سؤال 269: ما دلالة الإختلاف بين الآيات (أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ أَفَلَا يَسْمَعُونَ (26) السجدة) (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ (31) يس) (أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّأُوْلِي النُّهَى (128) طه) ؟
عبارة (أولم يهد) تكررت في القرآن الكريم في ثلاثة مواضع: في موضعين (أولم يهد) وفي موضع (أفلم يهد). وكلمة (ألم يروا) تكررت كثيراً سأشير إلى أعدادها بشكل سريع. لكن الملاحظ بصورة عامة أن عبارة (ألم يهد لهم) أو ألم يهد له أو لك في غير القرآن العرب تستعملها بمعنى ألم يتبين لك؟، ألم يظهر لك؟ وألم تر، ألم يروا أيضاً بمعنى ألم يتبين لك؟ لكن هناك فارق جزئي بسبب إشتقاق اللفظ: ألم يهد: من الهداية، وألم يروا: من الرؤية، الهداية قطعاً متعلقة بشيء في القلب والرؤية متعلقة بشيء ظاهر مادي. هذا هو الأمر الذي يهيمن على الآيات في جميع المواطن التي وردت. عندما يريد القرآن أن يوجه العناية إلى التدبر والتفكر الزائد بحيث يشتغل القلب بهذا ولا يكون مجرد النظر وتفكير يسير إستعمل (أولم يهد) من الهداية (أولم يهد لهم) لأن هذا الفعل فيه هذا المعنى، وغالباً يكون الكلام في الآيات إما على الألباب، القلوب، الآخرة التي تحتاج إلى تأمل وإلى تفكّر أن يتفكر في الآخرة، و (ألم يروا) تشمل هذا وهذا لكن إذا تحدثت عن أمور في الآخرة يراد منها النظر السريع والإستدلال السريع. هذه القاعدة العامة بالنسبة لـ (يهدي) و(يرى).
الآيات الواردة في هذا، السؤال عندنا (أولم يهد) فيها واو، (ألم يروا) ليس فيها هذه الواو. هذه الواو هي واو العطف وواو العطف لا تتقدم على الهمزة لأن الهمزة لها الصدارة كأنما في غير القرآن قال: كذا وكذا وألم يروا؟، لكن (وألم يروا) (وألم يهد لهم) لا تكون في اللغة لأن الهمزة تتقدم فيقول: أولم يروا، تدخل الواو بين الهمزة وبين الكلمة التي تليها. والواو لا تتقدم على الهمزة لأن علماؤنا من خلال إستعراضهم لكلام العرب – والقرآن الكريم على لغة العرب – فالهمزة تتقدم فيقول (أولم يروا)، أولم أقل لك هذا؟ يعني قلت لك كذا وكذا، أولم تستمع لقولي؟ في حقيقتها هي: وألم تستمع، لكن لأن الهمزة لها صدر الكلام تتقدم على حرف العطف الواو. إذن لما نجد أولم معناه هناك سياق عطف، تعطف جملة على جملة، جملة على ما قبلها، العاطف هو الواو والهمزة لا تحيل العطف أي لا تحول بين المعطوف والمعطوف عليه. الهمزة إستفهام إنكاري فيه معنى التوبيخ يُنكر عليهم عدم رؤيتهم وينكر عليهم عدم إهتدائهم، فيه إنكار. فالهمزة لا تحول دون هذا العطف لأنه أصله للعطف. فلما نجد الواو أو نجد الفاء نحس أن هناك ربط هذه الجملة بالجملة التي قبلها هناك إرتباط عن طريق هذا العطف أو جاءت في سياق عطف.
لما ننظر في آيات السجدة نجد قوله عز وجل (أَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (19) وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (20) وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (21) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآَيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ (22) وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (23) وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ (24) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (25) ثم يقول (أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ أَفَلَا يَسْمَعُونَ (26) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ (27)) كله عطف لكن لأنه جاءت الهمزة وفيها معنى هذا الإنكار عليهم إنهم لم يستعملوا عقولهم، لم يهتدوا، لم ينظروا فيم أهدي إليهم من معانٍ فجاء العطف.
