الحلقة 144
تابع سؤال: نتكلم عن مميزات اللغة العربية الفصحى ومقارنتها بما تحيا وسطه من لغات أخرى وما يكتنفها من بعض الكلام الذي قد يعمل على تشويه صورتها لدى أبناء اللسان العربي الواحد. من بعض مشكلات اللغة العربية المستحيلة أو التي لها حل لها هي صعوبة الإعراب فهل الإعراب ميزةٌ أم عَيْب؟ وإذا كان ميزة فلِمَ تكتنفه الصعوبة دائماً؟
في الحلقة المنصرمة كنا نتحدث عن جماليات اللغة العربية مقارنة باللغات الأخرى وتوقفنا عند تعدد الصور التعبيرية في اللغة العربية. وقبل أن نبدأ الحوار هنالك تساؤل في الأمثلة التي ذكرتها في الحلقة السابقة بخصوص هو يمشي، هو يمشي مشياً، ليمشي، ليمشينْ، ليمشينّ، يسأل عن المعنى والدلالة الخاصة بكل صورة.
نحن كان منهجنا فقط أن نبين صورة مجملة عن بعض المزايا في اللغة العربية التي لا يمكن أن تؤدى باللغات المعروفة المشهورة كالفرنسية والانجليزية وما إلى ذلك وإذا فقط نضرب أمثلة لأن هذا لا يعني كثيراً من المشاهدين ولكن مع ذلك نجيب على هذا السؤال الذي تفضلت به. نقول هو يمشي، ذكرنا في حينها هو يمشي، هو يمشي مشياً، ليمشي، ليمشين، ليمشينّ، هو مشياً، هو مشيٌ، لهو يمشي، إنه يمشي، صيغ توكيد أخرى قلنا كل هذه الصور يقابلها في الإنجليزية he walks . هو يمشي، يمشي فعل مضارع زمنه قد يكون الحال أو الاستقبال، إذن هو إخبار عن هذا الشخص صاحب الضمير بأنه يمشي، هذا المشي في الحال أو الاستقبال. يبقى هو يمشي مشياً الآن ذكرنا المفعول المطلق المؤكد وهذا كثيراً ما يرفع احتمال المجاز، كيف يرفع احتمال المجاز؟ لو قلت رأيت الأستاذ يركض ركضاً لما قلت يركض يعني يمشي مسرعاً لكن لما قلت يركض ركضاً رفعت احتمال المجاز أنه لا كان دون الركض ولكن يمشي مشياً مسرعاً إذن لما تأتي بها ترفع المجاز، هو يمشي مشياً، وهذه حصلت أمامي مرة في المستشفى كان هناك شخص نائم في المستشفى ستة أشهر لا يمشي كما سمعت وفي الصباح الذي كنت أنا موجود هناك بدأ يخطو فبدأ أهله يتصلون بأقاربه قالت ابنته هو يمشي، قالوا يمشي؟ قالت يمشي مشياً يعني ليس تجوزاً وإنما تأكيد، يعني يرفع احتمال المجاز يعني يمشي مشياً هو ما كان يستطيع أن يمشي كان مصاباً فبدأ يمشي فقلت هو يمشي هو يمشي مشياً هذا يرفع إحتمال المجاز يعني صار له معنى جديداً. هو ليمشي هذه اللام لام الابتداء، عند أكثر النحاة أن لام الابتداء تعين الفعل للحال بعد أن كان يحتمل الحال والاستقبال قالوا هذه تخصص الفعل المضارع بالحال وإن كنت أنا أذهب مع القلة الذين لا يقولون بهذا وأنا أقول أنها للتوكيد مع مذهب إبن مالك وجماعة لكن أكثر النحاة من الكوفيين وكثير من البصريين يقولون هذه اللام إذا قلت ليفعل تخصصه للحال بعد أن كان الفعل يحتمل الحال والاستقبال، إذن صار معنى جديد أو مؤكدة في كل الأحوال. ليمشينّ هذه للإستقبال قطعاً لأن نون التوكيد تصرف المضارع للمستقبل قطعاً (نون التوكيد الخفيفة والثقيلة) فيها استقبال وتوكيد هذا يطرح معنى جديد. ليمشينْ هذه توكيدها أخف من ليمشينّ لأن تكرار النون بمثابة تكرار التوكيد كما في قوله تعالى (لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ (32) يوسف) هذه معنيان كيف نعبرعنها في اللغات الأخرى؟! (لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا) هما ليسا بنفس المنزلة عندها وإنما تريد أن تؤكد على واحد منها وإلا لكانت استعملت تعبيراً واحداً تريده أن يكون مسجوناً وليس من الصاغرين، حرف يغير الدلالة بهذا المفهوم. هو مشياً نحن ذكرنا هو يمشي مشياً سابقاً، هو مشياً صار تغير كبير، هو مشياً هذه جملة (فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ (33) ص) هو مشياً هذه لا تقال إلا إذا كان يمشي مشياً متصلاً بعضه ببعض ابتداء من سيبويه لما تقول هو سيراً، زيدٌ سيراً، هذه تقال إذا كان زيد يمشي سيراً