لمسات بيانية, لمسات بيانية - حلقات

لمسات بيانية – الحلقة 179

اسلاميات

الحلقة 179

اللمسات البيانية في سورة يس

المقدم: نكمل رحلتنا مع سورة يس وكنا في اللقاء المنصرم قد توقفنا عند قول الله سبحانه وتعالى (وَإِن نَّشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ وَلَا هُمْ يُنقَذُونَ (43)) واليوم نكمل (إِلَّا رَحْمَةً مِّنَّا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ (44)). بداية ما المقصود بالرحمة والمتاع في هذه الآية الكريمة؟

د. فاضل: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وإمام المتقين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن دعا بدعوته إلى يوم الدين. (وَإِن نَّشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ وَلَا هُمْ يُنقَذُونَ (43) إِلَّا رَحْمَةً مِّنَّا (44)) يعني إلا إذا أراد ربنا أن يرحمهم فينقذهم من الغرق ويمتعهم في الدنيا إلى حين (وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ). التعبير هذا (إِلَّا رَحْمَةً مِّنَّا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ) يحتمل معنيين، الأول أن ينقذهم رحمة ويمتعهم، ينقذهم ويمتعهم.

المقدم: الإثنان معاً إنقاذ ومتعة.

د. فاضل: المعنى الآخر إنقاذهم على نوعين إنقاذ رحمة وإنقاذ تمتيع. إنقاذ الرحمة قسم من هؤلاء الناجين يؤمنون بعد الكفر، يهتدون بعد الضلال قال تعالى (فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ (32) لقمان) يعني لا يندفع في الكفر هذا إنقاذ رحمة لأنه إرعوى وانزجر فصار إنقاذ رحمة. وقسم لا ينزجر فيعيش ويمتعه. أعرض ولكن بقي على حاله فهو ممتع إلى حين والإثنان ربنا رحمهم ومتعهم لكن نوع الرحمة يختلف.

المقدم: الرحمة متمثلة في الإنقاذ مثلاً من الغرق؟

د. فاضل: نعم. وذاك الذي سيكون زيادة على هذا أنه ارعوى وانزجر. فالاثنان نالتهم رحمة الله وقال (رَحْمَةً مِّنَّا) للدلالة على أن الرحمة جاءت منه سبحانه وتعالى بأي سبيل كان الإنقاذ، لو هيأ أي سبيل من سبل الإنقاذ فهو منه سبحانه وتعالى رحم بهم.

المقدم: هل هنالك غرض بلاغي أو دلالي معين في تقديم الرحمة على الجار والمجرور (منا) (إِلَّا رَحْمَةً مِّنَّا)؟

د. فاضل: إذا كان السؤال في هذه الآية هو قد يكون السؤال عاماً.

المقدم: سآتي على بعض النقاط لكن هنا في هذه الآية؟

د. فاضل: في هذه الآية لا يصح أصلاً إلا ذلك التعبير، المعنى سيختل لو غيّر التعبير. لو قال وما هم ينقذون منا إلا رحمة ومتاعاً إلى حين، لو قدّم “ولا هم ينقذون منا إلا رحمة” أو “ولا هم ينقذون إلا منا رحمة”، معنى أنه سينقذهم من الله منقذ غير الله.

المقدم: ولا هم ينقذون إلا منا، يعني هم ينقذون من أي أحد إلا الله سبحانه وتعالى، هذه فيها تناقض عجيب.

د. فاضل: كأن ربنا عاجز عن إغراقهم. فالنسبة للآية لا يصح التقديم غير هذا التعبير

المقدم: لكن عموماً؟

د. فاضل: عموماً هذا شيء آخر أما في هذه الآية فلا يصح.

المقدم: (فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ وَلَا هُمْ يُنقَذُونَ) لأن هناك لا صريخ ولا مغيث ولا مجيب ولا منقذ لهم ثم جاء الاستثناء حصراً وقصراً على الله سبحانه وتعالى فقط

د. فاضل: فقط. لو قال لا يُنقذون إلا منا يعني ينقذهم منقذ يخلصهم من رب العالمين.

