الحلقة 198
اللمسات البيانية في سورة يس
المقدم: نكمل رحلتنا مع سورة يس متعلمين مما علمكم الله سبحانه وتعالى ومستمطرين اللمسات البيانية الموجودة فيها لنقف على بلاغة وبيان القرآن العظيم. وكنا في اللقاء المنصرم توقفنا عند قوله تبارك وتعالى (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ (71)) وبدأنا بإظهار بعض اللمسات البيانية الموجودة في هذه الآية لكن توقفنا عند قوله تبارك وتعالى (خلقنا) هنا إستخدم ربنا تبارك وتعالى فعل (خلق) مع أنه في موضع آخر من القرآن الكريم في سورة غافر استخدم (جعل) (اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعَامَ لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (79)) فما الفرق بين استخدام خلق وجعل؟ وكيف نفهم اللمسة البيانية الموجودة في كلتا الآيتين الكريمتين؟
د. فاضل: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وإمام المتقين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن دعا بدعوته إلى يوم الدين. كما ذكرت ربنا ذكر الفعل خلق في سورة يس (أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا) وفي سورة غافر الفعل جعل (اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعَامَ لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (79)). لو ننظر في خاتمة الآيتين في يس قال (أَفَلَا يَشْكُرُونَ (73)) وفي غافر قال في الختام (فَأَيَّ آيَاتِ اللَّهِ تُنكِرُونَ (81)). إذن جاءت في يس بما هو أدعى للشكر (أَفَلَا يَشْكُرُونَ) إذن كأنما هنالك أمور تستدعي الشكر أكثر مما ورد في غافر لأن السياق مختلف. فرق بين خلقته لك أو جعلته لك
المقدم: القرآن يستخدم صنع أيضاً
د. فاضل: نعم، وجعل
المقدم: خلق وجعل وصنع
د. فاضل: لما أقول هذا الشيء صنعته لك أو أقول جعلته لك أيّ الأدل على الشكر؟ أقول هذه السيارة صنعتها لك أو جعلتها لك؟
المقدم: صنعت لك
د. فاضل: جعلتها لك ليس معناها الصنع. الصنعة دالة على الاهتمام. إذن هنالك قال (خَلَقْنَا لَهُمْ) وهنا قال (جَعَلَ لَكُمُ) أيّ الأدل على التكريم والامتنان؟
المقدم: خلق.
د. فاضل: خلقنا له ابتداء، هذه جعل.
المقدم: وأنشأ أيضاً مرة يستخدم أنشأ
د. فاضل: هو هذا كله. إذن صنعتها لك أو خلقتها لك
المقدم: هذه أقوى وأدعى إلى الشكر.
د. فاضل: ذاك أدعى للشكر (أفلا يشكرون) ثم لو نظرنا ما في الآيتين تتوضح المسألة. قال في غافر (اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعَامَ لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (79) وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ (80) وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَأَيَّ آيَاتِ اللَّهِ تُنكِرُونَ (81)). ما ذكر في يس أدعى إلى الشكر (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ) لم يذكر التمليك في غافر، (وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ) لم يذكر أنه ذللها لهم في غافر، (وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلَا يَشْكُرُونَ) لم يذكر في غافر مشارب إنما قال (جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعَامَ لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ) (وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ). إذن هذه جزء مما ذكره في يس. إذن اقتضى أنه في سياق الآية وختامها أن ما في يس ما ذكر لأنه في مقام إبراز النعمة والتكريم قال (أَفَلَا يَشْكُرُونَ)، ذاك في مقام آخر في مقام النظر في آيات الله. فإذن الآيتين تظهر سبب الاختلاف، هذا إضافة أن الجعل تكرر في غافر والخلق في يس، هذا أمر آخر.
المقدم: في غافر جعل وفي يس خلق
د. فاضل: في غافر (اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا (61)) (اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاء بِنَاء (64)) (اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعَامَ لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (79))، في يس (سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ (36)) (وَخَلَقْنَا لَهُم (42)) (أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا (71)) (أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ (77)) إضافة إلى ما ذكرنا من أي ناحية تنظرها فهو يناسب وضع كل كلمة في مكانها الذي وضعت فيه.
