لمسات بيانية, لمسات بيانية - حلقات

لمسات بيانية – الحلقة 72

اسلاميات

الحلقة 72

سؤال: ما الفرق بين التزكيتين (قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا (9) الشمس) (فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى (32) النجم) وما معنى التزكية في القرآن الكريم؟

كثير من الكلمات يسمونه من المشترك اللفظي بحيث له أكثر من معنى يصح في حال وآخر قديكون منهياً عنه. زكّى نفسه بها معنيين: طهّرها ومنه الزكاة (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا (103) التوبة) والزكاة هي النماء في الحقيقة والتطهير شيء آخر. قد أفلح من زكاها أي طهّر نفسه. (فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ) زكّى نفسه أي نسبها إلى التزكية قال أنا جيّد أنا خير من كذا ففي هذه الحالة لا يجوز فقال تعالى لا تزكوا أنفسهم لا تقولوا أنا أحسن من هذا أنا أفضل لأنه تعالى أعلم بمن اتقى. مثل فعل قوّم بمعنى عدّل وقوّم بمعنى أعطى للشيء قيمة كم تقوّم هذه الساعة مثلاً؟ أو هذه السلعة؟ ثوّم السلعة أي بيّن مقدار قيمتها. قوّم ولا تقوّم يعني عدّلها لكن لا تقوم قيمتها فإذن هذه من المشترك وكل واحدة لها معنى. قد أفلح من زكاها أي طهّرها، لا تزكوا أنفسكم أي لا تفتخر بنفسك وكل واحدة لها معنى.

استطراد من المقدم: لاحظت أنك تقول مشترِك لفظي لا مشترَك فلماذا؟ يقال مشترِك، اشترك فعل لازم ليس متعدياً فاللازم إما أن يُبنى على حاله إذا جعلنا إسم المفعول يجب أن نقدر هنالك شيء إما جار ومجرور مشترك في التعبير كما نقول اشترك في كذا فيصير مشتَرك فيه يعني مشترَك في شيء أي المشترَك في أمر من الأمور أما إذا اشترك في المعنى يصير مشترِك لو قدّرنا الفعل لازماً بدون تقدير نقول مشترِك كما في قوله (فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ (33) الصافات).

سؤال: ما دلالة  ذكر الملائكة ثم ذكر جبريل وميكال في الآية (مَن كَانَ عَدُوًّا لِّلّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ (98) البقرة)؟

هذا يسمى من باب عطف الخاص على العام لأهمية المذكور.الآية (مَن كَانَ عَدُوًّا لِّلّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ (98) البقرة) جبريل وميكال من الملائكة وهما من رؤوساء الملائكة فذكرهم لأهميتهم وهذا كثير في القرآن (حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى (238) البقرة) والصلاة الوسطى من الصلوات فهذا من باب عطف الخاص على العام. في الجنة (فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (68) الرحمن) هذا لأهمية وخصوص هذا الأمر. فجبريل وميكال ليسا كعموم الملائكة لكنهم منهم فيسمونه عطف الخاص على العام كما عندنا عطف العام على الخاص مثل قوله تعالى (وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ (87) الحجر) السبع المثاني هي الفاتحة والفاتحة من القرآن هذا من عطف العام على الخاص (قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (136) البقرة) وابراهيم واسماعيل من النبيين، (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا (28) نوح) الذي دخل بيته مؤمناً من المؤمنين والمؤمنات. هناك عطف الشيء على مرادفه، عطف الخاص على العام وعطف العام على الخاص وهذا له قيمة بلاغية دلالية ليُظهر أهميته فلما يذكر الصلاة الوسطى والمحافظة عليها معناله لأهميتها الخاصة ولما يذكر جبريل وميكال فهما ليسا كعموم الملائكة فجبريل مختص بالوحي وذكر هؤلاء دلالة على أن للمذكور مزية خاصة ليست كالعموم.

