الحلقة 181
اللمسات البيانية في سورة يس
المقدم: نكمل رحلتنا مع سورة يس واليوم نشرع بإذن الله تبارك وتعالى في قوله عز من قائل (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (45) يس) ما معنى (مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ)؟
د. فاضل: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين أفصح من نطق بالضاد سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن دعا بدعوته إلى يوم الدين. مجمل المعنى أنه يطلب منهم أن يتقوا ويحفظوا ما تقدم من موجب العذاب وما تأخر ما ينبغي أن يُتّقى ما تقدم وما تأخر. لكن السؤال (مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ) أكثر المفسرين على أن ما بين أيديكم ما تقدّم
المقدم: ما تقدم أي ما سبق منكم من عمل؟
د. فاضل: نعم، وما خلفكم ما تأخر وهو الآخرة مثلاً لم يُعمل بعد. ما بين أيديكم ما مضى من الذنوب وأمور الدنيا وما ينبغي أن يُتّقى من الأعمال وما خلفكم الآخرة فإتقاء الأمرين ما مضى وما يأتي، هذا أكثر المفسرين. لكن هنالك من ذهب إلى أمر آخر قال (ما بين أيديكم) يعني الآخرة باعتبار هي أمامكم وما خلفكم هي الدنيا، هي على الحالتين هو إتقاء ما تقدم وما تأخر لكن أكثرهم على ما ذكرته أولاً أن ما بين ايديكم ما تقدم من عمل وما تأخر ما يأتي وأبرز وأهم ما ينبغي أن يُتقى هو أمر الآخرة. الذي ينظر في القرآن يجد أن الأمر هو الشائع في القرآن يعني (ما بين أيديكم) الدنيا و(ما خلفكم) الآخرة. هذا أكثر شيء في القرآن (ما بين أيديكم) ما تقدم و(ما خلفكم) الآخرة، يعني ربنا قال (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ (48) المائدة) يعني ما تقدم، (وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِعَيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ (46) المائدة)، (نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ (3) آل عمران)، (فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ (66) البقرة) وما خلفها أي من يأتي بعدها ليس لمن تركوا وإلا كيف تكون نكالاً لمن تركوا؟
المقدم: ما خلفها يعني الآخرة وبين أيديكم الدنيا.
د. فاضل: (وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (170) آل عمران) لم يأتوا بعد، الذين يأتون بعدهم، ليس أمامهم كما ذهب بعض المفسرين وإنما ما خلفهم يعني ما بعدهم. نحن نتقي ما بين أيدينا وما خلفنا، ما نعمل ونتقي الآخرة (فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (57) الأنفال). حتى (من وراء) تستعمل في القرآن بنفس المعنى، من يأتي بعدهم وليس من تقدم (فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَقَ يَعْقُوبَ (71) هود) لم يأت بعد. على جميع الأقوال أنهم يتقوا ما تقدم وما تأخر.
المقدم: الإشكال كان ما الذي تقدم وما الذي تأخر (ما بين أيديهم وما خلفهم)؟
د. فاضل: هل (ما بين أيديهم) يعني ما سيأتي أمامهم و (ما خلفهم) أي ما تركوه؟
المقدم: حضرتك إلى أي قول تميل؟
د. فاضل: القرآن قطع المسألة أن ما خلفكم هو الآخرة.
