الحلقة 196
اللمسات البيانية في سورة يس
المقدم: نكمل رحلتنا مبحرين في سورة يس متعلمين مما علمكم الله سبحانه وتعالى وواقفين على اللمسات البيانية الموجودة في هذه السورة الكريمة وفي آياتها. توقفنا في اللقاء المنصرم عند قوله سبحانه وتعالى (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ (69)) الملاحظ في هذه الآية أن الله سبحانه وتعالى نفى وأثبت بـ (إن وإلا) فإذن نظرنا في سورة القلم نجد ربنا سبحانه وتعالى يقول (وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ (52)) فلماذا هذا الاختلاف؟ وكيف نفهم اللمسة البيانية الموجودة في تلك الآيتين؟
د. فاضل: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وإمام المتقين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن دعا بدعوته إلى يوم الدين. ربنا سبحانه وتعالى قال هنا (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ) يعني هذا الذي تسمعونه أنتم سميتموه شعراً، لا، هو ذكر وقرآن مبين. نحن عندنا في اللغة أن (إن) في النفي أقوى من (ما) (إن وإلا) أقوى من (ما وإلا) في النفي. فإذن ننظر لماذا نفى بما هو أقوى هاهنا؟
المقدم: مع أن (إن) و (ما) كلاهما للنفي؟
د. فاضل: لكن كل أداة لها دلالة في القوة أو في المعنى أحياناً.
المقدم: (إن) فيها شك وتضعيف أكثر؟
د. فاضل: (إن) أقوى.
المقدم: (إن) أقوى في التعبير من (إذا) أيضاً؟
د. فاضل: في الشرط (إذا) أقوى من (إن) لأن (إذا) تكون للمقطوع بحصوله أو لكثير الحصول أما (إن) فلا.
المقدم: (وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا (9) الحجرات)؟
د. فاضل: قد يكون قليلاً أو قد يكون افتراض الأمر. العرب يستعملون (إن) لما هو أقل.
المقدم: (إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) النصر)؟
د. فاضل: هذا يقين.
المقدم: محقق
د. فاضل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ (6) المائدة) إن كنتم جنباً أقل من إذا قمتم إلى الصلاة.
المقدم: (وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ (23) البقرة)؟
د. فاضل: هذا أقل، هذا أبعد.
المقدم: وأيضاً في النفي لكن في النفي أقوى
د. فاضل: (إن) في النفي لها دلالة و(إن) الشرطية لها دلالة.
المقدم: (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ) هذه نفي
د. فاضل: ما هو إلا ذكر. (إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ (188) الأعراف) ما أنا إلا نذير،
المقدم: (إن) هنا نافية بمعنى (ما)
د. فاضل: طبعاً. تلك (إن) الشرطية لها دلالة. (إن) لها أكثر من معنى، قد تكون مخفّفة من الثقيلة بمعنى إنّ وقد تكون نافية وقد تكون شرطية
المقدم: الضابط هو السياق
د. فاضل: طبعاً.
المقدم: (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ (69) يس)
د. فاضل: و (وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ (52) القلم). (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ) معناه ما هو إلا ذكر، هذا من حيث الدلالة. لكن السؤال لماذا هنا (إن) وهنا (ما)؟ قلنا (إن) أقوى، إذن لماذا استعمل الأقوى هاهنا؟
المقدم: أليس (ذكر) هو القرآن؟ (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ)
د. فاضل: نعم. ذكر يذكر الناس ويعظهم، موعظة.
المقدم: وقرآن؟ يعني توضيح؟
د. فاضل: هذا القرآن لا شك أنه موعظة ويذكِّر الناس وربنا يسميه أحياناً الذكر ويسميه القرآن ويسميه الكتاب.
المقدم: وهذا كله للدلالة على المصحف الذي بين أيدينا الآن؟
د. فاضل: نعم. فالسياق هو الذي يحدد. لما قال (وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ (69)) الحديث عن القرآن. لو نظرنا في سورة القلم ليس في السياق كلام عن القرآن إلا في آية واحدة والكلام عن الرسول r، يقول تعالى (وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ) من هو؟ الرسول r عليه الصلاة والسلام، (لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ (51)) على الرسول r صلى الله عليه وسلم. ثم يقول (وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ (52)) هذه الآية فقط عن القرآن وباقي الكلام للرسول عليه الصلاة والسلام، وهذه الآية الوحيدة التي جاءت بـ (ما وإلا) كل الباقي في القرآن الكريم وردت (إن هو إلا ذكر).