بينما في سورة يس هناك قطع يعني استئناف. يبدأ من قوله تعالى (وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ (28)) هذه ربطت بما قبلها، الآية التي تليها بدأت إبتداء (إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ (29) يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (30) أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ (31)) ما قال وإن كانت إلا صيحة واحدة، ليس فيها عطف هنا فصل، والغرض من الفصل توجيه العناية والاهتمام كأنه جملة جديدة. (يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ) لم يقل ويا حسرة على العباد، ثم جاء قوله (مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (30) أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ (31)) لا يوجد عطف، إستأنف لغرض التأكيد (ألم يروا) جعلها مستأنفة ولم يجعلها مرتبطة بما قبلها بحرف عطف. هذا في معاني الوصل والفصل في القرآن الكريم وهذا موطن فصل لغرض التأكيد، لغرض لفت العناية ولغرض الاهتمام (ألم يروا) كأنه بدأ كلاماً جديداً مع أنه مرتبط وآيات القرآن يرتبط بعضها ببعض لكن لما يريد لفت الإنتباه والتركيز على معنى معين كأنه يستأنف لغرض التأكيد فهنا (ألم يروا) هذا من حيث وجود الواو وعدم وجود الواو.
في سورة طه (أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّأُوْلِي النُّهَى (128) طه) قصة عن الآخرة نقلها القرآن إلى الواقع الحالي كأنها وقعت لأن المستقبل في عين الله سبحانه وتعالى ماضي. نجد (وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآَيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى (127) أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى (128)) يعني بناء على كل هذا لأن الفاء للترتيب ترتب شيئاً على شيء، هي للعطف أيضاً لكنها تفيد الترتيب والمباشرة لما تقول: جاء زيد فخالد أي جاء مباشرة بعده وترتب مجيء هذا على مجيء هذا. فيها معنى الترتيب أي بعد كل هذا الكلام (أفلم يهد لهم) الفاء مرتِّبة وفيها شيء من التعليل أيضاً كأنها تبيّن عِلّة ما بعدها أنه هذا الذي ذكرناه ألا يكون مُذكِّراً لكم؟ ينبني على هذا الذي قلناه ما نقوله الآن. أفلم فيها معنى العطف لكن الدلالة فيها إضافة، الفاء فيها معنى العطف وإضافة الترتيب أما الواو فلا تقتضي ترتيباً وإنما مجرد عطف. تقول مثلاً: جاء زيد وخالد ممكن أن يكونا جاءا سوية معاً أو يكون خالد جاء قبل زيد المهم جاء فلان وفلان، تقول سأل عنك فلان وفلان قد يكونا سألا سوية أو كل واحد لوحده تحتمل الإثنين. أما الفاء فهي للترتيب تقول: سأل عنك زيد فخالد، أي سأل زيد وبعد ذلك بقليل سأل خالد. كذلك الفرق بين الفاء و(ثم)، يقولون (ثم) للتراخي والترتيب. أما الفاء فترتيب مباشر والواو ليس فيها ترتيب.
الترتيب في سورة طه مقصود لذاته: الفاء في سورة طه لأنه ينبني على ذلك، يترتب على هذا الكلام، تقول فلان قال كذا وقال فلان كذا فيكون كذا وكذا يعني ينبني على هذه الأقوال هذا الشيء أنت تبني شيئاً على ما قبله، الآن نقول يترتب على هذا إجراء هذا الأمر كذا وكذا أي ينبني عليه. فالفاء هنا ترتيب على هذا المثال الذي ذكرناه،هذا لا يحرك مشاعركم بحيث تهتدون وبحيث تنظرون نظراً في القلب؟.
أما (ألم يروا) جاءت في خمسة مواضع في المصحف كله من غير عطف (ونحن نعتمد في هذه الإحصائيات على ما جمعه محمد فؤاد عبد الباقي رحمة الله عليه في المعجم المفهرس)، بالعطف (أولم يروا) وردت في 11 موضعاً لن أقرأها حتى لا نطيل لكن المشاهد الكريم لو رجع إلى الآيات سيجد أنه لما تأتي (ألم يروا) من غير الواو يعني ليس هناك سياق عطف. وفي 11 موضعاً التي فيها الواو هي في سياق عطف جميعاً. معناه هناك نظام واحد في العبارة القرآنية لا يختلّّ. ولا تأتي (أولم) وهو ليس هناك عطف أو تأتي (ألم) والسياق سياق عطف، لا يكون هذا.