متصلاً بعضه ببعض، كثير، هو يمشي مشياً قد يمشي خطوتين ثلاثة ويتوقف، إذا حذفت الفعل وقلت هو مشياً بدل هو يمشي مشياً هذه لا تقال إلا إذا كان المشي متصلاً، تحمل استمرارية الفعل. هو مشيٌ الآن أصبحت هذا مجاز، هو مشياً حقيقة هذا تعبير حقيقي. نص المجاز على أنه لكثرة مشيه تحول إلى مشي هو صار مشي لكثرة ممارسته المشي تحول إلى مشي، هذا تعبير في القرآن (قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ (46) هود) إنه عمل ما قال إنه عامل أو يعمل أو إنه عمِل، أو ذو عمل، لا، تحول إلى عمل غير صالح، ابنك يا نوح تحول إلى كتلة عمل غير صالح، ذاك تعبير حقيقي هذا تعبير مجازي في القرآن موجود (وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى (189) البقرة) من اتقى شخص والبر مصدر (وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ (177) البقرة) من اتقى شخص والبر مصدر يعني البر لو تحول إلى شخص سيكون شخصاً متّقياً ولكن البر من آمن بالله، البر لو تحول سيكون هذا، لو تجسد البر سيكون بهذه الصفات. في الانجليزية لا يمكن أن نعبر عنها، كيف نعبر عن هو مشيٌ؟ تقول فقط هو ماشياًhe is walking لكن كيف نترجم هو مشياً أو هو مشيٌ؟ ولو قسم من النحاة يحاولون أن يأولوها (ذو) يقدروها مضاف هو ذو مشي، لا لأن العرب لما تقول هو رجلٌ صومٌ ولذلك قسم يقولون التقدير إما أنه هو رجل صائم أو رجل ذو صوم لكن قسم قالوا ذو صوم تقولها ولو صام مرة واحدة، هو الآن صائم، اليوم هو صائم، هو صومٌ لا يمكن أن تقال إلا لمن يكثر الصوم إكثاراً مستمراً إذن التقدير لا يؤدي المعنى. هو ذو مشي يعني هو الآن ذو مشي ولو مشى خطوتين يقال ذو مشي لكن المعنى وليس السياق يوحي بكثرة المشي هذه معناها من دون سياق.
عندنا أيضاً في مزايا اللغة العربية التي لا يمكن التعبير عنها في اللغات الأخرى تعدد أدوات النفي. تقول أنا ما أذهب، أنا لا أذهب، أنا إن أذهب، أنا لست أذهب، كلها تقولها في الإنجليزية I don’t go. (إن أذهب) وردت مثلها في القرآن في قوله (وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ مَّا تُوعَدُونَ (109) الأنبياء) بمعنى نفي (ما). في القرآن قال (وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ (9) الأحقاف) نفاها بـ (ما)، (وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ (34) لقمان) قال (لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا (1) الطلاق) قال ما أدري وقال إن أدري وقال لا أدري، نفاها كلها. الفرق من حيث الدلالة المعلوم المشهور أنه إذا نفيت الفعل المضارع بـ (ما) دلّ على الحال يعني ما أدري الآن، لا أدري أكثر النحاة يخصصوها للإستقبال لكن قسم من النحاة يقول هي للحال والاستقبال مطلقة وأكثرهم يخصصوها بالإستقبال والزمخشري يقول لا ولن أختان في نفي المستقبل وهذا عليه أكثر النحاة وأنا أميل أنها تكون للحال والاستقبال وأستدل بما استدل به بعض النحاة في القرآن (مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ (20) النمل) حال، (أنا لا أفهم ما تقول) حال، (وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً (48) البقرة) للإستقبال فهي إذن مطلقة. خاصة هي منتهية بالألأف والألف حرف مطلق لا يمتد به الصوت فهي ممتدة. (إن أذهب) إن أقوى كما يقول النحاة. (لست أذهب) ليس فيها الكثير أنها تنفي الحال لكن فيها جملة إسمية وفعلية فهي مركبة. (لم أذهب) هذا المضارع، ما ذهبت، لمّا أذهب، إن ذهبت، لست قد ذهبت، كلها نقولها بالانجليزية I didn’t do صيغة واحدة، (ما) جواب القسم أصلاً، (لمّا) اللام كما بدأ بها سيبويه في باب نفي الفعل قال فعلت نفيه لم أفعل، والله لقد فعل نفيه ما فعل، قد فعل نفيه لمّا يفعل، ليفعلنّ نفيه لا يفعل، سوف يفعل نفيه لن يفعل، هذه النصوص موجودة وكل واحدة لها دلالة.