المقدم: مع أنه في مكان آخر قال (وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً (63) هود) قدّم؟

د. فاضل: ليس في هذا التعبير. في تعبير آخر ممكن أن يكون التقديم والتأخير بحسب السياق الوارد. في موطن قال (وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ (28) هود) وفي موطن آخر قال (وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً (63) هود) والآيتان في سورة هود لكن قصتين. لكن النظر بسياق الآيتين لو نظرنا في الآيتين سيتضح الأمر. لو أكملنا الآيات (قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّيَ وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ (28) هود) يتكلم عن الرحمة، بينما الآية الأخرى قال (قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةً مِّن رَّبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَن يَنصُرُنِي مِنَ اللّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ (63)) يتكلم عن الله.

المقدم: فقدّم المقصود بالكلام. الضمير في حرف الجر (منه) يعود على الله سبحانه وتعالى.

د. فاضل: (وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَن يَنصُرُنِي مِنَ اللّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ) الكلام عن الله وهناك الكلام عن الرحمة (فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ) مدار الكلام هنا عن الرحمة. حتى في سياق الآيتين نلاحظ في الآية التي قال (وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً) الكلام فيها عن الله أكثر مما في الآية الأخرى، لو أخذنا الآيتين (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ (25) أَن لاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللّهَ إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ (26) فَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قِوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَرًا مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ (27) قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّيَ وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ (28)) فقط قال (أَن لاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللّهَ). أما الآية الأخرى (وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ (61)) (اعبدوا الله، من إله غير، أنشأكم، استعمركم، فاستغفروه، توبوا إليه، إن ربي)

المقدم: مدار الكلام على الله سبحانه وتعالى.

د. فاضل: بينما في الآية الأولى عبارة واحدة. حتى ختام الآيتين اختلف (فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ) الكلام على الرحمة والثانية (فَمَن يَنصُرُنِي مِنَ اللّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ) السياق هكذا، لما كان الكلام عن الرحمة أوسع قال (رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ) ولما كان الكلام عن الله أوسع وأكثر في السياق قدّم (وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً)

المقدم: لكن اللغة العربية تجيز هذا، لا تُلزِم أن يتقدم الخبر على المبتدأ إذا كان الخبر شبه جملة والمبتدأ نكِرة؟

د. فاضل: هذا أمر بلاغي وليس نحوي. في النحو هذا يجوز تقديمه وتأخيره، تقول رحمة منه، منه رحمة، هذا جائز، لكن من الناحية البيانية من ناحية الاختيار مطابقة الكلام لمقتضى الحال.

——–فاصل———-

المقدم: عوداً إلى الآية الكريمة (إِلَّا رَحْمَةً مِّنَّا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ (44)) مرة يقول (رحمة من عندنا) ومرة (رحمة منا) ومرة يقول (نعمة من عندنا) ومرة يقول (نعمة منا) حتى داخل اقصة الواحدة وهو يتكلم عن نبي واحد عن سيدنا أيوب عليه السلام في سورة ص قال (وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَى لِأُوْلِي الْأَلْبَابِ (43) ص) وفي موطن آخر في سورة الأنبياء أيضاً عن سيدنا أيوب نفس القصة لنفس النبي يقول (وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (84)) لماذا هذا الاختلاف وهل له دلالة بلاغية أو بيانية معينة أم لا؟

د. فاضل: القرآن يستعمل (رحمة منا) في مواطن و (رحمة من عندنا) في مواطن. لكن الملاحظ في القرآن الكريم أنه لا يستعمل (رحمة من عندنا) إلا مع المؤمن فقط خاصة، (رحمة منا) يستعملها للجميع للكافر والمؤمن. هو قال (وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِّنَّا مِن بَعْدِ ضَرَّاء مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً (50) فصلت) هذا غير مؤمن. بينما (رحمة من عندنا) لا تجد هذا، تأتي على لسان سيدنا نوح (قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّيَ وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ (28) هود)، الخضر (فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا (65) الكهف)، حتى أيوب (وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (84))

المقدم: هو مرة قال عنه (رَحْمَةً مِّنَّا (43) ص)

د. فاضل: حتى (نعمة منا) و (نعمة من عندنا). (نعمة منا) عامة تشمل المؤمن والكافر، (رحمة من عندنا) خاصة. (فَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِّنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (49) الزمر) (نعمة منا)، (وَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِّنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِن قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَادًا لِّيُضِلَّ عَن سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ (8) الزمر) (نعمة منه). إذن لما يقول (نعمة منا) عامة تشمل عموم الناس مؤمنهم وكافرهم. (نعمة من عندنا) خاصة بالمؤمن مثل (رحمة من عندنا) (إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آلَ لُوطٍ نَّجَّيْنَاهُم بِسَحَرٍ (34) نِعْمَةً مِّنْ عِندِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَن شَكَرَ (35) القمر).

