وأُخر متشابهات

وأُخر متشابهات – الحلقة 188

اسلاميات

الحلقة 188

سوة الجن

د. نجيب: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وبعد. هانحن من جديد مع شيخنا الجليل الأستاذ الدكتور أحمد الكبيسي حفظه الله وما في جعبته في هذه الأمسية من روائع قرآنية.

د. الكبيسي: بسم الله الرحمن الرحيم. وصلنا إلى سورة الجن وفيها آيات متشابهات ووراءها عمق عظيم لأن هذه السورة فيها ميزة على بقية السور من حيث أنها تتحدث عن تأثير النبي عليه الصلاة والسلام في العالم غير المرئي وهو عالم الملائكة وعالم الجنّ. وعندنا مسألتان الأولى تقول (وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا (11) الجن) ثم بعده بآيات يقول (وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا (14) الجن) لماذا هناك منا الصالحون وهنا منا المسلمون القاسطون؟ طبعاً بداية الآيات تعطيك انطباعاً عن ما يعنيه هذا الاختلاف. يقول (وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا (8) وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآَنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا (9) الجن) ما الموضوع؟ لا نعرف (وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا (10)الجن) ما هذا الذي يجري؟ واستمر الحال إلى بعض السور الأخرى (وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآَنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (29) قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (30) يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآَمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (31) وَمَنْ لَا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَولِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (32) الأحقاف) فآمنا به. إذاً هذا الموضوع يتحدث عن قضية كبيرة تتعلق كما قلت بالعالم غير المرئي، هذا العالم المصاحِب للإنسان كأنه جلده وكأنه شعره وكأنه خفقات قلبه. ولذلك هذان المخلوقان الجن والملائكة هذه العوالم اللطيفة التي ترانا ولا نراها يتحدث عنهم القرآن بأنهم كما هو حال بنو آدم هو حال الجن، الجن حالهم من حيث كونهم أمة منهم صالحون ومنهم فاسقون ومنهم ظالمون ومنهم عادلون ولهم شهواتهم وعوائلهم يعني تخيل نفسك كيف تعيش أنت في بلدك، الجن الذين يملأون الأرض ويملأون بيتك والشوارع وفي كل مكان ولكنك لا تراهم (إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ (27) الأعراف) يعيشون مثلك بالضبط قبائل وعوائل وبيوت وشوارع وأزقة ويقول بعض المفسرون فيهم خوارج وروافض وفيهم نواصب وفيهم مساجد ومواخير مثل حياتك بالضبط (يا معشر الجن والإنس) والنبي صلى الله عليه وسلم بعث للجن والإنس ولهذا حالنا كحالهم وحالهم كحالنا ولهذا جاءت هذه الاختلافات ويقول عاد نحن كيف حالنا؟ (وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ) الصالحون طبقة، قمة، (فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (69) النساء) هؤلاء الصالحون كما قلنا عنهم، الأنبياء معروفون وأتباع الأنبياء في كل الرسل سيدنا عيسى وموسى وإبراهيم وهناك الصديقون وهناك المبشّرون وهناك الأنصار وهناك المهاجرون وهناك الحواريون وكما تعرفون ذلك طبقة من الناس لا حساب عليهم يوم القيامة وهم شعب الفردوس الأعلى التي هي مقصورة الرحمن.

د. نجيب: أصبح الصلاح صفة ملازمة لهم

د. الكبيسي: ملازمة لهم وهم طبقة راقية ليس بالمعنى اللغوي وإنما بالمعنى الاصطلاحي، هي منزلة خاصة لهم النبيين والصديقين والشهداء والصالحين طبقة ليس عملوا الصالحات فقط فهذا ينطبق علينا نحن فنحن الذين آمنوا وعملوا الصالحات، هم وصلوا إلى القمة. نحن كلنا نلعب رياضة ونعمل حركات لكن لسنا كلنا أبطال رياضة ولكن عندما تصبح بطلاً يقال هذا رياضي

د. نجيب: (وأدخلنا في الصالحين)