المقدم: نرى سياق يس هل كله يتحدث عن القرآن؟
د. فاضل: (وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ (69))، (لِيُنذِرَ مَن كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ (70)) الكلام عن القرآن، بينما في سورة القلم آية واحد فقط عن القرآن. في سورة يوسف قال (إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ (104)) لأنه قال (ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ (102)) يتكلم عن القرآن، (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (103) وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ (104)) القرآن فقال (إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ) نفى بـ (إن وإلا). حتى في سورة ص قال (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ (87)) (قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (86)) عن القرآن، (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ (87) وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ (88)) القرآن. في سورة التكوير (وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ (25) فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ (26) إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ (27)) عن القرآن. الموطن الوحيد الذي نفى فيه بـ (ما وإلا) هو في سورة القلم لأن السياق في أكثره عن الرسول r ولم تأت إلا هذه الآية (وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ).
المقدم: إذا كان السياق عن القرآن الكريم يأتي بالأقوى وإذا كان السياق عن شيء آخر ويريد أن ينفي يأتي بشيء آخر.
د. فاضل: طبعاً.
المقدم: ولو وضع الأقوى مكان الأقل؟
د. فاضل: من حيث اللغة جائز لكن من حيث البيان
المقدم: البيان لا يُقرّ هذا
د. فاضل: البيان شكل آخر أما من حيث اللغة جائز.
المقدم: (لِيُنذِرَ مَن كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ (70)) من الذي يُنذر؟
د. فاضل: من الذي يُنذر؟ كسؤال عام القرآن يُنذر والرسول r يُنذر. ربنا قال (وَسَوَاء عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ (10) يس) هذا الرسول r. (وَهَذَا كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ لِّسَانًا عَرَبِيًّا لِّيُنذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ (12) الأحقاف) الكتاب. إذن من حيث من الذي يُنذؤ ممكن الرسول r يُنذر وممكن القرآن يُنذر.
المقدم: (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ (69) لِيُنذِرَ مَن كَانَ حَيًّا (70))
د. فاضل: هنا الأولى أن يكون القرآن
المقدم: ليس الرسول r عليه الصلاة والسلام
د. فاضل: الأولى لأن السياق في القرآن. أما من الذي يُنذر كلاهما يُنذر.
المقدم: لكن الأولى هنا للقرآن الكريم
د. فاضل: السياق هنا هكذا، أظهر.
المقدم: في قوله تعالى (مَن كَانَ حَيًّا) ماذا تعني هذه الكلمات؟
د. فاضل: ذكروا فيها أقوال، من المقصود بـ (من كان حياً)؟ قسم يذهب إلى أن (من كان حياً) حيّ القلب حيّ البصيرة ينتفع بالإنذار، قلبه حيّ ينتفع. قسم ذهب إلى أنه كل من كان عاقلاً متأملاً لأن الغافل كالميّت. قسم يقول من كان مؤمناً.
المقدم: الحيّ؟ اللغة تحتمل؟
د. فاضل: القرآن يستعمل الإيمان حياة والكفر ضلال وموت، ربنا تعالى يقول (أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ (122) الأنعام)
المقدم: كان كافراً فهديناه إلى الطريق المستقيم.
د. فاضل: (أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا (122) الأنعام). (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ (24) الأنفال) إذن تحتمل أنه من كان مؤمناً.
المقدم: أو يحييكم حياة طيبة
د. فاضل: بالنسبة لما قبله كالحياة والموت.
المقدم: هذه على المجاز؟
د. فاضل: تقريباً، على المجاز ليس حياً حياً هكذا، مجاز.
المقدم: هل هناك مجاز في القرآن؟ هنالك من ينكر المجازية في القرآن
د. فاضل: أنا أذهب مع المقرِّين للمجاز، أقول ما يقوله الأكثرون أن في القرآن مجاز.
