الحلقة 88
(وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ (84) يوسف) – (فَالْتَقَطَهُ آَلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا (8) القصص)
د. نجيب: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وبعد. مع جديد شيخنا الجليل الأستاذ العلامة الدكتور أحمد الكبيسي حفظه الله.
د. الكبيسي: بسم الله الرحمن الرحيم. حلقتنا لهذه الليلة كيف تقارن لغوياً بين كلمتي الحُزن والحَزَن وكنا قبل أيام أو أسابيع تكلمنا عن فلسفة الحُزن في برنامج “خير الكلام” على قناة سما دبي من حيث فلسفة الحُزن وفلسفته عظيمة فمن الحُزن ما يكون عبادة ومن الحُزن ما يكون عبقرياً ومن الحُزن ما يقيم حياة. ونحن في برنامجنا نتكلم عن الحُزن والحَزن من الناحية اللغوية وهذا هو موضوع أو مادة البرنامج المتشابه في القرآن الكريم بالحركة والحرف والصيغة كلها تعطي معنىً جديداً بحرف زائد أو حرف ناقص.
فعندنا هنا حُزن وحَزَن كما فرّقنا بين ميْتٍ وميّت. هناك فرق بين (فَالْتَقَطَهُ آَلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا (8) القصص) حَزَن، أهل الجنة عندما يدخلونها يقولون (وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ (34) فاطر) ما قالوا الحُزن، وقال تعالى (وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ (84) يوسف) الحُزن. الحُزن هو ضيق الصدر عن شيء مضى، يوسف ضاع وأبوه بقي حزيناً فابيضت عيناه على يوسف الذي ضاع، هذا حُزن. والحُزن ضيق الصدر مؤقتاً يوم يومين شهر شهرين، سنة، ينتهي وكأنه لم يكن وفعلاً عندما عاد يوسف عليه السلام إلى أبيه ارتد ليعقوب عليه السلام بصره وتصالح مع إخوة يوسف واستغفر لهم (قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيَ (98) يوسف)، هذا الحُزن. أما الحَزَن فهو لا يموت ولا يبلى وإنما يبقى مع الإنسان، أُصِبت بشيء تموت وأنت عليه حزين. قبل ذلك علينا أن نفرِّق بين ضيق الصدر وضيق الصدر له أنواع تحدثنا عنه في برنامجنا القديم الكلمة وأخواتها عندنا حُزن وعندنا غمّ وعندنا همّ طبعاً هي حوالي عشر كلمات هذه أبرزها. الحُزْن كما قلت على شيء مضى، الهمّ على شيء بالمستقبل
د. نجيب: ولذلك فرّق بينهما النبي صلى الله عليه وسلم فقال (اللهم إني أعوذ بك من الهمّ والحَزَن) ما مضى وما هو آت.
د. الكبيسي: ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله من الحُزْن الماضي وهو حُزْن ومن القادم وهو همّ ولهذا يقول صلى الله عليه وسلم (إن من الذنوب ذنوباً لا يغفرها إلا الهمُّ للعيال) واحد عنده أولاد يحمل همهم في المستقبل بمعيشتهم دراستهم تربيتهم أخلاقهم زواجهم مصلحتهم غيابهم سفرهم وكل واحد عنده أولاد همه مستقبلهم، هذا همّ لماذا؟ لأنه سيأتي، ولهذا يقول صلى الله عليه وسلم (إن من الذنوب ذنوباً لا يغفرها إلا الهمّ) لما تهتم بشيء مستقبلي قطعاً هذا يسبب لك أرقاً بشكل هائل لكن على شيء مستقبلي. والهمّ مقرون بخوف والماضي لا، أنت عرفت الذي حصل فقط حُزْن، ضيق صدر فقط بدون خوف لأنه هو انتهى وقع يعني ضاع يوسف ضاع وانتهينا ذهب الخوف لكن بقي الهمّ بقي ضيق الصدر، هذا الهمّ.