(من قبلهم) و (قبلهم):
(من) لابتداء الغاية، تقول جاء فلان من كذا ووصل إلى المكان أي بدأ مجيئه من المكان الفلاني. فلما يقول (كم أهلكنا من قبلهم) يعني القبلية مباشرة من وجودهم هم، يعني يُذكّرهم بمن هلك قبلهم قريباً. تبدأ غاية الهلاك من وجودهم هم يعني كأن يكون من آبائهم، أصدقائهم، أصحابهم، هذا التذكير أوقع في النفس لما يراد التخويف والإنذار لأن هذه الآيات الأولى التي فيها ذكر الآخرة وفيها هزٌّ لضمائرهم أن يهتدوا كأنما أُهدي لهم هذا المعنى فينبغي أن يشغّلوا قلوبهم في هذا الأمر إستعمل عند ذلك (من قبلهم) أدعى للتخويف أن فلاناً كان معك وهلك.
(قبلهم) عامّة ليس فيها هذه اللمسة التي تذكرهم بالبداية والقبلية تشمل الجميع لكن لما يريد أن يلمس هذا الشيء قبلك مباشرة يستعمل (من). تقول: ألم تتنبه إلى ما حدث لأخيك من قبل ساعة أو من قليل أو من قبل أن أكلمك؟ (هذا مباشر)، ألم تر ما حدث لأخيك قبل أن أكلمك؟ (هذا كلام عام) من كلامي معك وقبل ذلك، أما من قبل أن أكلمك، يعني الآن من لحظات مرتبط بكلامي معك.
لم يعترض أحد على هذا الكلام لأن هذا في الذروة من كلام العربية لذلك سلّوا سيوفهم وما أخرجوا أقلامهم ليكتبوا بها وكان أيسر أن يكتبوا سطرين حملوا سيوفهم وقتل الإبن أباه والأب حارب ولده وهم قوم عنصريون
لا يسألون أخاهم حين يندبهم في النائبات على ما قال برهانا
يقاتل آل فلان ولا يكتب سطراً لأنه يستحي أن يكتب شيئاً يضحك منه الناس ويقولون له أين هذا من هذا؟
لماذا هذه الهجمة الشرسة على القرآن هذه الآيام؟ الهجمة الشرسة على القرآن ليست في هذه الأيام وإنما تزيد وتنقص وهي منذ بداية نبوة محمد r وهي ماضية إلى يوم القيامة ولا نتوقع أن يأتي زمان لا يكون هناك من لا يحارب الدين. لكن أن يكون هناك إستغلال لغفلة المسلمين ولإنشغال المسلمين بأمور فتبدأ الحرب على الإسلام بأشكال مختلفة. بعض إخواننا يتحدث عن بعض الناس الذين أتخذوا لأنفسهم منهجاً خاصاً في الفقه هؤلاء لم ينشروا الإسلام في أي بلد كافر من وجودهم في التاريخ ولكن دائماً شغلهم في تحويل المسلمين من عقيدة أهل السنة والجماعة إلى فقههم، هذا شغلهم وعلى قول أحدهم يصيدون السمك من المقلاة! ولا يذهب لصيد السمك، الهند مفتوحة إذهب وادعُ الناس فيها للإسلام! لا نتوقع أن تتوقف الهجمة في أي وقت لكن على الناس أن ينتبهوا إلى ذلك وهو ليس فقط مسألة أسلوب القرآن الكريم وإنما الذي لا يعرف أسلوب القرآن الكريم ولا يعرف أساليب العربية يعرف على الأقل أحكام الشرع ويوازن بين أحكام الشرع والقوانين الوضعية، بين الأحكام الشرعية التي تضمن الخلق النظيف والمجتمع النظيف المتآخي المتواصل وهذه النظم التي تخاف من القانون فإذا غفل عنها القانون فعلت ما لا يفعله الشيطان. المجتمع المسلم مجتمع طاهر نقي نظيف من خلال تعاليم هذا الدين. العرب الآن الذين هم من أعراق عربية لم يعد لديهم ذلك الذوق العربي صرنا نتعلم العربية بحيث إذا سمعت إثنان عراقيان يتحدثان لا يفهمها الجزائري وإذا سمعت إثنان من المغرب يتحدثان أنت لا تفهمهما، فنحن إبتعدنا لذا نقول هذا الكلام هي لمسات للتذكير بهذه المعاني البيانية في كتاب الله عز وجل أما الإيمان والثبات فعلى شرع الله سبحانه وتعالى ومعرفة ما شرّعه الله سبحانه وتعالى.
