لمسات بيانية, لمسات بيانية - حلقات

لمسات بيانية – الحلقة 77

اسلاميات

الحلقة 77

تابع سورة لقمان

(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (29))

فكرة عامة عن الآية وموقعها في السياق: الآية الكريمة وهي قوله تعالى (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (29)) هو ذكر في السورة قبل هذا الموضع خلق السموات وذكر ما يتعلق بالأرض على العموم من إلقاء الرواسي وغيرها (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ (10)) فذكر خلق السموات والأرض على العموم وما ألقى في الأرض ثم ذكر تسخير ما فيها على العموم أيضاً (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ (20)) إذن ذكر الخلق وما أودع فيهما على العموم وذكر ما فيهما على العموم وهنا ذكر تسخير بعض ما فيهما هناك تسخير ما فيهما (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ) على العموم وهنا ذكر تسخير بعض ما فيهما يعني قال (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ) هذه بعض ما في السموات ليس الكل، هناك تسخير عام وهنا تسخير خاص، وبعدها قال (أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ (31)) وهناك تسخير بعض ما في الأرض. هناك لما قال (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ) وهنا ذكر بعض ما في السموات ثم قال (أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ) هذا بعض ما في الأرض. إذن ذكر العموم في الخلق والتسخير ثم انتقل إلى الخصوص فذكر بعض ما فيهما وهو تسخير الليل والنهار والشمس والقمر من بعض ما في السماء وقال (أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ) هذا بعض ما في الأرض. إذن ذكر العموم ثم انتقل إلى الخاص، هكذا المنهج الذي سار عليه في كيفية ترتيب الآيات.

سؤال من المقدم: هنا قال ألم تر بالمفرد وقبلها قال ألم تروا بالجمع فلماذا؟

ننظر في السياق الذي يوضح لنا الإجابة. أولاً السياق في الآية الأولى بالجمع (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (10) هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (11)) إذن الخطاب هو في الجمع فقال ألم تروا. هذا الآية في خطاب المفرد (وَمَنْ كَفَرَ فَلَا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (23) نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ (24) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (25)) فقال ألم تر أن الفلك مفرد، السياق هناك في الجمع وهنا في سياق الإفراد، هذا يسمى تحوّل في الخطاب من الجمع إلى المفرد. ذكر أولاً ما في السموات وما في الأرض على العموم فلما ذكر ما في السموات وما في الأرض على العموم خاطب على العموم فقال (ألم تروا) بالجمع ولما ذكر بعض ما فيهما خصص فقال (ألم تر أن الله). إذن لما عمم جمع ولما خصص أفرد، لما ذكر العموم خاطب الناس على العموم ولما ذكر قسماً منهم خاطب بالإفراد فناسب بين الإفراد والإفراد والعموم والعموم. (ألم تروا) الخطاب هنا لكل واحد يرى لكل مخاطَب يصلُح أن يُخاطَب مؤمناً كان أو كافراً، المؤمن يزيد إيمانه والكافر لعله يتفكّر.

سؤال من المقدم: ما دلالة تقديم الليل على النهار في قوله تعالى (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ)؟

