سؤال 289: ما دلالة الإختلاف بين ختام الآيات في سورة النساء (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيماًً(48) ) (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (116))؟
هذه الآية الأولى هي قول الله سبحانه وتعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ آمِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُم مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللّهِ مَفْعُولاً (47)) إذن الكلام هنا موجّه لأهل الكتاب ونشدد على كلمة (مصدقاً)، (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيماًً (48)) ختام هذه الآية (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيماًً)، الآية 116 (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا). في الآية الأولى قال: فقد إفترى إثماً عظيماً وفي الثانية: فقد ضل ضلالاً بعيداً، لماذا انتهت الآية الأولى هكذا و لماذا انتهت الآية الثانية هكذا؟
معنى الشِرك بالله سبحانه وتعالى:
قبل أن نجيب على هذا السؤال يجب أن نوضح مسألة (ومن يشرك بالله) لأنه عندنا حديث أحب أن يسمعه المشاهدون ونقلت الحديث من “الترغيب والترهيب”: ” قال: خطبنا أبو موسى الأشعري فقال: يا أيها الناس اتقوا هذا الشرك فإنه أخفى من دبيب النمل فقام إليه عبد الله بن حزن وقيس بن المضارب فقالا: والله لتخرجن مما قلت أو لنأتينّ عمر مأذون لنا أو غير مأذون، قال: بل أخرج مما قلت، خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال: أيها الناس اتقوا هذا الشرك فإنه أخفى من دبيب النمل. فقال له من شاء الله أن يقول: وكيف نتقيه وهو أخفى من دبيب النمل يا رسول الله؟ قال: قولوا اللهم إنا نعوذ بك من أن نشرك بك شيئاً نعلمه ونستغفرك لما لا نعلم. ” (رواه الإمام أحمد والطبراني ورجاله ثُقاة). فإذن عندنا هذه العبارة، عندما يقول (ومن يشرك بالله) لأن علماءنا تكلموا في هذا المجال حتى قالوا أنه من مراتب الشرك أن تقول: وحياتك، وحياتي، وحياة فلان، وحقّ فلان، وهذا دراج عند الناس الآن، العلماء المتخصصون يقولون إشارة إلى الحديث الصحيح أنه لا يجوز القسم بغير الله سبحانه وتعالى “من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت” لكن في تصرفات الإنسان، في أقواله أحياناً قد يقع في هذا الذي هو أخفى من دبيب النمل، حتى إن بعضهم تصرف فيه فقال هو أخفى من دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء. فكيف نخرج منه؟ كيف يعافينا الله سبحانه وتعالى من هذا؟
علّمناالرسول r هذا الدعاء : “اللهم إنا نعوذ بك من أن نشرك بك شيئاً نعلمه ونستغفرك لما لا نعلم” الإنسان يلوذ بالله سبحانه وتعالى، يلجأ إليه سبحانه وتعالى، (اللهم إنا نعوذ بك من أن نشرك بك شيئاً نعلمه) لا نريد أن نرتكب شركاً ونحن نعلم أنه شِرك، (ونستغفرك لما لا نعلمه) قد نرتكب شيئاً يدخل في هذا الباب ونحن لا نعلمه فنحن نستغفر الله سبحانه وتعالى منه لأن الله تبارك وتعالى أخذ على نفسه عادة قال: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) حتى هذه المغفرة الثانية علّقها بالمشيئة. فمسألة الشِرك مسألة عظيمة جداً ولذلك حذّر منها علماؤنا كثيراً ولا نريد أن نتوسع في هذا الأمر وهذا المقدار يكفي وعلى المسلم أن يفتش عن أسباب الشِرك ويُنجي نفسه منها، من الإستعانة بغير الله، سؤال غير الله سبحانه وتعالى فيما لا يملكه إلا الله عز وجل، السؤال من المقبورين والطلب منهم عند الأضرحة فيحذر المسلم لأن هذا يحبط العمل والعياذ بالله سبحانه وتعالى. نحن إذا جاءت فرصة لتنبيه المشاهد على قضية جوهرية لا نتركها.
