الحلقة 143
سؤال: قال في المائدة (فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ) بينما في النساء قال (فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ) فما اللمسة البيانية لهاتين الآيتين في ذكر (منه) وحذفه؟
هما آيتان إحداهما في النساء والأخرى في المائدة. نقرأ الآيتين حتى يتضح الأمر. في النساء قال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىَ تَغْتَسِلُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الْغَآئِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا (43)) هذه آية النساء. آية المائدة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (6)). لو نظرنا في الآيتين آية النساء وآية المائدة، آية النساء في الجُنُب وذوي الأعذار لم يذكر الوضوء إذن آية النساء هي في الجُنُب وذوي الأعذار تحديداً (وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىَ تَغْتَسِلُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى) أما آية المائدة ففي الجُنُب وغير الجُنُب وذوي الأعذار وذكر الوضوء، إذن هي عامة شملت الجنب وغير الجنب وذوي الأعذار وذكر الوضوء، إذن التفصيل في آية المائدة أكثر من آية النساء وذكر ما لم يذكره في آية النساء (إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ) فإذن كلمة (منه) نضعها مع التفصيل في آية المائدة فناسب التفصيل والزيادة في البيان فلما فصّل فصّل في البيان وزاد (منه)، و (منه) يعود على التراب. هناك فصّل وهذا أجمل. هذا أمر وهناك أمر آخر في آية النساء ختم الآية بقوله (إِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا) لأنه ذكر السُكارى (لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ) بينما ختم آية المائدة (مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (6)) ذكر رفع الحرج وإتمام النعمة ويريد أن يطهركم وهذا يستوجب الشكر فقال (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) أما في آية النساء لم يذكر رفع الحرج وإنما ذكر السكارى والله عفو غفور فقال (إِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا) فإذن الخاتمة مناسبة لما ورد وذكر (منه) مناسبة للتفصيل والبيان. وهذا نهج القرآن أن الفاصلة القرآنية لا بد أن تناسب الآية لذلك أحياناً يخالف الفواصل.
سؤال: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء (1) النساء) وفي الأعراف قال (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا (189)) وفي الزمر (خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا (6)) فما اللمسة البيانية في الاختلاف بين الآيات؟ وما الفرق بين الخلق والجعل؟
الجعل في الغالب حالة بعد الخلق فالخلق أقدم وأسبق. جعل الزرع حطاماً ليست مثل خلق الزرع حطاماً. جعل بمعنى صيّر، هو خلقه ثم جعله (وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ (60) المائدة) لا يعني خلقهم وإنما يعني صيّرهم. إذن في الغالب الجعل بعد الخلق (قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا (124) البقرة) صيّره إماماً وليس خلقه إماماً. إذن هذا الأمر العام ولذلك كل (جعل زوجها) بعد الخلق، نلاحظ في سورة النساء قال (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء (1)) هذا في آدم وحواء، هذا خلق. (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَت دَّعَوَا اللّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (189) فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (190) الأعراف) هذه ليس آدم وحواء وإنما بعد، ذاك خلق وهذا جعل، جعل هذه زوج هذه. في سورة الزمر قال (خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنزَلَ لَكُم مِّنْ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (6)) خلقكم من نفس واحدة آدم وهذا الأصل لكن جعل زوجة جعل فلان زوج فلان، (خَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا) يقصد حواء و (جعل منها زوجها) الكلام عن الذرية فلما ذكر حواء قال (خَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا) ولما ذكر الذرية قال (جعل منها زوجها).
سؤال: قال تعالى في سورة آل عمران (إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُنزَلِينَ (124) بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَـذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُسَوِّمِينَ (125)) وفي الأنفال قال (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ (9)) فما هو العدد النهائي للملائكة في معركة بدر؟
نقرأ الآيات حتى يتضح الأمر قال (فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ (9)) مردفين يعني متبعين يعني ألف يتبعهم ألفاً، ألف يتبعهم ألف يعني صاروا ألفين، ألف من الملائكة مردفين يعني ألف يتبعهم ألف، مردفين من ردف يعني تبعه وليس معناها الركوب وإنما جاء بعده، خلفه، إذن صاروا ألفين. (إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُنزَلِينَ (124)) ألفان وثلاثة آلآف صاروا خمسة آلآف فقال (بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَـذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُسَوِّمِينَ (125) آل عمران) ألف مردفين يعني ألفين وثلاثة آلآف صاروا خمسة آلآف.
