تابع سورة الحديد
(ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاء رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ (27))
نظرة عامة على الآية: قال سبحانه وتعالى قبل هذه الآية (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُم مُّهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ (26)) ثم قال (ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاء رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ (27)) إذن ربنا سبحانه وتعالى بعد أن ذكر نوح وإبراهيم وقال وجعلنا في ذريتهم النبوة والكتاب قال وقفينا بعيسى ابن مريم. ذكر عيسى أولاً لأنه آخر الرسل قبل النبي الخاتم، السلسلة تنتهي عنده وخاتمة الرسل تنتهي قبل محمد r عند عيسى وتنتقل إلى بني إسماعيل عند سيدنا محمد r، هذا أمر والأمر الآخر هو ذكر الكتاب الذي أنزل إليه وذكر أتباعه (وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً) ذكر الكتاب وذكر أتباعه ويذكر عنهم أمراً من الأمور فلا بد من ذكره. ولما أراد أن يذكر كتابه وأتباعه وأراد أن يخصهم بأمر ثم يذكر هذا الأمر فلا بد أن يذكره. إذن ذكر الكتاب الذي هو الإنجيل (وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ) ثم ذكر أتباعه (وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً) ثم هو تفرد عن بقية الرسل هو من ذرية إبراهيم لكن ليس من جهة الأب وإنما من جهة الأم ويختلف عن جميع الرسل فإذن هناك جملة أمور تقتضي ذكره. أبرزها ذكر الكتاب وذكر أتباعه وذكر أموراً تتعلق بأتباعه إضافة إلى أمور أخرى ولذلك اقتضى هذا الأمر أن يُخصص بالذكر. عيسى تنتهي الرسالة به قبل سيدنا محمد r يمتد نسبه إلى إبراهيم ولكن يختلف عن جميع الرسل لأنه من جهة الأم ثم ذكر كتابه وأتباعه فالأمر يقتضي أن يُذكر.
سؤال من المقدم: هنا قال (وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ) وفي سورة المائدة قال (وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِعَيسَى ابْنِ مَرْيَمَ) فما دلالة الاختلاف؟
الآية (وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِعَيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ (46)) السؤال هو لماذا قال (ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِرُسُلِنَا)؟ وقال في آية الحديد (وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ) ولم يقل وقفينا على آثارهم بعيسى ابن مريم كما قال في المائدة؟. أول مرة قال (ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِرُسُلِنَا) ثم لم يقل في عيسى وقفينا على آثارهم وإنما قال وقفينا بعيسى ابن مريم ثم قال في المائدة (وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِعَيسَى ابْنِ مَرْيَمَ) إذن هناك أكثر من سؤال. أولاً ما معنى قفّينا؟ معنى قفى على أثره يدل على قرب ما بين الماشيين أي جاء الثاني قبل أن يزول أثر الأول، الأثر لم يزل بعد فمعناه يصير قرب ولو كان الوقت طويل يزول الأثر ولا يبقى. لو تأخر الأمر أعواماً طويلة يزول الأثر. تلك قال (وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم) لأن الرسل متتابعة وهنا بالنسبة لعيسى قال وقفينا بعيسى ابن مريم معناه إذن أن المسافة طويلة بين عيسى ومن قبله، ويُذكر أن آخر واحد قبل عيسى هو يونس ابن متى وبينهما حوالي 800 سنة. آخر من يُذكر من الرسل قيل يونس في أوائل القرن الثامن قبل الميلاد يعني 800 سنة هذا ليس على أثره وإنما (وقفينا) ليس على أثره.
سؤال من المقدم: في الآية قبلها (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ (26) الحديد) (ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِرُسُلِنَا (27)) ثم تفيد التراخي في اللغة العربية إذن الفترة طويلة؟
لكن لم يزل الأثرالأول بدليل أنه بعد إبراهيم إسماعيل (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا (54) مريم) (وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ (27) العنكبوت) اسحق ويعقوب ويوسف وهو رسول بنص القرآن (وَلَقَدْ جَاءكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَاءكُم بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ اللَّهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولًا (34) غافر) إذن الفترة بين نوح وابراهيم وحتى عيسى قريبة نوعاً ما والأثر موجود بينما بين عيسى وآخر نبي فترة طويلة كما ذكر المؤرخون 800 سنة فانعدمت الآثار لذا قال (وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ).