الغمّ المميت أنت في حالة ستموت واحد محكوم بالإعدام وأنتم تعرفون أن كل دول العالم لما واحد يحكم عليه بالإعدام لا ينفذونه بسرعة أحياناً يبقى شهر شهرين أحياناً سنة سنتين ثلاثة أربع لعله يحدث شيء يخف بعده الحكم إلى أشغال شاقة أو سجن أو براءة, في الحالات التي لا يُعفى عنه وينتظر تنفيذ حكم الإعدام ضيق الصدر الذي فيه لا يشبه ضيق لأن هذا يائس من الحياة هذا لا (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88) الأنبياء) هو سيموت، واحد ابتلعه الحوت ودخل به البحر يعني ما في فرصة أنه يحيى ولا يعيش منتهي ميت ميت. ولهذا أهل أُحُد لما انهزموا هزيمة نكراء قال (ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا (154) آل عمران) كانوا سيموتون ويقتلون. إذاً فالهمّ على شيء مستقبل، والغمّ على شيء أنت يأست الحياة أن الهلاك قادم حيثما وجدت كلمة غم في القرآن الكريم يعني أنت ميت لا محالة فإذا نجوت فهذا من إعجاز الله عز وجل وقال (وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ) بقوله (أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) وهذه كما قال جعفر الصادق رضي الله تعالى عنه (عجبت لمن أصابه الغمّ ثم لا يقول لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين وقد قال الله بعدها (وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ)، وعجبت لمن أصابه مكرٌ كيف يذهل عن قوله تعالى (وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (44) غافر) لأن الله وراءها يقول (فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا (45) غافر) مكر سحر مؤامرة زور، ومن أصابه شر كيف يذهل عن قوله تعالى (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ) لأن الله تعالى وراءها يقول (فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174) آل عمران). إذاً لا إله إلا أنت سبحانك تنجيك من ضيق الصدر المهلك اللي تكون أنت هالك غرق تهت في دولة تهت في الصحراء وحصل هذا، عطشان ستموت وضائع في الصحراء والتاريخ يحدثنا كم من الذين وقعوا في المُهلكات فرددوا هذه الآية فأنجاهم الله عز وجل كما أنجى سيدنا ذا النون ولهذا الله قال وراءها (وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ). يعني لولا هذا المقطع من الآية قلنا هذا خاص بالنبي خاص بذا النون ولكن قال لك لا (وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ). إذاً هذا هو الحُزْن على ما مضى، الهمّ على ما سيأتي، الغمّ الحُزْن المُهلِك. أما الحَزَن هو ليس مهلكاً لكنه دائم.
متى يكون حزنك دائماً؟ الحكام عندما يعزلون بتآمر من داخل بيوتهم وأنتم تعرفون كما في التاريخ (الملك عقيم) الملك ليس فيه نَسَب أخوك يتآمر عليك والتاريخ مليء بالأخ الذي قتل أخاه, بالابن الذي قتل أباه، بالأب الذي قتل ابنه أما هذا الصديق والحاشية والحرس هؤلاء مستعدين يبيعون الملك بأي لحظة لمن يدفع، فالمُلك عقيم ولهذا على الملك أن يكون حصيفاً وذكياً وأن يتولى أمر أمنه بنفسه ولا يثق بأحد ثقة كاملة يسخِّرهم ولكن عينه عليهم كالصقر. هذا الذي يجري كل الحاكمين في العالم فيهم هذا الذكاء. حينئذٍ المُلْك عقيم وحينئذٍ عندما يتآمر عليك واحد من داخلك من حرسك من أهلك من بيتك طبعاً حزنك لن ينتهي لن ينتهي إلى أن تموت وأنت تحزن. وحصل هذا في حياتنا في الماضي القريب في التاريخ هناك ناس احتملوا هذا الضيم وابتعدوا عن الدنيا لشدة ولم تعد الدنيا تساوي عندهم شيئاً وهذا من الغدر والغدر هذا مؤلم محزن. وهذا فرعون قال (لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا (9) القصص) وفعلاً دلّلوه دلال امرأة فرعون دللته دلالاً عجيباً غريباً وهي التي شفعت له ورب العالمين قال (فَالْتَقَطَهُ آَلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا (8) القصص) وفعلاً هذا الطفل المجهول الذي جاءهم في التابوت في البحر أسقط مملكة فرعون التي دامت ألف سنة. العائلة الفرعونية حكمت المنطقة ألف سنة وجاء هذا اليتيم الذي التقطوه هم ليكون لهم عدوا وحَزنا وليس حُزناً بل حَزن والأسرة الفرعونية تفرّقت غرق فرعون ولكن بقي هناك أناس من العائلة الفرعونية قد يكون في مصر الآن عوائل من العائلات المالكة في التاريخ وحينئذٍ هذا حَزَن لن ينتهي.
————فاصل———–
د. نجيب: سيدي الشيخ لعل من المفارقات التي تناسب ما ذكرت تاريخياً أن عبد الملك بن مروان رحمه الله كان رابع أربعة تدور عليه الفُتيا في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وعليه عمامة العلم لا تفارقه وذات يوم بينما هو جالسٌ في مجلس العلم إذا بجندي من بني عمه بني أمية بجواره قال له من أنت؟ قال أنا من جنود بني أمية، قال ما الذي جاء بك؟ جئت لأقاتل عبد الله بن الزبير في مكة المكرمة، قال قاتلك الله ألا تخشى أن حواري بن حواري رسول الله وابن أسماء بنت أبي بكر يرفع يديه إلى السماء فتهلك؟ فخاف هذا الجندي وفرّ في شعب الجبال لينجو بنفسه إلى أن دارت الدوائر وبُشِّر عبد الملك بن مروان بالخلافة فنزع عمامة العلم ولبس تاج المُلك وانتقل من عاصمة الإسلام المدينة المنورة إلى دمشق وما الذي فعله؟ أول عمل عمله أن سيّر جيشاً بقيادة الحجاج إلى عبد الله بن الزبير الذي قد لجأ إلى الكعبة المشرفة فرُميت الكعبة المشرفة بالمنجنيق وأحرقت الكعبة وقُتِل عبد الله بن الزبير وحُمِل رأسه إلى عبد الملك وقد كانا أخوين صديقين وقال (لقد كان بيني وبينك ودّ ولكن المُلْك عقيم)
د. الكبيسي: ولهذا من ذهب ملكه يعني كان المأمون قبل أن يموت وضع له تراب وسماد يتقلب به ويقول (اللهم يا من لا يزول ملكه اغفر لمن زال ملكه) زوال الملك مصيبة يعني امرؤ القيس مثلاً عندما قتل أبوه غيلة ونُزِع منه الملك ترك اللهو اللعب المعروف به وتمكن منه الحَزَن على ملك أبيه وقال لما ذهب يستنجد بقيصر ومعه أحد مساعديه الخُلّص يقول:
بكى صاحبي لما رأى الدربَ دونه وأيقنَ أنَّا لاحقانِ بقيصرا
وقلتُ له لا تبكي عينُك إنما نحاولُ مُلْكاً أو نموتُ فنُعذَرا
الذي يزول ملكه كالكابوس الذي حصل له لا يستطيع أن يعيش لشدة الحَزَن فهذا مُلْك وليس لعبة. فحقيقة زوال الملك يا أخي الناس يتقاتلون على زوال البستان على زوال بيت يسكنونه، المُلْك عزيز حتى لو كان كوخاً يعني ما دام هذا ملكك فكيف بملك دولة ملك حكم سياسي؟! وهذا المُلْك طبعاً مجال للمؤامرات والدسائس كما تعرف تنافس. إبكِ كالنساء لم تحفظه كالرجال.