سؤال: (وَجَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُواْ لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ (100) الأنعام) ما معنى خرقوا؟ خرقوا يعني افتروا، جعلوا له.
خرقوا معناها افتروا لكن لماذا لم يقل افترى وقال خرق تحديداً؟ الخَرْق هو قطع الشيء على سبيل الفساد من غير تدبر ولا تفكّر ويقال هذا ولد أخرق يعني لا يُقدر ولا يحسن العمل، الخرق الجاهل يعني هؤلاء ليس فقط افتروا ولكن عن جهل لا يعلمون فقال خرقوا دلالة على الخرق والحمق في التفكير وجهل، افترى لا تحمل هذه المعاني بالضرورة، الذي يفتري قد يُقدّر الأمور والمقدمات والنتائج أما هذا قول أخرق.
سؤال من المقدم: هل أنتم من أنصار وجود ترادف في القرآن أو عدمه؟
هذه المسألة خلافية بين أهل اللغة وفي تقديري أنه في اللغة ليس هناك ترادف إلا إذا كان من لغة ثانية اما في اللغة الواحدة فليس هنالك ترادف وفي القرآن ليس هنالك ترادف وحتى لو كان من لغة ثانية يستعملها بدلالة أخرى يستعملها في السياق إذن لا ترادف في القرآن حسب رأيي وبالتالي لا يصح أن تحل كلمة مكان أخرى ولو كان لهما نفس الدلالة.
سؤال: (قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) الأعراف) لماذا ردّ إبليس اللوم إلى الله سبحانه وتعالى بأنه أغواه؟
سبب الإغواء هو الابتلاء، نرجع للسبب، هو اختبره فجاء فقال (فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي) هو جاء بالنتيجة بينما هو ابتلاه فاختبره فكانت سبباً في إضلاله وهو حذف السبب وجاء بالنتيجة فقال (فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي) لو لم يختبره لجاز لكن هذا تنطع في الكلام. أعوان إبليس يقولون هذا الكلام أيضاً، الله تعالى اختبره فلم يسجد ورسب في الاختبار والنتيجة هو هذا الذي حصل.
سؤال: (قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ (30) الأحقاف) ما دلالة استعمال كلمة الطريق بدل الصراط؟
أولاً ما الفرق بين الحق وطريق مستقيم؟ الحق هي العقائد الصحيحة والأمور الثابتة الصحيحة. الطريق المستقيم ما يُسلك من الأعمال. لماذا قال الطريق ولم يقل الصراط؟ الطريق هو السبيل الذي تطرقه الأرجل يعني مسلوك هذا هو الطريق، هو قبلها قال (إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى) هذا كلام الجن معنى أن هذا طريق مسلوك لم يبتدعه صاحبه (كِتَابًا أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى) إذن سار على نفس الطريق ولم يبتدعه (يهدي إلى صراط مستقيم) طريق مسلوكة (قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنْ الرُّسُلِ (9) الأحقاف) أما الصراط فهو الطريق الواسع سمي الصراط لأنه يصرط السابلة يعني يبلعهم، هو متسع ضخم أما الطريق فليس فيه هذا المعنى فقال (طريق مستقيم).
سؤال: (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (65) يس) (حَتَّى إِذَا مَا جَاؤُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (20) وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (21) فصلت) ما اللمسة البيانية في اختلاف ختام الآيتين؟ ولماذا قالوا لجلودهم وليس للسانهم مثلاً؟ ولماذا تشهد الجلود دون باقي الأعضاء؟
نقرأ الآيات (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (65) يس) وفي فصلت (حَتَّى إِذَا مَا جَاؤُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (20) وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (21) فصلت)، ذكر في آي يس (بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) لأنه ذكر الأيدي والأرجل وهما آيتي الكسب ربنا يقول (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ (30) الشورى) (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا (38) المائدة) (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1) مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (2) المسد) اليد والأرجل آية الكسب فناسب هنا الكسب بينما في سورة فصلت لم يذكر آية الكسب وإنما قال (سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ) في يس ذكر آية الكسب الأيدي والأرجل (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ (41) الروم) بينما في آية فصلت لم يذكر آلة الكسب. إذن (بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) ملائمة للأيدي والأرجل وهي أدوات الكسب ولما قال (بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) ذكر قبلها أدوات العلم (سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ).
(وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا) لأن الجلود هي التي تُعذّب (كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا (56) النساء) كأنما يقولون فهمنا السمع والبصر لكن أنت يا جلود لِمَ شهدت علينا؟r! هي التي ستُعذَّب (كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ (56) النساء) المفروض في نظرهم ألا تشهد ولذلك السؤال موجّه للجلود فقالت (قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ) ليس بأمرنا ولكن الله تعالى أنطقنا. يومئذ كل شيء يتكلم ولا نتكلم بالأفواه ولكن تشهد الأيدي والأرجل (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (65) يس).
سؤال: (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُون (82) يس) (هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ (68) غافر) ما اللمسة البيانية في الاختلاف بين الآيتين؟
قراءة الآية توضح المسألة، الآية في يس (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُون (82)) في غافر (هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ (68)). (إنما أمره) أمره مبتدأ خبره المصدر (أَنْ يَقُولَ لَهُ) (إِذَا أَرَادَ شَيْئًا) هذه جملة اعتراضية شرطية حذف جواب الشرط لاكتناف ما يدل عليه، (إِذَا أَرَادَ شَيْئًا) هذه جملة اعتراضية ذكر فيها فعل الشرط وحذف الجواب وجوباً لأنه اكتنفه ما يدل عليه (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُون (82) يس) إذن لا يمكن أن يقال غير ذلك، الجملة مبتدأ وخبر كيف يقولها؟!. (هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ) هذه شرطية عادية (فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ) هذا جواب الشرط مقترنة بالفاء وجوباً. إذن لا سبيل إلى غير ذلك من حيث اللغة لا بد أن يقول ذلك مبتدأ وخبر، أدلة شرط وفعلها وجواب شرط، هذا التعبير الطبيعي ولا يصح أن نضع إحداهما مكان الأخرى.
سؤال من المقدم: ربنا تعالى يقول (كن) فعل أمر والشيء غير موجود فكيف يكون المخاطب؟
الشيء الذي يريده هو سبحانه وتعالى يقول له كن فيكون، أحياناً الإنسان يريد شيئاً أحياناً ويسعى إليه ويطلب تحقيقه وهو غير موجود. فربنا إذا أراد شيئاً يقول له كن فيحصل ذلك الشيء.
ليس كما يقولون بأن الشيء موجود في علم الله الأزلي فيخاطبه.
سؤال: (إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُم مُّرْسَلُونَ (14) يس) هل كانوا رسلاً أم أنبياء؟ ومن هما؟
هذه مختلف فيها أيضاً قسم قالوا هم رسل عيسى إلى أنطاكيا من الحواريين أرسلهم بأمر الله سبحانه وتعالى وقسم قال هم من رسل الله لم يذكر ربنا سبحانه وتعالى أسماءهم.
سؤال: القرين الذي ورد ذكره في عدة آيات في القرآن الكريم هل هو الوسواس أو هل قرين السوء ام هناك قرين غير السوء فهل يمكن توضيح ما هو القرين؟
قد يكون من الإنس ومن الجن كما وضح ربنا تعالى والقرين هو المصاحب. (قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ (51) يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنْ الْمُصَدِّقِينَ (52) أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ (53) الصافات) هذا إنس، (فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاء الْجَحِيمِ (55) قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدتَّ لَتُرْدِينِ (56) وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (57)) هذا شيطان إنس. (وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) الزخرف) هذا من الجن، (وَمَن يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاء قِرِينًا (38) النساء) (وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاء فَزَيَّنُوا لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ (25) فصلت) قد يكون من الإنس وقد يكون من الجن. (وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ (23) ق) يجوز من الإنس والجن لكن الدلالة واحدة وهي المصاحبة.
سؤال: في سورة يوسف (وَقَالَ يَا بَنِيَّ لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ (67)) ما اللمسة البيانية في هذه الدعوة من يعقوب لأبنائه في عدم الدخول من باب واحد؟
قيل هم عددهم كثير فلئلا تصيبهم العين والعين الحق والرسول r كان يعوّذ الحسن والحسين بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامّة وكل عين لامّة” فقد يكون هذا وقيل. وقد يكون بشارة حسنة وقربى يعني العزيز يقربه قال يمكن هذا يدعو إلى الحسد ولاحظ أنهم جاءوا بأخ لهم من أبيهم فصاروا أكثر. وقسم قال لا حتى لا يقال أنهم جواسيس قد يُظن بهم مظن سيئ فحتى لا يُظن هذا الأمر طلب منهم التفرق.
