وأُخر متشابهات

وأخر متشابهات – الحلقة 181

اسلاميات

الحلقة 181

حلقة خاصة بمناسبة ذكرى مولد النبي صلى الله عليه وسلم

د. نجيب: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وبعد. مع شيخنا الجليل الأستاذ الدكتور أحمد الكبيسي حفظه الله وهذه الروائع القرآنية التي يتناولها من المتشابهات بين الآيات والسور.

د. الكبيسي: بسم الله الرحمن الرحيم. وفي غمرة ابتهاج المسلمين جميعاً بأيامهم البهيجة هذه التي هي غمرة المسلمين في الاحتفاء والاحتفال بمولد سيد الكائنات عليه الصلاة والسلام، ذلك المولد الذي احتفلت به السموات والأرض. وفي كل عام يجدد المسلمون إيمانهم ويجددون تأديب أولادهم على حب رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي هذه الذكرى اسناد قوي للعقيدة والاتباع والصلاح وهذا شأن أهل الله سبحانه وتعالى في كل مكان. في هذه المناسبة الحديث عن رسول الله لا ينقضي، الكتاب العزيز  يتكلم عن رسول الله عجباً ولهذا في هذه الحلقة لاحظنا أن سورة التوبة وبعدها سورة يونس متفقتان على الاحتفاء برسول الله صلى الله عليه وسلم، آخر آية في سورة التوبة تناغم أول آية في سورة يونس التي تأتي بعدها مباشرة. تنتهي سورة التوبة هذه السورة العظيمة الكريمة التي فيها هذا الغضب الإلهي على المخالفات وعلى المشركين ودفع المسلمين إلى الجهاد وإلى أن يُصلحوا العالم ويكسروا الأصنام، طبعاً آخر آية في سورة التوبة يقول بعد كل هذه المشقات التي حوتها سورة التوبة وكلكم قرأتموها وما فيها من مشقة، في الأخير قال (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (129) التوبة) آيتان عظيمتان واحدة تعزي المسلمين عن هذه المشاق لأن هذا الرسول الذي جاءكم عزيز عليه معاناتكم وهو يفعل بأمر الله عز وجل على أن يرفع عنكم هذه المعاناة بما أوحى الله إليه إيحاءً قرآنياً أو إيحاء السنة بالمعنى. بعدها مباشرة تأتي سورة يونس تستفتح هكذا كما فتحها الله عز وجل (الر تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (1) أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ (2) يونس) وصف رسوله الكريم بأنه (قدم الصدق) يعني القوي صاحب النفوذ العظيم وهو نفوذ صادق في كل شيء أنه لا يسأل الله سؤالاً إلا أعطاه. إذاً هاتان السورتان تختتم الأولى بذكر النبي وأمجاده وموقعه وموقفه وتبتديء الثاني بأمجاده وموقفه وموقعه.

د. نجيب: وهذا دليل على أن آيات القرآن الكريم وسوره كلها مترابطة بداية ونهاية استفتاحاً وختاماً

د. الكبيسي: وكما ذكرت عن التفسير العظيم للبقاعي أنه عشرين مجلد كلها تبحث في علاقة آية بآية وسورة بسورة

د. نجيب: وبداية بنهاية وخاتمة ببداية

د. الكبيسي: هذا القرآن لا تنقضي عجائبه فإذا كنا نحن على صغر معلوماتنا فعلاً شدتني هذه السورتان كيف تنتهي هذه وتبدأ هذه حيث انتهت تلك! فكيف هذا البقاعي رضي الله عنه الذي وجد في كل آيتين أو سورتين علاقة!

الدكتور نجيب: العجيب يا شيخ أن البقاعي لم يتناول أو يكتفي بتلك الآيات والسور الجليّة بل التمس الآيات الخفية مثل هذه السورة أما الجلية فيذكر منها مثلاً سورة الواقعة (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (96) الواقعة) يتلوها سورة الحديد (سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1) الحديد) ويقول مثلاً في سورة الإسراء (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا (111) الإسراء) وتبدأ سورة الكهف (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا (1) الكهف)

الدكتور الكبيسي: والله لا بد أن نحصل على هذا الكتاب وسنبحث عنه في كل مكان يعني وإن شاء الله بعض السامعون يسمعوننا ويأتون بهذا الكتاب،

الدكتور نجيب: ولقد ذكرت شيخي هذه اللفتة في بداية سورة القصص قال سبحانه وتعالى مبشراً أم موسى (إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (7) القصص) وذكرت أنه في آخر السورة هذه إشارة هذه قصة إيحاء إلى النبي وبيان أنه سيعود إلى مكة (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (85) القصص) وهذا يقطع قول تلك الشبهات التي تثار من هؤلاء الناس الذين يقولون قصور في الفهم

د. الكبيسي: شيخي لا يضر البحر أمسى زاخراً أن رمى فيه غلام بحجر هذا من قوانين الكون ولو شاء الله لهدى الناس جميعاً (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (103) يوسف) هذا طبيعي ولهذا لا تضر