الليل أصلاً أسبق من النهار في الوجود لأنه قبل خلق الشمس كان كله ليل. قبل خلق الشمس كان ليلاً حتى المفسرون القدامى قالوا الليل هو الأصل بدليل قوله تعالى في سورة يس (وَآَيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ (37) يس) أي النهار هو كالغلاف، نسلخ يعني ننزع النهار فيصير ليل فإذا هم مظلمون. الأصل هو الليل والنهار هو غلاف ولو سلخنا النهار يصير ليلاً. (وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا مِّنَ السَّمَاء فَظَلُّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ (14) لَقَالُواْ إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُون (15) الحجر) إذا خرج أحد من الغلاف الأرضي لا يرى شيئاً وسيكون في ظلام دامس وهذا من الإعجاز العلمي، إذا صعد فوق الغلاف الجوي يصير ظلاماً دامساً ولا يبصر فالليل هو الأصل ولذلك قدم الليل. يولج يعني يدخل، في القرآن الكريم حيثما ورد الليل والنهار قدم الليل على النهار وكذلك تقديم الشمس على القمر، تقديم الليل لأسبقيته في الوجود. وكذلك القمر وجوده وقالوا القمر هو من الأرض أصلاً والأرض هي من الشمس (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا (30) الأنبياء) رتقاً بمعنى ملتصقتين والفتق الإبعاد بينهما كما قال الشاعر: فهي بنت الشمس أُمُّ القمر. إذن هذا التقديم مقصود بحد ذاته داخل القرآن. إذا قال يولج الليل في النهار لا يُفهم منها أنه يولج النهار في الليل لأن النهار قد يقصر وقد يطول والليل أيضاً قد يقصر وقد يطول فهو يولج هذا في هذا ويولج هذا في هذا الليل يدخله في النهار والنهار يدخله في الليل وهذا حاصل في كل لحظة وفي كل وقت الليل يأخذ من النهار والنهار يأخذ من الليل. عندما يولج النهار في الليل يصبح الليل أطول وبالعكس لما يولج الليل في النهار يصير النهار أطول في الصيف النهار أطول لأنه يأخذ جزءاً من الليل وهذا من جملة ما ذُكِر. ليس هذا فقط وإنما هو في كل لحظة يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل لأن الأرض كروية ففي كل لحظة ينتقل الليل والنهار في بقاع الأرض مرة يكون ليلاً ومرة يكون نهاراً، التي كانت ليلاً أصبحت نهاراً والتي كانت نهاراً أصبحت ليلاً فهو في كل لحظة يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل ومن هذا نفهم رب المشرق والمغرب، رب المشرقين ورب المغربين، رب المشارق والمغارب، (رب المشارق والمغارب) من جملة ما ذكر فيها أن مشارق الشمس تختلف على مدار السنة في كل يوم تشرق الشمس من مكان وتغرب في مكان آخر ومنها قالوا مشارق الكواكب وليس فقط الشمس فالشمس لها مشارق ولها مغارب في كل يوم بل في كل لحظة فيها مشرق ومغرب لأنها في كل لحظة تشرق في مكان وتغرب في مكان على مدار السنة إذن هي مشارق ومغارب للشمس في كل لحظة وعلى مدار السنة وكذلك الكواكب فيها مشارق ومغارب، المشرقين والمغربين في السنة الصيف والشتاء لأنه في السنة مرتين تأتي لنفس الموضع تشرق من نفس المكان وتغرب في نفس المكان والمشرق والمغرب على العموم.

سؤال من المقدم: ما الفرق بين يولج الليل ويكور الليل؟

الله تعالى يولج ويكور والتكوير استدل به ابن حزم على كروية الأرض وليس فيهما إشكال وإنما هذا زيادة في الإعجاز.

سؤال من المقدم: قال تعالى (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى) يولج جاءت بالفعل المضارع ومع الشمس والقمر جاء بالماضي فما دلالة تغير الزمن؟

الفعل المضارع مع يولج لأنه يتجدد، الإيلاج يتجدد في كل لحظة والتسخير ربنا منذ خلقها سخّرها وليست هي كل لحظة مسخرة ابتداءً، بينما يولج في كل لحظة وفي كل يوم هو يولج فالمضارع يفيد التجدد والاستمرار أما سخرها فمنذ خلقها سخرها الله تعالى وهذا أنسب تعبير ولو قال يسخر الشمس والقمر لفهم أنه كل يوم يسخِّرها.