المقدم: اللغة العربية تفرّق بين أنشأ وخلق وجعل وصنع وصوّر وفطر وكلها أفعال تدل على الخلق.
د. فاضل: لكن هي مراحل، واحدة اقدم من الأخرى وأحياناً تشترك اللفظة قد يكون لها أكثر من دلالة. الخلق مثلاً قد يكون من غير مثال سابق وقد يكون التصوير (أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ (49) آل عمران)
المقدم: فإذا صورته
د. فاضل: هذه صورة
المقدم: إذن بينها فروق دلالية لكن ليست حدود فاصلة
د. فاضل: قد تكون حدوداً فاصلة وقد تكون في بعضها إشتراك أحياناً كما يكون في لغة إشتراك.
المقدم: حتى ربنا قال لسيدنا موسى (وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (41) طه) لم يقل وخلقتك
د. فاضل: فيها صنع، الصنع هو إحسان العمل، الصنع ليس هو العمل وإنما إحسان العمل.
المقدم: لو يمكن أن نتحدث في حلقة من الحلقات القادمة عن سيدنا موسى بالذات فهو كان أسمر البشرة أجعد الشعر ضخم اليد غليظ الخلقة عالي الصوت وكان قاتلاً وبعضهم يقول كل هذه الصفات وهو نبي؟! هنالك علامة استفهام نود أن نجليها لو أذنت لنا
د. فاضل: إن شاء الله، بإذن الله تعالى.
المقدم: في قوله تبارك وتعالى (أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا) ما معنى هذه الآية؟
د. فاضل: مما عملت أيدينا يعني مما تولينا نحن إحداثه لم يشاركنا فيه أحد، نحن فعلناه. تقول عملته بيدي يعني أنا توليته من دون أن يشاركنا في هذا العمل أحد. ثم إسناد العمل (مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا) الناس بما تعمل، هكذا يفهم الناس
المقدم: ولهذا هنالك سؤال ما هذه الـ(ما) في قوله تبارك وتعالى (مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا)؟
د. فاضل: (ما) تحتمل أمرين تحتمل أن تكون إسماً موصولاً وحذف العائد يعني (من الذي عملته أيدينا) والآخر تحتمل أن تكون مصدرية أي من عمل أيدينا.
المقدم: والسياق يرجح الإثنين
د. فاضل: المعنى يحتمل، لو أراد أن ينص أو يعين معنى واحداً لكان في الأمر سعة، إما أن يبدل (ما) بـ (الذي) أو يذكر الضمير العائد (عملته) يصبح إسماً موصولاً لو أراد ذلك يعينه لكن يبدو أنه أراد أن يتوسع في المعنى فقال (مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا) فسيجمع الذي عملته أيدينا ومن عمل أيدينا
المقدم: ولو قال مما عملته أيدينا يكون إسم موصول قطعاً؟
د. فاضل: قطعاً.
المقدم: تنتفي المصدرية عنها.
د. فاضل: طبعاً.
المقدم: لما نفهم الفرق في الدلالة بين المصدر والإسم الموصول في هذه الآية الكريمة ما الذي يمكن أن يضيفه هذا لذاك؟
د. فاضل: لو أقول هذا مما أعمله يعني هذا جزء مما أعمله يعني هنالك أشياء وهذا واحد منها.
المقدم: هذا موصول؟
د. فاضل: موصول. هذا مما أعمله، يعني ما أعمله كثير وهذا جزء منه، فتكون (ما) هذه بعضية. هذا مما عملته معناه أنه يعمل أشياء وهذا منها ليس مقصوراً عليه. عندما تقول هذا من عمل يدي ليس بالضرورة هناك أشياء تعملها، هذا من عمل يدي،
المقدم: المعنى مختلف تماماً
د. فاضل: هذا حدث وذاك ذات.
المقدم: المصدرية حدث
د. فاضل: طبعاً. هذا ذات اشياء ذاتية، أحياناً تقول هذا من عمل يدي، يقولون طبخت هذا لك بيديّ. (ما) هنا جمعت الأمرين مما عمله وهو كثير وهذا شيء منها ومن عمل يده.