الدكتور نجيب: وإن أحدنا عندما يقرأ كتاب الله تعالى وإذا به ينتقل من آية إلى آية يقول يا إلهي ما سر هذه العلاقة؟ الظاهر أن هذه العلاقة لا صلة لها بما قبلها. وذكرت مرة شيخ في سورة البقرة أن الآيات القرآنية التي كانت تتعلق بالعلاقات الزوجية وفاقاً وخلافاً زواجاً وطلاقاً (وعلى المولود له رزقهن) (والمطلقات يتربصن) ثم ذكرت أنه جاء هناك فاصل (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ (238) البقرة) بينها

الدكتور الكبيسي: أنت تلاحظ أحياناً في الأخبار مثلاً أو في التلفزيون يشتغل ثم إما أغنية وإما حديث وإما شيء ثم رأساً قطع خبر هام فهذه حافظ على الصلوات جاءت بين قصة كبيان هام (حافظوا على الصلوات) وهذا في القرآن يتكرر، شيخي الحمد لله على الإسلام (قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (17) الحجرات) نحمد الله ونشكره

الدكتور نجيب: العجيب شيخي البقاعي ومن تبعه بعد ذلك يتناولون بعد السور القرآنية يتعلق بالنبي صلى الله عليه وسلم كقوله تعالى (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3) الكوثر) يعني ما علاقة هذه السورة بالتي قبلها؟ فيستخرجون بدائع وفوائد لا يمكن أن تخطر على بال

الدكتور الكبيسي: هذا القرآن لا تنقضي عجائبه كل ما قيل فيه إلى الآن وإلى يوم القيامة ثق لا يشكل إلا واحد بالمائة مما فيه من علم ومن أسرار ويوم القيامة عندما يأتي تأويله (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (53) الأعراف) يقولون وقتها كيف هذا ما آمنا به؟ ما هذا العلم ما هذا الإعجاز؟ فهناك تنكشف عجائبه، الحمد لله رب العالمين. إذاً نقارن بين كونه بالمؤمنين رءوف رحيم؟ لماذا صار؟ ثم (قدم صدق) فأنت مع هذا النبي أنت آمِن، إياك أن تأمن مكر الله لكن بشّرك الله عز وجل وقال (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ) هذا النبي الذي سيخرجكم من النار إلى الجنة بالشفاعة إلا من حُرِم ولم يكن من أمته وهو قال صلى الله عليه وسلم (شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي) أهل الكبائر الذين ماتوا ولم يتوبوا عنها من أمتي وقد لا تكون أنت من أمته أنت تصلي وتصوم لكن لست من أمته إذا أنت عاق لوالديك أنت مفصول من هذه الأمة إذا أنت خائن لبلدك مفصول من هذه الأمة إذا أنت تقتل شعبك وأي إنسان تقتله ظلماً فأنت خارج عن هذه الأمة. يعني هناك إخراجات وفصل من هذه الأمة عليك أن تراجعها، كل حديث ليس منا من كذا من غشنا ليس منا ليس منا من دعا إلى جاهلية ليس منا لا يصلي ليس منا كذا إذا واحد قتل مسلم فهو ليس منا هذه من رؤوف رحيم يعني النبي صلى الله عليه وسلم كان تشغله الأمة من زمنه إلى يوم القيامة ولهذا أخبرنا بما هو كائن وإلى يوم القيامة وهو في غاية الحزن عما سيجري في حين المسلمون قبلها قال لا، ملك المسلمون سيصل بين مشرق الشمس ومغربها وفارس والروم صاروا مسلمين فالخير كان كثيراً لكن كان ينظر ماذا وراء ذلك مما سوف يصيب الأمة مما نحن فيه الآن. يعني شيخي تعجب إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم في جزئيات هذا الذي نحن فيه ذكرها بالاسم كما وردت في الأحاديث الصحيحة ماذا جرى في بغداد وماذا جرى في الشام (لا تقوم الساعة حتى لا يكاد يدخل إلى العراق قفيز ولا مُذي..) يعني يحاصرون ويقتلون ويمزقون ويعذبون ويحرمون من الضروريات وفعلاً الشعب العراقي يموت جوعاً وفرقة وتعذيباً وسجوناً كما هو معروف، (قالوا يا رسول الله من يحاصرهم؟ قال: الروم) وفعلاً جاءت هذه الدول الغربية والآن يعترفون بأنهم كانوا يكذبون ولا كان هنالك أسلحة دمار شامل ولا شيء إنما مقابل الغذاء. وبعدها مباشرة في حديث آخر (لا تقوم الساعة حتى لا يكاد يدخل إلى الشام قفيز ولا مذي ولا درهم) فرب العالمين أراه ما سوف يحدث في العراق وبعده ماذا يحدث في الشام نفس الصيغة جوع وفقر وانقسامات وإبادة وقتول وقس على هذا. كل ما يجري الآن شيخي لو تقرأ الأحاديث الصحيحة عما يجري الآن في العالم الإسلامي كلها ذكرها النبي بالتفصيل تصور النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الصيغة التي سيقتل بها سيدنا الحسين حتى وصف قاتله قال شكله كالكلب الأبقع فيه برص وهذا فعلاً لما جاء وقتل سيدنا الحسين قال له جدك يقول علي كالكلب الأبقع! وفعلاً وجه كان به برص كالكلب الأبقع فعلاً. قال (عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ) عزيز عليه معاناتكم والمعاناة شدة الإرهاق ولهذا لما عرف ماذا سوف يحدث من ظلم لهذه الأمة عن طريق حكامها قال (اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم اللهم فأرفق به) وانظر أنت هذه الدولة وأمثالها من الدول الصالحة كيف رب العالمين نعمها رفق الله بهم (اللهم ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم اللهم فأشقق عليه) وبدون ذكر الأسماء انظر بعض الأسماء التي ذهبت والتي ستذهب ماذا فعل الله بهم وصدق رسول الله يعني يحمل همومنا فعلاً (بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) رءوف بهم إذا أساءوا ورحيم بهم إذا أحسنوا من أجل هذا ما دمت مؤمناً على الطريق ولم تقتل (لن يزال المؤمن بخير مالم يصب دماً حرام) وأنت رأيت الصور في كل العالم الآن فالتلفزيون الآن أشقانا ولم يسعدنا. وقد رأينا في ذلك اليوم حالة تعذيب بشاب سوري عمره 14 سنة وأربعين واحداً يعذبون به تعذيباً والله شيخي لا أسود ولا أفاعي ما هذا؟؟ النبي أخبرها بحذافيرها بالساعة واليوم والطريقة ووصفهم! ولذلك هذه الآية (أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ) وقبلها قوله تعالى (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) كل واحدة تستحق أن تشرحها بمجلد لماذا؟ لأنك ماذا تعدد عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ هذه (قدم صدق) كأن يقال فلان له قدم صدق راسخة في الفقه والآخر قدمه راسخة في السياسة الآخر قدمه راسخة في السوق يعني قدم صدق من الرسوخ فالنبي صلى الله عليه وسلم قدم صدق راسخ في الشفاعة والقدرة والنفوذ يوم القيامة لما يسجد تحت العرش ويقال له (يا محمد ارفع رأسك واسأل تعطى واشفع تشفع) حتى الأنبياء يعتذرون به إذاً هكذا هو الرسول صلى الله عليه وسلم في هاتين الآيتين التي الأولى تنتهي بها التوبة والثانية تبدأ بها يونس أعجوبة