سؤال: في آيات الميراث في سورة النساء قال تعالى (تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13) وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ (14)) في الجنة قال خالدين فيها وفي النار قال خالداً فيها فما دلالة جمع خالدين في الجنة وأفردها في النار؟

(تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) والآية التي بعدها مباشرة (وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ) في أكثر من مناسبة قلنا في الجنة لم ترد خالداً بالإفراد في عموم القرآن لم يرد في أصحاب الجنة مرة واحدة خالداً ولهذا دلالة محددة. لما ذكر النار يذكر خالدين ويذكر خالداً لأن الوحدة هي عذاب لو أدخلته الجنة وليس معه أحد يتكلم معه فهذا عذاب، ولذلك في النار ذكر أمرين ذكر عذاب النار وعذاب الوحدة فقال (يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا) أما الجنة لم يذكر خالداً لأن دائماً فيها اجتماع فيأنس من نعيم الاجتماع وما في الجنة من نعيم فقال خالدين. ثم هناك أمر آخر لما قال يدخله جنات بالجمع معناه أكثر من واحد يدخل (مَنْ) تحتمل المفرد والجمع، عموماً أكثر الكلام أنه يبدأ بالمفرد ثم يأتي فيما بعد ما يبين هذا الشيء (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ (8) البقرة) هذا هو الأكثر يبدأ بالمفرد المذكر أياً كان ثم يجمع. مع الجنة قال خالدين لأن فيها نعيمان نعيم الجنة ونعيم الصحبة وأما في النار ففيها عذاب النار وعذاب الوحدة وقد تأتي خالدين في النار ولم ترد في الجنة خالداً فيها أبداً وخالداً وخالدين تأتي مع النار. عذاب أهل النار بالإشتراك كأن يكون إهانة يقولون لبعضهم أنت كنت كذا وأنت كنت كذا يختصمون وهذا عذاب آخر.

سؤال: ما الفرق بين فأردت، فأردنا، فأراد ربك التي وردت في سورة الكهف؟

تكرر هذا السؤال أكثر من مرة ونجيب عليه الآن لو لاحظنا الآيات: الأولى في عيب السفينة التي خرقها قال (فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا (79)) فنسب العيب إلى نفسه لأنه لا يصح أن ينسب العيب إلى الله لأن الله سبحانه وتعالى لا ينسب العيب إلى نفسه لما قال أعيبها نسبها إلى نفسه (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) الشعراء) نسب المرض إلى نفسه والشفاء إلى الله، (وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا (10) الجن ) هو كلٌ من عند الله لكن أدباً مع الله تعالى لم يقل يمرضني وإنما قال يشفين نسب المرض إلى نفسه والشفاء نسبه إلى الله تعالى. في القرآن الكريم لا تجد زينا لهم سوء أعمالهم وإنما زينا لهم أعمالهم وإنما يقول (زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ (37) التوبة) إذا ذكر السوء لا ينسبه إلى الله تأدباً مع الله مع أنه كله من عند الله تعالى. الحدث الثاني أنه لقي غلاماً فقتله وهذا عيب ولو قتل أحدهم الآخر في المجتمع يُحاسب عليه وهناك حالة أخرى (فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا) إذن هناك مشترك قتل الغلام وإبدال خيراً منه إذن صار مشتركاً، هنالك أمران فيه ظاهره عيب وهو قتل الغلام أن يؤخذ بالجريرة ولذلك اعترض موسى u والإبدال خير فإذن صار مشتركاً فقال فأردنا لأن الأمر مشترك (فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا) نسب الإبدال كله لله، هو أراد أن يقتله فنسب القتل لنفسه وخصص الإبدال بالله تعالى (فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا (81)). أما (فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا) هذا خير جدار يريد أن ينقض فأقامه هذا كله خير ليس فيه سوء غلامين يتيمان في المدينة وجدار متهدم (فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا (82) الكهف) ليس فيه اشتراك وإنما كله خير خالص فقال (فَأَرَادَ رَبُّكَ) فلما كانت الإرادة ليس فيها شيء من السوء وليس فيها شيء مما يعاب نسبها لله تعالى. لما قال فأردت نسب العيب كله لنفسه ولما كان هناك أمران القتل والإبدال نسب القتل لنفسه والإبدال لله تعالى ولما كان الأمر خيراً كله قال فأراد ربك نسبه لله تعالى.

