تابع سؤال 315: نحن وقفنا في الحلقة الماضية عند هذه الآية في قول الله سبحانه وتعالى (قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى (63) طه) وقلنا إن القبائل العربية التي كانت في البصرة بمجموعها كانت تقرأ (إنّ هذين لساحران) وهذه لا سؤال فيها لأن إسم (إنّ) منصوب (إنّ هذين) وهذه قراءة أبي عمرو. وأن بعض القبائل التي في الكوفة وأهل مكة لأن إبن كثير وحفص يقرأون (إن هذان لساحران) وهذه أيضاً لا سؤال فيها لأن (إن) هي (إنّ) المثقلة خُففت وإذا خُففت يزول عملها وترتبط اللام بخَبَرها للتفريق بينها وبين النافية حتى لا يُظنّ أنها للنفي فيلزم خبرها اللام، وهذه أيضاً لا سؤال فيها.
السؤال يرد فيما كانت تقرأ به عدد من قبائل الكوفة (شعبة والكسائي وحمزة كلهم في الكوفة باستثناء حفص من أهل الكوفة)، الذين كانوا يقرأون (إن هذان) قِلّة قبيلة أو قبيلتان وسائر القبائل كانت تقرأ (إنّ هذان لساحران) وأهل المدينة كانوا يقرأون (إنّ هذان لساحران) وأهل الشام يقرأون (إنّ هذان لساحران) هذا معناه أن هناك قبائل كثيرة سمعت منالرسول r (إنّ هذين لساحران) قبائل أخرى كثيرة سمعت (إن هذان) وقبائل أخرى سمعت (إنّ هذان) أو قرأوا بين يديه فأجازها r بأمر من ربه كما بيّنا في قضية القراءات القرآنية أنها لا تكون بما يوافق العربية إذا لم يكن لها سند من إقرارالرسول r فهذا أقرّه رسول الله r. ملاحظة أساسية: إختلاف القراءات التي هي بقايا الأحرف السبعة، إختلافها لا يؤدي إلى إختلاف في المعنى حتى إذا كانت اللفظة فيها خلاف معنوي المحصلة النهائية تكون واحدة. مثلاً عندنا (وما هو على الغيب بضنين) على النطق الحالي الذي لا نقره، هذه دال مطبقة وتوقع القارئ في مشكل في مثل (وإذا مرضت فهو يشفين) إما أن يُدغِم إدغاماً ناقصاً وإما أن يقلقل وكلاهما لا يجوز، هي ليست ضاد وإنما هي لو أردنا أن ندقق فيها هي الضاد التي تخرج رخوة ومن الجانب وقد تحدثنا فيها في مرة ماضية. الذي قرأ بالضاد التي كالصاد المنقوطة أو المعجمة قراءة نافع (أهل المدينة) وإبن عامر (أهل الشام) وعاصم (بعض قبائل الكوفة) وحمزة (بعض قبائل الكوفة)، قرأها (بضنين) بالظاء التي كالطاء أهل مكة كلهم، إبن كثير وأهل البصرة والكسائي من قبائل الكوفة هذا قرأ على النطق الحالي (بضنين) وذاك قرأ على النطق الثاني (بظنين). ضنين الأولى التي بالضاد معناها بخيل وضنين الثانية بالظاء معناها متّهم، بخيل متهم، نحن القراءات معنى في المحصلة لا يختلف، بخيل بماذا؟ بخيل بالإبلاغ أنه لا يبلغ الرسالة كاملة، يبخل بإبلاغها، وهنا متّهم في إبلاغها فصار المحصلة النهائية أنه ليس مقصراً في الإبلاغ، هو لا يقصر في الإبلاغ، سواء قرأها هكذا أو قرأها هكذا فُهِم البخل أو فُهِم الإتهام النتيجة الأخيرة أنه لا يقصر في الإبلاغ. لما يقرأ (يحسَبون كل صيحة عليهم) ويفتح السين ويقرأ يحسِبون بالكسر (نافع يقرأ يحسِبون)) لا يختلف المعنى عند العرب، هذه القبائل تقول حسِبته حسِبه يحسِبه وهذه تقول حسِبه يحسَبه، المكسورة حسِب ليس فيها سوى وجهين لأن الكسر لا يُحتمل معه إلا الفتح أو الكسر. فإذن ليكن هذا في ذهن المشاهد الكريم لما نقول قرأ فلان كذا وقرأ فلان كذا أن المعنى الأساسي لا يتغير، لا يختلف. (إنّ هذين) فيه تأكيد، هنا نسبة السحر لموسى وهارون، أو (إن هذان لساحران) التوكيد قلّ قليلاً أو (إنّ هذان لساحران) بالمعاني التي سنذكرها وهي كلها فيها نسبة السحر إلى هذين، يبقى شيء من التأكيد، قلة تأكيد، إلخ. هذه لما نقول القراءات في محصلتها النهائية لا تختلف.