سؤال: (وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ (117) المؤمنون) ما هي الحكمة في هذا التعبير؟
احتمال أن تكون (لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ) صفة لازمة مؤكِّدة لوحدانية الله، إلهاً موصوف مفعول به، آخر صفة، (لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ) أيضاً جملة صفة مؤكدة لأن الصفة قد تكون مؤكدة مثل (أمس دابر)، (فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ (13) الحاقة) هي واحدة، (وَقَالَ اللّهُ لاَ تَتَّخِذُواْ إِلـهَيْنِ اثْنَيْنِ (51) النحل) إلهين يعني اثنين، (وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً (14) الحق)، يمكن أن تأتي بصفة التوكيد أنه لا برهان له به قد تكون صفة مؤكدة وقد تكون جملة معترضة أيضاً. وهم يضربون مثلاً يقولون: من أحسن إلى زيد لا أحقّ بالإحسان منه فالله مثيبه (من أحسن إلى زيد فالله مثيبه) وجملة (لا أحق بالإحسان منه) هذه جملة اعتراضية. من يدع مع الله إلهاً آخر (لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ) فإنما حسابه.
سؤال: (إِنَّ السَّاعَةَ ءاَتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى (15) طه) المعروف أن كاد من أفعال المقاربة التي تفيد قرب وقوع الخبر فما دلالة استخدام أكاد أخفيها بدل أكاد أظهرها بما أنها مخفاة فعلاً؟
للهلم أخفي بمعنى خفي أو ظهر أو غاب، ستره وكتمه وأظهره. فإذن إذا كان بهذا المعنى تستقيم وانتفى السؤال. إذن أكاد أخفيها يعني أكاد أظهرها أكاد أسترها أكاد أكتمها ، أكاد أخفيها بمعنى الستر يعني لا أُخبِر بها لولا اللطف بعباده وإنما يكتمها ولا يقول ستأتي الساعة وإنما إرادة ربنا أن يلطف بعباده فحذّرهم منها لشدة خفائه. (إِنَّ السَّاعَةَ ءاَتِيَةٌ) هي آتية لا محالة أكاد أخفيها أبالغ في إخفائها رحمة من الله بعباده وحتى قالوا أكاد أخفيها من نفسي وهي تفيد قرب حدوث الحدث لكنه لم يقع، لماذا لم يقع؟ أكاد أخفيها يعني أظهرها لأنه ذكر من علاماتها ما يوضح وقوعها فكأنه لم يسترها ولو قرأنا ما ذكره تعالى من علامات وما ذكره الرسول r العلامات يقول (اقتربت) إذن هو أظهرها ولم يخفيها وإنما فقط أخفى وقتها لكن ما ذكر من العلامات وما سيأتي من العلامات بحيث تقول هذه من علامات الساعة، يعني ظهور النار في أرض الحجاز هذه من علامات الساعة، يكثر الهرج في آخر الزمان (الهرْج هو القتل)، ذكر من علامات الساعة ما يوضحها بحيث تقول هذه من علامات الساعة ثم ستأتي أمور أخرى مثل رفع البيت وانحسار الفرات عن جبل من ذهب فتقول هذه من علانات الساعة وتقطع أنها من علامات الساعة، إذن هو لم يخفها لكن أكاد أخفيها لا يعلم موعدها أحد.
سؤال: (وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ (10) الفتح) فما دلالة ضم الهاء في (عليهُ)؟
أكثر من مرة أثير هذا السؤال وقلنا (عليهِ) لغة و (عليهُ) لغة الحجاز يعني الهاء ضمير مبني على الضم في محل جرّ. يبقى سبب الاختيار. عموم العرب يقولون أنه إذا كان قبلها فتحة يضمونه ولا يكسرون إلا إذا كان قبلها كسرة أو ياء ساكنة (عليه) والقرآن استعمل هذا. يقول (أنسانيهُ) كل الحجاز يقولون بلغة الضم يقولون (بهُ) (ولهُ) الآن نسميها لهجة وهي في السابق لغة فالحجاز يقولون (بهُ) و (بهُم) و(إليهُم) و(عليهُم). ربنا في القرآن لم يستعمل هذه اللغة وإنما لغة العرب الآخرين يقول عليهِم وإليهِم إلا في موضعين هذا الموضع (هليهُ) وفي (أنسانيهُ) والسبب ذكرناه عدة مرات وقلنا هذه هي في بيعة الحديبية والبيعة على الموت (فمن نكث) بايعوا رسول الله على الموت هذه أثقل البيعات والضمة أثقل الحركات فجاء بأثقل الحركات لأثقل البيعات. هذا أمر والأمر الآخر أن لفظ الجلالة بعد الضم وبعد الفتح يُفخّم بينما بعد الكسر يرقق (بهِ الله) فهنا قال (عليهُ الله) فيفخم لفظ الجلالة لتفخيم هذا العهد فناسب. تقول في مكان آخر ألم يقل (عليهِ الله) لماذا لم يفخِّم؟ أقول لا لم يرد في القرآن عليهِ الله لم ترد بعد عليهِ لفظ الجلالة. إذن هنا (عليهُ) الرفع هنا لأنه اختار أثقل الحركات لأثقل البيعات وتفخيم لفظ الجلالة. قال (وَمَا أَنسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ (63) الكهف) ليس فيها عهد ثقيل وليس فيها لفظ الجلالة وإنما فيها سمكة مشوية مأكول منها كيف تعود إلى الحياة؟! صار عليها ماء الحياة فذهبت تسبح في النهار عليها طاقة كالنفق (فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا (61) الكهف) (وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا (63) الكهف) هو يعجب سمكة مشوية مأكول منها كيف تمشي في البحر هذا عجب هل تُنسى هذه الحالة؟ لا يمكن أن تُنسى فكيف نسيها؟ هذه أندر حالات النسيان.