سؤال من المقدم: قال تعالى (وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ) ولم يقل سخر لكم كما جاء في آية قبلها (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ (20))؟

تلك في مقام تعداد النعم (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ (20)) أما هذه الآية ففي سياق إظهار الآيات (أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُم مِّنْ آيَاتِهِ (31)) فلما كان السياق في تعداد النعم على الإنسان قال (سخر لكم) ولما كان الكلام لمطلق القدرة وليست لها علاقة بالنعم قال (سخر). لما يقول (وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ) عامة وليست في باب تعداد النعم. قال (وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى (29)) ذكر أن لهما أجلاً مسمى وهذا لا يناسب النعم لأن من تمام النعم الدوام بينما في الثانية ذكر انقطاع ولذلك للعلم حيثما قال (سخر الشمس والقمر) لم يقل إلى أجل مسمى في جميع القرآن مما يُفهم دوام النعمة لأنه لا يناسب الإنقطاع مع دوام النعمة ولذلك لم يرد في القرآن سخر لكم مع أجل مسمى مطلقاً لأن فيها إشعار بالإنقطاع. (وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ) يحدد معها إلى أجل مسمى أما (سخر لكم) فلأنها في تعداد النعم لا يقول فيها أجل مسمى.

سؤال من المقدم: (كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى) عدى الفعل بإلى مع أنه في مواطن أخرى عداه باللام (كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُّسَمًّى (13) فاطر)؟

القدامى لفت انتباههم هذا الأمر طريقة تعدية الفعل بإلى واللام. (إلى) تفيد الإنتهاء، (اللام) قد تفيد الإنتهاء وقد تكون للتعليل قد تكون للغرض لغرض الوصول وبيان العلّة. مثال: أدرس لأنجح هذه اللام لبيان العلة والسبب، تأتي اللام بمعنى الإنتهاء والأصل أن دلالة (إلى) الإنتهاء واللام قد تأتي للانتهاء وقد تأتي للملك والاختصاص و للتعليل. قال القدامى حيث ورد فيها التنبيه على الإنتهاء والحشر يوم القيامة جاء بـ (إلى) وحيث كان الكلام على بداية الخلق يأتي باللام. قال (كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى) هذه الآية في لقمان وقال قبلها (مَّا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (28)) وبعدها (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ (33)) الكلام عن الحشر، بينما في فاطر (يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُّسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ (13)) هذه بدايات الخلق، الكلام في بدايات الخلق فقال (لِأَجَلٍ مُّسَمًّى)، أما في آية لقمان يتكلم عن الآخرة فقال (إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى). عندما يذكر نهاية الخلق يكون أقرب، الأجل سينتهي إلى أجل مسمى، هو ذكر انتهاء الغاية وذكر الحشر هو انتهاء الغاية فعندما ذكر انتهاء الغاية من حياة الناس يذكر (إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى) وعندما يذكر بداية الخلق وليس انتهاء الخلق، مع البداية يذكر اللام وعندما يذكر النهاية يذكر الانتهاء (إلى). (إلى) هي الأصل في معناها الأساسي، واللام للشبه والملك ولها كثير من المعاني

واللام للمِلْك وشبهه وفي   تعدية أيضاً وتعليل قفى وزيد

حتى في فاطر (وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12)) هذا ليس في نهاية الخلق وبعدها (يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُّسَمًّى (13)) الكلام ليس في نهاية الخلق. عندما يذكر الإنتهاء يذكر (إلى) وعندما بدايات الخلق لا يأتي بـ (إلى) وإنما يأتي بما يدل على الغرض والتعليل.

سؤال من المقدم: ختمت الآية (وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) فما دلالة تقديم العمل على الخبرة الإلهية؟