سؤال من المقدم: يقول قائل لِمَ التعدد في هذه القراءات ولم يلزموا نطقاً واحداً؟ ألا يحدث هذا إضطراباً؟
لا لأنه ما أحدث إضطراباً من قبل والسر في هذا أن الله عز وجل وصف رسوله r بأنه بالمؤمنين رؤوف رحيم فمن رحمته r لما نظر إلى أمة العرب وهي أمة أمية في جمهورها، صحيح هناك من يقرأ ويكتب لكن العام الغالب من العرب كانوا أميين فكان الرجل منهم يسمع الآية وينطقها وفق لهجته يعني هو لا يأخذها كتسجيل، هو يسمع العبارة وعندنا نص لسيبويه في قوله تعالى (ما هذا بشراً) يقول: والتميمي (معناه كل تميمي) يرفعها إلا إذا كان عرف كيف هي في المصحف، يعني التميمي لما يسمع (ما هذا بشراً) هو لما يقرأها يقرأها ما هذا بشرٌ إلا إذا قيل له هي مرسومة في المصحف بألف بعد الراء فعند ذلك يطوّع لسانه يغيّر لهجته فيقول (ما هذا بشراً) وإلا من دون ذلك هو يقرأها (ما هذا بشرٌ) لأنه (ما) في لغة تميم لا تعمل عمل (ليس). التميمي يقول: ما زيدٌ ناجحٌ الحجازي يقول ما زيد ناجحاًً. لما رسم المصحف على لغة قريش رسم عندنا ألف بعد الراء فالتميمي الذي يعتمد على السماع فقط يقرأها (ما هذا بشرٌ) هو سمعها ما هذا بشراً لكن ينطقها ما هذا بشرٌ كما قيل (فتربصوا به حتى حين) يقول (عتى حين)، لأن (حتى) عنده (عتى). – عندنا فاكهة في العراق هي نوع من الفاكهة الصيفية نسميها ڠوجة فأحد أساتذتنا المصريين يقول ما هذه؟ إما جوجة أو ڠوڠة.- (حتى) يقرأها (عتى) كما قالت أم الهيثم:
إذا لم يكن فيكنّ ظلٌ ولا جنى فأبعدكنّ الله من شيرات
أثبتت الجيم في (جنى) وأبدلت الجيم ياء في (شيرات تقصد شجرات) ليست كل جيم يقلبونها. أنت تقلب القاف همزة في مصر (تقول عن القلم الألم) لكن لا يوجد مصري يقول عن القاهرة الآهرة، لا يكون الإبدال في كل موقع.
