الحلقة 174
اللمسات البيانية في سورة يس
المقدم: في اللقاء المنصرم توقفنا بعون الله تعالى عند قوله تعالى (وَآيَةٌ لَّهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (33)) تعرضنا لبعض النقاط الموجودة في هذه الآية واليوم وصلاً بما سبق نكمل اللقاء حول هذه الآية متوقفين عند قوله تعالى (وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (33) وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنْ الْعُيُونِ (34)) لماذا بدأ بالحبّ ثم ذكر الجنات من النخيل والأعناب؟
د. فاضل: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وإمام المتقين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن دعا بدعوته إلى يوم الدين. قال سبحانه وتعالى (وَآيَةٌ لَّهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (33) وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنْ الْعُيُونِ (34) بدأ بالحَبّ لأنه طعام الإنسان، هو قوت البشر، الناس من دون الحَبّ جياع. ليس مثل الجنات من النخيل والأعناب وما إلى ذلك، تلك مرحلة أكبر، بدأ بما هو أهم
المقدم: ما هو الحَبّ؟
د. فاضل: عموم ما يؤكل الحنظة والشعير والأرز، هذا الحَبّ
المقدم: إذن هذا مهم في حياة الإنسان.
د. فاضل: حياة الإنسان قائمة على الحَبّ، والناس من دونه جياع.
المقدم: النخيل والأعناب هذه فواكه
د. فاضل: فواكه تأتي بعده قال (فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ) قدّم (منه) لم يقل يأكلون منه لأهمية الحبّ كأنما الأكل الآخر كله ثانوي بالنسبة لهذا الأكل.
المقدم: لو قال فمنه يأكلون غير يأكلون منه ؟
د. فاضل: طبعاً، هذه فيها اهتمام أكبر. كأنما الغذاء الرئيسي في الأكل والقوت (منه)
المقدم: يأكلون منه يعني يأكلون منه ومن غيره.
د. فاضل: لكن هذا هو الأمر الأول أساسي كأنه لا قوت غيره. إذا ذهب الحَبّ ذهب القوت والناس وقعوا في مجاعة.
المقدم: (وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ) نلاحظ هنا أنه قدم النخيل على العنب مع أنه في مكان آخر مثل سورة عبس (فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبًّا (27) وَعِنَبًا وَقَضْبًا (28) وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا (29) وَحَدَائِقَ غُلْبًا (30)) أيضاً عكس الترتيب وكذلك في سورة الرعد (وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاء وَاحِدٍ (4)) فلماذا اختلف الترتيب عن الرعد وعبس عنه في سورة يس؟
د. فاضل: لو نظرنا في آية يس (وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنْ الْعُيُونِ (34) لِيَأْكُلُوا مِن ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ (35)) المقصود بالنخيل والأعناب هو الشجر الآن وليس الثمر هنا فيما ورد
المقدم: هنا في يس المقصود بالنخيل والأعناب
د. فاضل: الشجر، شجر النخيل وشجر الأعناب
المقدم: ليس الثمر
د. فاضل: لا، لأنه قال (لِيَأْكُلُوا مِن ثَمَرِهِ)
المقدم: يعني المراد هنا الشجر (وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ) هنا لينصرف ذهننا إلى النخيل والأعناب في حد ذاتها
د. فاضل: هو قال جنات، ما هي الجنات؟ شجر، قال (وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ) الجنات ماذا أشجار أم ثمر؟
المقدم: أشجار
د. فاضل: فإذن هو الآن ذكر الشجر (وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ) ثم قال (لِيَأْكُلُوا مِن ثَمَرِهِ) ثمر من؟
المقدم: النخيل والأعناب.
د. فاضل: إذن هو لم يذكر الفاكهة نفسها وإنما ذكر الأشجار، الجنات ثم قال (لِيَأْكُلُوا مِن ثَمَرِهِ)
المقدم: وفي عبس والرعد؟
د. فاضل: لا، مختلفة، الآن ننظر فيها. هنا قدّم النخيل على الأعناب في هذه الآية (جَنَّاتٍ مِن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ)، إذا كان شجر فلا شك فشجرة النخيل هي أهمّ من شجرة العنب، شجرة النخيل كلها فائدة، شجرة النخيل ليس فيها شيء يُرمى كل شيء يُصنع منه شيء ويستفاد منه السَعَف والليف والجذع، كله، شجرة العنب ماذا تفعل؟ لا شيء. فإذن أيّ الأفضل شجرة النخيل أو العنب؟
المقدم: النخيل.