الدكتور نجيب: وكفى أن الله سبحانه وتعالى خص النبي صلى الله عليه وسلم بهاتين الصفتين رءوف رحيم

الدكتور الكبيسي: أعطاه من أسمائه اسمين (إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (65) الحج) وأعطى محمد (بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)

الدكتور نجيب: وهي شاملة لكل الصفات الجميلة والعظيمة فالرأفة والرحمة تشمل جميع الصفات

الدكتور الكبيسي: ولهذا شيخي الله أخذ ميثاق النبيين (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آَتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (81) آل عمران) ولهذا ما جاء نبي إلا وقد بشر بمحمد عليه الصلاة والسلام

الدكتور نجيب: هذه رحمة خاصة بالمؤمنين وتلك رحمة عامة بالعالمين جميعاً (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107) الأنبياء) فصلى الله عليه صلاة تملأ أقطار الأرض والسماء (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56)الأحزاب).

——–فاصل———

الدكتور نجيب: إذاً شيخ القرآن الكريم زاخر بصفات النبي عليه الصلاة والسلام

الدكتور الكبيسي: ذكرتني بقولك في الآية (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) لو عددت الرحمات ليس للمسلمين فقط بل لكل العالمين

د. نجيب: وعوالم الجن والإنس والحيوان والملكوت كلها

د. الكبيسي: يعني جاء هذا النبي العظيم جاء بالرأفة والرحمة في العلاقة بين كل المخلوقات حيوان نبات إنسان مسلم غير مسلم عليك أن تكون أنت رحيماً رءوفاً.

د. نجيب: بل جعل الكلب سبباً لدخول الجنة والقط سبباً لدخول النار سبحان الله

د. الكبيسي: امرأة بغي لأنها سقت كلب يلهث دخلت الجنة والأخرى صالحة أجاعت هرة دخلت النار فعلاً نبي الرحمة

د. نجيب: وهذا الدين كله قائم على الرحمة

د. الكبيسي: فعلاً وبالتالي من لا يحرم لا يرحم إذا رأيت إنسان صالح تقي لكن قلبه قاسي لا يرحم اعرف أن هذا هالك

د. نجيب: ولذلك تميز النبي صلى الله عليه وسلم على كل خلق الله سبحانه وتعالى جميعاً

د. الكبيسي: وهذا التميز يكفي أنه الوحيد على وجه الأرض الذي صاغ أمته صياغة ليس في قلبها حقد ولا كراهية لأي إنسان آخر أنا مسلم عندي المسيحي واليهودي والصابئي ما عندي فرق بين سيدنا موسى وسيدنا عيسى وسيدنا زكريا نبي هؤلاء وهؤلاء وهو نبيي بالضبط ولهذا أنا عندما ألتقي بمسيحي أو يهودي أو صابئي لا أحس بوحشة أنا وإياه كلنا شركاء في أديان سماوية وأنبياؤه أنبياؤنا جميعاً أخوة ولهذا الوحيد من الرسل الذي أخذ الله ميثاق النبيين كلهم أن يعلّموا شعوبهم أن يؤمنوا بنبي آخر الزمان وهذا ما فعلوا.

