وأُخر متشابهات

وأُخر متشابهات – الحلقة 136 – الهجرة

اسلاميات

الحلقة 136

حلقة خاصة بالهجرة النبوية الشريفة

الدكتور نجيب: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وبعد. فهذه آخر ليلة من ليالي شهر ذي الحجة وبها نودع عاماً هجرياً حافلاً بالأحداث والتي تعدّ إرهاصاً لميلاد أمة جديدة وعهد جديد لهذه الأمة ويقظة تشمل الحكومات والشعوب لتعود إلى الله سبحانه وتعالى بعد أن جرّبت سائر الشعارات من دون الله وبهذه المناسبة وبمناسبة العام الهجري الجديد نهنئ الأمة الإسلامية ونخصّ بهذه التهنئة صاحب السمو رئيس الدولة وصاحب السمو نائبه وولي عهده الأمين داعين المولى سبحانه وتعالى أن يكلل جهودهم بالتوفيق وأن يأخذ بأيديهم لما فيه خير هذا الوطن وسائر الأمة العربية والإسلامية لنعود من جديد لشيخنا الإمام الأستاذ الدكتور أحمد الكبيسي بعد أن افتقدناه أسبوعين متتاليين ترك فراغاً كبيراً في هذه الساحة ويعود فضيلته إلى مشاهديه ومحبيه ليتحفنا من جديد بالآيات القرآنية المتشابهة.

الدكتور الكبيسي: بسم الله الرحمن الرحيم. أهلاً بكم من جديد ونحن الآن في خضم استذكار تلك الأحداث الفاصلة في التاريخ وهي أحداث الهجرة النبوية وكما سمعتم من الأخ الدكتور نجيب وهو يهنئ المسلمين وحكام المسلمين وخاصة حكام هذا البلد بهذا اليوم المبارك وهو فعلاً من أبرك الأيام لأنه نقلة لهذه الأمة من عالم الضلالة إلى عالم الهداية ومن عالم الفناء إلى عالم البقاء إلى يوم القيامة. والحديث في الهجرة تسمعونه في كل عام والحديث في الهجرة لا ينتهي لأن مفرداته وأحكامه وأسراره لا تنقضي ونحاول قدر الإمكان في هذه الحلقة أن نلقي بعض الضوء على ما يكون قد فات على بعض الناس أن يتحدثوا فيه لشدة وكثرة الصغائر في هذا الموضوع العظيم. قبل كل شيء نعود إلى كلمة الهجرة أنتم تعرفون من برنامجنا الكلمة وأخواتها أن الكلمة القرآنية فيها مترادف من حيث اللفظ وليس فيها مترادف من حيث المعنى. عندنا هِجرة وعندنا هَجْر، هَجَر أي ترك وهجر وأبغض وقلى وسافر وهكذا وعندنا هاجَر أيضاً مفرداتها انتقل رحل ذهب الخ، لماذا تختلف هذا الاختلاف؟ ماذا تتميز كلمة الهِجرة والمُهاجرة عن أخواتها؟ تتميز بشيء واحد: إذا قلنا انتقل من بغداد أو انتقل من دبي خلاص الرجل عنده شغل وراح تعيّن في مكان آخر، إذا قلنا رحل يعني أخذ الدابة وأخذ البعير وخلّى عليها أهله وسافر مع السلامة. عندما تقول هاجر منها أنه هاجر من مكان يحبّه جداً. وعندنا هَجَر وكره وأبغض الخ عندما تقول هَجر يعني هجرت إنسان تحبّه حباً عظيماً هذا هو الأمر. فكلمة الهجر والمهاجرة تعني أنك هاجرت ما تحب ومن تحب بالمهاجرة هاجرت ما تحب. ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم لما خرج من مكة وقف بعدها في السوق وقال (والله إنك لمن أحب البلاد إليّ ولولا أن قومك أخرجوني ما خرجت) هكذا هو الأمر، وإلا لو ما كان يحبها كان نقول خرج منها، سافر منها، تركها، رحل منها، لكن لا، قال هاجر. ولهذا رب العالمين في كل هذا الموضوع يتكلم عن المهاجرين الذين يهاجرون (لايستوي من أنفق من قبل الفتح وهاجر) لماذا؟ لأنهم تركوا أهليهم وأموالهم وديارهم وكلكم تعلمون ماذا يعني ترك الديار ليس للإنسان فقط بل لكل المخلوقات الحية. إن بعض النباتات إذا أخذته من موطنه وزرعته في موطن آخر يموت لا يستطيع أن يعيش إلا في هذه التربة. وبعض الحيوانات إذا نقلته من مكانه إلى مكان آخر يموت أو يضعف وقد جرّبنا كلنا إذا كان لك قطة تؤذيك أو كان في بيتك كلب يؤذيك جداً كلب ربيته في البيت سنة أو سنتين أو ثلاث كلب صيد أو حراسة وعندك قطة أليفة تألف البيت وقد آذتك كثيراً هذه القطة وتريد أن تتخلص منها طبعاً أنت لا تستطيع أن تقتلها وخاصة في أماكن ما فيها رعاية لا فيها طب بيطري ولا غيره، أنا أخذت قطة مرة في سيارتي معززة مكرمة وعبرت بها الجسر إلى الضفة الأخرى من الكرخ إلى الرصافة يعني الرجل قد يتيه ثم أبعدت بها بعيداً إلى مكان زراعي وفيه كل ما يريد الحيوان وتركت القطة بسلام هناك وعدت بعد ساعة وصلت بيتي، في اليوم الثاني وجدت القطة في البيت، كيف عبرت الجسر؟! والشارع؟! إذا كان الحيوان هكذا يتعلق بالوطن فكيف الرجل الذي عاش فيه أباً وجدّاً وقبيلة وعشيرة وعائلة وطفولة يعني الإنسان يعشق وطنه

