لمسات بيانية, لمسات بيانية - حلقات

لمسات بيانية – الحلقة 228

اسلاميات

الحلقة 228

اللمسات البيانية في سورة هود 12

المقدم: نكمل رحلتنا مع سورة هود في قصة سيدنا نوح بعد أن دلفنا إليها في الحلقات المنصرمة وكنا توقفنا عند قوله تبارك وتعالى (وَيَا قَوْمِ مَن يَنصُرُنِي مِنَ اللّهِ إِن طَرَدتُّهُمْ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ (30)) هكذا قال سيدنا نوح لقومه، بداية ما المعنى الإجمالي لهذه الآية؟

د. فاضل: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وإمام المتقين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن دعا بدعوته إلى يوم الدين. هو ذكر أمرين يمنعنان من طرد من آمن معه، قال أولاً (إِنَّهُم مُّلاَقُو رَبِّهِمْ (29)) هو أعلم بحالهم ثم قال لا أستطيع ذلك ليس الأمر إلي إن فعلت ذلك سيعاقبني (مَن يَنصُرُنِي مِنَ اللّهِ) من يمنعني منه؟

المقدم: (من ينصرني) يعني أن الله سيعاقبه إذا فعل ما طلبه قومه منه؟

د. فاضل: نعم، (مَن يَنصُرُنِي مِنَ اللّهِ) أي من يمنعني منه؟ (نَصَر منه) هذا يدخل في باب التضمين

المقدم: أليس (نصر) متعدٍ بذاته؟

د. فاضل: قال (من ينصرني) عدّاه، (نصر من) هذا تضمين، هي في الأصل نصره عليه (وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (250) البقرة) لكن من باب التضمين يقول نصره منه أي نجّاه منه، هذا تضمين لكن يبقى معنى النصر يعني هو ليس بمعنى نجاه، ينصرني منه ليس بمعنى نجاه منه حرفياً

المقدم: يخلصني من العذاب الذي يحيقني مثلاً؟

د. فاضل: نعم، لكن فيها أمر آخر. فرق بين نجّى منه ونصره منه، تقول نجاه من الغرق لا تقول نصرنه من الغرق أنجاه الله من النار ما تقول نصره الله من النار، فيها تنجية وفيها معنى آخر وهو لما قال (وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا (77) الأنبياء) ليس فقط نجيناه وإنما عاقبنا هؤلاء حتى يصير نصر

المقدم: يعني أخرجه ونجّاه وعاقب الآخرين، هذه هي الدلالة

د. فاضل: حتى يصير نصراً

المقدم: وهل هذا جائز؟

د. فاضل: هنا من يمنعني من الله؟ من ينجيني منه؟

المقدم: أو يكُفَّ عذابه عني. لكن النصر ربما يستبق إلى الفهم أن هنالك هازم ومهزوم، غالب ومغلوب هناك صراع كيف ننقي هذا الصراع من دلالة الفعل وخصوصاً أنها بين نبي وبين الله عز وجل

د. فاضل: من ينصرني يعني هل هنالك ذات تنصره؟

المقدم: وكأن هذا استفهام (من ينصرني من الله)؟ وكأنه استفهام إنكاري، من ينصرني؟! لا يوجد أحد ينصرني

د. فاضل: ربنا قال (وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا (77) الأنبياء) هو الذي نجّاه لأنه هو أعلى، لما قال (وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ) عاقب أولئك ونجى هؤلاء، من ينصره من الله؟! يجب أن يكون هناك ذات قوية أعلى منه ولا يوجد ولذلك قال (وَيَا قَوْمِ مَن يَنصُرُنِي مِنَ اللّهِ إِن طَرَدتُّهُمْ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ) من ينصرني؟!

المقدم: هنا قال (طَرَدتُّهُمْ) بصيغة الماضي ولم يقل إن أطردهم مع أن الطلب حال كونه منهم لم يتحقق بعد فلماذا جاء (إن طردتهم) وليس إن أطردهم؟

د. فاضل: القرآن كثيراً ما يستعمل إذا جاء الفعل الماضي بعد أداة الشرط (إن طردت) الغالب أن المراد به مرة واحدة وإن جاء مضارعاً مظنة التكرار

المقدم: إن طردتهم مرة واحدة وإن أطردهم يعني يطردهم أكثر من مرة.

د. فاضل: أكثر من مرة، هذا كثير في القرآن (وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَئًا (92) النساء) لأن هذا قتل خطأ، بينما قال (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا (93) النساء) هذا مظنة التكرار، هو متعمِّد أما ذاك قتل خطأ

المقدم: هناك فارق دلالي بين من قتل ومن يقتل؟ مع أن الاثنين ما حدثا

د. فاضل: بالطبع، ما حدثا لكن هذا مظنة التكرار، لاحظ قال تعالى (وَإِن تَعُودُواْ نَعُدْ (19) الأنفال) لما في قريش ذكر بعد معركة بدر (وَإِن تَعُودُواْ نَعُدْ (19) الأنفال)

المقدم: (وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا (8) الإسراء)

د. فاضل: لا، هذه في بني إسرائيل. (وَإِن تَعُودُواْ نَعُدْ (19) الأنفال) هذه مظنة أنهم يكررون العودة ليست مرة واحدة قريش يحاولون العودة. أما في بني إسرائيل قال (لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ (4) الإسراء) فيها عودة واحدة

المقدم: لأنه قرر في البداية أن الإفساد مرتين فقط.