د. فاضل: هذا أمر. نأتي الآن إلى ما ذكرت في سورة عبس. قال في عبس (فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (24)) طعام وليس جنات.
المقدم: إذن مدار الكلام في عبس على الطعام.
د. فاضل: (أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاء صَبًّا (25) ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا (26) فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبًّا (27) وَعِنَبًا وَقَضْبًا (28) وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا (29) وَحَدَائِقَ غُلْبًا (30)) هذا كله طعام.
المقدم: والعنب أليس طعاماً؟
د. فاضل: العنب فاكهة. لاحظ القرآن لم يذكر شجرة العنب مطلقاً، شجرته إسمها الكرمة لم يذكرها. ذكر العنب لأن الشجرة ليست فيها فائدة كبيرة فيذكرها بإسم الفاكهة. أما النخل لا يذكر الثمر وإنما يذكر الشجرة لأن الشجرة فيها فوائد كثيرة إضافة إلى الثمر. فإذن هو قال (فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ) فذكر الحَبّ والعنب ثم بدأ بالأشجار (وَنَخْلًا (29) وَحَدَائِقَ غُلْبًا (30) وَفَاكِهَةً وَأَبًّا (31)) إذن الأهمية اختلفت والترتيب اختلف، هنا قال (فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ) ذكر الأطعمة أولاً ثم ذكر الشجر بعده، ذكر طعام الحب والعنب والقضب والزيتون والآن يذكر شجر النخل و (وَنَخْلًا (29) وَحَدَائِقَ غُلْبًا (30) وَفَاكِهَةً وَأَبًّا (31)) إذن الأمر اختلف عما في سورة يس. حتى الترتيب في سورة عبس اختلف. ذكر الحَبّ هو أكثر شيء ثم ذكر العنب يأتي بعده ثم الزيتون أقل من العنب، العنب منتشر أكثر. ثم النخل أقل من العنب، التمر ليس بكثرة العنب ولا الزيتون له طبيعة خاصة في الجو. إذن هناك أمران الأمر الأول كونه بدأ بالطعام فقدّم الأطعمة والأمر الثاني فيما يتعلق بالكثرة قدّم ما هو كثير. إذن من ناحيتين صار التقديم في عبس من ناحية الكثرة ومن ناحية كونه طعام أو غير طعام.
الآن نأتي للآية الأخرى التي ذكرتها في سورة الرعد وهي قوله (وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاء وَاحِدٍ (4)) الآن هو ذكر التجاور (وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ) بالتجاور إلى أقرب المتجاور، ذكر (وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ) (وَزَرْعٌ) الزرع متجاور أكثر من أشجار الفاكهة
المقدم: شجر العنب أليست زرعاً؟
د. فاضل: يقصد هنا بالزرع الحشائش. أيّ الأقرب؟ شجرة الفاكهة ينبغي أن يكون بينها مسافة حتى تأتي بالثمر، أما الزرع فلا يحتاج إلى مثل هذا، الزرع متقارب جداً
المقدم: حضرتك تقارن بين الأعناب والنخيل الآن ففصل بينهما بالزرع؟
د. فاضل: لا، نحن نتكلم في التجاور. أيّ المتجاور أكثر الزرع أو العنب؟ الزرع متجاور أكثر. الآن نأتي إلى النخل (صنوان) صنوان يعني فسائل تخرج من نبتة واحدة،
المقدم: هل صنوان مفرد أم مثنى أم جمع؟
د. فاضل: جمع. صنوان جمع صنو، صنو مفرد مثنى صنوان ويُجمع صنوان.
المقدم: إذن صنوان مثنى وجمع
د. فاضل: مثنى وجمع لكن يختلف في الإعراب نقول صنوان وصنوين بالمثنى وفي الجمع نقول صنوانٌ صنواناً. المثنى يُرفَع بالألف وينصب ويجرّ بالياء صنوان صنوين، رأيت صنوين اثنين، رأيت صنواناً جماعة مثل قنوان.
