لمسات بيانية, لمسات بيانية - حلقات

لمسات بيانية – الحلقة 39

اسلاميات

الحلقة 39

سؤال: ما الفرق بين أتى وجاء في سورة مريم (فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا (27))؟

القرآن الكريم يستعمل أتى لما هو أيسر من جاء، يعني المجيء فيه صعوبة بالنسبة لأتى ولذلك يكاد يكون هذا طابع عام في القرآن الكريم ولذلك لم يأت فعل جاء بالمضارع ولا فعل الأمر ولا إسم الفاعل. نأتي للسؤال (فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا (27) مريم) الحمل سهل لكن ما جاءت به أمر عظيم من الولادة وأصل المسألة امرأة ليست متزوجة تحمل هذا أمر عظيم وهي كانت خائفة من هذا وكيف تواجه قومها لما قيل لها (فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا (26) مريم) أن هذا المجيء صعب عليها هي علمت أنها ستواجه قومها وقومها سيواجهوها ولذلك قال (فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ) لكن كيف واجهوها؟ كان الجواب (قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا). ليس هذا فقط قال تعالى (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90)) المجيء صعب. قال (فَإِذَا جَاءتِ الصَّاخَّةُ (33) عبس) شديدة، (فَإِذَا جَاءتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى (34) النازعات) شديدة، (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ (1) الغاشية) لم يقل أتتك الغاشية وإنما حديث الغاشية لكن هناك الصاخة جاءت والطامة جاءت. (إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) النصر) هذا أمر عظيم هذا نصر لا يأتي بسهولة وإنما حروب ومعارك، (هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا (1) الإنسان) هذا نائم يمر عليه وهو لا يعلم، لم يكن شيئاً مذكوراً أي قبل وجوده لم يكن شيئاً مذكوراً قسم قال لم يكن شيئاً لا مذكوراً ولا غير مذكور وقسم قال كان شيئاً ولم يكن مذكوراً كان لا يزال طيناً لم تنفخ فيه الروح، ففي الحالتين لا يشعر بمرور الدهر فاستعمل أتى. في قوله تعالى (أَتَى أَمْرُ اللّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ (1) النحل) وقوله (فَإِذَا جَاء أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ (78) غافر) هناك لم يأت بعد (أَتَى أَمْرُ اللّهِ) فلا تستعجلوه هو قَرُب، أتى يدل على الماضي أنه اقترب لم يصل بعد فلا تستعجلوه، (فَإِذَا جَاء أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ) هنا الأمر واقع لأن فيه قضاء وخسران أي المجيئين أثقل؟ (فَإِذَا جَاء أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ) أثقل، يصور مشهداً واقعاً أما في الآية الأولى لم يأت بعد ولم يقع بعد فمع الذي لم يأت بعد استعمل أتى ولما حصل ما وقع وما فيه من قضاء وخسران استعمل جاء. إذن الإتيان والمجيء بمعنى لكن الإتيان فيه سهولة ويسر أما المجيء ففيه صعوبة وشدة ويقولون السيل المار على وجهه يقال له أتيّ مرّ هكذا يأتي بدون حواجز لأنه سهل. (حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ (17) النمل) ليس هنا حرب، (وَجَاؤُواْ أَبَاهُمْ عِشَاء يَبْكُونَ (16) يوسف) هذه فيها قتل. إذن هنالك فروق دلالية بين جميع كلمات العربية سوءا علمناها أو لم نعلمها. رأي الكثيرين من اللغويين قالوا ليس هناك ترادف في القرآن إلا إذا كانت أكثر من لغة (مثل مدية وسكين) ولا بد أن يكون هناك فارق.

