الحلقة 64 (عودة الحلقات المباشرة)
سؤال 258: ما سبب نزول آية سورة الطلاق (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ (1))؟
في هذا السؤال يقتضي أن نقف عند جزئية وهي مسألة أسباب النزول. الآية صريحة واضحة المعنى في قول الله سبحانه و تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا). في مسألة أسباب النزول النص عام ونحن عندنا قاعدة أصولية أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، مع ذلك وردت عدة آراء في سبب النزول، ولما ننظر في هذه الأسباب نجد أن بعض علمائنا القدماء جمع هذه الأسباب قال: “قيل كذا وقيل كذا ثم عقّب على ذلك بقوله: ولم يصح من ذلك شيء” وإنما هو نزل حكم شرعي إبتداء. هذا حكم شرعي ضمن أحكام الشريعة العامة لتنظيم شؤون الأسرة وقد يحدث خلاف بين الرجل والمرأة، هذا الخلاف لا يُحل بشكل إنفعالي وسريع، فالسُنّة وإلتزام أسلوب القرآن الكريم في المفارقة لا يمكن أن تكون في لحظة غضب أو كما يقول البعض في الفرضيات أنه إذا أراد الرجل أن يقول لامرأته ناوليني كأس الماء وقال أنت طالق، تطلق أو لا تطلق؟ كيف هذه الفرضية؟ شخص يريد أن يقول لأهله ناوليني كأس ماء كيف يقول أنت طالق؟ ما علاقة كأس الماء بالطلاق؟ تطلق أو لا تطلق؟ بالمناسبة من جملة هذه الأشياء ما أورده الحاكم النيسابوري في المستدرك – حتى نعلم أنه ليس كل ما ورد بعنوان يكون العنوان منطبقاً تماماً على ما في داخله – الحاكم النيسابوري له كتاب سماه “المستدرك على الصحيحين” أي ما جاء على شروطهما ولا نخوض فيه لأن هذه مسألة أهل الحديث وتعقبه بعض العلماء ومن جملة ما يذكره من أسباب أن هذه الآية نزلت كما في الحديث ” أخرج الحاكم عن إبن عباس قال: طلق عبد يزيد أبو ركانة أم ركانة ثم نكح امرأة من مزينة فجاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فشكت فنزلت” يعقب الإمام الذهبي يقول: الإسناد واهٍ والخطأ خطأ لأن عبد يزيد لم يدرك الإسلام أصلاً. هذا الذي نريد أن نقوله ونحن لا ننظر دائماً في أسباب النزول لكن أمامنا آية تطلب من المسلمين شيئاً نحن ننظر فيم طلبت من المسلمين وفي هذا البرنامج نحن ننظر في الجوانب البيانية والمعاني. إذن مسألة أسباب النزول ننحيها بل على العكس ورد في الحديث الصحيح ما يؤيد قول القرطبي عندما قال: ما صح في أسبابها شيء، أنها كانت نازلة لحكم شرعي، في البخاري ” أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أخبره: أنه طلق امرأته وهي حائض، فذكر عمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتغيظ فيه رسول الله صلى الله عليه ثم قال: (ليراجعها، ثم يمسكها حتى تطهر، ثم تحيض فتطهر، فإن بدا له أن يطلقها فليطلقها طاهرا قبل أن يمسها، فتلك العدة كما أمره الله).” لا يطلقها وهي حائض وهذا هو الذي أراده الله عز وجل بقوله (لعدتهن) تلك العدة التي أرادها الله تعالى. فإذن الآيات كانت نزلت قبل واقعة عبد الله بن عمر علماً أن بعض رواة الأسباب يقولون كان لأن عبد الله بن عمر طلّق زوجته وقسم قال لأن النبي r طلق حفصة وقسم قال عبد الله ابن عمرو بن العاص هذا الكلام كله حقيقة كلام الإمام القرطبي يقول ما صح من هذه الأسباب شيئ.
