الحلقة 40
د. نجيب: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وبعد. ما زلنا مع شيخنا الجليل الأستاذ العلامة الدكتور أحمد الكبيسي حفظه الله في نفحاته الإيمانية حول النبوة المحمدية عليه الصلاة والسلام من خلال هذه الآيات الكريمة التي التمس فيها التشابه في كتاب الله…
د. الكبيسي: بسم الله الرحمن الرحيم. كلنا نعلم قوله عليه الصلاة والسلام متحدثاً عن نفسه قال: “أنا دعوة أبي إبراهيم وبشارة أخي عيسى” دعوة أبي إبراهيم عندما كان سيدنا إبراهيم يبني القواعد من البيت (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128) رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129) البقرة) ابعث (فيهم) أي العرب الذين هم مواطنو تلك البقاع، (رسولاً منهم) يركز على شبه الجملة (منهم) أولاً (يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ) وثانياً (وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ) وثالثاً (وَالْحِكْمَةَ) ورابعاً (وَيُزَكِّيهِمْ) هذا هو النسق الذي دعا به سيدنا إبراهيم (رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129)) (منهم) ورب العالمين استجاب هذه الدعوة بالضبط ولهذا قال عليه الصلاة والسلام “أنا دعوة أبي إبراهيم”. أما قوله عليه الصلاة والسلام (وبشارة أخي عيسى) فقوله تعالى (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (6) الصف).
(وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ (129) البقرة) – (إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ (164) آل عمران)
حديثنا في هذا الموضوع عن دعوة سيدنا إبراهيم لأن الله سبحانه وتعالى عندما استجابها وقد استجابها وبعث محمداً صلى الله عليه وسلم في العرب استجابها وغيّر بعض الصيغة سيدنا إبراهيم قال (وابعث فيهم رسولاً منهم) ورب العالمين لما استجابها قال (لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ (164) آل عمران) كنا نتوقع أن يقول رسولاً منهم كما دعا سيدنا إبراهيم. سيدنا إبراهيم قال رسولاً منهم ورب العالمين قال رسولاً من أنفسهم. هذا هو الاختلاف الأول نشرحه ثم ننتقل إلى الاختلاف الثاني. هناك صيغتين صيغة الدعاء وصيغة الاستجابة من الله عز وجل. لكي نعرف الفرق بين (منهم) و(من أنفسهم) نرجع إلى كلام العرب (قرآناً عربياً) بلغته (لساناً عربياً) بآدابه وبلاغته (حكماً عربياً) بقوانينه وفلسفته واستيعابه. إذا قلنا يا بني فلان إن زيداً منكم أو يا بني فلان إن زيداً من أنفسكم، لما نقول إن زيداً منكم فقط واحد منكم ليس لشبه الجملة هذه (منكم) أي إشارة من قريب أو بعيد إلى مكانه أو إلى مكانته أو نفعه أو ضره أو مقامه، واحد منكم، عدد، واحد اثنان ثلاثة خمسة زيد واحد منكم فقط بغض النظر عن أي ميزات أو سمات وما شاكل ذلك. لما نقول يا بني فلان إن زيداً من أنفسكم يعني هو رئيسكم، من كباركم، من وجهائكم، قلبه عليكم مسؤول عنكم خيره لكم، حريص عليكم، سيسبب لكم مجداً عظيماً، كل المواصفات الإيجابية التي يقوم بها شيخ القبيلة أو رأس القبيلة أو ملك الشعب أو ما شاكل ذلك متوفر في هذا الإنسان لما يقول (من أنفسكم) فيها مودة وفيها حنان وفيها شفقة وفيها مسؤوليات كبيرة لهذا رب العالمين قال (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا (21) الروم) من أنفسكم ما قال منكم، هي منكم الله تعالى قال (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا (1) النساء) لما تزوج الزوجان قال (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا) فلما قال من أنفسكم قال (لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21) الروم)، (من أنفسكم) يعني الصفات الإيجابية المتوفرة لهذا الإنسان وأنت لاحظ رب العالمين سبحانه وتعالى لما يخاطب المؤمنين يقول (من أنفسكم) (لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ (128) التوبة) كل هذه الصفات لأنه من أنفسكم، من وجهائكم، من قادتكم، ممن قلبه عليكم، ممن خيره لكم. بينما لما خاطب جميع العرب (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ (2) الجمعة) من كل العرب مسلمون وغير مسلمين قال منهم ما قال من أنفسهم لأن النبي صلى الله عليه وسلم ليس خيره للكافرين والمشركين. إذن رب العالمين سبحانه وتعالى بهذا التغيير في العبارة من شبه الجملة الجار والمجرور إلى جار ومجرور كامل (من أنفسهم) قال أن هذا الذي بعثته قد مننت عليكم به خيره لكم لا حدود له أحدث لكم ذكراً عزاً ومجداً من العالم قلبه عليكم، رؤوف بكم رؤوف بمن يُسيء رحيم بمن يُحسن حريص على مصالحكم، وحدِّث ولا حرج من موقف النبي عليه الصلاة والسلام بالمؤمنين قال “إنما أنا لكم كالوالد” كيف يكون الوالد للولد؟ عطاء بلا حدود حينئذ أنت مطالب منك وأنت مؤمن أن تحدّث نفسك دائماً ما هو فضل النبي عليك، لماذا؟ أنت تعلم أن حب النبي صلى الله عليه وسلم من أعظم العبادات، عبادة سهلة وجميلة وممتعة وترفعك إلى أعلى الدرجات، قيل يا رسول الله متى الساعة؟ قال وماذا أعددت لها؟ قال والله ما أعددت لها كثير صلاة ولا كثير صيام إلا إني أحبك قال: أنت مع من أحببت. ولهذا حُبّ النبي صلى الله عليه وسلم عبادة جُلّى وهذه ما تأتي عفوياً، كلنا نحب النبي صلى الله عليه وسلم لكن هناك حبٌ عن حُبّ، هناك حبٌ مدروس موثق له مقدمات له شروط وأولويات وله عمق هذا عن دراسة وهناك حب عاطفي ككل المسلمين، نحن نتكلم عن الحب الحب (أنت مع من أحببت). كيف يكون لك هذا الحب المبرمج والممنهج أن تُحصي ما لرسول الله صلى الله عليه وسلم من فضل عليك “تهادوا تحابوا” فما بالك بفضل لا حدود له ولا نهاية لتعداده. فضله في الآخرة تعرفونه “شفاعتي حقٌ لأهل الكبائر من أمتي” تصور النبي صلى الله عليه وسلم ليس بالصالحين وإنما مشغول بالطالحين من أهل الكبائر الذين ماتوا عليها وما تابوا منها لأنهم لو تابوا منها لم يكونوا من أهلها “التائب من الذنب كمن لا ذنب له”. الذي يموت على الكبيرة، هذا الذي يشغل بال النبي عليه الصلاة والسلام يقول لأصحابه أتظنون أن شفاعتي لكم؟ قالوا نعم يا رسول الله، قال لا، شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي المتلوثين المذنبين من كل من أثقل ظهره وأوبق كاهله”. يا الله ما هذه الشفقة، ما هذا الاهتمام؟ لأنه (من أنفسكم) لأنه من أنفسنا جعله ينشغل بنا كل هذا الإنشغال. تتبع السيرة النبوية ويكفي أن الله تعالى شهد له فقال (لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ (128) التوبة) (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ (159) آل عمران) تتبع السيرة ترى عجباً. يوم القيامة كل الأنبياء كل واحد يتحدث عن نفسه ورسول الله عليه الصلاة والسلام يقول أمتي أمتي. لما قال تعالى له (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى (5) الضحى) قال والله وعزتك لا أرضى وواحد من أمتي في النار. ولهذا كما في الحديث النبي صلى الله عليه وسلم واقف على ساعة الحساب يُخرج هذه الأمة من النار حتى قال له رضوان خازن النار: يا محمد ما تركت لغضب ربك من أمتك أحداً. وقس على هذا. نتأمل في بعض الحالات التي تدل كم أن النبي صلى الله عليه وسلم حريص على هذه الأمة. مثلاً يقول “إن أمتي أمة مرحومة لا عذاب عيلها في الآخرة عجّل الله لها عذابها في الدنيا القتل والزلازل والمحن والفتن”. قال “كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى” ومن يأب طبعاً هو الذي لا يريد الجنة كما ذكرنا تفصيل هذا في مكان آخر عندما تحدثنا في برنامج “لا يدخل النار إلا شقي” هو يشتهي النار، “كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى” وما ترك النبي عليه الصلاة والسلام فرصة إلا استغلها لكي يناجي ربه ويتوسل إليه بأن يعفو عن هذه الأمة. مثلاً لو أخذنا موقفه في حجة الوداع، لقطة عجيبة، تعرفون أنه في الحج عرفة ثم ينفر الناس من عرفة إلى مزدلفة وهناك يبقون الليل إلى أن يلتقطوا حجار الجمرات والنبي صلى الله عليه وسلم جالس وإلى جانبه أبو بكر والصحابة رضي الله عنهم من حوله وهم ساكتون يسبحون ويستغفرون فرأوا النبي صلى الله عليه وسلم يضحك ضحكة لها معنى وواضحة جداً وقوية وهابوا أن يسألوه لأن النبي صلى الله عليه وسلم له هيبته كما تعرفون فانتحوا بأبي بكر وقالوا له يا أبا بكر رأينا النبي صلى الله عليه وسلم ضحك ضحكة ما رأيناها من قبل وهِبنا أن نسأله أفلا فعلت وأنت من أمنّ الناس عليه؟ أقرب الناس أبو بكر ففعلاً ذهب أبو بكر لرسول الله وقال له يا رسول الله رآك المسلمون تضحك وهابوا أن يسألوك فما الذي أضحكك أضحك الله سِنّك؟ فحكى له صلى الله عليه وسلم قال: أخبرهم أني لما كنت في عرفة كنت أدعو الله لأمتي كل دعائي في عرفة كان منصباً لأمتي أن يغفر لهم وأن يدخلهم الجنة وأن لا يعاقبهم وأن يصلحهم وأن يدفع عنهم الشر فجاءني جبريل قبل أن ننفر إلى مزدلفة وقال يا محمد ربك يقول قد غفر لأمتك إلا للظالم منهم فلم يكن في تلك العشية إلا ذا. رب العالمين قال له يا محمد استجابة لدعائك وإلحافك في الدعاء ما دمت أنت في عرفة طيلة النهار تستغفر لأمتك وتدعو الله لهم فأنا غفرت لهم إلا الظالم. والظالم المقصود هو ظالم الأقران. هناك ظلمان الظلم الذي لا بد أن تُحاسَب عليه وهو ظلم القاضي أو الحاكم ملك أو رئي أو أمير هذا ظلم لا بد أن تحاسب عليه يوم القيامة وساذكر كيف يكون الفصل في هذا. الظلم المقصود في الحديث هو ظلم الأقران، لا توجد علاقة بين اثنين إلا ويظلم أحدهما الآخر زوج وزوجة لا بد أن تظلم الزوجة زوجها يوماً أو يظلمها هو يوماً أو أياماً، بين البائع والشاري، الجار والجار، الموظف ورئيسه، المعلم والطالب، وقس على هذا ما من علاقة بين اثنين إلا ويتظالمون والظلم من شيم النفوس، الحياة لا تمشي بدون هذا ولهذا رب العالمين لما تكلم عن البيع والشراء قال (وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا (152) الأنعام) أحياناً حتى في البيع والشراء من الصعب أن تنجو من الظلم، أحدهم يزن لك بالميزان حنظة أو فاكهة لا بد أن يكون هناك خلل في الميزان إما نقص أو زيادة، هذا من الصعب أن تتخلص منه، أو يقيس لك قماشاً إما أن يزيد أو ينقص لك إصبعين فهو إما لك وإما عليك فرب العالمين وعد أن يعفو أن هؤلاء المتظالمين ما داموا من صنف واحد أو من طبقة واحدة وهذا مما هو شائع. فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ما كان في تلك العشية إلا ذا رب العالمين قال “غفرت لأمتك إلا للظالم منهم” ثم جئت إلى مزدلفة نفرنا وليس عندي إلا أن الله تعالى غفر لأمتي إلا للظالم منهم ثم دخلنا بمزدلفة ثم بدأت أدعو الله عز وجل أن يغفر للظالم أيضاً اي أن يشمل الظالم بالمغفرة وجاءني جبريل عليه السلام وقال يا محمد غفرت للظالم وسوف أجزي المظلوم عنه فيقول رأيت إبليس لما سمع هذا الكلام بدأ يحثو التراب على وجهه هو ومن معه فكنت أضحك لما أرى من صنيعه فهذا سِرُّ أني ضحكت لما رأيت إبليس يحثو التراب كيف أنه يئس من عمله وجهده في هذه الأمة وفد غفر الله لها. ثم النبي يشرح كيف غفر رب العالمين للظالم وكافأ المظلوم. حديث آخر يقول إن الله سبحانه وتعالى ينزل للفصل بين العباد هذا حديث آخر متفق عليه حتى الآية (يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ (42) القلم) في تلك الساعات (وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (22) الفجر) ينزل رب العالمين للفصل بين الخلائق فيأتي بالظالم والمظلوم وطبعاً رب العالمين سيحكم للمظلوم على الظالم والظالم هلك في النار فرب العالمين يقول للمظلوم انظر فوق، فينظر فإذا به يرى مُلكاً عجباً لا يمكن لك أن تتخيله في الدنيا “ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر” فالظالم الذي حُكم له على خصمه يقول يا رب لمن هذا الملك؟ لأي نبي؟ يقول تعالى هو لك، يقول لي أنا؟ يقول نعم، يقول لم أفعل عبادة تستحق كل هذا فيقول هو لك إن عفوت عن أخيك هذا، فيقول عفوت عفوت. تأمل النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع في عرفة وفي مزدلفة ما كان يشغله إلا هذه الأمة وهذه المسائل في هذا الدين عجب من النبي صلى الله عليه وسلم في كل مناسبة. لما قرأ قول سيدنا عيسى عليه السلام (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118) المائدة) بقي النبي صلى الله عليه وسلم يرددها طيلة الليل ويبكي حتى جاء جبريل عليه السلام وقال يا محمد ربك يقول ما الذي يبكيك؟ قال لقد أحسن أخي عيسى الدعاء لأمته وأنا أخاف على أمتي فذهب وعاد وقال له يا محمد ربك يقول سنرضيك في أمتك ولا نسيئك فيها.