د. فاضل: (وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ (19) الإسراء) الآخرة واحدة، (وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا (145) آل عمران) ثواب يتكرر دائماً في كل عمل أنت تبتغي الثواب لكن الآخرة واحدة

المقدم: هل ينسحب هذا إذا فصل بين (من) والفعل (مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء (18) الإسراء)

د. فاضل: كان يريد هذا استمرار لأن (كان) إذا دخلت على المضارع أفادت الاستمرار، هذه قاعدة، كان يفعل، كان يكتب، كان يصوم، كان يقوم الليل

المقدم: ولهذا هنالك فرق بين قوله تعالى (إِن طَرَدتُّهُمْ) وسؤالي إن أطردهم؟

د. فاضل: إن أطردهم معناها يتكرر لكنه مرة واحدة سيعاقبهم، مرة واحدة لا أحد ينجيه منه، لا يؤمله حتى يكرر طلبه مرة واحدة لا أحد ينجيه منه لا يسمح له أن يكرر أصلاً لأن العقوبة ستأتيه.

المقدم: (أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ) هكذا ختمت الآية، لماذا قال تذكرون ولم يقل تتذكرون؟

د. فاضل: الأمر واضح، من ينصرني من الله؟ إسأل أي واحد

المقدم: لا أحد

د. فاضل: إذن لا تحتاج إلى طول تفكير، تتذكرون قد تحتاج إلى طول

المقدم: ما الفرق بين تذكرون وتتذكرون؟

د. فاضل: علمنا القرآن أنه إذا أطال الفعل يكون الحدث اطول وإذا حذف من الفعل أقلّ كما ذكرنا تنزل وتتنزل، توفاهم وتتوفاهم. هذا الأمر لا يحتاج إلى طول تذكر

المقدم: فوراً، يحتاج إلى رد آنيّ فوري، من ينصرني من الله؟ لا أحد

د. فاضل: ما يحتاج إلى تأمل كثير، من ينصرني؟ لا أحد

المقدم: (أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ)

د. فاضل: لا يحتاج إلى تذكر وتفكر، هذا الأمر واضح.

المقدم: (أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ) هل هي خاتمة لسؤال سيدنا نوح لقومه (من ينصرني)؟ ربما يتوهم الذهن بأنه ربما يريد أن يسترجعوا أمراً ما أو يتذكرون شيئاً ما

د. فاضل: هو كأنما يذكرهم بأمر غائب عنهم. عندما طلبوا منه هذا أمر غائب عنهم اذكروا هذا الأمر.

المقدم: وكأن الإجابة لا لكنهم نسوا المسألة فيذكِّرهم. وحينما يقول (وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلاَ أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلاَ أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلاَ أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَن يُؤْتِيَهُمُ اللّهُ خَيْرًا اللّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنفُسِهِمْ إِنِّي إِذًا لَّمِنَ الظَّالِمِينَ (31)) الملاحظ هنا قبل أن ندلف إلى الحوار نود فكرة مبسطة عن هذه الآية ورصف المباني لاستجلاء المعاني فيها

د. فاضل: ذكر أنه ليس عنده مغريات تدعوا إلى اتباعه. المغريات لا تغري الفقير ولا تغري الغني، أنا لا أملك مغريات تدعو لاتباعي ليس عندي شيء، ليس عندي مال كثير حتى يتبعه طلاب المال والناس الغني والفقير يستهويهم المال قال تعالى (وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا (20) الفجر) مال ليس عندي ولا خزائن، لا أعلم الغيب لا يغرنكم أني أنا رسول يعني أعلم الغيب، لا أستطيع أن أصنّف الناس أقول هذا مؤمن وهذا مدّعي إيمان حتى تقولوا (وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ (27)) أنا لا أعلم الغيب هذا، ربنا الذي يعلم الغيب

المقدم: يعني لا بادي الرأي ولا أراذل

د. فاضل: أنا لا أعلم الغيب

المقدم: كأن الرسالة فقط هي التبليغ، هو يبلِّغ فقط

د. فاضل: أنا لا أستطيع أن أجيب عما سيحصل في المستقبل، لعله أحدهم يقول طالما أنه رسول فهو يعلم المستقبل، لا، أنا لا أعلم شيئاً ولا أقول أنا ملك حتى تقولوا أنت بشر أنا ما قلت أنا لك حتى تقولون (مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَرًا مِّثْلَنَا) ليس لي فضل عليكم بهذه الأشياء التي تذكرونها لا المال ولا علم الغيب ولا الملك

المقدم: (وَلاَ أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَن يُؤْتِيَهُمُ اللّهُ خَيْرًا)

د. فاضل: لأني لا أعلم الغيب

المقدم: وبالتالي لا يستطيع أن يبشِّر أو لا يبشّر.

د. فاضل: الله أعلم بما في أنفسهم أيضاً توكيد أنه لا يعلم الغيب، كل هذه تؤكد أنه لا يعلم الغيب

المقدم: ألا يعتبر هذا ربما زعزعة بالنسبة لقوم لا يفهمون إلا الأشياء المادية، لا يعرف أي شيء ما عنده أي شيء؟

د. فاضل: إذا كان الأمر هكذا أنا عندي، أنا أدعوكم إلى عبادة ربكم هو الذي أمرني بهذا ربكم الذي خلقكم هو الذي أمرني، أنا لا أعلم شيئاً لا عندي مال ولا أعلم الغيب ولا أنا ملك ولا أعرف أي شيء، (وَلاَ أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَن يُؤْتِيَهُمُ اللّهُ خَيْرًا) ربهم هو يعلم بهم أنا لا أعلم أنتم تقولون (بادي الرأي) أنا لا أعرف هذا، ذلك عند الله (اللّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنفُسِهِمْ) أنا لا أعلم الغيب لو كنت أعلم الغيب لعلمت ما في أنفسكم، هو يؤكد المسألة. إذن هو ليس عنده مغريات تغري الفقير إلى اتباعه ولا تغري الغني وإنما هي عبادة خالصة لله سبحانه وتعالى.

المقدم: مبلِّغ

د. فاضل: فقط، (إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ (42) الشورى)

المقدم: هنا قال (وَلاَ أَقُولُ) ولم يقل مثلاً ما قلت أو ما أقول، لماذا هذا التعبير تحديداً؟

د. فاضل: (وَلاَ أَقُولُ) نفى بـ (لا) يعني لا أقول على وجه الاستمرار،

المقدم: وما أقول؟

د. فاضل: ما أقول حال، ما إذا دخلت على الفعل المضارع خلّصته للحال، (ما يكتب) يعني الآن، (لا أكتب) عامة، (لا) أوسع حرف نفي.

المقدم: (لا) أوسع من (ما)؟

د. فاضل: ما نافية ولم أيضاً نافية ولن نافية، (لا) أوسع حرف نفي،

المقدم: من حيث استيعاب الزمن مثلاً؟

د. فاضل: الزمن، (لا) هي النافي الوحيد الذي يدخل على الماضي ويدخل على المضارع ويدخل على الإسم ينفي إسم الجنس، أوسع حرف نفي وقالوا هي أقدم حرف نفي وبعدها جاءت بقية حروف النفي

المقدم: إذن هنالك تفاوت في الدلالة بين الأحرف والأدوات وإن كانت الدلالة العامة هي النفي؟.

د. فاضل: أنت قد تنفي الماضي، قد تنفي الحال قد تنفي المستقبل أو تنفي الجنس

المقدم: كل أداة لها دلالة محددة في نفيها للشيء

د. فاضل: طبعاً. (لا أقول) يعني على وجه الاستمرار، الآن وفي المستقبل، (ما أقول) الآن، يمكن أن أقول غداً، لا أقول لا اليوم ولا الغد. (لم أقل) هذا في الماضي، أنا لا أقول هذا على وجه الاستمرار، لا أقوله أصلاً لا الآن ولا في المستقبل وما قلت في الماضي.

المقدم: (وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ) ماذا فيها؟ وماذ يعني إضافة الخزائن للفظ الجلالة الله سبحانه وتعالى؟ ماذا يعني هذا التركيب (خزائن الله)؟

د. فاضل: يمكن أن يقال خزائن لله، هو قال (وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ) لغة يمكن أن يقول خزائن لله، لكن (خزائن الله) يعني كلها، خزائن لله ولو كانت ثلاثة أربعة صارت خزائن لله.

المقدم: خزائن الله غير خزائن لله؟

د. فاضل: طبعاً.

المقدم: خزائن الله جميعها وخزائن لله

د. فاضل: هذه جمع قد تكون ثلاثة أربعة لكن ليست كل الخزائن. إذن الذي عنده خزائن لله يخشى النفاذ لكن الذي عنده خزائن الله كيف تنفذ؟!

المقدم: لا تنفذ.

د. فاضل: والناس يستهويهم المال الكثير أيضاً مال كثير ولا تنفذ إذن خزائن الله أولى.

المقدم: مع أنه ربما تكون متضمنة معنى الملكية، التركيب بالإضافة يأتي الملكية والظرفية والجزئية وهنا بمعنى الملكية خزائن لله أيضاً ملك الله سبحانه وتعالى

د. فاضل: نعم لكن الدلالة تختلف، ومدار الكلام هنا على الدلالة.

المقدم: (وَلاَ أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ)

د. فاضل: أنا بشر مثلكم لست ملكاً ما قلت أني ملك.

المقدم: هنا قال (وَلاَ أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ) وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في سورة الأنعام قال (قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ (50)) ما الفرق واللمسة البيانية في كلا الآيتين؟

د. فاضل: زاد (لكم) في آية سورة الأنعام.سيدنا نوح لو نقرأ السياق في مقام التلطف لقومه (قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّيَ وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ (28) وَيَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللّهِ وَمَآ أَنَاْ بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّهُم مُّلاَقُو رَبِّهِمْ وَلَـكِنِّيَ أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ  (29) وَيَا قَوْمِ مَن يَنصُرُنِي مِنَ اللّهِ إِن طَرَدتُّهُمْ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ (30) هود) في مقام التلطف والدعوة بينما لو لاحظنا السياق في الأنعام في مقام التبكيت والتعنيف (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُم) بينما في قصة نوح (قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّيَ وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ (28)) (وَيَا قَوْمِ مَن يَنصُرُنِي مِنَ اللّهِ إِن طَرَدتُّهُمْ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ (30) هود)