د. نجيب: وهذا دليل على أن الأنبياء السابقين عليهم الصلاة والسلام توطئة وتقدمة وتهيئة لظهور النبي صلى الله عليه وسلم وكما أنه هو النبي الحقيقي لهذا الوجود

د. الكبيسي: ورب العالمين  أخذ منهم ميثاقين: ميثاق لا إله إلا الله وميثاق على الأنبياء أن يؤمنوا بمحمد ويعلموا شعوبهم وحصل الاثنان ولهذا البشرية عادت بسلام من هذين الميثاقين

الدكتور نجيب: سيدي الشيخ قرأت لعلماء المالكية في المغرب العربي القديم يقولون أن سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام عندما اختبره المولى بذبح نبي الله إسماعيل كانت في ذلك حكم كثيرة ولكن أجل هذه الحكم هي إشارة عندما مسكت الملائكة يد سيدنا إبراهيم من حيث يعلمون أو لا يعلمون باعتبار هذا الغلام سيدنا إسماعيل ابناً لسيدنا إبراهيم فحسب ولكن هناك غاية أعظم وإشارة أسمى بميلاد النبي صلى الله عليه وسلم رفقاً فإن هذا الغلام هو جدٌّ لسيد الأنبياء والمرسلين الذي أوشك ظهوره فكأنما هذه الحادثة إعلان للملكوت

الدكتور الكبيسي: لفت نظر للعالم كله والمخلوقات كلها إن في السماء لخبر

الدكتور نجيب: (عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ (1) عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (2) النبأ) وفي ذلك أنشدوا قصائد لا أحفظها ولكنهم أشاروا إلى هذه اللفتة العجيبة! شيخ يتكلمون عن بعض العلماء ولا أدري كيف ويقولون أنهم ينكرون بعض المسائل ولكن قرأت لابن تيمية في كتبه يقول أن أبرهة عندما خرج لغزو مكة صحيح أن الله سبحانه وتعالى صرف الشر عن هذه الأمة وعن العرب في ذلك الوقت ببركة البيت قال نعم هذا حق ولكن الأصل في دفع هذا الشر والبلاء كان لأنه وافق ميلاد النبي محمد صلى الله عليه وسلم

الدكتور الكبيسي: الله! ولا شك في ذلك. شيخي موضوع البلاء الذي يقع على الأنبياء والعلماء هذا قانون لا يمكن لنبي إلا أن يُبتلى (أشد الناس بلاءً الأنبياء) ولهذا خذ كل علماء التاريخ الذين هم على أقدام النبي صلى الله عليه وسلم ما فيهم واحد إلا امتحن امتحاناً شديداً. البخاري ما صلى عليه أحد لأنه زنديق!!! وهو البخاري وقس على هذا كل علماء الأمة علماء آل البيت الكرام الحقيقيين وعلماء المسلمين الحقيقيين كلهم ماتوا في بلاء فسيدنا إبراهيم ليس بدعة من هؤلاء لما قال له اذبح ابنك. الشيء الثاني رب العالمين عز وجل قال (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ (68) القصص) ورب العالمين له اختياراته الخاصة من أجل هذا قال (قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) من أجل ذلك هذا الكون محكوم إلى حد المليمتر إلى حد الشعرة من أجل هذا فإن هذا الإيمان بالله أعظم ما فعلته في حياتك وهو ليس منك بل منه عز وجل (قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) ولهذا قال (فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (185) آل عمران) فلما زحزحك عن النار لا بد أن يدخلك الجنة برحمته وفضله إذاً ما دمت تقول لا إله إلا الله محمد وموسى وعيسى وإبراهيم وإسماعيل كل الأنبياء رسل الله فما عليك من الباقي، فالباقي تفاوت درجة هل تدخل الجنة مقبول أو جيد أو جيد جداً. بدون هذه الكلمة هذه المصيبة السوداء فأنت بلا إله إلا الله تخلد في الجنة وبدونها تخلد في النار يعني ما في حل وسط إما وإما. من أجل هذا على كل مسلم أن يحمد الله عز وجل على أنه الأمة الوحيدة التي صانت لا إله إلا الله وجميع الرسل رسل الله صيانة ليس منهم يعني هذا الطفل والكبير والصغير والعربي والأعجمي والشيخ والكبير والجاهل والعالم ما عنده مشكلة لا إله إلا الله محمد عيسى موسى رسول الله يعني ما يفكر فيها أنه كيف وتعبان لا، عادي لماذا أنت بالذات الوحيد؟ وأنت الوحيد الذي تنظر لكل الأمم نظرة سماحة ومحبة ورأفة وتتزوج منهم

الدكتور نجيب: لأن نبينا رءوف رحيم الميزة هذه شاملة لكل الصفات والخلال الجميلة. والله سبحانه وتعالى قسم الصفات والخلال بين الأنبياء هذا عليم وهذا أواه وهذا حليم وهذا كريم لكن هذه الصفة أليست جامعة وشاملة لكل تلك الخلال والصفات؟

