تابع سورة الحديد
(وَمَا لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (8))
نظرة عامة على الآية:
(آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ (7)) إذن كانت الآية طلب الإيمان بالله والرسول r (آمنوا بالله ورسوله) ثم قال تعالى (وما لكم لا تؤمنون) أي كيف لا تؤمنون؟ طلب منهم الإيمان، لماذا لا تؤمنون بالله والرسول r موجود وجاء بالآيات البينات والدلائل الواضحة أنه رسول من عند الله، (وقد أخذ ميثاقكم). كيف لا تؤمنون بالله؟ هذا إستفهام (ما في (وما لكم لا تؤمنون) إستفهامية) يدعو للعجب كيف أنه مع دواعي الإيمان المتكاثرة والموجودة، كيف لا يؤمنون؟ مع كل الأمور التي ذكرها في الآية ذكر الرسول r يدعوهم ليؤمنوا بربهم. ثم (وقد أخذ ميثاقكم) فيها أمر: كيف أخذ ميثاقنا بالإيمان؟ يقال الله تعالى أخذ ميثاقنا بشيئين، والميثاق هو العقد والعهد. أولاً أخذ ميثاقنا بما أودع في عقولنا أنه إذا نظرنا في الآيات الكونية ستفضي بنا حتماً إلى الإيمان بالله تعالى، وما في الآيات من الدلائل الكونية أودع في عقولنا، في المحاكمات العقلية، العقل الذي أودعه الله يحكم. الميثاق، وضعه فيك أنك إذا نظرت في هذا الكون واستعملت عقلك حتماً سيفضي بك إلى الإيمان، هذا ميثاق عقلي. والميثاق الآخر ميثاق فطري، إن الله تعالى وضع في فطرة الإنسان إعتراف بوجود الله وأن الله خالقه ويظهر هذا الأمر إذا وقع الإنسان في ضائقة لا يستطيع أن ينجو منها أو وقع في كرب يقطع الأمل في الأسباب عند ذلك يقول: يا رب. صوت الفطرة الذي أودعه الله تعالى فيه سيظهر (وَإِذَا مَسَّكُمُ الْضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإِنْسَانُ كَفُورًا (67) الإسراء) (وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ (53) النحل). إذن هناك ميثاق عقلي في المحاكمة العقلية عند كل البشر مسلمهم وكافرهم لو أي إنسان فكر بتجرّد وحيادية تامة في هذا الكون وينظر في هذا الكون وما فيه ويتفكر بما فيه من أمور ودقائق وما إلى ذلك من غايات مرسومة موجودة بحيث إذا كان ينظر في نفسه (وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (21) الذاريات) ينظر كل أجهزته موضوعة لغايات مرسومة، كل جهاز من أجهزته موضوع لغاية ويقوم بغاية مرسومة يؤديها، هذا ميزان عقلي في المحاكمة (أفي اللّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ (10) إبراهيم) هذا أمر عقلي يعني المحاكمات العقلية تفضي بك إلى الإيمان ما دمت في حيادية تامة. أيضاً الفطرة مغروسة فيك ويظهر هذا في مواطن وعند ذلك مسلمهم وكافرهم وملحدهم ومن الملحدين من وقع في مأزق كبير ثم يلجأ إلى الله . إذن أخذ الله تعالى منا ميثاقين: ميثاق السماع وهو الحجج البينة التي جاء بها الرسول r ونظرت في هذه الحجج وحاكمتها تفضي بك إلى الإيمان. السمع والعقل والمنطق والفطرة كلها تدعوك للإيمان فكيف لا تؤمن إذن؟
سؤال من المقدم: كيف نفهم قوله تعالى (إن كنتم مؤمنين) والآية بدأت (وما لكم لا تؤمنون)؟
سؤال من المقدم: ما دلالة استعمال لفظة (بربكم) ولم يقل تؤمنوا به في الآية (وَمَا لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ)؟
(هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ (9)) الرب مهمته الهداية فلما قال يخرجكم من الظلمات إلى النور أي يهديكم وكثيراً ما يقترن لفظ الرب بالهداية في القرآن الكريم (إني ذاهب إلى ربي سيهدين) (قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62) الشعراء) (الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ (6) الفاتحة).
إستطراد من المقدم: ما الفرق بين كلمة الله والرب من حيث اللغة والدلالة؟
(وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاء إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (84) الزخرف) صارت إسم جنس لكن الله إسم علم بهذه الوضعية. والمشركون إستخدموا كلمة إله واستخدموا كلمة الله (مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى (3) الزمر) (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ (38) الزمر).
(قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ (50) يوسف) يجوز أن يقال رب البيت ورب الدار وتضاف أيضاً فيقال رب العالمين، رب السموات.