نأتي إلى الآية (يا أيها النبي) نداء للنبي r يفترض في غير القرآن لما يقول: يا فلان، أن يقول: إذا فعلت كذا، لكن قال (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء) حكم عام، هذا يُفهم منه أنه عندما يكون الخطاب للنبي r المراد بذلك رسول الله r مع أمّته لأنه متابَع فلما يُخاطَب معناه خاطب الأمة. لما يقول يا أيها النبي معناه يا أيها النبي ويا أتباع النبي فتأتي العبارة بخطاب المؤمنين كأنه محذوف: يا أيها النبي أنت ومن معك إذا طلقتم النساء لأن الحكم ليس خاصاً برسول الله r. إذا خصّه بشيء يكون خاصاً به كما في قوله تعالى (وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ (50) الأحزاب) هذا نص، لكن لما يقول (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (59) الأحزاب) شيء عام، أي وبنات المؤمنين أيضاً، قال بناتك وما قال بنات المؤمنين لأن بنات المؤمنين دخلت ضمن بناتك.الرسول r لما يتصرف بشيء، لما يخاطَب بحكم إلا إذا كان دلّ دليل على أن ذلك الحكم خاص به. ليس هناك خلط في النص القرآني (إذا طلقتم النساء) كأنه قال يا أيها النبي ويا أتباع النبي. وقد يكون للتعظيم أنه لما تخاطب تقول: أنتم ذكرتم كذا، لكن هذا ليس مراداً بقدر ما هو مراد للتنبيه أنه لما ينادى النبي r المؤمنون ينتبهون فيذكر لهم الحكم العام.الرسول r كان يتصرف أحياناً ويقول كلاماً – حتى نفهم كثيراً من الأحاديث التي قد يُشكل فهمها على القارئ – لما يقول كلاماً هذا معناه أنه يريد أن يعلّم المسلمين. في الحديث الصحيح في الترمذي وابن ماجه وأحمد ” عن أنس في الترمذي وعن جابر في مجمع الزوائد: عن أنس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يُكثر أن يقول: ” يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك “، قالوا: يا رسول الله! آمنا بك وبما جئت به، فهل تخاف علينا؟ قال: ” نعم، إن القلوب بين إصبعين من أصابع الله يقلبه كيف يشاء ” . كيف فهمها الصحابة؟ هل أنالرسول r يدعو لنفسه (ثبت قلبي)؟ ما دخل أنه يخاف علينا بالدعاء؟ فهِم أنس أنالرسول r عندما يقول شيئاً معناه تعلّموا هذا ورددوه، فلما قال الحديث كأنه يقول قولوا هذا واحفظوه معي. كان r يكثر من الدعاء ففهم الصحابة أنه يعلّمهم. ولذلك لما يقول r : إني لأستغفر الله في اليوم سبعين مرة، أي تعلّموا، استغفروا ولا يعني أنه حاشاه كان r يُكثر من الخطأ فيكثر من الاستغفار. هذه فرصة لبيان هذه الجزئية.
(يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن): إذا طلقتم معناه إذا باشرتم أو قاربتم التطليق، إذا نويتم أن تطلّقوا ليكن التطليق وهنّ مستقبلات العدة لأنه لما يطلقها ستلتزم بعدة، أشهر معينة، إما بالحيض أو بإنتهاء الحيض (القُرء إما الحيض وإما الطهر) وهي مستقبلة لما سوف تعدّه، أما وهي في داخل الحيض لا يجوز. كما قال تعالى (إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم) أي إذا أردتم القيام إلى الصلاة فتوضأوا. فلما يأتي الفعل أحياناً ليس بمعنى المباشرة ولكن بمعنى قرب المباشرة، إذا قاربتم ذلك.
(لعدتهن): اللام هنا كأنها لام الزمن، تسمى اللام التي للزمن. لما يقول الكاتب: “انتهيت من كتابة هذا الكتاب لثلاث خلون من رجب” أي لهذا الوقت. فطلقوهن لوقت عدتهن، للوقت الذي يمكن أن يعتدّدن فيه فهي في الحيض لا تعتدّ، فلا يجوز أن تطلق وهي في هذا الحيض. هذه الآية وتبقى الأحكام الفقهية المستنبطة من الآية ومن بعض الأحاديث والواقع هذه شأنها لأهل الفقه ونحن نتكلم على جانب الآية كما هي وفتاوى العلماء تؤخذ من أصحابها من أهل العلم. ولذلك نقول هدم البيت لا يكون بسهولة، يغضب الإنسان ويقول أنت طالق، لا ولكن يجب أن ينظر في حالها، ينظر في وضعها، أنها ليست حائضاً، أنها في طهر لم يمسها فيه، كانت حاضت وانتهى حيضها وهي طاهر فإذا كان قد واقعها فلا يجوز له أن يطلقها حتى تأتي الحيضة وتنتهي وتعود طاهر في طهرها لم يمسها فيه عند ذلك يطلق. لاحظ المدة لأن الإسلام يريد أن يبقى البيت مبنياً ليست مسألة فورية لعل النفوس تهدأ وسنجد في نهاية الآية (لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا).
