفق والمقرِض يضاعف له كما أن الأرض تضاعف. إذا أحيا الله سبحانه وتعالى الأرض بعد موتها تضاعف الحبّ وكذلك المصدقين يضاعف لهم الله تعالى الأجور. ثم ذكر الآخرة (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاء عِندَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ (19)) أيضاً فيها دلالة على الحياة الآخرة. وسيأتي ذكر للآخرة فيما بعد. فهي ترتبط بما قبلها وبما بعدها من ناحيتين.
هل إرتباطها بما قبلها أقوى؟ التذكير بقدرة اله تعالى حاصل لكن من الناحية الفنية عندما قال (يضاعف لهم) وهذا شأن الأرض التي تحيا بالغيث ولما ذكر المصدقين والمصدقات قال يضاعف لهم ولهم أجر كريم كما تضاعف الأرض فالمناسبة ظاهرة. والآية مدخل للآية التي بعدها.
(إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ (18))
ذكر تعالى في غير موطن المتصدقين والمتصدقات وأشرنا في أكثر من مناسبة ووقفنا عند هذا وقلنا أنه من باب الإبدال الجائز. أصل المصّدّقين والمصدقات متصدقين ومتصدقات مثلما ذكرنا يدّبر ويتدبر وذكرنا في حينها أنه فيها تضعيفان (المصّدّقين) والتضعيف فيه مبالغة فهنا قال (إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ) لما بالغوا في الصدقة أعطاهم مضاعفة لذا لاحظ في سورة يوسف قال (وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَآ إِنَّ اللّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ (88) يوسف) لم يطلبوا المبالغة في الصدقة وهذا من حسن أدبهم يعني يكفيهم الشيء القليل فلم يقولوا (فاصّدّق علينا) كأنهم يريدون الشيء الكثير. قسم قال (يجزي المتصدقين) لم يقل المصدقين لأن المتصدقين تشمل المقلّين والمكثرين. لو قال المصدقين تدل على أنه يجزي المبالغين في الصدقة دون غيرهم لكنه يجزي المُقِلّ والمُكثِر. المصّدّقين والمصّدّقات هم المكثرون في الصدقات فقال تعالى يضاعف لهم ولهم أجر كريم، هؤلاء المبالغين في الصدقة وأقرضوا الله قرضاً حسناً والجزاء على قدر العمل. (مصّدّق) الذي يُخرج أمواله في سبيل الله ومنها قد تكون من باب الفروض كالزكاة ورب العالمين سماها صدقة.
ماذا يفيد العطف بين المصدقين والمصدقات؟ أولاً يدل على استقلال النساء في أموالهن، وما دام مالها فلها الحرية في أن تصرف وتقرض الله قرضاً حسناً وأن تفعل ما تشاء في مالها. ويبين أيضاً أنه إذا كان لها مال فلا تغني صدقة زوجها أو أبيها عنها وأنها يضاعف لها كما يضاعف للرجال. ثم ذكر المؤمنين والمؤمنات والمنافقين والمنافقات فالجو العام هكذا فذكر المصدقين والمصدقات.
أسئلة المشاهدين خلال حلقة 23/4/2007م
-
ما الفرق بين الرُشد (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ (256) البقرة) والرَشَد (فَأُوْلَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا (14) الجن) والرشاد (وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ (29) غافر)؟
-
ما الفرق بين الضُرّ (وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ (17) الأنعام) والضَر (قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلاَ نَفْعًا (49) يونس) والضرر (لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ (95) النساء) والحديث الشريف ” لا ضرر ولا ضرار”؟
-
ما الفرق بين الزوج (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا (1) المجادلة) والبعل (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ (228) البقرة)؟
-
ما الفرق بين السفاح (مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ (24) النساء) والبغاء (وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء (33) النور) والزنى؟
-
ما الفرق بين سارعوا إلى مغفرة من ربكم وسابقوا في الآيات (وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) آل عمران) (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ (21) الحديد)؟
-
ما الفرق بين ولدان وغلمان؟
-
في سورة آل عمران قال تعالى (كذلكِ الله يخلق ما يشاء) وقال في آية أخرى (كذلكَ الله يفعل ما يشاء) فلماذا جاءت (كذلكِ) الأولى بالكسر؟ كذلك هو في الأصل لمخاطبة المذكر وقد تستعمل عامة لكن الأصل أن يقال ذلكَ بفتح الكاف للمخاطب المذكر وذلكِ للمخاطبة وذلكما للمثنى وذلكنّ لجمع المؤنث وذلكم لجمع المذكر.قال الشاعر (قد ظفرت بذلكِ) يخاطب المرأة. ذا إسم الإشارة للمشار إليه والكاف للمخاطب، ذلكَ المخاطب رجل وذلكِ المخاطب أنثى وليس له علاقة بالمشار إليه نفسه. (فذلكن الذي لمتنني فيه) في سورة يوسف المخاطب جمع النسوة، ذا إسم الإشارة ليوسف و (لكنّ) لمجموعة النسوة، (فذانك برهانان من ربك). أسماء الإشارة هي التي تتغير أما الكاف فهي للمخاطب (أولئكَ رجال) المخاطب واحد. قد تستعمل الكاف المفتوحة للجمع لكن إذا أراد أن يخصص يستعمل الكاف المفتوحة للمخاطب المفرد وذلكِ للمخاطبة المفردة وليس لها علاقة بالمشار إليه.
-
ما دلالة ورود (والمقيمين الصلاة) منصوبة في الآية (لَّـكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أُوْلَـئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا (162) النساء)؟
-
ما المقصود بآيات الحجاب في القرآن (ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ (59) الأحزاب) فهل الستر أوجب أو الكشف أوجب؟
-
آخر سورة النساء (يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ (176)) قد يُفهم أنه من باب الضلالة أو أن المقصود هنا أن لا تضلوا؟
-
ما هو إعراب (إي) في الآية (قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ (53) يونس)؟ (إي) حرف جواب مثل نعم ولا، حرف جواب لكن (إي) يكون بعدها قسم.
-
ما دلالة ورورد كلمة (إبراهم) في سورة البقرة بدون ياء بينما وردت بالياء في باقي سور القرآن؟
بُثّت الحلقة بتاريخ 23/4/2007م
2009-01-20 14:57:26الدكتور فاضل السامرائي>برنامج لمسات بيانيةpost