فإذن لما كان الكلام مع أهل الكتاب وأهل الكتاب كانوا يستفتحون على المشركين أن هناك نبي قد أظل زمانه وسيظهر هذا النبي، كانوا يعلمون أنه سيظهر نبي فلما ظهرالرسول r كانوا يتوقعون أنه يظهر من أبناء يعقوب (أي من بني إسرائيل) فلما ظهر من أبناء إسماعيل أنكروا مع علمهم اليقين أنه هذا هو النبي الخاتم، مع أنهم يعلمون ذلك (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ آمِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُم) يعني الكلام الذي معكم مما هو حق هذا الذي نزّلناه هو مصدق لما معكم (مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللّهِ مَفْعُولاً) تهديد رهيب. (إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء) هذا العمل الذي تقومون به من إنكار نبوة محمد r ومما حرفتم من كتابكم ومما ألقيتم من صفات الألوهية على أنبيائكم كل هذا يدخل في إطار واحد هو إطار الشِرك واعلموا أن الله سبحانه وتعالى لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء.
(وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا) الإفتراء هو خَلْقُ الكذب، هو يصنع الكذب ليس مجرد يكذب وإنما أشار إلى أنه يخلق خلقاً جديداً هو الكذب. لأن الإفتراء هو خلق ونلاحظ الإفتراء يقابله التصديق، لما ذكر التصديق (مصدقاً لما معكم) هذا القرآن هو صدق ومصدق يقابله شرككم الذي هو افترائكم للكذب. وتكررت الآية الكريمة (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلِ اللّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاء وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً (49) انظُرْ كَيفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُّبِينًا (50)) كرر مسألة الإفتراء والكذب فمناسب جداً هنا الكلام على إفتراء الكذب من لدن هؤلاء.
لما جاء إلى الآية 116، هناك قلنا ذكر التصديق فذكر في ما يقابله إفتراء الكذب، في هذه الآية (إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا (116)) نجد أن الكلام ليس مع أهل الكتاب وإنما الكلام مع مشركي العرب فالجهة اختلفت والعلماء يقولون الجهة منفكة، هذه جهة وهذه جهة، الكلام كان مع أهل الكتاب الذين يقرأون والذين عندهم صفاتالرسول r كان بصورة معينة. الآن الكلام مع مشركي العرب.
يشاقق ويشاق:
الآية (وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا (115) إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا (116)) إذن هذا المشرك أولاً شاققالرسول r أي جعل الرسول r في شق وهو صار في شق آخر وهذه يشاقق يقف عندها العلماء، يكون من جانب والرسول rr يكون في جانب آخر كأنه في جانب من الوادي والآخر في جانب آخر من الوادي.
كلمة يشاقق هي فعل مضارع لما تكون مجزومة فُكّ إدغامها، شاقّّه يشاقّّه بالإدغام، لما يأتي الجزم للعرب لُغتان منهم من يُبقي الإدغام ويفتح لالتقاء الساكنين، تقول: تكلّم فلان فلم يردَّ عليه أحد (يرُدَّ مجزوم وعلامة جزمه السكون وقد فُتِح لالتقاء الساكنين لأنه حوفظ على الإدغام). و (لن يرُدَّ) تكون الصورة واحدة لكن في الإعراب اختلف وعلامة نصبه الفتحة. (لم يرُدَّ) علامة جزمه السكون وقد حُرِّك بالكسر للتخفيف لالتقاء الساكنين، الدال الأولى ساكنة والدال الثانية المضمومة في يردُّ صارت ساكنة فلما جُزِمت حذفت الضمة فصار ساكنان ففتحت لالتقاء الساكنين. بعض قبائل العرب تقول: تكلم فلان فلم يرُدد عليه أحد (تفُكّ الإدغام). وهما لغتان فصيحتان تكلم بهما القرآن. هنا في الآية (ومن يشاقق) فك الإدغام. وعندنا في الآيات (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (4) الحشر) أبقى الإدغام. فالعلماء وقفوا لما يكون ذكر لاسم الجلالة وحده يبقى الإدغام، وقسم يقول إذا ذكرالرسول r لأن الألف واللام في الرسول r طارئة فهي على نية الإنفصال فيصير فك إدغام، وبعض العلماء يقول: لا، مع كلمة الله الألف واللام ثابتة فبقي الإدغام. نقول لا، المشاقّة هي أن تكون في شق والثاني في شق ومع الله سبحانه وتعالى لا يمكن أن تكون في شق والله عز وجل في شق فأُبقي الإدغام. وهذا جاء في القرآن الكريم كله هكذا.
(وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى) جعلالرسول r في شق وهو في شق، (وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا) السبيل هي الطريق، إذن ذهب إلى طريق آخر، الذي يذهب في الصحراء في غير السبيل، والرسول rr لما نزلت الآية (وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153) الأنعام) رسم خطاً على الرمل وقال هذا صراط الله ورسم بجواره خطوطاً قال هذه السبل وعلى رأس كل سبيل شيطان يدعو إليه. إذا كان هناك في الصحراء طريق هذا يؤدي إلى السلامة، أيُّ سبيل آخر غير هذا السبيل سيضل صاحبه. فإذن ذِكر السبيل يناسبه الضلال لأنه ذكر الطريق، فالذي يتجاوز هذا الطريق الحق سيضل. الآية قالت (وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا) لأنه إتخذ سبيلاً غير سبيل المؤمنين فسوف يضل يقيناً، ولذلك جاءت كلمة الضلال هنا ولا تناسب كلمة الضلال مع بني إسرائيل الذين إرتكبوا إثم الكذب مع ذكر صدق الرسالة النبوية لمحمد r قابلها الذي يفتري الكذب. بينما هنا الذي تجاوز السبيل الصحيح، سبيل المؤمنين حتى أن بعضهم قال يستفاد من هذه الآية مسألة إجماع الأمة ” الأمة لا تجتمع على ضلالة” معنى ذلك الذي ينحرف عما أجمع عليه المؤمنون يكون ضالاً عند ذلك. (إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء) لأن الجهة صارت جهة ثانية فأعيد مسألة عدم المغفرة للمشرك. (وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا) سوف يبتعد عن طريق الهداية لأنه إتخذ غير سبيل المؤمنين لأن سبيل المؤمنين واضح. قسم قال سبيل المؤمنين هو الإسلام وقسم قال هو الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى لأنه عندنا قوله تعالى (قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108) يوسف) فالمؤمنين متّبعون الرسول r، فهم دعاة إلى الله “بلّغوا عني ولو آية” “الساكت عن الحق شيطان أخرس” فالمسلم مفروض أن لا يسكت عن الحق وإنما يبلّغ ولكن بطريقة بحيث لا يؤدي ذلك إلى ما هو أسوأ من ما كان قد إرتكب. إزالة المنكر يكون بسبيل لا يؤدي إلى ما هو أسوأ منه ولذلك (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125) النحل) جادلهم بالتي هي أحسن وليس بإصدار الفتاوى هذا مشرك وهذا فاسق وهذا كافر، المسلم طبيب يداوي وليس قاضياً يفتي الفتاوى على الناس؟ فإذن هذا هو لما كان الكلام فيه ذكر للتصديق وفيه ذكر للإفتراء، لإفتراء الكذب جاءت (فقد افترى إثماً عظيماً) ولما كان الكلام على سبيل الهدى جاء (فقد ضل ضلالاً بعيداً) الذي إنحرف وأشرك ولم يؤمن. فإذن كل عبارة جاءت في مكانها وفي موضعها.