سؤال: في سورة آل عمران ذكر تعالى قصة زكريا (قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّيَ آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزًا (41)) وفي مريم قال (قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا (10)) فما الفرق بين أيام وليال؟

ذكرت هذه المسألة منذ مدة طويلة وفيها أكثر من سؤال عندما نقارن ما ورد في آل عمران وما ورد في مريم. الليل معروف واليوم ما يقابل الليل من طلوع الشمس إلى غروبها والواضح من ذكر الليالي والأيام أن زكريا u لا يتكلم ثلاثة أيام بلياليها مع أنه تمكن من التسبيح والذكر. اليوم من طلوع الشمس إلى غروبها والليل من غروب الشمس إلى طلوعها. لما يقول ثلاثة أيام يقصد النهار فقط ولما يقول ثلاث ليال يقصد الليل فقط ولما ذكر الأيام والليالي يعني لا يتكلم في الليل والنهار مع أنه يتمكن من التسبيح. لو قرأنا الآيات يتضح لنا الأمر ويتبين أن هناك أكثر من مسألة. في آل عمران قال (هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ (38) فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (39) قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (40) قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آَيَةً قَالَ آَيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ (41)) وفي مريم قال تعالى (كهيعص (1) ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2) إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا (3) قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (4) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آَلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (6) يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا (7) قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا (8) قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا (9) قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آَيَةً قَالَ آَيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا (10) فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (11)) المقابلة لا تختص في سؤال السائل بالأيام والليالي فقط. أولاً لو لاحظنا في آل عمران قدّم مانع الذرية من جهة نفسه أولاً فقال (وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ) إذن المانع بدأه بنفسه وفي مريم قدّم المانع من جهة زوجه (وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا). وفي آل عمران ذكر أن الكبر أدركه وبلغه فقال (وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ) الفاعل الكبر، وفي مريم قال (وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا) هو الفاعل والكِبر مفعول به. في آل عمران ذكر أن امرأته عاقر (وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ) وفي مريم ذكر أنها كانت عاقراً (وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا) عاقر حال. في آل عمران قدّم العشي على الإبكار (وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ) وفي مريم قدم البُكرة على العشي (أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا)، في آل عمران عرّف العشي والإبكار (وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ) وفي مريم نكّر (أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا). في آل عمران طلب من زكريا أن يذكر (وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ) وفي مريم زكريا طلب من قومه أن يسبحوا أوحى إلى الناس أن يسبحوا وليس هو (فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا) بينما في آل عمران هو الذي أُمر بالذكر والتسبيح (وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ)، إذن المشهدين متقابلين تقابل الليل والنهار. ثم أيضاً اختيار الليل في مريم له سبب لأن سياق القصة وجوّها هو أنسب لليل قال في مريم (إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاء خَفِيًّا (3)) والخفاء أقرب في الليل لأن الليل خلاف النهار. ذكر شيخوخته وضعفه (قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (4)) وما يذكر هذا الشيء في آل عمران وإنما قال (وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ) يعني الشباب والعافية أشبه شيء بالنهار والشيخوخة والضعف أشبه شيء لليل فلما ذكر الشيخوخة والضعف ناسب مع الليل الذي ورد في مريم. أشار في مريم إلى طلب وريث (وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آَلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (6)) من ورائي يعني بعد موته والموت هو ليل طويل، إذن هنالك ما في مريم متناسب مع ذكر الليل. وهنالك أمر آخر وهو أن البشارة في آل عمران أكمل وأعظم مما جاء في مريم، قال في آل عمران (أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ) وفي مريم قال (يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا) لم يذكر نبي ولا سيد ولا حصور ولا من الصالحين فالأكمل ما ورد في آل عمران فإذن لعظم هذه البشارة اقتضى تغيير كامل في التعبير. قال في آل عمران (قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّيَ آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزًا) وقال في مريم (آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا) والليل أبين من النهار وأوضح الناس ينامون وزكريا لا بد أن ينام إذن ظهور الآية في النهار أوضح لأن المخالطة أكثر والتسبيح أكثر والذكر أكثر والعبادة أكثر لأنه ينام قسماً من الليل ويقل