نظرات في السور

نظرات في سورة الكهف – 7 – د. أحمد نوفل

الحلقة السابعة

(وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا (8)) صعيداً أي تراباً، جُرزاً أي أجرد، كل ما ترى من بناء ومن دور ومن نُصب ومن آثار ومن حدائق كله سيُطاح به إطاحة كاملة. (مَا عَلَيْهَا) تشمل كل شيء، من بشر، من بناء، من جسورة وزينة، من زخارف، كله سيسوى بالأرض، (صَعِيدًا جُرُزًا) ليس فيها نتوء، لا فيها جبل ولا وادي كله يسوّى بالأرض.

(أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آَيَاتِنَا عَجَبًا (9)) بعد هذه المقدمة دخل السياق الكريم والنص العظيم في موجز قصة فتية الكهف ثم سينتقل من الموجز إلى التفاصيل وفقالمنهجية القرآنية. (أَمْ حَسِبْتَ) سؤال موجه للنبي صلى الله عليه وسلم، هل حسبت يا رسول الله أن أصحاب الكهف عجبٌ من بين آياتنا أم غير عجب؟ النص عجب! النص ترك الاحتمال مفتوحاً على كل الاحتمالات. (أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آَيَاتِنَا عَجَبًا) هل تظن أنهم عجب من بين لآياتنا؟ بالنسبة لله سبحانه وتعالى هي ليست عجباً وإنما هي عجب بالنسبة لنا نحن. فالقضية لها اعتباران اعتبار بالنسبة إلى الله عز وجل ما هم عجب واعتبار بالنسبة لنا أمر خارج عن المألوف فهو عجب. (أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آَيَاتِنَا عَجَبًا(9) إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ(10)) (إذ) ظرف لما مضى من الزمان أما (إذا) فلما يستقبل من الزمان. (إذ) لا بد أن يكون متعلقاً بفعل محذوف (واذكر إذ) مهمة (إذ) وهي كثيرة في القرآن العظيم، في القصص وفي مشاهد سرد الأحداث مثل قصة غزوة بدر قد تجد في الصفحة الواحدة أنها تكررت ست مرات. (إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ) شريط طويل من الأحداث فيتوقف عند لقطات معينة، فتية الكهف قصة طويلة تتوقف القصة وتبدأ عند (إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ) وظيفة (إذ) قطع السرد السريع. (إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا) بدأوا القصة بدعاء، وصلوا الكهف على باب الكهف وقفوا يدعون، المؤمن لا يفارق لسانه الدعاء والذكر اطلاقاً، فالمؤمن موصول بالله دائماً، دعاء، توكل، رفع حاجات، دائماً مربوط بالله تبارك وتعالى ويكفيك هذا مدداً وحياة وشعوراً بالأمن أن الله معك سبحانه. أول ما رأى الفتية الكهف قالوا هذه فرصة نختبئ في الكهف نأمن الطلب والعين -كما لجأ الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الغار – كأن القصة فيها اشمام لقصة النبي صلى الله عليه وسلم كما في سورة يوسف يا أيها النبي سيصيبك ما أصاب يوسف من الهجرة ثم سيمكّن لك في مهاجرك مثلما مُكن لأخيك يوسف. القصص القرآني ليس فقط للعرض التاريخي وإنما يعرض التاريخ من أجل أن نرى الواقع في مرآة التاريخ وهذا ما يقال عنه التاريخ يعيد نفسه. وقائع التاريخ مرآة للواقع ترى منه واقعك الذي أنت فيه، ففي كل لحظة هناك اضطهاد على أساس الدين وعلى اساس الاعتقاد ومضايقة للخلق على أساس فكرهم ومعتقداتهم وتهجير قسري للناس من أوطانهم، إذن فتية الكهف قصة كل مهجّر، قصة كل مضطهد، قصة كل من ملك القوة فحاول أن يسحق بها المستضعفين من الناس. هؤلاء فرّوا من وطنهم وفراق الأوطان كخروج الروح من الأبدان ليس سهلاً، مفارقة الأوطان صعبة جداً لكن وطني أو ديني وعقيدتي؟ طبعاً أختار ديني وعقيدتي على غلاوة وطني لكن ديني أغلى ومن ضحى بالغالي من أجل الأغلى جمع الله له الغالي والأغلى.

(إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا) صورة لظلم الإنسان لأخيه الإنسان، صورة كم نتمنى أن يكون الإنسان إنساناً ويتوقف الظلم والاضطهاد والإستعلاء والاستكبار والاستبداد، متى يتأنسن الإنسان؟! متى ينتهي الاضطهاد من الأرض؟! هذا ما نصبو إليه لكن الأماني شيء والواقع العملي الحياتي المعيش شيء آخر، سعينا أن نرتقي بالناس قيماً وسلوكاً وأخلاقاً شيء وأن نحصّل هذه الأماني شيء آخر. أصحاب الاستبداد لن يسمعوا نصائح ولن يستجيبوا لمواعظ لأنه صوت القوة أسكرهم فما عادوا يسمعون إلا ذلك الصوت (أنا قوي) فرعون قال للناس (فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى(24) النازعات) (أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ(51) الزخرف) إذن كيف الذي يملك القوة جميعاً سبحانه؟!

(إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آَتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا(10)) الرشد، من محاور السورة وكلمة مركزية تتكرر في السورة في قصة موسى والعبد الصالح (هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا(66)) الرشد مرتبة مهمة جداً عالية جداً تنقصنا جداً! أمة الرشد اليوم ناقصة الرشد! كيف مزّقونا عن بعض، كيف شتتونا شملنا كيف تباعدنا وتباغضنا؟! كيف ننوب عن عدونا في قتل بعضنا؟! أليس هذا كله من انعدام الرشد؟! كيف تنهب ثرواتنا من بين أيدينا؟! كيف نبذر ثرواتنا التي أكرمنا الله تعالى بها في أمور تافهة؟! تخرج كما يخرج الماء من بين الأصابع؟! انعدام رشد أو نقص رشد. الواقع أن الفتية يدعون (فَقَالُوا رَبَّنَا آَتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا) كما دعا موسى ربه (رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ(24) القصص) يحتاجون الأمن، يحتاجون الإيواء، يحتاجون الطعام، يحتاجون أن يشعروا بالطمأنينةعلى عقيدتهم لا ألقى الله تحت الاضطهاد فاشرك به فيغمسني به في جهنم مخلّداً، أنا أشفق على نفسي أن أدخل النار، يا رب رحمتك بي فلا تعرّضني لفتنة تنزع مني إيماني ويقيني (رَبَّنَا آَتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا) استجاب الله عز وجل (فضربنا) فاء التعقيب (فَضَرَبْنَا عَلَى آَذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا) ضربنا على آذانهم حجبنا عنهم الأصوات فلا تصلهم فتزعجهم فتوقظهم، كيف؟ معجزة! على ربنا لا يوجد عجيب، جعل الأصوات لا تبلغ، إذا البشر استطاع أن يعزل الصوت في الاستوديو أفلا يعزل رب الوجود الصوت عن هذا الكهف؟! عزل عنهم الصوت ليناموا بسكينة واطمئنان لا شيء يزعجهم (سنين عددا) كم كانت هذه السنين؟ سيفصلها فيما بعد.

http://www.youtube.com/watch?v=8EO6j0Zd-v8