(وأحصوا العدة): أي إضبطوا العدد وكان العدد يضبط بالحصى إذا أراد أن يعد شيئاً يعده بالحصى (حصاتين، ثلاث، أربع) وأصل الإحصاء مأخوذ من الحصى كانوا يعدون بالحصى. هذا الذي كان جالساً في المسجد كان يسبح 33 ويحمد33 ويكبر 33 فواضع أمامه حصيات ينقلها من مكان لمكان فأنكر عليه إبن عباس رضي الله عنهما وقال لو أن كل المسلمين أحصوا بالحصى يمتلئ المسجد بالحصى فالتسبيح يكون على السُلامى واستنبط منه بعض العلماء إنكار التسبيح بالمسبحة، هذا اجتهاد إبن عباس قد لا يلزم الآخرين لكن إجراؤه سليم. فإذن أصل الإحصاء من الحصى. أحصوا العدة: أي أتقنوا إحصاء وقتها.
(واتقوا الله ربكم): لاحظ هذه اللمسة لم يقل واتقوا الله فقط. كان يمكن في غير القرآن أن يقول: “أحصوا العدة واتقوا الله” لكن كلمة ربكم جاءت هاهنا لأن الربّ فيه معنى التربية وفيه معنى التوجيه وفيه معنى الرعاية فالمربي يرعى من يربّي. فإذن اعلموا أن هذا الحكم هو من رعاية هذا الربّ سبحانه وتعالى. (إتقوا الله) تخويف من الله أي خافوا الله، ثم (ربكم) الذي يعلّمكم فجمع بين التخويف وبين هذه اللمسة لقلوب المؤمنين أن هذا الحكم ليس قاسياً عليكم، ليس لإيذائكم، ليس للإضرار بكم. فخافوا من الله أن تخالفوه واعلموا أنه لخيركم من مربٍّ (واتقوا الله ربكم).
لاحظ الواو في (وأحصوا، واتقوا) كان يمكن أن يقول في غير القرآن “ولا تخرجونهن” لكن حذف الواو كأنه ابتدأ كلاماً جديداً لبيان أهمية ما سيأتي بعده (لا تخرجوهن). الواو للعطف فيها ربط لكنه كأنه قال قفوا، هناك شيء، قال (لا تخرجونهن من بيوتهن) لم يقل: ولا تخرجونهن، كأنه حكم مهم إشارة إلى أهميته. ثم قال (لا تخرجوهن من بيوتهن) قال بيوتهن مع أنها بيوتهم والبيت للرجل لكن سماه: من بيوتهن إشارة إلى شدة إلتصاقها بالبيت، لا تخرجها هذا بيتها، لا تخرجونهن من بيوتهن لا يجوز لك أن تُخرج المطلقة من بيتها. أدب القرآن أن تبقى في بيتها. (ولا يخرجن) هي أيضاً لا تغادر البيت وتبقى وهذا نوع من التقريب: تبقى في البيت وهو في البيت وهي لا تخرج وقد يكون هذا سبباً في إعادة الألفة ممكن صار إصرار بسبب من الأسباب وإنتظر لوقت الطهر وبقي مصراّ على الطلاق وبعض العلماء يقولون هذا حكم (لا تخرجوهن) نهي و (ولا يخرجن) هذا نفي أريد به النهي إلا إذا إتفقا من غير إرهاق. وسبق وقلت أن هذه القضايا الفقهية لا نخوض فيها. المطلقة لا يجوز لزوجها أن يخرجها من بيتها ولا تخرج هي من البيت مدة العدة وتبقى هناك فتاوى فقهية لأهل الفقه.