سؤال 270: ما السر في استعمال (فيهن) في قوله تعالى (فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ (56) فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ (70) الرحمن) مع أن باقي الآيات ورد فيها (فيهما) مثل (فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ (50) فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ (52) فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ (66) فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (68))؟
في سورة الرحمن (ولمن خاف مقام ربه جنتان) يعني نوع من الإكرام لمن خاف مقام ربه، الذي يخاف مقام ربه يطبّق ما يريده ربه، (ولمن خاف مقام ربه جنتان) هذا إكرام ليس جنة واحدة وإنما يوهَب جنتين.
(من) علماؤنا يقولون لفظها لفظ مفرد، (من خاف) أي الذي خاف لكن هي ليست بلفظ (الذي) وإنما تحتمل الذي واللذان واللتان والذين واللاتي، هي عامّة لفظها لفظ مفرد، حتى أن البعض قال ما الدليل على أن لفظها لفظ مفرد؟ علماؤنا يقولون لفظها لفظ مفرد الدليل أن تأبّط شرّاً – هو شاعر جاهلي معروف – جمعها على (منون) يقول:
أتوا ناري فقلت منون أنتم؟ فقالوا الجِنّ قلت عِمّوا ظلاماً
أوقد ناراً في الليل،صار أضيافه من الجنّ. قول علماؤنا لما يقولون لفظه لفظ مفرد عندهم إسناد. أنت تستطيع أن تقول كما قال القرآن (من خاف) ولك أن تقول (من خافوا) لكن بيان القرآن وأسلوبه في استعماله لما يستعمل (من) لما يستعمله للجمع يراعي لفظه مرة ومعناه مرة، يقدّم مراعاة اللفظ على مراعاة المعنى (ومن الناس من يقول آمنا بالله واليوم الآخر) يقول مفرد، (وما هم بمؤمنين) ما قال (وما هو) هذا السياق موجود في القرآن في مواطن كثيرة. لما يكون (من) يراد به الجمع يستعمل أولاً المفرد ثم بعد ذلك يأتي إلى الجمع. عندنا آيات أخرى: (ومن يطع الله والرسول r) ومن يطع مفرد (فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم) جمع، هذا السياق يراعي اللفظ ويراعي المعنى، يقدم مراعاة اللفظ على مراعاة المعنى. كان العرب يلاحظون هذا ويعجبون ويقفون إجلالاً لكلام الله سبحانه وتعالى عندما يسمعونه كهذا الذي سمع قوله تعالى (وأنذرتكم صاعقة) وضع يده على رأسه قال ستسقط على رأسي، كانوا يتحسسون هذا.
(ولمن خاف مقام ربه جنتان) الذي خاف مقام ربه من آدم u إلى قيام الساعة هو جماعة وليس واجداً، الخائفون كُثُر، فإذن جنتان وجنتان وجنتان إذن تكون جنّات، لذلك نجد القرآن في موضع آخر صحيح هو قال (ذواتا أفنان، فيهما عينان تجريان) ثم قال (متكئين) لما جاء يتحدث عن الخائفين قال متكئين يعني هؤلاء الخائفون قال متكئين لم يقل متكيء، راعى المعنى هنا. فلما قال متكئين، المتكئون لا يكون لهم حوراء واحدة وإنما حور عين، لا يكون لهم قاصرة طرف وإنما قاصرات. فلما جاء لذكر النساء في يوم القيامة كان لا بد أن يجمع، لا تكون واحدة فقال (فيهن قاصرات الطرف) كأنه يمهّد لقاصرات الطرف ما قال (فيهما) في الجنتين لأنه قال (متكئين) إذن صارت جنات، قال متكئين إنتقل إلى صورة الجمع، إلى صورة جنات وجنات تقتضي (فيهن) حتى يلائم أيضاً قاصرات الطرف.
الموضع الثاني هو هو أيضاً (فيهن خيرات حسنات)، إستمر يتكلم (ومن دونهما جنتان) لأن الجنة مراتب لذاالرسول r يقول: إسألوا الله الفردوس الأعلى لأنه يدعو يدعو فيسأل الله سبحانه وتعالى أعلى شيء لأنه يدعو ويسأل كريماً لكن الناس مراتب.
(من دونهما جنتان) رجع للجنتين التي هي لكل واحد خاف مقام ربه فصارت جنات، (فيهما فاكهة ونخل ورمان) لما جاء إلى ذكر الخيرات الحسان (فيهن خيرات حسان)، الخيرات جمع خيرة التي أصلها خيّرة وخُفّفت، هي جمع الزوجات. ثم قال (حور مقصورات في الخيام) لهذا السبب جاءت (فيهن) تمهيد لذكر مجموع ما في هذه الجنات، والله أعلم.