د. فاضل: كل هؤلاء محتمل أن يكونوا
المقدم: محتمل أن يكونوا المؤمنون مثلاً؟ وبعدها قال (وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ)
د. فاضل: قد يكون كل حيّ على وجه الأرض مقصود به.
المقدم: لكنه خصص في مسألة (وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ) أنهم فئة معينة ليست حيّة لا تؤمن.
د. فاضل: (وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ (19) الأنعام) (لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1) الفرقان) تعني كل العالمين. فإذن الإنذار عام يحتمل، يعني كل هذه محتملة، كل واحد له نصيب من الصحة، حي البصيرة؟ نعم، عاقل متأمل؟ ممكن، مؤمن؟ نعم ممكن، عموم الناس؟ ممكن لأن ربنا قال (وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا (4) الكهف) هؤلاء كفار، (لِّيُنذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ (12) الأحقاف) (لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1) الفرقان) (إِنَّمَا تُنذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ (18) فاطر) إذن هو الإنذار من حيث العموم عام لكن في كل موطن له خصوصية (أومن كان ميتاً فأحييناه) واضح المقصود بالحياة.
المقدم: كما يقول الشاعر:
لقد أسمعت إذ ناديت حيّاً ولكن لا حياة لمن تنادي
د. فاضل: هنا في هذه الآية يترجح أن المقصود من كان حيّاً هو المؤمن الذي ينتفع. ما قصد في أول السورة (إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ (11) يس) وهنا قال (لِيُنذِرَ مَن كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ (70) يس) يعني يرجح المقصود بمن ينتفع من المؤمنين بالإنذار وإن كان أصل الإنذار عام للجميع.
المقدم: للجميع ولكن ربما يكون إنذار تهديد للضالين العاصين وإنذار تذكير للمؤمنين الراجين رحمة الله سبحانه وتعالى.
د. فاضل: وكلهم يحتاج إلى إنذار، المؤمن قد يحتاج إلى إنذار (لِيُنذِرَ مَن كَانَ حَيًّا)
المقدم: إذن نفهم من هذا التحليل الجزئي لهذه الكلمة داخل السياق أن الكلمة يتحدد معناها الدقيق بعلاقاتها داخل الكلمات التي تنضوي معها في آية واحدة، ليست هكذا
د. فاضل: نضعها في سياقها، هذا في الكلام البليغ نضعها في سياقها.
المقدم: أنتم كلغويين تفرقون بين المعنى المعجمي والمعنى السياقي
د. فاضل: بالتأكيد، لا بد.
المقدم: على هذا الأساس ما معنى (وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ (70) يس)؟
د. فاضل: يحق القول على الكافريت يعني تجب عليهم كلمة العذاب مثلما تكلمنا سابقاً عن (حق القول). حقّ القول معناه وجب العذاب. عندنا (وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا (6) غافر) (فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا (16) الإسراء) هذا معناه يجب العذاب عليهم. (وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (13) السجدة) بمعنى وجب هذا الأمر.
المقدم: إذن القول في القرآن له دلالة خاصة مقترنة بالعذاب؟
د. فاضل: ليس القول وإنما حقّ القول. حق القول يعني وجب العذاب.
المقدم: هل هذه خصوصية من خصوصيات الاستعمال القرآني؟ يخصص كلمة معينة لدلالة معينة يريدها الله عز وجل؟
د. فاضل: نعم، إما يخصص كلمة أو يخصص تعبيراً معيناً. مثلاً العاقبة إذا استعمل معها الفعل مذكر فهي بمعنى العذاب وإذا استعمل معها الفعل مؤنث تكون بمعنى الجنة.
المقدم: عجيب! إذن هذه ملاحظة داخل سياق القرآن كله؟
د. فاضل: (فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنذَرِينَ (73) الصافات)
المقدم: كيف يقول (كان) والعاقبة مؤنث؟ يذكِّر الفعل وما بعده مؤنث، لم يقل كيف كانت عاقبة
د. فاضل: هذا يجوز فيها لأنها مؤنث مجازي يجوز فيه التذكير والتأنيث.
المقدم: مؤنث مجازي لا يلد ولا يبيض؟ هناك مؤنث حقيقي ومؤنث مجازي كما تقول اللغة.
