الحلقة 157
(وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا (94) الإسراء) – (وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا (55) الكهف)
د. نجيب: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وبعد. مع شيخنا الجليل الأستاذ الدكتور أحمد الكبيسي حفظه الله وآخر آية متشابهة في سورة الإسراء.
د. الكبيسي: بسم الله الرحمن الرحيم. كما قال الدكتور نجيب الآية الأخيرة التي فيها من المتشابه في سورة الإسراء هي الآية 94 والتي تقول (وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا (94) الإسراء) يعني فقط (أن يؤمنوا) في سورة الكهف 55 (وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا (55) الكهف) في زيادة يستغفروا ربهم، نفس الآية تتكرر تماماً الفرق أن في الكهف فيها زيادة ويستغفروا ربهم الآية متطابقة ما عدا هذه الزيادة (وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا) وقلنا في الحلقة الماضية أن سورتي الإسراء والكهف سورة واحدة تحت عنوانين: الإسراء تتحدث عن رفع الله لعبده للسماء والكهف تتحدث عن إنزال الله للسماء إلى عبده وهو يحمل هذا الكتاب العظيم الذي تقوم له السموات والأرض. إذاً فهما تتحدثان حول عبده مرة لأنه رفعه إلى السماء ومرة لأنه أنزل له أعظم ما في السماء وهو هذا الكتاب. هكذا هو الأمر إذاً فهما سورة واحدة تتحدثان عن شيء واحد من إكرام الله لعبده الذي رفعه مرة ثم أنزل عليه أعظم ما خرج منه مرة أخرى.
د. نجيب: وذكر أنه حتى بالنسبة للمولى سبحانه وتعالى في سورة الإسراء نزّهه عن النقائص بسبحان الله وأثبت له صفات الجمال بالحمد لله بدليل أن آخر آية في سورة الإسراء فيها الأمر بحمد الله (وقل الحمد لله)
د. الكبيسي: بارك الله فيك، صحيح. إذاً ما هي الحكمة من الزيادة في آية الكهف (وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا)؟ الآية الأولى في سورة الإسراء تتحدث عن دخولك في الإيمان “لا إله إلا الله” هذا هو الأمر كله (وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا) يعني فالقضية في الإسراء فقط كيف في تدخل في الإيمان وحده؟ الكهف لا، تتحدث عن الإيمان وما بعده وهو العمل. ولهذا سوف نشرح الآن عندما تقول لا إله إلا الله بعدها لا بد أن تعمل، هذه هي المعادلة. هذا الاستغفار لو تنبهنا إليه هو رفيق العمل من أوله إلى آخره، من ساعة ما تدخل بلا إله إلا الله إلى حظيرة المؤمنين الموحّدين وثم تنتقل من هذه المرحلة الحاسمة إلى مرحلة العمل وإذا بك تكتشف أن استغفر الله العظيم رفيقة دربك في كل حالة إن أصابك همٌ أو غمٌ إن صليت أو صمت أو أذنبت أو أصلحت في كل حالة الاستغفار رفيقك كما سأذكر بعض الأحاديث العجيبة التي تدل على أن هذا الاستغفار ملازمك وأنت ملازمه. ولهذا في الحديث الصحيح “من لزم الاستغفار” ليل نهار في كل حركة يستغفر الله إذا عبدت الله تستغفر كما سأذكر بعد قليل كل الأنبياء آمنوا واستغفروا آمنوا واستغفروا يعني معنى ذلك آمن ادخل بالتوحيد ثم اعمل والعمل العنوان الرئيسي له الاستغفار.
د. نجيب: بل هم مأمورون بالاستغفار وهم معصومون عن الذنوب (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا (1) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ (2) الفتح)
د. الكبيسي: الاستغفار روح العبادة فالعبادة لا تصلح إلا مع الاستغفار
د. نجيب: (إذا جاء نصر الله والفتح) تمّت النعمة (فسبح بحمد ربك واستغفره)
د. الكبيسي: ولهذا “من سره أن يرى صحيفته يوم القيامة فليكثر من الاستغفار”. وبالتالي من رأى في صحيفته استغفاراً كثيراً انتهى الأمر. إذاً الفرق بين آية الإسراء أنك تخرج من الوثنية وتدخل في التوحيد فقط أما في سورة الكهف تتحدث عن ما بعده عن المرحلة القادمة المهمة وهي أنك أنت تعبد الله ما قال اعبدوا الله قال استغفر وهي ملازمة كونك تستغفر الله يعني أنك أنت تعبد الله حتماً
د. نجيب: العجيب يا شيخ أن هذا الذي يعبد الله ويطيع الله مأمور بالاستغفار فما بالط بالذي يرتكب الكبائر ثم لا يستغفر ولا يتوب؟!