سؤال 290: ما الفرق بين (مِتم) بكسر الميم و(مُتم) بضم الميم؟
هذه إحدى الآيات في سورة مريم (قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وكنت نسياً منسياً (23)). هذا سؤال مهم، أولاً الموت (مات) بالفعل الماضي منسوب إلى المتكلم أو المتكلمين ورد في أحد عشر موضعاً في القرآن الكريم. (مِتُّ) للمتكلم أو المتكلمة بكسر الميم في سورة مريم (قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا (23)) و (وَيَقُولُ الْإِنسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا (66))، الأنبياء (أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ (34))، (مِتّم) في سورة المؤمنون (أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُم مُّخْرَجُونَ (35))، آل عمران (وَلَئِن قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ (157) وَلَئِن مُّتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لإِلَى الله تُحْشَرُونَ (158))، (مِتنا) في سورة المؤمنون (قَالُوا أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (82))، الصافات (أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (16))، (أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ (53))، ق (أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ (3))، الواقعة (وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (47)). نافع، يعني أهل المدينة، والمغرب العربي، حمزة والكسائي حيثما وردت بكسر الميم في الأحد عشر موضعاً الميم مكسورة عندهم. إبن كثير (مكة)، إبن عامر (بلاد الشام) وأبو عمرو (البصرة) وشعبة عن عاصم (قبائل من الكوفة) مُتم بضم الميم حيث وردت في الأحد عشر موضعاً. حفص عن عاصم لوحده كسر الميم في تسعة مواضع وضمّ في موضعين. هذا الذي نقوله دائماً أن الراوي هو ناقل لما يسمع ممن سمع عن رسول الله r لا يتصرف، معناه شعبة عن عاصم في الأحد عشر موضعاً ضم الميم، عاصم أقرأ شعبة بقراءة وأقرأحفص بقراءة وقلنا قبائل كثيرة كانت متجمعة في الكوفة للفتح الإسلامي وهؤلاء القراء اخذوا منهم، حفص عن عاصم بكسر الميم إلا في آل عمران في الموضعين قال مُتم، لِمَ؟ لا يمكن أن نقول لِمَ سوى بقولنا أن القبائل قرأت هذا عن رسول الله r، لكن ما المعنى الذي يؤديه الكسر والضم؟
حفص عن عاصم ضمّ الميم في آيتي آل عمران لقراءة قبائل في الكوفة، في تسعة مواضع يكسر وفي موضعين تضم، قبائل أخرى حيثما وردت تُضمّ (شعبة عن عاصم) لم يقرأ إلا بالضمّ، قبائل أخرى بل مدن لم تقرأ إلا بالكسر وكلها عن رسول الله r، هذه لهجاتها، هي هكذا تنطق.
تقديم وتأخير الموت في آيتي سورة آل عمران:
لما نأتي إلى آيتي سورة آل عمران يلفت نظرنا فيها شيء وهي قول الله سبحانه وتعالى (وَلَئِن قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ (157) وَلَئِن مُّتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لإِلَى الله تُحْشَرُونَ (158)) نلاحظ في الأولى قدّم القتل وفي الثانية قدّم الموت. قد يقول قائل أن هذا لغرض التلوين والتنويع في الأسلوب وهذا طبيعي حتى لا يصير نفس الرتابة. لكن هناك شيء آخر وهو: لما تكلم عن سبيل الله يعني الشهادة قدّمها على الموت الإعتيادي لأن الشهادة مقدمة لأن للشهداء منزلة. لكن لما يتكلم عن الموت والقتل الإعتيادي الإنسان يموت موتاً اعتيادياً، قد يُقتَل خطأ، قد يُقتل بثأر، قد يقتل في الجهاد، قد تقتله أفعى، فقدّم الشيء الطبيعي، قدّم الأكثر الذي هو الموت، هذه لفتة بيانية أردنا أن نبينها.
