الحلقة 160
اللمسات البيانية في سورة يس
المقدم: توقفنا في اللقاء المنصرم عند قوله تبارك وتعالى (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ (12) يس) أخذنا فكرة عامة عن الآية الكريمة ثم تعرضنا لمسألة التأكيد في قوله تبارك وتعالى (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى) نود أن نذكِّر بهذا التأكيد لأنه في سورة الحجر هناك توكيد من نوع آخر في قوله تعالى (وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ (23))
د. فاضل: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وإمام المتقين سيدنا محمد وعلى آل وصحبه أجمعين ومن دعا بدعوته إلى يوم الدين. ذكرنا في حينها (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى) أكد بـ إنّ وجاء بضمير الفصل (إنا نحن) وقلنا هذا التوكيد لغرض الاهتمام والقصر يعني ربنا فقط هو الذي يحيي ويميت دون غيره فأكد ذلك وجاء بضمير الفصل للدلالة على الحصر يعني لا يفعل ذلك إلا الله. أما السؤال الذي تفضلت به هو في سورة الحجر قال (وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ (23)) أكّد، في يس قال (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى) وهنا قال (وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ). لو لاحظنا في الحجر التي فيها التوكيد أكثر مما في آية يس نلاحظ في السياق نفسه ذكر من مظاهر قدرته وفصّل فيها ما لم يذكره في سورة يس. ولا شك أن إحياء الموتى من مظاهر القدرة ففصّل فيها، قال في سياق سورة الحجر (وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ (16) وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ (17) إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ (18) وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ (19) وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ (20) وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (21) وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ (22) وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ (23)) فصّل في سياق سورة الحجر من مظاهر القدرة ما لم يفصّل في يس. أصلاً لم يذكر هذا الشيء في يس، فناسب الإيجاز الإيجاز والتفصيل التفصيل
المقدم: من حيث حالة العامة
د. فاضل: من حيث الحالة العامة فصّل ففصّل قال (إنا لنحن) فيها توكيد فهي مناسبة للسياق. هذا من ناحية ومن ناحية أخرى ايضاً فصّل في ذكر الحشر في الحجر ما لم يذكره في يس. قال في الحجر (وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ (23) وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ (24) وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (25)) في يس لم يقل إلا (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى) فقط هذا في الحشر أما (وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ) هذا في الدنيا. بينما في الحجر فصّل فقال (وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ (23) وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ (24) وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (25)) فمن ناحية أخرى ناسب التأكيد في آية الحجر، يعني مناسب للمقام والسياق.
المقدم: هل مسألة إحياء الموتى تحتاج إلى كل هذه التأكيدات؟ (إنّا) تأكيد و(نحن) فيها تأكيد لتقديمها و(إنا لنحن) كل هذه تأكيدات لإثبات فكرة نحيي الموتى وجاءت في موضع في القرآن الكريم؟
د. فاضل: كثير من الناس ينكرون إحياء الموتى. هنالك قسم يؤمن بالله وينكر الحشر وهم كفار قريش (قُلْتُم مَّا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ (32) الجاثية) (أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ (15) ق) وهم مؤمنون بالله، (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (61) العنكبوت) إذن هذه المسألة تحتاج لأن ينكرها الكثير حتى أحياناً قسم من الذين يؤمنون بالله يرون مظاهر خلقه من إنزال السماء وقدرته لكن ينكرون إحياء الموتى فتحتاج إلى توكيد.
المقدم: (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى) أو (وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ) هذه اللام تعطي من التوكيد بما لا يعطي في النفس مجال للشك؟
د. فاضل: زيادة في التأكيد.