د. الكبيسي: فكيف الذي يعصي؟! ولهذا لا بد أن نطور أفكارنا عن النجاة والهلاك يوم القيامة يعني أنت قد تجد من رحمة الله عز وجل يوم القيامة فتقول مستحيل أحد يدخل النار على هذه الرحمة وقد تجد من عقابه وعذابه تقول مستحيل أحد يدخل الجنة! هذا يفسر لك لماذا سيدنا عمر رضي الله عنه يقول “لو لم يدخل النار إلا واحد لخشيت أن أكون أنا ولو لم يدخل الجنة إلا واحد لرجوت أن يكون أنا” لماذا؟ أنت تنظرها يمين رحمة الله وسعت كل شيء وتنظرها شمال يا لطيف!! وجماع ذلك كله الاستغفار.
د. نجيب: الاشكال عند الغالبية أن الاستغفار نحن مأمورون به أعقاب المعاصي وليس عملية مداومة لحالنا
د. الكبيسي: والاستغفار ليس فقط مرتبط بأعقاب المعاصي بل هو شكر فلما سأل الصحابة وقالوا يا رسول الله أنت تستغفر ليل نهار وقد غفر الله لك قال (أفلا أكون عبداً شكوراً) فالاستغفار هو الشكر. وهذا معناه تقول يا ربي كل ما أعبدك لا يساوي واحدة من نعمك وهذا صحيح. يعني في الحديث أن الله سبحانه وتعالى يوم القيامة يعطيك ثلاث سجلات كل سجل ما بين المشرق والمغرب: سجل فيه نعم الله عليك وسجل فيه حسناتك وسجل فيه سيئاتك فرب العالمين يقول لأصغر نعمة في هذا السجل العظيم أصغر نعمة نفس واحدة هذه أصغر نعمة فيقول استوفي حقك من ديوان حسناته فتستوفي الديوان كله تقول له بعد ما استوفيت، انتهى ديوان الحسنات وبقي ديوان السيئات! فبالتالي فعلاً نعم الله تحتاج الشكر فهل أنت تعبد الله بكيفك؟ رب العالمين هو الذي جعلك تعبده (قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (17) الحجرات) وإلا هناك من هو أذكى منا وأعظم منا وأرقى منا ونعم الله عليه أكثر منا ويعبد الحجر! فهذا هو (قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) أنت عليك أن تشكره في كل حركة إذا عصيت تستغفره من ذنبك وإذا أحسنت تشكره هذه العبادة لا تساوي واحد من مليون من نعمك عليّ فهذا هو الشكر فمن علامات الشكر أنك تنكرها أمام المنعم يعني الملك الكريم مهما أعطاك تفضلاً منه وبالتالي أنت لا تقول له والله أنا سويت لك فلان شيء لا فلا تمن عليه بشيء فمهما فعلت لن تكافئه فكيف رب العالمين؟! وهذا من الأدب فالأدب أنك لا تمنّ على الملك بما تفعل. ولهذا الاستغفار فيه عظمة الشكر لله والتواضع لحكمته ولكبريائه وأنك أنت عباداتك لا تساوي عنده شياً وهذا هو الواقع فالله غني عن كل عباداتك عباداتك لك فالله لا يستفيد منها ولهذا مهما عملت ومهما عبدت الله أنت عليك أن تستغفره أولاً تستغفره مما لحق بطاعاتك من سيئات وما أكثرها
د. نجيب: ولهذا جاء الاستغفار أعقاب الطاعات
د. الكبيسي: أعقاب الطاعات، والأنبياء يقولون سيدنا نوح (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) نوح) سيدنا هود (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ (52) هود) هذا بعد ما آمنوا، صالح (فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ (61) هود) شعيب (وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ (90) هود) إذاً هذا الاستغفار اللازم لكونك أصبحت عبد الله ما دمت قد أصبحت عبد لله فمن لوازم هذه العبودية أن تستغفره والاستغفار من معاصيك مجرد عبادة مجرد شكر مجرد تقديس نكران الذات كل أنواع العلاقة الكريمة بينك وبين رب العالمين وأنت عبده عنوانه الاستغفار وأنت حينئذٍ أنت تستقل كل عباداتك إلى جانب أصغر نعمة من نعم الله عليك.