أم العز من ليبيا: أريد أن أسألك عن قوله (لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ (40) التوبة) هل تفيد في ساعة الحَزَن؟
الإجابة: إن شاء الله. هناك أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم كما تحدثنا عنها في حلقة سما دبي هناك أحاديث عن المصطفى صلى الله عليه وسلم تزيل الهمّ تزيل الحُزْن وإن شاء الله تسمعينها في الحلقة التي أذعناها.
إذاً هذا هو الأمر الحَزن هكذا إما ضياع ملك وإما ضياع ولد مفقود أو بحادث إذا مات موتاً طبيعياً والولد عزيز الولد أغلى من حياتك إذا مات موتاً طبيعياً تحزن حُزناً أسبوع أسبوعين شهر، أما إذا مات غرقاً أو حرقاً أو مفقود لا تعرف أين هو ثق إلى أن تموت لن تنساه. هناك حالات من الحَزَن مشكلة يعني مثلاً الأم التي لها بنات الأم الحرة الكريمة و 99% من هذه الأمة الأمهات أحرار حرائر بواكر شريفات تقيات إذا عندها بنات وما تزوجن لا تنام الليل هذا حَزَن طول العمر، حتى لو تتزوج حتى لو تزوجت البنت الأم تبقى قلقة عليها كيف حالها مع زوجها كيف أولادها ولهذا الأم لا تعوَّض ولا تُجزى من حيث أنها تبقى في هذا الحَزن من ساعة ما تأتيها البنت إلى ساعة ما تموت الأم. ولهذا يقولون البنت همّ من حيث شدة حرص الأمة عليها العائلة تعلم أن الولد ولد لكن ماذا نفعل بالبنت وخاصة الأم.
أم أحمد من سوريا: أطلب منك أن تعلمني دعاء أدعو به ليزيل عني ما أنا فيه
د. الكبيسي: عليك بدعاء الكرب، إذا كان هناك شيء مستعصي من كرب أو حزن قولي هذا الدعاء: ” إلهي كيف أدعوك وأنا أنا، وكيف أقطع رجائي منك وأنت أنت، إلهي إن لم أسألك فتُعطني فمن ذا الذي أساله فيعطيني، وإن لم أدعُك فتستجب لي فمن ذا الذي أدعوه فيستجيب لي، وإن لم أتضرّع إليك فترحمني فمن ذا الذي أتضرّع إليه فيرحمني، إلهي كما فلقت البحر لموسى فنجّيته من الغرق فَصَلِّ وسلم يا ربي على محمد وآل محمد ونجّني مما أنا فيه من كربٍ بِفَرَجٍ منك عاجلٍ غير آجل وبرحمتك يا أرحم الرحمين”
وهناك ممن لا يمكن أن ينسى إلا ويحزن المرأة الشريفة إذا ضعفت وسقطت وهذا يحدث، كل ابن آدم خطّاء. في وقت في ضعف لم تستطع الصمود كان أقوى منها فزلّت وسوف تندم وتبقى تنوح على هذا إلى أن تموت. كالرجل الصالح الذي نشأ في طاعة الله ولظرفٍ معين، لفترة معينة، لأمر معين، لمكان معين سقط وعاد لن ينسى هذا إلى أن يموت سينوح على خطيئته كما قال صلى الله عليه وسلم (فلِيَسَعْكَ بيتُك ولتبكِ على خطيئتك) أيضاً كمن ليس له وطن شُرِّد إما أحتل أو طُرِد من وطنه أو غرب لماذا الإسلام جعل بعض العقوبات تغريباً؟ الإسلام في قضية انتهاك العرض ما يتساهل تصور أن هذا الذي انتهك عِرضاً تدفنه في الأرض! وترجمه إلى أن يموت بالحجارة! شيء مرعب لماذا؟ لشدة حساسية الإسلام من انتهاك عرض النساء ولهذا رب العالمين عز وجل جعل هذه العقوبات في غاية البشاعة من أجل ذلك إذا واحدة أخطأت يوماً فلا يمكن أن تنسى هذا.
