الحلقة 134
سؤال: نستكمل الإجابة عن سؤال من الحلقة السابقة حول إعراب كلمة (صنع) في الجملة (لا يكن غيرك أقربُ إليه صنعُ المعروف منه إليك)؟
هذا السؤال طُرِح في نهاية الحلقة الماضية وذكرنا على السريع التوجيه الإعرابي وقلنا في حينها (لا يكن غيرك أقربُ) قلنا إذا كانت أقربَ خبر يكن يصير صنعُ المعروف فاعل لاسم التفضيل، وإذا كانت أقربُ بالرفع ستكون جملة مبتدأ وخبر المبتدأ هو صنعُ مبتدأ مؤخر وأقرب خبر مقدم والجملة كلها تصير في محل نصب خبر (يكن). (غيرُك) إسم (يكن). أصلخا صنعُ المعروف أقرب إليه.
سؤال من المقدم: ما الذي يتحكم بالتوجيه الإعرابي؟ هل هو المعنى المراد؟
لا شك إذا كان المتكلم عارف باللغة فصيح فيها فهو لا يغيّر إلا لقصد والإعراب هو إبانة عن المعاني.
سؤال: استكمال الإجابة عن سؤال الحلقة الماضية حول الآية (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)).
هذا السؤال أثير أيضاً في الحلقة الماضية لكن ما تيسر لنا إكمال الجواب. ذكرنا في حينها جملة ملاحظات باعتبار ربنا تكفّل بالإجابة لم يقل “فقل لهم” وتكفل بالإجابة من دون ذكر مشيئة لم يقل إن شئت وقال (إذا) ولم يقل (إن) جملة أمور ذكرناها في حينها وبقيت عدة مسائل في الإجابة عن هذا السؤال.
قال (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي) مرسومة بالياء ولم يقل “عبادِ” في القرآن الكلمتان موجودتان عبادي مرسومة بالياء وعبادِ بالكسرة وكلتاهما مضافة إلى ياء المتكلم. في القرآن عندما يقول (عبادي) بالياء مجموعة العباد أكثر فكأنه يحذف معناه أن العباد أقل. عبادي أحرفها أكثر من عباد فهم أكثر هذا في القرآن كله إذا قال عبادي بالياء فالمجموعة أكثر مثال (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا (53) الزمر) هؤلاء كثرة لأنه (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (103) يوسف)، (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ (186) البقرة) كلهم بدون استثناء لم يستثني فجاء عبادي بالياء، يجبهم كلهم، (وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (53) الإسراء). (فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ (18) الزمر) قلة، (قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ (10) الزمر)، (يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ (56) العنكبوت) هناك قال اتقوا ربكم صارت التقوى إضافة إلى الإيمان وهنا لم يقل اتقوا ربكم، ثم هو قال (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ (10) الزمر) هؤلاء قلة، (يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ (56) كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (57) العنكبوت) كثرة فجاء بـ(عبادي) مع الكثرة و(عبادِ) مع القلة. من حيث الإعراب (عبادي وعبادِ) واحد، (عبادي) عباد مضاف وياء المتكلم مضاف إليه وفي (عبادِ) هذه تقديراً، مضاف ومضاف إليه مركب. هذه من خصوصيات الإستعمال القرآني فعندما قال تعالى (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَان) يعني هو يجيبهم كلهم.
قال (أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ) لم يقل أجيب دعوتهم، ما قال إذا سألك عبادي عني أجيب دعوتهم لأنه يقصد لعموم والشمول ليس فقط السائلين لا يجيب فقط من سأل عنه وإنما يجيب كل داعي. عندما قال (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي) ليس كل العباد يسأل الرسول r عن الله وإنما هو في زمن معين في وقت معين في جماعة معينة، (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ) هذه ليست خاصة بالسائلين وإنما بكل داعي فقال (أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ) لأنه لو قال أجيبهم سيكون الكلام على من سأله فإني أجيبهم يعني الكلام عمن سأل وهو لم يخصص وإنما وسّع (أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ) يعني وسّع الدائرة مرتين عندما جاي بياء المتكلم في عبادي وعندما أطلق (أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ).