الدكتور الكبيسي: ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم فعلاً يعني عندما أراه الله ما هو كائن إلى يوم القيامة أخبر بالجزئيات بالتفاصيل بالألوان بالأسماء أعجوبة العجائب وهو ليس عجيباً على رب العالمين أن يخبر نبيه. من أجل هذا ما خوفنا منه النبي يوازي ما بشرنا به (فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (19) المائدة) فهو بشير ونذير يعني لما خوفنا على آخر الزمان الذي نحن فيه (لا تقوم الساعة حتى يكون الروم أشد الناس عليكم) وفعلاً انظر ماذا فعلوا بنا، (لا تقوم الساعة حتى يكثر فيكم الهرج القتل القتل القتل) ناس تقتل ناس، (لا تقوم الساعة حتى ترفع الأمانة) (لا تقوم الساعة حتى يصلي في المسجد المائة والمائتان والألف والألفان ليس فيهم مؤمن) لماذا؟ وفي الحديث الآخر (لا تقوم الساعة حتى يخرج الناس من هذا الدين أفواجاً كما دخلوا فيه أفواج) كنت أقول كيف يعني أفواج؟ والله ما كنت أفهمها! ولما جاءت الأحزاب في حياتنا جاء الحزب الشيوعي والحزب البعثي وحزب فلان وأحزاب إسلامية تقتل الجميع وتكفّر الجميع وتذبح الجميع وارتكبوا جرائم وبغضاء وبالتالي هل الإنسان يدخل النار فقط لأنه لا يصلي!! فالبغضاء هذه الكراهية والبغضاء وأن تحتل وتفتي بقتل المسلم كما يحصل الآن إبادات وهذا ليس واحد ولا اثنين بل ملايين أفواج (لا تقوم الساعة حتى يخرج الناس من هذا الدين) واحد مسلم ابن مسلم صار شيوعياً أو أي حزب قومي آخر ما لهم علاقة بالدين، ما في دين حتى ولو لم يعلنوا هذا! أحزاب إسلامية تقتل الجميع وتكفر الجميع وتذبح الجميع ذبحاً وتدمر دولاً وقس على هذا أفواج أفواج يعني مو واحد واحد بل ملايين الملايين وصدق رسول الله (لا تقوم الساعة حتى يخرج الناس من هذا الدين. (فتن كقطع الليل المظلم بعضها يرقق بعض) كيف؟ تجي فتنة تقول خلاص هلكنا ولما تأتي التي بعدها تقول هذه سهلة والأخرى أعظم هذه بعضها يرقق بعضاً يعني فعلاً أيام الشيوعيين سحلونا قتلونا وكذا قلنا هلكنا ولكن جاء وراءهم أتعس وجاء وراءهم أتعس فتن بعضها يرقق بعضاً. فقالوا يا رسول الله ماذا تأمرنا أن نفعل؟ قال (إن أدركت ذلك فليسعك بيتك وابك على خطيئتك) يعني لا تتدخل إياك أن تتورط بدم وليس بدم فعلي بل حتى بالعاطفة يعني أنت لك اسم ولهم اسم قتلوا فلان الفلاني أنت فرحت بهذا وارتحت أنت بهذا تكون مع القتلة (من أعان على قتل مسلم ولو بشق كلمة) ولكن إذا استنكرت هذا بقلبك ولهذا رب العالمين ما ترك لنا عذراً يوم القيامة (مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49) الكهف)

د. نجيب: وكل هذا يتنافى مع الرأفة والرحمة التي ينبغي للأمة أن تقتدي بنبيها

د. الكبيسي: ومنافي لهذا الدين (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ (10) الحجرات) أنت لاحظ كيف النبي صلى الله عليه وسلم تعامل مع المجرمين والذين ارتكبوا ذنوب كبيرة قال (أشققت عن صدره) كيف تقتله؟ قال: يا رسول الله قالها فرقاً من السيف قال: أشققت عن قلبه؟). هذا الذي زنى قال (هلا تركتموه يتوب ويتوب الله عليه) فهذا الدين يقوم على الرأفة والرحمة والعفو والتسامح (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) آل عمران) هذه لهم جنة خاصة (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) من هم؟ قال كذا كذا و(وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ) ولهذا كما تفضلت دين رحمة وهو نبي الرحمة (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) من رحمته للعالمين أعطاكم سورة الفاتحة ولم يعطها لأحد هذه التي هي الصلاة أنت بهذه السورة تدخل الجنة في الدرجات العليا اقرأها وشوف فلسفتها وماذا قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم وأواخر سورة البقرة هذه الآيتين (آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285) لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (286) البقرة) تقرأها تغنيك عن كل شيء وتحصنك. وهناك رحمة أعطاها إياها يوم القيامة وهي الشفاعة، هذه الشفاعة لمن؟ (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى (5) الضحى) قال صلى الله عليه وسلم (لا أرضى وأحد من أمتي في النار) وهو بكى عليه الصلاة والسلام عندما قرأ قول سيدنا عيسى عليه السلام (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118) المائدة) يعني النبي صلى الله عليه وسلم عجب كيف سيدنا عيسى وفق إلى هذا الدعاء العظيم لأمته فبكى فجاء جبريل وقال: ربك يقول ما يبكيك؟ قال: رأيت أخي عيسى أحسن الدعاء لأمته قال (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى) إذن معناه أن الرأفة والرحمة أساس هذا الدين من أين كل هذه القسوة وهذا التشدد وهذه الإبادات؟؟ نعوذ بالله نسأل الله العفو والعافية