المقدم: سيدنا أيوب ورد فيه الاثنان (رحمة منا) و (رحمة من عندنا)

د. فاضل: نحن عادة ننظر في السياق. نحن قلنا (رحمة منا) عامة و (رحمة من عندنا) خاصة. في ص قال (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ (41) ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ (42) وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَى لِأُوْلِي الْأَلْبَابِ (43) وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (44)) في الأنبياء قال (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (84)) ننظر في السياق في المكانين. قال في ص (أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ) واختلف المفسرون ما معنى مسني الشيطان؟

المقدم: ما معنى المسّ في اللغة؟

د. فاضل: ما معنى مسني الشيطان؟ وسوس له وأطاعه بعض الشيء في هذه الوسوسة يعني دخل في نفسه شيء. بينما في الأنبياء قال (أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ) ما قال الشيطان.

المقدم: لكن هو في الحالين مسّه الشيطان، واقع الأمر مسّه الشيطان

د. فاضل: لا، تلك وسوسة وهذا الضر وليس بالضرورة الضر وسوسة الشيطان، عندما يصاب الواحد بضر هذا ليس شيطان.

المقدم: إذا سألنا ما الذي حدث فعلاً لسيدنا أيوب؟ وسوسة أو ضر؟

د. فاضل: كلاهما.

المقدم: مرض وهذا ضُر ووسوسة. إذن لا تناقض ولا تعارض هذا موقف وذاك موقف.

د. فاضل: هناك ذكر حالة وهنا ذكر حالة أخرى. هناك قال (أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ) وهنا (أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ). أيها خِلاف الأَوْلى؟ (مسني الشيطان) خلاف الأولى. قال في الأنبياء (وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) ذكر صفة الرحمة وهناك لم يذكر هذا الأمر. لما ذكر الله سبحانه وتعالى صفة الرحمة أليس هذا يستجيب له فيخصه برحمة؟. قال (وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) لم يقل هناك.

المقدم: هناك قال (أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ)

د. فاضل: في الأنبياء قال (وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) أليس هذا فرق بين التعبيرين؟ في الأنبياء قال (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ) إستجاب لهذا الدعاء (وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) وفي ص لم يقل فاستجبنا له ولكن عرفنا ضِمناً أن ربنا استجاب له لكن في الأنبياء عرفنا تصريحاً (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ). الآن أي واحد يعرف بالمعنى أين يضع الخصوصية في مسني الشيطان أو مسني الضر؟

المقدم: في مسني الضر.

د. فاضل: (أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ (84) الأنبياء) أين يضعها؟

المقدم: ولهذا (أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ (84) الأنبياء) الاستجابة سريعة والفاء فيها سرعة

د. فاضل: ولذلك قال (رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا) رحمة خاصة.

المقدم: ونحن إن شاء الله يخصنا رحمة من عنده، يا رب تكون (رحمة من عندنا) بإذن الله تعالى.

د. فاضل: يا رب. هذا أمر. ثم حتى السياق لو نظرنا في سياق وضع الآيتين، لو نظرنا هي أين موضوعة في سورة ص، سياق قصة أيوب وأين موضوعة في الأنبياء؟. قصة أيوب في الموضعين ذكرت بعد قصة داوود وسليمان، سواء في الأنبياء أو في ص ذكر داوود وسليمان وذكر أيوب بعدهما في الموضعين. في ص ذكر في داوود وسليمان ما هو خِلاف الأوْلى من حيث في داوود (وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (21) إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُم بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاء الصِّرَاطِ (22)) والنعاج التي ترمز إلى شيء (إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ (23)) في التوراة يقولون أنها زوجاته وأنه أخذ زوجة القائد!. ثم قال (وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ (24)) معناه هناك فتنة.

المقدم: أو حتى على رأي المفسرين أنه حكم دون أن يسمع الطرف الآخر.