المقدم: ولهذا أتى ربنا تبارك وتعالى بـ (من)
د. فاضل: التي تفيد التبعيض يعني قسم منها
المقدم: (مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا) نلاحظ أن (أيدينا) جمع فلماذا هذا الجمع؟ وما اللمسة البيانية الموجودة فيه؟
د. فاضل: لما ذكر (خلقنا لهم) ضمير المعظم يأتي بالجمع. لأن الملاحظ في القرآن أنه إذا ذكر نفسه بصيغة الجمع يجمع وإذا ذكر نفسه بصيغة المفرد إما يُفرِد أو يُثنّي. (يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ (10) الفتح) يد مفرد، (بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ (64) المائدة) (مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ (75) ص) مثنّى. إذا ذكر نفسه بصيغة الجمع يجمع وإذا ذكر بصيغة الإفراد إما أن يفرد أو يُثني
المقدم: (بأيدينا) جمع
د. فاضل: لأنه قال (خلقنا) ضمير الجمع (أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ)
المقدم: لكن ليس أيادي كثيرة
د. فاضل: أيدينا، جمع أيدي. أيادي جمع الجمع
المقدم: (فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ) ماذا يفيد هذا التقديم هنا؟ ولم يقل فهم مالكون لها
د. فاضل: هناك سؤال عن الأنعام ما هي؟ لكن نجيب أولاً على ما سألته. هو قدم الجار والمجرور للإهتمام بشأن المملوك لأن هذه الأنعام من أهم وأكرم أموالهم عليهم.
المقدم: لها خصيصة عندهم؟
د. فاضل: طبعاً. الأكل وحمل الأثقل والسفر واللبن،
المقدم: هي الحياة وقتها آنذاك
د. فاضل: طبعاً. النقل عن طريقها والأكل منها واللبن منها والانتفاع منها والزينة منها (وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ (6) النحل). فإذن هي من أهم ما يملكون ولذلك امتنّ عليهم بهذا التقديم. هذا التقديم لا يفيد التخصيص وإنما الاهتمام لأن التقديم يكون أحياناً للتخصيص والحصر وقد يكون لمجرد الاهتمام. (وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ (84) الأنعام) هل نوح فقط هو الذي هُدي؟
المقدم: لا، كثير.
د. فاضل: إذن تكريماً لنوح واهتماماً بشأنه. (وَلِمَن جَاء بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ (72) يوسف) ما قال وأنا زعيم به، يعني بالحمل، لأن ذاك الوقت كان مجاعة زمن يوسف، هنا اهتمام، حمل بعير يأتي هكذا؟ الناس محتاجون ويأتون من كل مكان حتى تأخذ طعاماً، (وَأَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ) ما قال أنا زعيم به لأن حاجتهم له شديدة فذكر (وَأَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ). حتى أحياناً يقولون “من يتكفل بدَيْني وأهلي وأنا أكفيك أمر هذا الفاتك قاطع الطريق” واحد يقول أنا بذلك كفيل، يقدّمه
المقدم: لأنه في بؤرة اهتمامه
د. فاضل: لا يقول وأنا كفيل بذلك، هذا المقصود الاهتمام بالمسألة لأنها أهمّت السائل والقائل.
المقدم: من أهم أولوياته هو فتقدم للإهتمام.
د. فاضل: فقال (فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ)
المقدم: لماذا جاء بالإسم (مالكون)؟
د. فاضل: لأن الأمر ثابت ليس يملكون في المستقبل،
المقدم: خُلِقت لهم فملكوها
د. فاضل: الأمر ثابت لأن يملكون قد يكون في المستقبل، هو خلقها لهم ابتداء إذن (فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ)
المقدم: ما معنى الأنعام؟
د. فاضل: الأنعام جمع نَعَم،
المقدم: حينما نقول (نعم) في الكلام، تقول لي محمد؟ أقول نعم؟
د. فاضل: ذاك حرف جواب.
المقدم: وهذه؟
د. فاضل: لا، هذه معناها البقر والغنم والإبل.
المقدم: نفس التشكيل تقريباً؟
د. فاضل: نفس التشكيل، النِعَم جمع نِعمة.
المقدم: إذن هناك نِعَم ونَعَم
د. فاضل: نَعَم هي الأبقار والأغنام والإبل ونِعَم جمع نِعمة (وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً (20) لقمان)
المقدم: كل شيء أعطانا الله سبحانه وتعالى إياه.