د. فاضل: المؤنث المجازي يمكن أن يسند إليه الفعل بالتذكير والتأنيث.
المقدم: لغة يستقيم
د. فاضل: نعم، يستقيم لكن يبقى الإختيار. ربنا سبحانه وتعالى لم يقل (كان عاقبة) إلا في العذاب وعندما يقول (تكون عاقبة) معناها الجنة. نأتي إلى المعنى إذا ذكّر معناها العذاب مذكر، أنّث تكون بمعنى الجنة (مؤنث).
المقدم: هذا أيضاً من خصوصيات الاستعمال القرآني؟
د. فاضل: طبعاً.
المقدم: (وَيَحِقَّ الْقَوْلُ) ما معنى الكلمة في سياق هذه الآية تحديداً؟
د. فاضل: معناها يجب عليهم كلمة العذاب، حق القول بأنه سيعذبهم لأنه ألزمهم بالحُجّة، بعد الإنذار ألزمهم بالحجة (لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ (165) النساء) ألزمهم بالحجة.
المقدم: طالما أنذر فأقام عليهم الحجة وبالتالي حق القول
د. فاضل: لا يعذِّب إلا بالحجة
المقدم: سبحانه وتعالى. (وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ (69) لِيُنذِرَ مَن كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ (70) يس) ما علاقتها بالآيات السابقة؟ درجة الإرتباط كيف تراه في ضوء اللمسات البيانية؟
د. فاضل: الآيتان مرتبطتان بأول السورة. أول السورة قال (يس (1) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3) عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (4)) فلما قال (إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) يعني ليس بشعر (وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ)
المقدم: طالما أنه مرسل فهو وحي
د. فاضل: إذن ليس هو بشاعر. حتى قوله (عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) يدل على أنه ليس بشاعر. ذكر عن الشعراء أنهم (وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (224) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ (225) الشعراء) الشعراء في كل واد يهيمون وهو على صراط مستقيم.
المقدم: الشعراء ليسوا على صراط مستقيم وإنما تتفرق بهم السُبل.
د. فاضل: هو على صراط مستقيم إذن ليس بشاعر. لما قال (تَنزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (5)) يعني ليس بشاعر.
المقدم: من لدن الله سبحانه وتعالى.
د. فاضل: قال في أول السورة (لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ (6)) وقال (إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ (11)) وفي الآية قال (لِيُنذِرَ مَن كَانَ حَيًّا (70)). قال في أول السورة (لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (7)) وهنا قال (وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ (70))
المقدم: لكن هذا بالماضي وذاك بالمضارع
د. فاضل: لينذر ويحق هذا في قابل الأيام، في الآخرة. في أول السورة قال (وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (2)) وهنا قال (وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ) وصفه في بداية السورة أنه حكيم وفي هذه الآية وصفه بأنه مبين. وقال (إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3) عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (4)) معرفة الصراط المستقيم ينبغي أن يكون حكيماً والسير على الصراط المستقيم ينبغي أن يكون بحكمة، قرآن مبين كل واحد أنه مبين عن نفسه وهذا ليس بشعر، كل من يقرأ القرآن ويقرأ الشعر يجد أن القرآن مبين أكثر لأن المبين عن نفسه ليس بشعر.
المقدم: ألا تعني (مبين) أنه مظهر للحق الذي فيه
د. فاضل: ممكن، لكن هو الآن يتكلم عن (وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ)
المقدم: هو يدافع وينافح عن القرآن بأنه ليس شعراً وليس الرسول r شاعراً.
د. فاضل: (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ) مبين مظهر لنفسه يتبين لكل قارئ ولكل من يعلم الشعر أن القرآن ليس بشعر وإنما مبين عن نفسه. ذاك حكيم (عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) الصراط المستقيم والسير عليه يحتاج إلى حكمة. ثم القرآن سماه في الموطنين قرآن وذكر، هنا قال (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ) في أول السورة قال (وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ) ثم قال (إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ (11)).
المقدم: قد يقول قائل لماذا هذا الاختلاف؟ مرة يقول قرآن ومرة يقول ذكر ومرة يقول حكيم ومرة يقول مبين، فما هو وجه الحقيقة بالضبط؟
د. فاضل: الإنسان أليس له صفات متعددة أم صفة واحدة؟
المقدم: صفات متعددة.