عجباً هذا الثرى تعشقه  وإلى أتعس ما فيه تحنّ

إلى المزبلة اللي بجوار بيتك والزبال الذي كان ينظف البيت يعني وحب الوطن من الإيمان. وبالتالي ما من أخطر من التهجير يوم القيامة أن تهجِّر إنسان قصراً بلا ذنب جريمة عظيمة ولهذا المهجّرون لا ينسون هذا ونحن الآن في هذا العصر المهجرون من العرب والمسلمون كثر في أفغانستان وفي العراق وفلسطين وسوريا وكثير والله لو جعلتهم في قصور وكانوا في أكواخ لا يريدونها يريد الكوخ الذي ولدوا فيه وكانوا

د. نجيب: ولذلك القرآن قرن بين القتل والتهجير (اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا (9) يوسف)

د. الكبيسي: وأنا واثق أن قتل يوسف كان أحب إليه من تهجيره ولهذا بعد أربعين عاماً يحنّ أن يعود إلى بلاده هكذا هو الأمر. إذاً هذا معنى الهجرة أنك أنت تنتقل طواعية أو مجبراً مع كراهيتك الشديدة لهذا لأنك بهذه الهجرة ستفارق مكاناً تحبه جداً، هذا واحد. الهجرة في الإسلام هي الثمن الذي نحن فيه الآن كلكم تسمعوني الآن جالسين وولدتم من أبوين مسلمين محبوبين علّماك الإسلام تصلي وتصوم براحة تامة والمساجد تفتح النفس بجمالها وأنت إذا اختلطت بالمصلّين تشعر بروح الجمعية والناس يمدحونك إذا كنت أنت متديناً ويحبونك الخ. أجدادك الذين جعلوك مسلماً وهيأوا لك طريق الإسلام قتلوا وشُرِّدوا وذبحوا وعذبوا وهذا الفرق بين الآيتين (وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآَخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (41) النحل) هذا أول مرة بالبداية يمنعونهم ويضربونهم ويسخرون منهم يعني ظلموهم جداً سرقوا أموالهم فرّقوهم فرّقوا العائلة الواحدة ووراءها صار فتنة بحيث أنهم يأخذون هذا المهاجر ويحبسونه في غرفة ويقطعون أوصاله إلا أن يعود فإذا عاد إذا فتنوه عن دينه وأفلحوا بأنه عاد إلى الوثنية يكفّوا عنه ولهذا قال (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (110) النحل) خلاص كفر قال هذا أيضاً مسموح له إذا عاد

د. نجيب: (وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ (191) البقرة)

د. الكبيسي: أشد بمائة مرة أمس وفي نقاشي مع أحد الناس عن موضوع قتل الرأفة والرحمة نقاش لا تصل فيه إلى حد يعني شيخي والله في ناس تصل إلى حالة الموت أرحم بها من ألف مرة من هذه الحياة البائسة واحد ينشر بالمناشير وتقطع يده شوي شوي نحن الآن سمعنا ما جرى في بعض الدول التي تحصل فيها الثورات فيها الآن كيف كانوا يعذبون السجناء يدفنونهم وهم أحياء يقطعونهم قطعة قطعة وفي بعض الدول كالعراق مثلاً يقتلونهم بالدريل هذا الجهاز الذي يخرقون به الحديد يخرقون به العين بحيث يخرج من الخلف يمسكونه ويحطونه في آلة ثم يخرّقون جسده طيب هذا لو واحد أطلق عليه طلقة لكي يخلصه، هل هذا حلال أو حرام؟ كلام طويل وخلاف بين الفقهاء. إذاً كما تفضلت هناك حالات الموت فيها أرحم من الفتنة والفتنة أشد من القتل فالقتل لحظة وتنتهي وبالعكس دخل النعيم والفتنة في الغالب لا تكون إلا في الدين ولاحظ كل التاريخ يعني ماذا فعلوا بالمسلمين في الأندلس؟

د. نجيب: (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ (10) البروج)