سؤال: في المائدة قال (على آثارهم) لوجود الأثر؟ التقفية في المائدة ليست في الرسل وإنما في تقفية الربانيين والأحبار ولو قرأنا آية المائدة تحتلف عن هذه الآية. لو قرأنا آية المائدة (إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44)) يحكم بها الربانيون والأحبار ولم يقل وقفينا على آثارهم وهم لم ينقطعوا أصلاً فالأحبار والربانيون موجودون والأحبار جمع حِبْر وهو العالِم والربانيون جمع ربّاني إذن هؤلاء لم ينقطعوا. في سورة المائدة (وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم) متعلقة بالربانيين والأحبار وفي آية الحديد متعلقة بالأنبياء والرسل خاصة فلما كانت في الرسل قال (وقفينا) ولم يقل على آثارهم ولما كان الكلام على الربانيين والأحبار وهو لم ينقطعوا قال على آثارهم.
سؤال من المقدم: (وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاء رِضْوَانِ اللَّهِ) ما معنى رهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم؟ (رهبانية ابتدعوها) هذا يسموه من باب الاشتغال يعني وابتدعوا رهبانية. رهبانية الترهب أي الانقطاع إلى الله تعالى والتبتّل وما إلى ذلك. قال (وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً) وابتدعوا رهبانية (رهبانيةً منصوبة على الاشتغال وهي مفعول به لفعل محذوف يفسره المذكور معناه وابتدعوا رهبانية) إذن جعل في قلوبهم رأفة ورحمة وابتدعوا رهبانية لأن الرهبانية لا تكون في القلب، رهبانية ليست معطوفة مباشرة على (وجعلنا). إذن هي وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة، وابتدعوا رهبانية (وابتدعوا) الواو هنا عطف جملة على جملة (وجعلنا). قد يظن البعض أن رهبانية معطوفة على جعلنا رأفة ورحمة وقسم من المفسرين قالوا هكذا ولكن كيف جعلها وكيف ابتدعوها وهو لم يكتبها عليهم فكيف جعلها إذن؟ هذه الظاهرة تسمى الاشتغال مثل (وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً (106) الإسراء) أصلها وفرقنا قرآناً (وَالسَّمَاء رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (7) الرحمن) أصلها رفع السماء. وهنا (ورهبانية ابتدعوها) أي ابتدعوا رهبانية ما كتبناها عليهم، إذن هو لم يكتبها عليهم فكيف يجعلها؟ (وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً) وابتدعوا رهبانية ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله. ما معنى إلا ابتغاء رضوان الله؟ إذن هم ابتدعوا الرهبانية لأحد أمرين: ليرضوا ربهم هذا أحد الرأيين في التفسير. في الإخبار قال (فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا) يعني هم ابتدعوها ولم يرعوها حق رعايتها كما يجب على الناذر إذا نذر عليه أن يفي بالنذر. ابتدعوا رهبانية ليرضوا الله لكن لم يفعلوها هذا أحد التفسيرين، وفي الإخبار عنهم بقوله (ورهبانية ابتدعوها) ذمٌ من وجهين: الوجه الأول أنهم ابتدعوا الرهبانية والدين لا يؤخذ بالابتداع حتى لو كان لغرض رضوان الله لأن رضوان الله يأتي بما شرع الله، بالاتباع وليس بالابتداع كيف تظنون أن هذا يرضي ربنا فتفعل ما تشاء لا يمكن هذا وإنما هذا ذم. أولاً كونهم ابتدعوا الرهبانية حتى أياً كانت النية الابتداع لا يشفع، السُنّة الحسنة في العبادة في أصل العبادة يعني العبادة أصلها موجودة يزيد