استطراد من المقدم: هذه المواءمة الموجودة في آيات القرآن حتى البناء والحركات الإعرابية تناسب الحالة التي يتحدث عنها القرآن الكريم.
سؤال: (مَّا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (28) لقمان) ما اللمسة البيانية في الآية؟
هذه الآية أولاً من الناحية البيانية ارتبطت بما قبلها (وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (27)) (مَّا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (28) لقمان) خلق الناس من كلمات الله وبعثة من كلمات الله، خلقكم كنفس واحدة من كلمات الله وبعثهم كنفس واحدة من كلمات الله. ختم الآية (إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) وقبلها قال (إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) ما قبلها قال (عزيز حكيم). لاحظ كيف ارتبطت هذه الآية بخاتمة الآية السابقة من الناحية البيانية الخالق عزيز حكيم، الخالق له العزة والمخلوقات كلها من صنعه وهي له طائعة إذن هذا مرتبط باسمه (عزيز). الخالق حكيم، حكيم في خلقه وصنعه وخلقهم لحكمة أرادها (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) الذاريات) إذن هو حكيم في الصنع وحكيم في الغرض، إذن (مَّا خَلْقُكُمْ) ارتبط بقوله العزيز من حيث الحكمة والعزة. الذي يبعث الخلق (وَلَا بَعْثُكُمْ) عزيز حكيم، عزيز لأنه يجازي ويعذِّب ولا رادّ لأمره، حكيم بمعنى الحكم هو الحاكم، هكذا هو الحاكم (أَنتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ (46) الزمر) وهو الحكمة (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115) المؤمنون) إذن هو حكيم بمعنى الحكم وبمعنى الحكمة. إذن ارتبطت هذه بالآية وأيضاً بخاتمة الآية (مَّا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ) لأن الخالق والباعث عزيز حكيم من الحكم ومن الحكمة. وارتبطت هذه الآية بما بعدها (وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى (29)) هذ الأجل مسمى هو البعث. وارتبطت بجو السورة التي شاع فيها ذكر الخلق والبعث قال (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا (10)) (هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ (11)) (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ (25)). والبعث شائع من أولها إلى آخرها أول السورة قال (وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4)) وفي آخرها (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ (23)) ارتبط بالبعث. قال (مَّا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (28)) الخلق ألا يكون سميعاً بصيراً؟ لا بد أن يكون، والذي يبعث لا بد أن يكون سميعاً بصيراً وإلا كيف يحاسبهم على أقوالهم وعلى أفعالهم ويسمع أقوالهم؟ بصير بأعماهم والأعمال قسم ظاهرة وقسم مضمرة، بصير بأعمالهم الظاهرة والمضمرة لأن البصير قد يكون من البصيرة. فإذن هي مرتبطة بالآية التي قبلها والآية التي بعدها والجو العام للسورة وبخاتمة السورة. ثم نلاحظ أنه قال (إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) ولم يقل (إن الله هو السميع البصير) لأنه أثبت السمع والبصر بخلقه في السورة فقال (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ (20)) هذا بصر، (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ (29)) هذا بصر، (أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُم مِّنْ آيَاتِهِ (31)) هذا بصر، السمع (وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا (7)) هذا سمع، (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا (21)) (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ (25)) إذن أثبت لهم السمع والبصر.
بُثّت الحلقة بتاريخ 14/8/2008م
2009-01-23 22:29:47الدكتور فاضل السامرائي>برنامج لمسات بيانيةpost