د. فاضل: النَعَم والنَعمة
المقدم: أعطانا الاثنين
د. فاضل: ما شاء الله.
المقدم: (وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ (72)) ما معنى التذليل الذي يريده الله سبحانه وتعالى في سياق هذه الآية الكريمة؟
د. فاضل: التذليل صيرها سهلة منقادة لا تستعصي عليهم، الصغير ينيخها ويقودها،
المقدم: هذه منّة من الله سبحانه وتعالى؟
د. فاضل: تذليل، هل يمكن أن يكون هذا للأسد أو النمر أو ما شابه؟
المقدم: لا، هؤلاء يفترسون.
د. فاضل: هذا تذليل.
المقدم: إذن لم يكتفي بالخلق؟
د. فاضل: هذه منّة أخرى، نعمة أخرى (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ (71) وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ (72)) خلقها لهم وملّكهم إياها وذللها لهم هذه تمام النعمة. لأنه لو لم تذلل لكان ركوبها صعباً وأكلها صعباً مثل الصيد كيف تصطاد؟ التذليل يفيدك في الركوب وفي الأكل وفي شرب اللبن، هذا التذليل لأنها منقادة سهلة لينة الصغير والكبير يقودها وينخيها ويسوقها
المقدم: نسوقها بتذليل الله لها.
د. فاضل: لو كانت نافرة ما نستطيع. إذن هذا من تمام النعمة، الخلق والتمليك والتذليل هذه من تمام النعمة في الأنعام لأن قسم من الأشياء تكون الفائدة فيها في الخلق فقط، لا بالتمليك. كونها مخلوقة فيها فائدة من دون تمليكها لك مثل الشمس أنت لست مالكاً لها، القمر والنجوم والأنهار والجبال، النعمة فيها من خلقها فتستفيد منها. هنالك يكون الفائدة منها في الخلق والتمليك في عموم الأشياء. المخلوقات قسم فائدتها في الخلق في كونها موجودة
المقدم: لكن ليست مملّكة لنا
د. فاضل: مثلاً الجبال الشمس القمر ليست ملكاً لنا لكن فيها فائدة. غذن فائدتها في كونها موجودة ننتفع بها. هذه الفائدة في الخلق. هنالك أمور الفائدة في الخلق والتمليك
المقدم: لا تتحصل الفائدة إلا بالتمليك أيضاً
د. فاضل: مثل الجنات البساتين، الزروع وما إلى ذلك، عيون الماء، الأراضي إذا لم تملكها فإذن الفائدة تتحصل بالتمليك بعد الخلق. وقسم لا يحصل تمام الفائدة إلا في الخلق والتمليك والتذليل مثل الأنعام، خلق وتمليك وتذليل. بينما ذكر تمام النعمة في الأنعام، خلقنا لهم، مالكون، ذللناها لهم، هذه تمام النعمة
المقدم: (فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ) ما الرّكوب؟ وما الفرق بين الرَكوب والرُكوب؟
د. فاضل: الرَكوب فعيل بمعنى اسم المفعول أي مركوب. الرُكوب مصدر. مثل الوَضوء والوُضوء، الوَضوء الماء
المقدم: والوُضوء عملية الوضوء نفسها
د. فاضل: إذن الرَكوب معناها إسم مفعول.
المقدم: كيف نفهمها مع الأنعام عملية الرَكوب هذه؟
د. فاضل: حتى نفهمها جيداً هي صيغة فعول بمعنى مفعول قسمين في الحقيقة لأنه عندنا فعول بمعنى فاعل مثل غفور وصبور، غفور بمعنى غافر، صبور بمعنى صابر
المقدم: لكن مناط التحديد على السياق
د. فاضل: نعم. غفور غافر، صبور صابر. وعندنا فعول بمعنى مفعول. لها معنيان: فعول بمعنى مفعول لها دلالتين الإسمية مثل رسول، سفوف، وَضوء، بخور، ما يتبخر به، حتى ما يوضع في السفوف والأذون والعيون والأنوف. والوصف مثل ذلول أي مذللة، تقول ناقة أمون إذا أُمن فتورها وعثورها لا تفتر ولا تعثر. إذن رَكوب إسم يعني منها ما يركبون، منها ما يُركب، يعني الذوات أو الأنعام التي تُركب هذا رَكوب إسم مفعول بمعنى رَكوب.