مر هذا السؤال معنا في سورة الحديد. هنالك قاعدة استنبطت مما ورد في القرآن الكريم: إذا كان السياق في عمل الإنسان قدم عمله (والله بما تعملون خبير) لو كان السياق في غير العمل أو كان في الأمور القلبية أو كان الكلام على الله سبحانه وتعالى قدّم صفة الله خبير (خبير بما تعملون). مثال: (إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْرٌ لُّكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (271) البقرة) هذا عمل، لما ذكر عمل الإنسان قدّم عمله (بما تعملون خبير)، (وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (10) الحديد) هذا عمل، قتال وإنفاق ختمها (والله بما تعملون خبير) لما ذكر عمل الإنسان قدّم عمله. (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (234) البقرة) هذا عمل فقدّم (والله بما تعملون خبير). (زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (7) فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (8) التغابن) هذا عمل أيضاً. (وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ (88) النمل) هذا ليس عمل الإنسان فقدّم الخبرة على العمل وقال خبير بما تفعلون. أو لما يكون الأمر قلبياً غير ظاهر (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18) الحشر) فهذا على العموم أنه إذا كان الأمر في عمل الإنسان قدم العمل وإذا كان في غير عمل الإنسان أو في الأمور القلبية أو عن الكلام عن الله سبحانه وتعالى يقدم خبير. العرب كان تعي هذه المعاني والقواعد من حيث البلاغة، البليغ هو الذي يراعي، هذه أمور بلاغية فوق قصد الإفهام يتفنن في صوغ العبارة ومراعاة البلاغة. على سبيل المثال عندما تضيف إلى ياء المتكلم (هذا كتابي، أستاذي، قلمي) بدون نون، بالنسبة للفعل تقول أعطاني، أضاف نون الوقاية، عموم الكلمات نأتي بنون الوقاية مع الفعل مثل ضربني وظلمني أما مع الإسم فلا تأتي هذه قاعدة وعموم الناس يتكلمون بها دون أن يفطنوا إلى أن هذا إسم وهذا فعل، الناس يقولونها وهي قواعد أخذوها على السليقة. الناس يتفاوتون في البلاغة العرب كلهم كانوا يتكلمون كلاماً فصيحاً من حيث صحة الكلام ولذلك يؤخذ من كلام المجانين عندهم لأن المجانين يتكلمون بلغة قومهم ويستشهدون بأشعار المجانين لأن كلامهم يجري على نسق اللغة أما البلاغة فمتفاوتة ويقول r: أنا أفصح من نطق بالضاد. صحة الكلام كل واحد يتكلم على لغة قومه أما من ناحية البلاغة فهناك تفاوت. الله تعالى تحداهم في البلاغة وفي طريقة النظم والتعبير وتحداهم بأن يأتوا بسورة والسورة تشمل قصار السور مثل العصر والكوثر سورة، الإخلاص سورة قبل التشريع وهناك إعجاز كثير في القرآن في الإخبار عن المغيبات والمستقبل وعندما تحداهم الله تعالى تحداهم بسورة ليس فيها تشريع وليس فيها إخبار عن الغائب أو عن الماضي.

(ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (30))

فكرة عامة عن الآية: ذكر أمور إيلاج الليل في النهار وصفات ربنا تعالى وما ذكر من إيلاج الليل في النهار وتسخير الشمس والقمر وما إلى ذلك هذا كله سبب أن الله هو الحق الموجد الأول الذي أوجد هذا الكون. (ذلك) تعود على ما ذكر سابقاً، كيف حصلت؟ لأن الله الموجد الأول هو الذي فعّل ذلك هو الحق، وما يدعون من دونه الباطل لأنه لا يمكن أن تصنع مثل ذلك وما أمر به ونهى عنه هو الحق لأن ربنا لما كان هو الحق المبين فما فعله هو الحق ليس الباطل وما أمر به هو الحق وكل أوامره ونواهيه لازمة بسبب أنه الحق، فهو الحق تعليل لكل أفعاله وصفاته وتعليل للزوم طاعته سبحانه لأنه الحق والإنسان ينبغي أن يطيع ما هو حق والله هو الحق أوامره هي الحق ينبغي أن يُطاع، صفاته هي الحق ينبغي أن يُعبَد، الله هو الحق ينبغي أن يُعبد. اختيار كلمة الحق تحديداً كل هذا التسخير معناه أن الله هو الحقيقة الوحيدة الموجودة في الكون المستحقة للعبادة وليس ما يدعون من دونه أصنام وتماثيل التي هي الباطل بعينه والله هو الحق وحده وليس هناك حق بمنزلة هذا الحق، الباقي حق بما خلقه ربنا الجنة حق والنار حق كون ربنا خلقها وأوجدها وهو الحق فهي حق.