سؤال: في الخصوصيات في القرآن الكريم الظنّ في القرآن بمعنى اليقين هل هي خاصة بالقرآن (إني طننت) أي أيقنت؟ وما اللمسة البيانية في استعمال لفظ الظن بدل اليقين؟

هذا ليس من خصوصيات القرآن وإنما الظن هو شك ويقين ويترقى إلى اليقين ويقوى حتى يصل إلى اليقين لكنه ليس بيقين عيان وإنما هو يقين تدبر. يقين العيان لا تقول ظننت الحائط مبنياً وهو أمامك لا يجوز أن يقال هذا ، يقال في الأشياء الغائبة عن الحواس وليست في الأشياء المشاهدة فلا يمكن لأن تقول ظننت الكتاب على المنضدة وأنت تشاهده، لا يستقيم. لذا قالوا ليس بيقين عيان وإنما يقين تدبر ولذلك قالوا في المشاهدة لا يصح أن يقال ظننت. هذا الظن واليقين في اللغة، الظن قد يأتي شك وقد يأتي يقين لكن ليس يقين عيان وإنما يقين تدبر وهذا ليس خاصاً القرآن فقط وإنما في اللغة. لكن أنا في تقديري الشخصي والله أعلم أن إبقاءها على معناها ما أمكن أولى، يعني المعنى الأساسي للظن إذا استطعنا أن نبقيها على معنى الشك وليس اليقين إذا استطعنا أن نبقي النص إلى هذا المعنى أولى من اليقين ويستشهدون بقوله تعالى (قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو اللّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (249) البقرة) يمكن أن يكون معناه أنهم وطنوا أنفسهم على الموت بحيث يظنون أنهم سيموتون، يظنون أنهم ملاقوا الله هؤلاء يظنون أنهم سيموتون هذا ليس موطن يقين لأنه إحتمال أنه لا يموت، لكن هو في ظنه أنه لما رأى الكثرة من الجيش المقابل قالوا نحن ميتون ملاقوا الله فيبدو لي أنه إذا أمكن إبقاءها على المعنى المشهور أولى من صرفها إلى معنى آخر. حتى في قوله تعالى (إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيهْ (20) الحاقة) لا يرتقي لدرجة اليقين، هو سيحاسب ويلاقي ربه وقد يؤتى كتابه بيمينه هذا اعتقاده لكنه ليس مقطوعاً به مائة بالمائة فالإننسان يظن أن الله تعالى  سيثبته على ما هو عليه فالعلم عند الله لأن الإنسان لا يقطع لنفسه أنه في الجنة وفي الأثر من قال أنا في الجنة فهو في النار فكيف يقطع لنفسه ويتألّى على الله؟ والحديث يقول ” حتى لا يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب” لكنه هو قد يظن لما يرى أنه في الجنة ، يمكن إبقاءها على المعنى المشهور لها إذا أمكن فإذا ما أمكن فهو يجوز. هي ليست خصوصية من الاستعمال القرآني وهي موجودة في الشعر واللغة.

سؤال: ما اللمسة البيانية في ذكر وحذف (في) في الآيتين (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأَرْضِ (165) الأنعام) و (هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ (39) فاطر)؟

لما نقول هو ملك مصر أو ملك في مصر أيها أوسع؟ ملك مصر أوسع. خلائف الأرض قالوا هذه في الأمة المسلمة التي سترث الأرض ولن يأتي أمة من بعدها تحمل رسالة (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (105) الأنبياء) ترث الأرض فقالوا هذه الأمة المسلمة. خلائف في الأرض للأفراد كل واحد هو خليفة في الأرض يفعل ما يشاء لأنه في الآية (أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ (37) فاطر) وقسم قالوا لأهل مكة ولم يجعلوه عاماً. إذن خلائف الأرض عامة للأمة المسلمة على العموم (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ) أما تلك ففيها احتمالات قالوا انتفاع بما في الأرض،خلفاء من قبلكم.

خلائف من خليفة ذرية يخلف بعضهم بعضاً.