المقدم: أما الرُكوب فهي عملية الركوب نفسها
د. فاضل: :تسحروا فإن في السَحور بركة” السَحور الطعام الذي يؤكل في السحر.
المقدم: ما هي (من) في (فَمِنْهَا)؟
د. فاضل: (من) البعضية للتبعيض ليست كل الأنعام تُركب،
المقدم: (فمنها) يعني من هذه الأنعام ما يُركب
د. فاضل: البقر لا يركب الغنم لا يركب الإبل تُركب. هذه (من) للتبعيض. لما ذكر (وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا (8) النحل) لم يقل (منها)
المقدم: لتركبوها يعني الثلاثة الخيل والبغال والحمير. لم يقل لتركبوا منها
د. فاضل: الأنعام قال لتركبوا منها
المقدم: الأنعام أعم من الخيل والبغال والحمير
د. فاضل: قسم منها يُركب وليست كلها ولذلك قال (منها). لما ذكر الخيل والبغال والحمير لم يقل منها قال (لتركبوها) قسم من الأنعام لا يُركب قال (فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ (72))
المقدم: (وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ) أيضاً نفس (من) لماذا؟
د. فاضل: (من) أحد أمرين، إما أن تكون ابتدائية تقول أكلت من الطعام أي جزءاً منه تحتمل الإبتدائية أو البعضية، أكل من الطعام، بدأ الأكل منه الطعام، هو يأكل من الطعام هذه ابتدائية. وبعضية يعني بعض منها يؤكل ليست كلها، مثلاً الجلود والأصواف والعظام لا تؤكل يعني يؤكل ما يؤكل منها، بعضها، يعني اللحم والشحم تؤكل ولكن ليست كلها، ولا يمكن أن تأكل القرون أو الجلود أو الأصواف أو العظام، فإذا كانت بعضية فمعناها تأكلون ما يؤكل منها،
المقدم: بعضها. وإذا كانت ابتدائية؟
د. فاضل: أيضاً تأكل منها، أكلت من الطعام، أنت تأكل منها.
المقدم: (منها) لأنها أنعام فيها خيل وبغال وحمير
د. فاضل: الأنعام ليست الخيل والبغال والحمير، الأنعام مخصصة الإبل والبقر والغنم والماعز تحديداً، البغال لا تدخل في الأنعام، الأنعام محددة.
المقدم: لماذا جاءت يأكلون بصيغة الفعلية في هذه الآية (وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ)؟
د. فاضل: لأنها هي دالة على الاستمرار والتجدد، مستمر ليس في وقت واحد وإنما على الدوام. وكثيراً ما يستعمل الفعل مع الأكل (فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنفُسُهُمْ (27) السجدة) تجدد مستمر، (فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ (24) يونس) تجدد واستمرار.
—-فاصل——
المقدم: (وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلَا يَشْكُرُونَ (73))
د. فاضل: الآن لفت نظري شيئاً، ربنا سبحانه وتعالى ذكر الأنعام في الزخرف لكن لم يذكر الأكل (وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ (12) لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ (13)) ما قال منها تأكلون لأن السياق في الحمل وليس في الأكل تحديداً، لو قرأنا الاية (وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ (12) لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13)) لما كان الكلام محدوداً في الحمل وليس في الأكل لم يذكر الأكل وإنما يحدد حسب السياق.
المقدم: في قوله تبارك وتعالى (وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلَا يَشْكُرُونَ (73)) ما معنى المنافع التي ذكرت في هذه الآية الكريمة؟
د. فاضل: المنافع عدا الركوب والأكل التي ذكرها، ينتفعون بجلودها واصوافها وأوبارها
المقدم: المتبادر للذهن الأكل والركوب
د. فاضل: ذكر الأكل والركوب ثم ذكر منافع أخرى الإستفادة من الجلود ومن الأوبار والأصواف والأشعار هذه منافع، وفي السابق كانوا يحرثون عليها، هذه منافع لهم. وكانوا يستأجرونها للنقل، فإذن فيها منافع أخرى ليست مختصة بالأكل والركوب قال (وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ) ذكر أموراً أخرى عدا ما ذكره من الأكل والركوب..