المقدم: في هذه الآية قال ربنا تبارك وتعالى (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ) ما دلالة استخدام (وإذا) ولم يستخدم (وإن) مع أنها كلها للشرط أيضاً؟
د. فاضل: في أكثر من مناسبة ذكرنا أن (إذا) للأمر الكثير الوقوع أو المقطوع بحصوله، فيه تحقق أو كثير الوقوع. (إن) للأمور الافتراضية ممكن أن يقع وممكن أن لا يقع أو مستحيلة الوقوع، ممكن أن يقع (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ (196) البقرة)، (وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا (9) الحجرات) ممكن يقع أما (إذا) فلا بد أن يقع أو كثير الوقوع (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ (10) الجمعة) والصلاة لا بد أن تنقضي، (فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ (5) التوبة) لا بد أن تنسلخ، (وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا (86) النساء) هذا كثير الوقوع. حتى ربنا سبحانه وتعالى إذا ذكر أمرين أحدهما كثير الوقوع والآخر قليل الوقوع في آية واحدة في مكان واحد يستعمل (إذا) مع كثير الوقوع و (إن) مع قليل الوقوع (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ (180) البقرة) (إذا حضر) لا بد للجميع لكن (إن ترك) قليل. (فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ (25) النساء) كل البنات يبلغن (فإذا أحصن) الإحصان في اللغة بمعنى البلوغ، إذن الإحصان لا بد منه لكن (إن أتين بفاحشة) قليل. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ (6) المائدة) أنت تقوم للصلاة عدة مرات في اليوم أما الجنب فقليل. إذن (إذا) تدل على الكثرة ولذلك هنا لما قال (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ) معنى أن هذا القول ليس أمراً إفتراضياً إنما تكرر القول لهم، نُصحوا كثيراً أن يتقوا ما بين أيديهم.
——-فاصل——–
المقدم: في قوله تبارك وتعالى (لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (45) يس) لماذا اختار ربنا تبارك وتعالى هذه الصيغة تحديداً مع أن اللغة يمكن أن تتحمل (لترحموا)، فلماذا (لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)؟
د. فاضل: أحب أن أذكر أولاً أنه لم يذكر في هذه الآية جواب الشرط. الآية الكريمة (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (45)) وبعدها (وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ مِّنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (46)) فهو لم يذكر جواب الشرط والسبب لأنه الآية بعد هذه (وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ مِّنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ) معناها أنهم أعرضوا، على كثرة النُصح لأن (إذا) تفيد التكرار، على كثرة النصح المفروض أنهم كانوا يتقوا ويرعووا ولكنهم أعرضوا، لم يذكر الجواب لأنه معلوم ما بعده (وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ مِّنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ) إذن إذا قيل لهم اتقوا ما بين ايديكم معناها أعرضوا. فإذن لو ذكر الجواب لا يكون التأثير الدلالي كثير لأن ما بعدها مذكور. وربما قد يكون هنالك سبب آخر.
المقدم: هل اللغة تألف حذف جواب الشرط؟
د. فاضل: طبعاً. حذف الجواب له أكثر من موضع إما أن يكون معلوماً
المقدم: يعني حُذِف للعلم به، هل هناك مثال على هذا ليكون أوضح؟
د. فاضل: مثلاً (وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى (31) الرعد) ما ذكر ما الذي يحدث، هذا في القرآن كثير أحياناً يأتي للتفخيم وأحياناً لمجرد العلم.
المقدم: تفخيم فعل الشرط؟
د. فاضل: تفخيم الحدث. يعني إما تعظيم له أو نحو ذلك (وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ (12) السجدة) ليس هنالك جواب كأنه إذا رأيت أمراً عظيماً لا تعبِّر عنه. (وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُواْ الْمَلآئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ (50) الأنفال) ماذا سترى؟ لو تراهم يضربون ماذا سيكون؟ لم يذكر. من ذلك هذه الآية التي كثرالسؤال عنها (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا (73) الزمر) بينما في آية النار (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا (71) الزمر) فجعل جواب الذين كفروا قال (حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا) كان الجواب (فتحت أبوابها) معناها أن الأبواب مغلقة وهي سجون (إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ (8) الهمزة) قال (حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا).
المقدم: وفي الجنة (حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا)؟
د. فاضل: هذه حتى إذا جاؤوها والأبواب مفتّحة، (حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا) الأبواب مفتوحة وليست موصدة لكن ما الجواب؟ جواب الشرط محذوف.
المقدم: كنت أفهم أن (وفتحت أبوابها) هو جواب الشرط.