استطراد من المقدم: ما فائدة كل هذه الدلالات؟
لاحظ (إن أدري) في الأمور التي لا يحتمل أنه يعلم بها مثلاً وهي أقوى شيء، نفي قوي. (ما أو لا) لا تحتمل هذا المعنى، لو قال ما أدري هذا نفي الحال لكن يمكن أن يعلم في المستقبل والنحاة ينصون عليها أن (ما) إذا دخلت على المضارع نفت الحال. ومن أول ما يقال إذا قلت هو يفعل فإن كان فيه حالفاً نقول ما يفعل وإن كان استقبال يقول لا يفعل، الدلالة مقصودة بحد ذاتها للتعبير عن المضلمين وليس السياق وإنما الدلالة فهي مقصودة. لما تقول والله لقد فعل نفيها ما فعل لا تقل والله لم يفعل تجيب القسم بـ (ما) مع الفعل الماضي، والله ما فعل، والله ما قلت (وَاللّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ (23) الأنعام) لم يقل لم نكن مشركين، كل واحدة لها جوابها.
سؤال من المقدم: تعدد هذه الصور التعبيرية بأدوات النفي غير موجودة في اللغة الإنجليزية؟
طبعاً، لاحظ في القرآن قال (وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (20) مريم) نفاها بـ (لم)، (وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (135) البقرة) نفاها بـ (ما)، (وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (129) النحل) نفاها بـ (لم)، (وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ (7) الجمعة) مرة قال (وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ (95) البقرة) نفاها بـ (لا) ومرة قال (وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا) هذا تعبير نحن لا نفترضه افتراضاً وإنما هذا مستعمل.
في نفي الأسماء تقول لا طالبَ غائبٌ، لا طالبٌ غائبٌ، لا طالبٌ غائباً، ما طالبٌ غائبٌ، ما من طالب غائباً، ما طالب بغائب، ما من طالب بغائب، إن طالبٌ غائباً حوالي 10 – 15 صيغة مقابلها بالإنجليزيةno student is absent فقط وكل الجمل في العربية تدل على نفس المعنى العام لكن الدلالة تختلف، الفكرة العامة واحدة لكن هل هي مؤكدة أو غير مؤكدة؟ ما من طالب هل كل الطلاب؟ كل واحدة لها دلالة وربنا تعالى قال (وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ (61) يونس) (وَلَا أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ (3) سبأ) الحركة تغير في المعنى ولو شرحناها في سياقها تأخذ حلقة كاملة أما الإنجليزية فلا يمكن أن تعبر عن هذه المعاني، اللغة هي تعبير عن المعاني فكيف تعبر الإنجليزية عن هذه المعاني؟! اللغة تستطيع أن تضع ملايين المفردالت لكن هذه قواعد.