د. الكبيسي: الفتنة تكون في الدين وحتى في الدين المسيحي كانوا يفتنون الناس وكل الأديان تعرضوا للفتنة كأن هذا قدر. إذاً الهجرة جاءت على هذا الأساس بهذا الذي عاناه المسلمون من كونهم هاجروا بعدما ظُلِموا أو هاجروا بعد ما فُتِنوا في كلا الحالتين كانوا هم الثمن الذي ننعم نحن الآن به بهذا الأمن وهذا الرخاء وهذا الجمال وهذا التوحيد والاحترام والأمل بالله وأنت تدخل المسجد في غاية اللطف وتعود في غاية الراحة وتصوم رمضان وأنت في غاية البهجة هذا دفع حسابه أباؤك وأجدادك من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس المطلوب منك أكثر من أن تحبهم وأن تترضى عليهم هكذا هو الأمر. إذاً الهجرة هكذا إذاً على هذا الأساس ولهذا رب العالمين قال (رضي الله عنهم) (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100) التوبة). لو تعلم ما الذي تعرضوا له يعني مثلاً (مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا) (مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا) وأحد قصص الظلم عن أحد المهاجرات التي هاجرت وحدها أم سلمة، أم سلمة وزوجها أبو سلمة عندهم طفل أربع أو خمس سنوات فرقوا بينهم أجبروا أبو سلمة على الفرار لأنهم قطعوه إرباً وبعد أن بقيت زوجته شهرين ثلاثة أربعة تطلع على الطريق تنتظر زوجها متى يعود تبقى من طلوع الشمس إلى أن تغيب تنظر من بعيد وتبكي وثم قررت أن تلحق به وقد ذهب إلى مصر فحينئذٍ كيف تروح وعندها طفل؟! اشترت بعيراً وكان النساء كما تعلمون عنهن نساء الجهاد وأخذت طفلها ورحلت وأثناء ذلك ألقوا القبض عليها جاء أهل أبو سلمة وقالوا هذا الطفل ابننا كيف تأخذينه؟! أخذوه منها هي تجره تمسك فيه وهم يمسكون فيه ويجرونه إلى أن خلعوا يده، تأمل المأساة بعد أن ذهب زوجها أخذوا طفلها مخلوع اليد ثم جاء أهلها قالوا أنت ما ترحلين وهكذا إلى أن وصل الأمر أن تذهب من مكة إلى المدينة على بعير وحدها لولا أن الله قيّض لها أحد المسلمين والقصة تعرفونها. وبعد سنوات لما جاءها ابنها والتقت بزوجها أيّ ظلم هذا؟ّ فقط لأنها قالت لا إله إلا الله ما قالت لا هبل والخ، هذا أقل ما أصابها من الظلم (هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا) أما الذين فتنوا كما تعرفون من الذين قطّعـت أيديهم ومن الذين قُتلوا ومن الذين أحرقوا بالنار ومنهم سيدنا بلال وغيره. فالهجرة على هذا الأساس هذه الهجرة هي التي امتدحها الله سبحانه وتعالى ورسوله وهي التي مهدت لنا هذا الدين وحينئذٍ التسلسل فيما تعرفون هنالك الهجرة الأولى بعد الظلم هاجروا إلى الحبشة النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم (إن في الحبشة ملكٌ لا يُظلّم عنده أحد) وهذه شهادة نادراً ما يشهد بها ملك من الملوك بالتاريخ لأنها غير معقولة وهو مسيحي على دين سيدنا عيسى. وفعلاً ذهب المستضعفون من المسلمين إلى ديار الحبشة فلقوا هناك إكراماً وتكريماً وحاولت قريش أن تلحق بهم وحاولوا إفساد الملك عليهم ولكن الحِجاج الذي جرى بينهم استطاع المسلمون أن يثبتوا أنهم أصحاب الدين الحق والنجاشي طرد المشركين. وبقي المسلمون في تلك الهجرة إلى أن غيّرت قريش سياستها لأنها رأت أنه ليس هنالك فائدة من هذا التعذيب وهذا الظلم بدأوا حرباً اقتصادية وهو أنهم حاصروا المسلمون في شعب أبي طالب كما تعرفون ثلاث سنوات

د. نجيب: وهذه الحروب يا سيدي تتكرر زماناً ومكاناً تشابهت قلوبهم والعياذ بالله.

——–فاصل———–

د. الكبيسي: حاصروهم في شعب أبي طالب ثلاث سنين وهو أنهم جمعوا كل المسلمين في مكان ومنعوا عنهم الطعام والكلام وكذا وقتلوا من قتلوا وصادروا أموالهم لأنهم حكام قريش وبالتالي لاقى المسلمون في شعب أبي طالب حتى أن أحدهم كان يبول فيسمع تحت بوله خشخشة فيحفر فإذا جلد ضأن أو جلد بعير يابس فيغسله فيشويه فيقتات عليه ثلاثة أيام فقط لأنه يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله، على طريقة المعارضة الآن أنت من المعارضة لازم يقتلوك. حينئذٍ هؤلاء كما يسمونهم الشبيحة في ذلك الزمان فقتلوا من قتلوا وهجّروت من هجّروا وحاصروا المسلمين أماتوهم جوعاً في شعب أبي طالب طيب هذا كان في السنة السابعة من البعثة بعد ذلك في السنة العاشرة وهو عام الحزن لأنه فيه مات كل من كان النبي صلى الله عليه وسلم يأنس به مات أبو طالب في العاشرة وماتت خديجة في العاشرة وأنتم تعرفون أن خديجة وأبو طالب كانا ركنين النصر لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جاءت محنة الطائف.