د. فاضل: لا، هذه الواو عاطفة، (حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ) ليس هنالك جواب. فقالوا حذف الجواب للتعظيم لأن اللغة لا تستطيع أن تعبّر عما أعده الله سبحانه وتعالى لهم من الكرامة. يعني إذا رأيت أمراً عظيماً تعجز اللغة عن التعبير عنه، اللغة الموجودة عندنا لا تستطيع أن تعبّر، الكرامة التي الله سبحانه وتعالى جعلها لهؤلاء أكبر من اللغة، أوسع من اللغة فحذف جواب الشرط للتعظيم وتفخيم المسألة، يعني الجواب هناك أما اللغة فلا تستطيع أن تعبر. فقالوا الحذف للتفخيم. وممكن أن يكون الحذف لأمر آخر أنهم إذا قيل لهم سكتوا وما أجابوا. أحياناً يقول لك أحدهم شيئاً لا يعجبك فلا تجيب عنه، إعراض. أعرضوا أو يمكن أن هذا الكلام لا يعجبهم فلا يجيبون.
المقدم: وبالتالي لم يسجل ردة فعلهم حيال ما يقال لهم
د. فاضل: إنما نحن عرفنا أن هؤلاء قيل لهم فسكتوا ما أعجبهم الكلام فسكتوا كما يحصل عندنا واحد يتكلم فلا ترد عليه. يحتمل هذا الأمر، يعني يحتمل الحذف ويحتمل أن الكلام لا يعجبهم.
المقدم: لم يعيروه أدنى اهتمام ولا أدنى استماع
د. فاضل: اختيار فعل الرحمة الذي سألت عنه (لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) لا ينجيهم إلا رحمة ربنا سبحانه وتعالى لكن هو قال (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) أنت تسأل لماذا لم يقل لترحموا؟. الإتقاء أولاً معناه أخذ الأسباب.
المقدم: ما معنى الإتقاء، خوف؟
د. فاضل: ليحذروا، هنالك أمر محذور، تتقي أمراً محذوراً تخاف منه فتتخذ العدة للحماية تحمي نفسك فإذن إتقاء تحمي نفسك إذا كنت تمشي في أرض مشوكة بها شوك تشمر عن ساقيك وتتحسس مواضع قدمك، أنت تحذر تأخذ الحماية منه. فإذن تأخذ الأسباب تتخذ الأسباب لتتقي هذا الأمر (اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ) هذا أخذ الأسباب، هذا أمر. ثم قال (لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) إذن هنالك أمران إتخذا الأسباب ورجاء رحمة الله. أمر يتعلق بالإنسان وأمر يتعلق بالله سبحانه وتعالى. ممكن أن واحداً يأخذ الأسباب ويقع في المحذور مع اتخاذ الأسباب، هذا وارد. لو قال مثلما تفضلت (لترحموا) لكان اتخاذ الأسباب يكفي بينما هو إتخاذ الأسباب لا يكفي إلا مع الرحمة لذلك جعله مع رجاء الرحمة، إتخاذ الأسباب مع رجاء الرحمة من الله سبحانه وتعالى لأن اتخاذ الأسباب وحده غير كافي. لو قال لترحموا كان إتقاء الأسباب هو الذي يُنجي، هو سبب على العبد أن يأخذ به إتخاذ الأسباب ورجاء الرحمة من الله سبحانه وتعالى الأمر يعود إلى مشيئته سبحانه وتعالى.
المقدم: يعني ليس بالعمل واتخاذ الأسباب ينجو الإنسان
د. فاضل: إنما برحمة الله، حتى دخول الجنة برحمة الله سبحانه وتعالى.
المقدم: والرسول r عليه الصلاة والسلام قال هذا “إلا أن يتغمدني الله برحمته”.
د. فاضل: إذن رجاء الرحمة.
المقدم: (لعل) للرجاء فماذا عن (لترحموا) أليست اللام للتعليل هنا؟
د. فاضل: للتعليل.
المقدم: هي تعليلية ليست للرجاء. حكمة بالغة ولذلك قال (لعلكم ترحمون)
د. فاضل: (لعلكم ترحمون) يعني يظل الإنسان خائفاً.