الدكتور نجيب: ولذلك قال الشاعر وهو يستحضر حاله ربما سيق إلى النار والعياذ بالله فنادى مرة أخرى بأعلى صوته على النبي محمد صلى الله عليه وسلم قائلاً

أترضى حبيبي أن تكون منعماً         ونحن على جمر اللظى نتقلب

ألم يعطك الرحمن في سورة الضحى    فحاشاك أن ترضى وفينا مُعَذَّب

فصلّى الله عليه، نعود إلى شيخنا بعد الفاصل

———فاصل———–

الدكتور نجيب: لما ضاق سيدنا نوح عليه السلام ذرعاً بأمته بعد أن دعاهم طوال هذه الفترة ما كان منه إلا أن يدعو عليهم (وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (26) إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا (27) نوح)

د. الكبيسي: وكل نبي دعا على قومه أهلكهم الله إلا محمد صلى الله عليه وسلم فرب العالمين سبحانه وتعالى أكرما بنبي الرحمة لما جاءه جبريل بعد أن طردوه من الطائف وأدميت قدماه قال (أطبق عليهم الأخشبين) قال (لا عسى الله أن يخرج من أصلابهم من يؤمن بالله) هذه حالة نادرة غريب ضربوه

الدكتور نجيب: وهذا العجيب شيخ هذا عكرمة بن أبي جهل وخالد بن الوليد وعمرو بن العاص وغيرهم من الصحابة الأجلاء

الدكتور الكبيسي: وآباءهم من الذين آذوا المسلمين أذاً جباراً وهي فضل هذه الدعوة (عسى الله أن يخرج من أصلابهم) وقد استجيبت دعوته وأخرج الله من أصلابهم عظماء الأمة

الدكتور نجيب: نعود إلى الآية الكريمة التي استشهد بها سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) ولم يقل غفور رحيم لأن الموقف ليس موقف

الدكتور الكبيسي: هذا إعرابي سمع واحد يقرأ القرآن الكريم فقال هذا ليس كلام رب العالمين لأن الإعرابي بحسه اللغوي عرف

د. نجيب: عندما قرأ الشخص الآية (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38) المائدة) لم يقرأها عزيز حكيم بل غفور رحيم فقال الإعرابي: لا فلو غفر ورحم لما قطع ولكنه عز فحكم وهذا هو سر التذييل بين هذه الآيات الكريمة في كتاب الله تعالى بأسماء الله تعالى الحسنى ولكل آية مناسبتها

الدكتور الكبيسي: ولكل اسم سره، كل اسم من أسماء الله الحسنى له سره فعلاً وكل واحد من المسلمين ينفعه هذا الاسم يعني لوضعه لعقيدته لحاله لمأساته يتعلق بالله فينفعه الاسم الفلاني والآخر ينفعه الاسم الآخر ولهذا علينا أن نحصيها كما قال النبي (من أحصاها) ما قال من عدها أنت اعرف فلسفة كل اسم هذا الإحصاء لماذا غافر؟ لماذا غفور لماذا غفار لماذا رحيم لماذا هنا عزيز اعرف فلسفتها وحينئذٍ سوف ترى أن كل اسم هو ثقافة هائلة وكل مسلم ينفعه اسم من دون الأسماء

الدكتور نجيب: مما يلفت الانتباه أن غالب الأحيان في كتاب الله تعالى عندما يذكر سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لا يذكر باسمه بينما بقية الأنبياء جميعهم عندما يذكرون بأسمائهم فما السبب؟