إتصال من الدكتور أحمد الطيار: عندي مداخلة بسيطة فقد سألني ابني سؤالاً في هجرة سيدنا عمر بن الخطاب وقارن بينها وبين هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول لماذا هاجر عمر علانية متحدياً المشركين دون أي خوف أو وجل على حين هاجر رسول الله متخفياً محتاطاً لنفسه أيكون عمر بن الخطاب أشد جرأة من النبي عليه الصلاة والسلام؟! فقلت له أن عمر بن الخطاب أو أي مسلم آخر غير رسول الله صلى الله عليه وسلم يعد تصرفه تصرفاً شخصياً لا حجة تشريعية فيه فله أن يتخير من الطرق والوسائل والأساليب ما يحلو له وما يتفق مع قوة جرأته وإيمانه بالله أما رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مشرِّع أي إن جميع تصرفاته المتعلقة بالدين تعتبر تشريعاً لنا ولذلك كانت سنته التي هي المصدر الثاني من مصادر التشريع مجموعة أقواله وأفعاله وصفاته فلو أنه فعل كما فعل عمر لحسب الناس أن هذا هو الواجب وأنه لا يحوز أخذ الحيطة والحذر والتخفي عند الخوف مع أن الله عز وجل أقام شريعته في هذه الدنيا على مقتضى الأسباب ومسبباتها وإن كان الواقع الذي لا شك فيه أن ذلك بتسبيب الله تعالى وإرادته من أجل ذلك استعمل الرسول صلى الله عليه وسلم كل الأساليب والوسائل المادية التي يهتدي إليها العقل البشري في مثل هذا العمل حتى لم يتركوا وسيلة من هذه الوسائل إلا اعتد بها واستعملها، فترك علي بن أبي طالب ينام في فراشه ويتغطى ببرده واستعان بأحد المشركين بعد أن أمِنَه ليدلّه على الطرق الفرعية التي لا تخطر في بال الأعداء وأقام في الغار ثلاثة أيام متخفياً إلى آخر ما أعطاه من الاحتياطات المادية التي قد يفكر بها العقل ليوضح بذلك أن الإيمان بالله عز وجل لا ينافي استعمال الأسباب المادية التي أراد الله عز وجل بعظيم حكمته أن يجعلها سبباً وليس قيامه بذلك بسبب خوف في نفسه أو شكٍّ في أمكان وقوعه في قبضة المشركين وعدم وصوله المدينة والدليل على ذلك أنه عليه الصلاة والسلام بعدما استنفذ الأسباب المادية كلها وتحلّق المشركون حول الغار الذي يختبئ فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه بحيث لو نظر أحدهم عند قدمه لأبصر الرسول صلى الله عليه وسلم فدبّ الخوف في قلب أبي بكر رضي الله عنه على حين كان يطمئنه رسول الله عليه الصلاة والسلام قائلاً (يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما) ولقد كان من مقتضى اعتماده على كل تلك الاحتياطات أن يشعر بشيء من الخوف والجزع في تلك الحال وبارك الله فيكم.

