سؤال 282: ما تفسير قوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا (26) البقرة)؟
في قول الله سبحانه وتعالى (إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَـذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ (26)) يقول علماؤنا أن هذه الآية نزلت بعد أن تكلم بعض يهود وبعض المشركين على الأمثال التي يضربها القرآن الكريم وعلى ذِكر بعض مخلوقات الله سبحانه وتعالى: مرة ذكر الذباب (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (73) الحج)، بعض يهود قالوا هذا كلام لا يقوله الله سبحانه وتعالى وما هذه الأمثلة؟ وهو نوع من المعاندة وإلا العرب عندهم أمثال كثيرة ويضربون الأمثال ويبنون على ضرب المثل حِكَماً وعندهم الأمثال تلزم حالة واحدة وهذه الأمثال مجموعة يقول: “الصيف ضيّعتِ اللبن” وهو يخاطب رجلاً، (ضيّعتِ) لأن أصل المثل كان خطاباً مع امرأة، يعني العرب عندهم أمثال لكن مجرد للمكابرة أن كيف الله سبحانه وتعالى يضرب هذه الأمثال؟.
هذا المثل لما يضربه القرآن نوع من التوضيح. هذه الآيات جاءت بعد ضرب مثلين في القرآن الكريم للمنافقين (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ (17) البقرة)، (أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السَّمَاء فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصْابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم مِّنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ واللّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ (19) البقرة) ضرب مثلين. نحن لو نظرنا في المثل: أولاً المثل مستعمل عند العرب وفيه حكمة بالغة أي يؤدي رسالة وكثير من أبيات المتنبي صارت أمثالاً “مصائب قوم عند قوم فوائد” و “ما لجرح بميّتٍ إيلام” هذه رسالة كاملة، عبارة هي صغيرة لكن تعطي صورة فالقرآن الكريم يستعمل هذه الأمثال. أما كون أن الله سبحانه وتعالى ذكر الذبابة وذكر العنكبوت (كمثل العنكبوت اتخذت بيتاً) والبعوضة، لو فكّر الإنسان وتمعّن هل البعوضة شيء سهل؟ أولاً المراد بالبعوضة هي في الحقيقة مستعملة لكبار البقّ ولكن ليس هذا وإنما البعوضة هي صِغار البقّ لأنها بعض البقّ وسميت بعوضة من البعضية التي هي الجزئية. بعض البقّ (هو الذي ينقل الملاريا) البعوضة هي صغار البقّ، يكون صغيراً حتى أنه يدخل من خلف القماش الذي فيه ثقوب صغيرة جداً وله عدة أسماء في العامية البعض يسميه الحِرمِس، صغير جداً لا يُرى أما البقة فكبيرة. القرآن كأنه يريد أن يقول: الله سبحانه وتعالى لا يُحجم عن ذكر هذه الأشياء، لأن كل واحدة من هذه الأشياء لو تفكرت فيه لسجدت لله سبحانه وتعالى لعظيم صنعه. البعوضة هي أصغر ما يعرفه العربي حتى عندنا الآن ما معروف أصغر من البعوضة. الذبابة كبيرة، البقة كبيرة، هذا صغار البقّ صغير جداً أصغر منه لا يعرفه العربي من الأحياء، فلما يقول الباري (إن الله لا يستحي) أي لا يتحرج ولله المثل الأعلى أن يضرب مثلاً ما، أيّ مثل، مطلق بعوضة فما فوقها. هي بالنسبة للعربي ولنظرنا اليوم لا نعرف في حياتنا الاجتماعية خلقاً لله سبحانه وتعالى أدق من التي تسمى البعوضة (البقّة هي كبيرة يمكن أن ترى وتنقل الملاريا) البعوضة أصغر أصغر من البقّة حتى أحياناً تكون بقدر خرطومها لصغرها.
لكن بعض العلماء (فما فوقها) أي من أدنى من ذلك لكن أدنى من ذلك لا يعرفه العربي (فما فوقها) يقولون المقصود ما هو دونها ونحن لا نميل إلى هذا وإن كانت اللغة تحتمل ذلك، تقول “فلان جاهل” فيقول آخر: “وفوق ذلك” يقصد دون ذلك، لغوياً صحيح لما يقول فوق ذلك يعني فيه جهل أكبر مما تظنه، يكون دون يعني معنى الدونية. لا نحتاج إلى ذلك فما فوقها أي مما فوقها من البعوضة إلى البقة إلى الذبابة إلى العنكبوت إلى الطير (الطير فوقهم صافات ويقبضن)، كل واحد من هذه المخلوقات لو تفكر فيها الإنسان يسجد لله سبحانه وتعالى لعجيب صنع الله تبارك وتعالى فغير مستغرب أن يضرب الله هذه الأمثال.