المقدم: ما معنى المشارب (وَمَشَارِبُ)؟
د. فاضل: مشارب تعني شيئين الشراب وما يتخذ أحياناً من جلودها مشرُبة مثل الآنية توضع فيها الماء من جلودها مثل القِرَب وما إلى ذلك.
المقدم: لهذا لم يقل شراب إذا كان يعني الشرب؟
د. فاضل: شراب لا يدل على هذا.
المقدم: هو ذكر الأكل، إذن أكل وشرب
د. فاضل: تمام النعمة ليست في الشرب فقط، مشارب يعني أشياء أخرى تستفيد منها
المقدم: مشارب هنا ليست بمعنى الشرب فقط؟
د. فاضل: لا، الشرب وما تنتفعون به من الأدوات التي تنفعكم، المشارب، تضع فيها. إذن هي شيئين. لو قال شراب يعني شراب تحديداً.
المقدم: ولهذا لم يقل شراب
د. فاضل: (هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء لَّكُم مِّنْهُ شَرَابٌ (10) النحل) بينما هذه (مشارب) يعني ليس كما ذكر في الماء (هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء لَّكُم مِّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (10) يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ (11) النحل)، لا، هذا شراب وأدوات أخرى تنتفعون بها، ما تتخذونه منها.
المقدم: إذن مشارب فيها معنى الانتفاع بأمور أخرى غير عملية الشرب
د. فاضل: نعم.
المقدم: نقول جاؤوا من مشارب مختلفة
د. فاضل: مشارب مختلفة هذا إسم مكان، إسم موضع.
المقدم: إذن الضابط هنا السياق هو الذي يعين معنى محدداً دون غيره.
د. فاضل: قطعاً. إذن المشارب يعني الشراب وهو اللبن والأدوات التي تتخذ لذلك، فأيضاً هذا توسع في المعنى لو قال شراب لحدد المعنى.
المقدم: الملاحظ في هذه الآية (وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ (72)) ثم يذكر المشارب (وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ) كما ذكرت أنه في أحد معانيه أنه شراب، فلماذا قدّم الأكل على الشرب في هذا السياق؟
د. فاضل: الملاحظ في القرآن أنه يقدّم الأكل على الشرب سواء في الدنيا أو في الآخرة.
المقدم: مع أنهم يقولون الإنسان يصبر على الطعام لكن لا يصبر على العطش
د. فاضل: الحصول على الطعام أعسر، أصعب يحتاج إلى بذل أما الشراب تعطش فتذهب للنهر فتشرب، الطعام ليس كذلك.
المقدم: وإن كنا نصبر عنه أو نستطيع أن نصبر
د. فاضل: لكن كيف تحصل عليه؟
المقدم: هنا علّة الذكر والتقديم في القرآن الكريم
د. فاضل: أهمية الأكل حتى في الواقعة بدأ بالأكل (أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ (63)) ثم قال (أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاء الَّذِي تَشْرَبُونَ (68)) (كُلُواْ وَاشْرَبُواْ مِن رِّزْقِ اللَّهِ (60) البقرة) (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ (24) الحاقة) سواء هنا أو في الآخرة قدم الأكل على الشرب. إضافة إلى ذلك هناك أمر آخر هو الأكل من الأنعام أعمّ من الشرب، الأكل يكون من كبارها وصغارها وإناثها وذكورها كلها أما الشرب فيكون من بعض الإناث فقط وفي وقت معين تحديداً وقت الإرضاع محدد فإذن الأكل أعمّ
المقدم: فقدّم المطلق والأعمّ لا يرتهن بوقت ولا يرتهن بسنّ ولا يرتهن بجنس
د. فاضل: فقدّم الأكل وهو أعم. هو أدل، فيه نعمة ولكن كل منها له دلالته المعينة بها.