سؤال من المقدم: إذا كانت اللغة تعبير عن المعاني فالانجليزية ليست لغة لأنها لا تفي بالغرض؟
ليس أنها ليست لغة وإنما هي لغة أولية يعني جهاز قديم غير متطور بالنسبة بالعربية وأي واحد منصف يعلم اللغتين يتضح له هذا الأمر
ثم نلاحظ هناك خط بياني في المعاني، محمدٌ يحضر، لمحمدٌ يحضر (آكد قليلاً)، إن محمد ليحضر (آكد أكثر لأن جئت بـ (إن) واللام، إنّ محمداً يحضر (هذه آكد لأنك جئت بإنّ المشددة)، إنّ محمداً ليحضر، إنّ محمداً ليحضرنُ (أكد الإسم والفعل بالنون الخفيفة)، إن محمداً ليحضرنّ (آكد بالنون الثقيلة)، إنه محمد ليحضرن (هذا ضمير الشأن)، هذا خط بياني في الدلالة على المعاني واللغة تعبير عن المعاني. ربنا تعالى قال (وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (5) الحجرات) وقال (إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (14) الحجرات) وقال (وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ (165) الأنعام)، وقال (وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ (91) يوسف) وقال (قَالُواْ يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ (97) يوسف) لأن المخاطب ليس بمنزلة واحدة، يخاطبون شخصاً متأثر أكثر من الآخر فكل واحد خاطبوه بمقدار لما كان أبوهم في حالة فقد بصره وحزن أكدوا (إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ) أما يوسف فصار العزيز فقالوا له (وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ)، وقال (وَإِن نَّظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (186) الشعراء) و(وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (66) الأعراف) كيف يعبر عنها؟ إن زرتني أكرمتك، إن زرتني أُكرٍمْك، إن زرتني أُكرمُك، إن تزرني أكرمك، إن تزرني أكرمتك، إن تزرني فأنا أكرمك، أكرمك إن زرتني، أنت إن زرتني أكرمتك، إما تزرني أكرمك، إن زرتني فأكرمك، تأتي بعدها (إذا) يعني عشرين جملة تقابلها واحدة في الإنجليزية، ما الفرق بين (إن) وإذا)؟ في الإنجليزية نترجمها إلى (if). قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ (6) المائدة) كيف نترجمها وهي في آية واحدة؟ قال (وَإِن تَعُودُواْ نَعُدْ (19) الأنفال) (وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا (8) الإسراء) كيف تترجمها؟ (حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا (71) الزمر) (حَتَّى إِذَا مَا جَاؤُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (20) فصلت) زاد (ما) مع أن المعنى العام واحد، هنالك أكد لأن شهادة السمع والبصر غير مألوفة فلذلك أكّد بينما في فتح الأبواب لم يؤكد.
سؤال من المقدم: هل هنالك أيضاً أشياء من تعدد الصور من جماليات اللغة العربية؟
في القسم باء القسم والتاء والواو واللام (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) النجم) (بالله) (تالله). والاستثناء إلاّ وغير وسوى وعدا وخلا وحاشا، هل والهمزة العطف. ثم عندنا توسيع مساحة المعنى في اللغة العربية ليس فقط مساحة معنى واسعة وإنما نوسعها أيضاً توسيع المساحة مثل الذكر والحذف (توفاهم وتتوفاهم) هم ماتوا لكن الاستعمال في القرآن لما يقول تتوفاهم العدد أكثر، إذا كان أقل يحذف (توفاهم). إذن الذكر والحذف ليس من قبيل الرفاهية اللغوية وإنما له سبب مقصود. مثل (تنزل وتتنزل)، (لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ (62) الإسراء) حذف الياء، (لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ (10) المنافقون) ذكر الياء، (قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ (64) الكهف) (قَالُواْ يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي (65) يوسف)، عبادي وعبادِ في القرآن لما يحذف الياء العباد أقل ولما يذكر الياء العباد أكثر، (وَمَنِ اتَّبَعَنِ (20) آل عمران) أقل و (وَمَنِ اتَّبَعَنِي (108) يوسف) أكثر.
الإبدال يتضرعون ويضرعون، إبدال التاء ضاد أصلها تضرع اتضرغ، يصّدق يتصدق. حتى العجيب التوسع مثل بسطة وبصطة (وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ (247) البقرة) بالسين و(وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً (69) الأعراف) بالصاد، هذا واحد وهؤلاء قوم، هي أصلها بالسين وأحياناً تبدل والصاد أظهر وأقوى كما يقول النحاة، هذا لقوم وهذا لواحد فقال بسطة وبصطة، (اللّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاء وَيَقَدِرُ (26) الرعد) لما ذكر الرزق قال يبسط وقال (وَاللّهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ (245) البقرة).
استطراد من المقدم: إذن بهذا اللغة العربية أقوى من أي لغة موجودة ولهذا نزل بها القرآن
لأنها تستوعب معاني لا يمكن للغة أخرى أن تستوعبها. حتى الصيغة مثل القاعدون والقعود القرآن يستعملها استعمالاً خاصاً والقيام والقائمون والأموات والموتى والخسارة والخسران والخُسر والخسار كل واحدة يستعملها بمعنى.
بُثّت الحلقة بتاريخ 18/8/2008م
2009-01-23 22:28:30الدكتور فاضل السامرائي>برنامج لمسات بيانيةpost