الدكتور الكبيسي: رسول الله، الرسول أو النبي وهذا إكراماً للنبي صلى الله عليه وسلم ولا شك أن كلما جاء وما أنزل على كل الأنبياء فيه إكرام لنبي آخر الزمان محمد عليه الصلاة والسلام حتى في خلق آدم وبالتالي هذه قضية لا يختلف فيها مؤمن. مما خوفنا منه النبي صلى الله عليه وسلم من كثرة رأفته ورحمته بالأمة وأنه كان مشغول البال على مستقبل هذه الأمة إلى يوم القيامة وثبت في التاريخ كما ثبت من السنة النبوية أن هناك فترات الأمة فيها مأساوية فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يخبرنا بكل ما حدث وما هو حادث الآن قال (الرويبضة الذي يحكم الأمة) تافه هايف لا علم لا أصل لا فصل لا أحد عارف من أين هو من الشارع جابوه ووضعوه رئيس جمهورية أو وزراء وعاث فساد في الأمة وفي نفس الوقت هناك أناس معروفين أصحاب خلق ودين وعدل أسعد أمتهم هذا موجود وهذا موجود يعني بشير ونذير. كذلك أيضاً مما كان يخوف النبي صلى الله عليه وسلم حديثين وكل واحد بمرحلة حديث يقول (لا تقوم الساعة حتى يكون أجر العامل منهم) أي نحن (أجر خمسين) قالوا (خمسين منهم؟) قال (لا خمسين منكم قالوا: لم يا رسول الله؟ قال: لأنكم تجدون على الحق أعواناً وهم لا يجدون) هم إذا واحد صالح يقتلوه يعدموه وبينما أنتم مرتاحين. وفي نفس الوقت قال (كيف أنتم إذا لم تأمروا بالمعروف ولم تنهوا عن المنكر) وهذه من قواعد الإسلام أن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر (قالوا: أوكائن ذاك؟ قال: وأشد منه كائن كيف أنتم إذا رأيتم المنكر معروفاً والمعروف منكراً) أشياء منكرات تصبح عادي كأنها معروف (قالوا: أو كائن ذاك يا رسول الله؟ قال: وأشد منه كائن، كيف أنتم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف؟) هناك حكام أمروا شعبهم أن لا يصوموا رمضان وأن يبيعوا الخمور فأنت في هذا الجو إذا صليت خمس أوقات وابتدعت عن هذا فأنت يوم القيامة تساوي بالأجر فقط وليس بالفضل بالأجر عشر صحابة. ولذلك كما بشرنا النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً خوفنا لأنه هو أيضاً خاف فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يعيش معنا ساعة بساعة على مآسي الأمة إلى حد أنه أحياناً كان يبكي لما أراه الله عز وجل ماذا سوف يحدث لهذه الأمة يبكي وفي نفس الوقت أحياناً كان يفرح. حديث النبي (لا تقوم الساعة) انظر ماذا فعلوا فينا اليهود؟ مزقوا هذه الأمة كل هذا الذي يجري في هذه الأمة من مآسي هم أساسه في العالم كله قال (لن تقوم الساعة حتى تقاتلوا اليهود وتقتلوهم) واليهود يعرفون هذا أنا أعرف من بعض المصادر العلمية المسيحية قالوا أيضاً نحن لدينا هذا النص في النهاية أنتم تقتلوهم فأقول لماذا جاءوا؟ فقال لي واحد كيف تقول هذا الكلام جاءوا لكي يموتون شهداء فكما أنتم تموتون شهداء في معركة، اليهود عندهم عقيدة أنهم إذا ماتوا في المعركة الأخيرة بين المسلمين وبينهم والتي ستقتلونهم فيها وهذه عندهم أمنية.

الدكتور نجيب: والقرآن يقول (فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآَخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا (7) الإسراء)

الدكتور الكبيسي: إذاً هذا النبي الكريم الذي نحتفل بولادته الكريمة التي من رحمة الله بالعالمين جميعاً هي فرصة لأن نفرح وأن نحذر وأن نجدد ونصحح المسار ونخلص ونتخلص من البغضاء وممن يشيعون البغضاء على أنها عقيدة وعليك أن تصبر (وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ (17) لقمان) لأنه ما من أحد يقول الحق ويأمر بالعدل في أي مجال إلا ويؤذى هذا من قوانين هذا الكون. وتعرفون قصة قابيل وهابيل وما وراءه وما حصل في التاريخ إلى يوم القيامة. إذا أردت أن تقول الحق فاعلم أنك سوف تدفع ثمن هذا في الدنيا لكي تجازى عليه في الآخرة وأكثر الناس بلاءً في هذا قتلاً وذبحاً وشنقاً وحرقاً هم الأنبياء والصالحون كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم (الأنبياء ثم الأولياء ثم الأمثل فالأمثل). هذا النبي الكريم سهّل على أمته العناء والمعاناة قال (عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ) ولأنه عزيز عليه معاناتنا أخبرنا بما لنا فيه من مغفرة يقول لك صداع ليلة يغفر لك ذنوبك، إذا أصابتك حمى (الحمى من فيح جهنم وذاك نصيب المؤمن من النار). كل عناء حتى لو تشاك بشوكة من أجل هذا عليه الصلاة والسلام كم أخبرنا بما يصيب الأمة من بلاء وبشرنا بما لها من ثواب ومغفرة ووحدة وعز ومجد وبشرنا البشارة التي ما بعدها بشارة إطلاقاً ما في أعظم منها في هذه الدنيا قال (لا أخشى عليكم أن تشركوا بعدي أبداً) وهذه التي بشرنا بها النبي صلى الله عليه وسلم الوحيدة عند هذه الأمة. ما من أمة ثابتة على توحيد الله عز وجل إلا هذه الأمة حتى سلطوا علينا هؤلاء الأوغاد الذين اتهموا الأمة كلها بأنها مشركة إلا هم وهذه صناعة معروفة وفاسدة وقد بدأت تزول كما قبلها من الأحزاب والفئات والجماعات التي حاولوا أن ينالوا بها من هذه الأمة ولكنها زائلة لأن هذه الأمة بناها رسول الله صلى الله عليه وسلم صاحب الفضل عليها وهو الذي ادخره الله لهذه الأمة في نهاية الزمن وجعل هذه الأمة هي السابقة وفعلاً (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آَمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110) آل عمران) وأنا كنت أقول دائماً لماذا خير أمة؟ انظر الإنجليز والأمريكان والفرس والروم قال لك لا، هذا زائل والباقي هي أولاً أنك أنت مسالم للجميع وتؤمن بالجميع وقلبك خالي من أي كراهية لا تبغض مسيحي ولا يهودي ولا صابئي ولا أي إنسان وكل إنسان يعيش على أرضك له حق ونصف، حق كونه مواطن ونصف كونه ذمياً من أجل هذا أنت سيد الأخلاق في هذا الكون وهذا من أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم الذي الله قال عنه (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4) القلم) وقس على هذا أي أمة لم تشرك؟ قل لي سيدنا موسى وسيدنا عيسى وسدينا زكريا وغيرهم من الأنبياء جاءوا بأمم وعلموهم التوحيد لا إله إلا الله ومنهم لا يزال موحداً ولكن أفراد معدودون، الأمة كلها مشركة إلا استثناءات. هذه الأمة كلها موحدة إلا استثناءات جاءنا حزب شيوعي وقال ما في الله كم واحد راحوا معهم وانتهوا خلاص فقاعة وذهبت وبقيت هذه الأمة توحد الله عز وجل وتوحد نفسها على لا إله إلا الله وعلى القبلة إذا أردت أن تعرف من هي هذه الأمة اذهب إلى العمرة أو الحج وانظر كيف الناس يطوفون حول الكعبة لا فرق بين طوائف ولا أحزاب ولا جماعات كلها تقول لبيك اللهم لبيك وهذه ميزة ما صنعها في أمة من الأمم إلا محمد عليه الصلاة والسلام بتأييد الله له صنعها في هذه الأمة وقال (لا أخشى أن تشركوا بعدي أبداً)