المقدم: صنوان وقنوان ايضاً مثنى وجمع
د. فاضل: لكن يختلف بعلامات الإعراب
المقدم: وهنا صنوانٌ مثنى أم جمع؟
د. فاضل: جمع (صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ) ما قال صنوين، هذا جمع. النخل صنوان هو الفسائل التي تخرج من أصل الشجرة.
المقدم: أليس الصنو متشابه؟
د. فاضل: هو في الأصل هكذا لكن النخل الصنوان هو الفسائل التي تخرج من شجرة واحدة
المقدم: نخل صنوان يعني هذا نوع من أنواع النخيل.
د. فاضل: الفسائل
المقدم: ما معنى صنو؟
د. فاضل: معناها فسيلة النخل.
المقدم: إذن صنو هو فسيلة النخل.
د. فاضل: فسيلة النخل من أين تخرج؟ من أصل الشجرة. شجرة النخل يأتي بها فسائل تخرج من أصل الشجرة، أيّ أقرب المذكورين للتجاور؟ النخيل، إذن هو رتبها هكذا. العنب أبعدها يحتاج إلى مسافات أطول، والزرع مسافة أقل والصنوان من شجرة واحدة أقرب. يعني هنا ما يتعلق بالتجاور، هناك ما يتعلق بالأطعمة والكثرة.
المقدم: حتى بالتجاور عكس الترتيب كان التصور الأولى مثلاً أن يرتِّب من الأقرب إلى الأبعد أو من الأبعد إلى الأقرب هذا وارد لغةً؟
د. فاضل: هو قال (قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ) لما قال قطع يعني حدائق، عندما بدأ بالقطع أتى بالقطع ثم انتهى إلى
المقدم: وبالمتجاورات بدأ بالمتجاور
د. فاضل: عندما بدأ بالقطع.
المقدم: إذن هل كان ينعكس الترتيب، إذا عُكس الترتيب خارج القرآن هل تتغير الدلالة وفحوى السياق؟
د. فاضل: فرق بين فحوى السياق وبين أهمية البلاغة التقديم والتأخير الذي يراعي كل مسألة في حينها وبين مجرد إفهام معنى بدون أمر بلاغي.
المقدم: إذن مدار الفهم في القرآن الكريم على البلاغة والبيان وليس على مجرد رصّ الألفاظ هكذا وإلا رصف الألفاظ رصف المباني كما يقال
د. فاضل: عندما تبحث في أمور البيان والبلاغة تنظر إلى هذا مطابقة الكلام لمقتضى الحال، أما إذا مجرد معاني كلمات ورصف هكذا.
المقدم: من هذا المنطلق في قوله تبارك وتعالى وهو يتكلم عز وجل عن الحبّ قال(فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (33) يس) وعندما تكلم عن ثمر الجنات قال (لِيَأْكُلُوا مِن ثَمَرِهِ (35) يس) فكيف نفهم هذا؟
د. فاضل: الناس يأكلون الحبّ على وجه الدوام، يستمر أكلهم منه، يومياً نأكل الخبز والأرز إذن الأكل مستمر (فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ) لكن الفاكهة قال (لِيَأْكُلُوا مِن ثَمَرِهِ) لا يأكلون منها مستمرين الفاكهة لها أوقات وأزمنة وليس كل الناس يأكلون الفاكهة دائماً
المقدم: صح ولو قال من ثمره يأكلون؟
د. فاضل: هذا المعنى لا يصح أصلاً، لا تقول من ثمره يأكلون لأن معناها أنك لن تأكل من شيء آخر.
المقدم: هذا من حيث اللغة.
د. فاضل: طبعاً.
المقدم: هنا ربنا سبحانه وتعالى ذكر تفجير العيون بعد الحَبّ والفاكهة، أليس الماء سابقاً لهم؟ (وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنْ الْعُيُونِ) التفجير أولاً ثم الحَبّ والفاكهة؟
د. فاضل: السؤال لماذا ذكر الأكل بعد ذكر الحبّ؟ الحَبّ لا يحتاج إلى العيون لا يحتاج إلى ماء مستديم ويكفيه ماء السحاب، يكفيه المطر. هل ضروري أن هنالك عيون؟
المقدم: لا ليس شرطاً.