نأتي إلى أصل اللغة: في اللغة نحن عندنا سيبويه – من كبار علماء العربية وكان أميناً وهو كان مشافهاً للعرب وأخذ العلم عن شيخه الخليل إبن أحمد الفراهيدي – لذلك علماؤنا كانوا يقولون إذا قال سيبويه تسكت والجاحظ يقول: كل ما كُتِب في النحو بعد سيبويه فهو على كتاب سيبويه عيال (أي عالة على كتاب سيبويه “الكتاب”). سيبويه كان مشافهاً للعرب وكان يسمع منهم وكان حتى يثبت الشواذ: يقول إذا كان الفاعل حقيقي التأنيث غير منفصل عن فعله فيحب تأنيث الفعل فيجب أن تقول: قالت فلانة ولا يجوز ” قال فلانة” ثم يقول ” وسمعت بعض العرب يقول: قال فلانة” هذا من الأمانة. سيبويه وغيره أشكل عليهم كلمة (مِتُّ) لأنه لما يكون (مِتُّ) مكسوراً معناه هو من الباب الرابع أي يفترض أن يكون المضارع مِت، يمات تمات مثل خِفت يخاف تخاف، ولما يكون المضارع يموت معناه هذا من الباب الأول، قال: يقول فكيف صار هكذا؟ سيبويه قال: جاءوا به كأنما على لغة من يجمع بين لغتين كما قالوا: فضِل يفضِل فجمعوا بين الباب الرابع من الفعل الماضي والباب الأول من الفعل المضارع، لكن قال هذا غير موجود في المعتلّ فكأنه مِت تموت جاءت على غير نظير، هذا لسيبويه. جاء بعد سيبويه بعض العلماء وقالوا هذه لغة طيّء، أفواج من قبيلة طيّء كانت ترد إلى البصرة ويسمع منها سيبويه ما سمع (يمات). وذكروا بيتاً يقول:
بُنيّ يا سيدة البنات عيشي ولا يؤمن أن تماتي
فجاء مثل خاف يخاف فإذن هذا من الباب الرابع في لغة طيّء. هذا البيت أنا فتشت عنه – ويذكرونه في المعجمات – لم يُعلَم قائله ولم أجد له قبلاً ولا بعداً وهذه لغة ما كان يعلمها لا سيبويه ولا العلماء الذي عاشوا مع سيبويه وهم أقرب إلى العرب منا وكانوا مع طيّء يسمعون منهم، فهذا الشاهد النادر. بعد ذلك القرآن الكريم استعمل المضارع من مات، إستعمل (يموت) ما قال (يمات) واستعمل (وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81) الشعراء) ما قال يماتني ثم يحييني، (قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ (258) البقرة) إستعمل المضارع فلم يرد لا في القرآن ولا في الشعر العربي غير هذا الموضع إستعمال المضارع. أمات من الرباعي ويميت من الرباعي. لما نأخذ أمات ونبنيها للمجهول تصير أماتني فأنا أُمِتُّ مثل أكرمني فأنا أُكرِمت. لما يقول أُمِتُّ، الهمزة ثقيلة وأحياناً تُحذف. نلاحظ لما جاء إلى كلمة (لكن أنا) في (لَّكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا (38) الكهف) (لكنا) في الوقف هي (لكن أنا) حذف الهمزة فصار إدغام، يقول ناس أصلها أناس وحذفت الهمزة فصارت ناس، اللوقة التي هي الزبدة أو قسم يقول الزبدة بالتمر يسمونه لوقة قال: لا آكل إلا ما لُوِّق لي أي لُيِّن، لوقة أصلها ألوقة حذفت الهمزة. فإذن حذف الهمزات وارد عندنا. كلمة الله يقولون أصلها الإله وحذفت الهمزة فصارت الله وفُخِّمت فصارت الله لثقل الهمزة. فالذي يتجه لي – والله أعلم – أن (مِت) أصلها (أُمِت) أي أماته الله للمتكلم، (أُمِت) ثم حذفت الهمزة فبقيت (مِتُّ).