إذن هكذا اقتران إسم سيدنا إبراهيم بإسم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بالدعاء في الصلاة وهذا لشدة الألتحام بين الأب وابنه، سيدنا إبراهيم منادي (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا (27) الحج) سيدنا إبراهيم ينادي بالحج وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم منادي للتوحيد (رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا (193) آل عمران)
إتصال من الأخت سارة من أميركا: أنت تتكلم عن الظلم الذي يسود بين الناس وما أكثر الظلم بين الناس هذه الأيام ولما يسمع الظالم أن الظلم سيُغفر فمعنى هذا أنه سيتمادى في ظلمه
الإجابة: نحن قلنا بأن الذي يُغفر كما قال النبي صلى الله عليه هو الذي يتظالم منه الناس، أنت يا سارة قطعاً ظلمت زوجك من غير أن تشعرين وهو قطعاً ظلمك، أول اثنين مخلوقين على هذه الأرض هابيل وقابيل أحدهما ظلم الآخر وقلنا هناك فرق بين تظالم الأقران كعلاقة يومية مستحيل أن يكون هناك اثنين إلا وأحدهما يجور على الثاني، حتى الآباء والأبناء كم من الآباء ظلموا أبناءهم وكم من الأبناء ظلموا آباءهم، هذه قضية معروفة، ولكن هناك ظلم السلطان وظلم القاضي هذا قلنا شيء آخر رب العالمين هو الذي يفصل به يوم القيامة.
إتصال من الشيخ عبد العزيز من أبو ظبي: إنصافاً لسيدنا الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم وإنصافاً لجده إسماعيل لقد كان اليهود يعتقدون أن الذبيح هو إسحق والحقيقة أن الذبيح هو إسماعيل والقرآن العظيم هو الذي صحح هذا الأمر فلم يكتفوا بأن أقصوا سيدنا إسماعيل بل جعلوا سيدنا إسحق هو الذبيح وإنصافاً لسيدنا إسماعيل وإكراماً له فقد جعل خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم من نسله. وإذا تكرمتم لي بعض أبيات إذا بالإمكان قراءتها في مدح سيدنا الرسول الأعظم:
لي في مديحك راية بيضاء وبمدح أحمد ترتقي الشعراء
ومن المحبة ما ينالك سقمها ومن المحبة بلسم وشفاء
في حُبِّ سيدنا الحبيب محمدٍ يتسابق الآباء والأبناء
مَنْ مِثله عمّ الخلائق نوره أبداً يشع وزاهراً وضّاء
كانت ولادته بدايةَ حقبة ناءت بوطئة ظلمها الصحراء
فبلاد فارس كالعبيد شعوبها وكذاك روما شعبها أُجراء
الظلم يرتع والحياة كئيبة وعقائد موهومة صفراء
في مكة كان الثراء مقدساً وبجمعه يتسيد الجهلاء
أما الموالي لا يُكال بكيلهم فهم العبيد وكلهم دخلاء
يا مُنبت الخير العميم بأرضنا يا من بشرعته الجميع سواء
فبلال بإسم الله صار مؤذناً في شأوه تتقاصر الجوزاء
سلمان مِنّا نحن آل محمدٍ أبشِر فهذه الدوحة العلياء
نسبٌ به سلمانٌ يفخر قائلاً هذا هو الإسلام والإخاء
كان الرسول حليماً في تعامله وخصومه في مكةٍ شهداء
ولقد عفا عنهم وقال مسامحاً هيا اذهبوا هاأنتم الطلقاء
وتدفقت كل الشعوب لروضه ولها من الشكر العظيم ثناء
يا مانحاً أرض القلوب سكينة فإذا القلوب بهيجة خضراء
وإذا الفتوح تطير في آفاقها في كل فتح قادة رحماء
لم يعرف التاريخ أرحم فاتحٍ منا ونحن بعهدنا ضمناء
وتفتقت زُهر العقول وأثمرت والعلم ساد وسادت العلماء
فلابن رشد والنفيس مطالح ما داسها قبلهم حكماء
إتصال من الأخت أم نائل من أميركا: أسأل عن الحلقة الماضية حول مات وقُتل، جاء في سورة غافر قوله تعالى (وَلَقَدْ جَاءكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَاءكُم بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ اللَّهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولًا (34)) هل هلك هنا بمعنى مات؟
الإجابة: نحن تحدثنا في هذا يا أم نائل في برنامجنا السابق، قلنا مات وهلك وقتل ومات وفني. وقفنا عند هذه المادة وهذه منظومة كاملة.