سؤال من المقدم: إذا جاز هذا داخل الكلمة الواحدة سواء من الناحية النحوية أو من الناحية الصرفية لكن من الناحية النطقية أحياناً القراءة تنقل الكلمة من إسم إلى فعل مثلاً: (إنه ليس من أهلك إنه عملٌ غير صالح) وفي رواية (إنه ليس من أهلك إنه عمِلَ غير صالح) و (لقد جاءكم رسولٌ من أنفُسِكم) وفي رواية (لقد جاءكم رسول من أنفَسِكم) ربما يقول المشككون في القرآن الكريم لِمَ هذا التنوع؟
المشكك لا يدرك حقيقة الأحرف السبعة والمفروض أن الإنسان يحترم نفسه عندما يعرف أمراً من الأمور على الناس ويحترم الناس الذين يخاطبهم. لما يأتي أحد المستشرقين ويقول: إن القرآن نزل (وهذه الكلمة (نزل) في الترجمة وإنما هو يقول قيل في القرآن، هو لم يقل نزل لأنه هو لم يؤمن بأنه نازل، المترجم لما ترجم كلامه قال (نزل) أي غيّر في عبارته. لما يقول القرآن نزل أو قيل أو كُتب (تستعمل ما شئت في الترجمة) بلغة مكة المجردة من الإعراب وعلماء البصرة أعربوه، هذا يجهل تاريخ القرآن ويجهل خط المصحف. نحن عندنا المؤمنون مكتوبة بالواو، المؤمنين بالياء، يا أبانا بالألف، أبونا بالواو، هذا كله إعراب، صحيح الفتحة والضمة والكسرة لم تكن موجودة لكن العربي كان ينطقها. هذا يجهل تاريخ القرآن ويتكلم ويقولون عنه عالم كبير. لأن العرب أمة أمية ما عندها شيء مكتوب وإنما على السماع وتغيّر وفق لهجات قبائلها. يقول السختياني قرأ عليّ أعرابي في الحرم: (طيبى لهم وحسن مآب) فصحح له قُل طوبى فقال كيبى، نُقِلت لهم (طوبى لهم وحسن مآب) قال (طيبى) هو ليس من باب المعاندة لكن هو في قبيلته لا يعرف شيئاً إسمه (طوبى) وإنما (طيبى). فالقبائل العربية لما لم تكن تقرأ وتكتب،الرسول r دعا ربه أن يرخّص لأمته في لهجاتها، هذه من رحمة رسول الله r فأقرّها رب العزة له. كل هذه اللهجات سمعها منهم أو هو إبتداءً نطقها لهم بأكثر من لهجة لكل قبيلة. عمر رضي الله قال لابن مسعود لما سأل هذا العراقي قرأ بين يديه (عتى حين) قال عمر: من أين الرجل؟ – عمر كان يمتحن الناس – قال: من العراق – هذيل لم تذهب إلى العراق -، قال: من أقرأك (عتى حين)؟ قال: ابن مسعود. (وابن مسعود صحابي هذلي يقرأ بين يدي رسول الله r : فتربصوا به عتى حين وأجازها له بأمر من ربه) فكتب له عمر رسالة: أما بعد فأن الله عز وجل أنزل القرآن وجعله عربياً وأنزله بلغة قريش فأقريء الناس بلغة قريش ولا تقرئهم بلغة هذيل. هذا كان رخصة لهذيل فقط أما أنت تعلم الناس على لسان هذيل، علّمهم على كلام قريش. لما جاء عثمان رضي الله عنه قال: إذا اختلفتم في حرف فاكتبوه بلغة قريش فإنه بها نزل. فكُتِب المصحف على لسان قريش، حتى لما اختلفوا في التابوت يكتبونه بالتاء أو بالهاء، فقال القرشيون التابوت، وقال الأنصاري التابوه، فرفع اختلافهم إلى عثمان، فقال: اكتبوه التابوت، فانه نزل