الحياء – ولله المثل الأعلى – هذا كلام الله عز وجل، الحياء في اللغة حالة في نفس الإنسان تجعله يُحجِم عن شيء، يحجم عن كلام إستحياء لا يتكلم أحياناً، عن فعل ينوي أن يفعله أو فعل شيئاً إذا وُجه فيه يصيبه الحياء. هي حالة نفسية لكنها لا تنطبق على الباري سبحانه وتعالى وإنما لأنه يستعمل الطريقة التي يتكلم بها العرب فيُفهم من ذلك أن كتاب الله سبحانه وتعالى وأن كلام الله سبحانه وتعالى يرد فيه من غير إحجام ومن غير تردد ذكرٌ لهذه الأمثال. إذا ضرب هذا المثل المؤمن الواعي المدرك يعلم أنه حق لأنه سيتفكر، لو فكرنا في هذا المخلوق الصغير كيف ينمو؟ كيف يتكاثر؟ كيف يأخذ رزقه؟ كيف وُجِد بهذه الصورة؟ (ويخلق ما لا تعلمون).
أما الذين كفروا (فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلا) فيرد عليهم القرآن (يضل به كثيراً) هذا المثال يكون سبباً للإضلال وسبباً للهداية. المؤمن لما يتفكر يهتدي وغير المؤمن أو الفاسق كما عبّرت الآية (وما يضل به إلا الفاسقين) الفاسق الخارج من طبعه أو الخارج من فطرته – كالتمرة إذا خرجت من قشرتها يقال فسقت النمرة – فكأن هذا الفاسق خارج من فطرته، خارج من جلده لأن المخلوق يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه وإلا الولادة على الفطرة.
هذا معنى ضرب المثل (بعوضة فما فوقها) لا نُغلِّط الذي يقول فما تحتها لكن نرجح نختار فما فوقها أي فما فوقها لأن العربي لا يعرف شيئاً دون البعوضة ونحن الآن هذه حالنا.
سؤال من المقدم: هل يستحي بمعنى الحياء؟ أصل اللفظة بمعنى الحياء لكن ما معنى الحياء؟ هي حالة خاصة تجعل صاحبها يحجم عن فعل أو يندم على فعل، هذا معنى الحياء، الخجل يدور في نفس الإطار الذي هو الإحجام.
إستطراد من المقدم: ألا يوهم هذا التركيب (إن الله لا يستحي أن يضرب مثلاً ما بعوضة فما فوقها) أنه إذن يستحي أن يضرب مثلاً تحتها؟
لا يستحي أن يضرب مثلاً ما بعوضة فما فوقها لأن الإنسان العربي ونحن الآن لا نعرف شيئاً تحتها والباري يخاطب الناس بما يعرفون، بماذا يضرب المثل؟. بشيء لا يعرفونه؟ ما تحتها لا يوجد، غير معروف، فالحياء أصلاً الإحجام لا يوجد ثم الباري سبحانه وتعالى لا يُفرض عليه شيء أنه يحجم أو لا يحجم، الله سبحانه وتعالى لا يحمله قولكم هذا على أن يترك ضرب المثل، هو يضرب لكم الأمثال (بعوضة فما فوقها) فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم والآخرون هم يعترضون على كل شيء وليس على ضرب المثل.
سؤال 283: لماذا ترد السمع مفرد والأبصار ثم القلوب بالجمع (خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (7) البقرة) ؟
هذه هي الآية الثانية في الكلام على الكفار في أول سورة البقرة (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ (6) خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (7)) هؤلاء الذين كفروا، الذين قال عنهم الله سبحانه وتعالى سواء عليهم إنذارك وعدم إنذارك يستوي عندهم الأمران وتنذر أو لا تنذر الأمر سيان بالنسبة لهم أما بالنسبة لك تنذر حتى تبريء ذمتك. هؤلاء كانوا من عتاة الكفرة من الذين علم الله سبحانه وتعالى أنهم قد أقفلوا قلوبهم لذا لا يقال لهم (سواء عليهم أنذرتهم أم لم تنذرهم) هذه التصريحات في القرآن تجاه أناس من دلائل النبوة، هذا لا يكون من كلام بشر لأنه ما يكون موقفك لو أن هؤلاء تظاهروا بالإسلام وقالوا نحن أسلمنا؟ يكون الكلام غير وارد، لكن هذا علم الله سبحانه وتعالى. هؤلاء عتاة الكفر أغلقوا قلوبهم.