د. فاضل: الجنات هي التي تحتاج إلى ماء مستديم. إذن الحبّ لا يحتاج، ليست سواء هذه الأمور، الجنات أمر والحبّ شيء آخر، الحبّ غير محتاج إلى هذا الأمر فهو مختلف. أما السؤال الذي ذكرته أليس الماء سابقاً للحبّ والفاكهة؟ هو الماء السابق وليس العيون.
المقدم: العيون فيها ماء
د. فاضل: فيها ماء ولكن ليس بالضرورة أن الجنات يكون فيها عيون المهم ماء وليس عيون. هنالك أكثر من مسألة في هذا السؤال. أولاً هو قدّم المطعوم على المشروب، هو قدّم ما يؤكل (الحبّ ومنه يأكلون) ثم ذكر الماء، ذكر ما يؤكل ثم ذكر ما يتعلق (وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنْ الْعُيُونِ) فهو قدّم المطعوم من الحبّ والنخيل والأعناب على المشروب وهذا أولاً لأن الحصول على الطعام أعسر أصعب، الماء أنت تذهب إلى النهر وتأتي بالماء كما تشاء ولا أحد يقول لك ماذا تفعل أما الطعام فيحتاج إلى جهد والحصول عليه عسير وربنا سبحانه وتعالى رتب الأمور وجعلها بكثرة، خلقها بحسب حاجة الإنسان. أكثر ما يحتاج الإنسان إلى الهواء دقائق لا يستطيع من دونه لكن تتحصل عليه من دون الذهاب إلى مصدره، الهواء موجود عندك وأنت في مكانك ربنا خلق لك أجهزة تستقبل الهواء وأنت لا تعلم ولا تشعر أينما تذهب. والماء لا بد أن تذهب إليه حتى نشرب،
المقدم: ونحتاج إليه أيضاً ما نستطيع الجلوس فترة طويلة بدون ماء
د. فاضل: لكن هل هو مثل الهواء؟ لا. يمكنك أن تصوم عن الماء ثلاثة أيام لكنك ما تستطيع أن تصوم عن الهواء يوماً ولا حتى دقيقة. إذن الماء تحتاج أن تذهب إليه وإذا سافرت تأخذ معك ماء ولكن لا تأخذ معك هواء وإلا صارت مشكلة. الطعام نحن نصبر عليه أكثر مما نصبر على الماء، قسم يصبرون على الطعام أياماً فجعله أقل.
المقدم: ممكن أن يجوع الإنسان لكن ليس من الشهل أن يعطش كثيراً
د. فاضل: ليس بنفس القدر. فإذن الطعام الحصول عليه أعسر ولذلك ربنا سبحانه وتعالى حيث اجتمعا قدّم الطعام
المقدم: لصعوبة الحصول عليه. مثل ماذا يا دكتور؟
د. فاضل: قال (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (19) الطور) قدّم الأكل، (وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) الشعراء) (أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (64) الواقعة) ثم (أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاء الَّذِي تَشْرَبُونَ (68) الواقعة) حيث اجتمعا يقدم الطعام لصعوبة الحصول عليه ومهم جداً لأنك تدّخر للشتاء الطعام فالمنة عليه تصير كبيرة. ثم السياق في إحياء الموتى (وَآيَةٌ لَّهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ) ثم تأتي هذه الآية (وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنْ الْعُيُونِ). الأرض الميتة وإحياؤها وإخراج الجنات جعله دليلاً على الحشر (وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ (32)) ثم ذكرها. تفجير العيون ليس فيه هذا الدليل فبدأ بما هو مناسب لسياقها (وَآيَةٌ لَّهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا) هذا في سياق محضرون. ما هو الأدلّ على السياق؟ إخراج الحبّ وإحياء الأرض الميتة وليس إخراج العيون ليس فيها دليل ولذلك القرآن يستدل بالأرض الميتة على الحشر
المقدم: نعم، مقرونة بأكثر من موضع
د. فاضل: حتى هنا في يس نفسها ذكر ما قبلها (وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ) ثم ذكر هذا. ثم هو ذكر الأكل وما ذكر الشرب قال (لِيَأْكُلُوا مِن ثَمَرِهِ) لم يذكر الشرب بالنسبة للعيون. إذن هو ذكر ما يتعلق بالأكل.