المقدم: قال (لعلكم ترحمون) لماذا لم يأت مكان (لعل) بـ (عسى)؟ والاثنان بمعنى رجاء.
د. فاضل: صحيح (عسى) بمعنى الرجاء. لو استخدم عسى لقال عسى أن ترحموا. لأن (عسى) كثيراً ما يقترن خبرها بـ (أن) ولم ترد في القرآن إلا كذلك. لو قال (عسى أن تُرحموا) (أن) تفيد الاستقبال (أن الناصبة) للإستقبال، (لعلكم ترحمون) هذه مطلقة تفيد المستقبل والحاضر تشمل الجميع فإذن لو قال (عسى أن ترحموا) يعني ترجي الرحمة للمستقبل لا رحمة آنية الآن، (لعلكم ترحمون) مطلقة للحال والاستقبال كلها، هذا الفعل المجرد من حرف الاستقبال يحتمل. ثم من ناحية (لعلكم) ترحمون جملة إسمية وجملة (عسى أن ترحموا) فعلية والجملة الإسمية أقوى من الجملة الفعلية
المقدم: في التعبير الدلالي فيها تحقق وثبوت أكثر، مع أن الفعلية فيها تجدد واستمرار
د. فاضل: قد يكون فيها تجدد واستمرار لكنها ليست ثابتة. ثم (لعلكم ترحمون) كم مرة فيها خطاب؟ الكاف في (لعلكم) والواو في (ترحمون) فيها ضمير الخطاب مرتين، أما (عسى أن ترحموا) ورد فيها ضمير الخطاب مرة واحدة فالأولى أقوى. ثم هي مناسبة لقوله (اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ) يشمل الجميع الماضي والحاضر والمستقبل يناسبها لعلكم ترحمون أكثر من عسى أن ترحموا. (لعلكم ترحمون) تشملها كلها بينما عسى أن ترحموا ستكون للمستقبل. (لعلكم ترحمونْ) هذه أنسب مع (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ) الحال والمستقبل، عسى أن ترحموا للإستقبال فإذن (لعلكم ترحمون) أشمل من (عسى أن ترحموا).
المقدم: استطراد جانبي وأنا أقرأ في بعض الكتب الإنجليزية لوليم دينين كان يتكلم علم اللغة وكان يقول أن اللغة ظاهرة اعتباطية وإبن جنّي في كتاب الخصائص يقول أن اللغة مجموعة من الأصولت يعبّر بها كل قوم عن أغراضهم. ما تتفضل به في طيات هذه الحلقات أنها مقصودة، واضح أن مفردات وألفاظ اللغة مقصودة فهل اللغة العربية توقيفية؟ أم هي اصطلاحية أو اعتباطية أم ماذا بالضبط؟
د. فاضل: هذا أمر كثير الكلام فيه، لكن أقول شيئاً كل لغة يتكلم بها قوم من الأقوام هي قطعاً لها قواعد يعلمها أهل اللغة، كل لغة فيها قواعد أما اصلها فهي انحدرت من لغات أخرى وتطورت إلى هذه اللغة لكن ليست هنالك لغة بلا قواعد.
المقدم: الدقة في اختيار المصطلحات حتى من حيث اللغة أمر لا يكون اعتباطياً أو عشوائياً
د. فاضل: لا، هذا يرجع إلى البلاغة. عموم اللغة فيها قواعد. نضرب مثالاً: تقول هذه أوراقي أضفتها إلى ياء المتكلم، هذا كتابي، هذا قدحي، لو أقل لك “أعطني أوراقي” استعملت الآن نون الوقاية، أوراقي ليس فيها نون وقاية. أنت الآن تتكلم في كل الأفعال لما تأتي بالفعل للمتكلم ستأتي بنون الوقاية تقول أعطاني، أكرمني، علمني، أدخلني، عندما تضيف الإسم من دون نون الوقاية تقول كتابي دفتري قلمي. هذه قاعدة لكن أهل اللغة يتكلمون بها من دون معرفتها، يتكلمون بها على السليقة لكن وفق قاعدة.