الختم هو الطابَع من الطين، هذا الأصل. الأصل أن العربي كان يغلق فوهة شيء من الأشياء أو قِربة إذا أراد أن يحفظها ويأتي بشيء من الطين يضعه على مكان عقدة الخيط ويختم بخاتِمه (خاتَم وخاتِم) كلاهما صحيح والطابَع والطابِع لغة لكن الطابِع فهو الأغلب. الآن مستعمل هذا الختم بالشمع الأحمر. متى يختم بالشمع الأحمر؟ على الغلق، يعني يقفل المكان ثم يختم عليهم بالشمع الأحمر وليس وهو مفتوح، إذن هم أغلقوا قلوبهم أولاً فلما أغلقوا قلوبهم ختم الله سبحلنه وتعالى عليها. لا يحتج أن الله سبحانه وتعالى هو الذي ختم فهم مسيّرون لأنهم هم أغلقوا قلوبهم أولاً لأن الختم لا يكون إلا على شيء مغلق. فهم أغلقوا قلوبهم وما عادوا مستعدين للإستماع ولا للتقبّل لذا قيل للرسول r (سواء عليهم أأنذرتهم أو تنذرهم) هؤلاء لا يؤمنون هؤلاءإنتهى حالهم، وهذا الأمر لا يكون لعموم المسلمين لا يقول الإنسان هذا مقفل قلبه لأنك أنت لا تعلم ذلك. إذن الختم لا يكون إلا بعد الإغلاق هم أغلقوا قلوبهم فختم الله عليها.
القلب عند العرب هو موطن العقل والتفكير هم هكذا يستعملونه، والدماغ عندهم حشو الجمجمة. في لغة العرب أن الإنسان يعقل ويفكر والعاطفة وكلها في القلب. فالقرآن كلّم الناس أن موطن العقل وموطن التفكير أنتم تعبرون عنه بهذه اللفظة القرآن يستعملها، في المستقبل وإذا إكتشف الإنسان شيئاً أو وصل إلى شيء إذن الكلام على موطن التفكير والعقل. القرآن لما قال القلب يعني الدماغ هو كان يتكلم على مكان التفكير. عندهم القلوب، لا يمكن أن يقول للعرب لو قيل في زمانهم هم لا يعرفون سوى هذا الذي ينبض فقط فإذا قيل لهم العقل في داخل الجمجمة كانوا يرتدون عن الإسلام يقولون هذا كلام غير معقول تحدّث العاقل بما لا يليق له فإن صدّق فلا عقل له..
فالقرآن خاطب الناس بما يفهمون لكن فيه مجال للتحديث للفهم لأن الكلام عن موطن التفكير عندهم القلب. لما يثبت أن موطن التفكير هو غير هذا إذن القرآن كان يريد موطن التفكير أنت تسميه قلباً سماه لك قلباً كما تسميه لكن هو يتكلم عن موضع التفكير، موضع التدبر أنت كنت تسميه قلباً إستعمل نفس المصطلح (أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها) أما الآن نحن نعلم أن التدبر في الدماغ، إذن القرآن يتكلم على موضع التدبر لكن أنت سميته قلباً فسماه قلباً.
هذه اللفظة مستعملة حتى في الشعر العربي، لاحظ البحتري يقول عندما يتحدث عن مقاتلته للذئب:
فأوجرته خرقاء أضلّت نصلها بحيث يكون اللب والرعب والحقد
أوجرته أي أغمدت في جسمه حربة خرقاء حمقاء تخرق وكأنه ل عقل لها ضاع نصلها، هو ضربها في القلب والبحتري عباسي، هذا الفكر عندهم أن هذا القلب هو موطن كل هذا بحيث يكون اللب والرعب والحقد كله هناك.