د. فاضل: والقرآن له أيضاً صفات متعددة فيه الحكمة وفيه الهداية وفيه كل ما فيه من الأمرو تعليم وأحكام.
المقدم: دائماً في قصص القرآن نقول إن الله سبحانه وتعالى يأتي في كل موضع أو موطن بملمح من ملامح القصة العامة للنبي أو القصة التي يقصّها الله سبحانه وتعالى علينا وبتجميع هذه الملامح تتضح الصورة العامة والإطار الكلي للقصة. هل لنا أن نقو هنا أن القرآن يكون حكيماً في موضع ومبيناً في موضع وصفة كذا في موضع آخر أم هذه صفات لازمة ثابتة له لا تتغير حتى بتغير مواضع الآية القرآنية التي ترد فيها؟
د. فاضل: هو يذكر في كل موضع الصفة التي تناسب المقام الذي ذكرت فيه. مثلاً تتكلم عن شخص وجاء الكلام عن الأمانة والثقة وتقول فلان أمين لأن الكلام عن الأمانة، تكلّم عن النحو تقول فلان نحوي، الآن صار ميدان آخر هذا لا ينافي كونه أميناً أن يكون نحوياً لكن المقام في أي شيء نتكلم الآن؟ عن الشعر؟ تقول هو شاعر، هذا لا يخالف الصفات الأخرى. فإذن هذه ليست بينها اختلاف وإنما يذكر الصفة في المقام الذي ينبغي أن تُذكر فيه.
المقدم: وبالتالي إسمه الكتاب، الذكر، القرآن
د. فاضل: إسمه العلَم القرآن
المقدم: الإسم العلم المعروف به، والكتاب؟
د. فاضل: إسمه القرآن ويسمى الكتاب ويسمى الفرقان ويسمى الذكر
المقدم: بحسب المواطن أيضاً. لكن الكتب السابقة التوراة والإنجيل هل يجوز أن نطلق عليها الكتاب أيضاً؟
د. فاضل: نعم هي كتب لكن ليست قرآناً لأن القرآن هو إسم علم.
المقدم: والتوراة علم والإنجيل علم.
المقدم: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ (71)) في هذه الآية نتوقف عند هذا التركيب العجيب (أَوَلَمْ يَرَوْا)، مرة نسمع في القرآن الكريم (ألم يروا) (ألم تر) فلماذا هذا التركيب تحديداً هنا (أَوَلَمْ يَرَوْا)؟ ما اللمسة البيانية الموجودة فيه؟
د. فاضل: من حيث التركيب النحوي أن الهمزة للإستفهام والواو عاطفة، هذا التركيب النحوي.
المقدم: عاطفة على ماذا؟
د. فاضل: هذا هو السؤال. الهمزة للإستفهام والواو عاطفة، يبقى السؤال على ماذا عطفت؟ قد تعطف على مذكور وقد تعطف على مقدّر. على المذكور مثلاً ألم تر إلى خالد ماذا فعل، أولم تر إلى أخيه؟ ذكرت أمرين وعطفت أحدهما على الآخر، عطفت فعل خالد على فعل أخوه، هذا مذكور. قد يكون هنالك مقدّر، العطف المقدّر كثير في اللغة. نضرب مثاللاً حتى تتضع المسألة: (وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75) الأنعام) وليكون عاطفة على ماذا؟
المقدم: ليس مذكوراً.
د. فاضل: (وليكون) عاطفة، (ليكون) عِلّة واللام فيها لام التعليل، لكن على ماذا؟ ليسس مذكوراً. إذن تقدر أن هنالك أمور من جملتها هذه، تلك الأمور نعرض عنها الآن لكن نذكر الآن ما هو أهمّ. مثلاً ليستدل على الصانع، ليقيم الحجة على قومه.
المقدم: ومن ضمن هذه الأمور (وليكون من الموقنين) لكن هذه أهم.
د. فاضل: الآن التي يريدها (وليكون من الموقنين) يذكرها لكن معناها هذه لا تنحصر في هذه المسألة.