بلسان قريش. لما ذهبت نُسخ المصاحف إلى البصرة والكوفة والمدينة والشام أهل كل بلد كانوا يقرأون بحرف تركوا ما كانوا يقرأون به من الحروف إلى ما وافق الرسم. لما نأتي إلى (هذان وهذين) هي (هذان) نون مرسومة فأهل البصرة قالوا عثمان كان يريدنا أن نقرأ (إنّ هذين) لأنهم كانوا يقرأونها هكذا، الذين كانوا يقرأون (هذان) قالوا عثمان هو أقرها فبقيت هذه آثار الأحرف وهي القراءات. إذن هي من رحمة رسول الله r وقبل ذلك من رحمة الله سبحانه وتعالى إستجابة لرحمة محمد r أنه كانت هذه القراءات. عثمان رضي الله عنه أراد أن يحمل الناس على حرف واحد (قريش) لكن لأن الرسم احتمل بقيت عندنا هذه القراءات وهي لا تغيّر المعنى وهو نزل بلغة قريش لكن رخّص للقبائل الأخرى. هذه واحدة، والمسألة الثانية القبائل قرأت هكذا والعلماء يحاولون أن يفسروا، يحاول أن يوجه لما يسمعون هذه القبيلة تقرأ هكذا يقولون ما توجيهها، عندنا لغة “أكلوه البراغيت”
تولى قتال المارقين بنفسه وقد أسلماه مبعدُ وحميم
هذه على تلك اللغة والشاعر قرشي. العلماء قالوا توجّه إما على التقديم والتأخير، العربي نطق بها هكذا فلا تقول له أنت أخطأت لأنك أنت تقول للإنسان أخطأت إذا كان متعلماً فإذا علمته الفاعل مرفوع وهو ينصب الفاعل تقول له أخطأت لأن أنا حفّظتك هكذا، لكن لما هو يتكلم هكذا هذه لهجته العلماء لا يقولون له أخطأت وقلنا أن أحدث النظريات اللغوية في العالم أن إبن اللغة لا يُغلَّط فابن اللغة هو يستطيع أن يحكم إذا كانت هذه الجملة أصولية أو غير أصولية ويستطيع أن يبتكر ما لا حصر له من الجُمل. فمهمة العالِم إذن التوجيه والتفسير.
(إنّ هذين) لا نحتاج فيها إلى توجيه، (إن هذان) لا نحتاج فيها إلى توجيه لأنها جاءت على اللغة العامة. الحاجة إلى كلمة (إنّ هذان) هذه القبائل لعلهم الأغلب قرأوا (إنّ هذان) وقلنا قبائل الكوفة والمدينة والشام والآن أهل المغرب الذين هم تبع لأهل المدينة، قراءتهم قراءة أهل المدينة قرأوا (إنّ هذان) يبقى مهمة اللغوي أن ينظر هذه القبائل على أي أساس قرأت (إنّ هذان)؟ وأقرّها الرسول r لأن هذه لغتهم، هذا نطقهم.
عندنا أكثر من توجيه وبعض العلماء وصل به إلى ست توجيهات لكن نحاول أن نقلص التوجيهات: التوجيه الأول قالوا: (إنّ هذان لساحران) (إنّ) هاهنا بمعنى نعم هذان لساحران واستعمال (إنّ) بمعنى نعم وارد في أكثر من شاهد وعندنا شواهد متعددة لعبيد الله بن قيس الرقيّات، شاعر قرشي يقول في رواية:
بكر العواذل في الصباح يلمنني وألومهنّ ويقول شيبٌ قد علاك وقد كبرت فقلت إنّ
(ألومهنّ توكيد) وجاء بهاء التي للسكت، الضمير هنا (هنّ) في (ألومهنّ) ضمير المفعول به إتصل بـ (ألوم) ودخلت عليه هاء السكْت ثم قال (ألومهنّه) بالهاء وفيها قال أيضاً: ولن أطيع أمورهنّه، (فقلت إنّ) أي نعم علاني الشيب وقد كبرت.