المقدم: نطرح سؤالاً لماذا لم يذكر الشرب مع أن الشرب متعلق بالأكل؟ لا يمكن أن نأكل دون أن نشرب، لِمَ لم يذكر الشرب؟
د. فاضل: هو الآن السياق في هذا الأمر. هنالك أمر هو ذكر العيون لكن هو ماذا قال (وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنْ الْعُيُونِ) فجرنا فيها أين؟
المقدم: في الجنات
د. فاضل: أو في الأرض. في الأرض أو في الجنات. إذا كان في الجنات معناه الجنات سابقة بمعنى (وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنْ الْعُيُونِ) معناها الجنة موجودة وفرجنا فيها من العيون. الجنات أسبق من العيون إذن التأخير طبيعي لما قال (وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنْ الْعُيُونِ).
المقدم: وإذا كان التفجير في الأرض؟
د. فاضل: أيضاً الأرض أسبق من الجنات ما لها علاقة بالجنات، العيون سواء في الجنات أو في غيرها، من كل ناحية التقديم هو المناسب. ثم الماء هو السبب الأول ليست العيون، البب الأول في إخررج الحبّ والجنات لكن ليست العيون، قسم كبير من الجنات ليس فيها عيون.
المقدم: تعتمد على ماء المطر
د. فاضل: ماء ساقية من أي مكان آخر من أنهار وغيرها وليس بالضرورة من العيون.
المقدم: إذن نفرق بين ذكر الماء وذكر العيون، إذا ذكر العيون يقصد شيئاً معيناً وإذا ذكر الماء يقصد شيئاً آخر، لا نقرن بين الإثنين.
د. فاضل: ليس بالضرورة قد تتفجر عيون في الجنة زيادة في الخير يقول ربنا (وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلًا رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا (32) كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا (33) الكهف) ليست بالضرورة إذن ليس هناك ارتباط مكاني بين الجنات والعيون، ليس بالضرورة. ثم الشائع في التعبير القرآني إذا اجتمعت الجنات والعيون يقدّم الجنات مثل (أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ (146) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (147) الشعراء) (فَأَخْرَجْنَاهُم مِّن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (57) الشعراء) (كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (25) الدخان) هو يقدّم الماء عندما يذكر سبب الإنبات. لما يذكر السبب يقدِّم الماء مثلاً (وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ (18) فَأَنشَأْنَا لَكُم بِهِ جَنَّاتٍ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَّكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (19) المؤمنون) ماء ما قال عيون (مِنَ السَّمَاء مَاء)، (وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء مُّبَارَكًا فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (9) ق) ماء، (وَهُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ (99) الأنعام) لما يجعله سبب يقدّمه (وَأَنزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاء ثَجَّاجًا (14) لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا (15) النبأ) لما يريد سبب الإنبات بالماء يقدّمه لأنه هو السبب من دونه لا تنبت. أما كلمة عيون.
المقدم: حتى أنهد قدم الحب على النبات (لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا (15) وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا (16)). استطراد بسيط: إذا جاء الترتيب بهذه الوجهة لا تألون جهداً في تبرير هذا الترتيب وإذا جاء بشكل مختلف أيضاً تبررون هذا الشكل المختلف مع موضعه أيضاً.
د. فاضل: نحن الآن نضعها في سياقها ثم نقول أنت احكم
المقدم: منطق. إذن ليس منطق اللغة العربية فحسب هو المتحكم في السياق لكن المنطق البشري عموماً؟
د. فاضل: عموماً. في كثير من الأحيان في توكيد وغيره نذكر أمثلة في الدراسات العليا ونقول لهم نبدّل يقولون ليس هناك مانع لكن لما نذكرها ونقول نبدِّل؟ يقولون لا، لا يمكن.