د. الكبيسي: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لندخلنهم في الصالحين) يجعلهم مع الطبقة. يعني معنى هذا أنت كم واحد في البرلمان عندك في الدولة؟ مائة مائتين ثلاثمائة من مجموعة عشر ملايين معنى هذا اخترناهم من كذا مجموعة عليهم حصانة برلمانية ولا يحاسَب ولا يلقى القبض عليه، صار طبقة. هكذا الصالحون أو الذين آمنوا وعملوا الصالحات. إذاً هكذا كما هم نحن (وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ) أقلّ ثم لما جاء الإسلام قال (وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ) مسلم وكافر، هذه بداية، منهم من آمن بالله وبرسوله محمد صلى الله عليه وسلم ومنهم من كفر الذي أصبح مارداً ولهذا لما قال (وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا) (وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا (15) الجن) رب العالمين ذكر جزاء القاسطين الظالمين عندنا قسط وأقسط، أقسط المقسطون العادلون (قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ (29) الأعراف) القسط العدل، أقسط يُقسِط هذا عادل، قَسَط يقسُط هذا ظالم، لغة أعجوبة. وإن شاء الله في البرنامج القادم سنتكلم عن الإعجاز في الكلمة القرآنية يعني ماذا تعني لماذا رب العالمين اختارها هنا ما البلاغة فيها؟ ما الإعجاز؟ سوف ترى كما قال بعض الناس العربية لا يدركها إلا نبي مهما قرأنا وبلا مبالغة قرأنا مئات المجلدات كل كتاب عشرة خمسة عشر عشرين مجلداً نقرأ والله ما ألممنا بعشرة بالمائة من أسرار هذه اللغة التي أدركوها واحد اثنين عشرة بالألف بالمائة ألف. إذاً فرب العالمين أقسط وقسط فرق كامل هذا مسلم عادل وهذا كافر ظالم فلما رأينا السموات منعونا أن نستمع إلى الأخبار ونأخذها إلى الكهنة ومرة نكذب ومرة نصدق والآن السماء مليئة بالحرس لماذا؟ قالوا بعثنا بآخر الزمان اسمه محمد بن عبدالله ثم قال ما تستمعون الأخبار ولا تسترقون السمع إطلاقاً (فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآَنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا) ما الذي سيحدث؟ نحن إلى هذا الحد كان منا فكلنا أصحاب أديان سماوية هنالك جن مسيحيين وجن يهود وجن صابئة وهؤلاء كلهم موحدين (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) البقرة) ونحن واحد منهم كما في العالم الظاهر في العالم الباطن نحن والملائكة، الملائكة لا تذنب والجن فيهم كما قال (وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ) (وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ). ولهذا لاحظ لماذا رب العالمين عز وجل ذكر جزاء الظَلَمة والناس المؤمنين لم يذكر جزاءهم؟ يقول هؤلاء الذين أصبحوا قاسطين سيصبحون حطب جهنم بينما الصالحين ما قال ماذا يعطيهم فقط قال (تَحَرَّوْا رَشَدًا) عملوا صالحاً، لماذا؟ يقول لك لما قال (وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا) لأن هذا جزاؤهم رب العالمين يتكلم عن قانون لا يتغير الكافر يدخل النار، لماذا؟ لأنه لا يُظلم ولا شعرة (وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49) الكهف) ولا شعرة. كل واحد في جهنم رب العالمين يقول له ألم يقول بلى يا ربي هذا نصيبي. حينئذٍ ما في لا زيادة ولا نقص ما دمت لا تؤمن بالله نعوذ بالله خالدين فيها أبداً، بالقنطار بالذرّة. بينما المؤمن قال لا نحن الصالحون قال لك لا أنت ما لك جزاء أنت الحد الأدنى لك واحد مضاعف بعشرة وفي مضاعف بخمسة عشر وفي مضاعف بثمانية عشرة الدين وفي مضاعف بخمسين الصلاة في أرض القيّ وفي مضاعف بسبعمائة العبادة في الرباط لما تكون أنت محاصراً وهناك عمل لا يعرف مضاعفاته إلا الله لا يدركها العقل وهي صيام رمضان وهناك ليلة فيها من المضاعفات ما لا يدركه عقل وهي ليلة القدر وهكذا. إذاً ماذا يقول في جزاء الصالحين؟ ما في جزاء أذكره لكنكم ما دمت قد تحريت رشداً فإن لك جزاء غير محدود وغير معدود ومستمر الزيادة ومستمر العطاء. هذا السبب أن رب العالمين عز وجل ذكر جزاء الكافرين بالتحديد (فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا) وما ذكر جزاء المؤمنين قال (تَحَرَّوْا رَشَدًا) عملتم صالحاً أنتم اتبعتم نهاية العقل، الرُشد أو الرشيد أرقى أنواع العقل هناك عقل عاقل وعقل مفكر وعقل مدبر وعقل رشيد والعقل الرشيد الذي لا يؤتى من نقص كعقول الأنبياء والفلاسفة. إذاً لما رب العالمين ذكر جزاء القاسطين وجزاء المؤمنين قال (وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا) وأما المسلمون فقد (تَحَرَّوْا رَشَدًا) هذا مستمر الزيادة وهذا محدود، هذا الفرق بينهما.