أبو بكر من سوريا: سؤالي عن الآية الكريمة التي تقول (لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33) الأحزاب)؟
الإجابة: هذا واضح يا ابني، هذه لا تختلف فيها الأمة. هذا البيت الطاهر الذي يشفع لك يوم القيامة والذي تصلي به اللهم صلي على محمد وآل محمد قطعاً رب العالمين أكرمهم كما أكرم النبي صلى الله عليه وسلم وقال (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى (5) الضحى) من ضمن ذلك أنه طهّر أهل بيته وهم عليّ وفاطمة وأولادهما، ولهذا كما قال سيدنا عليّ كرّم الله وجهه (يهلك فينا اثنان مُبغِضٌ غالٍ ومُحِبٌّ غالٍ) هناك من شوّه هذا البيت الكريم بمغالاته بحبهم حتى ألّههم وهذا شِرْك وهذا في منتهى المصيبة، ومنهم من غالى في كراهيتهم حتى قتلهم ولعنهم على المنابر كبعض بني أمية. إذاً (يهلك فينا اثنان مُبغِضٌ غالٍ ومُحِبٌّ غالٍ) من حيث أن هذه الأسرة الكريمة كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم (من أحبَّهُم فبحبي أحبهم ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم) وهؤلاء على المحجّة البيضاء وهم قدوة والنبي صلى الله عليه وسلم قال (تركت فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً كتاب الله وسنتي) (وتركت فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تختلفوا بعدي أبداً كتاب الله وعترتي أهل بيتي) وانظر ماذا فعلنا بهم سلباً وإيجاباً ناس تقتلهم وناس تؤلِّههم والكُلُّ ملعون!. أن تحبهم حباً كما أحببت النبي عليه الصلاة والسلام وليس كما أحبت النصارى عيسى ابن مريم وألّهوه أو كما فعلت اليهود بأنبيائهم وقتلوهم وهو الذي يقول (أحبب حبيبك هوناً ما عسى أن يكون بغيضك يوماً ما) وهذا حُبّ عقيدة فعليك كما تفعل في الصلاة متى أوقاتها وكيف شروطها والصوم حُبّ النبي وأهل بيته عقيدة ولا تصح صلاتك بدونهم (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبّ إليه من نفسه).
وطبعاً أنت عليك كل واحد منا يعرف حالة أو سبباً من الأسباب تسبب حَزناً وليس حُزناً ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم ما قال اللهم أعوذ بك من الحُزن بل قال (أعوذ بك من الهمّ والحَزَن) هذا حقيقة هذه اللغة الأعجوبة التي ما من لغة تستوعب هذا النص الإلهي والنص النبوي! ينبغي لكي تتصدى لها أن تُحسِن لغة العرب إحساناً ولهذا كما يقول المودودي وغيره “تعلم العربية فرض كالصلاة والصوم” بدونها ما تفهم لا الكتاب ولا السُنّة. والنبي قال (أعوذ بك من الهمّ والحَزَن) الهم تحدثنا عنه النبي صلى الله عليه وسلم ما ينام الليل لمستقبل الأمة وخائف على الأمة “أخاف عليكم..” (لولا أن أشُقَّ على أمتي لأمرتهم كذا…الخ) والحَزن يعني يستعيذ بالله من حزن لا ينقضي ونحمد الله عز وجل ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يرى إلا حزيناً وكان طابعه الحُزْن وكان يقول (إن هذا القرآن أٌنزل بحُزْن فإذا قرأتموه فابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا) ولهذا قال (الحزين في ظل الله يوم القيامة) (الحزين عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين). وهكذا فالحُزْن عبادة. ولهذا نقول الحُزن شيء والحَزن شيء آخر وهو ما كان يقول أعوذ بك من الحُزن لأنه كان يحزن وهذا طبيعي لكن أعاذه الله من الحَزَن الذي كما قلنا يكون على مصائب على رِدّة، وهذه الآية (وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ (92) التوبة) حَزناً معجز هذا القرآن! ولهذا هؤلاء الثلاث أولاد معقل وسويد والنعمان أبناء مقرن رضي الله تعالى عنهم من الصحابة في معركة تبوك في الحقيقة كانت معركة حاسمة والمسلمون كان عندهم فقر شديد (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (79) التوبة) جاء بتمرة لأن ليس لديه شيء يتبرع به. ولهذا سيدنا عثمان جهز جيش العسرة، تمر عنده تمرة يتبرع بها حينئذٍ في هذه المحنة يأتون الصحابة وما عندهم شيء يركبوه فهؤلاء الثلاثة ليس لديهم راحلة لكي يصلوا فقال والله ما عندي شيء (تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا) لماذا حَزناً؟ لما عاد المسلمون منتصرين ورب العالمين فضح المنافقين وتعرفون القصة كاملة في سورة التوبة حينئذٍ هؤلاء الثلاثة بقوا إلى أن ماتوا وهم صدورهم ضيقة كيف فاتتهم تلك الغنيمة الدينية؟! يوم القيامة ذلك الشرف الرفيع يوم القيامة حينئذٍ هؤلاء قال عنهم حَزناً (تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا) يا الله!! يا لدقة القرآن الكريم!