الدكتور الكبيسي: نواصل هذه القرآءة في هاتين الآيتين في دعوة سيدنا إبراهيم واستجابة الله له. بإيجاز شديد كيف أن كلمة (من أنفسهم) التي أضافها الله عز وجل بدل كلمة (منهم) التي هي كلمة سيدنا إبراهيم كم تعني من صفات النبي صلى الله عليه وسلم، هذه التي إذا أوغلت فيها بأي قدر فإنك تموت في النبي حباً وحينئذ تكون قد وصلت إلى أعظم أهدافك في مدح النبي صلى الله عليه وسلم.
الدكتور نجيب: (منهم) عام و (من أنفسهم) خاص أليس كذلك؟
الدكتور الكبيسي: نعم، (من أنفسهم) يعني ما هي مواصفات النبي أو مسؤولياته أو ما هي الرحمات التي سوف يطل بها على هذه الأمة؟ ما قيمة الأمة العربية بدون النبي صلى الله عليه وسلم؟ (لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا (113) طه) ثم أخرجهم من الظلمات إلى النور ثم مجّدهم ثم حُبّه يُدخلك الجنة، بيت من الشعر كما سمعنا من الأخ عبد العزيز كما تقول السيدة عائشة غفر الله لحسان ببيت من الشعر (حسان كان من الذين خاضوا بالإفك) واحد يسب حسان أمامها قالت لا تشتمه والله لقد غفر الله له ذنوبه ببيت من الشعر مدح به رسول الله.
ننتقل الآن إلى القطعة الثانية المختلفة سيدنا إبراهيم قال (رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ (129) البقرة) أول واجبات ومهام النبي المدعو محمد صلى الله عليه وسلم أن يتول عليهم آيات التوحيد وهذه رب العالمين أيضاً قدّمها مثلما قال إبراهيم (لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ (164) آل عمران) وهذه أول مهمات الرسل أن يُخرجوا الناس من ظلمات الشرك إلى نور التوحيد. بعدها قال سيدنا إبراهيم قال (وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ) هذه تركها الله تعالى للآخر وقدّم (وَيُزَكِّيهِمْ). لقطة هائلة لماذا رب العالمين بادر وقدم الأخير قبل التعليم؟ بعد أو وحّدت الأمة (يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ) وفعلاً آمنوا بأن الله واحد وحدوه لا إله إلا الله وقبل أن يتعلموا الشرع هم زكوا قال (وَيُزَكِّيهِمْ). ما معنى يزكيهم؟ عندنا طهارة من النجاسة واحد ثوبه نجس يطهره إذا قال (وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33) الأحزاب) من الشرك لأن الشرك نجس (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ (28) التوبة) هذه ليست تزكية. عندنا تنظيف من الوساخة هو في الحقية ليست وسخاً وإنما واحد اشترى صباغ ملابسه كلها صباغ يصلي فيها ملابسه طاهرة يمكن أن يصلي فيها لكنها ليست نظيفة فإذا نظفها أصبحت نظيفة فالنظافة. إذن إزالة الوساخة، الطهارة إزالة النجاسة والتزكية إزالة الخبث. هي لا نجسة ولا متوسخة لكن رائحتها كريهة ليست طيبة فيها خبث. يعني إنسان في بيته طاهر نظيف لكن لما تدخل فيه هواء فاسد، فيه خبث من حيث أنه غير مريح، هذا تزكّيه. نساء اثنتين طبخوا نفس الطعام هذا فيه مواد مثل هذا بالضبط لكن هذه المرأة لما تأكل طعامها فيه رائحة طيبة وفيه نكهة جميلة هذه تزكية، الثانية برغم أن طعامها فيه كل المواد التي في طعام الأولى لكن ليس زاكياً ليس فيه رائحة طيبة. إذن الزكاة من الخبث والتنظيف إزالة الوساخة والتطهير إزالة النجاسة. الله تعالى لما قال تعالى (ويزكيهم) يعني هم طاهرون ليس فيهم مشرك كما قال النبي عليه الصلاة والسلام لأمته “لا أخاف عليكم أن تُشركوا بعدي إنما أخاف عليكم أن تُفتح عليكم الدنيا فتنافسوها كما تنافسها الآخرون فتهلككم كما أهلكتهم” إذن ما من أمة أتقنت التوحيد “لا إله إلا الله” كهذه الأمة، مستحيل انظر حولك الآن في كل العالم من الذي يقول لا إله إلا الله غير هذه الأمة، توحيد مطلق ممحص لا تثليث ولا غيره ما عدا بعض الفئات التي هي ضلّت من الذيت تجثوا عن الله خطأ وسنتحدث عن هذا فيما بعد. إذن هذه الأمة نظيفة وطاهرة ولكن لا بد أن تكون زاكية يعني رائحتها طيبة، كيف تكون رائحتها طيبة؟ يعني ليس فيها خبث، هل تعلمون أن هذه الأمة هي الوحيدة في الأرض التي تستعمل الماء للإستنجاء بعد البول أو الغائط؟ كل هذه الأمة ما دامت مصلّية وهي مصليّة تستعمل الماء للاستنجاء من البول أو الغائط وتستعمل الصابون وسابقاً التراب بعد الجاهلية في الإسلام الأمة الوحيدة التي تنظّف السوءتين بهذه الطريقة فقط ولو أنت كشفت على أي واحد من غير هذه الأمة وقلت له إنزع لباسك الداخلي وأنا أنزع لباسي وانظر كم سترى عنده مصائب من وساخة بول ووساخة غائط ورائحة نتنة وهذا المسلم لباسه الداخلي لا يقل زكاة ورائحة طيبة عن لباسه الخارجي يستعمل الماء ويستعمل الصابون ليس فقط مرة واحدة في الأسبوع وإنما في اليوم الواحد ست سبع مرات، رائحته زاكية. الوضوء، السواك ثم زاكية اللسان عفّة اللسان. ثم هذه الأمة هي الأمة الوحيدة التي فيها ثقة كاملة أنك إبن أبيك لم تلعب أمك فيك لك أعمام وأعمات وأخوال وخالات ولك أرحام وأنت فلان إبن فلان من قبيلة كذا من عائلة كذا أمة زاكية، أنساب نظيفة وأنساب زكية طيبة الرائحة كل واحد يعرف قومه. وعدد ماذا في هذه الأمة من إزالة الخبث، خبث الأنساب وخبث العوائل، لها جوار والجوار مقدس، لها ضيافة والضيافة مقدسة، لها رحِم، هناك بر الوالدين، هناك إحترام الصغير والكبير، لها ذكر يومي لله تدخل بيتك تذكر تخرج منه تذكر تذهب للخلاء تذكر تدخل المسجد تذكر، يعني أمة زاكية بلسانها بطعامها بأكلها ببيوتها، من منكم يجلس على شيء نجس؟ مستحيل أن يجلس مسلم على مكان إلا إذا كان طاهراً. لو عددنا ما هي عناصر كونكم زاكين بفضل محمد صلى الله عليه وسلم وإلا كل الناس عندهم نبي، سيدنا موسى وسيدنا عيسى وكلهم أولو العزم لكن ما نجحوا كما نجح النبي في تزكية قومهم. ليس اليهودي والنصراني والمجوسي والبوذي ليس زاكياً كما أنتم زاكون. لباسك طيب الرائحة زاكي، طعامك زاكي، مجلسك زاكي، أنسابك، علاقاتك، جيرانك. ثم هذا اللسان الطيب طول النهار، السلام عليكم، مرحباً يا أخي، تهلي وتذكر الله كلما أتيح لك، أمة زاكية. من فعل فيك هذا؟ المصطفى صلى الله عليه وسلم بشرعه ولهذا ما أن تقول لا إله إلا الله محمد رسول الله إلا تصبح زاكياً لست بحاجة لتعلم كتب الفقه والعلم، قبل أن تتعلم العلم أنت تزكو. لاحظ الآن كثير من الناس يسلمون وهم يعيشون حياتهم السابقة ما إن تقول البنت لا إله إلا الله محمد رسول الله إلا ينتهي كل شيء، تلبس الخمار وتصلي ولا تعرف (بويفريند) ولا تسكر ولا تشرب الكحول ولا علاقات تزكو ويصبح زوجها زوجها وابنها يصبح ابنها له أب وأعمام وأخوال تدخل في هذه التزكية الهائلة التي كان سببها النبي صلى الله عليه وسلم.
إتصال من الأخت خديجة من رأس الخيمة: تحدثت قبل قليل عن أمم غير الأمة الإسلامية ونحن في الخارج نراهم فترد علينا الآية (إن هم كالأنعام بل هم أضل) فهل نأثم من هذا القول؟
الإجابة: لا، لا نأثم نحن نقول ما قال الله تعالى عن عبيده، هذا كلام الله وليس كلامنا نحن.
(يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ (171) النساء) – (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ (77) المائدة)
الوقفة الثانية في هذا البرنامج آيتان آية في سورة النساء (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ (171)) (إلا الحق)، في المائدة نفس الآية لكن (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ (77)) غير الحق. لماذا هناك إلا الحق وهنا غير الحق والكلام موجه لأهل الكتاب اليهود والنصارى؟. في التفسير يقولون نفس الشيء لكنها ليس نفس الشيء. آية النساء خطاب للعلماء لعلمائهم الأحبار والرهبان هؤلاء نوعين نوع يحرّف كما هو في كل الديانات اليهود والنصارى والبوذيين والمسلمين كل تاريخ الديانات هناك محرّفون في الدين وهذا من قوانين هذا الكون، فرب العالمين يخاطب المفتين الدعاة العلماء يقول لهم لا تقولوا إلا الحق، عليكم أن تقولوا الحق قولوا الله واحد ولا تقولوا شيئاً آخر. رب العالمين قال يا علماء إذا كلمتم الناس وعظتموهم قولوا لهم الحق بدون أي انحراف وبدون أي تزويق، قولوا الله واحد، قولوا لهم هذا الخمر حرام، هذا القبر لا يُعبد، هذا الخطاب للعلماء. الذي حصل بعض العلماء ما تمسك بهذا فقال غير الحق فقالوا الله ثالث ثلاثة، قال هذا القبر يُعبد، قال هذه الخمرة حلال والناس اتبعوه ولما اتبعوه اتبعوه بمغالاة هائلة اتبعوا غير الحق. فـ (إلا الحق) خطاب للعلماء لا يكذبون (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) التوبة) وهذا في كل الديانات الأحبار والرهبان والمفتين ورجال الدين في الإسلام وغير الإسلام وكل ما أصابنا من وفاة النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليوم من فرق وقتلة ومجتثين ومكفرين جعلوا منهم علماء، أناس أصحاب فتوى وهذا قدر إلى يوم القيامة، فالخطاب (إلا الحق) للمفتين. الذي حصل أن بعض المفتين قال غير الحق وتمسك به أتباعه. الآن هناك أناس خرجوا من الإسلام بفتوى مفتي وكان مسلماً موحداً لأن علماءه كانوا يقولون الحق. هذا ما تمسك بالحق وإنما قال غير الحق وأتباعه تمسكوا بذلك بمغالاة كما هو الآن، طوائف ليس عندها من الحق إلا القليل وعلمها أحد الناس غير الحق فتمسكت به هذا ليس هو المفتي ولهذا ليس في الآية (لا تقولوا) (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيرًا وَضَلُّواْ عَن سَوَاء السَّبِيلِ (77) المائدة) حينئذ (إلا الحق) الخطاب للعلماء و(غير الحق) خطاب للمقلِّدين. ولهذا لا عذر ما دام الأمر معروف من الدين بالضرورة لا تقل فلان علّمني ستحاسب أنت وإياه في النار (وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاء لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِّنَ النَّارِ (47) غافر) والشيطان نفس الشيء وتعرفون الحوار بين الشيطان وقومه (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم (22) إبراهيم) فطل شيء معروف من الدين بالضرورة حتى ولو أفتاك مفتي، إذا قال لك ليس هناك إله، الله ثالث ثلاثة هذا ليس لك فيه عذر، لماذا تسمع كلامه؟ هناك أناس سمعوا كلام هؤلاء وتمسكوا بغير الحق بقوة (لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ) ما قال لا تقولوا هذا مقلِّد وقال (وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ). إذن الفرق بين الايتين أن (إلا الحق) هذا خطاب للعلماء والدعاة والأحبار والرهبان وكل من يتصدر للإفتاء للناس عليه أن يقول الحق ويتمسك بالحق. فإذا قال غير الحق يخاطب أتباعه اتركوا هذا (غير الحق) ولا تغلوا في دينكم غير الحق تتبعون أهواء هؤلاء الناس. إذن هما خطابات لفريقين مختلفين، هذا هو الفرق بين الآيتين.
الدكتور نجيب: هذه مصيبة قد وقعنا فيها نحن الأمة الإسلامية
الدكتور الكبيسي: ولا تزال، نحن عندنا فرق مثل اليزيدية أضلهم واحد شيخ مسافر بن عدي من كبار العلماء مات وليس عنده وارث إلا ابن أخوه إسمه شمس هذا خرج بالمسلمين إلى أن يعبدوا الشيطان وقال لهم نعبد الشيطان حتى نتخلص من شره وهم إلى الآن حوالي أربع ملايين واحد مثل السامري. هذا السامري أضل قومه بعد أن كانوا مؤمنين بسيدنا موسى وهذا موجود في كل الدنيا ومستمر إلى يوم القيامة (رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ (165) النساء). ولهذا لو تقرأون في هذا الدين كم أن العلماء مكرّمون وكم هم مذمومون “إن شرار الناس شرار العلماء” هذا يفتي ويضل ولهذا “من أفتى بغير علم فقد كفر” ولهذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم ” أول من تسعر بهم النار يوم القيامة العلماء” ولهذا لما جاء الحديث “العلماء الظَلَمة يعذبون قبل عُبّاد الوثن فيقولون في النار أيُبدأ بنا قبل عبدة الأصنام؟! فتقول لهم الملائكة نعم ليس من يعلم كمن لا يعلم.