الدكتور نجيب: عسى أن يكون ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم ميلاداً جديداً لهذه الأمة أفراد وجماعات وحكومات وحكاماً وحق لنا أن نفرح بهذا الأمر وإذا كان أبو لهب فرح بالنبي صلى الله عليه وسلم وخفف الله عنه العذاب كل اثنين مجرد أنه فرح بميلاده

د. الكبيسي: فما بالك بمن يؤمن به إيماناً كاملاً ويفديه بنفسه وأهله والناس أجمعين

د. نجيب: ويصلي عليه في الصلوات الخمسة

الدكتور الكبيسي: والله شيخي لو أدرك المسلمون ماذا يعني أن تقول اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد بالصيغة الشرعية لقلت كفى هذا (أقربكم مني مجلساً يوم القيامة أكثركم علي صلاة) أنت يا نجيب إذا قلت اللهم صلي على محمد وآل محمد من قلبك الله يقول وأنا أصلي على عبدي نجيب عشر مرات وإذا قلت عشر مرات رب العالمين يقول عليك مائة مرة تأمل هذا فقط. هذه وحدها لو علمت ماذا تعني ورب العالمين ما جمع نفسه في فعل مع عباده إلا في الصلاة على النبي (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56) الأحزاب) ما قال إن الله يصلي والملائكة يصلون لا بل صلاة واحدة. ولهذا هذا النبي كل حبه رحمة والصلاة عليه رحمة وطاعته رحمة وإتباعه رحمة إتباعه بالسنن وطاعته بالواجبات والفروض وإحياء سنته (من أحيا سنة أميتت من بعدي فكأنما أحياني). إذاً علينا في هذه المناسبة أن ننقي أنفسنا من الحقد والكراهية والبغضاء وهذه الأراجيف هذا كافر وأنت مشرك وأنت الخ فهذه لا تليق بهذه الأمة وأن كانت في قلة صغيرة لكن حرام أن هذه القلة تهلك نفسها ما تعمله في هذا العالم الآن كله منتبه إلى كيف أن المسلمين وصلوا إلى هذا الحد

الدكتور نجيب: لكن الحمدلله هذه فتنة ليميز الله الخبيث من الطيب وهذه فرحة بميلاد النبي صلى الله عليه وسلم كما قال ابن ناصر الدمشقي

إذا كان هذا كافراً جاء ذنبه بتبت يداه في الجحيم مخلدا

ثويبة بشرت بمولد أحمد فأنت عتيق يا ثويبة سرمداً

فما بالنا نحن المسلمون إن شاء الله الذين نصلي على النبي صلى الله عليه وسلم آناء الليل وأطراف النهار وندعوا الله تعالى أن نكون ممن يحيي سنته ويكون هذا الميلاد ميلاد خيرٍ على الأمة جميعاً وقد فاقت الأمة والحمد لله وعادت

الدكتور الكبيسي: وهي بشارة النبي صلى الله عليه وسلم بعد كل هذا يقول (ثم تعود خلافة على هدي النبوة) ما في أحزاب ولا جماعات ناس كما في عهد النبي الكل عايشين بسلام وحاكم عادل.

الدكتور نجيب: وما من ضائقة إلا وراءها منحة والحمد لله. باسمكم جميعاً أتقدم بالشكر الجزيل شيخنا الجليل الأستاذ الدكتور أحمد الكبيسي حفظه الله ورعاه على هذه الخواطر القرآنية المتعلقة بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم جعلنا الله تعالى ممن يقتدي به ويحيي سنته في هذا الزمان داعين لكم بكل خير إلى اللقاء في الحلقة القادمة إن شاء الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بُثّت الحلقة بتاريخ 25/1/2013م وقامت الأخت نوال من السعودية بطباعتها جزاها الله خيراً وتم تنقيحها.

http://vod.dmi.ae/media/219562/%D9%88%D8%A3%D8%AE%D8%B1_%D9%85%D8%AA%D8%B4%D8%A7%D8%A8%D9%87%D8%A7%D8%AA_25_01_2013