(ختم الله على قلوبهم) القلوب هي موطن التدبر أي مكان التدبر والتفكر. مكان التفكر هؤلاء أغلقوه وسدوا الطريق فإذن الطريق إلى التدبر ما عاد ينفع. بماذا يتدبر الإنسان؟ بما يسمعه لأن الأصل أن الآيات تلقى إلقاء على الناس. الدعوة شفاهاً، كلام شفاهاً،الرسول r كان يكلمهم فهم إذا أغلقوا قلوبهم ما فائدة أن يأتي كأنهم لا يحتاجون إلى آذانهم. فإذا سمعوا شيئاً هذا الشيء يدعوهم إلى التفكر، إلى النظر (قل انظروا ماذا في السموات والأرض) السمع هو الوسيلة الأولى الذي يدعوك إلى أن تنظر، تسمع، يقال لك انظر فتنظر. أغلق طريق القلوب الذي هو السمع ولما أغلق السمع ما عاد هناك من يذكرهم بالبصر فأُغلق البصر أيضاً (غشاوة) لذلك جاء هذا الترتيب. أولاً أغلقوا قلوبهم فختم عليها. الطريق إلى القلوب هو السمع ما عاد ينفع فختم عليها أيضاً والسمع وسيلة التذكير بالإبصار فغشّيت الأبصار، هذا النظام هو الترتيب الطبيعي ولا يمكن أن يتغير إلا في ظرف معين سنتطرأ إليه في حلقة قادمة (وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا (97) الإسراء)
القلوب ما يحوك فيها التفكير هذا شيء واسع مطلق والإنسان وهو ساكت وفي فكره وفي قلبه يُشرِّق ويُغرِّب، الإنسان في تفكيره ليس له حدود، من غير حدّ. النظر أيضاً واسع لكنه لا شك أقل من القلب، أنت تنظر إلى مكان محدود حتى لو نظرت إلى السماء سيكون نظرك في مكان محدد غير التفكير لأن الفكر أوسع. النظر يأتي في الدرجة الثانية في السعة، متنوع، يعني ترى أشياء كثيرة. السمع يستقبل الصوت فقط لا يستقبل شيئاً آخر فالسمع يتعامل مع شيء واحد وهو الصوت اللغوي. البصر يتعامل مع أشياء كثيرة والقلب يتعامل مع أشياء كثيرة أكثر فالذي يتعامل مع الكثير إستعمل له الجمع والذي يتعامل مع الواحد إستعمل له المفرد (السمع). لأنه لو مجموعة من الناس وألقي عليهم آية من الآيات، هم كلهم ستدخل في آذانهم صورة واحدة (ختم الله على قلوبهم) إذا كان مائة إنسان ستدخل هذه الذبذبات وتترجم في رؤوسهم – إذا كانوا يعرفون العربية – بصورة واحدة لا تختلف (ختم الله على قلوبهم) كلمة كلمة كلمة، عدة كلمات متصلة هذا الذي يستقبلونه فإذن المستقبل في السمع واحد لكن لما استقبلوه كلٌ سيفكر فيه بطريقة خاصة وليس بصورة واحدة، فهذا يقتضي توحيد السمع وجمع القلوب. لما ينظر فيما حوله كلٌ ينظر من زاويته فكلٌ يرى حسب وجهة نظره.
يبقى شيء أخير حتى ننظر عبارة القرآن الكريم وحتى نحترم أمة العربي التي احترمت نفسها وسكتت ولم تحاور، لم يحاولوا أن يصنعوا كلاماً يقولون هذا مثل القرآن، إحترموا أنفسهم من آمن آمن ومن أخذته العزة بالإثم أخذته العزة بالإثم. القلوب جمع قلب والأبصار جمع بصر، قلوب ليس عندنا جمع آخر وأبصار ليس عندنا جمع آخر، قلوب جمع كثرة وأبصار جمع قِلّة وطبعاً كلاهما يستعمل للكثرة والقلة لكن صيغة الجمع هذا (فُعول) لأن جمع القِلّة: أفعال، أفعُل، أفعلة، فُعلة. أبصار أفعال على صورة جمع القلة. والقلوب على صورة جمع الكثرة. مما قلناه أن القلوب مشاربها وتهيؤاتها وتصورها شيء واسع فهذا كلام العرب. العرب جاءوا على لغة القرآن. العرب جمعوا القلب على قلوب إحساسهم هذا وجمعوا البصر على أبصار، هذه ميزة للعربية ومن خلال النظر في كتاب الله سبحانه وتعالى. بعض علمائنا يقولون وحّد كلمة السمع لأن صورتها صورة المصدر مثل ضرب يضرب ضرباً، سمع يسمع سمعاً، والمصدر عادة لا يُجمع لأنه يدل على الحدث المطلق فبسبب الصورة جاء على صيغة الإفراد. لكن العرب جمعت السمع على أسماع لكن هنا ليس مسألأة لأنه جاء على صورة المصدر وإنما لِما بيّناه أن مدركات السمع واحد وهو الصوت بينما مدركات القلوب ومدركات الأبصار متعددة. ما يدركه السمع واحد وهو الصوت اللغوي والترجمة تكون في الذهن أي في القلب والنظر مدركاته كثيرة والقلب مدركاته كثيرة ومدركات السمع هو الصوت اللغوي وهو هذه الموجة.