نلاحظ هناك أمر أن الآية سُبقت بقوله تعالى (وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185) البقرة) هذا يدل على أن الدعاء يكون بعد الثناء على الله تُكبر وتثني على الله بما هو أهله ثم تدعو ولذلك قالوا هي جاءت بعد قوله تعالى (وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ) وما يوضح هذا قوله (اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ (6) الفاتحة) جاءت بعد الثناء على الله (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)) لا تدعوا هكذا، يجب أن نثني عليه أولاً بأية صيغة مثل يا رب لك الحمد، سبحانك يا من تجيب دعوة المضطرين، يا رحمن يا رحيم.
ثم قال (فَإِنِّي قَرِيبٌ) ولم يقل “فأنا قريب” أكّد قربه بـ (إنّ) المشددة لم يقل (فأنا) لأنها غير مؤكدة. إنّ تفيد التوكيد فأكّد قربه سبحانه وتعالى من عباده وهي آكد من (أنا).
سؤال: القراءات القرآنية فيها اختلاف في الإعراب مثل (تلقفْ – تلقفُ) فهل في هذا لمسة بيانية؟
لا شك أن الاختلاف هذا يفضي ويؤدي إلى اختلاف في المعنى، وهناك قراءة شبيهة بها (فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي (34) القصص) و(يصدقْني). لا شك تقول (تلقفْ) بالسكون هذه مجزومة جواب الشرط أو جواب الطلب يعني إن تلق ما يمينك تلقفْ، ادعوني أستجب، فهذا الجزم سيكون جواب الطلب الذي هو مقدّر في الشرط يعني إن تلق ما في يمينك تلقفْ، هذا الجزم. أما في الرفع (تلقفُ) يتغير المعنى ويصير إما استئناف أو حال مقدّرة “وألقِ ما في يمينك هي تلقفُ ما صنعوا”، حال مقدرة يسموها مستقبلة لأن الحال أكثر ما تكون مقارِنة قد تكون مقدرة وقد تكون محكية بحسب الزمن، الحال المحكية تكون للماضي والمقدرة للمستقبل (وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَقَ نَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ (112) الصافات) هو لم يأت بعد ولكن باعتبار ما سيكون، (لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ (27) الفتح) التحليق والتقصير يكون بعد أن يتموا العمرة وليس عند الدخول. حال محكية يتكلم عن أمر قد مضى. نضرب مثالاً لو رأيت عقرب كبيرة تقول هذه العقرب تلسع صغيرة وكبيرة، صغيرة حال وهي ماضية يعني حالة كونها صغيرة.
إذن (تلقفْ) عند الجزم تكون جواب طلب وعند الرفع تكون إما استئناف أو حال مقدرة. نضرب مثالاً من لاكم العرب: دعه يضربْه ودعه يضربُه، دعه يضربْه شخص يريد أن يضرب واحداً وأنت تمسكه وتقول له لا تضربه اتركه، دعه يضربْه يعني إن تتركه يضربه. دعه يضربُه هو يضربه الآن وواحد يريد أن يمسك الضارب عن الضرب فيقول لا دعه يضربه، الفرق بين الاثنين أنه في الأولى لم يقع الضرب وفي الثانية الضرب واقع.
(فأرسله معي ردءاً يصدقْني) إن ترسله معي يصدقْني، أو أرسله هو يصدقُني. الضبط في الشكل هذا ما يؤثر في المعنى وهذا مما تنماز به اللغة العربية بين اللغات الأخرى.
سؤال: (وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَآئِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَّسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (12) يونس) يأتي الضر مع فعل مسّ ومع الرحمة يأتي الفعل أذقنا (وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِّن بَعْدِ ضَرَّاء مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُم مَّكْرٌ فِي آيَاتِنَا قُلِ اللّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ (21) يونس) فما الفرق بين المسّ والإذاقة في القرآن؟
أولاً هذا التفريق غير دقيق فالذوق والمس يأتي للضر وغير الضر، الذوق هو إدراك الطعم والمسّ هو أي إتصال. أما كون المس يأتي مع الشر فغير صحيح لأن المس يأتي مع الرحمة أيضاً (إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21) المعارج) (إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ (120) آل عمران) (وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ (17) الأنعام) وكذلك الإذاقة تأتي مع العذاب ومع الرحمة (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (21) السجدة) (وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا (48) الشورى) (وَمَن يَظْلِم مِّنكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا (19) الفرقان) ليس هنالك تقييد في الاستعمال.