المقدم: معناها نري إبراهيم ملكوت السموات والأرض لأمور متعددة ليستيقن ويتيقن
د. فاضل: ولينذر وليكون من الموقنين
المقدم: فحذف هذا وذكر الذي عليه معوّل الكلام.
د. فاضل: (فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ (259) البقرة)
المقدم: معطوف على محذوف.
د. فاضل: إذن العطف قد يكون على مذكور وقد يكون على مقدّر
المقدم: كيف نفهم التقدير المحذوف في هذه الآية (لم يتسنه)؟ إفهم أو إعلم؟
د. فاضل: هو كان مستغرباً (أَنَّىَ يُحْيِـي هَـَذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا)، لتؤمن وترى ونجعلك آية للناس لأنه سال سؤالاً (أَنَّىَ يُحْيِـي هَـَذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا) قال تعالى سنميتك ثم نحييك حتى تعلم ولنجعلك آية.
المقدم: يذكر الذي عليه المعوّل
د. فاضل: يذكر المهم هنا والمقصود. إذن العطف قد يكون على مذكور أو على مقدّر. إذن (أولم تر) هذا يأتي فيما هو مشاهَد كثيراً سواء عطفته على مذكور أو غير مذكور.
المقدم: ما هو أصل التركيب خارج القرآن؟
د. فاضل: ألم تر. تأتي واو العاطفة فتعطف وإما أن يكون العطف على مذكور (الم تر إلى فلان أولم تر إلى فلان) تذكر عدة أمور تعطف أحدهما على الآخر. (أولم تر) هكذا ابتداء من دون عطف معطوف عليه سابق معناه أنه عطف مقدّر.
المقدم: هل لنا أن نسأل عن التقدير هنا؟
د. فاضل: قدّروه مثلاً أولم يروا أولم يتفكروا أولم يلاحظوا هذا؟ فهناك فعل مقدّر منفي قدّره المفسرون القدامى أولم يتفكروا، أولم يلاحظوا أولم يروا؟ يأتي من الأمور أمور قالوا أحياناً واحد يستبعد أموراً فيذكر له أموراً لا يستبين له فتأتي إلى أمر ظاهر فتقول أولم تر إلى هذا الأمر؟ فتذكر له أموراً. ربنا لا ذكر هذه المسألة يتكلم عن الشعر وأنه ما ينبغي له، الآن لفت نظرهم إلى ما هو قريب منهم من آيات الله، تلك الآيات المنزلة وهذه الآيات المخلوقة، أولم يروا أنا؟ اتركوا تلك، أولم تروا ما في أيديكم؟ ينتقل من أمر إلى أمر آخر. حتى قالوا كثيراً لما يقول (ألم يروا) أقل، (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنْ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لاَ يَرْجِعُونَ (31) يس) أقل، أما الكثيرة يقول (أولم)
المقدم: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1) الفيل)
د. فاضل: لم يأت شيء، هذا ابتداء، جملة ابتدائية.
المقدم: كيف نعرب (أولم)؟
د. فاضل: الهمزة للإستفهام والواو عاطفة و(لم) حرف جزم
المقدم: عندما نقول واو عاطفة نقول عاطفة على محذوف أو مقدّر
د. فاضل: المعطوف عليه مقدّر.
——-فاصل——–
المقدم: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ (71)) الملاحظ أن الله سبحانه وتعالى لم يبني الفعل لما لم يسمى فاعله (خَلَقْنَا) وفي موضع آخر يقول (وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا (28) النساء) فلماذا جاء الفعل هنا بصفة معلومة وهنا بصفة مجهولة؟
د. فاضل: سبق في ذكرنا في أكثر من مناسبة أن التفضل والإنعام ينسبه الله سبحانه وتعالى لنفسه. (وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا) ليس فيها من التكريم للإنسان مثل (أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا). التكريم في آية يس أظهر
المقدم: مع أن الله هو الذي خلق الإنسان
د. فاضل: لا شك، هو الذي خلقه وهو معلوم أنه الخالق لكنه في مقام التفضل والإكرام وبيان النعمة ينسبها إلى نفسه.
المقدم: لكن الحذف لماذا؟ أو بناء الفعل للمجهول هنا هل للعلم به مثلاً؟ أم له أغراض؟
د. فاضل: طبعاً هو أغراض من جملتها العلم به والخوف منه والخوف عليه
المقدم: أغراض محددة بالسياق أيضاً.