في العبادة الموجودة لكن الرهبانية ابتداع ابتدعوا على أنسفهم أمور ومع ذلك لم يوفوا بها. إذن هناك أمرين: الأمر الأول أنهم ابتدعوا الرهبانية والدين لا يؤخذ بالابتداع حتى لو ابتغوا رضوان الله والأمر الآخر أنهم لم يوفوا بها يعني ابتدعوها ولم يفوا بها. إذن الذمّ صار من جانبين الابتداع وعدم الإيفاء بحقها. حتى المفسرين في قوله تعالى (إلا ابتغاء رضوان الله) ذهبوا إلى أمرين في تفسير الآية: أولاً هم ابتدعوها لغرض ابتغاء رضوان الله والآخر لم نكتبها عليهم، لم نكتب إلا ابتغاء رضوان الله وهذا يسمى استثناء منقطع. إذن هذا لم نكتب عليهم إلا ابتغاء رضوان الله والمفسرين يذهبون إلى أمرين أنهم ابتدعوا الرهبانية لغرض رضوان الله لكن لم يرعوها والأمر الآخر أنه لم يكتب عليهم الرهبانية (ما كتبناها عليهم) وإنما كتبنا عليهم ابتغاء رضوان الله فيقدرون فعلاً محذوفاً. (فما رعوها) متعلق برهبانية ابتدعوها وما رعوها حق رعايتها.
إذن (وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاء رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا) هذه جملة لوحدها استثناء منقطع ليست متعلقة بابتداع الرهبانية، هذا أمر والأمر الآخر أنهم ابتدعوها ما كتبناها عليهم، لماذا ابتدعوها؟ ابتغاء رضوان الله ولم يرعوها حق رعايتها. إذن إلا ابتغاء رضوان الله قد تكون متعلقة بابتداع الرهبانية أو بما كتب الله عليهم.
سؤال من المقدم: في هذه الآية قال تعالى (فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ) وقبلها مباشرة قال (فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا) لم عبّر عنهم بالذين آمنوا ولم يقل فآتينا الذين رعوها حق رعايتها أجرهم؟
دل قول ربنا تعالى أن مناط الأمر هو الإيمان وليس غير ذلك من رهبانية مبتدعة. لماذا لم يقل فآتينا الذين رعوها حق رعايتها حتى لا يظن أن الله تعالى يرضى عن الابتداع حتى لو كان لغرض رضوانه. لو قال فآتينا الذين رعوها حق رعايتها معناه يرضى عن قسم من الابتداع وربنا لا يرضى عن الابتداع. لم يقل الذين رعوها حتى الذين رعوها حق رعايتها ربنا لا يرضى بذلك لأنها مبتدعة. لذلك قال (فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ) رجع إلى المسألة الأولى مسألة الإيمان. (رأفة ورحمة) ثم قال (ورهبانية ابتدعوها) إذن هو ذمّهم في هذا، ابتداع الرهبانية ذمّهم ربنا لا يريد إلا ابتغاء رضوانه بالرشع الذي شرعه. هناك فريق اتبع سيدنا عيسى وهناك فريق ابتدع الرهبانية. فريق ابتدع الرهبانية مع أن في قلبه رأفة ورحمة وفريق اتبع عيسى. العابد في قلبه رأفة ورحمة لكن عليه أن يعبد ربه بما شرع الله. الذين ابتدعوا الرهبانية في قلوبهم رأفة ورحمة وهذه لا تكفي المهم أن يتبع شرع الله لا أن يبتدع حتى لو كان في قلبه كل الرأفة والرحمة، مهما كان في قلبه من رأفة ورحمة إذا لم يتبع شرع الله لن يرضى عنه إذن مناط الأمر بالايمان والإتباع. لو قال وآتينا الذين رعوها حق رعايتها يعني ربنا يرضى عنهم وسيؤتيهم أجراً. قال الذين آمنوا أي لم يبتدعوا. حتى لو رعوها حق رعايتها يسقط هذا ومناط الأمور هو الإيمان وقال (فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا) ولم يقل الذين رعوها حق رعايتها حتى لا يفتح باب للإبتداع ولذلك قطع هذا الأمر.