سؤال: في سورة الرعد قال تعالى (أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (19) الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ (20) وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ (21) وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22)) ما اللمسة البيانية في استعمال الأفعال المضارعة في أول الآيات وآخرها واستعمل ثلاثة أفعال ماضية في وسط الأفعال المضارعة؟
نقرأ الآيات (أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (19) الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ (20) وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ (21) وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22) الرعد) لو نظرنا في المسألة نجد أنه ما كان له وقت محدد عبّر عنه بالفعل الماضي (أقاموا الصلاة) الصلاة لها أوقات محددة وحتى الإنفاق الزكاة أو الإفطار في رمضان وما كان سابقاً لكل الأوصاف فعل ماضي، الصبر هو يسبق كل هذه الأوصاف لأنها كلها تحتاج إلى صبر فهو أسبق منها جميعاً فعبر عنه بالماضي وما عدا ذلك هو مستمر (يوفون بعهد الله) ليس له وقت، يخشون ربهم، ليس لها وقت هذه مستمرة أما تلك فإما أن يكون لها وقت أو هي سابقة وهذا ليس التعبير الوحيد في القرآن ولكن هناك تعبير نظيره (وَالَّذِينَ يُمَسَّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ (170) الأعراف) (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ (29) فاطر) (إِِنَّمَا تُنذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ (18) فاطر) يخشون ربهم ليس لها وقت ولكن الصلاة لها وقت. أما الصبر فلم يأت في القرآن صلة بغير صيغة الماضي قال (وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43) الشورى) (إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ (11) هود) (وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِمْ (22) الرعد) (الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (42) النحل) (وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (96) النحل) (وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا (35) فصلت) لم يرد صلة موصول إلا ماضي. هذه من خصوصيات التعبير والبيان القرآني. القرآن هزّ قلوباً استشعرت هذا البيان القرآني.
سؤال: (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26) تُولِجُ اللَّيْلَ فِي الْنَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الَمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَن تَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ (27) آل عمران) ما اللمسات البيانية في الآيتين؟ وفي الآية (فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَـذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ (37)) هل هناك رابط بين الآيتين لأنهما ختمتا بنفس الخاتمة؟
تكلمنا في حلقة قديمة عن قوله تعالى (يرزق من يشاء بغير حساب) ذكرنا في حينها أن ربنا لا يُسأل عما يفعل ولا أحد يحاسبه يرزق من يشاء من دون أن يحاسبه أحد، هذا أمر ثم إنه لا يحاسب المرزوق لا يرزق على قدر الطاعة (كُلاًّ نُّمِدُّ هَـؤُلاء وَهَـؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ مَحْظُورًا (20) الإسراء) ثم لا يخشى أن تنفذ خزائنه، بغير حساب يعطي كيفما تقتضي الحكمة بينما الناس والحكومات كلها تنظر إلى الخظينة والموازنة ولو أنها ترى أن هذا ينبغي لكن ربما ليس عندها ما تنفق عليه لكن ربنا تعالى يعطي بما تقتضي حكمته لا يخشى أن تنفذ الخزائن. ثم أحياناً العبد لا يعلم من أين يأتي الرزق (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ (3) الطلاق) لا يحسب لذلك حساباً قد يأتيه الرزق من غير أن يعلم كيف وصله الرزق. وبالنسبة إلى مريم هو تطبيق لهذه القاعدة العامة تلك حالة عامة وهذه حالة فردية تطبيق على الواقع أن الله تعالى يرزق من غير حساب أن يأتي الرزق من غير السبل المعروفة (كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَـذَا) إذن من غير السبل المعروفة (إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ (37)) هذه تطبيق على ما ذكر.