د. فاضل: فاستغفر ربه.

المقدم: هنالك خلاف الأولى.

د. فاضل: يعني ذكر له خلاف الأوْلى. في سليمان قال (فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ (32) رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ (33) وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ (34)) إذن في الابتلاءات والفتن بالنسبة لسيدنا داوود وسليمان. إذن المقام في السياق هنا أيضاً (أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ (41)) لاحظ السياق أيضاً في الابتلاء والفتن حتى السياق. بينما في الأنبياء بالعكس السياق في مقام الثناء (وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (78) فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا (79)) هذا مدح، حكم وعلم. وهناك قال (أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ) إذن (من عندنا) أيضاً تتناسب مع السياق الوارد. الآن حتى ننظر في بناء الآيتين ليس فقط هذا الأمر الذي ذكرناه وإنما لو نظرنا في بناء الآيتين نفسها كيف مصوغة. قال في الأنبياء (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (84)) في ص (وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَى لِأُوْلِي الْأَلْبَابِ (43)) (فاستجبنا له) لم يذكرها في ص (فكشفنا ما به من ضر) لم يذكرها في ص. في الأنبياء قال (وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ) وفي ص قال (وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ)، (رحمة من عندنا) في الأنبياء (رحمة منا) في ص. (وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ) في الأنبياء (وَذِكْرَى لِأُوْلِي الْأَلْبَابِ) في ص. هذا الاختلاف. نأتي إلى آتيناه ووهبنا له إضافة إلى ما ذكرناه قبل قليل في مسني الشيطان ومسني الضر نأتي إلى بناء الاية كيف يكون. قال في الأنبياء (آتيناه) وفي ص قال (وهبنا له). الإيتاء يشمل الهبة وزيادة الهبة وغير الهبة.

المقدم: مع أن الإثنين يدلان على العطاء.

د. فاضل: لا، الإيتاء يستعمل في المال وغير المال (آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا (22) يوسف) (وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً (59) الإسراء) لا نقول وهبنا ثمود الناقة مبصرة، (آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ (52) القصص) (وَإِيتَاء الزَّكَاةِ (73) الأنبياء) (وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ (177) البقرة) الهبة غير ذلك، لا نقول وهبنا له الكتاب، وهبنا له الناقة! الإيتاء أوسع. إذن آتيناه يشمل وهبناه وزيادة، يشمل المال وغير المال إذن أيها الأوسع آتينا أو وهبنا؟ آتينا أوسع. (رحمة من عندنا) و (رحمة منا) رحمة من عندنا هذه رحمة خاصة زيادة على رحمة الناس فصارت رحمة منا وزيادة، آتينا وهبنا له وزيادة، رحمة من عندنا رحمة منا وزيادة في الرحمة، خصوصية. (وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ) و (وَذِكْرَى لِأُوْلِي الْأَلْبَابِ) العابدين يشمل أولي الألباب وزيادة. العابد يجب أن يكون من أولي الألباب. قد يكون من أول يالألباب لكن ليس عابداً إذن كلمة العابدين تشمل أولي الألباب وزيادة. آتيناه وهبنا له وزيادة، رحمة من عندنا تشمل رحمة منا وزيادة، للعابدين لأولي الألباب وزيادة، أين تضع (رحمة من عندنا)؟

المقدم: هكذا كما وردت. نضعها في آية سورة الآنبياء

د. فاضل: علاوة على أمر آخر. لو لاحظنا في السور نفسها نلاحظ في سورة ص ذكر مشتقات الهبة أكثر مما في الأنبياء وفي الأنبياء الإيتاء، في ص (خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ (9)) (وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ (30)) (وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ (35)) (وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ (43)) خمس مرات في ص ومرتين في الأنبياء. إذن كلمة وهبنا، السمة التعبيرية للسورة كلمة الهبة أكثر من الإيتاء، في الأنبياء العكس الإيتاء أكثر من الهبة، الإيتاء وردت ست مرات في الأنبياء (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاء (48)) (وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ (51)) (وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا (74)) (وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا (79)) (وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ (84)) (وَإِيتَاء الزَّكَاةِ (73)) ومرة واحدة في ص (وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ (20)) من هذه الناحية أيضاً لفظ الإيتاء ولفظ الهبة كل واحد موضوع في مكانه في السمة التعبيرية للسورة. العبادة والعابدين في الأنبياء أكثر، وردت في الأنبياء عشر مرات وفي ص خمس مرات، في الأنبياء (لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ (19)) (لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25)) (بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ (26)) (وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (84)) أصلاً أولو الألباب لم ترد في سورة الأنبياء أصلاً. أيضاً مما زاد حسن في ص قال (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ (29)) في الأنبياء قال (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ (73)) (إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ (106)) (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (84)) من أين تأخذها؟!