المقدم: (أَفَلَا يَشْكُرُونَ) ماذا عن هذا الختام للآية القرآنية؟
د. فاضل: ألا يكون ذلك سبباً لشكرهم؟ الفاء تفيد السبب يعني بعد كل ما ذكر لكم وأعطاكم من النعم أفلا يشكرون أليس ذلك سبباً للشكر مدعاة للشكر؟ ثم أطلق الشكر شكر النعمة وشكر المُنعِم لأن الشكر شيئين (اشكروا نعمتي) شكر النعمة وشكر المنعِم (وَاشْكُرُواْ لِي (152) البقرة)
المقدم: كيف يشكرون النعمة هنا وكيف يشكرون المنعم؟
د. فاضل: (أَفَلَا يَشْكُرُونَ) أمرين شكر النعمة والمنعم، شكر النعمة أن يعرفوا قدرها وأن لا يكفروها وأن يعرفوا أهميتها وما وضع اله فيها وأن لا يطغوا فيها وشكر المنعِم أنه أسدى لهم النعمة فيعبدوه ويطيعوه ولا يتخذوا آلهة من دونه.
المقدم: (وَاتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنصَرُونَ (74)) ما ارتباط هذه الاية الكريمة بما قبلها؟
د. فاضل: بعد ما ذكر مما خلق لهم وما اسبغ عليهم من النعم، هل هذه تستدعي عبادة الخالق أم يتخذوا معه آلهة؟ تستدعي عبادته وإفراده بالعبادة وشكره، هم مع هذا اتخذوا من دونه آلهة وليس معه فقط.
المقدم: ما معنى هذه الآية؟
د. فاضل: أولاً فيها توبيخ لهم أنهم بدل أن يشكروا فعلوا ما فعلوا وأشركوا. (وَاتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنصَرُونَ) يعني هم اتخذوا آلهة عبدوا آلهة لعلها تنصرهم
المقدم: تقصد الأوثان والأصنام
د. فاضل: لعلها تنصرهم.
المقدم: يعني ينصرون بواسطتها
د. فاضل: إما تنصرهم في الحياة الدنيا وإما في الآخرة فيكونوا شفعاءهم (هَـؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ (18) يونس). النصر عندهم أحد أمرين إما أنهم ينصرون في الدنيا ثم أطلق جهة النصر أو ينصرون في الآخرة عند الله يشفعون لهم، شفعاء لهم، اتخذوها لهذا الغرض وهو أطلق النصر لم يحدده بجهة معينة ولا بشيء معين
المقدم: وبالتالي يتأتى ارتباط هذه الاية بما قبلها على سبيل التوبيخ بهد كل هذه النِعَم يتخذون من دون الله آلهة
د. فاضل: من دونه وليس معه ((وَاتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ آلِهَةً)
المقدم: ما معنى التعبير من دونه في اللغة العربية؟ هل يعني بدونه؟
د. فاضل: من غيره
المقدم: هم لم يعبدوا الله أصلاً وإنما عبدوا الآلهة. لم يعبدوا الآلهة مع عبادة الله
د. فاضل: لا، هم عبدوا من دون الله آلهة وليس معه.
المقدم: (لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُندٌ مُّحْضَرُونَ (75)) إذا تأملنا الآية الكريمة فهي مفهومة لكن لماذا لم يقل لا ينصرونهم مع أن القرآن الكريم استخدم هذه الصيغة (وَلَئِن قُوتِلُوا لَا يَنصُرُونَهُمْ (12) الحشر)؟
د. فاضل: لو قال لا ينصرونهم يمكن أن تعني أنهم يستطيعون النصر، قادرون على النصر لكنهم لا يفعلون، تستعين بشخص يمكن أن يساعدك لكنه لا يساعدك
المقدم: ربما يكون هو قادر على النصرة لكن لا يفعل. وقوله (لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ)؟
د. فاضل: لا، هو أصلاً عاجز. أساساً هو عاجز لا يستطيع أن تستنصر به، لا ينصرونهم تحتمل أنه لا يريد أن ينصرهم
المقدم: ولهذا استخدم (لا ينصرونهم) مع أناس لديهم القدرة على المساعدة والنصر
د. فاضل: طبعاً، هؤلاء رجال مثلهم يستطيعون النصر لو أرادوا أن ينصرونهم
المقدم: إذن هذه الأصنام لا يستطيعون النصر أصلاً لا في الدنيا ولا في الآخرة
د. فاضل: هي عاجزة عن النصر لا في الدنيا ولا في الآخرة، هذا توبيخ كبير. لا يستطيعون النصر أصلاً، جاؤوا والتجأوا إلى ذوات هي عاجزة اصلاً.