سؤال: ما الذي يمكن استبناطه في الآية من العمل الصالح لموسى u وابنة الرجل الصالح في سورة القصص ما هو العمل الصالح الذي فعله موسى حتى يرزقه الله تعالى الزوجة الصالحة؟ وكذلك ذكر تعالى مواصفات الزوجة الصالحة فرزقها الله تعالى موسى النبي؟
عند مدين ابتدأت الرحلة إلى مدين بقوله تعالى (وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاء مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاء السَّبِيلِ (22) القصص) استعان ربه وطلب منه الهداية وهو فارّ ولم يكن يعلم أنه متوجه إلى مدين لا يعلم إلى أين يذهب مشى على غير هدى لكن الله تعالى لحكمة أرادها هداه أن يتجه إلى مدين، (عَسَى رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاء السَّبِيلِ) فهداه هذا الدرس الأول. ورد ماء مدين (وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ (23)) الأمة أي الخلق من الناس الكثير، (مِن دُونِهِمُ) يعني بعيدتين عنهم لم يقل معهم أو فيهم اللتان تفيدان الاختلاط، (مِن دُونِهِمُ) ليس هناك اختلاط وهذا يدل على عفتهما وحيائهما. (تَذُودَانِ) يعني تمنعان الماشية من أن تختلط بالآخرين. استغرب الرجل الفارّ خاصة أنه لم يوجد نسوة أخريات يسقون فقال (قَالَ مَا خَطْبُكُمَا (23)) لعله أن يعينهما. الخطب يعني الشأن، مبلغ سؤاله أن يساعدهما والظاهر أن في نفس موسى النزعة لمساعدة الآخرين والرحمة بالضعفاء. قالتا (قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23)) حتى لا يصير كلام طويل وحوار جاء بالعذر حتى لا يصير سؤال وجواب وهذا يدل على فطنتهما وحسن أدبهما وعفتهما. السبب أبونا شيخ كبير، لم تقولا شيخ فقط وإنما شيخ كبير يعني طاعن في السن ولم يدر أي حديث بينهما بعد ذلك. لم يكن هناك تبسط في الحديث، موسى وقف عند المقدار الذي ينبغي وهما كذلك، (فَسَقَى لَهُمَا (24)) على السرعة جاء بالفاء الدالة على التعقيب ولم ينتظر حتى يستريح من عناء السفر، على السرعة من دون مهلة سقى لهما وهذا يدل على كرمه وسرعة نجدته. ثم نلاحظ أنه لم يذكر ماذا كان الرعاء يسقون (وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ) وقال (تَذُودَانِ) لم يقل ماذا تذودان؟ لو ذكر المفعول تدل على أنه سقى لهما لهذا النوع وقد لا يسقي لغير نوع، لم يذكر المفعول حتى يصير إطلاق. لو قالتا لا نسقي الإبل وقال فسقى لهما لدلت على أنه سقى الإبل فأراد بهذا الحذف الإطلاق. ثم قال (ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ) مما يدل على أنه سقى لهما في الشمس والحر، إذن تعب وشمس وحر وعجّل لهما بالسقي، هذا يدل على شهامته ونجدته ودعا ربه (فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) الخير يعني العافية والقوة فكان الفرج في الحال والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه، (فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا (25)) تمشي على استحياء والقول على استحياء لذلك هم يقفون فيها مرتين (فجاءته إحداهما تمشي على استحياء/ قالت) المشي على استحياء والآخر (فجاءته إحداهما تمشي/ على استحياء قالت) يعني القول على استحياء، لم يعتذر موسى وقال لا أبغي أجراً وإنما كان يحتاج لمن يتكلم معه، ولم يجري حديث بينهما كل الحديث إن أبي يدعوك فتبعها وهو يمشي أمامها وهي توجهه، أول مرة مشت أمامه فرأى الرياح تلعب في ثوبها فقال لها امشي خلفي وأرشديني. (فَلَمَّا جَاءهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25)) والخائف يحتاج إلى من يؤمنه وأطعمه (الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4) قريش) أمّنه وأطعمه. (قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) وصف القوم بالظلم وهذا رجل يقال أنه شعيب وهو نبي، وصفهم بالظلم بما ذكر عنهم من أفعالهم وأنهم أرادوا قتله مع أن كان فعله خطأ (فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ (15) القصص) لم يكن قاصداً قتله هذا لا يُقتل ومن أراد قتله فهو ظالم، موسى u كان مصدَّقاً عند الرجل الصالح. (اضغط هنا لمتابعة الإجابة عن هذا السؤال)
أسئلة المشاهدين خلال حلقة 10/7/2008م:
-
(بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيـئَتُهُ (81) البقرة) (مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ (54) الأنعام) ما الفرق بين كسب وعمل؟ وما الفرق بين السيئة والسوء؟ استعمل كسب مع السيئة في الآية الأولى واستعمل العمل مع السوء في الثانية فهل من لمسة بيانية في هذا؟ وما دلالة خطيئته في الآية الأولى؟ وما الفرق بين السيئة والخطيئة؟
-
في بعض الآيات يذكر الضمير لإسم الجلالة مفرداً وأحياناً يأتي جمعاً (إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (30) البقرة) (فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ (186) البقرة) (إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (30) القصص) (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ (72) الأحزاب) فما اللمسة البيانية في هذا الاختلاف؟
-
ما الفرق بين (لَّيَكُونُنَّ (42) فاطر) (وَلَيَكُونًا (32) يوسف)؟ هذا ليس تنويناً وإنما نون التوكيد الخفيفة ونون التوكيد الثقيلة.