الدكتور نجيب: تذكرت كلمة قرأتها لابن رجب الحنبلي في المعارف يقول تبارى مع ابن كثير حول قول الله تعالى (كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18) الذارايات) بعد أن أدلى ابن كثير بدلوه في هذا الأمر واستطاب ابن رجب ما قاله شيخه صاحب التفسير أضاف لمسة أخرى أعجب بها ابن رجب، يقول في فهمه أن (كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18)) كيف أنهم قطعوا ليلهم عبادة والناس نائمون وسجوداً ثم يعقبونه بالاستغفار قال ربما دبّ في نفوسهم دبيبٌ من العجب أنهم خيرٌ من غيرهم أن الناس حولهم نيام وهم قائمون فهذا الدبيب لون من الإعجاب والعجب لون من الشرك فجاء الاستغفار تطهير للنفس،
الدكتور الكبيسي: يا له من معنى! معنى هذا أن عليك أن تستصغر عملك مهما عظم إلى جنب الله تعالى هذا هو الإخلاص ولهذا قال: أخلِص يكفيك العمل القليل. والإخلاص كيف نأتي به؟ إلا من رحم ربي. شيخ هذا كتاب لا تنقضي عجائبه، الله أكبر!
إذا هذا الفرق بين آية الإسراء ما فيها (واستغفروا ربكم) وآية الكهف فيها (واستغفروا ربكم) وعرفنا الفرق بينهم. معنى ذلك أنتم دخلتم في توحيد الله عز وجل وعليكم بعد ذلك أن تبدأوا بالمرحلة الثانية التي هي من ضرورات هذا الدخول العبادة أن هذه العبادة لا يصلح أمرها إلا بالاستغفار أمر الدنيا والدين لا يصلح إلا بالاستغفار ربما شعور بسيط أو خاطرة أنك صاحب منة على الله أو أنك عملت الذي ما قام به أحد أو أنك صليت الفجر بالمسجد أو أنك وحينئذٍ هذا الاستغفار هو الذي ينقي كل ما قد يشوب عبادتك من شوائب بهذا الاستغفار فتبقى عبادتك عند الله سبحانه وتعالى يتقبلها منك وهي سليمة معافاة من كل شوائب الدنيا، هذا هو الاستغفار والذي لا تنقضي عجائبه من حيث وصية الكتاب العزيز ووصية النبي المصطفى بهذه العبادة التي تحقق لك كل أغراضك وكل احتياجاتك في الدنيا والآخرة. يعني تريد الدنيا تريد الآخرة تريد الرزق تريد الصحة تريد السلامة تريد الدرجات العليا استغفر واستغفر الخ ولهذا جاءت هذه الزيادة في آية الكهف. أين الإشكال؟ أن هذا الدين لما تقول لا إله إلا الله ثم تعبد الله عز وجل لكي يقبل عملك لا بد أن تكون لك معرفة بالله عز وجل (فاعلم) وحينئذٍ أن تعبد الله عز وجل وهو في ذهنك شيء ما تعرفه ولا في بالك وكأنك تعبد شيئاً مجهولاً هذا لا يُقبل. ولهذا عليك أن يكون عندك جزء مهما يسر من المعرفة بالله ولهذا أنت لاحظ كلما أمر الله قال اعبدوا الله قال الذي هو فعل كذا وكذا يسهل لك الأمر لكي تعرفه فتكون عبادتك مقبولة. الدكتور نجيب: إذن هذه الآية الكريمة (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (19) محمد) يبين وجه التشابه بين الآيتين: العلم أولاً بالله وهي الآية الأولى والاستغفار في الآية الثانية وهي سورة الكهف. لنا عودة بعد الفاصل إن شاء الله.
———–فاصل————
د. نجيب: يعتري الناس عموماً في هذا الزمان الخوف والكل يبحث عن الأمان والاطمئنان والجميع يشكو من الأمراض النفسية والعصبية وغيرها
الدكتور الكبيسي: لا شك الاستغفار هذا الأعجوبة التي فيه كل ما يحتاجه العبد من خير الدنيا والآخرة هذا الاستغفار من العبادات الجامعة المانعة ولهذا كما تفضلت لو أكثر الناس من الاستغفار لشعروا بالأمن بعد الخوف والخوف كما تفضلت الواضح أن كل العالم الآن في خوف مما هو قادم إلا المؤمن فإنه بتوكله على الله عز وجل ومعرفته بأبعاد هذا التوكل وحقيقته يقول لك المقدَّر كائن ولذلك يستعين على كل ما هو قادم بالاستغفار وهذا الاستغفار بقدرة الله عز وجل وبإذنه كان حرزاً لكل خوف.