المقدم: هو يتودد إليهم يتقرب يتحبب يتلطف بهم

د. فاضل: يتلطف بهم حتى يقبلوا الدعوة. أما في الأنعام ففي سياق التبكيت والتعنيف (قُلْ أَرَأَيْتُمْ)

المقدم: هذا أمر من الله سبحانه وتعالى للرسول صلى الله عليه وسلم أن يبلِّغ قومه كذا؟

د. فاضل: القرآن بلّغ هذا. (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُم مَّنْ إِلَـهٌ غَيْرُ اللّهِ يَأْتِيكُم بِهِ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ (46) قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ (47)) قال (أرأيتكم) زاد (كم) حرف الخطاب زيادة في التنبيه. فرق بين المقامين، هذا مقام تبكيت وتعنيف عند سيدنا محمد بينما في قصة سيدنا نوح مقام التلطف يدعوهم بهدوء.

المقدم: هل هذا كله تعبر عنه كلمة (لكم)؟

د. فاضل: طبعاً أنت تقول لشخص أنا قلت كذا وعندما يخالف تقول ألم أقل لك؟ نحن نقولها، ألم أقل لك؟

المقدم: حتى في سورة الكهف مع العبد الصالح (قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (72)) (قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْرًا (75))

د. فاضل: إشارات دقيقة في الموقف والسياق والحالة النفسية

المقدم: مع أن المسرح العام أنه قال لهم كذا

د. فاضل: لكن ما هو الظرف الذي قال فيه؟ ما هي الحالة التي قال فيها؟ ما هو السياق الذي قال فيه؟ هل في مقام تودد وملاطفة ودعوة أو مقام تعنيف، الموقف يختلف، مراعاة الكلام لمقتضى الحال.

المقدم: هذا تجري عليه سنن اللغة العربية وقواعدها من بلاغة وبيان وبديع وبيان لكن سيدنا نوح ما كان يتكلم اللغة العربية وإنما كان يتكلم لغة قومه آنذاك فكيف نفهم هذا الكلام؟

د. فاضل: يعني ألا يتلطف سيدنا نوح؟ّ أليس هو بشر؟ ألا يغضب؟ ألا يتودد؟ ألا يتلطف؟ ألا ينصح؟ ربنا يترجم هذه باللغة العربية بأدق مثال وأعلى بيان.

المقدم: وهذا القرآن ترجمة

د. فاضل: أدق ترجمة لما ورد بأسلوب معجز

المقدم: يعني كل نبي كان يتكلم بلسان قومه

د. فاضل: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ (4) إبراهيم)

المقدم: والله سبحانه وتعالى نقل لنا هذه الأخبار باللغة العربية

د. فاضل: بأدق كلام وبأسلوب معجز، كما نحن تترجم، قصيدة مثلاً باللغة الأوردية تترجم حسب قوة المترجم وحسب قدرته وحسب إمكانيته في اللغة.

المقدم: القرآن أجمل وأبلغ وأفصح وأدق ترجمة لما أخبر به وحدّث عنه

د. فاضل: أدق ترجمة بأسلوب معجز بياني. نقرأ قصتين لكن فرق بين كاتب وكاتب.

المقدم: (وَلاَ أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ) لماذا تزدري والواقع أنها ازدرت؟

د. فاضل: لأنهم لا يزالون، إذن تزدري لأنهم لا يزالون. لو قال ازدرت قد تتغير، ازدرت وانتهت، الآن هم مستمرين على هذا الشيء، استمرار (تزدري) يعني ازدرت وما زالت مستمرة تزدري.

المقدم: هل يقال أن المضارع دائماً يفيد الحدوث والتجدد والماضي فيه التحقق والثبوت؟

د. فاضل: في الغالب.

——-فاصل———

المقدم: هنا يقول (وَلاَ أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ) لماذا حذف العائد؟ ولم يقل تزدريهم مثلاً؟ أو تزدرونهم؟

د. فاضل: هذان سؤالان، لماذا حذف العائد؟ تزدريهم أعينكم، حذف العائد إكراماً لهم أحياناً نحذف من باب الإكرام لا نريد أن ينال الفعل أحياناً إذا كان فيه شدة لا نريد أن ينال شخصاً نكرمه ونجله ما تقول أنا ما شتمت فلان أو شتمته وإنما تقول أنا ما قلت وما شتمت إكراماً له مثل (مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (3) الضحى).

المقدم: مع أن المخاطب سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام

د. فاضل: أحياناً ذكر الضمير في باب إذا كان الفعل من باب الإكرام ذكر الضمير يكون من باب الإكرام له

المقدم: قال (وَمَا قَلَى) ولم يقل ما قلاك؟

د. فاضل: هذا إكرام له، القلى هو البغض لا يريد أن يناله القلى، لا قلاك ولا قلى أحداً من أتباعه إكراماً له. (أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ (90) الأنعام) أحياناً نُجِلّ الشخص إذا كان الفعل فيه مساءة لا نذكر المفعول أو العائد إكراماً له.

المقدم: إكراماً لهم يعني هنا (وَلاَ أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ) ما يقول تزدريهم إكراماً لهم.

د. فاضل: إكراماً لهم.