سؤال من المقدم : (فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ) والآية قبلها (فَمِنْهُم مُّهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ)؟
لو قال هنا فمنهم مهتد معناه يُظن أن الذين ابتدعوا الرهبانية يوصف بالهداية وربنا لا يصفهم بالهداية ولذلك لم يذكر وإنما قال (وكثير منهم فاسقون) ولم يقل فمنهم مهتد كما قال في الآية السابقة، الآية الأولى (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُم مُّهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ) هذه مسألة اتباع الرسل أما هنا فرهبانية مبتدعة لو قال فمنهم مهتد سيظن أن هنالك في الابتداع هداية إذن قال فمنهم مهتد أي من الذين ابتدعوا ورعوها حق رعايتها كان يصفهم بالهداية والله تعالى لا يريد الابتداع. حتى لو رعوها حق رعايتها لم يقل فمنهم مهتد لئلا يفتح باباً للابتداع ولئلا يُظن أن نوعاً من الابتداع فيه هداية. فقطعه مرتين بقوله (فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ) ولم يقل الذين رعوها ولم يقل فمنهم مهتد وإنما قال (وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ). نلخّص القول أن الذين اتبعوا عيسى في قلوبهم رأفة ورحمة لكن هناك صنفان صنف آمن وصنف ابتدع ذمّه الله تعالى من جهتين أنه ابتدع ولم تشفع له نيّته ثم لم يراعي ما ابتدع لأنه نذر ولم يفي بنذره ثم تكلم عن الذين آمنوا وليس عن الذين ابتدعوها لم يقل وآتينا الذين رعوها حق رعايتها أجرهم وإنما قال الذين آمنوا يعني أسقط الابتداع مهما كانت النيّة. (وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ) أي كثير منهم أي من عموم المؤمنين، قليل متبعون (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (103) يوسف). مسألة الأكثرية في القرآن تحتاج إلى نظر (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ (106) يوسف) (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (103) يوسف).
سؤال من المقدم: وآتيناه الإنجيل وفي المائدة قال (وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ (46)) ولم يقل في آية الحديد فيه هدى ونور؟
في المائدة ذكر قبلها التوراة وقال فيها هدى ونور فلما قال (إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ (44)) وذكر الإنجيل في الآية نفسها (وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ (46)) هو ذكر التوراة وقال فيها هدى ونور وذكر الإنجيل فيه هدى ونور فلا يسكت عنه وإنما فيه هدى ونور. الهدى والنور عام في الكتب في التوراة والإنجيل والقرآن. في الحديد لم يذكر هدى ونور (وآتيناه الانجيل)؟ لا يذكر دائماً أن فيه هدى ونور هذا يحدده السياق، عندما ذكر الكتب السماوية التوراة والانجيل والقرآن في سياق واحد ذكرها، ذكر التوراة (إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44) وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45) المائدة) ثم ذكر آتيناه الانجيل فيه هدى ونور لما ذكر التوراة فيها هدى ونور ناسب أن يذكر الانجيل فيه هدى ونور هناك تكلم عن التوراة وذكر أمور تتعلق بالأحكام (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ) هنا لم يذكر شيئاً يتعلق بالأحكام (وآتيناه الانجيل).