هنا القرآن استخدم ختم على القلب وعلى السمع أما في سورة الكهف استعمل الضرب على الآذان (فضربنا على آذانهم) لماذا؟
العطف لأنه أراد أن يجمع بختم واحد القلوب والسمع لارتباط الموضوع، لأن موضوع التفكر يكون عن طريق السماع فلما أغلقوا قلوبهم لم يعد هناك فائدة للسمع فختم على الإثنين: ختم على قلوبهم وعلى سمعهم بختمين وليس بختم واحد لأن القلب شيء والسمع شيء آخر. (وعلى أبصارهم غشاوة) هذه جملة جديدة وليست معطوفة على (ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم). ولو أردنا أن نقف نقف على سمعهم ثم نقول وعلى أبصارهم غشاوة. البصر يحتاج لتغطية أما السمع فيحتاج إلى ختم لأنه ليس هناك شيء يغطيه.
سؤال 284: ما الفرق بين (وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9)) (أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ (12)) و (أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ (13) البقرة)؟
هذه الآيات في الكلام على المنافقين وفي قول الله سبحانه وتعالى (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ (9) البقرة) لما يعلنون أنهم هم آمنوا هم في الحقيقة كأنما يعتقدون أنهم يخادعون الله سبحانه وتعالى لأن هنا صيغة المفاعلة ليست للمشاركة. المفاعلة لا تأتي للمشاركة دائماً، يفاعل لمغاعلى مثل يشارك ويقاتل من جهتين ليست دائماً هكذا لأنك تقول عاقبت اللص، عاقب فاعل لكن من جهة واحدة، كافأت المُجِدّ من جهة واحدة فليست دائماً تأتي بهذه الصورة لكن تأتي فيها معنى المبالغة كأنهم يبالغون في الخديعة بظنّهم أنهم يخدعون الله سبحانه وتعالى. (وما يخدعون) في بلاد المغرب العربي يقرأون (يخادعون الله والذين آمنوا وما يخادعون إلا أنفسهم) وهذه قراءة نافع قراءة سبعية يُصلّى بها.
(وما يشعرون) الفعل المضارع لما تقول: زيد يكتب، الفعل المضارع يدل على الحال أو الاستقبال أو أحياناً يدل الدوام والثبات يعني على الوصف، لما تقول: زيد ينظم الشعر إما أن تعني ينظم الشعر الآن أو لاحقاً أو هو من الشعراء هذه حاله. فلا نتصور أن يأتي إنسان ويدخل علينا ويقول السلام عليكم زيد ينظم الشعر فنتحير ماذا يقصد، هناك سياق يقول به، مع ذلك العرب استعملوا أدوات: قالوا هو ينظم الشعر الآن أو في هذه المناسبة غداً أو زيد ينظم الشعر نظماً جميلاً وله ديوان. هذا بالنسبة للإثبات، فإذا أرادوا النفي استعملوا (ما) لنفي الحاضر يقولون: زيد ما ينظم الشعر أي الآن هو لا يقوم بعملية النظم. وإذا أرادوا المستقبل استعملوا (لا) قالوا: لا ينظم الشعر أو يمكن أن تدل على الحقيقة أي هو ليست من صفاته نظم الشعر.