د. نجيب: نعم السائل والمسؤول

الدكتور الكبيسي: وكما قال الدكتور في الحقيقة رب العالمين سبحانه وتعالى يعني الدكتور سحبنا إلى موضوع آخر ومن الجمال بمكان (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (30) الأنفال) بعد ما شافوا اشتد أمر النبي صلى الله عليه وسلم اجتمعوا في دار الندوة ناس قالوا لا بد أن نكتّفه ونقيّده نلقي به في مكان لا يعرفه أحد (أو يثبتوك) أي بالقيود (يقتلوك) هذا رأي ثاني ناس قالوا لا أخرجوه ليخرج من الجزيرة العربية كلها (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ). ما قاله الدكتور قبل قليل إن مكر الله سبحانه وتعالى تعددت أسبابه فقد هيأ للنبي صلى الله عليه وسلم جنوداً لم تكن تخطر ببال من ضمنها مثلاً هيأ له ذات النطاقين تأتيه بالماء وهذا الراعي الذي يأتيه باللبن ومن جنوده هذا العنكبوت الذي خيّم على باب الغار كما قال الأخ الدكتور لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لرأى النبي وصاحبه وهذا من جنود الله كالجراد والضفادع والقمل والدم آيات مبينات. ورب العالمين عز وجل منذ أن جاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن توفي المصطفى عليه الصلاة والسلام وهو في عين الله وهذا جوابنا على سؤاله لماذا سيدنا عمر؟ سيدنا عمر واحد من جنود الله الذين سخرهم الله عز وجل لحماية النبي وحماية الدعوة ولكن لا بد أن تأخذ مسارها ومن ذلك عندما كان سراقة بن مالك لما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم مع صاحبه أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه تبعهم والقصة معروفة وباختصار لما وضعوا جائزة مائة ناقة لمن يأتي بالنبي بعد أن عجزوا عن أن يجدوه في الجبال والكهوف وما وجدوه مطلقاً ووصلوا إلى الغار الذي كان فيه وما رأوه فوضعوا مائة ناقة وجاء صديق من أصدقاء سراقة قال رأيت شبحين كذا فعرف أن هؤلاء هم فتبعهم فإذا بالأرض تسيخ بفرسه تدخل أقدام الفرس في الأرض فيقع عن جواده، هذا من مكر الله (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ) وإلى آخره ومنذ أن ولد النبي وشبهات اليهود حوله وإرهاصاتهم حوله إلى أن توفي النبي صلى الله عليه وسلم ولهذا حتى عندما أرادوا أن يسمّوه، من أجل ذلك نقول أن كل ما جرى في حياة النبي جرى بقدر معين ولهذا لا بد أن يبلغ حكم الله مرماه هذا النبي خاتم الأنبياء واختزل كل الرسالات في هذا الكتاب (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ (48) المائدة) حينئذٍ سيدنا أبو بكر الصديق ودوره وعمر ودوره وعثمان ودوره وعليّ ودوره عليّ دوره في الهجرة عندما نام في فراش النبي صلى الله عليه وسلم والنبي يأخذ قبضة من الحصباء يعني أربع خمس حصوايات من الأرض فيرميها وإذا تدخل في عين خمسين رجلاً من الذين كانوا يحاصرون البيت كل واحد منهم دخل في عينه شيء ثم قال (شاهت الوجوه) فناموا إذاً لا يقال لماذا هل كان عمر أشجع من النبي؟ هل كان العنكبوت أشجع من النبي؟! وإنما هذا من مكر الله والمكر دقة التدبير، المكر نوعان المكر السيئ والمكر الحسن المكر السيئ تمكر بالآخرين ظلماً والمكر الحسن أن تهيء للآخرين أمورهم بتدبير هائل ولهذا رب العالمين امتدح النساء وقال (إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28) يوسف) فالكيد والمكر علامة القوة. إذا الهجرة النبوية مسلسل من الدروس والأحداث ولهذا قبل الهجرة بسنة واحدة تأتي قضية الإسراء والمعراج التي هزت العالم بل أضعفت موقف النبي صلى الله عليه وسلم حتى بعض الصحابة ارتدوا والنبي صلى الله عليه وسلم كان محرجاً لا بد أن يبلِّغ (يا أيها الرسول بلغ ما نزل إليك) قال أنا والله ذهبت إلى السماء ورجعت وفراشي وهم يحاربونه ويحاصرونه إذاً كل هذا من أمر الله وصنيعه.

إتصال من أم أحمد من أبو ظبي: للحديث شجون يقولون أن حب الله والمصطفى في قلب كل إنسان مثل السُكَّر في قاع الفنجان فإن حركته زادت الحلاوة وذقنا الحلاوة إن شاء الله فمثل هذه المناسبات والحديث والسيرة تحرك معاني في القلب ومحبة إن شاء الله يعني نتمنى أن نبثها في بيوتنا وفي أولادنا وفي بناتنا أن الهجرة سبحان الله هذا شيء كان حدثاً مثلما قلت سيدي حدث عالمي العالم كله تغير بعد هذه الهجرة فمن غير الإنصاف أن تمرّ مناسبة مثل هذه وما تستوقفنا وما تخلينا نركز وندرس ونقرأ الدروس التي كانت في هذه الهجرة رغم كل ما فعلوا بالنبي صلى الله عليه وسلم وكل الإساءات التي أساؤوها له وهو سيد الخلق وسيد الشرفاء وسيد الرجال وسيد الكرماء مع هذا ما انتقم لنفسه وقال اذهبوا فأنتم الطلقاء واليوم الناس تنهش في بعضها البعض واليوم الناس هجروه فهُجِروا فالله لا يجعلنا من المهجورين ويجعلنا إن شاء الله من الصالحين الموصولين بالنبي صلى الله عليه وسلم. وأتمنى من هذا المنبر دعوة لكل أم وكل أب أن يجعلوا يومياً ولو ربع ساعة من كتاب السيرة يقصّون على أولادهم القصة الشريفة هذه التي تجعلنا نتعلق بالنبي صلى الله عليه وسلم لأنه هو صلى الله عليه وسلم هو حبل الله سبحانه وتعالى فكيف نهجره؟! هو هاجر من أجلنا فكيف نحن نهجره؟! فأتمنى من هذا المنبر سيدي ببركتكم ودعاوتكم إن شاء الله أن يجعلنا موصولين بالنبي صلى الله عليه وسلم ويجعلنا مع الأولين إن شاء الله والفائزين يا رب.

الدكتور الكبيسي: أحسنت والله! في الحقيقة هذا موضوع الهجرة الموضوع أن كل أم أو أب يلقم سيرة النبي صلى الله عليه وسلم لأولاده وهذا واجب من واجبات الأمومة والأبوة لأنها تعطي زاداً وتعطي قوة وثقة عجيبة

د. نجيب: ومستودع لكل الأحداث التي تجري للأمة اليوم أو تجري لها إلى قيام الساعة بل حتى في حياة الإنسان العادية

د. الكبيسي: محبة النبي صلى الله عليه وسلم فيها آثار عجيبة على سلوكك وعقيدتك وموقفك يوم القيامة ولهذا قال المصطفى (أدّبوا أولادكم على حبي) وتعرف أنت من أحبّ النبي صلى الله عليه وسلم كما قالت بنتنا حب النبي ماذا يعني؟ إذاً تعليم الأولاد وتأديبهم على حب النبي صلى الله عليه وسلم من طريق السيرة وطريق المواقف المعينة وهذه المواقف الأولى في حياة النبي صلى الله عليه وسلم أعجوبة أن يدخل هو وصاحبه في غار لو نظروا تحت أقدامهم سيقتلونهم وينتهي الدين هكذا هو الأمر،

الدكتور نجيب: دائماً العظماء عندما نقرأ سيرهم نجد أنهم قد وضعوا أمامهم أسوة وقدوة شخصية معينة يقتدون على آثارها وأيّ شخصية يُقتدى بها لا بد أن يكون فيه خلل أو فيه نقص فلماذا لا نقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو الإنسان الكامل وهو ليس طبعاً كسائر البشر؟!