هكذا هو الفرق بين الحُزن والحَزَن بالشكل الذي ذكرناه وطبعاً الكلام في الحُزْن يطول وقد تكلمنا عنه ساعة كاملة في سما دبي في برنامج خير الكلام.
(سوف – فسوف – لسوف – فلسوف -ولسوف)
هذا الموضوع الأول في هذه الحلقة الموضوع الثاني سوف وسوف في القرآن الكريم أعجوبة مرة قال سوف ومرة قال وسوف ومرة قال فسوف ومرة قال ولسوف ومرة قال فلسوف يعني سبع حالات وكل حالة ترسم معنىً جديداً أعجوبة ولهذا الحرف في الكلمة آية. ونحن في هذا البرنامج قلنا الحرف يغير المعنى ويؤجر الله على قارئه عشر درجات (ألم) ثلاثين درجة ألف حرف ولام حرف وميم حرف لماذا؟ لأن كل حرف منها كلمة لأنه يغير المعنى (إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17) لقمان) (إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43)الشورى) صورة ثانية يعني تماماً وقس على هذا ويكفي الحركة الواحدة كحُزن وحَزن (تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا) هنا ليس أنهم حزنوا حُزناً قليلاً وانتهى بل بقي معهم إلى أن ماتوا لأنه حَزن.
نتكلم فيها واحدة واحدة، يقول تعالى في سورة النساء (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا (56) النساء) (سوف) مفتوحة متى؟؟ مفتوحة هل احتمال يتوبون أو ما يتوبون؟ مفتوحة لا فيها لا تأكيد ولا فيها قسم لكن تقرير حقيقة أن الذين كفروا جزاؤهم النار قال (سوف) (سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا). وفي نفس السورة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29) وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30) النساء) لماذا؟ هذه فاء سببية والارتباط متعلق بأن أكل المال أخطر من الكفر لأن هذا الكافر يمكن يُسلِم، احتمال. وحينئذٍ إذا أسلم انتهت المشكلة، هذا الذي يأكل المال أسلم أو لم يسلم مسلم أو كافر سيعاقب على أكل المال عقاباً شديداً (إن الرجل ليأتي يوم القيامة) هذا مُسلِم (إن الرجل ليأتي يوم القيامة بأعمال كالجبال وقد أخذ قسطاً من الليل) يصلي تهجد (ثم لا يجد عند الله منها شيئاً قالوا: بِمَ يا رسول الله؟ قال: باللقمة الحرام يقذفها في جوفه) (كل لحم نبت من الحرام فالنار أولى به). ولهذا المال الحرام خاصة مال الربا أبشع من أن يزني الرجل بأمه، أقل باب من أبواب الربا كمن يزني بأمه وتصور! فماذا لو كان أعلى أبواب الربا؟! والربا أبواب كثيرة للأسف الشديد ما حققها المسلمون إلى هذا اليوم من حيث شدة العقوبة الناس ارتعبت ما تدخلوا، ولهذا سيدنا عمر قال (ليت النبي صلى الله عليه وسلم لم يمت إلا وقد بيّن لنا أبواب الربا) هناك أمور غير معروفة لكن لشدة خوف المسلمين أي شيء به شبهة ربا قالوا حرام وفي الحقيقة فوتوا على المسلمين مصالح. يعني الآن ثق كثير من التعاملات الاقتصادية في العالم والتعاملات المصرفية ما فيها ربا لكن من الخوف يقولون كلها ربا، يعني حتى عندما تعقد مؤتمرات وقد عقدت مؤتمرات يخاف وله حق يخاف يقول أنا ما عندي فلوس ولا تجارة فأقوم أفتي لي فتوى وأعلقها برقبتي! يعني أنا هذه الدولة العراقية لما أعطت سلفة خمسين مليون دينار لكل عراقي وقلت نظراً لهذه المأساة التي هم فيها الشعب العراقي يمر بمأساة لا نظير لها في الكون لم يحدث في التاريخ أن واحداً ألغى دولة من 25 مليون رماهم في الشارع وقتل نصفهم والنصف الآخر مصاب بالسرطان من الأسلحة التي ألقيت عليه! شعب يتآكل يعني بعد عشرين سنة ما في شعب عراقي يموت. وأنا أفتيت فتوة لأهل الفلوجة قلت يحرم عليكم أن تنجبوا جميع ولادات أهل الفلوجة فيهم سرطانات، إذاً لا ينبغي أن تنجبوا. فقلت في هذه السلفة وعلى ذمتي وأنا أرتجف خوفاً لكن أعرف كيف يعاني هذا الشعب قلت يا جماعة هذه السلفة من الدولة أولاً كونها من الدولة غير من الأفراد هذه قضية محسومة هذا حق والدولة أب كما بين الأب وابنه، هذا واحد. ثانياً قلت الله قال (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (173) البقرة) الذي لا يملك بيت في العراق ولا في أي مكان يجوز له أن يأخذها فهو مضطر يعني واحد مرمي في الشارع ماذا يفعل هذا؟ ثالثاً إذا واحد عنده ابن عنده سرطان أو مضروب بطلقة أو مفجرين في أحد أعضائه ومقطعة أشلاؤه ولا يوجد هناك عملية إلا أن يسافر للخارج يأخذها، رابعاً إذا واحد عليه دين وسيحبسونه ما عنده مال ليوفي يأخذها خامساً إذا عنده أهله مهجرين وإحنا عندنا خمس ملايين عائلة مهجرة ميتين من الجوع مضيعين إذا عندك عائلة مهجرة خذها وأعطيهم إياها ومع هذا والله أنا مرعوب لكن قلت يا ربي هذه برقبتي أنا فلأدخل جهنم إذا هؤلاء المساكين في حالة لا يمكن حصرها ولهذا أقول هذه أهون من الراكب طائرة وفي رمضان يفطر أو يقصرون الصلاة هذا أشق. وكما أشرت هذا مال دولة وهو حق للأمة.