د. نجيب: هذا عدل الله وذاك فضل الله. الحسن له عبارة جميلة يقول” أخفوا لله أعمالاً فأخفى لهم ثوابها” وتلا قوله تعالى (فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (17) السجدة)

الدكتور الكبيسي: كأن الوصول إلى مرتبة الصلاح اختيار من رب العالمين، لا يمكن أن تصل إليها بجهدك يعني أنت كيف تصير وزيراً؟ يعني أنت عندك شهادة؟ ألف شهادة في البلد، دكتوراة؟ ألف دكتور، من بيت فلان؟ ألف عائلة كريمة، شكلك حلو شاعر أديب ما أنت؟ مثلك بالألوف لكن لماذا اختاروك أنت؟ هذا اختيار ولذلك ثق شيخي آلاف الناس تصلي الليل هذا من الصالحين

د. نجيب: (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ (68) القصص)

د. الكبيسي: الله يصطفي. هكذا هذا هو الدعاء (وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ (19) النمل) الأنبياء يدعون هكذا

الدكتور نجيب: لما يخفي الله تعالى الأجر هذا دلالة على عظمة هذا الأجر ونفاسته (الصوم لي وأنا أجزي به) من الأمور المخفية.

الدكتور الكبيسي: صوم رمضان وليلة القدر ليس في وسع العقل البشري أن يدركها وفعلاً هدايا بعض الملوك لا تدخل عقلك ولا تتخيلها فكيف هدايا ملك الملوك؟؟!! هذه السورة الأولى، الفرق بين الصالحون والمسلمون وبين قسط وأقسط.

————-فاصل————-

نبقى مع سورة الجن في الموضوع الثاني (وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا (19) الجن) لِبَدا بكسر اللام وفي سورة البلد (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ (4) أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ (5) يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُبَدًا (6) البلد) لُبَدا بضم اللام. لما سمع الجن القرآن التفّ الجن مزدحمين حول النبي صلى الله عليه وسلم هذا معروف قبل أن يدخل مكة وهو قادم من الطائف تلك الرحلة الشاقة التي أدمت قدماه الشريفتان وصلى هناك وقبل دخوله مكة صارت هذه القضية كلها.

د. نجيب: والمكان معروف الآن ومبني مسجد هناك

د. الكبيسي: في هذه البقعة التي هي الآن معروفة وهي من مآثر الدعوة الإسلامية يقول التف حوله الجن فكانوا عليه لِبَدا أي مزدحمين أنت لما تلبد شيئاً على شيء يعني مخادد تصفطهم عندك ملابسك الجميلة الراقية تخليهم في مكان واحد في شنطة ولكن بشكل مرتب وجميل هذه لِبدا بالكسر مزدحمة ازدحاماً راقياً جميلاً لكن كثيف. اذهب أنت إلى أي متجر من المتاجر تجد الأشياء مصفطة لكن بشكل مرتب وجميل نحن نصلي في المسجد لِبداً لكن نظام كتف على الكتف وإن كان الآن بعض الناس بين وبين كتف الذي جواره متر والسنة الكعب على الكعب والفخذ على الفخذ والكتف على الكتف. المهم فلِبَدا من الازدحام المنظّم المتزاحم كما لو كنت تصلي في صلاة جماعة يوم جمعة أو بالمسجد الحرام تلاحظ المسجد الحرام الملايين من الناس عندما يقول الإمام الله أكبر وإذا الكل صفّ حتى الغربيين لفت نظرهم هذا قالوا ما هذا النظام عند المسلمين؟! ملايين في المسجد مختلطين النائم والجالس والذي يتكلم وعندما يقول الإمام الله أكبر بثواني وإذا بهم كأنهم شخص واحد، هذه لِبدا. أنت أحياناً وكلكم رأيتم التمر الذي يُكبس والتمر الذي يُكبس غير مرتب شيء نايم على شيء بحيث صار كأنه قطعة واحدة وكثير من الأشياء الثمينة لما تكدّس بعضها على بعض تصبح كأنها قطعة واحدة، الجبن وأشياء تكدّس وتكدس حتى تصير كتلة واحدة وكأنها صخرة فرب العالمين في الآيتين مرة يتكلم عن ازدحام الجنّ حول النبي صلى الله عليه وسلم رأوا ما هذه الصلاة وما هذا الركوع وما هذا السجود؟؟ بالملايين من الجن ينظرون إليه وكأنه يصلي