سؤال 271: تخصيص حلقة للعناصر في تدبر القرآن وإظهار الفرق بين التفسير والتأويل والإجتهاد وإعمال العقل والقول بالرأي.
الكلام في هذا قد يطول لكن نحاول أن نوجز إن شاء الله تعالى. سأل السائل عن التفسير والتفسير هو في اللغة بيان المعنى، فسر الشيء فسره أي بيّنه وأخرج جزئياته حلّله وفيها معنى الشرح لأن الفسر كأنه تجزيء. والكلام على التأويل أؤخره لأن فيه كلام طويل.
الإجتهاد هو بذل الجهد في الشيء يعني أن تبذل جهداً في معرفة معاني كلام الله سبحانه وتعالى. لكن الإجتهاد هذا ينبغي أن يكون في ضوء ضوابط التفسير وليس كل أحد ينظر في كتاب الله عز وجل ويجتهد كما أنه ليس كل أحد يقرأ كتاباً في الحديث ويصبح مفتياً من أهل الفُتيا يُفتي يقول لك أنا عربي وهذا كلام باللغة العربية، هذا لا يجوز لأنه لا بد أن يفهم الناسخ والمنسوخ ويفهم المجمل والمفصّل ويفهم ترتيب الأحكام هذا كان أولاً وهذا كان آخراً والخاص والعام، هذا خاص وهذا عام وهناك أمور كثيرة أخرى لذا نجد كثيراً من المتضلعين من اللغة لما يسألونه مسألة في الفقه يقفون ويقولون إسألوا أهل الفقه لا سيما في زماننا هذا زمن التخصص، يسأل عن قضية في الحديث يسأل متخصصاً في الحديث. ما كل من قرأ كلمتين في الطب يريد أن يكون جرّاحاً ويفتح بطون الناس لا يجوز هذا وشرع الله أعلى وأعز من مسألة فتح بطون الناس في الطب. هذا الإجتهاد سواء كان في الفقه أو كان في الكلام عن كتاب الله سبحانه وتعالى يرجع إلى أقوال العلماء التي هي في حقيقتها معتمدة أولاً على معرفتهم بلغة العرب، على معرفتهم بأقوال صحابةالرسول r ونحن هنا نذكر بقضية تنفع المشاهد في قضية فهم ما قاله الصحابي بالنسبة لتصور كثير من العلماء. الصحابة عند المسلمين كلهم عدول، الصحابي الذي صحب رسول الله r هو صادق، ولذلك لما سُئل الإمام جعفر الصادق رضي الله عنه قيل: أصحاب محمد r صدقوا أم كذبوا؟ قال بل صدقوا، قالوا فلِمَاذا نجد أحياناً في بعض أقوالهم ما يخالف الكلام؟ قال لأن بعضهم لم يعرف أن كلاماً آخر قد نسخ الكلام الأول الذي حفظوه وعلماؤنا جمعوا الناسخ والمنسوخ، فهم صادقون جميعاً. إذا قال الصحابي قال رسول الله r والسند صحيح هذا الكلام صادق، لكن إذا كان الصحابي له رأي، هو إجتهد، عند ذلك نجد بعض علمائنا يقولون هذا الإجتهاد قابل للأخذ والرد. أبو حيان الأندلسي لما جاء ليبحث في مسألة الإسراء أكان بالروح والجسد أو كان بالروح؟ ذكر إثنين من الصحابة قالا الإسراء كان بالروح، قال إن صح الكلام، النقل عنهما لأنهما لو يقولا حدثنا رسول الله r ولكنه كان إجتهاد منهما قالا الإسراء بالروح قال إن صحّ فلا يعتدّ به لأن فلان في أيام الإسراء كان كافراً لو قال حدثني فلان من الصحابة عن رسول الله r يُقبل كلامه لكن هذا رأيه، وفلان كان صغيراً. لما يأتينا رأي إذا كان صحابي ينسبه للرسول r فلا مجال للمشاحة فيه.