سؤال: ما الفرق بين عام وسنين؟ وهل كلمة سنين في (وَطُورِ سِينِينَ (2) التين) مشتقة من سنة؟

سنين ليست كلمة عربية وهي طور سيناء في مصر. وردت في القرآن باسمين سيناء (وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَاء تَنبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِّلْآكِلِينَ (20) المؤمنون) ووردت طور سنين وهي فيها إسمان يذكر أهل اللغة المحدثون أن هذه فيها لغتين سيناء وسنين كما أن الأسماء أيضاً الرسول r يسمونه محمد وأحمد. هذا من الاعجاز لأن القرآن استعملها كما استعملها القدامى سنين وسيناء إنما هي ليست عربية. كلمة طور تعني الجبل وهي في الأصل ليست عربية أيضاً وكلمة طور لم ترد إلا في بني إسرائيل في القرآن الكريم واختلفوا في قوله تعالى (وَالطُّورِ (1) وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ (2) الطور) وقالوا هو طور سيناء فهي كلها لبني إسرائيل. الطور وسنين ليست عربية وتسمى إسم علم مثل أسماء كثيرة وأعلام كثيرة مثل ابراهيم وإسماعيل.

هل سنين جمع سنة؟ كلا. القرآن استخدم سنة وعام (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا (14) العنكبوت) أشهر ما قيل أن السنة تستعمل للقحط والعام للرخاء وهذا أشهر ما قيل في التفريق بين السنة والعام. لذلك في الاية (فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا) يقولون الخمسين عاماً هي التي ارتاح فيها، والباقي كان في تعب مع قومه.

(قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا (47) يوسف) (ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ (49) يوسف) الأصل أن السنة للأزمة والقحط والعرب اشتقت منها فقال أسنت الناس أي أصابهم القحط والسنة بمعنى الأزمة. نأتي للجمع الجمع ليس بالضرورة لأن كلمة عام لم تجمع في القرآن ليس في القرآن أعوام، موجود منها المفرد والمثنى (وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ (14) لقمان)، السنة موجود المفرد والجمع جمع المذكر السالم وليس المؤنث السالم، موجود سنين يعني سنوات غير موجودة، عامين موجودة وسنتان غير موجودة، سنين موجودة وأعوام غير موجودة. في الجمع ما لم يكن موجوداً يكون بمعنى العام لذلك في القرآن الكريم يستعمل السنين في الخير والشدة (وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَونَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّن الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (130) الأعراف) (قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا) تصير عامة لأنه ليس هناك جمع أعوام، عندنا فرق بين عام وسنة لكن في الجمع تصير عامة. لم يرد في القرآن أعوام ونحن نبحث في الكلمات التي اتسعملها القرآن فالقرآن ليس قاموساً يجمع الكلمات. هذا الفرق مشهور في اللغة لكن ليست قاعدة هكذا موجود في اللغة لكن في الجمع تختلف. في الغالب السنة للشدة والقحظ وللعام للرخاء وإذا جمعها سنة تصير عامة. الفترة الزمنية واحدة في السنة والعام فالسنة والعام 12 شهر وبعضهم يفرقون بينها في البدء والانتهار منهم يقول من الصيف للصيف وقسم يقول من بداية السنة وهذا تفريقات يقول اللغويون أنها تفريقات غير دقيقة. في قوله تعالى (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا (25) الكهف) هنا مطلق الزمن.