سؤال من المقدم: أليس هذا تناقض في النص القرآني أنه مرة يقول هدى ونور ومرة لا يقول؟ التناقض في أن يقول مرة فيه هدى ونور ومرة يقول ليس فيه هدى ونور أما أن تذكر بعض الصفات وأحياناً لا تذكر لأن السياق لا يقتضي كما تقول في كلامنا العادي تذكر شخصاً وتقول جاء فلان وفلان وفلان وأحياناً عندما تذكر صفات عن فلان تقول فلان جيد وكذا وكذا، أحياناً تذكر الإسم فقط ولا تذكر شيئاً من الصفات وليس دائماً تذكر الصفات، (ذلك الكتاب لا ريب فيه) وأحياناً إذا أردت أن تذكر (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (24) الذاريات) مرة قال مكرمين ومرة لم يقل (وَنَبِّئْهُمْ عَن ضَيْفِ إِبْراَهِيمَ (51) الحجر). لما قال مكرمين ذكر ما يتعلق بالمكرمين ولما لم يقل مكرمين لم يتعلق. مرة قال بعجل حنيذ (فَمَا لَبِثَ أَن جَاء بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (69) هود) ومرة سمين (فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاء بِعِجْلٍ سَمِينٍ (26) الذاريات)، الحنيذ هو السمين فالحنيذ هو المشوي الذي يقطر وَدَكه أي دهنه فكلمة حنيذ تعني سمين ومشوي وما زال حاراً يقطر وَدَكه، لا تناقض بين سمين وحنيذ، السمين صفة من الصفات ولا تعارض ولا تناقض بينهم. وهذا دارج في لغة العربية حتى في كلامنا العادي أحياناً تقول سافرت إلى بلد وذهبت عند فلان وبقيت عندهم ليلة وقضيت حاجة ومرة تذكر مكارمهم فتقول ذهبت إلى فلان وذبحوا لي وسهروا معي بالتفصيل، أنت تريد أن تركز على أي شيء؟ لهذا لم يقل ربنا وآتيناه الانجيل فيه هدى ونور لأنه لا يحتاج ذكر التوراة ثم بعدها ذكر وأنزلنا إليك الكتاب، ذكر التوراة والانجيل والقرآن.
سؤال من المقدم: من المخاطب في هذه الآية: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (28))؟
هذا خطاب عام للمؤمنين كافة من أهل الكتاب وللمؤمنين بمحمد r. المؤمنون من أهل الكتاب من اليهود والنصارى، المؤمنون بموسى وعيسى من أهل الكتاب يطلب منهم ربنا أن يتقوا الله ويؤمنوا بالنبي الخاتم r والمؤمنون من المسلمين عليهم أن يثبتوا على ذلك (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا (136) النساء) أي اثبتوا. فالمؤمنون المسلمون يطلب منهم الثبات على ما هم عليه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ). هذا الطلب هو أحد أمرين: بالنسبة لأهل الكتاب الإيمان بالنبي الخاتم وأنه لا يشفع لهم إلا أن يؤمنوا بالنبي الخاتم وبالنسبة للمسلمين أن يثبتوا على ذلك (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ) آمِنوا الثانية تدل على الثبوت وليس على طلب الإيمان لأنهم مؤمنين. فالخطاب إذن لأهل الكتاب وللمسلمين أهل الكتاب يطلب منهم الإيمان بالنبي الخاتم والمسلمين يطلب منهم الثبات على ما هم عليه من الإيمان.
سؤال من المقدم: ما معنى كفلين؟ أي نصيبين من الأجر. في الأحزاب قال (وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا (31)) وفي القصص (أُوْلَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا (54)) وهنا قال كفلين لماذا الاختلاف وما الفرق بين الكفل والأجر؟ الكفل هو النصيب وأحياناً بمعنى المِثل. قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ (28) الحديد) أي نصيبين من الرحمة أي يضاعف لهم الأجر إذن لماذا لم يقل أجرهم كما في آية القصص؟ الأجر في اللغة هو الجزاء على العمل ، أصل الأجر الجزاء على العمل تقول أعطه أجراً، استأجره أي يعمل عملاً مقابل مال. الكِفل ليس له علاقة بالعمل وإنما نصيب. الكفل هو المِثل وقد يكون في الخير أو في الشر. لكن السؤال لماذا قال هنا كفلين من رحمته وقال في القصص والأحزاب أجرهم وأجرها؟ قلنا أن الأجر هو الجزاء على العمل وهنا لم يذكر عملاً وإنما التقوى والإيمان بالرسول r هذا ليس عملاً وإنما قلبي الآن ما ذكر العمل بينما في القصص قال (أُوْلَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (54) وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ (55)) إذن ذكر الأجر بمقابل العمل قال (وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ) (لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ) وفي سورة الأحزاب (وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ) إذن الأجر مقترن بالعمل أما الكفل فهو النصيب.