د. فاضل: طبعاً.
المقدم: تتمة لهذه الآية يقول تعالى في سورة النحل (وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ ﴿٥﴾) قال خلقها بضمير الغائب لكن في آية سورة يس ذكر ضمير المتكلم مع أن الخالق في الحالين الله سبحانه وتعالى مع أنه خلق الكل؟
د. فاضل: أعقب تعقيباً آخر ثم أجيب. عن السؤال الذي ذكرته (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ) قال بعدها (أفلا يشكرون) إذا كان الفعل مبنياً للمجهول لِمَن يشكرون؟ سيكون الفاعل مجهولاً!
المقدم: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ (71) وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ (72) وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلَا يَشْكُرُونَ (73) يس) يشكرون الله سبحانه وتعالى لذا يجب أن يكون معلوماً.
د. فاضل: إذا كان مجهولاً فلمن يشكرون؟
المقدم: ترابط عجيب! مع بداية الآية مع نهاية الآية مع الفاصلة مع السورة، نظم دقيق جداًّ! كل كلمة بالفعل عاشقة مكانها كما يقول أحد العلماء في هذا المجال، لا ينبغي أن ننزع كلمة ونضع مكانها كلمة أخرى أبداً. لم أسند الخلق لضمير الغائب في سورة النحل (وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ) وفي سورة يس أسند الفعل لضمير المتكلم (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ)؟
د. فاضل: لو لاحظنا أن كل تعبير مناسب لما ورد فيه في أكثر من وجه، أولاً السياق في الموضعين، السياق في النحل مبني على الإسناد إلى ضمير الغيب في عموم السورة وفي عموم هذا السياق بالذات. قال (يُنَزِّلُ الْمَلآئِكَةَ بِالْرُّوحِ (2)) ينزل لم يقل ننزل، (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ (3))، (خَلَقَ الإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ (4))، (وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا (5)) (وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (8)) (هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء (10))، (يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرْعَ (11))، (وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالْنَّهَارَ (12))، (وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ (14))، (وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ (15))، عموم التعبيرات في السياق في ضمير الغيبة. في يس السياق في ضمير المتكلم (إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلاَلاً (8))، (وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا (9))، (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ (12))، (إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ (14))، (وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِنْ جُندٍ مِّنَ السَّمَاء وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ (28))، (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنْ الْقُرُونِ (31))، (وَآيَةٌ لَّهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (33))، (وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنْ الْعُيُونِ (34))، (وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ (39))، (وَآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ (42))، (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ (65))، (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ (71))، (وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ (72))، فإذن كل تعبير من حيث السمة التعبيرية هو أنسب لسياقه.
المقدم: هذا إذا كان السياق العام للسورة أو حتى لسياق بعض الآيات المتقاربة مع بعضها البعض يحدد أن هذا للمتكلم وهذا لضمير الغائب ، السؤال لماذا يأتي السياق هذا للمتكلم وهذا للغائب مع أن السياق في الحالين يتكلم عن ذات الله تبارك وتعالى وأن الله هو الذي يتكلم عن ذاته وعن جلاله؟ فلِمَ يأتي مرة بالمتكلم ومرة بالغائب؟
د. فاضل: أحياناً يخبرنا عنه فلا بد أن يُخبر بضمير الغيب، يُخبرنا عنه، هو ربكم يُخبرنا عنه.