-
ما هو المفهوم الضمني لقوله تعالى (اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ (54) الأعراف)؟
-
ما اللمسة البيانية في الوقف القرآني بين وقف جائز ووقف واجب كما في أول سورة البقرة إذا وقفت عند وقف لا يجوز أن تقف عند الآخر؟
-
ما هو سر النون التي تحذف في جمع المذكر السالم والمثنى عند الإضافة قد يقال إنها للتخفيف لكنني أرى أنها أحياناً تأتي بمثابة تنوين فما رأي الدكتور في هذه المسألة؟
-
مداخلة شعرية من الأخ راضي من ليبيا:
عربية اللغة لها أمجادها |
تاريخها باقٍ على الأزمان |
وبقاؤها قد جاء في قرآننا |
أعظِم بها يا منّة الرحمن |
شرفٌ لمن درس الكتاب وآيُهُ |
بين الورى هو عالمٌ ربّاني |
متألقاً يا ابن العراق حقيقة |
متبحراً في آية القرآن |
أخرجتَ من بحر الكتاب كنوزه |
وأزحت جهلاً قائمَ الأركان |
دُرر الفصاحة في كلامكَ حكمةٌ |
قد صغتها عقداً من المرجان |
حياك ربي إذ أبنت كلامه |
أعلاك منزلةً على الأقران |
يا فاضلاً قد نلت فضلاً كاملاً |
متكاملَ الأجزاء والأركان |
قد جئت بالسحر الحلال حقيقة |
فالسحر منكم لمسةٌ ببيان |
لمساتكم قد أظهرت حقاً لنا |
آيُ الكتاب بحلة العقيان |
فحديثكم عذبٌ لذيذٌ نُطعه |
في النفس معطوفاً على الأذهان |
ببلاغة يأتي الحديث منمقاً |
بفصاحة وبراعة وبيان |
برنامجاً فيه البيان لآيةٍ |
قد أنزِلت في محكم القرآن |
هو درةٌ بين البرامج كلها |
أعظِم بها في رتبة الأعيان |
هي ساعةٌ يحلو الكلام بذكرها |
يا ليتها طالت بذا العقدان |
هو مجلسٌ نَظَم المفيد بطرحه |
متنزهاً عن قولة الهذيان |
في جلسة أعطى المقدم حقها |
متبسماً في قوله إحسان |
يُرسي الحديث براعة بكلامه |
وسؤاله للشيخ في إتقان |
الله أسأل أن يديم معينكم |
فمعينكم يروي ظمأ العطشان |
يا رب احفظ شيخنا ومقدماً |
لمساتُ آيٍ رتعت ببيان |
-
ما هي اللمسات البيانية في الآية (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا (23) الإسراء)؟
-
مداخلة في الآية (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ (186) البقرة) دعوة الداعي التركيز على الدعوة ولو كان التركيز على الداعي والداعي إسم فاعل فكان يجب أن يحسن الدعاء ولكن ماذا عن الأصم الذي يدعو بقلبه فلذلك يدخل في الدعوة.
-
القول أن الزيادة في المبنى زيادة في المعنى فهل يمكن شرح هذه الجملة؟
-
في سورة مريم (يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا (45)) قال عذاب من الرحمن أليس هناك بعد بين العذاب والرحمة؟
-
في سورة يوسف قال تعالى (قَالُواْ لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ (14)) ويقال في اللغة افترسه الذئب فما دلالة استخدام أكله في الآية؟
-
(وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (33) الأنبياء) لماذا لم يقل يسبح مع أنها لغير العاقل؟
-
سؤال نحوي: هل يجوز أن أقول: مررتُ بمآذنَ وقُبَّةِ المسجد الأموي؟ نعم يجوز.
بُثّت الحلقة بتاريخ 10/7/2008م
2009-01-23 22:40:16الدكتور فاضل السامرائي>برنامج لمسات بيانيةpost