سؤال من المقدم: في الآية (وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ) أين النور في الدنيا أو الآخرة؟
هو عام في الدنيا والآخرة قال (هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ (9) الحديد) (أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (122) الأنعام) وذكر أنه في الآخرة (لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ (19) الحديد) وفي سورة الحديد ذكر ربنا تعالى أن يوم القيامة يعطى لهم نور والمنافقون يضرب بينهم بسور له باب. إذن (وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ) هذا عام في الدنيا والآخرة.
سؤال من المقدم: في الأتعام قال (وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ) وفي الحديد قال (وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ) ولم يقل في الناس؟
آية الحديد عامة بينما الكلام في الأنعام اكتنفه الكلام عن الناس أصلاً، الكلام في الأنعام عن الدنيا وذكر معاملاتهم وافتراءاتهم وضلالاتهم بخلاف سورة الحديد. (وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ (116) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَن يَضِلُّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (117) فَكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ (118) وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيرًا لَّيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِم بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ (119) وَذَرُواْ ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُواْ يَقْتَرِفُونَ (120) وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (121) أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (122)) الكلام عل الناس في سورة الأنعام قبلها وبعدها أما في الحديد فلم يذكر معاملات الناس وأحوالهم وإنما ذكر بشكل عام ربنا قال (وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ) لم يقل في الناس لأنه في الآخرة ليس المشي في الناس وإنما يمشي به وحده والنور له وحده لا يشاركه به أحد (يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ (13) الحديد) في الآخرة ليس المشي في الناس وإنما النور له وحده وليس في الناس وليس يمشون به في الناس بينما في الأنعام هذه في الناس ومعاملاتهم وأحوالهم في الدنيا لذا قال (وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ) أما تلك فهي عامة في الآخرة لكن لا يمشي به في الناس. (وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ) في الدنيا والآخرة ولو قال في الناس لكان في الدنيا فقط كما قال في الأنعام قال (في الناس) والكلام على الدنيا.
ختمت السورة (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّن فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29)) فكرة عامة: لما نزلت الآية (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ (52) وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ (53) أُوْلَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (54) القصص) قال أهل الكتاب هذا لنا خاصة ربنا يؤتينا أجرنا مرتين لأنه ناداهم الذين آتيناهم الكتاب. (أُوْلَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ) قال أهل الكتاب هذه لنا. (أُوْلَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا) الذين أسلموا من أهل الكتاب كانوا يفخرون على المسلمين أن الله تعالى قال أن الذي يسلم منهم له أجرهم مرتين وأنتم تأخذون أجركم مرة واحدة فحزن المسلمون فأنزل ربنا تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ) وفي الاية السابقة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) فإذن هذا عام (لئلا يعلم) حتى يعلم أن أهل الكتاب أن فضل الله ورحمته ليس محصوراً بهم.