د. نجيب: كالنحل عندما يتهافتون على الزهرة بالملايين

د. الكبيسي: الله يفتح عليك! كالنحل عندما يتهافتون على الزهرة كلها عينها على الزهرة, فهؤلاء الملايين كادوا يكونون عليه لِبَدا من شدة الزحام المنظّم الجميل وعيونهم على هذا الرجل الذي جاء طريداً من الطائف وهم قبل ذلك مُنعوا من استراق السمع لأجله وعرفوا ماذا يعني بعثه للناس والكون كله سيتغير، الأرض كلها ستتغير. ولكن من الناحية الثانية لما تكلم عن لُبدا عن الإنفاق (يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُبَدًا) يقول لك هناك صار لُبدا لأنه هذا البخيل لا ينفق من ماله فعدم الإنفاق كما لو كنت أنت فعلاً وضعت مالك كأنه قطعة واحدة فلا تنفق منه شيئاً إطلاقاً في سبيل الله. من أجل هذا نقول الفرق بن لبداً ولُبدا ازدحام ولكن منظّم ولُبدا بضم اللام تكديس المال كأنه قطعة واحدة بحيث لا تنفق منه ولا شيء لشدة على حرصك عليه فهذا لُبدا بضم اللام، هذا الفرق بين الحالتين. ولهذا علينا أن نعلم أن تكديس المال من أسوأ الذنوب يوم القيامة ولهذا إن الله جعل لك الزكاة فتح بها الخير كله عليك، كنت بخيلاً فأصبحت بالزكاة كريماً، كنت من أهل النار فأصبحت بها من أهل الجنة، كنت مذموماً عند قومك بخيلاً فأصبحت ممدوحاً لأنك تعطي عطاء غير مسبوق وقس فإذا فتلبيد المال كأنه صخرة بحيث لا تعطي منه شيئاً هذا من سوء حظ صاحب المال

د. نجيب: كما قالوا “المال كالماء إن سال طاب وإن لم يسل أسِن”