في مسألة يشعرون القرآن استعمل مرة (وما يشعرون) ومرة (لا يشعرون) معنى ذلك أنه يريد أن ينفي عنهم الإحساس والشعور الآن وفي المستقبل أو أنه الآن وبالمستقبل وبالصيغة العامة مثل لا ينظم الشعر أي ليس بشاعر.
يبقى (وما يشعرون) هنا استعمل الشعور في الكلام على القضايا الظاهرة وعلى الأحاسيس الواضحة، هنا المخادعة عمل ظاهر، يخادعون، يقولون، يتصرفون، فالشيء الذي يكون بالأحاسيس، بالكلام،بالحركة يناسبه الشعور الذي فيه معنى الإحساس (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَـكِن لاَّ يَشْعُرُونَ (12) البقرة) استعمل (لا يشعرون) الشعور لأن الإفساد ظاهر. لكن لما تكلم على القضايا القلبية المعنوية (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُواْ أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاء أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاء وَلَـكِن لاَّ يَعْلَمُونَ (13) البقرة) استعمل (لا يعلمون) لأن العلم داخلي، العلم شيء في الداخل. الشعور في الأصل الشيء الظاهر الذي يشعر به الإنسان في حواسه، يتلمسه بحواسه، إما في سمعه أو في بصره أو في لمسه، كأنه من الشَعَر الذي هو ظاهر، المشاعر. لكن لما استعمل دعاهم إلى الإيمان والإيمان شيء قلبي لا تعلمه استعمل (لا يعلمون) ما قال لا يشعرون لأن الإيمان ليس شعوراً ظاهراً وإنما هو علم باطن ولذلك صارت (ما يشعرون) (لا يشعرون) و (لا يعلمون)، (ما يشعرون) و(لا يشعرون) لما قدمنا لجمع إنتفاء الشعور في الحال والمستقبل وللأمور الظاهرة و(لا يعلمون) لأنه تكلم على الإيمان والإيمان شيء باطن فاستعمل معه لا يعلمون.
Normal 0 false false false MicrosoftInternetExplorer4 /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:”Table Normal”; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:””; mso-padding-alt:0in 5.4pt 0in 5.4pt; mso-para-margin:0in; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:”Times New Roman”; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;}
أسئلة المشاهدين خلال حلقة 16/12/2006م:
قال تعالى في سورة الكهف (لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا (18)) الرعب يأتي عادة أولاً ثم يتبعه الفرار فما دلالة تقديم الفرار على الرعب في الآية؟
ما الفرق بين سرباً وعجباً في آيتي سورة الكهف (فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا (61)) (قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا (62))؟
ما الفرق بين يعملون ويفعلون؟
وردت كلمة عاقبة مرفوعة في سورة الروم (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ (9)) ثم وردت منصوبة في الآية التي تليها (ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا السُّوأَى أَن كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِؤُون (10) الروم) فما الفرق بينهما؟
ما دلالة ورود كلمة الجنة معرّفة بأل وكلمة جهنم نكرة؟
ما الفرق بين طبع وختم في القرآن الكريم؟
كيف نقدم ونؤخر العدد والمعدود؟
بُثّت الحلقة بتاريخ 16/12/2006م
وفي إجابة على مداخلة لإحدى المشاهدات من تونس حول مفهوم القلب والعقل أجاب الدكتور حسام : في أمثال هذه الأمور التي تسعفنا فيها اللغة، الكلام الذي يُنقل في الجرائد وفي المجلات وفي الفضائيات في جزئيات يقال إنها علمية لا ينبغي أن تعلّق عليها أهمية كبيرة إلا بعد أن يُقرِّها علماء من أهل هذا الدين لا يُبنى بالأكاذيب لأن ديننا دين واضح صريح مكشوف. نعلم أن بعض الناس تُجرى لهم عملية وقد يغيّر لهم القلب ويعيش شهراً أو أياماً ثم يموت، هذا الذي أجريت له مثل هذه العمليات وأحياناً يضعون قلباً إصطناعياً يعيش فيه الإنسان مدة أو مديدة، في خلال هذه الحياة هل أجريت عليه تجارب؟ هل نُظِر في إحساسه وفي عاطفته؟ إذا ما ثبت هذا عند علمائنا نقول عند ذلك هناك جزئية تضاف إلى هذا أما قبل ذلك فنأخذ الكلام على ما ذكرناه في أول الأمر.
2009-01-27 18:45:28