المقدم: ممكن أن تلحق بالإسم مثل (قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْرًا (76) الكهف)
د. فاضل: هذه كلمات محدودة في الفصحى، هي كلمات محدودة تدخل على بعض الحروف أما عموماً لا.
المقدم: معنى (لعل) و(عسى) أنا ذكرت هذا الاستطراد لتفريقكم بين (لعل) و(عسى) هل واضع اللغة كان يعلم هذه الفوارق منذ البداية أم هو تطور للغة أو هو معذرة محض تأويل من علماء البلاغة واللغة العربية ولو جاءت بغير هذه الصيغة لوجدتم وجوهاً أيضاً لهذا الكلام.
د. فاضل: اللغة لها قواعد وضوابط وليست لغة بلا ضوابط. لكن يبقى المتكلم المفروض المتكلم البليغ يختار الكلمة المناسبة يختار التعبير المناسب حسب المقام. فالقصد يتضح من كلامه، القصد في الاختيار يتضح أن هذا هو المقصود حتى لو كانت اللغة تتسع. مثال: اللغة تستعمل الحول والعام والسنة والحجة
المقدم: الكل بمعنى سنة أو عام.
د. فاضل: أما إن جئت خصصت كل واحدة بدلالة هذا تخصيص لأمر بلاغي لسبب هذا سيصير فناً تعبيرياً.
المقدم: هو من حيث اللغة تسمح الكل بمعنى مثلاً (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ (233) البقرة) استخدم الحول، (فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا (14) العنكبوت)، (قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ (27) القصص)
د. فاضل: أما لماذا؟ نحن ننظر كيف يستعملها القرآن في كل الأحوال فنجد خيطاً لكل واحدة استعمال.
المقدم: المشكلة تكمن في التوظيف، في النظم، ليست المشكلة في المفردات والألفاظ.
د. فاضل: القرآن يستعمل الأجداث والقبور (فَإِذَا هُم مِّنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ (51) يس) (وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ (4) الإنفطار) لكن لو تنظر كيف يوظف كل واحدة ولماذا ستجد اختصاص بسبب خاص يمكن أن نتطرق إليه في وقت لاحق.
المقدم: بإذن الله تعالى. لا توجد حدود فاصلة بين مفردات اللغة لكن توجد فوارق في الاستخدامات السياقية؟
د. فاضل: بعضها هنالك حدود وبعضها لا فوارق.
المقدم: إذن الملِك في التحديد هو السياق.
د. فاضل: المقام والسياق.
المقدم: بهذا السياق قوله تبارك وتعالى (وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ مِّنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (46) يس) ما المقصود بالآيات؟
د. فاضل: قبل هذه الآية أنت سألت سؤالاً لماذا قال (لعل) ولم يقل (عسى)؟ ممكن أن يخطر السؤال أن ربنا قال (عسى) في القرآن (عَسَى رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ (8) الإسراء) أن يرحمكم الرحمة نفسها، (لعلكم ترحمون) ما الفرق؟ المسألة متعلقة بالرحمة أيضاً في الآيتين وكلاهما ترجي. قلنا أن (عسى) للإستقبال، لو نظرنا في قوله تعالى (عَسَى رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ) هذه خاصة بالاستقبال لأن الكلام على بني إسرائيل (إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاء وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوؤُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيرًا (7)) إن الكلام على المستقبل فقال (عَسَى رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ)، الكلام على المسقبل أصلاً وليس على الحاضر (فَإِذَا جَاء وَعْدُ الآخِرَةِ)
المقدم: يمكن أن تستخدم (عسى) إذا كان مسرح الكلام يدل على الاستقبال للدلالة على المستقبل
د. فاضل: (عَسَى رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُم) (أن) هي أداة الإستقبال. بينما (لعلكم ترحمون) هذه مطلقة (ما بين ايديكم وما خلفكم) هذا الآن، لكن الآية (عَسَى رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُم) مقصورة على الاستقبال لمن سيأتي وليس على الموجودين (فَإِذَا جَاء وَعْدُ الآخِرَةِ)
المقدم: إذن هي أيضاً معلقة بالاستقبال
د. فاضل: فجاءت (عَسَى رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُم)
المقدم: حتى في بني إسرائيل لا يقول (لعلكم) جعلها معلقة بشرط الاستقبال.