المقدم: المكان طبيعي. هل اللغة العربية تفرّق بين (من) و(عند)؟

د. فاضل: نعم طبعاً (من) و (عند) هذا من اللغة لكن من حيث الاستعمال هذا من خصوصيات الاستعمال القرآني. أما هي في الأصل لا شك أن (من) حرف و(عند) ظرف لكن يبقى كيف يستعملها هذه خصوصية الاستعمال. نعمة منا، نعمة من عندنا مما يدل على أن التعبير القرآني تعبير مقصود.

المقدم: أبو لهب كان يفهم منا وعندنا كان لها خصوصية في القرآن؟

د. فاضل: هو يفهم ما يسمع لكنه لا يستطيع أن يفعل شيئاً

المقدم: لأن الواضح لقارئ القرآن الكريم أنه كلام سهل لا يحتاج إلى كثير عنت في فهم دلالات الألفاظ والألفاظ كلها سهلة ليس فيها كلمات مهجورة أو قديمة ولا نحتاج إل فتح المعجم لنعرف معنى كلمة أو ترجمة كلمة ما فالكلمات بينة تبدو سهلة لكن هذه السهولة تستعصي على الفهم بهذه الدرجة.

د. فاضل: هذا السهل الممتنع يعني تفهمها لكن لا تستطيع أن تفعل مثلها. دائماً نضرب مثلاً البحتري شعره مفهوم جداً لو قرأت الديوان كله تفهمه لكن لا تستطيع أن تفعل مثله أو تكتب قصيدة مثله، أو المتنبي أنت تفهم شعره لكنه لا يعني أنك تستطيع أن تصنع مثل شعر المتنبيز تسمع خطيباً بليغاً وأنا مرة سمعت خطيباً بليغاً عجبت أعجب كيف ياتي بهذه المعاني وكيف يأتي بهذه الحِكَم، أسرني أسراً في سامراء، هو ليس عراقياً جاء وتكلم كلاماً أذهلنا جميعاً كلنا فهمناه لكن لا نستطيع أن نقول مثل كلامه.

المقدم: هذا وارد، نفهم الكلام لكن لا نستطيع أن ننسج على منواله. إذن إعجاز القرآن لا يتأتى في الكلمات ومعاني الكلمات المهجورة أو القديمة أو صاحبة الدلالات القديمة لكن يتأتى من النظم فكرة النظم وضع هذه المفردة بجواء هذه، هذه الآية بعد هذه أو قبل تلك، السورة نفسها، هذا هو الإعجاز.

د. فاضل: الإعجاز القرآني متسع لكن أشهر شيء هو ما ذكرته. الإعجاز القرآني متسع إتساعاً كبيراً يعني كل واحد ينظر فيه من ناحية، الشارع المشرِّع ينظر فيه من ناحية إعجاز، من ناحية علمية يرون أن فيه إعجاز، اللغة إعجاز إختيار مفردات تاريخية إعجاز تاريخي وإختيار المفردة لذلك التاريخ أشياء عجيبة والإعجاز متسع لكن أشهر إعجاز هو هذا الإعجاز البياني الذي تحدى به، في سورة واحدة التي ليس فيها تاريخ ولا فيها غيبيات ولا فيها أمور، مثل سورة الإخلاص أو سورة الكوثر.

