نظرات في السور

نظرات في سورة الإسراء – 17

اسلاميات
مقدم الحلقة: د. أحمد نوفل
تاريخ الحلقة:  31/7/2009 ـ 6 من شعبان 1430 هـ

 

نظرات

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الحمد لله حمدا يليق بعظمة الله وبجلال الله، يا رب لك الحمد حمدًا موصولاً لا ينقطع ولا ينتهي ولا يزول، وصلي ربنا وبارك على أكرم رسول سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وإخوانه وأحبابه، وارضى اللهم عمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين..

ربنا لا تزغ قلوبنا بعدئذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب .. ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير، أصلح شأننا كله ولا تكلنا لأنفسنا طرفة عين، ثبتنا على الحق يا رب العالمين حتى نلقاك ونحن على الحق ثابتون .. آمين

إخواني المشاهدين أخواتي المشاهدات حياكم الله السلام عليكم ورحمة الله،

وبعد، فالرحلة موصولة ماضية بحول الله سائلينه تعالى شرح الصدور وتيسير الأمور، وأن يعيننا أن نأخذ من مرام الكلام على مراد الله ما استطعنا إلى ذلك سبيلا لا على قدر عقولنا القاصرة أو هممنا الضعيفة أو عزائمنا الخائرة، بل نحاول أن نفهم ما استطعنا على وفق مراد الله على ما يريد ثم بعدما نستمع نتبع أحسنه، كل القرآن عظيم وأحسن ولكن أحسن ما يمكن أن نفهم من آيات الله سبحانه وتعالى ..

الآيات القادمة تخاطب رسول الله صلى الله عليه وسلم يخاطبه رب العالمين يقول له

(وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً{73})

شيء عجيب، هل النبي الكريم يمكن أن يساوم على منهج الله؟ حاشاه .. فكيف نفهم هذه الآية الكريمة؟ يقولون نعبد إلهك سنة وتعبد إلهنا سنة، النبي الكريم أيقبل هذه المساومة؟ معاذ الله، ولكن ما معنى الآية؟ معنى الآية أن النبي الكريم ممكن أن يقبل أن يستمع في المنطقة التي تقبل يعني مثل مسألة تنظيمية إدارية يعني يا رسول الله صلى الله عليه وسلم اجعل يومًا للوجهاء والكبراء ويومًا للفقراء، وهذا الأمر يحتمل أن يبحث أو لا يحتمل فهذه مسألة إدارية، ولكن رب العالمين سبحانه له الأمر لم يقبله واعتبره مسألة مبدأ ومنهج غير قابل للمساومة أو للبحث أو للمفاصلة، فأنا أعتقد أن الآية تتكلم عن هذه المنطقة لا عن أن النبي ص يقبل التفاوض أو النقاش حول مبدأ التوحيد ومبدأ الآخرة والقيامة ومبدأ الرسالة معاذ الله، هذه أمور فوق المساومات، فوق النقاش، فوق الجدال، إطلاقًا ولكن هناك أمور إجرائية فكثيرًا ما كان يلح العرب في مسائل تقبل المساومة مثل .. العرب كانوا يقولون يا رسول الله سُق لنا آية مادية فيتطلع النبي إلى السماء يا رب سُق آية مادية لعلهم يؤمنون، إذن هناك مسائل قابلة للمفاوضة وللنقاش، وهناك مسائل كالتوحيد والعقائد وأمهات الأخلاق هذه مسائل ما فيها نقاش، يعني يطلبون مثل إباحة الخمر والزنا فهذا أمر مستحيل، هذه أصول الدين غير مقابلة للمساومة أو النقاش، ولكن أن يطلبوا أن يجعل للزعماء يومًا وللفقراء يومًا فهذه مسألة إدارية تقبل النقاش ولكن الله رب العالمين لم يقبلها .. أتذكرون في سورة عبس سورة عظيمة تؤصل منهج أن الناس سواسية ليس هناك سيد ولا هناك عبد، لا أحد ذا مقام رفيع وآخر مقامه وضيع، كله أمام الله في موقع وفي مقام العبودية، [عبس وتولى أن جاءه الأعمى] … وفي سورة الكهف [واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة  الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا]

حتى نفهم قوله تعالى (وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ) حاشى أن نظن برسول الله إلا أكرم الظن وأحسن الظن وأعلى الظن صلى ربي عليه وسلم إلى ما لا نهاية، هذا النبي أيقبل المساومة على التوحيد؟ مستحيل معاذ الله، أيقبل مساومة على العقائد والأركان؟ معاذ الله .. ولكن هناك مسائل حتى نفهم معنى النص فنحسن فهم الآية ونحسن فهم تصورنا عن رسولنا ونحسن ظنونا بنبينا وحبيبنا صلى الله عليه وسلم.

(لِتفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ) حاشاه (وَإِذاً لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً{73}) أي تصير واحدًا منهم يعني خلاص فقدت المنهج .. حاشاه صلى عليه الله ..

(وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً{74})

شيئًا قليلا في المسائل التي تقبل النقاش وتقبل من الناحية الإجرائية والإدارية وتقبل المفاصلة والمساومة والبحث وأن تعقد لها جلسات وحوارات ممكن ..

ولولا أن ثبتناك يا سيد الخلق بيقينك وإيمانك ومعونة الله لك ومعيته لك وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً) يا أحبابنا الله عز وجل يشاء أن ينتصر هذا الدين بمنهج متفرد، أريد أن أقول أن هذا الدين العظيم بعث في العرب، هذا النبي الجليل بعث للعرب، شاء الله أن زعامات العرب تقف في وجه النبي عليه الصلاة والسلام، لو وقفوا مع النبي والله سبحانه وتعالى لم يمنع أحدًا من الهدى، ولكن لهذا حكمة فيكون أول من آمن بالقرآن العرب، وأول من كفر بالقرآن العرب سبحان الله حتى يرينا أنه ليس دين قدري وليس دينًا لقريش بل هو دين للعرب وللإنسانية أجمعين، فأول من آمن العرب، وأول من كفر العرب، فالنبي الكريم كان يتمنى ويود من أعماق قلبه أن زعماء العرب يؤمنوا كان اختصر الطريق لأن العرب من التابعين، ما معنى التابعين؟ العرب بيتبعوا زعماؤهم فلو أسلم زعماء القبائل العربية كل القبائل ستدخل الإسلام مرة واحدة، فنختصر الطريق فنعما هو ولكن لا هذا المنهج خطأ لأنه من تبع الزعماء لو عرضت الدولة الرومانية أو المسيحية على الزعماء الملايين ليترك دين محمد راح يسيب والذين وراه يسيبوا وتكون مشكلة، ولكن يضعهم رب العالمين في التمحيص، في الشِّعب ثلاثة سنوات حتى أكلوا أوراق الأشجار رضي الله عنهم، هؤلاء الرجال هم الذين قام على أكتافهم الدين فارتدت كل الجزيرة وثبت الذين رباهم الشعب والحصار والتمحيص، أرأيت (لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً{74})) لا نريد الطريق المختصر .. نحن نريد الطريق الصعب وليس المقصود الصعب في حد ذاته ولكن طبيعة الأشياء ما جاء هينًا يذهب هينًا، ما جاء سريعًا يزول سريعًا .. لكن ما بذلت فيه الغالي والنفيس فتعض عليه بالنواجذ لا تضحي فيه بالشيء اليسير .. كان الصديق يقول لا ينقص الدين وأنا حي لأن الصديق دفع دم قلبه لهذا الدين إذن لا يُنقص وأنا حي .. ولكن نحن الدين ضاع في زماننا في منتهى البساطة لأننا لم نأخذه على المنهج الذي أخذه به الصحابة رضي الله عنهم،

ولو فعلت يا رسول الله وركنت إليهم شيئًا قليلا (إِذاً لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ) ماذا يعني ضعف الحياة؟ يعني ستعيش مرتين، لا .. ولكن هناك محذوف بين قوسين لأذقناك ضعف عذاب الحياة، وضعف عذاب الممات (إِذاً لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً) لو زغت عن المنهج؟ هو لن يزوغ حاشاه، ولكن رب العالمين يريد أن يوصل لنا رسالة أنه ما في أحد فوق المنهج ولا محمد صلى الله عليه وسلم .. هذا المنهج كله الخلق أمامه على سوية واحدة، حتى محمد يخاطبه رب العالمين بهذه الطريقة ويقول له (إِذاً لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً) الرسالة الواضحة فهذا دين الناس أجمعين أمامه على حد المساواة .. كلهم عبيد من محمد وما بعده .. سبحانه هذه بعض ظلال هذه الآيات العابرة العاجلة عبور السحاب ..

عسى ربي أن ينفعنا وإلى الملتقى بكم .. أستودعكم الله حياكم الله

والسلام عليكم ورحمة الله