المقدم: في قوله (وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ) ما معنى (وآثارهم)؟
د. فاضل: نكتب ما قدموا من الأعمال الصالحة أو غير الصالحة هذه (وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا)، تبقى الآثار والآثار ما أبقوه بعدهم من أعمال البر أو الإساءة. إذا انقطع العمل آثاره تبقى يعني الإنسان قد يعمل في حياته أعمالاً فيها فائدة للمسلمين يبقى بعده كتأليف كتاب أو بناء مسجد أو مدرسة تعلم الناس أو من أعمال البر أو سنّ أيّ سنة حسنة هذه تبقى له وتكتب له في صحيفة الأعمال حيث انتفع بها الناس وإلى متى انتفعوا. وبالعكس قد يعمل عمل فيه إضرار بالمسلمين مثل مظلمة أو ابتداع بدعة سيئة أو نشر أفكار ضارة بالمسلمين أو معادية للإسلام أو معصية إلى غير ذلك من أعمال السوء هذه تكتب عليه أوزار بقدر ما أحدثت من أضرار وبقدر ما تُحدث من أضرار تدون له وهو في قبره، وذاك وهو في قبره تدون له آثار أعمال الخير والبر وهذا تدون عليه الأوزار كما قال صلى الله عليه وسلم: “من سنّ سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة من غير أن ينقص من أجورهم شيء ومن سنّ سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة”.
المقدم: في قوله تبارك وتعالى (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ) توسط الكتابة أو موقع الكتابة هنا هل له غرض مقصود؟
د. فاضل: هو قدّم إحياء الموتى على الكتابة مع أن إحياء الموتى متأخر عن الكتابة.
المقدم: في خارج القرآن نتصور نكتب ثم نحيي الموتى وليس العكس لأن الكتابة تأتي مع الحياة وليس بعدها.
د. فاضل: طبعاً من ناحية النحو الواو لا تفيد ترتيباً ولا تعقيباً، حضر فلان وخرج فلان، ليس فيها شيء. ثم التقديم والتأخير لا يقوم على السبق في الزمن دائماً أو على الأفضل ولذلك لاحظ أحياناً يقدم المتأخر (كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ (4) الحاقة) ثمود بعد عاد، مرة يقدم السجود على الركوع (يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (42) آل عمران) ومرة يقدم الركوع على السجود. مرة يقدم الموت على الحياة (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2) الملك) ومرة يقدم الحياة على الموت. وأحياناً حتى في الأشخاص يقدم المتقدم في الزمن وأحياناً يؤخر الزمن. (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإْسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (163) النساء)
المقدم: هل لهذا غرض بلاغي أم هو محض جمع ورصّ كلمات؟
د. فاضل: هو كما ذكرنا في أكثر من مناسبة هو السياق. يعني أحياناً يأتي ما يقتضي التقديم من الأسبق في الرتبة أو الأفضل أو بالعكس الكثرة (فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ (2) التغابن)، السياق هو الذي يقدم ما دام الواو لا تفيد التعقيب ولا تفيد الترتيب وطالما لا تفيد الترتيب إذن التقديم والتأخير سيكون بحسب ما يقتضيه السياق. وأنا أذكر في الحلقة السابقة ذكرنا (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ (32) فاطر) (وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقًا (69) النساء) هذا الأمر يتعلق بالمقام بالسياق قد يكون حسب السبق في الزمن وقد يكون حسب الرتبة
المقدم: واضح مما تفضلت به من أمثلة أنه لا يعري الزمن اهتماماً ولا يعري الترتيب اهتماماً ولا التصور المنطقي أيضاً لا يعطيه اهتماماً (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ) يقول نكتب ونحيي؟!.
د. فاضل: هذا أمر بلاغي
المقدم: ولا التصور البلاغي لا يعطيه أيضاً اهتماماً لماذا لم يقل نكتب ونحيي؟
د. فاضل: الكتابة الغرض منها لما بعد الموت أو في الحياة؟
المقدم: لما بعد الموت
د. فاضل: هي المهم إذن قدّم الأهم، الكتابة لا قيمة لها إلا إذا كان هنالك حياة للموتى، وإلا ما قيمة الكتابة؟ لماذا يكتب؟
المقدم: بعد البعث لا شيء
د. فاضل: إذن هو قدم الأهم فعلاً لأن الغرض الأول الكتابة هو لما بعد الموت.
المقدم: إذن فالموت هو الأهم.