لما تكون (إنّ) بمعنى نعم (إنّ هذان لساحران) صار عندهم إشكال وجود اللام في (لساحران) يعني نعم هذان لساحران مبتدأ وخبر، كيف تدخل اللام على الخبر وحقّها أن تدخل على المبتدأ؟ فقالوا العربي يدخلها على الخبر أيضاً وعندنا شواهد على دخولها منها شاهد لعنترة بن عروس
أم الحُليس لعجوزٌ شهربة ترضى من اللحم بعظم الرقبة
(أم الحليس) مبتدأ، (لعجوز) خبر فأدخلها على الخبر. وعندنا (خالي لأنت) وإن كانوا قالوا هذا على التقديم والتأخير لكن نأخذه على ظاهره لأن (خالي) يصلح على الإبتداء (خال) مضاف إلى المتكلم (لأنت) مضاف إلى معرفة فدخل على خبر. وهناك شاهد لعمرو بن عبد الله بن عثمان يمدح الرسول r فيقول:
فإنك مَنْ حاربته لمحاربٌ ومن سالمته لسعيد
(من) مبتدأ، إذن ليس مستغرباً أن تدخل اللام على الخبر وتكون (إنّ) في هذه الحالة بمعنى نعم.
الفريق الآخر قال هذه لغة للعرب يلزمون المثنى الألف يعني يقول: جاء الرجلان، رأيت الرجلان، سلّمت على الرجلان.
إن أباها وأبا أباها قد بلغا في المجد غايتاها
(قد بلغا في المجد غايتاها) موطن الشاهد للتثنية، فيه شاهدان.
من شواهدها المتلمِّس شاعر جاهلي توفي عام 43 قبل الهجرة:
فأطرق إطراق الشجاع ولو يرى مساغاً لناباه الشجاعُ لصمّما
ما قال (لنابيه) وقال (لناباه). الشعراء يتحدثون بمثل هذه اللهجات يعني أكثر من قبيلة، بنو الحارث وزبيد وخزعم وكنانة كانت تتكلم هكذا، إذن جملة قبائل وليست قبيلة واحدة. هوبر الحارثي شاعر جاهلي
تزود منا بين أذناه ضربة دعته إلى هاب تراب عقيم
إبن قارس 394 هـ يقول: كل ياء ساكنة انفتح ما قبلها يقولونها ألِفاً بعض العرب حتى (عليه) يقولون (علاه)، (لديه، لداه). نحن عندنا في لغة العرب عموماً الياء المتحركة إذا انفتح ما قبلها تقلب ألِفاً مثل بيع باع، هذه القبائل الياء الساكنة إذا إنفتح ما قبلها تقلب ألِفاً. ينبغي أن نفهم أن الشعراء كانوا يحاولون ترك لهجاتهم إلى لهجة قريش قبل الإسلام وكأنه ذلك كان تمهيداً من الله سبحانه وتعالى أن تسود لهجة قريش. الآن كيف أن اللهجة المصرية مفهومة من كل العالم العربي وليس هناك عربي لا يفهم اللهجة المصرية لكن لا أظن أن هناك عربي يفهم اللهجة الجزائرية غير الجزائري. لكن لأنه كانت الناس يفدون للحج ثم صارت للتجارة ثم صارت الأسواق الأدبية ومفاخرة القبائل وكله قبل الإسلام فصار الشاعر ابتداءً يحاول أن يقول قصيدته بلهجة قريش حتى تفهمها جميع القبائل وترجع القصيدة بلهجة قريش إلى كل الجزيرة يتناقلها الناس فسادت لهجة قريش وهذا الذي جعل امرأ القيس يكتب بلهجة قريش فلما أثير أنه كيف يكتب بلغة قريش وهو من اليمن إذن هذا موضع، فسّرها العلماء قالوا الشعراء كانوا يتقصدون لكن تبقى فيها آثار من لهجاتهم هي التي حفظت بعض لهجاتهم. الفرزدق تميمي، والتميمي – كما قلنا – لا يُعمل (ما) يقول (ما زيدٌ مجتهدٌ) ما يقول (ما زيدٌ مجتهداً)، القرشي إذا قدّم خبر (ما) على المبتدأ يُهملها يعني يقول (ما مثلك رجلٌ) لأن قدّم، جاء الفرزدق فعلم أن قريشاً تنصب مع (ما) يريد أن يتكلم على لغة قريش فقال:
قد أصبحوا قد أعاد الله نعمتهم إذ هم قريش وإذ ما مثلَهم بشرُ
قالوا كيف نصبت؟ قال هذه لغة قريش، قالوا: قريش إذا قدّمت تُهمل، فإذن كانوا يغريون من ألسنتهم رعاية للغة القرآن بعد ذلك، قبل ذلك كانوا يراعون لغة المحفَل. وعندنا أكثر من شاهد كما قلنا لكونها لغة.