د. نجيب: وكان المسلمون مطمئنون لوجود النبي بينهم
د. الكبيسي: والآية (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33) الأنفال) لاحظ الفرق بين يعذبهم ومعذبهم يعذبهم في المستقبل لكن معذبهم يعني الآن أربع وعشرون ساعة فاسم الفاعل يدل على الحال والاستمرارية مثل (يخرج الحي من الميت) وفي آية أخرى (مخرج الحيّ) فهذه عملية مستمرة فعليك أن يكون استغفارك دائباً ودائماً ولهذا عبادة أعجوبة! وقرنها بلا إله إلا الله (أن يؤمنوا ويستغفروا ربهم) فالاستغفار هو عنوان العبادة وهذا شأن المسلمين جميعاً في الصلاة في الصوم الاستغفار على ألسنتهم في كل أنواع العبادات بإذن الله وهذا من فضل الله عز وجل كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم (الخير في وفي أمتي إلى يوم القيامة) الاستغفار على لسانهم حتى نحن لما يضيع شيء على طول تقول استغفر الله العظيم فالاستغفار على لسان هذه الأمة
د. نجيب: عبودية وذلة وانكسار
د. الكبيسي: ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم وعدنا أننا عندما يخاف الناس نحن لا نخاف وعندما تجتاح الشعوب أن تستأصل هذه الأمة بما تستأصل به الشعوب الأخرى، هذا لن يحدث لها، لماذا؟ لأن أمة تستغفر الله كما لم تفعل أمة أخرى. كل الأمم تستغفر الله لكن بالشكل اليومي الدائم من كل مسلم حتى لو كان ضعيف العمل استغفر الله على لسانه من فضل الله.
د. نجيب: في ترجمة أبي شيبة القيرواني في ترتيب المدارك للقاضي عياض يقول أن أحد التلاميذ دخل على الشيخ القيرواني فقال له هلا كتبت اسمي على هذا البساط كلما رأيته استغفرت لي؟ قال هب أني استغفرت لك فأين عمل صالح يرفعه قال تعالى (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه) فكما تفضلت العبادة والاستغفار متلازمان
د. الكبيسي: الاستغفار أعجوبة! المفروض أن العبد عندما يستغفر الله أن يكون في ذهنه معرفة ولو أولية عن الله سبحانه وتعالى كما ذكر لنا الله تعالى وأراد أن نعرف أن هذا الذي فعل لك هو الله عليك أن تعرف أين الله وكيف الله وما هو المدلول أو الدليل على وجود الله كما قال جعفر الصادق لما جاء له واحد من الدهريين وهو الملحد والآن يسمون شيوعيون (وما يعلمنا إلا الدهر) قال له اثبت لي أن الله موجود قال له أركبت البحر يوماً قال نعم قال هل غرقت بك السفينة؟ قال نعم، قال ماذا فعلت؟ قال تمسكت بلوح خشب قال هل جاءت موجة وأوشكت أن تغرقك مع لوح الخشب؟ قال والله حصل ماذا فعلت؟ قال قلت يالله قال هو هذا الله، يعني أتى له بدلائل على وجود الله وانظر الآيات (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (22) البقرة) هذا دليل وأنت تعرف هذا يعني أنت فرحان بأولادك وبيتك والمطر هذا كله من صنع رب العالمين ذاك هو الله وفي النساء يقول (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1) النساء) أي واحد ما دمت أنت إنسان وعندك عقل إنساني تفهم هذا، الأنعام (ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (102) الأنعام) صحيح هو خالق كل شيء، الأعراف (إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54) الأعراف) يونس (إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (3) يونس) وهكذا القرآن الكريم لما يقول اعبدوا الله يقول لك من هو الله، فأعطاك ثقافة هائلة في معرفتك بالله عن هذه الآية
وفي كل شيء له آية تدلُّ على أنه واحد
ولهذا أن يعرف الناس دلائل وحدانية الله سبحانه وتعالى وهذه هي المعرفة بالله هذه من ضرورات هذا الإيمان، وإذا كنت لا تعرف عن الله شيئاً فهذا يصبح مجرد كلام!
د. نجيب: كنت أدرس في مرحلة من المراحل التوحيد فلم أكن أفهم شيئاً “واجب الوجود” وغيرها من هذه المصطلحات بينما الآيات القرآنية سهلة وواضحة ربما نحتاج إلى شيء من هذه الأمور لمناقشة الآخر وطرح القرآن الكريم في عرض العقيدة هو المطلوب أن نتبعه الآن
د. الكبيسي: بسهولة ومن دون تعقيدات. إذاً هكذا هو الأمر في كل حالات القرآن الكريم لما يقول استغفروا ربكم يعني اطلبوا من ربكم المغفرة. كلها آيات إما جهل بالله وآياته ونعمه وإما معرفة وهذه المعرفة هي التي توصلك إلى أن الله ربك وأن الله واحد وأن الله ربك وإلهك وانتهى الأمر بكل بساطة. الإيمان بالله فطري ما دام الله خلقك من بني آدم وأعطاك هذا العقل والعقل بمجرده الذي بدون أسباب يعرف أن لهذا الكون خالقاً يبقى القرآن يقول لك كيف هذا الخالق وكيف تعبده وكيف تصلي وكيف تصوم وانتهينا. ولهذا قال (وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ) لماذا الاستغفار أولاً والتوبة ثانياً؟ قال اطلب أول مرة من ربك المغفرة ثم تب إلى الله لأن التوبة هي سبب المغفرة فأنت تدعو الله عز وجل ثم تباشر الأسباب رب العالمين يغفر لك، هذه قاعدة “ما كان آخراً في الحصول كان أولاً في الطلب”.
د. نجيب: فلماذا اتسغفار الأنبياء وهم معصومون؟
د. الكبيسي: استغفار الأنبياء يعتبر شكراً ومن أساليب الشكر العظيمة أن تستغفر المنعِم
د. نجيب: هذه آخر سورة تنزل على النبي صلى الله عليه وسلم وتقول (استغفره إنه كان تواباً) وآخر أمر أُمر به هو الاستغفار والتوبة
د. الكبيسي: نحن حصرنا الاستغفار فقط من المعاصي وهذا أقل الأسباب التي تدعو للاستغفار، يعني شكر النعمة بالاستغفار أعظم من طلب المغفرة والتوبة بالاستغفار ولهذا قال صلى الله عليه وسلم (أفلا أكون عبداً شكوراً) الأنبياء أكثر الناس استغفاراً. وواقع الحال أن الله سبحانه وتعالى يحب الاعتذار وما من أحد أحب إليه العذر من الله. في أحد التفسيرات يقول أنه قدّم الاستغفار لأنه طلب المغفرة ثم تعقبه التوبة، الثاني يقول لا، في فهم هذا الترتيب أن المراد استغفروا من سالف الذنوب ثم توبوا إليه من المستأنفات، والثالث قال استغفروا من الشرك والمعاصي ثم توبوا من الأعمال الباطنة، الرابع قال الاستغفار طلب من الله لإزالة ما لا ينبغي أن يزيل عنك ما لا ينبغي أن يكون معك والتوبة سعيٌ منك أنت الإنسان في إزالة ما لا ينبغي أنت، هكذا وكلها أراء جميلة ومتكاملة. إذاً تقديم الاستغفار على هذا وبالتالي أن أحب العبادات إلى الله سبحانه وتعالى الاستغفار والتوبة ولهذا يقول عز وجل (إن عبدي يعصيني فيذكرني على الذنب لا يستغفرني فاغفر له) مجرد أن خطرت بباله فأنه يريد أن يستغفرني، يريد أن يتوب أغفر له قبل أن يتوب هذا غفر الذنب وقابل التوب يعني قبل أن يتوب يعلم أن هذا سوف يستغفر
الدكتور نجيب: عندما يذكر القرآن الكريم كبائر الذنوب والمعاصي ثم يتبعها بقوله (إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا (60) مريم)
الدكتور الكبيسي: يعني الجرائم، يبدل الله سيئاتهم حسنات إذا تاب انظر كرم الله قال له (هب أني لم أخلق جنة ولا نار ألا أستحق أن أعبد؟) الذي يبدل سيئاتك حسنات!! فقط تقول استغفر الله ولهذا يقول بعض العلماء أن هذه المراتب الثلاثة ترتب عليها الآثار النافعة المطلوبة وهي نوعان يمتعكم متاعاً حسناً كل هذا بالاستغفار ثم إلى أجل مسمى ثم يؤتي كل ذو فضل فضله (وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (3) هود) بالاستغفار يعني حقيقة الذهول أو التقاعس أو التكاسل عن الاستغفار خسارة عظيمة فعليك أن تكون كما كان المصطفى صلى الله عليه وسلم في كل جلسة يحسبون له سبعين ثمانين مرة يستغفر وهو رسول الله فعلينا أن نلزم أنفسنا بالاستغفار لأن في هذا ضمانة كاملة يوم القيامة (من سرَّه أن يرى صحيفته يوم القيامة فليكثر الاستغفار).
د. نجيب: هي قضية الغفلة فالآن في هذا العصر الملهيات والمغريات كثيرة يغفل الإنسان عن ذكر الله تعالى بل عن الواجبات فضلاً عن النوافل
د. الكبيسي: فنظام هذا العصر سعة الناس وملايين البشر والأحداث التي تصلك إلى بيتك كل ما يجري في العالم وهذه كلها هموم وملهيات ولكن مع هذا يبقى إن لله عباداً فطناء. نستعرض بعض الأحاديث عن الاستغفار يقول عن أبي ذر رضي الله تعالى عنه يقول الله عز وجل (يا ابن آدم كلكم مذنب إلا من عافيت فاستغفروني أغفر لكم) حديث قدسي. وحديث قدسي آخر (من استغفرني وهو يعلم أني ذو قدرة أن اغفر له غفرت له ولا أبالي) رواه مسلم يعني أنت ما عليك إلا عندما تذنب أو تعصي أو تتكاسل تستغفر الله وما أسهلها وأنت تعلم أن الله قادر على أن يغفر لك غفر لك، ولهذا شيخي لا يدخل النار إلا شقي. عن أنس رضي الله عنه يقول قال صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى (يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا ابالي). عن أبي سعيد الخدري قال النبي صلى الله عليه وسلم قال (قال إبليس وعزتك لأبرح أغوي عبادك ما دامت أرواحهم في أجسادهم فيقول عز وجل وعزتي وجلالي لا أزال أغفر لهم ما استغفروني) يعني ماذا تريد من رب العالمين أكثر من هذا؟! عن أنس رضي الله تعالى عنه يقول قال النبي صلى الله عليه وسلم (ألا أدلكم على أدوائكم ودوائكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله قال: إن داءكم الذنوب ودواؤها الاستغفار).
د. نجيب: نستغفر الله العظيم ونتوب إليه من كل ذنب عظيم. نعود إلى شيخنا الجليل بعد هذا الفاصل
——–فاصل——-
د. الكبيسي: لا تزال أحاديث الاستغفار تبعث الأمل في نفوسنا بشيء عجيب وهذا يفسر كما قلت قبل قليل أن عتاة المذنبين بهذا الباب فتح الله عليهم ويصبحون أولياء وعلماء فالفضل بن عياض كان قاطع طريق فلان الفلاني كان مطرباً وفلان الفلاني كان ملحداً
د. نجيب: ومالك بن دينار كان صاحب لهو ولعب وخمر وزمر وكثير منهم بعد أن جاوز الثلاثين والأربعين من عمره فإذا به يصبح في عداد الأولياء من أين هذا العلم؟
د. الكبيسي: هذا بتعليم الله عز وجل (اتقوا الله ويعلمكم الله). عن أم عصمة العوصية رضي الله تعالى عنها وفي حديث عن هذه الصحابية الجليلة لا أدري كيف أفسره وقال صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث-رواه الحاكم وهو صحيح الإسناد- (ما من مسلم يعمل ذنباً إلا وقف الملك عليه ساعة لعله يستغفر إذا استغفر لا يكتب له) وأنا أقول يعني ألا ترى أن هذا الحديث الصحيح يعني الصغائر؟ يعني الكبائر لا بد من إحداث توبة يعني ما يخيل لي (إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70) الفرقان) يعني هذا أن كل من عمل ذنباً مجرد أن يستغفر يعني تُغفر له! هذا عام لكن عند التطبيق الصغائر فقط أما الكبائر قد يكون فيها غيبة تعال سامحني أنا اغتبتك، وحقوق الآخرين والديون والخيانة والظلم هذا لا بد من إحداث توبة عن طريق إرضاء الآخر. لكن هذا الحديث تحث على الأمر بالمبادرة وعدم التأجيل وهذا جداً مهم، (ثم يتوبون من قريب). عن أنس رضي الله تعالى عنه قال قال صلى الله عليه وسلم (إن للذنوب صدأ كصدأ النحاس وجلاؤها الاستغفار) وهذه مجرّبة واحد بالاستغفار يشعر في أن قلبه شيء من النبض من حيث فهم الأمور تذكر الله عز وجل شيخي إذا تراكمت الذنوب بدون استغفار هذا الران أو الرين يعني يذهل عن الله وقد يصلي ويصوم ولكن كثير الذنوب ولا يستغفر هذا الرين أو الران من الذنوب تتكاثر حتى لا يعد لديه عبودية نقية
الدكتور نجيب: وشبهه الإمام الغزالي بالفتيلة التي توقد فيتصاعد منها الدخان حول الزجاج في الفانوس فإذا بادر في تنظيفه أولا فأولاً زال السواد وإذا تركه اشتد هذا السواد فلا ينفذ النور من خلاله ولا ينفذ النور إليه فلا تنفع معه موعظة الواعظين ولا نصيحة الناصحين فيصبح والعياذ بالله ريناً.
الدكتور الكبيسي: نعوذ بالله من القلوب القاسية. عن علي كرم الله وجهه قال حدثني أبو بكر رضي الله عنه وصدق أبو بكرٍ أنه قال (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من عبد يذنب ذنباً فيحسن الطهور ثم يقوم فيصلي ركعتين ثم يستغفر الله إلا غفر الله له) ثم قرأ هذه الآية (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (136) آل عمران) هذه توبة حقيقة.
د. نجيب: ما سر التعبير بـ(فعلوا)؟
د. الكبيسي: الفعل واحد، العمل مجموعة أفعال. مباشرة أول ما فعل الذنب استغفر لم يتركها تتراكم. عن بلال بن يسار أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول (من قال استغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه غفر له وإن كان فرّ من الزحف) الفرار من الزحف من الكبائر وهذا خلاف ما قلنا قبل قليل فيبدو أن رحمة الله واسعة ولا تحيط به العقول يعني هل ممكن لعقل بني آدم أن يحيط برحمة الله (ورحمتي وسعت كل شيء) ولهذا هذا الحديث ينقض ما قلناه قبل قليل حتى الكبيرة لكن يبدو أن لهذه التوبة شرائطها وصدقها مع الله وأنه يعنيها وينوي على أن لا يعود كما هو معروف من شروط التوبة.
د. نجيب: فالقضية قضية توفيق لهذا الاستغفار والتوبة
د. الكبيسي: حقوق العباد شيء وحقوق رب العباد شيء حقوق رب العباد يمكن تنطبق عليها كل هذه حقوق العباد لابد من ردها أو أن يعفو عنك، وهذه مشكلة. إضافة إلى الاستغفار هذا الدين من فضل الله عز وجل جعل الله فيه عبادات تغفر الذنوب بشكل إيجابي يعني من خلال النصوص
د. نجيب: يعني استغفار عملي
د. الكبيسي: (واتبع السيئة الحسنة تمحها) مثلاً يقول وهناك أحاديث إذا واحد في قلبه مخافة من الله إن الله يغفر له يعني حتى لو ارتكب ذنباً هو خائف من الله فالله يغفر له. في حديث يقول (من مات وفي قلبه مخافة فإن النار لا تأكل منه هدبة) حتى ولو شعرة. (من ستر عورته حياء من الله سراً أو علانية ستر الله عورته يوم القيامة) يعني هذا استحى من الله وستر نفسه (وإذا بليتم فاستتروا) (من دخل حلاوة الصلاة في قلبه حتى يتم ركوعها وسجودها كان حقاً على الله أن يرضيه يوم القيامة) هذا ما هي صعبة، إذا تذكرت أنك أنت لما تسجد أنك أنت أقرب ما تكون إلى الله وأن الله يراك الآن كما لم يراك من حيث العناية والرحمة وأنت ساجد وأقرب ما يكون العبد إلى الله وهو ساجد وأنت تركت هذا ثم خشع قلبك وأحببت الصلاة من أجل هذا رب العالمين لا يحاسبك. (من صلى في المسجد أربعين ليلة في جماعة يدرك التكبيرة الأولى كان حقاً على الله أن يكتب له براءة من النار)
د. نجيب: قضية الأربعين هذه تكررت أكثر من مرة
د. الكبيسي: الأربعون لها سر والسبعة لها سر. (من صام في كل شهر ثلاثة أيام كأنه صام الدهر وكان حقاً أن يرويه يوم العطش الأكبر) من غير صيام رمضان. (من كفّ أذاه عن الناس كان حقاً على الله أن يكف عنه عذاب القبر) ترى شيخي نحن فينا غرور ما ننتبه نادراً ما واحد في هذه الأمة في هذا الزمان كفى أذاه عن الناس حتى الكلمة والسالفة والرأي حتى النظرة أحياناً تنظر إلى شخص بصغار يا لطيف! وهذه من الموبقات، احتقار مسلم.
د. نجيب: ومن الأشياء التي تمنع الإنسان من إيذاء الآخرين لساناً أو يداً أن يستحضر أن الجزاء من جنس العمل فإذا استحقرت أحداً أو هضمته حقه مجرد ما استشعر أنني سأعاقب بمثل هذا الذنب إن لم استسمح منه وأستغفر الله
د. الكبيسي: وقد يكون العقاب أقصى مما فعلت معه لأنك أنت معتدي أنت بدأت والبداية مصيبة. (من بر والديه حياً وميتاً كان حقاً على الله أن يرضيه يوم القيامة) قيل كيف حياً وميتاً؟ حياً تكرمه ميتاً ما تسبه ولا تقوم بشيء يجعل أحد يسب أبوك. يقول النبي صلى الله عليه وسلم (من أدى زكاة ماله عند حلولها كان حقاً على الله أن يجعله من رفقاء الأنبياء) لأن الزكاة موجعة والمال موجع فالاستغفار والمواظبة على صلاة الصبح أربعين يوم هينة بالنسبة لبذل المال فهذا يحتاج إلى جرأة، (من صلى على النبي كل يوم ثلاثين مرة) يعني كل يوم بعد صلاة الصبح تقول 15 مرة اللهم صلِّ على محمد وآل سيدنا محمد وبعد المغرب هكذا يقول (إلا غفر له) وعدد من هذه العبادات في هذا الدين أعجوبة سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم مائة مرة تغفر ذنوبك ولو كانت كرمل عالج، لا إله إلا الملك الحق المبين. وعلى حكاية أنك لما تشرك عبادتك بالمسلمين إذا واحد استغفر للمؤمنين والمؤمنات خمسة وعشرين مرة رب اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين والمؤمنات خمس وعشرين مرة يقول عليه الصلاة والسلام (غفر الله له ورزق به الخلق وصار مستجاب الدعوة) يعني استغفارك للمؤمنين وتعلم أن الاستغفار في ظهر الغيب مستجاب الدعاء في ظهر الغيب من أجل العبادات والملائكة تقول (ولك مثلها). سيدنا عمر لما يرى أحدهم يسافر يقول (لا تنسانا من دعائك) فدعاء المسافر مستجاب ودعائك لأخيك في ظهر الغيب مستجاب ولك مثلها. وقس على هذا شيخي من العبادات التي لا حصر لها في هذا الدين فعلاً تعجب كيف واحد يدخل النار؟! تستجلب استغفارهم الملائكة ودعاءهم وهو مستجاب. إذاً هذه أمة مباركة ولهذا والله لو واحد دخل النار لا يلومن إلا نفسه بعد كل هذا العطاء.
إذن هذه قضية (ويستغفروا ربهم) في سورة الكهف (وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا) بعد أن آمنوا هنا مأمورون بالاستغفار والاستغفار يعني عنوان لكل أنواع العبادات فالآية الأولى عقيدة وهذه عمل أنت تؤمن هذه عقيدة أما هذا الاستغفار عنوان كل طاعتك تتم تحت لواء كل وعنوان الاستغفار
د. نجيب: هناك إشكال شيخي (وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا) آمنوا وجاءهم هدى لكن لم يتبعوه بالتوبة والاستغفار والعمل
د. الكبيسي: بنو إسرائيل آمنوا (قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى (70) طه) وبعدها جاءهم السامري بعجل قال (فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ (88) طه) نعوذ بالله! ولهذا محنة (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) العنكبوت) لا بد من امتحان.
د. نجيب: فالاستغفار هو دواء لكل داء وشفاء من المرض وطلب للرزق ومن حُرم أيضاً الولد فعليه بالاستغفار ومن أراد الدنيا فعليه بالاستغفار
د. الكبيسي: وكل ما تريده في الدنيا والآخرة العنوان الاستغفار التوطئة لقبول دعائك الاستغفار
د. نجيب: فّإذا عود على نفسه على الاستغفار أعقاب الطاعات فمن باب أولى أنه سيستغفر الله وراء كل صغيرة قبل والعياذ بالله الكبيرة
د. الكبيسي: إذن هذا هو السر أنه في آية الإسراء ما كانوا يستغفرون أما في آية الكهف كأنه حتى يعلنها أو يوجه الأنظار إليها لماذا هنا وايس هنا؟ لأن هنا خلاص آمن والحمد لله وعمل ففي آية الإسراء (أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا) هو أصلاً ناكر أن الله يبعث رسول أما في سورة الكهف لا، هذا ما أنكر فقال إذاً استغفروا
د. نجيب: وهذا يؤكد على أنه لا تكرار في القرآن وما من آيتين متطابقتين إلا وأن يفيدا معنى جديداً وجليلاً وهذا يعصم الحَفَظة من الخلط بين الآيات التي تبدو أيضاً أنها متشابهة وخاصة في تلك الآيات التي تتذيل بها الله غفور رحيم عزيز حكيم فلو استحضر هذا المعنى يمنعه من الخلط بين الآيات القرآنية. باسمكم جميعاً أتقدم بالشكر الجزيل لشيخنا الجليل الأستاذ الدكتور العلامة أحمد الكبيسي حفظه الله زاده الله علماً وديناً ووفقنا للمزيد من هذه المعاني القرآنية الجليلة وإلى اللقاء في الحلقة القادمة.
بُثّت الحلقة بتاريخ 11/5/2012م وطبعتها الأخت الفاضلة نوال من السعودية جزاها الله خيراً وتم تنقيحها.
===========================
الحلقة 157 (11-5-2012)