سورة المدثر

د. الكبيسي: ننتقل إلى موضع آخر إلى سورة المدثر (كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (50) فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ (51) بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفًا مُنَشَّرَةً (52) كَلَّا بَلْ لَا يَخَافُونَ الْآَخِرَةَ (53) كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ (54) فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (55) المدثر) إنه تذكرة إنه ضمير مذكر، وتذكرة مؤنث هذا في المدثر. في سورة عبس (وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى (8) وَهُوَ يَخْشَى (9) فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى (10) كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ (11) فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (12) عبس) إنها تذكرة إنها مؤنث، لماذا في الأولى مذكر وفي الثانية مؤنث؟ يقول لك في الأولى قال أنه القرآن هذا الذي فيه تذكرة لا تنتهي إلى يوم القيامة ولا يتوقف عطائه إلى أن يرث الله الأرض ومن فيها في كل جيل يذكرهم تذكرة تليق ويحتاجونها في ذلك الجيل كما لا تنفع الجيل الذي قبله وقد ثبت لكم هذا كيف أن هذا القرآن الكريم في كل جيل تتوسع معانيه ومدلولاته ومعجزاته وعطاءاته على وفق حاجات الإنسان وتنوع حالاته وتنوع معلوماته وتطور القرون. حاول الآن أن تأخذ عشر تفاسير وكل تفسير ألف في قرن من القرون تجد الفرق هائل والآن لم تسمع الشعراوي والشعراوي رحمة الله عليه من الناس من علماء هذه الأمة يقول الناس من أين تأتون بهذا الكلام؟ غير وارد في الكتب وهذا شيء طبيعي فهذا الكتاب لزمانه فصاحب الكتاب ألّف الكتاب لزمانه ولهذا كل مفسّر فسّره على وفق معارفه ومدلولاته وحضارة القرن بل السنوات التي كان يعيش فيها. من أجل هذا كان المسلمين في زمان النبي صلى الله عليه وسلم كل صحابي يفسر أو يأوّل على قدر فهمه أو عقليته ومستواه ومدى تغربه وسياحته وسفره ومدى تأملاته. إذاً (كلا إنه) القرآن الكريم ولهذا لا يصلح هذا الكتاب إلا أن تفترض أن هذا الكتاب نزل في عصرك اليوم وأن محمد عليه الصلاة والسلام مات صار له أسبوع كان عندنا هو والقرآن نزل عليه وهو بيننا فعليك أن تفهم هذا القرآن بعقلية ومعلومات ومعارف عصرك وإلا تموت من الضحك! يعني الكرة الأرضية والأرض تدور حول الشمس يعني هذا كله كفر لماذا؟ قال المفسرين كالرازي وهو مفسر عظيم جداً يقول الكرة الأرضية تدور وتقوم على قرن ثور وكلما تحرك الثور صار زلزالاً، هذا في زمانه وفي زمانه هذا كان في غاية الروعة كان اكتشافاً. الآن رأينا القمر والأرض وبالتالي نحن شيء وهو شيء. والنبي صلى الله عليه وسلم قال عن الصحابة أنهم حُجة، ونعم الصحابة حجة في المُحكم افعل ولا تفعل حلال، حرام، لأن حلال محمد حلال إلى يوم القيامة وحرام محمد حرام إلى يوم القيامة (صلوا كما رأيتموني أصلي) كيف صلى النبي نحن نصلي مثله كيف نعرف؟ الذين رأوه واخبروا عنه ونقلوه هم الصحابة فالصحابي هو الذي رأى النبي وسمع منه ورأوا كيف يصلي يكيف يتوضأ ماذا يحب كيف يلبس كيف يقوم كيف يعامل هذا حجة نحن قلنا مُحكم (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ (7) آل عمران) هذه الصحابي حجة فيها، المحكمات التي ما لك فيها رأي زكاة زكاة صلاة صلاة صوم صوم لماذا يكون لك فيها رأي؟؟ ما لك رأي الصحابي هو الذي يعلمك اِفعل وهذا ولا تفعل هذا. أما المتشابه ورسول الله صلى الله عليه وسلم وهو رسول الله سمع آيات قال لما يأتي تأويلها بعد، لما نزل قوله تعالى (قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (65) الأنعام) قال هذا أهون ولما يأتي تأويلها بعد. ونحن الآن عرفنا نحن عرفنا شيئاً لم يكن يعرفه النبي صلى الله عليه وسلم ولو أنه العجيب أن النبي أخبر بهذا الذي يجري بالمليمتر بما يجري في العراق وما يجري في سوريا أخبر به بالاسم “العراق وسوريا” وما يجري في العالم العربي الآن والإسلامي بالضبط أخبر به بالشعرة، وعلاقتنا بالغرب أخبر بها بالتفصيل ومع هذا هناك أمور رب العالمين ما أراد أن يطلع عليها وهو النبي صلى الله عليه وسلم عرف مقتل سيدنا عمر ومقتل سيدنا علي ومقتل سيدنا الحسين والدول التي قامت بعده بني أمية وبني العباس بالأسماء والأرقام والتواريخ عجيب جداً. لكن مع هذا ديننا الإسلام يقوم على اليُسر (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ (78) الحج) كل واحد يفسر ويأوّل هذا القرآن بمفاهيم عصره إلا في المُحكم (صلوا كما رأيتموني أصلي) هذه أساسيات وهذه ما تتغير. العالم يتغير كل الغرب وكل هذا الكون الذي عندك الآن هو قبل مائة من السنة يموت من الضحك كان يتمسك بقضايا لم تعد صحيحة. إذاً ما هو متغير هذا الذي عليك أن تستعمل به عقلك لكل عصر تفهم القرآن بمفاهيم عصرك ونحن الآن فهمنا اقرأ كتب الإعجاز التي سمعناها من أكثر من معاصرين الإعجاز العددي والإعجاز الفلكي والإعجاز عجائب! كلها جاءت بالقرآن لكن من سعة هذه اللغة مما نتحدث به في المتشابه تحدثنا به في الكلمة وأخواتها هذا ضروري هذا الأمران هذا الأسلوبان في الكلمتين تختلفان باللفظ وبالمعنى أو العكس يعني مشترك ومترادف وفي المتشابهات هذا من أهم قواعد الفهم في هذا الكتاب العزيز الذي لا تنقضي عجائبه إلى يوم القيامة هذا الفرق إذاً. (كلا إنه تذكرة) القرآن في الآية الأخرى (كلا إنها تذكرة) أنها مؤنث أنها تعود على الآية والسورة أي أن هذه الآية وهذه السورة التي فيها هذه الكلمة هي تذكرة. انظر سعة اللغة أعجوبة العجائب

د. نجيب: كأن كل آية تذكرة

د. الكبيسي: كل حرف آية وكلها مستقلة تذكرة فيقول لك (إنها تذكرة) هذه السورة، هذه الآية أما لما يقول (كلا إنه تذكرة) إنه أي القرآن ككل هذا القرآن العظيم وبالتالي هنا قال كلا أنه وقال هناك كلا أنها تذكرة، هذا الفرق.