———فاصل———
المقدم: في الاية الكريمة يقول تبارك وتعالى (وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ مِّنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (46)) ما معنى الآية؟
د. فاضل: الآيات تحتمل حقيقة أمرين إما الآيات التي يتنزل بها الوحي فيعرضون عنها، الآيات القرآنية
المقدم: هل الحديث عن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ومن معه أو عن الأنبياء؟
د. فاضل: الآن الكلام عن الموجودين في زمن الرسول r عليه الصلاة والسلام.
المقدم: إذن آية من القرآن.
د. فاضل: آية من القرآن. أو تحتمل أن تكون آية من آيات الكون يعرضون عنها أيضاً. لاحظوا الخالق ألا يستحق العبادة، هذه السماء ويرزقكم يذكر الله سبحانه وتعالى لهم أموراً من أمور الكون وأيضاً يعرضون عنها.
المقدم: كما في قوله (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاء مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (164) البقرة)
د. فاضل: (وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ مِّنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ) لكن أظهر شيء عندما قال (وَمَا تَأْتِيهِم) يعني آيات الوحي أو الآيات التي تدل على صدق الرسول r عليه الصلاة والسلام (وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ مِّنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ)
المقدم: لماذا نفى بـ (ما)؟ ولم ينف بـ (لا) مثلاً مع أن الاثنين يدلان على النفي؟
د. فاضل: عندنا معلومة في النحو أنه إذا دخلت (ما) على الفعل المضارع نفته للحال، مراد به الحال. (لا) أكثر النحاة يقولون أنه يراد بها الإستقبال، يخلص الفعل المضارع للإستقبال. مثال (وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً (48) البقرة) (لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاء وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ (40) الأعراف) فأكثر النحاة، جمهور النحاة قالوا كما قال الزمخشري (لا) و(لن) أختان في نفي المستقبل إلا أن في (لن) توكيداً. ولكن ذهب قسم من النحاة أن (لا) الكثير فيها أن تكون للإستقبال لكن قد تأتي للحال أيضاً حتى استدل بقوله تعالى (مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ (20) النمل) هذه حال. (قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي (25) المائدة) هذه حال، (وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا (78) النحل) لكن الأغلب أن تكون (لا) للإستقبال، هي مطلقة وهي اقدم حرف نفي في العربية ولهذا تدخل على الماضي والمضارع.
المقدم: كيف أقدم حرف نفي؟ في استخدام النفي قبل (ما)؟
د. فاضل: قبل (ما). لاحظنا أنها تنفي الإسم وتنفي الفعل وتنفي الإسم النكرة (لا خوف عليهم) والإسم المعرفة وتنفي الجنس وتنفي لغبر الجنس وتدخل على الفعل الماضي (فلا صدق ولا صلى) وتدخل على الفعل المضارع وتستعمل للدعاء ولغير الدعاء “لا ردّه الله” هذه أوسع. وحتى بناءها الصوتي (لا) تنتهي بحرف مد يمتد فهي مطلقة بينما (لن) مقيدة و (لم) مقيدة، (لن) مقيدة فهي مقيدة بحرف المضارع لا تدخل على الماضي حتى، (لم) مقيدة بالمضارع، أما (لا) مفتوحة مع الكل حتى بناءها الصوتي. وقالوا (ما) إذا دخلت على المضارع أخلصته للحال.
المقدم: إذن (ما تأتيهم) للدلالة على الحال آنذاك؟
د. فاضل: هذه حالتهم بينما (لا) قد تكون للمستقبل وهو لا يتكلم عن المستقبل وإنما يتكلم عن الحالة التي هم فيها الآن عند الكلام، عند الإخبار فقال (ما تأتيهم) وليس على المستقبل ماذا يحصل. قد يحتمل في المستقبل أنهم يتغيرون ولذلك نفى بـ (ما) (ما تأتيهم).