التسبيح والذين أوحى إليهم أن يسبحوا أقل لأنهم سينامون. إذن أولاً آل عمران أنسب في عظم البشارة وأكمل كونها في النهار، وفي آل عمران طلب من زكريا أن يذكر ربه (وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ) والتسبيح يدل على شكره وفي مريم (فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا) فما ذكره في آل عمران أدل على الشكر. قال في آل عمران (وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ) هذا الشكر والذكر الكثير مناسب لعظم البشارة، أُمِر هو وأن يذكر ربه كثيراً ليس فقط ذكر ربه وطُلب منه أن يجمع بين الذكر والتسبيح (وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ) بينما في مريم قال (أَن سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا) كل تعبير مناسب لما كانت البشارة أكبر وأعظم. في آل عمران قدّم المانع من جهة نفسه (وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ) بدأ بنفسه فناسب أن يؤمر هو بالذكر وفي مريم قدم المانع من جهة امرأته فلما كان المانع من جهة نفسه بدأ بنفسه ولما قدم المانع من جهة غيره تغير. في آل عمران قال (وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ) وفي مريم قال (وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا)، امرأتي عاقر قد تعني لأنه لم تكن عاقراً وإنما يذكر حالها الآن لأن المرأة قد تسمى العاقر بعد الكِبَر والعاقر يقال عقرت المرأة إما لكبرها لم تنجب أو هي في الأصل عاقر. أما كانت امرأتي عاقر أي منذ البداية لا تنجب أما امرأتي عاقر ففيها احتمالين إما لكبرها أو هي عاقر الآن ولم تكن عاقراً قبلها. عندما قدم المانع من جهة نفسه قال (وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ) قال (وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ) حتى يبين لماذا قدم نفسه، ولما قدم المانع من جهتها قال (وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا) قال (وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا) هذا أنسب بدأ بها لأنها هي العاقر بداية وأنا كِبري جاء متأخراً وأنا كنت أنجب لكن هي كانت عاقراً وهي كانت السبب (وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا) وفي آل عمران قال بلغني الكبر أي أنا الآن كبير وامرأتي عاقر، الآن هو كبر وهي عاقر إذن التقديم والتأخير له سبب. ثم لما ذكر الليل في آية مريم قال (قَالَ آَيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا) هذا ناسب تقديم البركة على العشي (قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آَيَةً قَالَ آَيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا (10) فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (11)) بعد الليل تأتي البُكرة، العشي من صلاة الظهر إلى الفجر والبكرة من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس أو الضحى، بعد الليل يأتي البركة إذن لو قدم العشي لذهبت البُكرة الأولى بدون تسبيح (أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا). لما قال في مريم (بكرة وعشياً) (قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آَيَةً قَالَ آَيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا (10) فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (11)) قدّم بُكرة وبعد الليل يأتي البكرة والعشي يتأخر من الظهر فصاعداً ولو قال ثلاث ليال سوياً وسبحوه عشية وبكرة تكون ضاعت البكرة الأولى من التسبيح. لما قدم في آل عمران العشي على الإبكار (قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزًا وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ (41)) اليوم يكون من طلوع الشمس معناه ذهبت البُكرة فلو قال بكرة وعشياً يذهب عشيّ ذلك اليوم فقدّم حتى لا يضيع شيء من التسبيح فلما قدّم الليل قدّم البكرة لأن البكرة تأتي بعد الليل ولما قدّم اليوم قدّم العشي لأن العشي يأتي في اليوم ولو قال بكرة مع اليوم كان ذهبت بكرة اليوم الأول وعشي ذلك اليوم كان ذهب. البشارة في آل عمران قال (فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ (39)) في مريم لم يقل ذلك (فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (11)) خرج قد لا يكون يصلي لم يثبت له حالة الصلاة، أيها الأكمل؟ الذي يصلي في المحراب وهذا يناسب عِظَم البشارة فلما البشارة كانت أعظم ليحيى (أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ (39)) ولما لم يذكر ذلك قال (يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا (7)). في مريم قال (بكرة وعشياً) وفي آل عمران قال (وسبح بالعشي والإبكار) معرفة، والمعرفة غالباً تفيد الدوام وليس فقط في تلك الأيام أما بكرة وعشياً فهي في تلك الأيام يعني لما تقول خرجت صباحاً يعني صباح يومٍ بعينه، لما تقول سأخرج صباحاً لا بد أن تأتي صباح يومٍ بعينه أما لما تقول سأخرج في الصباح يعني أيّ صباح ولذلك لما قال تعالى للرسول r (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ (55) غافر) ليس هناك أيام محددة جاء بها بالمعرفة (بالعشي والإبكار). مع سيدنا داوود قال (إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ (18) ص) ليس هناك يوم محدد، (فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ (38) فصلت) ليس هناك وقت محدد بينما بكرة وعشية تأتي في وقت محدد. أيها المناسب لعظم البشارة؟ التعريف (بالعشي والإبكار) إذن كل لفظ مناسب لعِظَم البشارة اختيار اليوم والليل والتقديم والتأخير والتعريف والتنكير ولا يناسب أن نضع تعبيراً مقابل آخر.