(إلا) إستثناء أي أن الخروج معلّق على شرط (أن يأتين بفاحشة مبيّنة) الفاحشة هي كل ما فيه عِظَم في الإساءة. يقال هذا ثمن فاحش أي فيه مغالاة. فأي عمل فيه مغالاة في السوء قد يُسبب إخراجها، يقولون إذا أساءت إساءة عظيمة إلى الرجل- قبل مدة شاهدت إحدى الأستاذات جزاها الله خيراً على ما تقوم به من توجيه، إتصلت بها امرأة تشكو قضية مع زوجها تقول لها عندي مشاكل مع زوجي وضربته بالشبشب فما الحكم في هذا؟ فأخفت الأستاذة وجهها وصارت تضحك – إذا وصل الأمر إلى هذا الحد أن تتجاسر على زوجها فهذه فاحشة. الفاحشة هي الفعل السيء العظيم ومنه الزنا. فإذا ارتكبت الزنا في بيتها عند ذلك تخرجها بإقامة الحدّ عليها . ومنه رتب الفقهاء أنه ليس الزنا حصراً فاحشة فالزنا نوع من الفاحشة وإنما إذا إرتكبت فاحشة بحق زوجها أو حق أم زوجها وهي في البيت ويقدره أهل العلم في وقتها يمكن أن تخرج من بيتها أما بدون هذا (ولا يخرجن).
(مبيّنة) أي فاحشة واضحة صريحة يعلمها الناس، لا تقول هي نظرت إليّ نظرة شزراً هذه فاحشة بالنسبة لي، لا، هي ليست فاحشة مبيّنة عند الناس لكن أن تقول لك كلاماً أو تتصرف معك تصرفاً هو من السوء العالي العظيم لأن البيت في الغالب كان يعني الحُجرة،الرسول r في مرض موته طلب أن يُطبّب في بيت عائشة (بيت عائشة كان حجرة) حجرات أمهات المؤمنين لذا كان هناك ستارة تختبئ وراءها المرأة إذا جاء ضيوف.
(وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ): لأنه يسيء إلى نفسه ويدخلها النار. لا تدري هذا الحكم من أجل ماذا هذا التطويل؟ (لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا) لعل الله تعالى يجمع بينكما من جديد. فإذن الإسلام يحرص على عدم هدم البيت المسلم لأنه أساس بناء المجتمع المسلم. الطلاق في الإسلام ليس بالأمر السهل الهيّن، هذه المراحل والمراتب وتبقي المرأة في حجرتك تنامون وتجلسون وتأكلون حتى الغُسل كان يتم في نفس الحجرة إلا قضاء الحاجة فكان خارجاً في الخلاء. إذا حصل كدر في وقت من الأوقات لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً. هذا من حرص الإسلام على الصلح.
سؤال 259: ما معنى لفظ (اللهم)؟.
هذا السؤال قد يأتي نتيجة الإطلاع على بعض اللغات الأجنبية في قوله تعالى: (دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (10) يونس) كلمة اللهم هناك لفظة مقاربة في العبرية التي هي (إلوهيم) تعني أيضاً الله. علماؤنا يقولون (اللهم) – هذا كلام سيبويه ومن وراءه من العلماء – اللهم معناه يا الله واستغني بالميم عن ياء النداء لا تجتمع الياء مع (اللهم) إلا فيما شذّ فيما روي عن بعض الناس ولم يعرف قائله: (إني إذا ما حدثٌ ألمّ أقول ياللهم ياللهم) هذا الشاهد غير معروف قائله وكثير من الشواهد لم يُعرف قائلها نسبتها قليلة بالقياس إلى المعروف لكن مع ذلك ثقةً بأمانة العلماء قُبلت لكنهم يقولون هذا شاهد قليل نادر أنه يجمع بين العِوض والمعوّض به. وهناك رأي آخر أنه (اللهم) جزء من جملة نُحِت على مر العصور كأنه كان مثلاً (يا الله أُمّنا بخير) أي إئتنا بالخير (والنحت هو أن تأتي إلى عبارة أو إلى كلمتين وتستخلص منها كلمة جديدة تأخذ من هنا ومن هنا مثلما قالوا: بسملة وحوقلة، بسملة بدل أن يقول بسم الله وحوقلة أي قال حي على الصلاة، حتى المعلمون لما يقرأ الإنسان يقول له بسمِل أي إقرأ بسم الله. ( أقول لها ودمع العين جارٍ ألم يحزنك حيعلة المنادي) الحيعلة قوله حي على الصلاة. لما يقولون (إيش هذا؟) هذا يستعملها أحياناً الإمام أحمد معناه أي شيء؟ هذا النحت وارد. قد يكون من جملة قديمة تحاتت (ذهب منها شيء) وصارت اللهم وبقيت الميم من كلمة أخرى، قد يكون هكذا لكن كونها في العبرية ونحن سبق أن ذكرنا هذا الكلام وأعيده مرة أخرى لأهميته: اللغة العبرية حديثة بالقياس إلى العربية. القبائل العربية في الجزيرة ورد ذكرهم في الأدبيات البابلية وقلنا البابليون خرجوا من جزيرة العرب في حدود 3600 ق.م والكنعانيون خرجوا بعدهم بـ 1000 عام واستقروا في بلاد الشام، بمرور سنوات طويلة تفرعت لغتهم إلى لهجات، ومن اللهجات المتولدة من الكنعانية: العبرية والفينيقية والمؤآبية وغيرها. فالعبرية إذن متولدة من لغة خرجت من الجزيرة بعد الأكادية بأكثر من ألف عام ومرت سنوات طويلة حتى تولّدت، مثل الفرنسية من اللاتينية سنوات حتى صارت الفرنسية، العربية كانت موجودة في الجزيرة والعرب كانوا يقولون (اللهم) هؤلاء بعد مضي أكثر من 1500 عام ولدت العبرية وهم قالوا ألوهيم معناه أخذوها من العربية. اليهود يرفضون هذا ويقولون آدم u تكلم العبرية بينما الكلام على الحفريات وتاريخ الانتقال – وهذا ليس كلام العرب – وإنما كلام المستشرقين نقّبوا ودرسوا واستخرجوا الآثار وقالوا هكذا، فهو كلام النصارى العلماء. يجب أن نُخرِج من أذهاننا فكرة أن العبرية قديمة. العبرية لغة بني إسرائيل وسيدنا إسماعيل u تكلم العربية لأنه ما عاش معهم وإنما عاش مع العرب وإسماعيل لا شك أسبق من هؤلاء وكان يتكلم العربية. بنو إسرائيل حرّفوا كلام الله تعالى أفلا يحرّفون التاريخ؟! فإذن كلمة اللهم كلمة عربية.
وهناك رأي أنه قد وضعت إبتداءً هكذا (اللهم) لنداء الله سبحانه وتعالى يعني يا الله وكانت العرب تستخدمها كثيراً قديماً. اللهم تعادل إسم الجلالة المنادى (يا الله) كلمة اللهم هي كلمة الله متصلة بها الميم المشددة.
سؤال 260: ما سبب الإختلاف بين آيتي سورة التوبة (فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (55)) و (وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (85))؟
أحياناً نحن عندما نأخذ جزءاً من السياق قد لا يتبين لنا سرّ التنويع لكن لما ننظر في الآيات 55 و85: في الآية الأولى قال تعالى (فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (55)) وفي الآية الثانية (وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (85)). وقلنا أن الإلتفات من المشاهدين والمشاهدات شيء يفرحنا ويبدو أن السائلة وهي تقرأ الآية 85 تذكرت أنها قبل 30 آية كانت الآية بشكل آخر فوازنت بين الآيتين:
الآية 55 |
الآية 85 |
فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم ليعذبهم في الحياة الدنيا |
ولا تعجبك أموالهم وأولادهم أن يعذبهم في الدنيا |
هذا التنويع في الأسلوب ملفت للنظر لكن لماذا هذا التنويع؟ ولم لم تكن الأولى بدل الثانية والثانية بدل الأولى؟
لما ننظر في الآيات قبل الآية 55 والآيات قبل 85 يتضح لنا الفرق: الآيات التي قبل الآية 55 في الإنفاق، الكلام على الإنفاق. وفي الآية 85 وما قبلها الكلام على القتال، فسياق الكلام متغاير: هذا على الإنفاق وهذا على القتال. في الإنفاق قال (قل أنفقوا) والكلام مع المنافقين المتخلفين في المكانين:
(قُلْ أَنفِقُواْ طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَّن يُتَقَبَّلَ مِنكُمْ إِنَّكُمْ كُنتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ (53) وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ) خاطبهم أولاً قل لهم كذا ثم انصرف عنهم لأنهم لا يستحقون إستمرار الخطاب. لاحظ الشدة، أولاً قل لهم أنفقوا طوعاً أو كرهاً، أعطوا من أنفسكم طوعاً أو وأنتم كارهون ليس كل ما يدفعه الإنسان يقبل منه فابني آدم قربا قرباناً تقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر لذا دائماً يسأل الإنسان ربه أن يتقبل عمله. (إِنَّكُمْ كُنتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ) ثم إنصرف عنهم (وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ (54)) في الآية الثانية قال (إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ (84)). (بالله وبرسوله) معناه هذه الآية فيها تفصيل (طوعاً وكرهاً) فيها تفصيل. وعلماؤنا في مسألة اللغة يقولون إذا تكرر حرف الجرّ كأنه يكرر المعنى فإذا قلت مثلاً: مررت بزيد وعمرو هذا مرور واحد كأنما هما في مكان واحد وأنت مررت بهما، لكن إذا قلت: مررت بزيد وبعمرو كأنك مررت مرورين مرور بزيد ومرور بعمرو فلما يراد التفصيل قد يكون الإثنان في مكان واحد لكنك تريد العناية والاهتمام بكل منها وفيها تفصيل، إذا تكرر حرف الجر كأنه تكرر المعنى. (إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَبِرَسُولِهِ) كأنه كُفران: كفرٌ بالله وكفرٌ برسوله. لكن لما يقول (إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ) جمع الكفر مرة واحدة كأن فيها نوع من الاختصار. فالآية الأولى جاءت في سياق تفصيل حتى ندرك البيان فيها. في البداية قال (قُلْ أَنفِقُواْ طَوْعًا أَوْ كَرْهًا) (إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَبِرَسُولِهِ) (وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ) صلاة وإنفاق، فيها تفصيلات. بناء على هذا لما تكون هذه حالهم جاءت الفاء التي هي فاء كأنها تعليلية، بيان عِلّة يعني هناك شيء ينبني على هذا، يترتب على هذه الحال وهي (فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم) الفاء هنا مهمة ومناسبة لأنها تبني ما بعدها على ما قبلها كأنها تعليلية فينبني على ذلك على هذا الأمر.
لكن الواو في (ولا تعجبك) جاءت في سياق نهي: لا كذا ولا كذا لا كذا. (فَإِن رَّجَعَكَ اللّهُ إِلَى طَآئِفَةٍ مِّنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُل لَّن تَخْرُجُواْ مَعِيَ أَبَدًا وَلَن تُقَاتِلُواْ مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُم بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُواْ مَعَ الْخَالِفِينَ) الكلام على الجهاد وليس على الإنفاق (وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ (84) وَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلاَدُهُمْ) فهي في سياق عطف ونهي ولما تكون في سياق عطف (ولا تصلي، ولا تقم، ولا تعجبك) جاءت في سياق عطف بينما (فلا تعجبك) ليس قبلها وكذا وكذا وكذا، لكن جاءت عن أحوال قوم يترتب على هذه الحال أن لا تُعجَب بأموالهم لذلك قال (أموالهم) وقال بعد ذلك (ولا أولادهم) جعل الأولاد تبع المال بينما الآية الثانية فجمع (أموالهم وأولادهم).
ما دخل (ولا تعجبك أموالهم وأولادهم) بالنهي (ولا تصل ولا تقم)؟ هي أيضاً نهي عن الإعجاب، لا يحق لك أن تستعظم أمرهم لأنه إذا استعظم أمرهم قد يلين ويحاول أن يقرّبهم قد أحتاج إليهم. المال أحتاجه في الجهاد والنفوس أحتاجها في الجهاد والأموال أحتاجها في الإنفاق والأولاد أحتاج إليهم في الأعمال فنُهيَ عن ذلك. وكما قلنا الكلام لما يكون معالرسول r تشمل به أمته إلا إذا دلّ صارفٌ عن هذا. إذن هذه مسألة الواو والفاء أولاً، وهذه التفصيلات:
هناك قال (إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَبِرَسُولِهِ) بينما هنا قال (إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ) الآيات الأولى كان فيها تفصيل (وبرسوله) أما الثانية فليس فيها تفصيل وإنما فيها نوع من الجمع (ورسوله).