د. فاضل: إذن نحيي الموتى هي أهمّ والثانية تابعة لها فإذن أيّ الأهم في الواقع؟ إحياء الموتى. ثم إحياء الموتى مناسب لما ذكره من قبل من التبشير والإنذار (لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ (6)) و (فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ (11)) هذا كله يكون في الحياة بعد الموت، إذن هو مناسب لما قبله. إذن هو رتبها بحسب الأهمية، أهمّ شيء في المذكورات هو الحياة بعد الموت، ثم كتابة الأعمال، ثم الآثار لأن الآثار هي من أثر الأعمال كتابة الآثار. إذن أهمّ شيء هو الحياة بعد الموت ثم كتابة الأعمال لأنها لها ثم إحصاء الآثار. هناك أمر آخر وهو قدّم الأهمّ من ناحية أخرى ليس فقط لهذا الترتيب وإنما قدّم ما لا يستطيع فعله إلا الله، الكتابة يمكن أن يفعلها المخلوقون الملائكة مثلاً يفعلونها من حيث الفعل في حد ذاته، الكتابة يفعلها البشر لكن إحياء الموتى لا يستطيع أن يفعلها فقدم من ناحية أخرى ما لا يستطيع فعله إلا الله وهو الإحياء ولذلك جاء في الأسلوب المؤكد (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ) لكن ما قال “وإنا نحن نكتب” وإنما قال (ونكتب) لأنها دونها في التوكيد.
المقدم: لماذا أكدّ هنا ولم يؤكد نكتب مع أن الكتابة حادثة بالفعل وعليها المعوّل في الحساب؟
د. فاضل: ولكنها ليست بمنزلة إحياء الموتى، قدّم ما يفعله الله على ما يفعله غيره لأن الكتابة فعل الملائكة وقد قال تعالى (وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ (80) الزخرف) (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18) ق) إذن التقديم من كل ناحية.
المقدم: إذن لا يباشر هذا العمل إلا الله سبحانه وتعالى، وإن كانت الملائكة تكتب فبأمر من الله هم يكتبون أما إحياء الموتى فلله والملائكة لا تحيي.
د. فاضل: طبعاً بلا شك. إذن من كل ناحية إذا كان الغرض الأول فإحياء الموتى هو الغرض الأول والكتابة بعدها لأنه لا قيمة لها إن لم يكن هناك إحياء موتى. وإذا كان من حيث الأهمية فإحياء الموتى أولاً ثم الكتابة ثم الآثار لأنها بعد العمل. وإذا كان من حيث ما يفعله الله فلا شك أن هذا دونه.
المقدم: هم ينكروا اصلاً إحياء الموتى فربما قُدمت لهذا الغرض أيضاً.
د. فاضل: ممكن، أصلاً السورة مبنية والجو فيها في الحياة بعد الموت. سورة يس ليس فيها ذكر الكتابة بقدر ما فيها ذكر إحياء الموتى، يشيع فيها ذكر إحياء الموتى عموماً (وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ (32)) هذا يكون بعد الإحياء، (وَآيَةٌ لَّهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (33)) (وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (48)) الوعد الحشر (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ (51) قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (52)) (إِن كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ (53)) ثم يذكر مشهداً من مشاهد الحياة الآخرة في الجنة وفي النار (إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ (55)) (هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (63)) وآخر السورة (وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79)) أصلاً السورة يشيع فيها هذا الطابع العام فالتقديم مناسب للطابع العام.
استطراد من المقدم: معذرة إسمح لي كإبن لكم إذا جاءت فرضاً تقديم الكتابة على إحياء الموتى سنذهب ونلتمس أيضاً ما تفضلت به أن الكتابة عمل فقدمت الكتابة على إحياء الموتى لأن الكتابة كذا وعليها حساب العباد وفيها جنة ونار وسنلتمس ما تفضلت به!.
د. فاضل: لكن لو أثار لك سؤالاً واحداً وقال لك ما الغرض من الكتابة؟ لماذا تكتب؟ ماذا ستقول؟
المقدم: للحساب
د. فاضل: إذن الكتابة ليست لذاتها. أيُّها الأهم لما أُعدّت له أو لها هي؟ هذا سؤال للمناقشة؟
المقدم: هي متعلقة على شيء آخر.
د. فاضل: إذن هي لذلك الغرض فستكون الأهمية لها.
المقدم: لا يقول قائل مثلاً بأنكم كعلماء تنظرون في بيان القرآن الكريم أنكم تأوّلون بحسب ما جاء في آي القرآن الكريم وإذا جاء بأسلوب آخر أيضاً ستقولوا نفس الكلام.