المقدم: لماذا لم يقل للذين تزدرونهم؟

د. فاضل: هو أسند الازدراء إلى الأعين (وَلاَ أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ) أيضاً أراد إكرامهم. كأنه قال أنتم ترون مظاهرهم بأعينكم لا ترون الحقيقة

المقدم: ولو قال تزدرونهم يكون فيها إشمام من الداخل

د. فاضل: أقوى أنتم ترون الظواهر، المرأى لا يدل على الحقيقة دائماً، أنت حكمت على الظاهر، كم رجل تزدري عيناك وهو رجل عظيم، هم في السابق قال

ترى الرجل الحقير فتزدريه وفي أثوابه أسد مزير

أسد مزير يعني شديد قوي.

المقدم: لم يقل فتزدريه عينك

د. فاضل: أنت ترى الرجل هكذا فالرؤية لا تدل على المخبر دائماً. أعينكم أنتم حكمتم بظواهر الأمور كما ترون لكن أنتم لا تعرفون حقيقتهم، فيها إكرام لهم أنت لا تعرف حقيقته تراه هكذا، هذا إكرام له، هذا منتهى الإكرام لهم. ثم قالوا (وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ (27)) فقال لهم هذه الرؤية لا تدل على الصواب ولا الحقيقة. لما قالوا (ما نراك) أنتم حكتم بالظواهر وأيضاً الرؤية لا تدل دائماً على الحقيقة.

المقدم: (لَن يُؤْتِيَهُمُ اللّهُ خَيْرًا) لماذا التعبير بـ (لن)؟

د. فاضل: (لن) تفيد الاستقبال. الاستقبال قد يكون في الدنيا وقد يكون في الآخرة، قد يكون فيهما، محتمل أنت رجل الآن تزدريه لكن في المستقبل قد يكون له شأن. نحن رأينا في حياتنا أشخاص ليسوا ذوي شأن لكن كبر وصار لهم شأن كبير. أنت تحكم الآن على ما هو عليه لكن ماذا سيكون في المستقبل؟ كثيرون من عوائل بسيطة ضعيفة ثم صار لهم شأن كبير في المجتمع في القيادات  لماذا تحكم الآن على هذا؟! ما أدراك ما سيكون في المستقبل هذا الرجل؟ (لَن يُؤْتِيَهُمُ اللّهُ خَيْرًا) هذا في الدنيا وفي الآخرة. إذن ينبغي أن تتوقف

المقدم: هو يقول (وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ) يعني لا يقول لهم لن يؤتيهم الله خيراً، لا يقول هذا الكلام.

د. فاضل: لا لا يقول هذا الكلام. أولاً جاء بـ(لا) للمستقبل، في المستقبل ما أدراكم ماذا سيحصل في المستقبل، في الدنيا والآخرة ماذا سيحصل؟.

المقدم: لماذا لم يقل (لن يؤتيكم)؟ مع أنه يخاطبهم

د. فاضل: ولا اقول للذين تزدري أعينكم لن يؤتيكم الله خيراً، ضمير الغيبة،

المقدم: هو يكلمهم

د. فاضل: كثير من المفسرين قالوا هذه اللام ليست للتبليغ وإنما لبيان العلة يعني لأجلهم (للذين) اللام ليست للتبليغ، إذن يتكلم عنهم في الغيبة لا أقول لأجلهم لن يؤتيهم الله

المقدم: هم غائبون

د. فاضل: ليس للتبليغ يبلغهم بهذا. وهنالك غرض آخر لطيف أحياناً الشخص يُتكلم في الشخص في غيبته ما لا يواجَه به، أحياناً أنت لا تستطيع أن تكلم الإنسان بكل ما تقوله في غيبته حياء أو خوف، قد تقول فلان لا يصلح لهذا المنصب لكن لا تواجهه.

المقدم: الذي يقول أنا أقول للغلطان أنت غلطان في عينه، ليست غيبة ونميمية وإنما إساءة أدب أيضاً!

د. فاضل: فإذن أحياناً الشخص لا يقال بحضرته ما يقال في غيبته دائماً، أحياناً لا نواجه الشخص بكل ما نريد أن نقول.

المقدم: المفروض أنه لم يقل للذين آمنوا معه أن قومكم يزدرونكم

د. فاضل: هو أراد أن يكرمهم قال أنا في غيبتهم لا أقول ذلك لعلهم يسمعون فيتأذون، حتى في غيبتهم وليس فقط أمامهم لا أقول هذا الكلام، حتى في غيبتهم حتى لو لم يسمعوا كلامي أنا لا أقول ذلك. (لن يؤتيكم) فيها مواجهة بينما (لن يؤتيهم) ليست فيها مواجهة وكأنما تقولها في غيبتهم. حتى في غيبتهم لا أقول ذلك فما بالك في مواجهتهم، فيها إكرام

المقدم: يحافظ على مشاعرهم بشكل كبير

د. فاضل: لاحظ التعبير العجيب. أولاً حذف مفعول (تزدري) ما قال تزدريهم، حذف العائد، وقال لن يؤتيهم بضمير الغيبة حتى لا يقول فيهم ما يسيء إليهم، وأسند الازدراء إلى الأعين، كل هذا من باب إكرام هؤلاء. (وَلاَ أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَن يُؤْتِيَهُمُ اللّهُ خَيْرًا) يعني في المخبر أنتم لا تنظرون إلى الظاهر ثم لا يقول لهم في غيبتهم وهذا كله من باب إكرام هؤلاء.