أموالهم ولا أولادهم، أموالهم وأولادهم:
(فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ) قلنا الآيات الأولى فيها تفصيل فكما فصل في قوله (كفروا بالله وبرسوله) قد يحمل هذا على التفصيل. لكن لأن الكلام في الآية الأولى على الأموال كأنه من أسرار الفصل الإهتمام والعناية بالأموال، لأن الكلام على النفقة. إذن ما داموا هكذا يترتب على هذا يُنهى عن الإعجاب واستعظام أموالهم ثم عطف عليها (ولا أولادهم) حتى أولادهم لأن عادة المال والولد مرتبط. بينما في الآية 85 الكلام على الجهاد، والرسول rr عندما يجاهد يحتاج إلى المال ويحتاج إلى الإبل ويحتاج إلى الخيل، هذه التجهيزات ويحتاج إلى الرجال في الجهاد. المال دائماً مقدّم على الأولاد لأنه أسهل أن يعطى من أن يعطى الولد (المال والبنون زينة الحياة الدنيا) لأن المال زينته ظاهرة أظهر من الأولاد والأولاد قد لا يكونون زينة وقد يكونون سُبّة.
لما قال تعالى (ولا تعجبك أموالهم وأولادهم) جميعاً، في القتال كلاهما لو يقل ولا أولادهم لأن الحاجة قائمة للإثنين فلم يفصّل بل جمع، بينما هناك فصّل وأكّد لأن الأصل الأموال ثم جاء بالأولاد.
ليعذبهم بها وأن يعذبهم:
(إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا) هذه اللام فيها كلام للعلماء. (بها) أي بهذه الأشياء التي ذُكِرت. (ليعذبهم) اللام بعض العلماء يقولون لغرض التأكيد كأنما في غير القرآن العبارة: إنما يريد الله إعطاءهم ذلك لأجل أن يعذبهم بها. فكأنما اللام هنا عند ذلك تكون بعدها (أن) الناصبة. اللام للتعليل (إنما يريد الله ليعذبهم) أي لأجل هذا. وبعض العلماء يقولون: إنما يريد الله عذابهم، فتكون اللام عند ذلك مؤكِّدة. فأدخل اللام لغرض التأكيد لأن أن يعذبهم هي عذابهم. أن الناصبة تنصب، في كل الأحوال اللام ليست ناصبة على رأي علمائنا لأنها أحياناً تجرّ والحرف لا يعمل عملين، أن مضمرة بعد هذه اللام. (ليعذبهم) فيها معنى التأكيد وفيه أيضاً تفصيل: إنما يريد الله إعطاءهم لأجل كذا. بينما هناك باشر فقال (إنما يريد الله أن يعذبهم) لأن الآية موطن إجمال يريد الله عذابهم لكن هناك اللام لأن فيها تفصيل فحتى تقدر وتناسب المقام الذي كله مقام تفصيل.
(في الحياة الدنيا) (في الدنيا):
(في الحياة الدنيا) وفي الآية الثانية (في الدنيا): الحياة ذكرت هناك في مقام ذكر المال لأن المال كما يقولون عصب الحياة فلما كان الكلام على المال ذكر لفظ الحياة فقال (في الحياة الدنيا). لما كان الكلام على الجهاد والجهاد مظنّة القتل ومفارقة الحياة ما ذكر الحياة، هي مفهومة لكنه لم يذكرها لأنها لا تناسب في مجال الجهاد والقتال هنا وتذكير هؤلاء بأنه لا يقبل منهم هذا، فلما كان الكلام هناك على المال الذي هو عصب الحياة ذكر الحياة ولما كان الكلام هنا على الجهاد ما ذكر الحياة. وشيء آخر أنه هنا في الآية 85 تكلم على أناس أموات (ولا تقم على قبره) لا يتناسب ذكر الحياة مع الأموات، انعدمت الحياة فأعدم ذكرها بينما هناك الكلام على الأحياء يؤخذ منهم مال أو لا يؤخذ منهم مال. نلاحظ الفارق ونقول محمدٌ r رجلٌ أميّ والآيات هذه قيلت في آيات في مكان وبعده بآيات قيلت الآيات الأخرى من أين له أن يدرك هذه الجوانب ويضع هذه هنا وهذه هنا وهذه هنا؟ هذا كلام ربنا سبحانه وتعالى.
بُثّت الحلقة بتاريخ 15/11/2006م
2009-01-27 19:10:49