د. فاضل: هو هذا فعلاً كنت أنا أشاهده وأحسه في قسم من التعليلات. وكنت أقول لو قيل على نمط آخر وقد ذكرته في بداية كتاب التعبير القرآني ثم قلت ننظر ونبحث ونثير سؤالاً آخر ونرى ماذا سيحصل ولاحظت -ولا أقول أني عرفت الأساليب القرآنية –
المقدم: لا، ما شاء الله عليك، هذا من تواضعك أنت عالم يا دكتور بارك الله في علمك.
د. فاضل: هنالك أمور أحياناً نراها كالقانون الرياضي أحياناً يعني تأخذ نمطاً دقيقاً بحيث لو أقول نفعل هذا؟ تقول لا. حتى أني كنت أقول لطلابي في الدراسات العليا أحياناً كنت أثير مسألة وأقول لهم هذه العبارة مثلاً لو بدلنا العبارة بهذا أو وضعنا ما ختمت به هذه الاية مكان هذه ماذا تقولون؟ ثم نبدأ ندرسها من الناحية اللغوية ثم نقول الآن نغير؟ فيقولون لا، كيف نغير؟ لا يصح. أنا لا أقول أن كل التعليلات التي قال بها العلماء ضروري أن يعتقد بها الشخص ويقتنع بها ربما يكون لا يقتنع بها لكن في المناقشة والنظر فيها يغير كثيراً من هذه النظرة.
المقدم: أفهم من كلامك أننا لا نستطيع أن نحكم على دلالة كلمة خارج السياق، الكلمة خارج السياق لا تفي بشيء والآية داخل منظومة الآيات تعطي مسرحاً للأحداث ومسرحة الأحداث من خلالها نستنبط الحكم وليس مجرد النظر في آية أو في معنى كلمة.
د. فاضل: لا
المقدم: في قوله تبارك وتعالى (وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ) لماذا جاءت نكتب وليس نعلم مثلاً والله سبحانه وتعالى يعلم كل شيء؟ فلماذا جاءت (نكتب) تحديداً؟
د. فاضل: لغرض الاهتمام حتى توثيقها وإطلاع صاحبها عليها (مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا (49) الكهف) يجب أن يقرأ شيئاً لتوثيقها أما العلم فهو أمر آخر (وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49) الكهف) إذن الكتابة الآن هي المهمة هي تتناسب مع إحياء الموتى وإطلاع صاحبها عليها، إذن يعلم ونعلم ولكن هذا توثيق فيها.
المقدم: هل الناس تحتاج لمثل هذا التوثيق من قِبل الله عز وجل؟ سبحانه عنده علم الأشياء.
د. فاضل: كيف لا يحتاجون؟ إقامة الحجة عليه لا له، إقامة الحجة على الشخص وليس له، يقال له أنت فعلت كذا انظر في هذه الصحيفة ماذا ترى فيها؟
المقدم: إذا جاء الله تعالى وقال هؤلاء بعث النار وهؤلاء في الجنة وتنتهي القضية على هذا الشكل؟
د. فاضل: لكن هذا هل يراه الشخص من العدل أم يطلعه على ما فعل؟ ولذلك هو يقول : إن أهل النار يقضى بهم إلى النار وحمده في قلوبهم لأنهم علموا أنه لم يظلمهم وأنه أعطى لهم الفرصة الكافية ليرعووا وأعطاهم كل الأشياء التي كان يمكن فيها أن يرعووا ويكونوا من أصحاب النعيم. إذن إن أهل النار يُقضى بهم إلى النار وإن حمده لفي نفوسهم وفي قلوبهم.
المقدم: يقيم الحجة الكاملة
د. فاضل: فيقول يقول أنا استحق هذا، هذا ما عملته
المقدم: وبالتالي قال ربنا (ونكتب) وليس ونعلم. الموقف موقف حساب.
المقدم: ما زالت هذه النقطة مستمرة سيدي الدكتور فاضل، الكتابة ألا تفي بالغرض فلماذا ذكر بعدها الإحصاء (وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ)؟ هو ذكر الكتابة وهي جزء من الإحصاء؟
د. فاضل: لا، أحياناً يكتب ويضيع لكن الإحصاء هو الجمع والحفظ، يجمعها ويحفظها لكن أحياناً تكتب ورقة ويتركها كنا في السابق نكتب ما نكتب ونرمي. أما الإحصاء حفظها وجمعها حتى تكون جاهزة لمن يحاسبه رب العالمين.