————-فاصل—————
إذاً الخوف من الآية الثانية في قوله (فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا) لأن الخطاب للمؤمنين ولهذا جاء بفاء في الأولى قال سوف (سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا) ربما يتوب ربما يسلم ربما كذا، أما هذه متحققة ولهذا اللقمة الحرام تعادل الكفر عند غير المسلم ولهذا (كل لحم نبت من حرام فالنار أولى به). من أجل هذا الفقهاء رضي الله عنهم من السلف الصالح لم يستطيعوا أن يخرجوا بخطة عن من هو الربا ومن هو غير الربا، سيدنا عمر متحير يقول أي الربا؟ ما نعرف تعاملات كثيرة ليست كلها ربا لكن ما نعرف خوفاً وضرعاً سكتوا هكذا.
نأتي على آيتين أخريين على نفس النسق (وَيَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ (93) هود) هذه قالها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وقالها سيدنا شعيب، سيدنا شعيب قال (وَيَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ (93) هود)، النبي صلى الله عليه وسلم نفس الشيء (قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (135) الأنعام) نفس النسق ونفس البداية وسطر الآية واحد فلماذا اختلفت (سوف) مرة بالفاء؟؟؟ يقول لك بسيطة جداً هذا القرآن لا يمزح ولهذا القرآن إعجازه اللغوي أقوى أنواع الإعجاز لأن غير معقول واحد ثلاثين سنة بهذا الرصّ بحيث لا يخطئ ولا مرة، النبي صلى الله عليه وسلم لما كان يقول لهم هذا يعرف أن عذاباً من نوع معين جاءهم وهو كما قال تعالى قبلها بأيام (الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5) الروم) يقول ستحدث حرب بين الفرس الوثنيين والروم أهل الكتاب وكان المسلمون طبعاً يحبون أن ينتصر أهل الكتاب وهم الروم وفعلاً صارت الحرب وانتصر الروم ففرح المسلمون فرحاً عظيماً ورب العالمين قال يومئذٍ يوم هذا النصر يفرح المؤمنون بنصر الله لهم في مكان آخر فالنبي صلى الله عليه وسلم يعرف أن هناك نصر قريب قادم للمسلمين ألا وهو بدر (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (45) القمر). وحينئذٍ لما القرآن نزل وقال قل يا محمد لهم اعملوا على طريقتكم على شرككم على أوثانكم وأنا أعمل على طريقتي إني عامل على طريقتي أنا أوحِّد الله (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ) مكة، ستعلمون من هو الذي سيبقى في مكة ومن الذي سيولي وفعلاً بعد أيام صارت بدر وانهزم المشركون وبقي المسلمون منتصرين وبقوا منتصرين بعد بدر إلى هذا اليوم وإلى يوم القيامة كما سنذكر في قوله تعالى في الحلقة القادمة (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ (165) الأنعام) هذا عن هذه الأمة خلائف الأرض. هناك خلائف في الأرض وهناك خلائف الأرض سنذكرها في الحلقة القادمة إن شاء الله. بينما سيدنا شعيب هو يعرف أن الذين يكذبون الأنبياء يأتيهم عذاب أليم لكن ما يعرف متى فقال (وَيَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ) قال سوف لأنه لا يعرف متى فلا يوجد هذا الربط، هذا قانون (سوف) لكن متى؟ وكيف وأين؟ لا يعرف. وحينئذٍ هذا الفرق أن هذه الفاء صورة معنى محاضرة تقدر أنت تقارن بين ارتباط فوز الروم وانتصارهم على الفرس وكيف نجاة بدر والربط بينهما وفلسفة هذه وهذه وماذا عن نتائج هذه؟ يعني كلام بهذه الفاء كما قلنا سابقاً باللام ومن وغيرها. إذاً هذا الفرق بين نفس الآيتين فيها فاء زائدة كما قلنا مرة بها (من) زائدة (لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا (70) النحل) أو (لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا (5) الحج) أو (إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17) لقمان) (إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43) الشورى) وهكذا. إذاً هذه الفاء صورة كاملة.