سؤال: تسليط الضوء على لفظ الأولى في الآية (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى (33) الأحزاب) وهل هناك ما يسمى بجاهلية أخرى غير هذه الأولى؟ وكيف كانت تتبرج النساء في الجاهلية الأولى؟

المفسرون ذكروا أيضاً عدة جاهليات هي ليست واحدة والمقصود بالجاهلية الأولى هناك أكثر من رأي قسم قالوا في زمن ما بين نوح وادريس وقالوا كان لهم عيد كان الرجال يتبرجون للنساء والنساء تتبرج للرجال وهذا كان يوم عيد فظهرت فيهم الفاحشة وقسم قالوا في زمن سليمان وداوود كان النساء كانت تلبس قميصاً لا جوانب فيه غير مخيط الجانبين فيظهر ما يظهر وهذه قديمة من زمن داوود سليمان وقسم قال الجاهلية الأولى هي جاهلية الكفر قبل الإسلام والجاهلية الأخرى هي جاهلية الفسوق في الإسلام يعني ما يحدث الآن هو جاهلية جديدة – هذا رأي الزمخشري – مستحدثة وما نشاهده الآن ليس إسلاماً لكن هذه جاهلية مستحدثة حصلت في العصر الحديث وفي عصر الإسلام وفي مختلف العصور لو حصلت فهي جاهلية. الفسوق والفجور في الإسلام هي جاهلية مستحدثة والجاهلية الأولى قبل الإسلام. الخطاب في الآية لنساء النبي، والتبرج للنساء. إذن الجاهلية الأولى قبل الإسلام وكل ما يحدث في الإسلام من أمور مخالفة هي جاهلية جديدة.

سؤال: (فَيَوْمَئِذٍ لَّا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ (25) الفجر)، هل هذا دلالة على أن عذاب الله تعالى في بنائه للفعل المعلوم (فلا يعذب) للدلالة على أن عذاب الله شديد فلا يفوق عذابه أي من الأشخاص؟ ويقول في موضع آخر (فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (24) الإنشقاق) فكيف يكون التبشير بالعذاب وهو الذي يفترض أن يكون في الأمور المفرحة

التبشير يكون في الخير لكن هنا من باب التهكم عليهم والاستهزاء كما في قوله (خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاء الْجَحِيمِ (47) ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ (48) ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (49) الدخان) هذه سخرية وتهكم.

سؤال: (إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُواْ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ (29) المطففين) ثم قال (فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ (34)) وصفهم بالجملة الإسمية ولم يقل الذين أجرموا. حوّل المؤمنين إلى صورة إسمية فما دلالة هذا الاختلاف؟

أولاً سماهم مجرمين (أجرموا) لأنهم اعتدوا على الآخرين. والإجرام هو الإعتداء على الآخرين أن يفعل شيئاً مخالفاً للقانون فهم اعتدوا على الآخرين أي أجرموا بحقهم بالسخرية منهم ثم سماهم كفار لأنه ليس كل من يسخر من شخص هو كافر فالإجرام سلوك والكفر حكم. فهؤلاء الذين أجرموا هم كفار وليسوا من المسلمين فذكر أول مرة سلوكهم وأعطاهم حق الإجرام لسلوكهم ثم ذكر أن هؤلاء من الكفار ليس من المسلمين من يسخر بعضهم من بعض بدليل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ (11) الحجرات) هؤلاء من الكفار إذن هو بيّن الحكم وفي البداية بيّن الفعل وإجرامهم واعتداؤهم على الآخرين. ثم ذكر أن هؤلاء من الكفار لذا قال (فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ) إذن بيّن سلوكاً ثم بين حكماً، حكم لهؤلاء بهذا السلوك وغيرخ لأن هذا السلوك وحده ليس كفراً. إذا ضحك شخص من شخص فهذا ليس كفراً لكن هؤلاء بالذات كفار كانوا يضحكون من الذين آمنوا وليس من شخص واحد. يجوز أن يكون المسلم مجرماً لأن الإجرام ارتكاب أخطاء في حقوق الآخرين. إذن هذا الأمر الأول سماه إجرام لأنهم أجرموا بحقهم ثم قال أن هؤلاء من الكفار ومصيرهم إلى جهنم فقال (فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ الْكُفَّارِ) الذين آمنوا ليس فقط هؤلاء الذين اعتدوا عليهم وإنما هؤلاء أصبحوا مضحكة لجميع المؤمنين وليس فقط من الذين سخروا منهم. المجرمون يضحكون على الفئة المؤمنة واليوم الذين آمنوا يضحكون من الكفار ويسخرون منهم وقدّم (مِنَ الْكُفَّارِ) لأنه في ذلك الحين لا يُضحك إلا منهم اختصاص. فاليوم الذي آمنوا من الكفار ليس فقط من الذين أجرموا وإنما الذين آمنوا عموماً يضحكون من الكفار عموماً وقد دخل هؤلاء فيهم لأنهم من الكفار (فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُواْ) ممن كان يصحك منهم وغيرهم ولو حصل في الدنيا فاليوم الذين آمنوا ليس فقط يضحكون من أولئك الذين كانوا يضحكون منهم وإنما من الكفار عموماً ودخل هؤلاء فيهم فإذن صار هذا حكم عام. لم يقل الذين آمنوا من الذين أجرموا يبقى قسم من الكفار يضحك على آخرين لكنه جمع وشمل الكل هؤلاء وغيرهم ممن يفعل فعلهم فصار أعم ليس فقط هؤلاء لكن كل الآخرين فصار أعمّ ودخل هؤلاء فيهم.