———-فاصل——

المقدم: دكتور فاضل من خلال قراءتك هل ورد في كتب التاريخ أن أحد الكفار انتقد القرآن بحد ذاته وقال أن هذا كلام النبي صلى الله عليه وسلم؟ ما صدق أن هذا كلام الله عز وجل وشككوا أن هذا كلام الله سبحانه وتعالى؟

د. فاضل: شككوا أمر آخر، تشككوا ونحن نقرأ في القرآن أنهم كانوا لا يكذبوه وإنما يعتفرون في أنفسهم (فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ (33) الأنعام( (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا (14) النمل) هم يعلمون أنه كلام الله مثل اليهود في المدينة كانوا يعلمون أنه رسول الله لأن صفته في التوراة موجودة واضحة وحتى إلى الآن هذه التوراة على ما حصل فيها من تغيير لو أراد أحدهم أن يقتنع لاقتنع بما فيها.

المقدم: تناولت هذا في كتاب “نبوة محمد من الشك إلى اليقين”. غذن هم مقتنعون أن هذا كلام الله سبحانه وتعالى ليس من لدن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.

د. فاضل: نعم. كان يذهب أبو سفيان وأبو جهل يستمعون إليه (نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُورًا (47) الإسراء) هم كانوا يذهبون يستمعون إليه وهو في بيته.

المقدم: ما دلالة هذا؟ هل هذا كِبْر أم ماذا؟

د. فاضل: هي مشكلة النفوس أنها أحياناً تكابر لأسباب كثيرة ربنا سبحانه وتعالى لم ييسر لها التوفيق فهناك اسباب كثيرة لأن تعاند وتحارب

المقدم: وهذا فيه كفر عناد، وهناك كفر جحود وكفر إنكار وكفر استكبار

د. فاضل: حتى في حياتنا أحياناً هذا الشخص يعتقد أن ما يقوله حق لكن لو كان من غيره كنت أقبل به، هذا يحصل.

المقدم: (وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (31) الزخرف) هذه الإشكالية الخاصة بهم لكن ما ورد أن صناديد وفقهاء وبلغاء اللغة آنذاك انتقدوا القرآن أو اعترضوا على شيء موجود فيه؟

د. فاضل: لا أبداً

المقدم: عجيب سبحان الله. ما بالنا نسمع الآن انتقادات وهجوم على القرآن الكريم؟

د. فاضل: هو أحد أمرين إما أن يكون جهل وإما أن يكون مغرض جهات خاصة ليس إلا أحد هذين الأمرين. أنا قرأت بعض الكلام والاعتراضات لا يقوله طالب المتوسطة لكن تذكر في محافل دولية. لو في زماننا طالب معنا في الصف قال هذا الكلام لضحكنا عليه. إما أن يكون جهل أو يكون مقصوداً مغرِضاً.

المقدم: وأنتم ترجحون ماذا؟

د. فاضل: الإثنان

المقدم: جهل ومقصود. أصبحت اللغة مهاجمة، واللغة العربية أصبحت مهاجمة وأساتذة اللغة يُنال منهم في كل آن وحين وثقافتنا العربية أصبحت مهلهلة ومهاجمة!

د. فاضل: نحن كنا نقرأ دون أن أذكر أسماء دول ولا شيء، قرأنا أنه كانت بعض الدول تحارب القرآن ويكتبون أنه ينبغي أن نمنع هذه اللغة حتى لا نرنتبط بالقرآن ولا نرتبط بالدين، أنا قرأت هذا.

المقدم: الهجوم على اللغة له إذن غرض معين عدم الإرتباط بالقرآن الكريم

د. فاضل: نعم وعدم الإرتباط بالأمة العربية وبالشعوب الأخرى حتى ينقطع بعضها عن بعض ولا يفهم بعضها بعضاً.

المقدم: إذن المخطط كبير

د. فاضل: نعم المخطط كبير جداً وهذا مكتوب وليس سراً ولا نريد أن نخوض فيه ومن الذي قاله.

المقدم: إلى الله المشتكى. طالما الأمة فيها علماء أمثال حضرتك فهي بخير وأمثال بعض المسؤولين.

د. فاضل: لا شك أنه هناك من هو أمثل من عندنا بكثير إن شاء الله نتأمل أن تثمر الجهود.

المقدم: بارك الله فيك وسدد جهودك وصوّبها للنجاح بغذن الله تبارك وتعالى.