دلالة (لئلا) هي ليعلم وهذه اللام قسم من النحاة يقولون هي زائدة أصلها لأن لا واللام زائدة، (لئلا) اي ليعلم أهل الكتاب وهذه تزاد إذا كان اللبس مأمون والمعنى متضح وقسم من النحاة يسمونها صلة ويسمون كل الحروف الزائدة صلة هذه الحروف لو أسقطتها يبقى المعنى مستقيماً لكن يبقى التوكيد. ما معنى الزائدة؟ أي لو أسقطتها بقي المعنى مستقيماً (وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ (46) فصلت) لو أسقطتها المعنى يبقى مستقيماً لكنها أفادت التوكيد، هذا معنى الزائدة، (إِنَّ هَـذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَـهٍ إِلاَّ اللّهُ (62) آل عمران) أي ما إله إلا الله إذن لا حروف زائدة في القرآن وإنما هي تفيد التوكيد. هو مصطلح وقسم سموها صِلة ويتجنبون كلمة الزيادة وقسم قالوا نسميها زائدة لكن نقول هي مزيدة للتوكيد وتزاد بشرط أن يكون اللبس مأموناً والمعنى متضحاً. وهذه ليست الوحيدة في القرآن قال تعالى (قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (92) أَلَّا تَتَّبِعَنِ (93) طه) ويقول تعالى لإبليس (قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ (75) ص) وفي آية أخرى (قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ (12) الأعراف). (ألا) بمعنى أن واللام مزيدة للتوكيد لو أسقطتها يبقى المعنى وهذه لا تزاد إلا إذا كان اللبس مأموناً والمعنى متضحاً ليس فيه شك. إبليس لم يسجد ونعلم أن المعنى متضح. (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّن فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29)) حتى يعلم وفيها توكيد المسألة، لا يقدرون على فضل الله وإنما لا يقدرون على شيء من فضل الله ربنا قدر أنه يؤتيكم كفلين من رحمته لكل من آمن برسوله واتقى حتى لا يفخر أهل الكتاب أنه يقدرون على شيء من فضل الله وأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء..
سؤال من المقدم: ختمت الآية في سورة الحديد بالتعريف (وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) وفي آل عمران (وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174) آل عمران) فما الفرق؟
في آل عمران في أُحد وفي نجاتهم مما كان يراد بهم (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174)) هذا أكبر أو النور والرحمة والمغفرة؟ انقلبوا لم يمسسهم سوء، المغفرة والرحمة والنور أكبر لذا قال ذو الفضل العظيم.أما لو مسهم سوء لهم أجر. أما كفلين من رحمته ويغفر لكم ويجعل لكم نوراً هذه أكبر إذن والله ذو الفضل العظيم. التعريف يفيد العموم والشمول والتنكير يفيد التقليل.
أسئلة المشاهدين خلال حلقة 18/6/2007م:
المُدغم، هل كل مشدد في القرآن أو في اللغة نطلق عليه لفظ مُدغم أم هذا مصطلح تجويدي خاص بالقرآن؟ فهل كل مشدد يمكن أن يطلق عليه مدغم؟ هذا مصطلح لغوي وليس خاصاً.
ما الفرق بين التحطيم والتهشيم (فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ (45) الكهف) (قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (18) النمل)؟
لماذا خص السيئة بالكفل والحسنة بالنصيب في الآية (مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُن لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا وَمَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُن لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا وَكَانَ اللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقِيتًا (85) النساء) ؟
في سورة الطور (يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا لَّا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ (23)) التنازع يكون في شيء شاق وقد نهينا عن التنازع (وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ (46) الأنفال) فهل التنازع في الدنيا مذموم وفي الآخرة محمود؟ التنازع هنا ليس معناها الخصومة كما في الدنيا وإنما تعني التبادل أحدهم يعطي الآخر حتى في الدنيا نقول نتنازع الكؤوس أي نتبادلها.
ما معنى نقدر في الآية (وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ (87) الأنبياء) ؟ نقدر معناها نضيّق وليس بمعنى الاستطاعة مثل (وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16) الفجر) أي فضيّق عليه رزقه. فيونس u ظن أنه في متسع لن نضيق الله عليه هؤلاء لم يستجيبوا فيذهب إلى مكان آخر والله تعالى لن نضيق عليه. قدَر معناها ضيّق (فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ) أي فضيّق (اللّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاء وَيَقَدِرُ (26) الرعد) يقدر أي يضيّق.
من الذي خشي في الآية (فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا (80) الكهف) ؟ هذا قول العبد الصالح وليس قول الله تعالى.
بُثّت الحلقة بتاريخ 18/6/2007م
2009-01-21 03:43:23الدكتور فاضل السامرائي>برنامج لمسات بيانيةpost