——–فاصل————

سورة المزمل

ننتقل إلى سورة المزمل (فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا (17) السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا (18) المزمل) سبق آية في الفرقان (لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولًا (16) الفرقان) الأول وعد مفعولا والثاني مسؤولا؟ لما تكلم عن أهل الجنة قال كان وعده مسئولاً ولما تكلم عن أهل النار قال كان وعده مفعولا يقول (فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا (17) السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا) فعلاً بالثانية لما واحد يرى النار الطفل الوليد يصير شايب من المصيبة السوداء ومن الرعب الذي سوف يصيبه. هذا المنظر كان وعداً من الله سبحانه وتعالى ولا بد أن يفعل (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا (122) النساء) إن الله وعد أن الكافرين لهم عذاب شديد. في سورة الفرقان يتكلم عن الجنة وما فيها (لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولًا) لو كان وعداً مفعولا لكان مثل أهل النار بالضبط كل واحد يأخذ مثل الثاني لا يزيد ولا ينقص قال لك لا، هنا وعداً مسئولاً فهذا الوعد مفتوح وذاك الوعد مقيد كما قال الدكتور نجيب هناك في منتهى العدل مع النار في منتهى العدل لا يزيد ولا ينقص ولا يظلمون فتيلاً (جَزَاءً وِفَاقًا (26) النبأ) في حين هنا في الجنة مفتوح على الآخر وما من يوم يمر إلا ولدينا مزيد في كل يوم لك عند الله مزيد في رواية كل جمعة في سوق الجمعة يوم القيامة وترى من المزيد العجائب،

د. نجيب: عطاءً حسابا

د. الكبيسي: ما السبب؟ السبب أن السيئة بمثلها سيئة بسيئة فهذا قانون لا يتغير (لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42) فصلت) قانون السيئة بمثلها وبالتالي هذا قانون مفعول لا بد أن يقع لا بد أن يطبق عدل مطلق ما فيه زيادة لا فضل ولا ظلم هذا (كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا). بالجنة لا، أبداً ليس مفعولاً وإنما متحرك وفيه إطلاقات وفيه تغييرات وعطاءات لا يمكن للعقل أن يتصورها مهما فكر (لهم فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر) يعني لو قلنا أن الله سيعطيك من النعيم مائة تريليون ضعف قد تحسبه، لكن الشيء الذي سيعطيك إياه رب العالمين لا عقلك يدركه مهما كنت عبقرياً ولا كل الآلات المخترعة يمكن أن تحسبها إطلاقاً إذاً قال (وَعْدًا مَسْئُولًا) لماذا مسؤول؟ أنتم هل تعلمون أن الجنة بالعمل؟ طبعاً لا قال صلى الله عليه وسلم (لن يدخل الجنة أحدكم عمله قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته) إذاً كما قال الدكتور نجيب ندخل النار بالقانون وتدخل الجنة برحمة الله ورحمة الله واسعة ومتفاوتة وعلى قدر ما تريد أنت كم سعيت لها. نحن الآن عندنا بالجامعات ناس تطلع مقبول وناس جيد وناس جيد جيداً وبالتالي واحد راح للطب وواحد راح لمعهد فنون على قدر استطاعته، هذا اختار هذه الكلية وهذا المنصب وهذا شيء لكن مسألة الجنة بسؤالك لله ماذا يقول صلى الله عليه وسلم؟ يقول (سلوا الله حسن الخاتمة) هذا واحد، (لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله) إذاً على ظنك بالله ترتفع درجاتك. هناك حديث عجيب يقول دخل اثنان الجنة وأحدهم كان من الصالحين دخل وقالوا له هذا مكانك فرح به هذه الجنة العظيمة وفيها ما تشتهي الأنفس ورأى الحور ومُلك (وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا (20) الإنسان) تعجب وعنده صاحبه الذي دخل الجنة معه على قد حاله مسكين يعني عمله أي كلام فراح يتفقده أين هو قلق عليه إن شاء الله يكون نجا لأنه ما كان حريصاً على الطاعات كثيراً مثله فلما رآه وإذا هذا في جنة بقدر جنته عشرات المرات تعجّب! الله برأني الآن وشهد لي بأني كنت من الصالحين لكن جنة هذا ومقامها أعلى فقال (يا رب بم سبقني هذا وكنت خيراً منه؟) وفي الآخرة غير قوانين لك حق تمدح نفسك يا رب أنا فعلت كذا وكذا أين جزائي؟؟ هنا في الدنيا عيب وممنوعة لا تمنّ على الله لأنها تحبط العمل أما بالآخرة فتقول فقال يا ربي أنا فلان الفلاني وأنت شهدت لي ما حاسبتني والملائكة قالت لي أنت عند الله من الصالحين وأنت وأعطيتني هذا الكرم واندهشت به ثم يكون هذا في مكان أفضل مني؟؟؟؟ فقال له رب العالمين (أبخستك من حقك شيئاً؟) قال: لا، أنا أكثر من هذا لا أستحق فقال الرب (ذاك كان يسألني فاستجبت له) أنت ما سألتني ما قلت يا رب أعطني الفردوس الأعلى هو كان كل يوم يقول يا رب أعطيني الفردوس يا رب أعطيني الفردوس والنبي صلى الله عليه وسلم قال (سلوا الله الفردوس الأعلى فإنها مقصورة الرحمن). أسألكم سؤال أنتم الآن الذين تسمعوني كم واحد منكم كلما صلى قال يا رب أسألك الفردوس الأعلى مع النبيين والصديقين والشهداء؟ يمكن واحد بالمائة ما يطلع تقول اللهم اغفر لي، أسألك الجنة صح لكن هل تقول يا رب أسألك الفردوس الأعلى مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين؟ يمكن واحد بالمائة أو واحد بالألف

