لطائف بيانية, لمسات بيانية

لمسات بيانية – تذكير الفعل أو تأنيثه مع الفاعل المؤنّث

اسلاميات

تذكير الفعل أو تأنيثه مع الفاعل المؤنّث

      فإذا قصدنا باللفظ االمؤنّث معنى المذكّر جاز تذكيره وهو ما يُعرف بالحمل على المعنى. وقد جاء في قوله تعالى عن الضلالة (فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (30) الأعراف) وقوله تعالى (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (36) النحل). ونرى أنه في كل مرة يذكر فيها الضلالة بالتذكير تكون الضلالة بمعنى العذاب لأن الكلام في الآخرة (كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (29) الأعراف) وليس في الآخرة ضلالة بمعناها لأن الأمور كلها تنكشف في الآخرة. وعندما تكون الضلالة بالتأنيث يكون الكلام في الدنيا فلمّا كانت الضلالة بمعناها هي يؤنّث الفعل.

            تذكير كلمة شفاعة مرة وتأنيثها مرة أخرى في سورة البقرة: قال تع      يؤنّث الفعل مع البيّنات إذا كانت الآيات تدلّ على النبوءات فأينما وقعت بهذا المعنى يأتي الفعل مؤنثاً كما في قوله تعالى في سورة البقرة (فَإِن زَلَلْتُمْ مِّن بَعْدِ مَا جَاءتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ {209}) والآية (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ {213}) و (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَـكِنِ اخْتَلَفُواْ فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلُواْ وَلَـكِنَّ اللّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ {253})، وقوله في سورة النساء (يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَاباً مِّنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُواْ مُوسَى أَكْبَرَ مِن ذَلِكَ فَقَالُواْ أَرِنَا اللّهِ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَن ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَاناً مُّبِيناً {153}).

      فالبيّنات هنا تأتي بمعنى الأمر والنهي وحيثما وردت كلمة البيّنات بهذا المعنى من الأمر والنهي يُذكّر الفعل كما في قوله تعالى في سورة آل عمران (كَيْفَ يَهْدِي اللّهُ قَوْماً كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُواْ أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ {86}) و (وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ {105}) وفي سورة غافر (قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَمَّا جَاءنِيَ الْبَيِّنَاتُ مِن رَّبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ {66}).

      وقد يكون التأنيث للكثرة والتذكير للقلة كما في قوله تعالى (قالت الأعراب آمنا) وقوله تعالى (وقال نسوة في المدينة). ونقول أن هذا الأمر جائز من حيث الجواز اللغوي وليس في هذا شيء لكن السؤال يبقى لماذا اختار تعالى التذكير في موضع والتأنيث في موضع آخر؟ ونأخذ قوله تعالى (جاءكم رسول) بتذكير فعل جاءكم، وقوله تعالى (جاءت رسل ربنا) بتأنيث فعل جاءت. ونلاحظ أنه في الآية الأولى كان الكلام عن جميع الرسل في جميع الأمم من آدم إلى أن تقوم الساعة وهذا يدل على الكثرة فجاء بالفعل مؤنّثاً للدلالة على الكثرة. أما في الآية الثانية فالخطاب لبني إسرائيل ولزمرة منهم وفي حالة معينة أيضاً وهذا يدل على القلة فجاء بالفعل مذكّراً.

            من باب استعمال (من). والسؤال هو لماذا استعمل (من) في الآية؟ من أصلاً في اللغة تستعمل للمذكر والمؤنث والمفرد والمثنى والجمع وطبيعة الأكثر في كلام العرب  والقرآن أنه حتى لو كان الخطاب للإناث أو الجمع يأتي أول مرة بـ (من) بصيغة المفرد المذكر ثم يعقبه ما يوضح المعنى. ومهما كانت حالة من سواء أكانت إسماً موصولاً أو نكرة تامة بمعنى شخص أو ذات أو كانت اسم شرط، يؤتى بها بصيغة المفرد المذكر أول مرة ثم يُعاد عليها بمعناها في المرة الثانية كقوله تعالى (ومن الناس من يقول آمنا بالله واليوم الآخر وما هم بؤمنين) وهذا هو خط القرآن وهو الأكثر في كلام العرب وهذا هو الأصل. وكقوله تعالى (ومنهم من يقول ائذن لي ).والآية موضع السؤال (من يأت منكن) تدخل في هذه القاعدة جاء بـ (من) بما يدل على الإفراد والتذكير ثم جاء فيما بعد بما يدل على المعنى. وإذا خرج  عن هذا الأمر كما في قوله تعالى (ومنهم من ينظر إليك ومنهم من يستمعون إليك) جاء في الأولى بالإفراد والثانية جمع لماذا؟ نسأل أيهما أكثر الذين ينظرون إلى الشخص أم الذين يستمعون إليه؟ الجواب الذين يستمعون ولهذا عبّر عنهم بالجمع لأنهم أكثر. ولهذا عندما يخالف القاعدة فإنه يخالف بما يقتضيه السياق والمعنى.

            إذا كثرت الفواصل فالتذكير أفضل. في الآية الأولى الفاصل بين الفعل وكلمة أسوة (لكم ) أما في الآية الثانية فالفاصل (لكم فيهم) وفي الثالثة (لكم في رسول الله) فعندما تكون الفاصلة أكثر يقتضي التذكير.وهناك أمر آخر وهو أن التذكير في العبادات أفضل وأهمّ من التأنيث كما جاء في مريم (وكانت من القانتين) لأن الذين كملوا في التذكير أكثر. وكذلك عندما يتحدث عن عبادة الملائكة يذكّر.  أي العبادات أكثر في هذه الآيات؟ في الأولى الأسوة كانت في القول في أمر واحد إلا (إلا قول ابراهيم) جادله قومه والإستثناء هو قول ابراهيم، أما في الثانية (فيكم أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر) هذه عامة وهي أهمّ ولذلك أكّدها باللام (لقد كان لكم) وجاء بأمرين بتذكير العبادة كما جاء باللام في جواب القسم المقدّر وكذلك في آية سورة الأحزاب الآية عامة ولم يخصص بشيء ولهذا ذكّر وخصص باللام الواقعة في جواب القسم، أما في الأولى فجاء بـ (قد) وأنّث الفعل. فعندما اتسعت العبادة وصارت أعمّ وأوسع من الأولى ذكّر وجاء باللام وهذا هو الأمر البياني بالإضافة إلى الأمر النحوي الذي تحدثنا عنه.

      التذكير مرة والتأنيث مرة مع الملائكة في القرآن الكريم : يمكن أن يؤنّث الفعل أو يُذكّر إذا كان الجمع جمع تكسير كما في قوله تعالى (قالت الأعراب آمنا) و(قالت نسوة في المدينة) فيجوز التذكير والتأنيث من حيث الحكم النحوي.

أما لماذا اختار الله تعالى التأنيث في موطن والتذكير في موطن آخر فهو لأن في الآيات خطوط تعبيرية هي التي تحدد تأنيث وتذكير الفعل مع الملائكة. وهذه الخطوط هي: