الحلقة 171
د. نجيب: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وبعد. مع شيخنا الجليل العلامة الأستاذ الدكتور أحمد الكبيسي حفظه الله ورعاه في روائعه وبدائعه القرآنية.
د. الكبيسي: بسم الله الرحمن الرحيم. (وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ ۖ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا ۖ قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّىٰ يُصْدِرَ الرِّعَاءُ ۖ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23) فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰ إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24) القصص) إن لله نفحات فتعرضوا لنفحات الله كما قال صلى الله عليه وسلم والنفحة هي العطيّة العامة الشاملة من ملك البلاد. كل ملك في كل مناسبة، ظروف، مواسم يعطي الشعب كله مكرُمة إما زيادة رواتب، أو يهبهم بيوتاً كما هو معروف في كل البلدان هناك في كل عام مناسبتين ثلاثة إما يُعطى الشعب كله إجازة أو رواتب وما شاكل هذا وهذه لا يفعلها إلا الملوك تسمى نفحة كنفحة العطر، أنت عندما تفتح زجاجة العطر في مجلي لا تستطيع أن تمنع رائحة العطر عن واحد من الناس تقول لها يا رائحة لا تذهبي إلى فلان، لا بد أن يشمها كل موجود فهذه نفحة. فالملوك في المناسبات العامة وهي معروفة عيد وطني أو أعياد دينية الملك أو رئيس الدولة ينفح الناس نفحة للجميع تسمى نفحة كما في الحديث “إن لله نفحات” رب العالمين له نفحات عامة على هذه الأمة ومن ضمنها هذه الحالة العامة التي مر بها سيدنا موسى عليه السلام وهي أن تقضي حاجة لمحتاج أو أن تغيث ملهوفاً أو أن تساعد ضعيفاً أو أن تلبي سائلاً أو تفك دين مدين وما أكثر الحاجات التي تقدمها للنا بدون اختيار أو تمييز. كل سائل يطلب منك شيئاً تعطيه بوجه باسم، تزور مريضاً، إذا لم يكن عنده مال تعطيه، أنت لا تفرق بين أحد، كلما تعرف من جيرانك أو أهلم أو سمعت عنه في محنة أو في حاجة في ظرف معين قضيت له حاجة أعطيته مالاً كهذه التي سقت كلباً يلهث فغفر الله لها، هي لا تعرف الكلب، أيّ كلب كان عطشاناً ستسقيه. وهكذا كرام الناس لا يفرق بين إنسان وإنسان وهو إنسان مكرّم (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ (70) الاسراء) وما أكثر الحاجات والساعات العصيبة التي يمر بها هذا الإنسان في كل عمره من خوف أو رجاء أو حاجة أو مرض وأنت كل من تعلم أنه في حاجة إليك تقضي له حاجته أو تنفص كربته، هذه هي النفحات التي يعطي الله عليها يوم القيامة عطاء لا يمكن أن تعمل عملاً يوصلك إليها. لو عبدت الله مئة عام سيعطيك أجراً عظيماً معيناً لكن هل تعلم لو سقيت إنساناً يموت من العطش كما سقت المرأة هذا الكلب؟ أو أن إنساناً كان ملهوفاً قضيت له لهفته؟ أو صاحب حاجة قضيت له حاجته؟ تغنيك عن كل هذا، لأن تزور مريضاً يأنس بزيارتك وترفّه عنه رب العالمين سيعطيك أجر صلاة مئة سنة! تخيل هذا وقس على هذا وكلكم أمة مباركة تفعهمون هذا الذي عناه الله سبحانه وتعالى من هذه القصة.
د. نجيب: (وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ۚ (32) المائدة)
د. الكبيسي: (وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ۚ (32) المائدة) أنت يا دكتور حسمت الموقف. من أحيا حالة من حالات الموت المعنوي من خوف أو مرض أو فقر وما شاكل ذلك فكأنك أحييت الناس جميعاً. فتأمل أنت صليت ألف سنة مثل سيدنا نوح ومدينتك كما هي المدن الآن دمشق والقاهرة وبغداد في هذا الربيع العربي الذي انقلب خريفاً ويعلم الله ماذا سينقلب بعد وفيها خمسة آلآف واحد على وشك أن يموتوا وأنت أنقذتهم جميعاً فأي عبادة تقارب هذه؟!
د. نجيب: وأيُّ مكافأة؟!
د. الكبيسي: هذا هو المقصود من هذه الآية حينئذ الخلق عيال الله، هذا حديث وأحبهم إلى الله أنفعهم لخلقه. خيركم من نفع الناس. إذن الغرض من هذا الموضوع وأمثاله في كتاب الله وفي السنة المشرفة أنك لا تيأس من رحمة الله وإياك أن تستقلّ عبادتك فأنت قد تأتي يوم القيامة وإذا بك ترتفع في أعلة الدرجات لعبادة مرّت منك بسهولة ما كنت تظن أنها تصل بك إلى هذا الحدّ كما قلنا قضاء الحاجة، أن تفك مديوناً، أن تعفو عمن ظلمك أن تعطي من حرمك أن تستر على عورة إنسان أمامك لا تفضحه أمام الناس وهذه العبادات التي هي عبادات عاطفية.
تعرفون جميعاً عندنا عبادات عقلية لا إله إلا الله وهذه ليس هناك على وجه الأرض من يقولها غيرك أنت الذي تسمعني الآن أيها المسلم، هذا العالم الذي فيه من العباقرة الذين صنعوا الكهرباء وصنعوا التلفزيون وصنعوا الانترنت والسيارات والطائرات كان جدك رحمه الله يذهب للحج سنة حتى يرجع وإذا ذهب ألف يموت مئتين في الطريق والآن تذهب الحج وتعود في ثلاثة أيام بالطائرة في الدرجة الأولى وأنت تأكل وتشرب ومرتاح وتتحرك وعندك كل شيء! كيف صنعه لك هؤلاء؟ هؤلاء أصحاب العقول العظيمة الجبارة الذي جعل لك الدنيا دنيا (وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا (24) يونس) فعلاً أهل الدنيا – ليس نحن – أهل الدنيا الذين يتحكمون فيها الآن بالريموت (وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا (24) يونس) فعلاً أصحاب الدنيا الذين أنشأوها وعَمَروها وعمّروها يسيّرونك بالريموت، بالريموت يصير الربيع العربي وبالريموت يصير الربيع خريفاً كله بالريموت! يخلق حزباً أو جماعة في يومين! وفعلاً بالريموت ولا يستطيع أحد أن يقول لهم لا! (وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا (24) يونس) هذه القدرة العجيبة لديهم، ادخل إلى مستشفى وانظر كيف أن رب العالمين سخّر هؤلاء الناس صنعوا أشياء عجيبة في السابق كان يربطون المريض بحبال ويجرون له عملية لأنه لم يكن هناك مخدّر والمريض يصرخ! الآن تجرى لك عملية وأنت مرتاح ولا تشعر بشيء! قس على هذا كل ما حولك من خير عملته عقول جبارة! هذه العقول الجبارة ما أدركت أن الله واحد! منهم من يقول ثالث ثلاثة ومنهم من يقول بوذا ومنهم ومنهم من يقول الشيطان ومنهم من يقول لا يوجد إله! الاتحاد السوفياتي كان يملك نصف الكرة الأرضية ويقولون لا وجود لله، هذه خرافات!
د. نجيب: إنك لا تهدي من أحببت
د. الكبيسي: ما معنى أنك أنت الوحي المسلم حصرياً أنت الوحيد الذي تقول لا إله إلا الله بعظمتها، بجمالها، بكمالها، بتمامها، ما السبب؟ لا أدري. (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ (110) آل عمران) بهذا (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ (24) ابراهيم) لا إله إلا الله. هذه عبادة عقلية بدونها لا يوجد شيء، بدونها لا ينفعك شيء، أنت وفرعون سواء! بدونها ليس لديك جواز سفر، بدون شهادة ميلادك أنت لست ابن أبيك ما عندك دليل أنك ابن أبيك. هذه لا إله إلا الله أنت الوحيد كأمة ليس على وجه الأرض أنا أعجب وأقول يا رب لك الحمد على هذا الاصطفاء (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (17) الحجرات) هل كنا سنعرف لا إله إلا الله لولا أن علمنا إياها الله؟! (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ ۗ (68) القصص) هذه العبادة العقلية لكن عليك أن تعرف ماذا تعني (لا إله إلا الله)؟ (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ۚ (10) فاطر) العمل الصالح الملائكة على اليمين والشمال يسجلون لك: صلّى، صام، بعدما يبعث بعد الموت يرى صحيفة أعماله في يوم من الأيام حبة رمان وقعت مني في الأرض رفعتها من الأرض وأكلتها فيجدها مكتوبة في صحيفته (وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا (49) الكهف). حينئذ يوم القيامة رب العالمين عز وجل كل هذه الأعمال في كفة وأن تقول لا إله إلا الله في كفّة. إليه يصعد الكلم الطيب الذي هو لا إله إلا الله تصعد بصاروخ! العمل الصالح يرفع بنظام تعرفونه ترفع صحائف الأعمال يوم الاثنين والخميس أما لا إله إلا الله تنطلق لوحدها كالصاروخ وتبقى تتردد في الفضاء إلى يوم القيامة (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ۚ (10) فاطر) هذا شيء مقدّس.
ثانياً هي الوحيدة التي تتردد (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا (25) ابراهيم) هذه لا إله إلا الله ولهذا يقول في الحديث “ليس على أهل لا إله إلا الله بأس”
د. نجيب: الإمام القاضي عياض في ترتيب المدارك في ترجمة الإمام ابن أبي زيد القيرواني يقول دخل أحد تلاميذه على الإمام ابن أبي زيد فقال له اكتب اسمي على سجادتك كلما ذكرتني دعوت لي، فقال هب أن دعوت لك فأين عمل صالح يرفعه؟! فالأمران متلازمان: لا إله إلا الله محمد رسول الله وأيضاً هذا الأمر يحتاج إلى عمل، هذا دعاء والدعاء يحتاج إلى ما يرفعه من أعمال صالحة
د. الكبيسي: المتكلم صالح والعمل صالح، الكلم لا إله إلا الله والعمل صوم وصلاة يحتاج إلى رافعات أما لا إله إلا الله تنطلق وحدها كالصاروخ
د. نجيب: الكلم الطيب. الحقيقة استشهدت بسيدنا موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام حيث أنه ساقه الله تعالى إلى مدين بعد ذلك الدعاء وسقى للفتاتين وهو لا يعرفهما
د. الكبيسي: كان خائفاً وجائعاً وعطشاناً وطريد فرعون الذي هو ملك الأرض
د. نجيب: وخائفاً يترقب. هذه السقيا وهي في نظرنا بسيطة لكنها عند الله عظيمة وهي التي قادته وساقته إلى بيت سيدنا شعيب عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام. حول هذا الموضوع تجيب لنا بعد هذا الفاصل إن شاء الله.
———–فاصل———
د. الكبيسي: نعود إلى ما كنا نقول بأن العبادات (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) الذاريات) منها ما هي عقلية التي هي لا إله إلا الله ومنها ما هي بدنية صوم وصلاة وحج وزكاة ومنها سياسية الحاكم العادل ومنها اجتماعية ومنها لسانية كالذكر وغيره ومنها عاطفية. كلامنا في هذه الحلقة عن العبادات العاطفية يعني حبّ. حب وكره وبغض وكرم وبخل وشجاعة كلها شمائل، عواطف،
د. نجيب: محلها في القلب
د. الكبيسي: من هنا تصدر. إذن الخوف عبادة، إذا بكى أحد ونزلت من عينه دمعة يغفر الله له، “لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله” هذه كلها عبادات من ضمنها العاطفية التي هي موضوع الحلقة. تصور واحد يحب رب العالمين، واحد جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو سكران فضربوه وقال أحدهم لعنه الله فغضب النبي وقال: والله إن لا أعهده إلا أنه يحب الله ورسوله. آخر قال يا رسول الله متى الساعة؟ قال صلى الله عليه وسلم وماذا أعددت لها؟ قال والله ما أعددت لها كثير صلاة ولا صيام غير أني أحبك، قال أنت مع من أحببت. من الذين يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله أخوان متحابان في الله اجتمعا عليه وافترقا عليه. من ضمنها ومن أعظمها ما عدا لا إله إلا الله وأعظم من الصلاة والصوم مع أن أول ما يُسأل عنه الإنسان هي الصلاة لكن هذا من حيث الأجر، الصلاة معروف أجرها لكن هناك عبادات مطلقة بلا حدود. مثلاً في كل دولة هناك جدول للرواتب بحسب الوظيفة كل وظيفة لها راتب محدد لكن في ساعة من الساعات رئيس الدولة يعطي على عمل أحبه رئيس الدولة ملايين الدراهم، لماذا؟ لأن هذا خارج القانون، أعجب رئيس الدولة، هذا عمل بطولي أو اخترع شيئاً أو وقف موقفاً كريماً فيقال له هذه الجائزة كذا. هذه نفحات. القانون الواحدة بمثلها، الواحدة بعشرة، الواحدة بخمس عشرة، الواحدة بسبع وعشرين، واحدة بخمسين، وواحدة بسبعمائة وهناك حسنات لا يعلم جزاءها ومضاعفاتها إلا الله ملك الملوك. من ضمنها هذا الذي نذكره من إدخال السرور، الفرح. هل تعلم أن الفرح عبادة عظيمة؟! كما أن البكاء من خشية الله عبادة والخوف عاطفة وإذا به يدخل بهذه الدمعة الجنة! ولهذا واحد إذا كان مسروراً يدخل الجنة فكما أن الخوف عبادة فالفرح والسرور عبادة أيضاً وهذا شيء منطقي ولا أدري لماذا غاب عنا أن الفرح والسرور عبادة؟! وترى أمتنا حزينة، أغانيها حزينة، أشعارها حزينة، مع أن الله سبحانه وتعالى يحب أن يرى آثار نعمته على عبده، ما هي آثار النعمة؟ السرور. إن الله يحب أن يرى آثار نعمته على عبده يراه فرحاً مسروراً، أنت في صحة جيدة ولديك بيت وعندك عيال بصحة جيدة وأنت آمن في بلد آمن مثل هذه البلاد المباركة ليس عندك واحد بالمليون من شعور الخوف البلد آمن والكل عائلة واحدة أنت لست في دمشق ولا بغداد، أنت في بلد آمن فأنت إذا فرحت بهذه النعم فإن الله يكتب لك أجراً أكثر من الصوم والصلاة (وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) الروم) الفرح! (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا (58) يونس) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو تعرفون ماذا يعني أن تدخل السرور على قلب إنسان واحد! ما من عمل عدا لا إله إلا الله ما من عمل يوازي أجره أجر أن تدخل على بيت على إنسان فرحاً، إدخال السرور عجب ينقذك من الخوف والتردد وينقلك من الجنة الدنيا إلى أعلى الدرجات. يكفيكم أن امرأة بغي أدخلت الفرح الحيواني على قلب وصدر كلب كان يلهث من العطش وهو لا يمكنه أن ينزل إلى البئر ولا يوجد ماء في المنطقة كلها نزلت بمشقة أحضرت له الماء وسقته! أنا واثق لو أن هذه المرأة أخذت الكلب معها لفداها بروحه! وما من وفاء أعظم من وفاء الكلب وقد مدح أحدهم قائلاً:
أنت كالكلب في حفاظك للودّ
أوفى مخلوق في الكون هذا الكلب، أوفى من الإنسان بمليون مرة! أما الإنسان فغادر وناكر جميل، أقرب الناس إليك هو أعدى أعدائك إذا أصابتك نعمة كما عرفنا من قصة ابني آدم وقصة يوسف واخوته! ما هذا المخلوق؟! ولهذه هذه التوصية الشديدة بالأرحام، لماذا؟ لأن أعدى أعدائك أرحامك! إخوانك وأعمامك وأخوالك، هذا إذا أصابتك نعمة، أما لو أصابك شر فهم معك، إذا أصابتك نعمة سيمسحون بك الأرض
د. نجيب: وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على النفس من وقع الحسام المهنّد
د. الكبيسي: إذن هذا الحيوان الكلب امرأة بغيّ سقته، قد تقع الحرة في الزنا مرة غلطة لكن أن تشتغل مومساً بغيّ الناس تدخل عليها وتخرج، مهنة قذرة في كل الديانات، عار، هذه العار غفر الله لها بسقيا كلب، أدخلت السرور على قلب كلب فما بالك بأن تدخل السرور على إنسان مديون مكسور الجناح، واحد قبض عليه ظلماً، واحد عنده مريض لا يستطيع أن يداويه، في العراق وسوريا الآن الناس تموت جوعاً، واحد عنده ولد مريض لا يستطيع أن يدخله المستشفى أو يحضر له دواء! وكلنا يعرف فلان وفلان وهذا يحتاج عملية وليس عنده مال وسيموت فقال أحدهم أنا أعطيه المال ولو لم يكن عنده باع سيارته ليعطيه المال ليتعالج أو يعالج ابنه أو ابنته، والله هؤلاء هم ملوك الجنة!
د. نجيب: العبرة بالسقيا
د. الكبيسي: هؤلاء يوم القيامة وجهاء! وجيه يعني أنت في محلة في بيت في حيّ، الناس يقصدوك لأنك لا ترد أحداً وفعلاً جاءك واحد وقال لك أنا ابني مريض وليس عندي مال وهذا ابني سيموت فتقول خذ يا فلان، أو تخرج له جواز سفر ليسافر ويعالج ابنه، يوم القيامة هذا الرجل الشهم الكريم في المحشر سيكون بنفس الهيبة. يقول الحديث: يأتي الناس صفّان صف للجنة وصف للنار، هذا الرجل الكريم الشهم الذي كان يقضي مصالح الناس سيكون في صف الجنة والآخرون في صفوف النار، لو أخذنا العكس وكان هذا الرجل الكريم في صفوف النار فيقول لذاك الرجل أتذكرني أنا فلان الفلاني؟ يقول لا أذكر، يقول أتذكر أنا الذي وهبتك وضوءاً في يوم من الأيام؟ قالت أنت فلان؟! ما بالك في صفوف النار؟! قال ذنوبي كثيرة، فيقول يا رب هذا وهبني وضوءاً فيشفّعه الله تعالى فيه فيدخله الجنة. يقول النبي صلى الله عليه وسلم – النار يوم القيامة نار عظيمة يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه! – مصيبة، يذهل عن كل شيء! في ذاك البؤس وذاك الشقاء والناس قد حكم عليهم بالنار ويساقون إليها سوقاً، هذا الذي كان في الدنيا وجيهاً ويعطي ولا يرد سائلاً وكان يُكرم الناس ولو مرة مرتين قضى حاجة إنسان، ستر على إنسان أغاث إنساناً، عمل شيئاً طيباً فيه كرم ورجولة وشهامة لأحد وحتى النساء كم منهن من تكشف الغم والهمّ عن الناس، فرب العالمين في المحشر وأهل النار بقدر أهل الجنة بتسع وتسعين مرة، من كل ألف واحد يدخل الجنة (وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ ۗ (24) ص) هذا القليل واقفين وسعداء أنهم سيدخلون الجنة، فدخلت هذه الزرافات وهذه الجموع فيقول تعالى لهذا الوجيه الذي كان يُكرم الناس في الدنيا: يا عبدي فلان اختر من تشاء منهم أنا أوكلتك عليهم كما كنت تسعد الناس وأهل الشقاء والمرضى وأهل الكروب، اِختر من تريد من هؤلاء لن يستثنى واحد ويشفّعه فيهم. إذا كانت هذه شفاعة العبد العادي فكيف هي شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم وشفاعة الأنبياء؟
إذن أن تكون أنت مع الناس وتقضي حوائجهم وتغيث مستغيثيهم وتفرج كروبهم وتستر على عيوبهم والله لو صليت مليار سنة درجتك في الجنة لا تعادل هذا العمل الذي تعمله في خمس دقائق
د. نجيب: وخاصة إذا كانوا من ذريته (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ ۚ (21) الطور) من باب أولى
د. الكبيسي: والآية تقول (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ (23) الرعد) لأجله كل ذريته يدخلون الجنة معه وإن لم يكونوا في درجته إكراماً له
د. نجيب: حتى ولو كانوا في الجنة في غير درجة؟
د. الكبيسي: حتى ولو كانوا في النار لأجله يخرجون في درجته، الله سخي يحب الأسخياء. أنت عندك ابن عزيز تحبه كثيراً وقع في مصيبة في بلد آخر وتسمع أن فلاناً وقف له وهذه حاصلة ونحن نسمع هذه الأيام مصائب في العراق وغيرها وهناك أناس وقفوا مع عوائل! هناك شخص اسمه عثمان ناس مزدحمين على جسر الكاظمية يزورون الكاظم وهؤلاء شيعة وهذه الزيارة من طقوسهم، فحصل تزاحم وقع في النهر بالمئات الناس جمدوا لهول المأساة، وشاب من الأعظمية رحمه الله ألقى بنفسه في النهر وأنقذ ثماني نساء، تخيل هذا الموقف! أما المرأة التاسعة فتمسكت به وهو يحاول إنقاذها فأغرقته. تصور أن إحدى هؤلاء النساء الناجيات أختك أو أمك أو ابنتك والله لو كان لديك مال الدنيا تعطيه إياها، فكيف رب العالمين؟! يا عبدي أطعني تكن مثلي، هذا أحب خلق الله إليه يجعلك مع النبيين والصديقين بحادث واحد، فرّجت همّاً، كشفت كرباً، سترت عيباً، (إن الله يحب المحسنين) وهذا من الإحسان، واحد قاطعك أعطيته مالاً، واحد يشتمك ليلاً نهاراً فأكرمته (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35) فصلت).
د. نجيب: هذا إذا استحضر أحدنا الأجر والثواب الذي أعده الله سبحانه وتعالى لمثل هذه الحالات
د. الكبيسي: هذه وراثة، هذه الأعمال الكبيرة وراثة من معدن أصيل نقي أبّاً عن جدّ كما تفضلت (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) وكما نقول: اِبحث عن الأصل.
د. نجيب: تعرضت شيخنا الفاضل في بداية الأمر لسيدنا موسى عليه الصلاة والسلام والسقيا لهاتين الفتاتين وهذه السقيا هي التي قادته إلى شعيب
د. الكبيسي: هذه نقطة هائلة، فعلاً، ما من واحد يعمل هذا الخير إلا يدفع الله عنه
د. نجيب: ويجلب له الخير
د. الكبيسي: صنائع المعروف تقي مصارع السوء. لا يعاني فقراً لا يصاب بمصيبة، يرى خيراً هائلاً كما ذكرت عن سيدنا موسى.
د. نجيب: نكمل بعد الفاصل إن شاء الله
———–فاصل———-
د. نجيب: نعود شيخنا إلى سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام في ذلك العمل الذي ساقه الله تعالى إليه عندما خرج من مصر خائفاً يترقب ودعا الله تعالى وساقه ذلك الدعاء إلى مدين وحصل ما حصل
د. الكبيسي: الإشكال شيخي تخيّل بئر واحدة عليها ناس رعاة وهاتان البنتان أبوهما شيخ كبير، بنات نبي محترمات وقفتا على جنب حتى ينتهي الرعاة وقام موسى بخمس دقائق وسقى لهما
د. نجيب: وهو لا يعلم منهما
د. الكبيسي: إطلاقاً، بماذا كافأه الله؟
د. نجيب: ولم يتحدث معهما
د. الكبيسي: هذه لقطة، (فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24) القصص) لم يتحدث معهما ولم يقل أريد أن نتعارف، ما هو رقم التلفون؟! لم يتكلم، سقى لهما ثم (فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) ثم جاءته إحداهما. كان فقيراً فاغتنى وصار صاحب أملاك، كان خائفاً فأمِن، وكان أعزباً فتزوج وكان عبداً فصار نبياً، كل هذه من أجل أنه صنع معروفاً لوجه الله. هناك أحاديث كثيرة في هذا، يقول أحدها: من قضى لأخيه حاجة – واحدة- كان بمنزلة مَنْ خَدَمَ الله كل عمره. حديث آخر: من سرّه أن يكون مستجاب الدعوة فليُيسِّر على مُعسِر. من كان في حاجة أخيه كتب الله له بكل خطوة سبعين حسنة ومحى عنه سبعين خطيئة قُضيت الحاجة أو لم تقضى فإذا قُضيت كان كيوم ولدته أمه. حديث آخر: من أغاث ملهوفاً كتب الله له ثلاثاً وسبعين مغفرة واحدة منها لصلاح أمره كله -واحدة تغفر كل ذنوبه- واثنان وسبعون له درجات يوم القيامة. يعني ليست مغفرة فقط يدخل الجنة وإنما في أعلى الدرجات على أنه أغاث ملهوفاً.
د. نجيب: لوجه الله تعالى.
د. الكبيسي: هذه لا بد منها. أحد الناس الذين تحدثوا بعد الموت يقول: كل عمل كان فيه شائبة سُمعة وجدته ممسوحاً. أعمالك كلها موجودة في صحيفة الأعمال (مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا (49) الكهف) فالمقبول من الأعمال كتابته واضحة أما الأعمال التي فيها رياء أو سمعة هي أعمال صالحة لكنها فيها شيء من السمعة هذه لا تُحسب. يقول الإمام الغزالي: ما تُلغى كلها إنما يلغى منها على قدر ما فيها من سمعة ورياء والباقي فيه صلاح. يعني ترك لنا أملاً.
د. نجيب: قبل قليل تعرّضت إلى الأمم السابقة الذين كانوا قبل أمة محمد صلى الله عليه وسلم وكانت أعمارهم طويلة كسيدنا نوح عليه الصلاة والسلام دعا قومه أل سنة إلا خمسين عاماً لكنك كما ذكرت أن هذه الأمة أكرمها الله سبحانه وتعالى بمواسم للطاعات العمل القليل في هذا الموسم كالتعرض لنفحات الله
د. الكبيسي: الحاج يغفر له ويرجع كيوم ولدته أمه، وليس هذا فقط وإنما: اللهم اغفر للحاجّ ولمن استغفر له الحاجّ، ليس هناك أحد منا ليس له أحد في الحج يستغفر له، ثانياً هذا الحاج تستجاب دعوته ستة أشهر. وكما تفضلت صيام يوم عرفة والحمد لله كلنا صمناه، يغفر لك ذنوب سنتين، العشر من ذي الحجة وصيامها، عندنا العيد كم أفرحت أناساً وكم أسعدت أناساً وكم سعيت لأناس. ليلة واحدة خير من ألف شهر، ثلاث وثمانين سنة صيام نهارها وقيام ليلها
د. نجيب: هذه نفحات علينا أن نتعرض لها
د. الكبيسي: وهذا معنى: كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى. لاحِظ دقة النبي صلى الله عليه وسلم وهو أبو البُلغاء ما قال إلا من رفض وإنما قال إلا من أبى. ومعنى (أبى) كما تكلمنا في برنامج الكلمة وأخواتها هو المستعلي المستكبر كما قال تعالى (إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى (116) طه) استكبر على آدم المخلوق من طين
د. نجيب: (أَعْرَضَ وَنَأَىٰ بِجَانِبِهِ)
د. الكبيسي: فالنبي صلى الله عليه وسلم قال “إلا من أبى” ولم يقل إلا من رفض لأن من رفض قد يكون لظروف معينة. نحن نسمع الآن من الشيوعيين والعلمانيين يستنكرون الاسلام هذا “أبى”. كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى. وبالتالي هذه أمة مباركة رب العالمين نفحها بنفحات وفعلاً لا يدخل النار إلا شقيّ. هو يريد أن يدخل النار ويعتبر الجنة أكاذيب وخرافات، هذا ماذا يفعل له رب العالمين؟!
د. نجيب: يقول الإمام مالك: “اِطعام الكَبِد الجائعة أعظم عند الله تعالى من عمارة المسجد الحرام”.
د. الكبيسي: قال تعالى (أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) البلد) لقمة قد تنجيك من النار
د. نجيب: “اتّقوا النار ولو بشقّ تمرة”. بالنسبة للفرحة يحضرنا تلك الفرحة التي تكلم عنها سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما تُليت على مسامع يهودي الآية (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا (3) المائدة) فقال أنا أعلم الناس متى نزلت، إنها نزلت يوم عرفة. قال اليهودي لو علينا معشر يهود نزلت هذه الآية لاتخذناها عيداً. والعيد فرح فعيدنا نحن وفرحنا نحن أعظم الفرح بهذا الكتاب العظيم.
د. الكبيسي: ولهذا العواطف عبادة أن تبتسم بوجه أخيك عبادة، أن تلتقي أحداً وتسلم علي وتتبسم في وجهه أو تضحك في وجهه يغفر لك تتحاتّ ذنوبكما كما يتحات الورق اليابس عن الغصن. إذن هذه العواطف، أن تحب، تكره وقلبك ينكسر على فقير أو تفرح بإنسان، الفرح أو الحزن على أخ لك لا يصلي
د. نجيب: وليس الحزن على مجرد فوات الدنيا
د. الكبيسي: كل عباد الله كل حركة وسكنة يحاسب عليها إما عبادة صحيحة وإما خطيئة والعياذ بالله
د. نجيب: هذا هو التمييز بين الفرح المحمود والفرح المذموم والحزن المحمود والحزن المذموم وليس الحزن على مجرد فوات بعض أمور الدنيا
د. الكبيسي: لا، حزن شرعي والفرح فرح شرعي إن الله لا يحب الفرحين الذين بمجرد أن أتتهم نعمة تركوا الصلاة والصوم وهذا حصل من شدة فرحهم بنعم الدنيا. الفرِح هو الذي يذهله الفرح عن دينه
د. نجيب: (وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) التوبة) كم من أناس كانوا فقراء فدعوا الله فلما آتاهم المال بخلوا به وكم من الناس كانوا يتطلعون إلى مناصب عالية لينفعوا الناس وعاهدوا الله على ذلك ثم ذهلوا
د. الكبيسي: إياكم وفتنة الدنيا عنما تفتح الدنيا عليكم. قد يكون راتب أحدهم خمسة آلآف درهم فيصبح عشرة آلآف هذا أمر معقول أما أن يكون راتبه خمسة آلآف درهم ثم يصبح عشرين مليوناً!! أو واحد كان شرطياً فيصبح فريق رُكُن طبعاً هذا يُفتن. حينئذ النعم شيء وهذه القفزات شيء آخر، تأتي بواحد فرّاش وتجعله وزيراً؟!! هذا حصل.
د. نجيب: قد يصبر أحدنا صبراً اضطرارياً شاء أم أبى
د. الكبيسي: ولهذا قال السلف: ابتلينا بالبلاء فصبرنا وابتلينا بالنعمة فلم نصبر. اختبار النعمة أصعب! البلاء ستصبر رغم أنفك لأنه ليس بيدك حيلة لكن ابتلاء النعمة كيف تصبر عليه؟ كيف تصبر على المنصب الكبير وعلى المال الكثير؟! فتن
د. نجيب: وخاصة فتنة النساء وخاصة شكر هذه النعمة
د. الكبيسي: ولهذا في الحديث: ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله، بهذه دخل الجنة. خاصة الآن هذه الفتنة حيثما ذهبت ترى نساءً أما في السابق فلم تكاد الناس تُرى. نعوذ بالله، اللهم استرنا يا رب العالمين.
د. نجيب: وهذا تأكيد للأحاديث التي سبق وعرضتَها أنه من يحافظ على دينه في هذا الزمان يكون أجره عظيماً عند الله تعالى كأجر الصحابة
د. الكبيسي: قال صلى الله عليه وسلم : له أجر عشرة، قالوا منهم؟ قال صلى الله عليه وسلم بل منكم. قالوا كيف يا رسول الله؟ قال لأنكم تجدون على الحق أعواناً وهم لا يجدون. في زمن الصحابة من كان يزني؟! كان جيلاً فاضلاً وجيل التابعين وتابعي التابعين وحتى إلى جيل أجدادنا وآبائنا كان جيلاً فاضلاً لم يخطر في بال أحدهم الشر أو السوء. أما نحن الآن في عصر كهذا!!
د. نجيب: هذا يعيدنا إلى قصة الفتاتين أيضاً أنهما لم يتبادلا أطراف الحديث مع سيدنا موسى وإنما قالتا (قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23) القصص)
د. الكبيسي: ليس هذا فقط بل لما أخذته إلى أبيها كان الهواء بلعب بثيابها فطلب منها موسى عليه السلام أن تمشي خلفه وتدله على الطريق، هذه تربية الأنبياء
د. نجيب: وهذا هو الأدب. سيدنا موسى وهو يخاطب الفتاتين وهو قد أوجز وأعجز كما يقول أبو حيّان وفي ذلك الموقف لما ناجاه الله تعالى فإنه لم يوجز وإنما أطال
د. الكبيسي: (قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى (18) طه) سيدنا ابراهيم لما أبلغه ربه (قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ۖ (124) البقرة) أجاب بكلمة واحدة (قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي) بينما موسى مصري قال (قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى) بالروح المصرية واللغة المصرية، كان يتلذذ بخطاب الله تعالى له
د. نجيب: كان بإمكانه أن يقول (عصاي) إجابة مختصرة
د. الكبيسي: موقف عشق مع الله جل في علاه. كثير من الناس ترى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فيتذكرها طوال عمره فكيف بمن كلّمه الله تعالى؟! سيدنا موسى عليه السلام كان الله في عونه.
د. نجيب: هذه المعاني الطيبة التي تسوقنا إلى مواسم الخير ومواسم الطاعات لأن نتعرض إلى نفحات الله تعالى
د. الكبيسي: كما أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم “فتعرضوا لنفحات الله”
د. نجيب: وهي ما تفضلت ليلة القدر ويوم عرفة
د. الكبيسي: وموضوعنا الآن أن تساعد إنساناً. ساعد واحد ذو كرب، عنده حزن، عنده حاجة
د. نجيب: هذا أيضاً سبب للتعرض لنفحات الله وأن تهب عليك النسائم والنفحات الإلهية
د. الكبيسي: تفريج الكروب وقضاء الحوائج
د. نجيب: جعلنا الله تعالى منهم إن شاء الله تعالى كما حصل لعبد الله بن المبارك عندما أعد عدّته للذهاب إلى الحج وهو في الطريق رأى امرأة فقالت لا مأكل لا مشرب وآتي كل يوم وليل فآخذ باقي الطعام فوهب لها زاده وراحلته وقطع عبادته فرأى في المنام مناد يناديه أن الله تعالى بعث ملكاً على صورتك يحجّ عنك. وعندما جاء إخوانه الذين كانوا من المفترض أن يذهبوا برفقته يهنئونه قالوا يا عبد الله أتذكر عندما سقيتني ماء؟ أتذكر عندما طفت بالكعبة؟ أتذكر عندما كنت تسعى بين الصفا والمروة؟ شكراً جزيلاً شيخنا الجليل وباسمكم جميعاً أتقدم بالشكر الجزيل لشيخنا العلامة الأستاذ الدكتور أحمد الكبيسي حفظه الله ورعاه على هذه المعاني القرآنية والنبوية الجليلة والعظيمة التي لفت انتباهنا إليها جعلنا الله تعالى من يستمعون القول فيتبعون أحسنه وإلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله تعالى والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بُثّت الحلقة بتاريخ 2/11/2012م
=============
الحلقة 171 (2-11-2012)