نظرات في السور

نظرات في سورة الكهف – 6 – د. أحمد نوفل

الحلقة السادسة

هذا الكتاب من شأنه أن ينذر وأن يبشر وقد النذارة على البشرة لأن السياق يقتضي ذلك فالكلام عن المناوئين للرسول صلى الله عليه وسلم. أعظم نعيم للمؤمنين الخلود فيه (مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا (3)). ثم أعاد الإنذار مرة ثانية، الإنذار أخبار ربما لا يستريح لها المرء تتعلق بالمستقبل مبنية هذه النذارة على أعمال يمكن يعملها الإنسان أو تقصير عن أعمال قصّر فيها الإنسان، إذا لم تعمل بما هو مطلوب منك وإذا عملت بنقيض المطلوب منك إذن توقّع أخباراً سيئة تأتيك، هذا معنى الإنذار، فالنذارة هي خبر يضر أو يسوء بناء على عمل سيء أو ترك عمل صالح أوجب عليك أو نُدبت إليه. التبشير عكس ذلك وهو خبر يظهر أثره على البشرة ارتياحاً فرحاً سروراً.

(وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا) ينذرهم بماذا؟ في الإنذار السابق (لِّيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِن لَّدُنْهُ) ذكر المنذر به ولم يذكر المنذَر وهنا ذكر المنذَر ولم يذكر المنذر به اعتماداً علىما مرّ فكأنما الآيتين متكاملتان. (وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا) ترك الإنذار مفتوحاً ولم يذكر ينذرهم بماذا لأنه قال في السابقة (لِّيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِن لَّدُنْهُ).

(مَّا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ) جاء بالإنذار مرة ثانية ليذكر حكاية اتخاذ الولد لله عز وجل ثم ينقض هذا الاتخاذ، ما الحاجة إلى الولد؟ أولاً هذا افتئات على الله واعتقاد فاسد باطل ما أنزل الله به في كتاب من كتبه من سلطان، يستحيل أن يكون في الكتب التي أنزلها الله تعالى أن يكون لله ولد. نحن نحتاج للولد لأننا نكبر ونموت والولد يكمل المسيرة ويرث الأموال إن وجدت. الله سبحانه يرث كل شيء ولا يرثه أحد ولا شيء، فالله سبحانه هو القوي لا يموت ولا يغفل ولا ينام فما الحاجة إلى الولد؟!

هؤلاء الذين قالوا (اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا) يفترون على الكذب ويزعمون لله النقص وتعالى سبحانه عن كل نقص واتصف سبحانه بكل صفات الكمال الجلال والجمال. (مَّا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ) إما علم واقعي تراه أو شيء تجده في كتاب سماوي أنزله الله تعالى، هذه مصادر العلم. هذا عالم الغيب هل رأيته يا من زعمت أن لله ولدا؟! طبعاً لا، قرأته في كتاب من كتب الله المنزلة من عند الله والمحفوظة لا التي لعبت بها الأيدي والتزوير؟! لا، إذن (مَّا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ) الآباء اخترعوا والأبناء توارثوا ما اخترع الآباء وسرت الفرية جيلاً فجيلاً ومع الوقت تجذرت في العقول فكل قوم يزعمون أحداً ممن يرونه ولداً لله (قالت اليهود عزير ابن الله) (قالت النصارى المسيح ابن الله) وقال غيرهم شيئاً غير هذا الكلام، وهذا كله افتراء وكذب. البشر بطبيعتهم يعظّمون من يحبون فإذا أحبوا بالغوا، إذن يدّعون أن في هذا المحبوب صفة من صفات الله تعالى الله. ولذلك رب العالمين يصف رسوله بأنه عبد حتى نفهم أن كل العباد بالغاً ما بلغت مرتبهم عند الله يظلون في مقام العبودية صحيح هم أعلى العباد لكنهم ضمن إطار العبودية لا يخرج عن إطار العبودية أحد بالمطلق. إذن (مَّا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ) كلام تتشدق به الأفواه ليس له مصداقية ليس له جذر لا في القلب ولا في العقل ولا في الكون ولا في الكتب السماوية إنما تلقفه الألسن قولاً عن قولاً (تلقونه بالسنتكم) كلمة خرجت من أفواههم ثم أصبحت عقيدة تعتقد وملة يتبعها مئات ملايين من الناس وما هي إلا افتراء باطل (كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ) كانوا يقولون الملائكة بنات الله، من أين جاؤوا بهذا الكلام؟ هم يريدون أن يكسروا عقيدة التوحيد فإن كسرت عقيدة التوحيد انهار كل شيء وأصبحوا هم آلهة مع الله – تعالى الله – هذا في عقول بعض العوام والغوغاء، باب البنوة مقفل مطلقاً يستحيل على الله (أنى يكون له ولد ولم يكن له صاحبة). هذا من أبطل الباطل وأفسد العقائد أن يدّعي أحد لله تعالى ولداً (كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا) (إن) بمعنى (ما) حرف نفي، أي ما يقولون إلا كذباً، ليسوا يقولون شيئاً يتعلق بهذه المسألة إلا كذباً.

(فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا) خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم (فلعلك) يا رسول الله هل تراك تقتل نفسك ذبحاً (باخع نفسك)  تبكي على آثارهم لأنهم لم يؤمنوا؟ أسفاً حزناً عليهم، تقتل نفسك حزناً عليهم أن لم يؤمنوا ؟! دعهم، أنت عليك البلاغ وليس مطلوباً منك أن تحزن إلى درجة ازهاق نفسك وإذهاب روحك حزناً عليهم. هذا من شدة شفقته ورأفته ورحمته صلى الله عليه وسلم (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) الرحمة المهداة. أحرص من الأم على ابنها، شدة حزن النبي يكاد الغم يقتله فربنا ينهاه عن الاغتمام، اهتم ولكن لا تغتم إلى هذه الدرجة ولهذا الحد (فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا (6) إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا) زينة نضعها يوم يومين ثلاثة ثم تنتهي، الدنيا كلها زينة، في أوجها حلوة ثم تصبح عبئاً. (إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ) ما على الأرض كله (زينة) كم ستدوم الزينة؟! تصبح مشوهة جداً. (زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا) نختبرهم أيهم أحسن عملاً، المفروض أن نتسابق في مرضاة الله، أن نتنافس في طاعة الله، نُخرج أحسن ما عندنا لمرضاة الله سبحانه وتعالى.

http://www.youtube.com/watch?v=P5SBVd-YnOI