المقدم: لم لا يقول أنا الله أصنع كذا؟
د. فاضل: هذا عندما يتكلم عن نفسه (إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى (46) طه)
المقدم: (إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ (14) طه)
د. فاضل: هذا في الخطاب. لكن عندما يريد أن يعلِّمنا من هو الله ماذا يفعل،
المقدم: إذن المتحكم في الضمير هو السياق أيضاً؟
د. فاضل: هو السياق. في يس أكثر تفضلاً وإنعاماً. لو أخذنا بين الآيتين (وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ) و (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ) قلنا أن الإسناد إلى ضمير المتكلم فيه تفضّل. لو لاحظنا الموضعين سنلاحظ أنه في سياق آية يس ذكر أموراً أكثر تفضلاً على الإنسان أكثر مما في الأنعام. لو نقرأ ما في الموضعين يتبين ما أقول. قال في يس (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ (71) وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ (72) وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلَا يَشْكُرُونَ (73)). قال في النحل (وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (5) وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (6) وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ (7)). لو ننظر إلى مواطن التكريم في كل موضع: قال في يس (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ) وقال في النحل (وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا) لم يقل لهم، أيُّ دالة على التكريم خلقنا لهم أو خلقها؟
المقدم: خلقنا لهم
د. فاضل: في يس قال (لهم) في النحل قال (وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا) (لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ). إذن التكريم الأول (لهم). التكريم الثاني قوله (مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا) للدلالة على الاهتمام والتكريم أن هذا من عمل يده سبحانه وتعالى، ما قال هذا في النحل. قال (فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ) ذكر التمليك لم يملّكهم في النحل. قال (وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ) ولم يقل في النحل هذا. قال في يس (فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ) وفي النحل قال (وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ). ذكر في يس أن لهم فيها مشارب (وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ) ولم يقل هذا في النحل. في يس والنحل قال (وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ) (وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ). في يس والنحل قال فيها منافع وفي النحل ذكر (لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ) وهي في المنافع، ودخل فيها جمال وهذا أمر آخر. في يس قال الخلق لهم، تمليكها لهم، ذللها لهم، ركوب ومشارب لم يقلها في النحل إنما قال الدفء وحمل الأثقال والجمال. أيّ الموطنين فيه تكريم أكثر؟
المقدم: يس.
د. فاضل: إذن هذا الأنسب للسياق العام.
أسئلة المشاهدين خلال حلقة 19/10/2009م:
أم اسماعيل من دبي: سؤال في الإعراب (فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ (84) النساء) ما إعراب (نفسَك)؟
د. فاضل: مفعول به. (لا تُكّلف) مبني للمجهول، (أنت) نائب فاعل، لا تُكلّف أنت نفسك، نفسك مفعول به. نائب الفاعل (أنت) ضمير مستتر تقديره أنت و(نفسك) مفعول به.
أبو يزن من سوريا: في سورة الجمعة لماذا قال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ (9)) ما دلالة (من يوم) بدل في يوم؟
د. فاضل: لو قال في يوم الجمعة ستشمل كل الأوقات الصبح والعصر والظهر بينما (من يوم الجمعة) وقت محدد من اليوم تحديداً، في بعض يوم الجمعة، لو قال (في يوم الجمعة) سيشمل كل الأوقات الخمس بينما (من يوم الجمعة) يقصد جزء من هذا اليوم.
(وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (11) الجمعة) لماذا قدّم اللهو على التجارة؟
د. فاضل: (وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا) ذكر التجارة هي كان سبب الانفضاض لأن رأوا التجارة مقبلة فتركوا، أول مرة ذكر التجارة بسبب الإنفضاض واللهو كان بسببها فقدّمها. لما قال (قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ) هذا أمر عام، اللهو عام يشمل الغني والفقير والتجارة ليست لجميع الناس، اللهو عام بينما التجارة خاصة فلما ذكر (قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ) من اللهو عموماً (وَمِنَ التِّجَارَةِ) لأنها خاصة. بينما في أول الآية قدّم التجارة لأنها سبب الانفضاض وقدّم اللهو في نهاية الآية لأن اللهو أعمّ.
بُثّت الحلقة بتاريخ 19/10/2009م
روابط الحلقة 196 من اللمسات البيانية (فيديو وصوت)
رابط الحلقة فيديو
http://www.archive.org/details/Lamasat19-10-2009
جودة عالية avi
http://ia311040.us.archive.org/2/items/lamasat191009/lamasat191009.AVI
http://ia311040.us.archive.org/2/items/lamasat191009/lamasat191009.WMV
mp4جودة عالية
http://ia311041.us.archive.org/2/items/lamasat191009/lamasat191009.ogv
رابط صوت mp3
http://ia311040.us.archive.org/2/items/lamasat191009/lamasat191009.mp3
روابط الحلقة من فسم الفيديو:
2009-10-21 15:59:23الدكتور فاضل السامرائي>برنامج لمسات بيانيةpost