المقدم: يعني لو ذكر الكتابة فقط يُتوهم معه أنه تضيع الكتابة وذكر الإحصاء قيّد المكتوب.
د. فاضل: حفظها وجمعها في موضع واحد ووضعها سابقاً في الإمام المبين
المقدم: لماذا أحصيناه تحديداً بصيغة الماضي؟
د. فاضل: لأنها أسبق من الكتابة (وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا) والناس أحياء (وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ) هذا قبل أن يخلق الخلق، في اللوح المحفوظ.
المقدم: الكتابة متعلقة بأفعال الخلائق
د. فاضل: (وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ)
المقدم: قبل أن يوجدوا.
د. فاضل: أحصيناه فعل ماضي
المقدم: يعني هي موجودة في اللوح المحفوظ قبل أن يوجدوا؟
د. فاضل: هي مكتوبة في اللوح المحفوظ، ربنا سجّل كل شيء.
المقدم: إذن نحن مسيّرون طالما أنه سجل الأشياء علينا
د. فاضل: لكن لم يجبرك عليها، هذا علمه
المقدم: سبق في علمه أنا سنعمل كذا فكتبه. إذن الإحصاء قبل الكتابة، الكتابة متعلقة بأفعال الخلائق والإحصاء قبلها.
د. فاضل: (فِي إِمَامٍ مُبِينٍ)
المقدم: ولهذا هل الإحصاء في إمام؟ أو نكتب في إمام؟
د. فاضل: لا، نكتب، (إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17) ق) هذه صحيفة الأعمال
المقدم: كأن الكتابة من الملكين والإحصاء عند الله سبحانه وتعالى
د. فاضل: (وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ (80) الزخرف) لديهم
المقدم: الإحصاء لله سبحانه وتعالى؟
د. فاضل: هم يكتبون وربنا يحفظها
المقدم: لماذا (وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ (12) يس) نصب (كل) وليس بالرفع كما قال (وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ (52) القمر) فلماذا النصب؟
د. فاضل: هذا النصب نسميه اشتغال، هذا اصطلاح نحوي “التنازع والاشتغال”. هو المعنى بنصب (كل) عند النحاة بمعنى أحصينا كل شيء، التقدير عند النحاة أحصينا كل شيء أحصيناه،
المقدم: خارج القرآن ما أصل (كلَّ شيء أحصيناه)؟
د. فاضل: (كلَّ) مفعول به لفعل محذوف يفسره المذكور يعني أحصينا كل شيء في إمام مبين.
المقدم: على غرار (وقرآناً فرقناه) وفرقنا قرآناً فرقناه.
د. فاضل: إذن (وكل شيء أحصيناه) معناه أحصينا كلَّ شيء في إمام مبين، هذا معناها. الرفع يحتمل معنيين
المقدم: علمتنا أن الرفع أقوى من النصب
د. فاضل: الأصل هذا واضح، دلالة قطعية مفعول به لفعل محذوف أحصينا كلَّ شيء في إمام مبين، هذا النصب دلالة قطعية. الآن لو قال قائل و(كلُ شيء أحصيناه في إمام مبين) ما دلالة هذا التعبير؟
المقدم: (كلُ شيء) مبتدأ وخبر
د. فاضل: ما دلالته؟ وأين الخبر؟ (في إمام) أو أحصيناه؟
المقدم: (في إمام).
د. فاضل: (في إمام) و(أحصيناه) يحتمل وسيتغير المعنى. أحد أمرين إما أن يكون (كلُّ) مبتدأ وأحصيناه خبر فيكون مثل المعنى الأول، (كلُ شيء أحصيناه في إمام) هذا معنى. والمعنى الآخر أن جملة (أحصيناه) نعت لـ (كل) والخبر (في إمام) يعني كلُ شيء أحصيناه موجود في إمام. إذن (في إمام) خبر، لكن ما هو المعنى، كلُ شيء أحصيناه يعني الأفعال قسمان قسم أحصاه وقسم لم يحصه.