المقدم: إذا تكشفت الأمور
د. فاضل: طبعاً. لا يصح. سيدنا نوح لما قال (وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ (45) قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (46) قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ (47) هود) وفي آية أخرى (قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23) الأعراف) وفي آية أخرى (وَلَمَّا سُقِطَ فَي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْاْ أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّواْ قَالُواْ لَئِن لَّمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (149) الأعراف). (وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي) ليس فيها توكيد (وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ) ليس فيها توكيد، (وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) فيها توكيد، (لَئِن لَّمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) توكيد وتوكيد. لو نبدأ في المنطق لا يمكن أن نضع واحدة مكان الأخرى. لو نذكر السياق الآن
المقدم: صعب، مستحيل.
=========فاصل=========
المقدم: (وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ) كيف نفهم هذه مع زيادة التأكيد حتى نتعلم كيف نتعامل مع آيات القرآن الكريم؟
د. فاضل: هذه الآية (وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ) هذا كلام سيدنا نوح، هل سيدنا نوح فعل معصية؟ لا. قال (وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ (45)) هو وعده أن ينجيه وأهله (قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ (40) هود) هو فهمها هكذا.
المقدم: سيدنا نوح يسأله لأنه قال له (وَأَهْلَكَ) يسأله عن أهله، عن ابنه.
د. فاضل: (وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ) يعني وعدتني. هو وضّح له المسألة أنه ليس من أهلك وإنما هو عمل غير صالح (قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (46)) ليس له به علم، قال (قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ) هل فعل سيدنا نوح معصية؟ لا. الآية الأخرى (قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23) الأعراف) هذا قول آدم بعدما أكل الشجرة، عصى آدم (وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (121) طه) إذن هنا يحتاج إلى توكيد لطلب المغفرة (وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) الخسران على قدر المعصية.
المقدم: (لَئِن لَّمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (149) الأعراف)
د. فاضل: هذه لبني إسرائيل عندما عبدوا العجل (وَلَمَّا سُقِطَ فَي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْاْ أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّواْ (149) الأعراف) هذا أكبر من الشرك (فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ (88) طه) المشرك أن تجعل لله نداّ، كفار قريش يقولون (وَيَقُولُونَ هَـؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ (18) يونس) هؤلاء يقولون (فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى) هذا أكبر من الشرك. فإذن الخسارة أكبر فجاؤوا بالقسم (لَئِن لَّمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) ليس هذا فقط صار التوكيد درجات، خط بياني (لَئِن لَّمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) هل يمكن أن نضع واحدة مكان واحدة؟ منطقاً لا يجوز. في الآيتين قدم المغفرة على الرحمة قال (وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ) ثم هنا قدّم طلب الرحمة على المغفرة (لَئِن لَّمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) لأنهم خشوا أن يطردهم من رحمته أصلاً.
المقدم: فأردوا أن يكونوا في الرحمة
د. فاضل: أولاً.
المقدم: إذن الترتيب أولويات. لفتة طيبة بارك الله فيك.
المقدم: إذن فعلاً القرآن يخاطب المنطق العام. ليست عصبية لغوية إذن أو لأننا عرب أو لآننا نتحدث اللغة العربية هو منطق عام ينتظم جميع العقول
د. فاضل: هذا ما كنت أنا أيضاً ما كان يدور في ذهني في السابق أنه نبرر الموجود ثم تبني أنه ليس كذلك.
المقدم: يقول (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) الكوثر) (وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي (87) الحجر) يقولون أعطيناك آتيناك كلها تدل على العطاء من الله سبحانه وتعالى للنبي عليه الصلاة والسلام.
د. فاضل: لا، الإيتاء ليس العطاء، لي بالضرورة
المقدم: وإن كانا بمعنى، الإيتاء تدل على العطاء
د. فاضل: (آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا (65) الكهف) ليست مثل أعطيناه رحمة، (وَآتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ (251) البقرة) ليست مثل أعطاه الملك؟.