يقول القرآن الكريم (لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (114) النساء) فسوف بالفاء سوف نؤتيه أجراً عظيماً (فسوف)، مثلها (إنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (145) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (146) النساء) (وسوف) ما الفرق؟ لماذا الأولى فسوف وهذه وسوف؟ حينئذٍ تعرف أنت لما رب العالمين يقول أن كل من يفعل هذا الأمر بالصدقة والأمر بالمعروف وإكرام الناس والعفو عن الناس رب العالمين يرتب على هذه السجايا والصفات أنه سوف يؤتيهم أجراً عظيماً (فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا)
د. نجيب: لكن طبيعة الإنسان يتعجل ويريد الأجر السريع
د. الكبيسي: ولهذا رب العالمين قال (فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا).
راقية من دبي: أنا من فترة طويلة وبالأخص لاحظتها بعد وفاة والدتي أعاني من كرب حزن شدة مرض حاجة يعني كل شيء ممكن يخطر ببالك أصابني يعني قد تنفرج للحظات وترجع تضيق بي الدنيا يعني حتى أحس الناس انفضوا من حولي من كثرة الضيق الذي عندي والسلبية والشدة والكرب الذي أنا فيه واستخدمت كل الوسائل قرأت سورة البقرة، العلاج بالرقية، قيام الليل إلى درجة مرات أصل إلى اليأس أنه أنا عملت شيئاً وربي يعاقبني عليه بهذا كله لأنه طالت الفترة تقريباً فوق سبع سنين ولا تنفرج ما نصيحتك يا والدي؟
الإجابة: أولاً أنت يبدو الله أعلم أن الذي عندك حَزَن وليس حُزناً هذا واحد. ثانياً يا بنتي أقول لك شيء أنا عمري الآن تقريباً حوالي الثمانين ووالله أذكر اليوم الذي أخذتني فيه أمي للمُلّا على الكتاب نقرأ القرآن والله كأنها ثمانين يوماً فالحياة قصيرة ولهذا (وَإِنَّ الدَّارَ الْآَخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (64) العنكبوت) أي الحياة المطلقة، هذه حياة نسبية حياة مزيفة اصطناعية هناك الحياة المطلقة. والله يا بنتي يقول النبي صلى الله عليه وسلم وهو أصدق القائلين (يقول ليأتينّ على أهل البلاء يومٌ يتمنى أحدهم لو ضاعف الله عليه البلاء لما يرى من جزيل الثواب) لو تعرفين رب العالمين كم سيخبئ لك يوم القيامة تقولين يا ربي يا ريت ضاعفت العذاب عليّ ولهذا كان الصالحون ولا يزالون يفرحون بالبلاء كما نفرح نحن المساكين بالنعمة فأنت افرحي أن الله اختارك (إذا أحب الله عبداً ابتلاه) فما بالك بامرأة يحبها الله عز وجل؟! ماذا أفعل لك إذا كان ربنا بيحبك!! حينئذٍ يا بنتي والله الذي فيك سيجعلك يوم القيامة في مصاف النبيين والصديقين والشهداء والصالحين والحياة رايحة رايحة كم عمرك؟ ارجعي إلى طفولتك كم المسافة بين طفولتك والآن؟ يا بنتي هذا سيدنا نوح عاش ألف سنة (قال له رب العالمين: يا أطول الأنبياء عمراً كيف رأيت الدنيا؟ قال: والله يا ربي كأنه بيت له بابان دخلت من أحدهما وخرجت من الآخر) وأنا الآن أشعر بذلك كأن السبعين ثمانين سنة التي راحت كأنها دخلت من باب وخرجت من باب، إذاً نحن قامت قيامتنا (إذا مات العبد قامت قيامته) فالقيامة بيننا وبينها شهر سنة سنتين ثلاثة أربعة ستدخلين هناك (وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا (20) الإنسان) وبالتالي أنت ما الذي يؤلمك؟ في هذه الفتن التي نحن فيها والله اسمعي بصراحة ما في عبادة تنجينا أبداً عباداتنا كلها مضروبة ومتخلفة وتقليد لكن هذا البلاء هذا الذي ما فيه نقاش بلاء رغم أنفك تدخلين الجنة (عجبت لمن يدخل الجنة رغم أنفه) فابشري بالخير وتوكلي على الله وافرحي بهذا البلاء. يا بنتي من الناس من هو أعمى عاش طول عمره أعمى ويقول الحمد لله، هناك من الناس من هو مشلول يقول الحمد لله، هناك مدن أبيدت مثل هيروشيما وناكازاكي والفلوجة وبورسعيد وكابول أبيدت والمعوقين فيها بالملايين يقولون الحمد لله مقطعة أوصالهم فمن نحن إذاً؟ولهذا كما يقول المثل الدارج الذي يرى مصائب الناس تهون عليه مصيبته. يا بنتي احمدي الله على هذا أنت أولاً يكفيك انك في الإمارات يكفيك هذا أمن بلد على وجه الأرض هذا وأعدل بلد على وجه الأرض هذا وأنعم بلد على وجه الأرض هذا لن يهلك فيه أحد ولن يجوع ولا يعرى ولا يظلم فيه أحد وجودك هنا نعمة، وأنا قلت مرة ليس بعد الإمارات إلا الجنة أين تذهبين؟ العراق خربان مصر تعبانة سوريا هلكانة أين تروحين؟ على الجنة على طول وحينئذٍ يا بنتي تلمسي نعم الله عليك ومن حولك عندك عينان وعندك سقف وعندك عشاء إذا عندك أولاد أمامك صحيحين تمشين بالشارع آمنة والله العظيم كل يوم في دبي يساوي 5000 سنة في الفلوجة أنت في نعمة احمدي الله على أنك في دبي يكفي هذا أما الهمّ والغمّ الذي تحسينه من الذي ليس به همّ وغمّ؟