الدكتور الكبيسي: كما قالت أختنا قبل قليل موضوع الهجرة يبدو أنه قانون من قوانين الرسالات العظيمة ما من نبي إلا وله هجرته سيدنا نوح هاجر وسيدنا موسى هاجر وسيدنا عيسى هاجر وكل أصحاب المهام العظيمة لا بد أن يهاجروا وما من عالمٍ بلغ من العلم مرحلة الاجتهاد مرحلة مرموقة متميزة مرحلة إبداع إلا هاجر فلو تقرأ تراجم العلماء اسمه لقبه ثم هجرته لا بد أن يهاجر في طلب العلم. وهكذا أصحاب يعني ديغول لما هاجر وسوى حكومة وكل الملوك الذين أقاموا دول يعني الملك عبد العزيز هاجر إلى الكويت لما أقام دولة بسيفه هو وحده. فالهجرة هذه من علامات نجاح المهم التي أنت فيها إذا كانت مهمة عظيمة أما أن تبقى مكانك فهذا شيء آخر

إني رأيت وقوف الماء يفسده إن سار طاب وإن لم يجري لم يطب

فالهجرة مبدأ عال كل أصحاب الغني لا يكون غني إلا إذا هاجر بطلب المال وطالب العلم وهكذا فالهجرة يا سيدي الحيوانات والطيور تهاجر

د. نجيب: وهذا ما قرأناه في سير العلماء كالإمام الشافعي والأوزاعي والليث وغيرهم

د. الكبيسي: وكل نقلة من هجرته تعطيه علماً وفكراً جديداً.

——-فاصل——–

د. الكبيسي: من الانتكاسات الشديدة التي أثرت على النبي عليه الصلاة والسلام فشله في الطائف ذلك الاستقبال السيئ الذي لم يكن متوقعاً بأي من الموازين لا من باب شيم العرب ولا من باب قراهم ولا من باب حلمهم وكانت مقابلة في غاية السوء، والله سبحانه وتعالى قيض له فتىً نصرانياً من مدينة نينوى أي الموصل قال الشاب النصراني اسمه عداس فلما رأى قدمي النبي الشريفتين تجريان دماً وكان جائعاً وعطشاناً وكان عنده بستان فجاءه ببعض الماء والطعام فسأله من أيّ القوم أنت؟ قال أنا من نينوى قال (أنت من بلاد أخي يونس بن متى) فقال أتعرفه؟ قال (نعم هو نبي وأنا نبي) وبدأ النبي صلى الله عليه وسلم يحكي لعدّاس عن سيدنا يونس فأسلم عداس. وحينئذٍ كان هذا فيه شيء من العزاء. عاد النبي صلى الله عليه وسلم من الطائف وهو كسير وكانت رجلاه الشريفتان تسيلان دماً وكان حزنه على ما لاقى وهذا المقابل والجحود الهائل الذي ما كان يليق بكل المقاييس حتى لا تؤمنوا أما أن يغروا به السفهاء والأطفال ويطردوه ويمنعونه من الماء والطعام وهو غريب كان مأساة نفسية كمأساة يوم أحد! ولهذا سئل النبي عليه الصلاة والسلام ما هي أسوأ المواقف؟ قالر(يوم الطائف ويوم أحد). عاد النبي صلى الله عليه وسلم ولكن كيف يدخل مكة وقد أهدروا دمه؟ ولهذا بات في وادي نخلة وهو مكان قبل مكة وهو في الليل كما تعرفون جاءه الجنّ (وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآَنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (29) الأحقاف) والقصة كاملة تعرفونها هذا حصل عند عودة النبي من الطائف وعندما بات في وادي نخلة جاءه الجن في هذا المكان والقصة معروفة. إحتار النبي عليه الصلاة والسلام كيف يدخل مكة ودمه مهدر فاستحضر ذكر الأشخاص الذي يمكن أن يركن إليهم فتذكر المطعم بن عدي هذا رجل من المشركين ولكنه صاحب مقام، بعض الناس قد لا يكون متديناً وقد لا يكون حتى مؤمناً وقد لا يكون حتى مسلماً ولكنه في غاية الوجاهة والحلم والكرم والأخلاق العالية وعندما تنخاه بعمل تجده عند يمناك كما يقولون، فشاف حال النبي صلى الله عليه وسلم فأجاره ذهب إلى مواقع قريش ونواديهم قال (أيها الناس لقد أجرت محمد فلا يهيجنّه منكم أحد) وخلاص وفعلاً دخل النبي صلى الله عليه وسلم وطاف بالكعبة وصلى.