د. نجيب: لأنه أحسن الظن بالله

د. الكبيسي: وطلب فالملك هو الذي يتحرش بالجلساء يقول أنت هل لك حاجة؟ تريد شيئاً؟ فرب العالمين هكذا ملك الملوك يا عبدي قول ماذا تريد قول ولهذا الله قال (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ (60) غافر)

الدكتور نجيب: هذا يؤكد على حديث سابق أنت توسعت فيه كثيراً أن أعمال القلوب مقدمة على أعمال الجوارح وللأسف نحن نركز على أعمال الجوارح ولا نركز على أعمال القلوب سلامة القلب وسلامة النية وحسن الظن بالله سبحانه وتعالى عدم القنوط من رحمة الله التأمل

الدكتور الكبيسي: أكيد ولهذا الجنة وعداً مسؤولاً على قدر ما سألت وطلبت وبغيت تعطيك وهنالك تفاوت في هذا أما في العذاب فلا يوجد تفاوت عدل مطلق إن كان موحداً تأتيه الرحمة بالعفو وإن كان مشركاً خالد فيها

د. نجيب:

الله يغضب إن تركت سؤاله   وبني آدم حين يُسأل يغضب

د. الكبيسي: هكذا، إذاً هذا الفرق بين وعداً مفعولاً ووعداً مسئولاً ولهذا عليك أن تعرف بأن الجنة التي تريدها أنت الذي تتحكم بها أنت اختر الجنة التي تريدها والدرجة التي تريدها من الآن باختيارك أنت اعتماداً على رحمة الله الواسعة وإياك أن تستكثر على الله تقول أنا من أكون حتى أطلب الفردوس الأعلى؟ يا ابن الحلال بغيّ سقت كلباً يلهث لوجه الله فغفر لها بهذا كل الناس الصالحين توسلوا إلى الله بعمل سواه في حياته عمل واحد فقط

د. نجيب: فليست العبرة بالسائل ولكن العبرة بالمسئول

د. الكبيسي: العبرة بكرم المسئول فالذي تسأله سيجيبك على قدر كرمه.

سورة المرسلات

أخيراً المرسلات 17 (أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ (16) ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآَخِرِينَ (17) كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ (18) المرسلات) الله قال سنسويه بالنار وكذا كذا (كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ) إلى هنا مفهومة ثم ينتهي إلى آية 42 في نفس السورة (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ (41) وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ (42) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (44) المرسلات) هنا (إنا كذلك) وفي الآية الأولى بدون إنا فقط (كذلك نفعل) وهنا إنا رب العالمين نفسه هذا أنا أعطيتكم إياه وهناك ما قال أنا جبتلكم النار لا قال هذا قانون روحوا طبقوا القانون بعيد عني هذا قانونكم وأخبرناكم وحذرناكم وبعثنا لكم نبي وشرح لكم كل هذا الذي حصل وهذا كله سمعنا به، في آيات النعيم ما قال يفهمكم النبي ولا غيره الذي فهمكم إياه النبي إجمالي هذا الذي ترونه الذي ما كان عقلك يدركه ولا خطر ببال بشر إطلاقاً هذا (إِنَّا) جزيناكم به ليس فعلنا. كلمة نفعل يعني بها عقوبة بها قوة واستعلاء