لم يَخْلُ من نَكَدِ الأيام ذو نَفَسٍ حتى الحجارة أبلاها بنقّار
هذا الهمّ قانون. الأنبياء والملوك والله والعظيم الملوك لو ترين حالهم تبكين عليهم ولولا أن الله جَمّل الملك ما أحد يقبل فيه من كثرة ما فيه من هموم وتعب وسهر وعناء ونكد وأعداء وجواسيس وأشكال وألوان. حينئذٍ أنت بخير ونعمة إذاً عددي نِعَم الله عليك، ما في إنسان ما عنده جانب يعني لو خيروك بين هذا الذي فيك أو العمى؟ ما في واحد ما صادف في حياته أربع خمس عميان عمك، خالك، صديق، جار وقاعدين ويقرأون قرآن ويشتغلون ويضحكون ويتزوجون وهو بدون عينان ومحمد صلى الله عليه وسلم سماهم الحبيبتين (من أخذت حبيبتيه فحمدني خيرته من أي أبواب الجنة…) أنت عيناك تبصران ترين الجمال وأولادك والحديقة ما الذي بك؟ من الذي ليس به همّ؟ تعالي لأخبرك الهموم التي عندي، لا أحد بدون همّ فتوكلي بالله يا بنتي أنت بخير ونعمة.
نرجع على (فلسوف) (قَالَ آَمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (49) الشعراء) اتخذ القرار وجاء بالحرس يعني القضية واقعة (فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ) وفعلها. إذاً هذه الفاء واللام فاء الارتباط السببية والترتيب واللام للتأكيد. وحينئذٍ (فلسوف) لا تصبح فسوف ولا سوف لأنه باشر وضع الحرس حولهم ولولا أن الله أمر موسى أن يدخل بالبحر كان ذبحهم كلهم لكن رب العالمين رحمهم قال له خذ جماعتك واهرب بهم على البحر وانتهينا (اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ (63) الشعراء) من كان يخطر بباله بحر يجمد إلا لموسى! إذاً قال (فلسوف) لأنه حضر الجماعة والحرس الذباحين فرعون عنده ناس يذبحون الناس بالسكاكين جيش فرقة كاملة كل ما وجدوا ولد من إسرائيل ذبحوه وكل من يتعدى على الملك يذبحوه ذبحاً كما يفعلون القاعدة بالفلوجة يذبحون الناس ذبحاً ويصيحون الله أكبر كما في الصومال وأفغانستان ناس تذبح ناس كالخراف ويصيح الله أكبر ولعنة الله عليهم أجمعين وكلها شركة مساهمة إسرائيلية إيرانية أمريكية هكذا كانوا ذباحين فرعون والفراعين في كل الدنيا. في كل الكون أنواع الفراعين من أجل هذا قال (فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) يا الله! يا لدقة القرآن الكريم! يعني شيء انتهى يعني قُرِّر لكن رب العالمين قال (فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (63) الشعراء) هذه (فلسوف). وهكذا هذه الفاء واللام والواو وهذا القرآن الكريم كقوله تعالى (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى) وهذا فعلاً قرر انتهى ثبت يعني أنت عند الملك قال لسوف أعطيك سيارة هي عند الباب فقط قم اركبها، (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى) فقال النبي صلى الله عليه وسلم (ولا أرضى وواحد من أمتي في النار) فقال له لن يبقى واحد في النار يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله،
د. نجيب: وكذلك قال القائل وهو يتمثل أنه يساق إلى النار فالتفت إلى الوراء وقال:
أترضى حبيبي أن تكون مُنعّماً ونحن على جمر اللظى نتقلّبُ
ألم يعطك الرحمن في سورة الضحى فحاشاك أن ترضى وفينا مُعَذّبُ
كأنك تشير إلى أن الأمراض النفسية التي هي من نتائج الهمّ والحَزن وبقية الأمراض النفسية التي هي نتيجة الحَزن والحُزن والهم والغم لا دواء لها إلا بذكر الله (أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28) الرعد). باسمكم جميعاً أقدم الشكر الجزيل لشيخنا العلامة الأستاذ الدكتور أحمد الكبيسي حفظه الله على هذه الفرائد والفوائد القرآنية التي فرّق بينها والتي لعلها لا تخطر على بال فجزاه الله سبحانه وتعالى عنا كل خير. ولعلنا نعود ونقرأ القرآن الكريم بعد هذه الحلقات وكأنما نقرأه لأول مرة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بُثّت الحلقة بتاريخ 10/6/2010م وطبعتها الأخت نوال من السعودية جزاها الله خيراً وتم تنقيحها
=================================
من قسم الفيديو
http://www.islamiyyat.com/video.html?task=videodirectlink&id=2197
على
تحميل الحلقة صوتيا mp3 ( بحجم 6 ميجا تقريباً )
على