المقدم: (اللّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنفُسِهِمْ) وفي الإسراء قال (رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ (25)) فما الفرق بين أنفس ونفوس؟ واللمسة البيانية في سورة هود؟

د. فاضل: الأنفس جمع قلة (إلى عشرة) ونفوس جمع كثرة لكن عندنا أحياناً قلة نسبية، القرآن أحياناً يستعمل القلة النسبية، إذا كان أكثر من جمع للجمع القليل وإن كان أكثر من عشرة يستعمل جمع قلة والكثير يستعمل جمع الكثرة مثل الأبرار والبررة، الأبرار جمع قلة لكن يستعملها للبشر والبررة جمع كثرة يستعمل للملائكة (كِرَامٍ بَرَرَةٍ (16) عبس). هنا قال (اللّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنفُسِهِمْ) أنفس جمع قلة لأنهم قليل (وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ (40) هود). بينما الآية الثانية جميع الخلق (رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ) جميع الناس ففيها كثرة، هذه لعموم الخلق المكلفين (رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ) عامة. لما كان أولئك قلة استخدم أنفس جمع قلة ولما كان الخلق استعمل نفوس.

المقدم: هل نفهم هذا إذا قال في هود (الله أعلم) وفي الإسراء قال (ربكم) لماذا اختلف لفظ الجلالة مع أن الذي يتحدث عنه واحد؟ هل لهذا علاقة بالكثرة والقلة؟

د. فاضل: لا ليس له علاقة بالقلة والكثرة وإنما له علاقة بشيء آخر في المقام. في هود (اللّهُ أَعْلَمُ) هذا في مقام العبادة (أَن لاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللّهَ (26)) في مقام العبادة، أصلاً الله أكثر الاشتقاق أنه من لفظ العبادة، كثيراً ما يأتي لفظ الله مع العبادة من ألِهَ بمعنى عبد

المقدم: وفي الإسراء (ربكم)؟

د. فاضل: هذا في مقام الإحسان للمربي، التربية، (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا (23) الإسراء) هذا في مقام التربية، الوالدان يربيان أولادهما والرب هو المربي فناسب ذكر الرب مع التربية

المقدم: ولفظ الجلالة (الله) مع العبادة. هل في هذه الآية شيء آخر من اللمسات البيانية فاتني أن أسأل فيه؟

د. فاضل: هو ختم الآية (إِنِّي إِذًا لَّمِنَ الظَّالِمِينَ (31)). هناك أمر غريب، يتفق ما قاله أول رسول في القرآن وهو سيدنا نوح ما أُمر به أن يقوله خاتم الرسل سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام مما يدل على وحدة الرسالة وموقف المجتمع البشري من فجر التاريخ إلى وحدة المجتمع البشري، هذه دراسة. نوح قال (وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلاَ أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلاَ أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ (31)) لكن الله تعالى أمره (قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ (50) الأنعام) نفس العبارات كأن المجتمع واحد لأن موقف المجتمع البشري من فجر التاريخ ما تغير. وقال نوح (وَمَآ أَنَاْ بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّهُم مُّلاَقُو رَبِّهِمْ وَلَـكِنِّيَ أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ) وربنا قال لسيدنا محمد (وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِم مِّن شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ (52) الأنعام). ولا تطرد الذين يدعون ربهم – وما أنا بطارد. حتى الوصف (فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ (52) الأنعام) نوح قال (إِنِّي إِذًا لَّمِنَ الظَّالِمِينَ) نفس الوصف. ربنا قال لمحمد (فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ) تحذير أو تنبيه، حتى الوصف واحد

المقدم: فيها وحدة المصدر

د. فاضل: والنظر إلى وحدة المجتمع على امتداد التاريخ موقفهم موقف واحد

المقدم: وكأن التاريخ صفحات يكرر بعضها بعضاً، صفحات تتكرر. هكذا الموقف من الأنبياء والرسل؟ الناس ترفض الحق لا تقبل الحق أبداً؟!.

د. فاضل: (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (103) يوسف) (وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ (116) الأنعام)

المقدم: ليست مسألة الأكثرية، ليس مناط التكليف أو مدار الكلام على الكثرة

د. فاضل: لا، ليس بالضرورة

المقدم: مناط الكلام على التأثير والحق وليس الكثرة. لكن توأمة أول كلام مع أول رسول مع آخر كلام لآخر رسول شيء عجيب ولفتة طيبة جداً. موقف سيدنا نوح من قومه ما زال مستمراً (قَالُواْ يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتَنِا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (32) هود)، هذا التحدي ماذا في هذه الآية من كلام قوم نوح له؟

د. فاضل: هو أسقط الشُبَه التي في أنفسهم، كل ما بأنفسهم أسقطه لم يبق عند أتباعه ما يحتجون به، كل الأشياء التي ذكروها انتهت. الآن أرادوا أن يقطعوا الجدال، أرادوا أن يوصدوا الباب الآن قالوا (قَالُواْ يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتَنِا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (32))

المقدم: هو الذي جادلهم ليس هم؟!

د. فاضل: لم يقولوا تجادلنا. هو الذي كان يجادلهم (قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا) ولم يقولوا فكثر الجدال بيننا، هو كان لا يتركهم أن تجري الأمور هكذا كيفما تكون وإنما كان يلاحقهم ويدعوهم إلى ربهم وكان مأموراً بهذا وهذا شأن الدعاة

المقدم: يعرض نفسه عليهم ويذهب إليهم غدواً وعشياً

د. فاضل: يذهب إليهم ويثير المسائل ويناقشهم لا يتركهم هكذا وهذا شأن الدعاة.