د. نجيب: وفيها معادلة بحسب الجرم

د. الكبيسي: فيها تطبيق قانون بينما هنا (إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي) إنا هذا الذي شفتوه نحن جزيناكم به ولهذا عليك أن تعلم بأن نعم الله يوم القيامة لا تعد ولا تحصى لأن كل هذا الكون الذي نحن فيه عايش برحمة واحدة تلفّت من حولك كم عندك من رحمة عيونك وأهلك وصحتك وجيرانك وبلادك وخيرك ورزقك وأكلك وشربك وطائرات وسيارات الخ انظر النعم كلها كم؟ خيال وكل هذا برحمة واحدة فتخيل تسع وتسعين رحمة يعطيك إياها يوم القيامة!! الله يجعلنا من أهلها فأنت سترى شيئاً عجباً ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على عقل ولا قلب ولا تفكير ولا بشر! أنت تخيل عندك كل الدنيا تخيل أنت ملك الكرة الأرضية ولا شيء هذا حتى آخر واحد من جهنم يطلع يأخذ أكثر منها فالذي ستحصل عليه عجائب حتى الواحد لا يستطيع أن يتخيل حتى لو نبي يقول كل هذا لي أنا! حتى محمد بن عبد الله لما يرى ماذا سيعطيه رب العالمين يوم القيامة سيقول كل هذا صح شيء عقلك لا يستوعبه يعني هذا كثير يقول لك لا هذا ليس لأجلك فقط ولكنه يتناسب مع كرمي أنا ورأي فيك وحبي لك وحبك لي، كلام قمة يعني أي كلام سنقوله سنكتشف لاحقاً أن الواقع شيء آخر أكبر وأعظم. من أجل هذا أولاً عليك أن تحسن العبادة لأنك تتعامل تعبد الله بالصلاة وصيام رمضان والله العظيم كلها لا تساوي همسة من همسات الجنة فأنت بهذه الحالة وبهذه العبادة البسيطة جزاؤها خيالي حاول أن تحسّنها من حيث الإخلاص إياك أن ترائي فقط حصن نفسك من أن تعمل عبادة لكي يقال وهذه ما فينا واحد يخلو منها إطلاقاً من بلايا البشر ومن أعظم نجاحات إبليس وهو له نجاحات ونجاحاته تتفاوت حسب القرون ولهذا إياك أن تُبطل هذه العبادات البسيطة وعلى بساطتها تبطلها بالرياء، للسمعة. من أجل ذلك عليك أن تعرف بأن هناك عبادات تستسهلها وتراها سهلة ويمكن ما تملأ عينك، ذكر الله عز وجل سبحان الله وبحمده أن تحسن إلى جارك أن تعفو عن من ظلمك أن تقتسم لقمة مع جائع والآن هذه موجودة في العراق في سوريا في فلسطين في الصومال في كل مكان والله ناس تموت جوعاً تموت حقيقة يعني أطفال وأيتام يلمونهم من الشوارع ميتين من الجوع فتقاسم اللقمة أنت وجارك. هنالك عبادات تراها سهلة ولكنها عند الله عظيمة بر الوالدين احترام الآخر إكرام الجار أن تلتقط وسخاً من الشارع يعني أنت بالشارع بسيارتك ورأيت ما قد يؤذي الناس أو وسخ والتقطته يا الله من عمل عظيم

د. نجيب: قال في الحديث للذي التقط شيئاً من الطريق: شكر الله له

د. الكبيسي: وقس على هذا كل حركتنا اليومية منذ ساعة ما نستيقظ إلى أن ننام تصور فقط أن تتوضأ قبل ما تنام نام على وضوء تصور ماذا يعني أن تصلي العشاء في المسجد أما العشاء والصبح الله أين حدك يوم القيامة؟! وقس على هذا فرب العالمين فتح لك باباً من العلاقة معه والعلاقة به وإرضائه بشيء سهل وميسور وجميل وإذا تعودت عليه لا تنساه إطلاقاً

الدكتور نجيب: فتحت لنا باباً في هذه الآيات أن القاسم المشترك بينها أن العبرة بفضل الله سبحانه وتعالى ورحمته ونسأله أن لا يحسابنا بعدله سبحانه وتعالى (وكذلك نجزي المحسنين) باسمكم جميعاً أتقدم بالشكر الجزيل لشيخنا الجليل الأستاذ الدكتور أحمد الكبيسي حفظه الله على هذه الروائع القرآنية واللفتات الدقيقة الرقيقة التي تخفى على بال الكثير داعين المولى سبحانه وتعالى أن يتم لنا هذه النعمة ونكمل هذا البرامج وبرامج أخرى متتالية لاحقة في هذه المعاني الجليلة التي قلّ طالبوها وكثر تاركوها وإلى اللقاء في الحلقة القادمة إن شاء الله والسلام عليكم ورحمة الله.

بُثّت الحلقة بتاريخ 15/3/2013م وقامت الأخت نوال من السعودية بطباعتها جزاها الله خيراً وتم تنقيحها.

رابط الحلقة فيديو

http://www.islamiyyat.com/video.html?task=videodirectlink&id=2898