لما يقول (مِتُّ) أصلها (أُمِتُّ) والتاء نائب فاعل أي أماته الله ثم بناه لصيغة المفعول. ولما يقول (مُتُّ) ينسب الموت لنفسه فتُعرب التاء في مُتُّ ضمير مبني في محل رفع فاعل، وفي (مِتُّ) التاء ضمير مبني في محل رفع نائب فاعل مثل أكرمت وأُكرمت. وفي الحالين الأمر مردّه إلى الله سبحانه وتعالى. إذا قال (مِتّ) على سبيل المجاز لأن الله سبحانه وتعالى هو المميت سبحانه والإنسان لا يميت نفسه. فإذن هذه القراءات (مِت) قراءة سبعية و(مُتّ) قراءة سبعية لكن الفهم إذا كسر يفهم كأنه بُني للمجهول (مُت) وإذا ضم الميم تكون نسب الفعل إلى نفسه، وفي الحالين الفاعل الحقيقي هو الله سبحانه وتعالى.
Normal 0 false false false MicrosoftInternetExplorer4 /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:”Table Normal”; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:””; mso-padding-alt:0in 5.4pt 0in 5.4pt; mso-para-margin:0in; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:”Times New Roman”; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;}
أسئلة المشاهدين خلال حلقة 23/12/2006م:
كلمة (إبراهم) في سورة البقرة فقط وردت بدون ياء فما دلالة ذلك؟
ما الفرق بين (فأردت، فأردنا، فأراد ربك) في سورة الكهف؟
ما معنى (فارجع البصر) في آية سورة الملك (فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ (3))؟
ما معنى (من حيث لا ترونهم) (إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ (27) الأعراف)؟ ولما لم يستعمل (بحيث لا ترونهم) بدل من حيث؟
(وجاءت سكرة الموت) فيها قراءة مختلفة فهل هي صحيحة؟ هناك قراءة شاذة منسوبة لأبي بكر ولكنها لا تصح لأنها خلاف رسم المصحف وهي ليست ثابتة وليست متواترة وما لم يكن متواتراً بنقل الأمة عن الأمة لا يؤخذ به في كتاب الله عز وجل.
ما دلالة (بها) في قوله تعالى (عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ (28) المطففين)؟
ما معنى (هذه سبيلي) في الآية (قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108) يوسف) وربطها بالحديث الشريف لما خطّ الرسول rr خطّاً في الرمل وقال هذه سبيلي؟
ما هو مصدر كلمة (إفترى)؟
ما الربط بين الأرض والجنة في الآية (وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاء فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (74) الزمر)؟
ما دلالة العذاب الأليم في الآية (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (21) الشورى)؟
ما الاختلاف بين الآية (فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ (83) يونس) والآية (وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ (88))؟ وما دلالة استخدام ضمير الجمع في (ملئهم) مع أن فرعون واحد؟
ما الفرق بين الآيتين (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَمَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ (82) غافر) و(أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا (44) فاطر)؟ والفرق في (أفلم، أولم، كانوا، وكانوا، أكثر منه وأشد، أشد منهم قوة)؟
ما دلالة ذكر (وهذا أخي) في آية سورة يوسف (قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَـذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَيْنَا (90)) مع أن إخوة يوسف يعرفون أخاهم بنيامين؟
ما الفرق بين الآيتين (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) لقمان) و (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا (15) الأحقاف)؟ ولماذا قيل في الأولى (وفصاله في عامين) وفي الثانية (وفصاله ثلاثون شهراً)؟ ولماذا لم يقل في الأولى (ووصينا الإنسان بوالديه حُسنا) كما قال تعالى في الآية (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا (8) العنكبوت)؟
في الآية (قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا (8) مريم) سمعت قارئاً يقراً (عُتيا) بضم العين فهل هذه قراءة صحيحة؟ نعم هذه قراءة برواية مثل الفرق بين من يقرأ يحسَبون ومن يقرأ يحسِبون.
سياق الآيات في سورة النور قوي لكن أشكل عليّ سياق الآية (وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا (33))؟
(لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ (57) النور) ما الفرق بين ورود (بئس) و (لبئس) في القرآن الكريم؟ ومتى تدخل اللام على (بئس)؟
بُثّت الحلقة بتاريخ 23/12/2006م
2009-01-27 18:41:20