المقدم: والمفروض أن يكونوا هكذا. الواقع أن الناس هي التي تجري خلف الدعاة وليس الداعية هو الذي يذهب إلى الناس!

د. فاضل: لاحظ (قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا)

المقدم: لماذا لم يقولوا (تجادلنا)؟

د. فاضل: لم يأتوا ليجادلوه، هو الذي كان يذهب إليهم ليجادلهم.

المقدم: هم ألم يذهبوا إليه ليجاددلوه؟

د. فاضل: هم كانوا يردوه.

المقدم: ولو قال تجادلنا؟

د. فاضل: هذه تصبح مشاركة. لكن هو الذي كان يتعرض لهم وهو الذي كان يذهب.

المقدم: هذا فيه إكبار لدور سيدنا نوح في الدعوة

د. فاضل: طبعاً. ما كان يسكت، ما كان يترك الأمور هكذا كما كان ولا ينتظر حتى يتعرضوا له إنما هو الذي كان يتعرض لهم، هو الذي كان يذهب

المقدم: لماذا قال (فَأْتَنِا بِمَا تَعِدُنَا) وليس (ما وعدتنا)؟

د. فاضل: هو كان يكرر الوعد، لم يعدهم مرة واحدة وإنما كان يكرر.

المقدم: هل هناك فرق بين (تعد) و(وعد)؟

د. فاضل: وعد في الماضي. لكنه يكرر الوعد لم يقلها مرة وسكت وإنما كان يحذرهم

المقدم: ولو قال بما وعدتنا تحتمل؟

د. فاضل: تحتمل وعدهم مرة واحدة ليس بالضرورة لكن تعدنا يعني كرر هذا الشيء. (فَأْتَنِا بِمَا تَعِدُنَا) حتى لم يقولوا فإت بما تعد لأنهم غير مهتمين، هو كان يحذرهم (فَأْتَنِا بِمَا تَعِدُنَا)

المقدم: فيها قسوة وفيها شدة وفيها تحدي

د. فاضل: هو تحدي فإت بما تعد يعني يدركهم العذاب أو ما يدركهم، لا، قالوا (فَأْتَنِا بِمَا تَعِدُنَا)

المقدم: من خلال المحاجّ العقلية إذا ذهب أحد يقول لقومه انبذوا ما أنتم عليه من عبادة واعبدوا الله الواحد الأحد وهم خلقوا وجدوا آباءهم هكذا بالفعل يتصور أن يشق عليهم الأمر

د. فاضل: يشق أكيد لكن ربنا سبحانه وتعالى وهب عقولاً للناس كثير من الناس يغير أفكاره بالحجة. كثيراً الآن في المبادئ التي عندنا وأناس شاهدناهم يتحول من صاحب فكرة إلى فكرة أخرى بأي شيء؟ بالنقاش بالحجة يغير فكره. قد يكون ملحداً ويتحول إلى مؤمن بالنقاش يحصل هذا الأمر، صاحب فكرة مادية يتحول إلى فكرة أخرى. هذه الحجة لا يغني أنه وجد أبوه هكذا. نحن لاحظنا في حياتنا الآن أناساً أبوه ملحد وهو مؤمن.

المقدم: لكن لو عُكِس المنطق لو جاء إليّ أحد الوثنين أو المشركين يقول لي اعبد كذا

د. فاضل: تتناقش معه، ابن سيدنا نوح (يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ (42) هود) ليس بالضرورة أن الأب والابن يتماثلان في الاعتقاد، إبراهيم وأبيه مثال، ونوح وابنه هذه أمثلة. هذه أمور ربنا سبحانه وتعالى خلق في الإنسان عقل للأخذ والرد فمن الضروري أن يستعمل الإنسان عقله.

المقدم: لو استعمل الإنسان عقله في القرآن الكريم ليؤمنن به فعلاً؟

د. فاضل: قطعاً إلا إذا كان في نفسه (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا (14) النمل)

المقدم: هو من الداخل يستيقن بها

د. فاضل: لكنه لا يعترف وهذا حصل لأبي جهل وغيره وغيره، هو يعترف في نفسه لكن لا يقر به لأسباب كثيرة.

المقدم: وأبو طالب قال

ولقد علمت بأن دين محمد من خير أديان البرية ديناً

لولا الملامة أو حذار مسبّة لوجدتني سمحاً به مدينا

د. فاضل: يحصل هذا الشيء، أحياناً يقتنع بما يقوله المقابل لكن لسبب ما لا يقره

المقدم: هذا المنطق هو الذي كان يعتمد عليه الرسل في تبليغ كلمة الله سبحانه وتعالى إليهم؟

د. فاضل: نعم

المقدم: ماذا في هذه الآية من لمسات بيانية؟

د. فاضل: هو هذا الذي في هذه الاية بالذات ذكرنا أكثر الأشياء التي فيها

المقدم: قال (قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُم بِهِ اللّهُ إِن شَاء وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ (33)) في قوله (إنما) لماذا هذه الصيغة تحديداً؟

د. فاضل: هذه أداة حصر، يعني هذا الأمر ليس إلي ولا إلى أحد، الأمر الذي أعدكم به لا يستطيع بشر أن يفعله إنما أمره إلى الله حصراً هو الذي يأتيكم به إن شاء فالأمر بيد الله حصراً ليس بيد أحد آخر، لا يستطيع أحد من البشر أن يفعله، لا أستطيع أنا ولا غيري.