المقدم: لا، ليس فيها تمليك
د. فاضل: (أُوْتُواْ الْكِتَابَ) مثل أعطاه الكتاب؟ لا. الإيتاء ليس بالضرورة. الإعطاء غالباً في الأمور المادية أما الإيتاء فيكون عاماً (وَآتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ (251) البقرة) ليست مثل أعطاه الحكمة. الإيتاء ليس بالضرورة أن يكون إعطاء. الإعطاء يوجب تمليك والتمليك لا تنزعه منه
المقدم: (تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء (26) آل عمران) ولو قال يعطي الملك؟
د. فاضل: يعطي هذا تمليك لا يُنزع بينما الإيتاء (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا (175) الأعراف) الإعطاء لك أن تعطي منه (هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (39) ص) الإيتاء لا يمكن.
المقدم: إذن هنالك لا توجد حدود ولكن هناك فوارق دلالية بين استخدام الكلمات بعضها وبعض.
د. فاضل: طبعاً
المقدم: أبو لهب كان يفهم هذا الكلام؟!
د. فاضل: كيف لا يفهم؟ يفهم أكثر. الناس سواء (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا (14) النمل) (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ (33) الأنعام)
المقدم: يعني هم من قرارة أنفسهم مقتنعون بأن هذا كرم الربّ، كلام الله سبحانه وتعالى ليس كلام بشر؟
د. فاضل: يذهبون (نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى (47) الإسراء)
المقدم: في قوله تبارك وتعالى (وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنْ الْعُيُونِ (34) يس) هنا نجد فجّرنا بالتضعيف وقال في مكان آخر (وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنبُوعًا (90) الإسراء) تفجر ولم يقل تفجّر بالتضعيف فكيف نفهم الصيغتين؟
د. فاضل: فعّل تفيد الكثرة، من معانيها المشهورة الكثرة (وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ (23) يوسف) لم يقل أغلقت، يعني أبواب كثيرة، نقول أغلقت الباب لا نقول غلّقت الباب إلا إذا كان هناك عدة أقفال في الباب. فتّحت الأبواب (جَنَّاتِ عَدْنٍ مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الْأَبْوَابُ (50) ص). إذن فعّل تفيد الكثرة. هنا لما قال (حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنبُوعًا) هو ينبوع واحد بينما تفجّر الأنهار (وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنْ الْعُيُونِ). (وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاء عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (12) القمر) عيون، يعني جعل الأرض كلها عيون فلا شك أنه فجّرنا يعني الكثرة.
المقدم: (وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ (35) يس) كيف نفهمها في هذا السياق؟.
د. فاضل: الحقيقة هنالك نظر في (ما) (لِيَأْكُلُوا مِن ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ) محتمل أن تكون (ما) نافية
المقدم: (ما) بمعنى لم تعمله أيديهم؟ (وما عملته) الضمير هنا يعود على الثمر، أيديهم لم تعمله
د. فاضل: أيديهم لم تعمله وإنما عملته القدرة الإلهية (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ (71) يس) يعني احتمال كبير أن (ما) نافية أي لم تعمله أيديهم وإنما عملته أيدينا، هذا احتمال. إحتمال آخر قالوا احتمال أن تكون إسم موصول بمعنى (الذي)
المقدم: يعني ليأكلون من ثمره والذي عملته ايديهم. هو عطف مغاير إذن؟
د. فاضل: تقريباً لأن الناس يعملون من الثمار أشياء أشربة ودبس وأشياء أخرى فيأكلون من الثمر وما يعملونه من الثمر
المقدم: تكون هنا الواو عاطفة يعني يأكلون من ثمره ويأكلون ما تصنعه ايديهم من هذا الثمر
د. فاضل: من هذا الثمر أشربة وغيرها.
المقدم: حضرتك تميل إلى كونها نافية أم موصولة؟
د. فاضل: أيضاً فيها وجه آخر. محتمل أنه وما عملته أيديهم من الغرس والسقي والتعب يعني الثمر لم يأت هكذا وإنما احتاج إلى سقي وغرس وتأبين وتلقيح. أنا أعتبر هذا من التوسع في المعنى الذي يحتمل النفي والموصول
المقدم: وليس هناك قرينة سياقية تحدد معنى
د. فاضل: لو قال (الذي) لانتهت المسألة. لكن لما قال (وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ) تحتمل معاني كلها صحيحة، كلها مرادة فأظن أنها تكون من باب التوسع. ويمكن أيضاً النفي (وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ) أي لم تعمله أيديهم.