د. نجيب: وهذه الإجارة من سنة العرب كما نسميه الآن اللجوء السياسي

د. الكبيسي: نعم اللجوء السياسي من دولة إذا كان من فرد مرموق وله تأثير على الدولة كرئيس وزراء أو رئيس حكومة، أما هذا ضيفي وكان من الوجاهة من المكان يسمى هذا إجارة، أجاره. بعد هذه الحادثة جاءت النقلة العظيمة وهي نقلة الإسراء والمعراج بقدر ما هي تكريم من الله عز وجل ورأى فيها كل الآيات (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1) الإسراء) وتعرفون هذه أعجوبة العجائب والعلم الآن يثبت ذلك وحتى أن البُراق هذا الجهاز العجيب الغريب وهو سفينة فضائية يقال أن بعض الغربيين اكتشفوا نوعاً من الآثار التي تدل عليه وقد يكون هو. لما وصل الأمر إلى هذا الحد وكفار قريش وجدوا أن النبي صلى الله عليه وسلم بينهم ولا يستطيع أحد أن يكلمه وجماعته ينتشرون حدث ما أغاظ قريش إغاظة عظيمة جاء وفد من المدينة المنورة لكي يزور الكعبة وهم مشركون من عبّاد الأصنام وإذا بالنبي يلتقي بهم في العقبة ويقتنعون بالإسلام ويسلمون ويبايعونه في بيعة العقبة الأولى على أن يعودوا إليه وكان عشرة من الرجال وامرأة واحدة واتفقوا أن يأتوه في العام القادم فجاء سبعين واحد وإذا بحركة سياسية عظيمة حينئذٍ ذهبوا بعد هذا إلى المدينة وفتحوا باباً من أبواب الإيمان هناك أكثر من أبواب مكة

د. نجيب: لتكون مرحلة جديدة بعد هذه المرحلة.

إتصال من الأخت أم عامر من السعودية: كما قلت كم يشتاق الإنسان إلى الهجرة إلى وطنه وكم له طعم ومذاق خاص مهما كان أفقر من غيره من الأوطان وهكذا بالنسبة للغتنا العربية لقد هجرناها علماً بأنها أعظم اللغات وهي لغة القرآن الكريم (بلسان عربي مبين) وكم نحن هجرنا لغتنا العربية التي نحن بأمس الحاجة إلى العودة إليها والهجرة إليها ثانية كي نفهم ديننا حق الفهم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وما نحن عليه اليوم من شتات وفراق أكاد أقسم أنه بسبب هجرتنا للغتنا العربية التي هجرنا فيها فهم القرآن والسنة فرب العالمين يقول (وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ (52) المؤمنون) فأين نحن من هذا؟! أصبحنا (فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (53) المؤمنون) أين نحن من قول الرسول صلى الله عليه وسلم (سددوا وقاربوا)؟! فأنا لست في مقام يؤهلني أمام مقدّم نجيب وشيخ جليل لشرح ما آل إليه مجتمعنا من خلل وشتات نفسي قبل أن يكون حسياً وأخلاقياً وسلوكياً وخير ما شعرت به في مقام كهذا وهو خاص في وحدة الأمة قد قال صلى الله عليه وسلم (سددوا وقاربوا) في شتى مجالات الحياة والله سبحانه وتعالى يقول (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163) الأنعام) فأرى في هذه الآية والله أعلم بأنها جمعت كل ما يقتضى من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من تسديد ومقاربة ومن الآيات قوله (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ (16) التغابن) فأين نحن من التسديد والمقاربة في الصلاة؟! فنحن بحاجة للعودة إلى هذه المعاني في الصلاة ابتداءً في إقامتها بأوقاتها

الدكتور الكبيسي: أولاً يا أم عامر ثقوا بأننا مخطئون في تحميل هذه الأمة كل هذه الأوزار دائماً أين نحن؟؟ نحن في خير والله لو عرفت الجهود التي بُذِلَت على هذه الأمة من عام 1917 إلى هذا اليوم ماذا أرادوا لهذه الأمة ثم هذه الأمة اليوم على ما هي عليه لقلت الحمد لله. إن هذه الأمة مصونة نحن بخير المساجد مليئة والشباب في كل مكان يعودون إلى الله عز وجل واللغة تظهر كل يوم شعراء وأدباء وقُصّاص وكُتّاب ونحن بخير عظيم ولذلك لا تثبطوا هممنا بالويل والثبور فالأمة قادمة (لكل شِرّة فترة) ولكل فترة قوة ولكل قوة عودة. إذاً هذه قضية معروفة كما نحن وكما هو الإنسان طفولة ثم فتوة ثم شباب ثم شيخوخة ثم يعود. الأمة الآن بخير الأمة الآن تشخص كل ما هو خطأ ولذلك علينا أن نكون منصفين ونقول الحمد لله الأمة تعود لو عملت إحصاء كم نسبة الذين يتركون الصلاة اليوم إلى جانب من يصلون؟ وكم الذين يفطرون في رمضان إلى جانب من يصومون؟ وكم وكم لرأيت خيراً كثيرا فاحمدي الله على هذا ونعم نطمع بالمزيد ولكن لا ينبغي أن نهوّل الأمر ونثبط عزائم الناس هذا واحد.