سؤال من المقدم: لماذا لم يقل (تؤمنوا بالله) جمع دلالتين لو قال بالله تعود نفس الكلمة ولكنه جمع أمرين في الآية: أنه الله وأنه الربّ لأن قسم يأخذون أرباباً متفرقين من دون الله لكن يقول هو الله وهو الرب يجمع دلالتين لو قال (به) تعود الكلمة نفسها. جمع معنيين هو الله وهو ربكم لا تتخذوا رباً غيره، فرعون قال (فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (24) النازعات) (أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (39) يوسف). إذن هو الآن جمع دلالتين لما قال (الله، ربكم) في الآية فهو الله وهو ربكم ليس لكم رب غيره. بينما في قريش يعترفون بالله ويتخذون أرباباً من دون الله. هو الله وهو الرب واحد، وهو الذي يخرجكم من الظلمات إلى النور، يهديكم والرب هو المرشد والهادي، وهو تعالى قال: يخرجهم من الظلمات إلى النور يعني يهديهم وأنسب شيء في هذا المقام أن يستخدم كلمة رب.
سؤال من المقدم: ما دلالة إن كنتم مؤمنين في الآية بعد قوله وما لكم لا تؤمنون؟
r؟ تضافرت الدوافع العقلية والسمعية أنتم يا بشر كيف لا تؤمنوا؟
(إن كنتم مؤمنين) متعلقة (أخذ ميثاقكم) الرسول r يدعوكم وقد أخذ ميثاقكم فإن كنت تريد الإيمان ما الذي سيأتي بك إلى الإيمان؟ إما أن يكون منطق عقلي أو سماع الحجج التي يأتي بها الذي يخاطبك والرسول r يأتي بالحجج التي تدل على أنه رسول من عند الله وليس من عند نفسه ومن الناحية النفسية والفطرة إرجع إلى نفسك كيف لا تؤمن؟ إن كنت تنوي الإيمان إذن ما هي الأشياء التي تأتي بك إلى الإيمان؟ عقلك؟ موجود، نفسك؟ موجودة، الحجج؟ موجودة، والذي ينظر فيما جاء به الرسول r من الحجج ملزمة لا تقبل الشك. والله تعالى هو الذي أخذ ميثاقهم (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172) الأعراف) هو أودع فينا الميثاق في عالم الذر أودع في عقولنا بأن نحاكم ونقبل وأودع في نفوسنا سماعاً مؤيداً بالحجج، عقل في النظر والنفس.
سؤال من المقدم: ما فائدة (قد) مع الفعل الماضي في (وقد أخذ ميثاقكم) هل تفيد التأكيد؟
(يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ (26) الأعراف) (قد) هنا لا فيها توقّع من بني آدم ولا فيها تقريب لكن فيها معنى التحقيق. (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ (123) آل عمران) فيها توقّع لأن الله تعالى وعدهم بالنصر (وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ (7) الأنفال) وفيها تقريب. التحقيق لا يفارق (قد). إذا دخلت على الفعل المضارع قد يكون للتحقيق والتكثير. (قد) حرف وإعرابها حرف تحقيق مبني (سائر الحروف مبنية).
سؤال من المقدم: ماذا ينقصنا لنتعلم العربية حق التعلم؟
إستطراد من المقدم: يسأل المشاهدون من أين يأتي الدكتور فاضل بهذا الكلام؟ وهل هناك كتاب موجود يتناول هذه اللمسات؟
سؤال من المقدم(هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ (9)) رؤوف رحيم ترد في القرآن معاً فهل وردتا متفرقتين؟ وما الفرق بين الرؤوف والرحيم؟
(هو الذي ينزل على عبده) هو أي هو لا غيره. واختار كلمة عبد وأضافه إلى ضميره وهذا فيه تكريمان: الأول إختيار كلمة (عبد) لأن الله تعالى في القرآن الكريم لما يذكر (عبد) يذكره في مقام التكريم لأن العبودية نوعان في القرآن الكريم: العبودية الإختيارية والعبودية القسرية. العبودية الإختيارية هي أن الإنسان يختار أن يكون عبداً لله مطيعاً له وبهذا يتفاضل المؤمنون. ففي مقام مدح نوح u قال تعالى (ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا (3) الإسراء) أثنى على نوح وصفه بالعبودية. وقال تعالى (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً (1) الإسراء) وصفه بالعبودية (وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا (19) الجن). أما العبودية القسرية فليس فيها فضل لأنه رغم عن الإنسان نحن كلنا عباد الله شئنا أم أبينا (إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93) مريم) عبادة قسرية رغماً عنا، الله تعالى يرزقنا ويختار لنا المكان الذي نولد فيه ويختار الأبوين ويعطينا إمكانيات ونعيش في السنن التي وضعها لا نتجاوزها هذه عبادة قسرية شئنا أم أبينا ليس فيها فضل وكل الناس هكذا (أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاء أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ (17) الفرقان) هذه عبودية قسرية ليس فيها فضل وقمة العبودية هي العبودية الإختيارية وحتى الأنبياء يتفاضلون في عبوديتهم لله سبحانه وتعالى (نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (30) ص). فكلمة عبد وسام للشخص من الله تعالى فإذا أضافها إلى ضميره (عبده) نسبه إليه إذن فيها تكريمان لأنه لما ينتسب العبد إلى الله تعالى يكون في حمايته. فقال تعالى (هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ) فيها ثلاث تكريمات: هو الذي ينزل على عبده لا غيره، وعبده، وآيات بينات. لماذا؟ ليخرجكم من الظلمات إلى النور، إذن هو الذي ينزل ويخرجكم من الظلمات. وكلمة (عبده) المقصود بها رسول الله r ووصف الآيات بأنها بيّنات ظاهرات بحجة والدلالة واضحة . آيات مقصود بها القرآن الكريم.