المقدم: في قوله (كلُ شيء أحصيناه) فيها دلالة أن هنالك قسم لم يُحصى
د. فاضل: قسم لم يُحصى، الذي أحصاه في إمام والذي لم يُحصى؟ ولذلك جاء بالدلالة القطعية التي لا تحتمل هذا الشيء.
المقدم: أنه ما ترك شيئاً إلا أحصاه.
د. فاضل: أنت ذكرت (وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ (52) القمر) لا يمكن أن يقول (كلّ شيء) يعني وفعلوا كلَ شيء في الزبر؟ ماذا فعلوا في الزبر؟
المقدم: مع أن كل شيء فعلوه في الزبر مكتوب في الزبر، موجود.
د. فاضل: ولذلك لا يمكن النصب هنا، النصب هنا يوهِم أن كل شيء فعلوه في الزبر، ماذا فعلوا في الزبر؟ لاحظ مثلها (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49) القمر) ما قال (كلُ) لو قال كلُ يعني هناك أجزاء مخلوقة وأجزاء غير مخلوقة، الذي خلقناه بقدر والذي خلقه غيرنا؟ تؤدي إلى أن هناك خالق آخر!.
المقدم: حتى قطع احتمالية ورود فهم ثاني إلى الذهن.
د. فاضل: لا يمكن، (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) يعني خلقنا كلَّ شيء، بينما إنا كلُ شيء خلقناه فيها احتمالين
المقدم: وفيه دلالة قريبة
د. فاضل: إنا كلُ شيء خلقناه بقدر والذي خلقه غيرنا
المقدم: الرفع هنا يوهم أنه خلق وغيره خلق تعالى الله عن ذلك، توحي بمعنى الشرك والعياذ بالله، فبالنصب هنا تحدد دلالة قطعية واحدة؟
د. فاضل: طبعاً
المقدم: أبو لهب كان يفهم هذا الكلام ولم يؤمن؟!
د. فاضل: هو أعلم بذلك مني ومنك.
المقدم: قلت هنا اشتغال، ما معنى اشتغال؟ وأين نجده في هذه الآية الكريمة (وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ (12)):
د. فاضل: (أحصى) فعل متعدي يأخذ مفعولاً به، أحصيناه أخذ المفعول به (الضمير) إذن هو اشتغل بنصب الضمير
المقدم: اشتغل بالضمير عن نصب المفعول السابق
د. فاضل: لو لم يكن هناك ضمير ما نسميه اشتغال. مثلاً (محمداً أكرمتُ) ليس فيها اشتغال وإنما مفعول به مقدّم مثل (وربك فكبر)، مثل (إياك نعبد) لكن إذا قلت (محمداً أكرمته) صار اشتغال لأن الفعل اشتغل بنصب الضمير، هذا يحتاج إلى فعل، اشتغل عن نصبه بنصب ضميره.
المقدم: في قوله تعالى (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ) ماذا يفيد هذا المثل؟
د. فاضل: هذه (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ) تحتمل معنيين. محتمل أنه بيِّنه لهم إضرب لهم المثل أخبرهم قص عليهم قصة أصحاب القرية لعلهم يتعظون، لعلهم يرعوون.
المقدم: يتخذونها مثلاً ومثال يحتذى به
د. فاضل: قل لهم أنا لست بدعاً من الرسل وإنما قبلي هؤلاء رسل جاؤوا على القرية فأنبأوهم فكذبوا فماذا فعل الله بهم؟، هذا الأول إضرب لهم يعني بيِّنه لهم ووضحه لهم. الأمر الآخر بيّنه لنفسك إضرب هؤلاء المثل بنفسك قل أنا لست بدعاً من الرسل بل هنالك أقوام أوذوا مثل ما أُذيت، اضرب لهم أنت هذا المثل بنفسك اضربه سيكون على هذا المعنى أن قومك ليسوا بدعاً من الرسل بل هناك أقوام مثلهم في التعنت والكفر وسواء عليهم الإنذار وعدمه وكان موقفهم من التكذيب مثل ما تلاقي أنت من هؤلاء فكان عاقبتهم فأنت اصبر تصبر وتأسى لست أنت الوحيد في هذا. فإذن هما دلالتان وهما مطلوبتان الأول أن يضرب لهم مثلاً لعلهم يتعظون (لقومه) والآخر أنت تمثّل هذا لنفسك، إضرب لهم أي مثّل في نفسك هذا الأمر.