المقدم: ماذا أيضاً في بناء الاية دكتور فاضل؟
د. فاضل: هو ما قال حتى ما أتتهم وإنما جاء بالفعل المضارع (ما تأتيهم) حتى يبين أن هذا شأنهم وديدنهم ليس أمراً قد مضى وإنما عادة مستمرة، لو قال ما أتتهم كأنه يتكلم عن حالة ماضية أما لما قال (ما تأتيهم) يعني هم مستمرون، هذا شأنهم، هذا ديدنهم هكذا. ثم جاء بـ (من) (مِّنْ آيَةٍ مِّنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ) الدالة على الاستغراق.
المقدم: إستغراق أم تبعيض؟
د. فاضل: هذه فرق بين التبعيض والاستغراق، الاستغراق يعني الكل جميع الآيات. كيف عرفنا أنها استغراق وليست تبعيضاً؟ لأنها دخلت على الفاعل بعد تأتيهم. أين فاعل تأتيهم؟ آية، هذه (من) لا يمكن أن تكون تبعيضية وإنما هي قطعاً استغراقية، هذه يسمونها (من) الزائدة تدخل على الفاعل وعلى نائب الفاعل وعلى المبتدأ (وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ (65) ص). فهي قطعاً استغراقية.
المقدم: الإسم مجرور بحرف الجر الزائد في محل رفع فاعل
د. فاضل: فإذن (من) هذه استغراقية
المقدم: إذا كانت استغراقية لم قال (من آيات ربهم)؟
د. فاضل: ولذلك كل الآيات هم يعرضون عنها، كلها على وجه الاستغراق، كل الآيات.
المقدم: ما آمنوا بآية واحدة؟
د. فاضل: كل الآيات يعرضون عنها. لو قال ما تأتيهم آية كان يحتمل نفي الواحدة.
المقدم: إذن هو هكذا نفى الايات الواحدة ونفى جميع الايات بالمفرد وبالجمع.
د. فاضل: ولذلك جاء بـ (من) الإستغراقية. ثم أضاف الآيات إلى ربهم فقال (مِّنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ) هذأ أسوأ إعراض، ربهم الذي هو ربّاهم وأكرمهم تفضل عليهم بالنعم هذا أسوأ إعراض (مِّنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ) أضاف الرب إليهم (ربهم)، كان يجب أن يشكروا ربهم الذي أنعم عليهم، خلقهم ورزقهم. ثم قال (إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ)
المقدم: هنا ربما نقول لماذا لم يقل إلا أعرضوا عنها؟
د. فاضل: “إلا أعرضوا عنها”، (معرضين) إسم فاعل، أعرضوا فعل إذن معنى أن هذه حالتهم الثابتة، أعرضوا يعني أمر ماضي أما معرضين فهذه حالتهم الثابتة.
المقدم: الإسم يدل على الماضي والحاضر والمستقبل من حيث الثبوت؟
د. فاضل: من حيث الثبوت. ثم قال (إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ) كانوا بالماضي، مانوا معرضين، هذا وصفهم قبل أن تأتي الايات، عندما تنزل الآيات تجدهم معرضين أصلاً، تجدهم معرضين.
المقدم: وكأن هذا ديدنهم هم، يعرضوا عن جميع الآيات.
د. فاضل: ليس فقط عند نزول الآيات ولكن عندما تنزل الآيات تجدهم معرضين لم يعرضوا عنها عند النزول ولكن تجدهم معرضين.
المقدم: إذا كان مناط الكلام على الإعراض فلمَ أخّر الإعراض وقدّم الجار والمجرور؟ لم يقل مثلاً إلا كانوا معرضين عنها؟ مدار الكلام عن الإعراض وأن هذا ديدنهم فلِمَ أخّر الإعراض؟
د. فاضل: لما قال (عنها معرضين) فيه معنى أنهم ليسوا معرضين عن غيرها، هذا تخصيص أنهم معرضين عن الآيات لو ذكرت أموراً أخرى ليست في هذا الشأن يسمعون ويتكلمون، إذا ذكرت مسألة أخرى من مسائل الدنيا لكن الإعراض هو خاص بهذه الآيات، هم معرضون عنها تحديداً، لو قال معرضين عنها لكانت تحتمل أنهم معرضين عنها وعن غيرها، لكن إذا ذكرت لهم أموراً أخرى لا يعرضون عنها.