سؤال: في قوله تعالى على لسان فرعون (فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (24) النازعات) هل كان فرعون يتكلم العربية؟ هل كان الأنبياء يتكلمون باللغة القرآنية الفصحى؟ وهل الصحابة كانوا يتكلمون اللغة العربية الفصحى؟

أدق ترجمة لما كان يقوله القدامى بأسلوب فني رفيع. (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ (4) إبراهيم) لكن رب العالمين يترجمه بحسب السياق وحسب ما يرد لكن ترجمة دقيقة كما يحصل عندنا الآن مثل رباعيات الخيام على سبيل المثال ترجمت عدة ترجمات ترجمت شعراً ونثراً لا نقول هذه ترجمة صحيحة وغير صحيحة لكن نقول هذه ترجمة أفضل من ترجمة من حيث الصياغة والتراكيب والتعبير. فإذن القرآن يترجم بأسلوب فني بحسب ما يقتضيه المقام والسياق فيختار الكلمات بحسب ا يقتضيه السياق فهي أدق ترجمة ثم يمثل ما ورد في الحادثة كما هي لكن مصوغة بأسلوب فني رفيع عالي مناسب للمقام. الكلام من عند الله تعالى ترجمة دقيقة للموقف لكن اختيار الكلمات مصوغة صياغة فنية معجزة.

سؤال: لِمّ عبّر الله تعالى عن الإخوة في رؤيا يوسف u بالكواكب دون النجوم (إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ (4) يوسف)؟ ولِمَ قدّم الكواكب على الشمس والقمر مع أن المعهود أن يؤخرهما (وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالْنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ (12) النحل)؟

الكواكب توابع للنجوم هي ليست كالنجوم. إخوة يوسف توابع لأبيهم إذن هو أنسب تسمية هي الكواكب لأنهم ليسوا مستقلين. قال (إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ) الشمس والقمر أوبه وأمه. أيّ الأولى بتعظيم الإبن الأب يسجد للإبن أو الإخوة يسجدون؟ الإخوة فأخر الشمس والقمر لأن هؤلاء أولى بالسجود والتعظيم وليس الوالدين لذا لا يناسب تقديم الشمس والقمر أن يسجدوا لابنهم، في المعتاد أن الإبن يعظّم الأب والذي حصل أنه قدم المستحق بالتعظيم وهي الكواكب وألحق بهم الأب والأم (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدًا (100)) لم يقل والديه لأن القرآن يتسعمل الوالدين والأبوين. ربنا سبحانه وتعالى لم يستعمل البر والإحسان والدعاء إلا للوالدين (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا (23) الإسراء) (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ (28) نوح) استعمل البر والاحسان للفظ الوالدين وليس للفظ الأبوين. الوالدان للوالد والوالدة والأبوان للأب والأم. الوالدان هي تثنية الوالد والولادة الحقيقية للأم وليس للأب الأب ليس والداً لأنها هي التي تلد والأبوان تثينة الأب، من الأحق بحسن الصحبة الأب أو الأم؟ الأم، فقدّم الوالدين إشارة إلى الولادة ولذلك بالميراث يقول (وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ (11) النساء) لأن الأب له النصيب الأعلى في الميراث. لذلك لما قال (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ) لسببين أولاً إكراماً للأم ما قال والديه إكراماً للأم يجعلها تابعة لأن الوالدين يصير الوالدة هي التي تسجد بينما هي أكرم من الأب والأمر الآخر أن الأب أحق بالعرش فقُدِّم.