المقدم: في قوله تبارك وتعالى (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (13) يس) لم يقل جاءهم مع أن الكلام عن أصحاب القرية؟
د. فاضل: المقصود أنهم ذهبوا إليهم في مكانهم، إلى القرية. لو قال جاءهم ليس بالضرورة، قد يكونوا جاؤوا إلى مكان قريب فذهبوا إليهم، يعني أهل القرية جاؤوا في مكان وخرج إليهم الرسل فبلغوهم، هذا جاءهم. جاءها تختلف يعني وإنما ذهبوا إليهم في دارهم فبلغوهم، هذه فيها اهتمام بالتبليغ.
المقدم: أن الرسول r ذهب إليهم في عقر دارهم فبلّغهم
د. فاضل: بينما لو قال جاءهم ليس بالضرورة هذا المعنى
المقدم: لا توحي أن الرسل ذهبوا إليهم في ديارهم وإنما توحي أنهم التقوا، تقابلوا
د. فاضل: توحي أنهم تقابلوا هنا أو هناك. لا، هذا فيه اهتمام.
المقدم: قد يقول قائل ما الحكمة التقوا، تقابلوا، خرجوا هنا أو هناك المهم أن الرسل ذهبت إليهم؟
د. فاضل: هذه فيها اهتمام أن يذهبوا إليهم يعني متفرغون للسماع والتبليغ، التبيلغ تقتضي البقاء عندهم حتى يبلغوهم أما أن يأتوا إلى مكان لحاجة عارضة، هناك فرق في الاهتمام
المقدم: هل هذا من قبيل المجاز؟ قال أصحاب القرية والقرية لا يجاء إليها؟ مثل (وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا (82) يوسف) كيف يسأل القرية أو كيف يأتون للقرية؟
د. فاضل: لماذا؟ القرية تقال للقوم (وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ (40) الفرقان) القرية تستعمل للساكن وغير الساكن فيها (وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ (40) الفرقان) يعني على الأبنية التي فيها. القرية تستعمل لهذا ولهذا.
المقدم: ربما يطلق القرية ويقصد أصحاب القرية الناس الذين يسكنون فيها.
د. فاضل: يمكن أن تمر عليها وهي خاوية على عروشها (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا (259) البقرة)
المقدم: لماذا قال (جاءها) ولم يقل أتاها مع أن القرآن يستخدم أتاها ايضاً؟
د. فاضل: في حلقات قديمة ذكرنا الفرق بين جاء وأتى في القرآن, (جاء) يستعمل لما فيه مشقة، أصعب، و(أتى) يستعمل لما فيه سهولة. (لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89) مريم) (وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ (19) ق) (فَإِذَا جَاءتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى (34) النازعات) (فَإِذَا جَاءتِ الصَّاخَّةُ (33) عبس). نلاحظ أحياناً تعبيران متقاربين ومرة يستعمل جاء ومرة أتى لبيان أن أحدهما أشد من الآخر مثلاً (أَتَى أَمْرُ اللّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ) (فَإِذَا جَاء أَمْرُ اللَّهِ) لو مشينا بالسياق ولا نأخذ الجملة مقتطعة (أَتَى أَمْرُ اللّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (1) النحل) هو لم يأت بعد، أما (فَإِذَا جَاء أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ (78) غافر) هذا يوم القيامة قضي بالحق، هناك ليس فيها قضي بالحق (فلا تستعجلوه) يعني لم يحلّ بعد فلا تستعجلوه، بينما هنالك جاء وحصل وصار قضاء وخشسران، أيّ المجيئين أشق؟ الثاني فاستعمل (جاء). (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاء وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (110) يوسف) (وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ وَلَقدْ جَاءكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ (34) الأنعام) (جاءهم نصرنا) – (أتاهم نصرنا) لكن ضعها في سياقها (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاء وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (110) يوسف) فيها شدة. الثانية (وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ) تلك (إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا)، هذه أشد من تلك، أقوى. (جَاءهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاء وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) (حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ وَلَقدْ جَاءكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ) أيُّ المجيئين أشد؟ الأولى. فإذن (جاء) في القرآن تستعمل لما هو أشد وأشق.