أسئلة المشاهدين خلال حلقة 20/7/2009م:
ثامر من أبو ظبي: عندي وجهة نظر في أستاذي الفاضل معك، الأستاذ الفاضل ليس عنده أي تأويل في القرآن الكريم ولكن عنده معاني رهيبة في القواعد اللغوية في القرآن الكريم وهذا الشيء مفاجأة لنا كشعب مسلم أم يكون عندنا شخص بهذه الثقافة المتميزة في بيان القرآن. هنا عندي اختلاط في برامج كثيرة ياتي من يأول القرآن وأنا تفاجأت وأنا أتابعكم منذ فترة طويلة أن أستاذنا الفاضل لا يأول أبداً بل يضع القواعد السليمة التي كانت قريش يفتخرون بها أمام العرب كلهم وجاء القرآن يتحداهم فيها. فجاء الأستاذ الفاضل ما شاء الله يعلمنا قواعد اللغة وقواعد الأسلوب السلس الحكيم المتفتح في القرآن وفي اللغة العربية الفصحى ما شاء الله. وسؤالي من أين لك هذا؟ هل هو من الله سبحانه وتعالى؟ هل هو علم درسته أنت؟ أو أن الله سبحانك وتعالى خصّك من السابقون السابقون أن تعطي علمك أنت؟ وأتمنى منك أخي المذيع الفاضل أن تستنزف علم الدكتور.
د. فاضل: لا أدري إن كنت على هذا المستوى لا أعلم، على اي حال هو لا شك أنا كنت أعنى بدراسة اللغة العربية وأصولها وأنا أستاذ في اللغة العربية أدرس النحو ودرّست الصرف والنحو مدة طويلة وأرجع إلى كتب اللغة وأقرأها وطلبت من ربي سبحانه وتعالى أن يفتح عليّ في كتابه العزيز فتحاً مباركاً ، طلبت منه كما ذكرت أكثر من مرة وأنا معتمر شربت من ماء زمزم وماء زمزم لما شُرب له ونويت أن ربي سبحانه وتعالى يفتح عليّ في كتابه وأن يرزقني علماً يُنتفع به ثم ذهبت وتعلقت بأستار الكعبة عند الملتزم تعلقت ودعوت ربي أن يفتح عليّ في كتابه فتحاً مباركاً وأن يرزقني علماً يُنتقع به ولا أدري لعل الله استجاب لي.
المقدم: دعوة مستجابة، ما شاء الله حب الملايين وحب الناس لك طيب ما شاء الله.
د. فاضل: لكن لا شك أنا أقرأ في كتب التفسير التي تُعنى باللغة وكتب المتشابه وكتب البلاغة، الأصول هي في الكتب ويبقى ترتيبها.
المقدم: فتح الله لك وفتح عليك، ما شاء الله.
عبدو من دبي: بخصوص مسقط سيدنا إبراهيم يعرف الدكتور أنها في محافظة إسمها نينوى، فلماذا لم يفكر العلماء من المسلمين أن يكون هناك معلماً في هذا المكان؟ أنا زرت المكان هذا في 1982 ولم أر أي اثر لمكان سيدنا إبراهيم ابو الأنبياء وقالوا أن هذا المكان ولد فيه سيدنا إبراهيم وفيه جمعوا له الحطب ليحرقوه لكن لماذا لم يفكر العلماء أن يكون في مكانه معلم لأبي الأنبياء سيدنا إبراهيم في هذا المكان؟
د. فاضل: هل هذا يرجع إلى العلماء لا أدري حقيقة وإنما الأمر يحتاج لفتوى شرعية هل يجوز أن نصنع للأنبياء مقامات.
بُثّت الحلقة بتاريخ 20/7/2009م