أسئلة المشاهدين خلال حلقة 8/11/2007م:

  1. ما الفرق بين الأشد والاستواء (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا (22) يوسف) وفي حق موسى (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا (14) القصص)؟ استوى معناه اكتمل شبابه وقوته، اكتمال القوة. فذكر اكتمال القوة لأنه سيأتي فيما بعد ما يدل على قوته (البئر وسقى للبنتين، إن خير من استأجرت القوي الأمين) أما في يوسف فليس في القصة دلالة على قوته. (بلغ أشده) أي بلغ سن الشباب، إذن مع موسى u ذكر ما يستدعي اكتمال القوة أما مع يوسف فلم يذكر ما يستدعي القوة.

  2. في سورة الأحزاب (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ (50)) لماذا أفرد الأعمام والأخوال وجمع العمات والخالات؟

  3. هل من لمسة بيانية في قوله تعالى في سورة المدثر (إنها لإحدى الكُبَر) وفي النجم (لقد رأى من آيات ربه الكبرى) (أفتمارونه على ما يرى) وفي الإسراء (لنريه من آياتنا) و(وما جعلنا الرؤيا التي أريناك) فما اللمسة البيانية في تعدد كلمة الرؤية بصيغ متعددة.

  4. في سورة الزمر (إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ (2)) في نفس السورة (إِنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ (41)) ما اللمسة البيانية في أنزلنا إليك وأنزلنا عليك؟

  5. ما الحكمة في طلب زكريا u أن يجعل الله تعالى له آية؟

  6. ورد وصف عذاب قوم لوط مرة أنه وقع على القرية ومرة على القوم (فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ (82) هود) (فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ (74) الحجر) فما الفرق بينهما؟

بُثّت الحلقة بتاريخ 8/11/2007م

2009-01-21 08:16:28الدكتور فاضل السامرائي>برنامج لمسات بيانيةpost