المقدم: لغة هل هناك فرق بينهما؟
د. فاضل: نعم في اللغة كأنهم قالوا أن الميتاء هي السهلة والأتيّ السيل المار كأنما يشعرون أن فيها سهولة.
المقدم: في فرعون قال (فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ (47) طه) مع أن فرعون كان باطشاً وجباراً ومتكبراً؟
د. فاضل: لكن الذهاب إليه سهل في الطريق. هما في الطريق ذاهبين إليه. وهناك أمر أضيفه (فَأْتِيَاهُ) في القرآن الكريم لم يأت فعل مضارع لفعل جاء ولا فعل أمر ولا إسم فاعل ولا إسم فاعل وإنما كله ماضي (فَأْتِيَاهُ) هذا ماضي. بينما من أتى يأتي الماضي والمضارع والأمر واسم الفاعل والمصدر. ليس في القرآن مجيء ولا يجيء ولا غيرها بينما من أتى يأتي الأمر والمضارع وإسم الفاعل والمصدر، هذه تعود أيضاً للصعوبة واليسر.
المقدم: إذن القرآن الكريم يكسو بعض الكلمات بعض الدلالات الخاصة به وهناك خصوصية الاستعمال داخل القرآن؟
د. فاضل: نعم.
أسئلة المشاهدين خلال حلقة 30/3/2009م:
(الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2) الملك) ما اللمسة البيانية في تقديم الموت على الحياة مع أن الحياة تكون قبل الموت؟
(وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَـكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي (143) الأعراف) لماذا قال (لن تراني) ولم يقل لن أُرى وكأن المقصود بها موسى عليه السلام أنه لن يراه فقط بينما غيره يراه؟
(وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24) الإسراء) ما اللمسة البيانية في الآية؟ وما معنى الجناح، جناح الذل؟ والعلاقة بين الذل والرحمة في نفس الآية؟
(يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (43) آل عمران) ما اللمسة البيانية في تقديم السجود على الركوع؟ ولماذا لم يقل اسجدي مع الساجدين؟
في سورة النمل (حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (18)) ما دلالة لفظ تحطيم؟
ما الفرق بين النفس والروح؟ ولماذا لم يستعمل الروح في الآية (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) الفجر)؟
وردت قصة آدم في أكثر من سورة (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (34) البقرة) وفي الأعراف (وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ (11)) وفي الحجر (إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى أَن يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (31)) وفي الاسراء (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إَلاَّ إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا (61)) وفي الكهف (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ (50)) وفي طه (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى (116)) وفي ص (إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ (74)) ما سر الاختلاف ين الآيات؟
قال إبراهيم عليه السلام في سورة الشعراء (الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81)) نلاحظ ضمير الحصر مع الخلق (فَهُوَ يَهْدِينِ) ومع المرض (فَهُوَ يَشْفِينِ) ليس غيره وبالنسبة للإطعام والسقي (هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ) إلا مع الإماتة (يُمِيتُنِي) لم يقل والذي هو يميتني مع أن الموت حصراً لله فلماذا لم يحصر بالضمير؟
(قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى (49) قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (50)) فرد فرعون (قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى (51) قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى (52) طه) هل نستطيع أن نقول هنا في الآية توقف موسى عن الكلام لأنه بعدها قال (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى (53)). كيف نعرف أن النبي توقف كلامه هنا؟ وهل نستطيع أن نقول أن موسى هو الذي رد على فرعون (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا) متى نعرف أن النبي هنا توقف وبعدها يتكلم الوحي؟
بُثّت الحلقة بتاريخ 30/3/2009م
رابط الحلقة (فيديو)
http://www.islamiyyat.com/video.html?task=videodirectlink&id=1198
http://www.islamiyyat.com/video.html?task=videodirectlink&id=1200
http://www.islamiyyat.com/video.html?task=videodirectlink&id=1199
http://www.islamiyyat.com/video.html?task=videodirectlink&id=1201
2009-03-31 05:04:23الدكتور فاضل السامرائي>برنامج لمسات بيانيةpost