إبن جنّي أيضاً يقول: من العرب من لا يخاف اللبس ويجري الباب على أصل الرفع بالألف فيقول: قام الزيدان وضربت الزيدان ومررت بالزيدان وهم بنو الحارث وبطن من ربيعة.
سؤال من المقدم: لماذا لم يصر الرسول r على تعليم العرب القرآن الكريم بلغة واحدة؟
لا يمكن إذا لم تكن هناك كتابة لأنه كان الرجل كان يأتي إلى الرسول r يسمع الآيات ويذهب إلى قبيلته، ما كانت جماهير القبائل تحضر ويلقنها كما يفعلون الآن، يأتي أفراد يسمعون القرآن ويرجعون والقبيلة كانت بعيدة تدخل في الإسلام بإسلام موفدها وهذه من رحمته r (بالمؤمنين رؤوف رحيم). لكن لما صارت الكتابة أراد عمر رضي الله عنه أن يجمع الناس على حرف واحد لأنه في زمن عمر قلّ من الناس من كان لا يعرف القراءة والكتابة. يقول في تاج العروس لما جاء الرجل لقيه عمر في السوق من أين الرجل؟ قال من بني فلان، فقال: أتقرأ القرآن؟ قال نعم يا أمير المؤمنين، فقال: إقرأ عليّ أم القرآن – هو ما فهم أن أم القرآن هي الفاتحة – قال يا أمير المؤمنين أنا لا أعرف البنات من أين أعرف الأم؟ فأخذه وأسلمه إلى الكتّاب لأن نحن عندنا صار مجالس تعليمية بعد معركة بدر لأن الأسرى كانوا يعلّمون فصارت مجالس تعليم. لبيد ابن أبي ربيعة الشاعر ترك شِعره وصار يُقريء الناس البقرة فلما قيل له لم لا تقول شعراً؟ قال: أبدلني الله ما هو خير منها، من الشعر وصار يحفظ الناس. كان مجالس تعليم، فأسلمه إلى الكُتّاب صاروا يعلّمونه وتعلّم شيئاً وانهزم وترك قصيدة وقال منها:
أتيت مهاجرين فعلّموني ثلاثة أحرف متتابعات
وحطوا لي أباجاد وقالوا تعلّم سعفصاً وقريّشات
وما أنا والقراءة والتهجّي وما حظ البنين من البنات.
معناه تعلّم لكن ما أراد أن يمكث كثيراً. ففي زمن عمر كان التعليم قد إنتشر وبعد ذلك إنتشر بشكل أوسع فلم يعد هناك مجال للتشبث بهذه الرُخص لذلك بعض العلماء يذهب _وأنا أميل إلى هذا الرأي – نتمنى لو اجتمع المسلمون على رواية واحدة. الآن رواية حفص عن عاصم طبعت بالملايين ويكف عن طبع الروايات الأخرى وهذا يشيع لأن كله قرآن وكله سليم وكله جائز وكله يصلّى به، وهذا يجمعنا، هذا توجيه.
إما أن تكون لغة وإما (إنّ) بمعنى نعم. البعض قال على إضمار الشأن أي إنّ الأمر أو الشأن هذان لساحران، هذا توجيه النحويين لكن الأصل أن قبائل العرب نطقت هكذا ومهمة النحوي أن لا يفرض على الناس كيف يتكلمون وإنما أن يفسر كلامهم.
بُثّت الحلقة بتاريخ 31/1/2007م
2009-01-27 18:14:21