الدكتور نجيب:
وعالمٌ من علمه لم يعمل مقدّم من قبل عُبّاد الوثن
الدكتور الكبيسي: ولذلك هذا العلم بقدر ما هو عظيم بقدر ما هو حُجة يوم القيامة نعوذ بالله. يقول ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم يقول “تناصحوا في العلم فإن خيانة أحدكم في علمه أشد من خيانته في ماله” وكم خان بعض العلماء دينهم كذباً وزوراً وطائفياً وحزبياً وأباحوا دماء المسلمين وكفّروهم وهو يتصور نفسه أنه يعمل طيباً
تعلَّم آيتين وصار شيخاً ويلحن كل وقت إن تلاهى
حفّظوه آيتين وقالوا له أنت أمير الجماعة وأنت مفتي الجماعة يذبح الناس ذبح الخراف وهم يتبعونه بالمئات والآلآف هؤلاء ليسوا معذورين. الحديث يقول إن من أفتاه واحد عنده طلع لا يعرف هذا فقه قال له عملت كذا وكذا يقول له حرمتك طالق أو غير طالق وأخذ يطبقها هذا الذي ما عليه شيء، أحكام فقهية هو ليس بعالم. أما ما عرف من الدين بالضرورة من توحيد وإيمان وفرائض خمس صلوات وصيام رمضان.
إتصال من الأخت سمارة من أبو ظبي: أنا عشت في الغرب فترة طويلة وأنت لما تذكر أن أهل الإسلام أمة زاكية وسبحانه وتعالى فضلنا هذا الكلام صحيح لكن سؤالي لماذا لا نرى هذا الكلام في الواقع، يعني لما تنظر أهل الغرب تجدهم أهل تواضع وأهل صدق وأهل كرامة وترى في وجوههم العزة والكرامة ولما نريد أن نطبق نحن هذا الشيء لا نجده للأسف في واقعنا وإنما نحن بعيدين عن واقع الإسلام.
الإجابة: أنت تتحدثين عن أفراد، تكلمنا على الأنساب كم منهم يعرف أنسابه؟ تكلمنا عن عفة المرأة هل هناك امرأة مسلمة تتزوج وهي غير عذراء؟ هل هذا موجود هناك؟ هل هناك من يوحد الله؟ هل هناك من يُكرم الجار؟ مئات الأسئلة وتكلمنا عن كل هذه السلوكيات. أما أنك رأيت حالة حالتين فهذه من قوانين هذا الكون الناس ليسوا ملائكة، لكن نحن نتكلم عن المجموع، هل صحيح أن قيمنا وقيمهم واحدة؟ في التوحيد والأنساب والعوائل وعدم ظلم الناس، هل حصل أننا استعمرناهم فقتلناهم وأبدناهم كما فعلوا في الشيشان وفي فلسطين؟ هذا الذي يجري في العالم الآن؟ هل تركوا بقعة من الأرض ما سرقوها؟! اليوم قرأنا في الصحف يعترف بها أحد القادة العظام من قادتهم كيف أنهم فعلوا جريمة التاريخ.
إذن هذا هو الفرق بين (وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ (171) النساء) و (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ) الأولى خطاب للعلماء والكهنة وأصحاب الفتاوى مسلمين وغير مسلمين ونصارى ويهود وكل من أضل قومه. (وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيرًا وَضَلُّواْ عَن سَوَاء السَّبِيلِ (77) المائدة) وفعلاً كل ضلالات التاريخ في كل الديانات أضلونا علماء يهود ونصارى وعلماء مسلمين بغض النظر عن التسميات، هذا هو الفرق.
الدكتور نجيب: نقف عند نقطة الغلو وما نلمسه اليوم عند فئة الشباب بين فئة متشددة ومتعصبة في دين الله تعالى وفئة أخرى متساهلة وخاصة فيما يتعلق بالتيسير على الناس وهناك أيضاً من العلماء من يقطع باب الرجاء والرحمة لأولئك الذين اسرفوا على أنفسهم يريدون أن يقبلوا على الله سبحانه وتعالى بالتوبة والإنابة
الدكتور الكبيسي: مع أن حل المشكلة في غاية السهولة. هناك واحد يريد أن يأخذ امتياز فقل له أن يصلي الليل، هذا تشدد، هذا طبع فلان. وآخر يريد أن ينجح والسلام ماذا تريد مني لا تقول له أنت كافر، هذا يؤدي واجباته كاملة كالأعراب الذي قال والله لا أزيد على هذا ولا أُنقِص قال أفلح الأعرابي إن صدق. هذا الغلو الذي هو عمى هذا ما يفعله إلا مقلِّد لا يفعله مجتهد.
الدكتور نجيب: للحديث بقية قطعنا على الشيخ ولم يكمل حديثه أملاً في أن نلتقي في الأسبوع القادم داعين المولى سبحانه وتعالى أن يوفق شيخنا الجليل الدكتور أحمد الكبيسي حفظه الله لإتمام هذه الفيوضات والفتوحات الربانية في التشابه في كتاب الله تعالى وإلى اللقاء في الحلقة القادمة إن شاء الله.
بُثّت الحلقة بتاريخ 13/3/2009م