إعمال العقل هو نوع من الإجتهاد أنك تُعمل عقلك لكن بالضابط نفسه أما أن تعمل عقلك من غير ضوابط يكون الإنسان عند ذلك ضمن قوله سبحانه وتعالى (أفرأيت من إتخذ إلهه هواه) لأن العاقل قاصر في النصوص النص مقدّم ولهذا وجدنا الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله يفضل الأخذ بالحديث الضعيف على القول بالرأي (المناقشة العقلية غير المعتمدة على النصوص) يقول لأن الحديث الضعيف إحتمال 50% أن يكون منسوباً للرسول r والضعيف ليس الموضوع أو الذي لا أصل له، الضعيف قد يكون قالهالرسول r لكن هناك علة في بعض الرواة غير قادحة بحيث تحوّل الحديث إلى موضوع. مذهب الإمام أحمد أنه إذا لم يكن هناك نص سوى حديث ضعيف يفضله على الرأي، وهذه وجهة نظر وهذا إجتهاد الإمام أحمد. حينما أرسلالرسول r عامله معاذ إلى اليمن قال “أجتهد رأيي ولا آلو” معاذ صحابي جليل وعلماؤنا أوضحوا معنى قوله أجتهد رأيي في الإستنباط من كلام الله عز وجل وسنة رسوله r بناء على الكُليّات، هذا هو إجتهاد وإعمال عقل في الوقت نفسه لكن ضمن الإجتهاد.
وكذلك القول بالرأي هي كلها متقاربة لكن كلها تنضبط بالضوابط التي ذكرها علماؤنا في ضابط الإجتهاد لا يعمل رأيه من عند نفسه من دون النظر في كليات النصوص.
إعمال العقل أن يفكر الإنسان فإذا فكر سيجتهد. وإبداء الرأي الذي يراه بناء على إجتهاد ولكن نحذر من أن يُفهم أن إبداء الرأي بمعزل عن النصوص وعن الكليات أي الضوابط. الإسلام يكرّم العقل في ضوء النصوص. هؤلاء العلماء الذين استنبطوا ونحن عندنا إعمال العقل في أروع صوره في مدرسة الإمام أبي حنيفة، في كتب الأحناف يقولون: قال أبو حنيفة كذا وخالفه الصاحبان بناء على إعمال العقل في النصوص، ألم يعمل العقل في الصلاة في بني قريظة لأن النص واضح وصريح “لا يصلينّ أحدكم العصر إلا في بني قريظة” بعض الصحابة أعمل عقله قال مقصودالرسول r أن نستعجل لأن صلاة العصر معلوم وقتها فلا يفوت وقت الصلاة ولا نصلي نصلّي والآخرون قالوا النص واضح وصريح نصلي في بني قريظة ولو بعد المغرب فالرسول rr أقرّ الإجتهادين حتى يتعلم أبناؤنا هذا التسامح في فهم النصوص. ما عنّف أحداً أنتم اجتهدتم وأنتم اجتهدتم، ولا شك أن بعضهم من ذوي الأجرين وبعضهم من ذوي الأجر لكنالرسول r لم يقل هذا صاحب الأجر الواحد وهذا صاحب الأجرين لكن ساواهما في الاجتهاد. (تتمة الإجابة في الحلقة القادمة)
Normal 0 false false false MicrosoftInternetExplorer4 /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:”Table Normal”; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:””; mso-padding-alt:0in 5.4pt 0in 5.4pt; mso-para-margin:0in; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:”Times New Roman”; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;}
أسئلة المشاهدين خلال حلقة 29/11/2006م:
ما دلالة تقديم الأخ في الآية (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) عبس)؟
ما الفرق بين الآيتين (قَالَ نَعَمْ وَإَنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (114) الأعراف) و (قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَّمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (42) الشعراء)؟
ما الفرق بين الصابئين والصابئون:
سبق أن أجبنا عن هذا السؤال لكن إيجازه أنه: إن الذين آمنوا هنا الكلام إنتهى والخبر محذوف تقديره: إن الذين آمنوا لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. ثم إستأنف: والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن بالله منهم واليوم الآخر فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون يعني هؤلاء مشروط عدم الخوف عليهم بأن يكونوا مؤمنين بما أنزل على محمد r وضربنا أمثلة كما قال الشاعر: نحن بما عندنا (ما ذكر الخبر) وأنت بما عندك راضٍ، يعني نحن بما عندنا راضون، كذلك وإلا فاعلموا أنا وأنتم بغاة، يعني أنا بغاة وأنتم بغاة. يحذف من الأول لدلالة الثاني عليه. هذا موجز ما تكلمنا فيه وهذا أحد النصارى من الجهلة يحاول أن يثير ذلك مستغلاً جهل الناس باللغة العربية.
بُثّت الحلقة بتاريخ 29/11/2006م
2009-01-27 19:02:19