سؤال: ما توجيه الآيتين في سورة يوسف (فَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ (70) يوسف) (قَالُواْ نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَن جَاء بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ (72) يوسف) وما الفرق بين السقاية والصواع؟

لما قال صواع الملك أراد أن يبين السقاية لأم الممتارون الذي يكال لهم يعلمون أن هذا مكيال لكنهم لا يعلمون أنه صواع الملك. السقاية والصواع بمعنى وهو جعل السقاية مكيال فأراد أن يبين أن هذه السقاية ليس مجرد سقاية وإنما هذا صواع الملك لبيان أهميته. الصواع هو ما يكال به عموماً. السقاية في الأصل هو ما يُسقى به الملك يشرب به خمراً وكان يستعمل صواعاً للكيل. فهو ليس مجرد سقاية عادية ولو كان عادياًً نأتي بغيره لكن هذا صواع الملك وكما يقولون كان يسقى بها الملك والصواع والصاع يستعمل الآن للكيل الصواع والصاع فهي لها حالتان حالة سقاية وحالة مكيال، حالة سقاية لأنه يسقى بها وحالة صواع وهو ما يكال به.

أسئلة المشاهدين خلال حلقة 5/7/2007م:

  1. عندما تذكر العداوة بالنسبة للكفار فتنسب عداوة لله والمؤمنين (عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ (60) الأنفال) بينما لما يذكر عداوة الشيطان تكون فقط للمؤمنين (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (60) يس)؟

  2. ما دلالة اختلاف نهاية الآيتين (إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا (116) النساء) (إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (48) النساءً)؟

  3. في سورة يوسف (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ (24) يوسف) يقال أن الذي رآه يوسف u يمكن أن يكون جبريل أو يعقوب أو العزيز فهل يمكن أن تكون هذه رؤية معنوية رؤيا الخوف والخشية من الله من عمل المعصية لأنه ذُكر أن يوسف u هو من المحسنين والمخلَصين والمتقين.؟

  4. (وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ (80) القصص) ويلكم ثواب الله خير لماذا لم يقل أوتوا التقوى؟ هل لأن أهل العلم الشرعي بالذات لديهم بصيرة ونور أكثر من أهل التقوى والصدق؟ أم هم الأقدر تمييزاً في هذا الإختيار المصيري بين الدنيا والآخرة؟ فهل يحق لي كطالبة علم أن أتفكر في بعض الآيات وأسأل أهل العلم؟ يجوز أن تفكر وتسأل.

  5. ما هو تفسير الآية (الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُواْ حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (97) التوبة)؟

  6. ما دلالة استعمال كلمة أنزل مع أن الحديد يستخرج من الأرض في الآية (وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ (25) الحديد)؟

  7. الأسماء الأعجمية في القرآن الكريم هناك من قال لا يجوز أن عنها نقول أسماء أعجمية بل نقول هي أسماء عربية قديمة فهل يمكن شرح هذه النقطة؟

بُثّت الحلقة بتاريخ 5/7/2007م2009-01-21 03:53:59الدكتور فاضل السامرائي>برنامج لمسات بيانيةpost