المقدم: (إنما) حصر لله سبحانه وتعالى فقط. قال (قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُم بِهِ اللّهُ إِن شَاء وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ (33)) ولم يقل يأتي به مع أن الدلالة قد تكون واحدة أو متقاربة؟

د. فاضل: هم أرادوا لأنفسهم (فَأْتَنِا) فقال (إِنَّمَا يَأْتِيكُم بِهِ)

المقدم: كيفما تشاؤون.

د. فاضل: أنتم أردتوها هو يأتيكم به

المقدم: خارج الآية الكريمة هل هناك فرق بين يأتي به ويأتيكم به؟

د. فاضل: يأتي بالشيء، يأتيكم أنتم لكن ما هو الشيء؟ هو يأتيكم بشيء بناء على طلبكم له

المقدم: لِمَ قدّم الجار والجرور على لفظ الجلالة (إِنَّمَا يَأْتِيكُم بِهِ اللّهُ) وما قال يأتيكم الله به؟

د. فاضل: أكثر من سبب، الكلام عن العذاب الذي سيأتي لكن

المقدم: هم قالوا فاتنا بما تعدنا يعني العذاب، يستجلبون العذاب؟

د. فاضل: طبعاً هم يستجلبون العذاب لأنهم لا يصدقون به.

المقدم: (تعدنا) من الوعيد أم من الوعد؟

د. فاضل: بالنسبة لما وعدهم. الكلام عن العذاب لكن هناك أمر آخر غير هذه المسألة معنى هذا التعبير (إِنَّمَا يَأْتِيكُم بِهِ اللّهُ) يعني ما يأتيكم به إلا الله. لو قال يأتيكم الله به

المقدم: يؤخر الجار والمجرور بعد لفظ الجلالة

د. فاضل: لو قال يأتيكم الله به المعنى أنه لا يأتيكم الله إلا به، هذا لا يصح.

المقدم: إنما يأتيكم به الله

د. فاضل: يعني لا يأتيكم إلا به إلا الله.

المقدم: الذي يأتي هو الله فقط

د. فاضل: قصر هذا الأمر على الفاعل.

المقدم: وإنما يأتيكم الله به؟

د. فاضل: لا يأتيكم إلا به فقط، لا يأتي بغيره، هذا لا يصح أصلاً، قصر صفة على موصوف وقصر موصوف على صفة، هذا معروف في اللغة، المعنى يتغير. ما محمد إلا شاعر، ما شاعر إلا محمد. ما محمد إلا شاعر يعني محمد لا يجيد أي صنعة إلا الشعر

المقدم: وما شاعر إلا محمد؟

د. فاضل: يعني ليس هناك شاعر غير محمد

المقدم: معنى مختلف تماماً. قصر الموصوف على الفصة وقصر الصفة على الموصوف.

د. فاضل: يختلف اختلافاً كبيراً، المعنى أصلاً لا يصح

المقدم: إذن مَنْ بضاعته قليلة في البلاغة والبيان ما فهم القرآن الكريم؟

د. فاضل: قطعاً. قد يفهم الإطار العام

المقدم: لكن يتذوقه ويستشعر به هكذا؟

د. فاضل: يتذوقه؟ لا، قد يكون من باب الاستشعار النفسي والخشوع ممكن، قد يكون شخص عامي يخشع له قلبه كثيراً لكن من الناحية المعنوية والبلاغية قطعاً لا.

المقدم: هذه مفتاح لفهم آي القرآن الكريم.

د. فاضل: طبعاً.

المقدم: (وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ) لماذا اختار الإسم هنا؟

د. فاضل: ما أنتم بمعجزين الإسم دال على الثبات والدوام يعني أنتم على وجه الثبات والدوام ما أنتم بمعجزين وليس أنتم لا تعجزون،

المقدم: على طول الزمن؟

د. فاضل: على طول الزمن، هذه صفتكم أنتم لست معجزين اصلاً، لا تستطيعون أن تهربوا ولا تستطيعون أن تفعلوا شيئاً للدلالة على ضعفهم وعجزهم. ثم أكدها بالباء (وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ) ليس فقط هذا وإنما جعله عاماً يعني لا تعجزونه في كل شيء لا في مكان ولا في زمان.

المقدم: نفصل فيها في الحلقة القادمة بإذن الله تعالى.

بُثّت الحلقة بتاريخ 5/3/2010م


من قسم الفيديو

http://www.islamiyyat.com/video.html?task=videodirectlink&id=2113

الرابط علي الارشيف
http://www.archive.org/details/lamasat228

رابط جودة عالية
http://ia340916.us.archive.org/2/items/lamasat228/lamasat227.AVI

رابط جودة متوسطة
http://ia340916.us.archive.org/2/items/lamasat228/lamasat227.rmvb

mp4 رابط
http://ia340916.us.archive.org/2/items/lamasat228/lamasat227_512kb.mp4

رابط صوت
http://ia340916.us.archive.org/2/items/lamasat228/lamasat227.mp3

2010-03-07 10:37:31الدكتور فاضل السامرائي>برنامج لمسات بيانيةpost