سؤال من المقدم: كيف نفهم تعريف الحق والباطل في الآية؟

فرق بين أن تقول هو حق فيكون من جملة ما هو حق أنت قلت هذا تلفاز فهو حق وهذا وهذا قدح وهو حق، هو حق لكن ليس هو الحق، الحق الأول الموجب لجميع الأشياء والذي أفاض على كل الأشياء الموجودة بالوجود، هي حق لأن الحق الأول أوجدها والأرض حق والسموات حق والجنة حق والنار حق والنبيون حق وهذه مخلوقات لله تعالى وهي حق لأن الحق الأول هو الذي أوجدها لو لم يكن الحق الأول موجود لما وُجِد شيئ ولهذا تفرّد سبحانه وتعالى بالحق بالتعريف أنه هو الحق المطلق الواحد بهذا المعنى لا يتعداه. وأن ما يدعون من دونه من آلهة هو الباطل. الباطل بالتنكير على العموم والشمول لأنها بمقابل الحق سبحانه وتعالى ليست أن تقول هذه شجرة، هذا حيوان وهذا باطل، ليست بمنزلتها ولكن هذا جعل لله نداً وهو أعلى من منزلة الله (يدعون من دونه) هذا أكبر من الشرك فالشرك أن تجعل لله نداً كفار قريش مشركين لكن قالوا (ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى) أما هؤلاء يعبدون من دونه يعني جعلوا الله تعالى جانباً (من دونه لا تعني أقل منه، من دونه غير ممن هو دونه) هم لا يعبدون الله أصلاً يعبدون من دونه أي ينحّون الله جانباً جعلوه بإزاء الله سبحانه وتعالى هذا هو الباطل بعينه ولو قال باطل لكان من جملة ما هو باطن فأراد تعالى أن يفخم فعلتهم هذه فقال الباطل العبادة أعلى شيء لأنها الغاية من خلق المكلّفين (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) الذاريات). يدعون من دونه ويعبدون من دونه فهذه ليست مسألة جزئية، هذه مراعاة حالة محددة عند أناس كفروا بالله تعالى.

أسئلة المشاهدين خلال حلقة 3/12/2007م:

(فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ (13) المائدة) (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُواْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هِادُواْ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ (41) المائدة) فما الفرق بين الآيتين؟ الأولى كانت في أهل الكتاب الأوائل قبل الرسول r والثانية في الذين كانوا في زمن الرسول r (من بعد مواضعه) بعدما استقرت. هذا بشكل عام ونفصّل الإجابة فيما بعد إن شاء الله.

(وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ (27)) إلى الآية (فَبَعَثَ اللّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَـذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ (31)) وبعدها قال (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاء تْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (32)) ما الحكمة في ربط حالة أول قتل على الأرض ببني إسرائيل تحديداً مع أن هناك أمماً كثيرة حصل فيها قتل؟

(وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا (26) يوسف) ما هو إسم الشاهد الذي تكلم في المهد؟

(الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي (3) المائدة) ما الفرق بين الإكمال في الدين والتمام في النعمة؟

(إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء (48) النساء) هل هناك فرق بين المغفرة والتوبة؟

في سورة لقمان (وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13)) وصايا لقمان لابنه هذه أول وصية ثم بعد ذلك قطع الوصايا وقال (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ (14)) فلماذا دخلت الوصية من الله تعالى بين وصايا لقمان؟ خطر في بالي أنه كأن الله تعالى يقول لنا يا لقمان إن كنت وصيّت ابنك بنا أن يوحد اله فنحن أيضاً نوصي ولدك بك فأدخل الوصية للوالدين مباشرة بعد وصية لقمان لابنه فهل هذا التفسير صحيح؟

بُثّت الحلقة بتاريخ 3/12/2007م

2009-01-21 08:28:04الدكتور فاضل السامرائي>برنامج لمسات بيانيةpost