تفسير القرآن للشعراوي, كتب الشيخ الشعراوي

من كتاب الفضيلة و الرذيلة – إنها ليست لصالح الله

اسلاميات

إنها ليست لصالح الله

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.

 

قال الله تبارك وتعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ) النساء 59.

 

هناك حيثيات توجب هذا الأمر من الله تعالى لعباده فنحن ـولله المثل الأعلى ـ نلحظ بعد صدور حكم قاض من المحكمة أنه يصدر على حيثيات لهاذا الحكم ،  وهذه الحيثيات هي التبرير القانوني للحكم سواء كان بالعقوبة أو بالبراءة.

 

اذن فالقاضي يحكم بناء على حدوث وقائع مطابقة لمواد القانون.

وعلى هذا فحيثيات أي حكم هي التبريرات القانونية التي تدل على سند هذا الحكم.

 

وقول الحق سبحانه وتعالى:{ أطيعوا الله وأطيعوا الرسول} فيه نلحظ أن الحق سبحانه لم يقل:” يا أيها الناس أطيعوا الله وأطيعوا الرسول”

ولكنه سبحانه وتعالى قال:{ يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول}.

 

اذن فالحق سبحانه وتعالى لم يكلف مطلق الناس بأن يطيعوه،  وانما كلف مطلق الناس أن يؤمنوا به.

 

اذن فحيثيات الطاعة لله وللرسول نشأت من الايمان بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم،  وهذه عدالة من الخالق سبحانه وتعالى،  فهو سبحانه لم يكلف واحدا أن يفعل فعلا الا اذا كان قد آمن به تعالى،  وآمن بالرسول صلى الله عليه وسلم مبلغا وشرعا ،  ولذلك نجد كل تكليف من الله تعالى يبدأ بقوله سبحانه وتعالى: { يا ايها الذين آمنوا}  اذن فحيثيات طاعة الله تعالى، وطاعة الرسول هي الايمان.

 

ولذلك نقول دائما: اياكم أن تقبلوا على أحكام الله بالبحث عن عللها أولا،  ثم الايمان بها ثانيا،

 

 ولكن أقبلوا على أحكام الله أولا واسمعوا  وأطيعوا،  واخضعوا واخشعوا،  ثم من بعد ذلك لا مانع من أن يقوم العقل بالتدبر والتأمل ليفهم شيئا من الحكمة التي من أجلها تم تحريم هذا الشيء أو ذاك ،  أقول بعض الحكمة وليس كل الحكمة،  ذلك أن حكمة الله لا تتناهى ولا تدرك ولا يحاط بها.

 

وهناك فرق بين أمر البشر للبشر،  وأمر الله تعالى للمؤمنين به،  فان أمر الله للبشر تسبقه العلة وهي أن الانسان قد آمن به،

 

 أما أمر البشر للبشر فمنهم من يقول مثلا: أقنعني حتى أفعل ما تأمرني به، لأن عقلك ليس أكبر من عقلي، ولست بأقدر على الفهم مني

 والانسان لا يصنع شيئا صادرا اليه من بشر الا اذا اقتنع به، وأن تكون التجارب قد أثبتت لك أن من يأمرك بهذا الأمر، أنه لا يغشك فتأخذ كلامه مصدقا، أما المساوي لك فأنت لا تأخذ كلامه على أنه واجب التنفيذ بأنه الاله الواحد الذي خلقك وأوجدك، ومنحك مقومات حياتك وهو سبحانه الغني عنك، وعن الكون كله.

 

الحق سبحانه وتعالى حين يطلب منا أن نؤمن به  فهذه الطاعة ليست لصالح الله ولكن لصالح البشر.

 

فالله سبحانه قد خلقنا وهو غني عنا، ولا يطلب منه شيئا لصالحه، ثم ان طاعتنا لا تضيف اليه سبحانه شيئا، وحتى خلقه لنا لا يضيف له صفة جديدة  بل هو سبحانه خالق قبل أن يخلقنا.

الحق سبحانه وتعالى يريد منا الطاعة باختيارنا،لا بالاكراه، ولا بالقهر، فالعبد يعبد الله تعالى لأنه سبحانه وحده المستحق للعبادة،يعبده طاعة له باختياره، فالعبد كما هو معلوم منحه الله تعالى حق الاختيار في أن يؤمن أو لا يؤمن، فاذا اختار الانسان الطاعة على المعصية فهو محب لله فعلا، فهناك فرق بين من يقره الله على الطاعة، وبين من يذهب الى الطاعة باختياره

 
من كتاب الفضيلة و الرذيلة للشيخ الفاضل / محمد متولى الشعراوى