اثنين بعد هذا كله النبي صلى الله عليه وسلم رأى أن الهجرة إلى المدينة استقرت فأذن له ربه عز وجل بالهجرة إلى المدينة وسيدنا أبو بكر الصديق طلب الصحبة وتعرفون القصة كيف أن الله سبحانه وتعالى أكرمهما وأكرم الأمة بهذه الرحلة العظيمة، وصل النبي عليه الصلاة والسلام إلى المدينة وعندما وصل إلى المدينة كانت المدينة كلها قد أصبحت مسلمة تقريباً ما عدا أهل الكتاب ثم انتشر فيهم العلم وذهب كثير من المسلمين إليهم وعلموهم وكانت الجمعة تقام في المدينة قبل أن تقام في مكة وفعلاً لما وصل النبي عليه الصلاة والسلام لقي استقبالاً لم يلقه ملك ولا عظيم ولا زعيم جاء إلى شعبه. جاء أهل المدينة جميعاً بقضّهم وقضيضهم بذلك الهتاف العظيم الذي تبكي له العيون طلع البدر علينا من ثنيات الوداع والنبي صلى الله عليه وسلم بعد ما رأى هذا الاستقبال الهائل فرح فرحاً عظيماً بأمته الجديدة المولودة وقال لهم -شوفوا الدقة شوفوا الهدية المباركة وشوفوا التوجيه الأول رجل متعب ومهاجر ومطارد ومطلوب الخ ولكنه استحضر في تلك اللحظة هذه الكلمات العجيبة- (أيها الناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصِلوا الأرحام وصلّوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام) فعلاً ما ينطق عن الهوى! رباعية كاملة تأمل من يقوم بها لا يدخل النار أبداً لماذا؟ هذه الرباعية لا تجتمع في عبد مسلم إلا عصمته من أن يدخل النار مطلقاً لأنه تفرض عليه أن يكون مستقيماً بالحد المطلوب خمسين بالمائة لكي لا يدخل النار، من هذا الذي يسلِّم على كل من يلقاه؟ رجل صاحب خلق ورضيّ وليس في قلبه بغضاء كما هو الحال في بعض الناس الآن الذين بنوا مبدأهم على كره المسلمون جميعاً كل المسلمين مشركون حتى المصلون يفجرون المساجد والناس يصلون ويقول الله أكبر هذا الذي يسلّم، أنت تسلِّم على من عرفت ومن لا تعرف ثانياً أن تصل أرحامك مهما أساءوا إليك ثالثاً أن تصلي بالليل والناس نائمون

د. نجيب: في خلوة مع الله سبحانه وتعالى

د. الكبيسي: وهذه إذا فعلتها ومن حسن الحظ رداً على ابنتنا أم عامر من حسن الحظ وبلا مبالغة تسعين بالمائة من المسلمين اليوم يؤدون هذا ونحن بعد 15 قرناً ونحن على وشك أن ندخل العام الهجري الجديد إذاً الأمة بخير.

إتصال من الأخت نور من العراق: هل تعلمني دعاء من تعارّ بالليل؟

د. الكبيسي: دعاء الاستيقاظ؟ بالليل أيّ دعاء تستطيعين أن تدعينه لكن هناك دعاء الاستيقاظ (اللهم لا تؤمني مكرك ولا تنسني ذكرك ولا تكشف سترك ولا تولني غيرك ولا تجعلني من الغافلين أيها الملك الموكل أيقظني في الساعة كذا) يوقظك بالثانية إذا أحببت لكن إدعي الله بما تشائين

د. نجيب: الليل كله دعاء

د. الكبيسي: إذاً هكذا هو الأمر رب العالمين سبحانه وتعالى أوصل النبي عليه الصلاة والسلام إلى المدينة المنورة وبدأت الدولة الإسلامية التي بدأت في ذلك اليوم ولن تنتهي إلى يوم القيامة وللعلم النبي صلى الله عليه وسلم ما سماها الجمهورية الإسلامية ولا قال الدولة الإسلامية قال دولة للمسيحي واليهودي لكل الناس ولكل مواطن على ظهرها حيوان أو إنسان أو نبات لا فرق بينهم كما قال (أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4) قريش) هذا الخطاب لكل من على أرض المسلمين أياً كان دينه أو مذهبه أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف

د. نجيب: وكما قال سيدنا إبراهيم (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آَمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آَمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (126) البقرة) الله تعالى هو الذي قال (ومن كفر) جزاك الله خيراً شيخنا الفاضل وأشكر الإخوة الذين تداخلوا معنا وأخص الدكتور أحمد الطيار، إلى اللقاء في الحلقة القادمة إن شاء الله والسلام عليكم ورحمة الله.

بُثّت الحلقة بتاريخ 25/11/2011 م وطبعتها الأخت الفاضلة نوال من السعودية وتم تنقيحها

============

الحلقة 136 (25-11-2011) عن الهجرة

http://www.islamiyyat.com/video.html?task=videodirectlink&id=2634