أسئلة المشاهدين خلال حلقة 13/7/2009م:

الدكتور صالح من سوريا: أتداخل بسؤال بسيط للدكتور فاضل: في سورة النساء الآية 163 (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإْسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (163) وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا (164)) الله سبحانه وتعالى إنتقى 12 رسولاً أو نبياً وذكرهم في الآية وليس فيها إشكال (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإْسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ) هؤلاء الأنبياء متسلسلون وإنما تأتي الإشكالية من (وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا). فهمت أنه قّدم عيسى للإهتمام لأنه ذكر قبل هذه الآية بآيات قال (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (157)) قدّمه سبحانه وتعالى للإهتمام به وأيضاً (وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا) لكن لماذا قدّم أيوب ويونس على هارون؟ وهارون قدمه على سليمان؟ وأنا لم أجد لا في الصفحة التي قبلها ولا التي بعدها بعد دراسة مستفيضة للسياق أي شيء يقودني إلى أن أفهم لماذا هذا الترتيب. فهل يمكن توضيح اللمسة البيانية في ترتيب هؤلاء الأنبياء وانتقاؤهم؟

عبد الرحمن من دبي: يقول الله عز وجل (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ (27) الروم) في نفس الوقت هناك آية يقول فيها الله عز وجل (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ (38) ق) كيف نفسر الآية الثانية بناء على الآية الأولى؟ في الآية الثانية لغوب يعني تعب، وفي الآية الأولى قد توحي أن بدء الخلق كان فيه صعوبة بدلالة أن الإعادة أهون عليه؟

د. فاضل: هم كانوا يستبعدون البعث فقال إذا كنتم تستبعدون البعث فالبداية في عقولكم وفي عرف الناس أنها أعسر من إعادتها مرة أخرى. يعني في مقياس العقل أن البداية أعسر من الإعادة فلماذا تستبعدون البعث؟

محمد من السعودية: إقتراح أنه عندما تقومون بإعادة الحلقات عند غياب الدكتور أن تعاد الحلقات القديمة من بداية البرنامج حتى نستمتع بالجديد وإن كان قديماً. الأمر الثاني بالنسبة لإجابات الدكتور هل يمكن الإشارة إلى المراجع التي منها ذكر الإجابة لأننا نحتاج للعودة إليها أو يشير إلى أن الذي ذكره فهم خاص حتى يتضح الأمر. المتابعون يريدون العودة إلى مظان المسألة فيذكر أن هذا الأمر ذكره السيوطي مثلاً أو أنه فهم خاص ليتجلى لنا الأمر بشكل واضح.

د. فاضل: أخشى أن تأخذ الإحالات وقت البرنامج لكن قد نشير إلى بعضها. هي على العموم أحد أمرين إما أن تكون من كتب التفسير التي تعني باللغة مثل الكشاف والبحر المحيط لأبي حيان وكتاب روح المعاني للآلوسي وأحياناً الرازي وكتب المتشابه من أمثال درة التنزيل أو ملاك التأويل ومن كتب اللغة خاصة والمعجمات مثل لسان العرب أو تاج العروس وكثيراً ما تكون هي من النظر والتدقيق في المسألة اجتهاداً.

سؤال نحوي في حرف الباء، الأفعال (باع واشترى واستبدل) إذا دخلت على حرف الباء نريد أمثلة توضح مثلاً اشتريت بالقلم مسطرة هل يمكن توضيح المأخوذ والمتروك في باع واشترى واستبدل علماً أن باع كما نفهم من ألفاظ الأضداد فكيف يعرف المتلقي أن المقصود بالبيع الإعطاء أو الشراء؟

عبد المجيد من السعودية: الآية 173 في سورة البقرة (إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللّهِ (173)) مقارنة بآيتين في المائدة 3 (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ) والأنعام 145 (قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ)، كلمات (حُرّم) (حرمت عليكم) ومقارنة بين (وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ) (وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللّهِ) ما الفرق بين هذه الآيات؟

شرح الدكتور سابقاً أن داوود عليه السلام خر راكعاً وأناب وفي آيات أخرى (وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا (109) الإسراء) شرح سابقاً الدكتور الفرق بين السجود والركوع. لكن ما الفرق بين السجود على الأعضاء السبعة والسجود للأذقان؟ وهل يمكن توضيح حالة السجود للأذقان؟ فيها خشوع كثير لكن لا نراها ممارسة.

بُثّت الحلقة بتاريخ 13/7/2009م

2009-07-14 08:19:42الدكتور فاضل السامرائي>برنامج لمسات بيانيةpost