المقدم: وسّع الله عليه في الدنيا والآخرة.
أسئلة المشاهدين خلال حلقة 25/5/2009م:
ذاكر عبيد من كلباء- الشارقة: إستخدام الله عز وجل في مطالع الآية في الخطاب (وآتيناهم، وأعطينا) بصيغة الجمع ما الإعجاز والبلاغة في هذا الخطاب؟
د. فاضل: هذا يسمونه ضمير التعظيم، العرب تستعمل هذا الضمير للذي يتكلم عن نفسه بضمير التعظيم يسموه ضمير التعظيم أو ضمير العظمة. لكن الملاحظ في القرآن أنه حيث ذُكر هذا الضمير ضمير التعظيم لا بد أن يسبقه أو يأتي بعده مفرد دائماً لا يمكن أن يكون في القرآن جميعاً أن يأتي ضمير التعظيم من دون ذكر ما يدل على أنه واحد (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2)) ما قال لنا. (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1)) إلى أن قال (تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ (4)) ربهم. (عَمَّ يَتَسَاءلُونَ (1)) إلى أن قال (رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرحْمَنِ لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا (37)) ليس هنالك موطن في القرآن الكريم ذكر فيه ضمير العظمة إلا سبقه أو جاء بعده ما يدل على أنه واحد سبحانه وتعالى.
محمد من السعودية: (أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ (63) أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (64) الواقعة) (يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ (29) الفتح) في الأولى ينسب أن الله هو الذي يقوم بالزراعة وفي الثانية ينسبها للزراع أنفسهم فما الفرق؟
أم محمد من مصر: الزوجة والمرأة في القرآن الزوجة لها مواصفات خاصة قيل أنها تكون موافقة للزوج وتكون ودود وتكون ولود أما المرأة على الإطلاق فخي التي لا يتوفر فيها هذه الصفات مثل امرأة فرعون وامرأة نوح وامرأة لوط كل هؤلاء لم يكن موافقات لأزواجهن. لكن في سورة الممتحنة (وَإِن فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُم مِّثْلَ مَا أَنفَقُوا (11)) الأزواج هنا ذهبن وتركن الأزواج المرأة تركت الرجل في هذه الحالة كيف نطلق عليها زوجة؟
عبيد من الشارقة: بخصوص كلمة (بشر) في سورة مريم، ورد (وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ (20)) ووردت (فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا (26)) في المعنى الأول خصّت الذكر (وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ) وفي المعنى الثاني عمّمت فهل هي للرجل أو للرجل والمرأة؟. هل كلمة بشر مخصصة للرجل أو عامة؟
د. فاضل: هنا في الآية (وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ (20) مريم) بشر أما إنسياً فعامة. (فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17) مريم) هنا رجل أيضاً.
(وَفَاكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ (20) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ (21) الواقعة) هل طعام أهل الجنة من لحم الطير؟
د. فاضل: وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين.
فؤاد من السعودية: الأرقام المذكورة في القرآن الكريم (واحد، 3، 5، 7، 9 والزوجية 2، 4، 6، 8) بعض الناس الذين يتفاءلون ويتشاءمون بالأرقام أنا تعلمت من الشيخ أن هذه الأرقام لها معنى فاعتقد أن الأرقام المفردة تختص بالسعة والانتشار والعلو والبركات اللامحدودة أما المجموعة الثانية فتختص بالإحاطة والتحديد والإلزام فأتمنى من الشيخ الفاضل أن يساعدني في هذا الموضوع وأتشرف بإجابته.
بُثّت الحلقة بتاريخ 25/5/2009م
رابط الحلقة (فيديو)
http://www.archive.org/details/lamasat250509
رابط فيديو (جودة عالية)
http://ia301508.us.archive.org/1/items/lamasat250509/lamasat250509.WMV
روابط أجزاء الحلقة من قسم الفيديو
2009-05-26 08:58:55الدكتور فاضل السامرائي>برنامج لمسات بيانيةpost