r يُخرِج لأنه هادي. (يخرجكم) يحتمل أن يرجع إلى الله تعالى وأن يرجع إلى الرسول r وكلاهما صحيح. قال تعالى (ليخرجكم من الظلمات إلى النور) يجمع القرآن دائماً الظلمات ويٌفرِ النور لأن الظلمات مصادرها متعددة أما النور مفرد وليس له إلا سبيل واحد وهو الطريق النازل من السماء. ليس هناك هداية على الحقيقة إلا ما جاءت به الرسل. أما الظلمات متعددة الشيطان والنفس وغيرها، لذلك الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم يجمع الظلمات في القرآن ويفرد النور.
سؤال من المقدم: قال تعالى في أول الآية: هو ثم عبده، وفي نهاية الآية قال: إن الله بكم لرؤوف رحيم فلماذا لم يقل مثلاً إنه بكم لرؤوف رحيم؟ وما الفرق بين الرحمة والرأفة؟
الفرق بين الرأفة والرحمة: الرأفة أخصّ من الرحمة والرحمة عامة. الرأفة مخصوصة بدفع المكروه وإزالة الضرر والرحمة عامة (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ (107) الأنبياء)، (فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا (65) الكهف) ليست مخصوصة بدفع مكروه. تقول أنا أرأف به عندما يكون متوقعاً أن يقع عليه شيء. الرحمة عامة (وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا (48) الشورى) فالرحمة أعمّ من الرأفة. عندما نقول في الدعاء يا رحمن ارحمنا هذه عامة أي ينزل علينا من الخير ما يشاء ويرفع عنا من الضر ما يشاء وييسر لنا سبل الخير عامة.
استطراد من المقدم: هل أفردت الرأفة عن الرحمة في القرآن؟
(وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ (207) البقرة) وفي سورة آل عمران (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَاللّهُ رَؤُوفُ بِالْعِبَادِ (30)) ما قال تعالى رؤوف رحيم.
(وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ (205) وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ (206) وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ (207) البقرة) السياق لا يحتمل رحمة لما يقول (فحسبه جهنم) كيف يناسب الرحمة؟ لا يناسب ذكر الرحمة. في الآية الثانية قال تعالى (لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللّهِ (28) آل عمران) مقام تحذير وليس مقام رحمة ولا يتناسب التحذير مع الرحمة لأن التحذير يعني التهديد. فقط في هذين الموضعين والسياق اقتضاهم أفردت الرأفة عن الرحمة.
سؤال من المقدم: ما دلالة التوكيد بـ (إنّ) واللام في هذه الآية (وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ)؟
(وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ (143) البقرة) أكّد. (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (19) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّه رَؤُوفٌ رَحِيمٌ (20) النور) ما أكّد. في الآية الأولى كانوا في طاعة (وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ) ويقولن هذه الآية نزلت لما تحولت القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة تساءل الصحابة عن الذين ماتوا هل ضاعت صلاتهم؟ وهل ضاعت صلاتنا السابقة؟ سألوا عن طاعة كانوا يعملون بها فأكدّ الله تعالى (إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) أما في الآية الثانية فهم في معصية (يحبون أن تشيع الفاحشة) فلا يحتاج إلى توكيد. في تعداد النعم ( ألم تر أن الله سخر إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) لما هم في طاعة يؤكد ولما يكون في معصية لا يؤكد. ولم يقل في القرآن (والله رؤوف رحيم) أبداً إما مؤكدة باللام و(إنّ) أو (رؤوف بالعباد).
استطراد من المقدم: هل قدمت الرحمة على الرأفة في القرآن؟ وهل جاءت رحيم رؤوف؟ لم ترد رحيم رؤوف في القرآن ووردت فقط رأفة ورحمة (وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا (27) الحديد) لكن ليس بهذه الصيغة. حسب السياق الذي ترد فيه أحياناً من الخاص إلى العام وأحياناً من العام إلى الخاص.
أسئلة المشاهدين خلال حلقة 26/3/2007م:
-
(وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِنْ جُندٍ مِّنَ السَّمَاء وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ (28) يس)؟
-
(وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِّمَّن يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ (83) (قَالَ أَكَذَّبْتُم بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا أَمَّاذَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (84) النمل) (خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ (37) الأنبياء) (لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا) (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ (22) السجدة) وفي قوله تعالى في قصة إبراهيم u (وَتَرَكْنَا فِيهَا آيَةً لِّلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (37) الذاريات) لم يرد العذاب الأليم في بقية الأقوام في تحديد الآية فما الحكمة من تحديد نوع الآية التي تركها الملائكة في قصة إبراهيم u (وَتَرَكْنَا فِيهَا آيَةً لِّلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (37) الذاريات)؟
-
(سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً (1))؟
-