المقدم: (وَهُمْ لَهُمْ جُندٌ مُّحْضَرُونَ) ما معنى هذه الاية؟ وما مدى ارتباطها بما قبلها (لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ)؟ هل ما زال الحديث عن الأصنام؟
د. فاضل: طبعاً. هم لم جند محضرون، يعني هم الكفار أصلاً هم جنود يدافعون عن الأصنام، لو واحد اعتدى على الآلهة من سينصرها؟
المقدم: الذين يعبدون الآلهة
د. فاضل: إذن هم ينصرونهم، هم لهم جند
المقدم: ما المقصود بـ(هم) و(لهم)؟ من (هم) ومن (لهم)؟
د. فاضل: (هم) الذين يعبدون الآلهة، الكفار و(لهم) الأصنام. (وَهُمْ لَهُمْ جُندٌ مُّحْضَرُونَ) مثل (قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ (68) الأنبياء) من الناصر للآلهة؟
المقدم: الكفار
د. فاضل: وهي عاجزة لا تستطيع أن تفعل شيئاً، هم يدافعون عنهم
المقدم: أكّد على معنى (لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ)
د. فاضل: طبعاً. هم يدافعون عن الآلهة،
المقدم: تناقض عجيب بالفعل، يعبدون ما يدافعون عنه.
د. فاضل: (لعلهم ينصرون) كيف يُنصَرون؟
المقدم: تخبط فكري واضح!
د. فاضل: وأيضاً المحتمل أن هذا في الآخرة، كلاهما الأصنام وعابدوهم كلاهما محضرون في الآخرة إلى النار لأنها توقد بهم النار يوم القيامة فهؤلاء يتبعونهم كما يتبعون القائد فيذهبون بهم إلى النار
المقدم: (نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ (6) التحريم) تنطبق على الاثنين، يعني محضرون في النار أو محضرون لهم في الدنيا ليدافعوا عنهم مما يطالهم من أذى.
د. فاضل: وذكروا معنى آخر أن الآلهة لا تستطيع مع أن لها جند وهؤلاء جنودهم، الكفار العابدون لهم جنودهم، مع جنودهم هي عاجزة فكيف لو كانت هي بلا جنود؟!. عابدوا الآلهة يدافعون عنهم، الآلهة مع جنودهم هي عاجزة (وَهُمْ لَهُمْ جُندٌ مُّحْضَرُونَ) هؤلاء مع وجود هؤلاء الذين هم جند لهم عاجزة فكيف وحدها من دونهم؟! أشد عجزاً. مع وجود هؤلاء الذين هم جند لهم هي عاجزة فكيف لو كانت من دون جند كيف ستكون؟!
المقدم: (فَلَا يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ (76)) فكرة عامة عن هذه الآية الكريمة؟
د. فاضل: ربنا سبحانه وتعالى نهاه عن الحزن عما يقولون فيه لأنهم مرة يقولون شاعر ومرة كافر، هو مجنون ويذكرون عن القرآن
المقدم: هذا قولهم (فَلَا يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ (76))؟
د. فاضل: طبعاً، هذا قولهم فيه وفي القرآن أنه مفترى وأنه كذب وأنه شعر وفيه أنه ساحر وأنه كاذب وأنا شاعر وأنه مجنون، فهذه كلها عندما يتهم شخص به يحزن وكأن الله تبارك وتعالى يواسي رسوله عليه الصلاة والسلام (فَلَا يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ). حتى لم يقل فلا تحزن لقولهم وكأنما ينهى القول عن أن يُحزن رسول الله، القول هو المنهي، القول هو الفاعل، الفاعل هو المنهي
المقدم: مع أن المتبادر للذهن النهي للرسول عن عدم الحزن
د. فاضل: أصلاً تكريم للرسول (فَلَا يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ) يعني يا أيها القول لا تحزن رسولي. فهو يصدره ويرعاه ينهى القول عن أن يحزن رسوله.
المقدم: لا إله إلا الله! المتصور للوهلة الأولى أنه ينهى الرسول r عن الحزن
د. فاضل: هذا المعنى العام، لكن كيف يختار التعبير، الاختيار في التعبير. هو يعني لا تحزن لقولهم، هذا هو الأصل لأن الفاعل هو المنهي
المقدم: قال في موضع آخر (وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ (127) النحل)
د. فاضل: قال (عليهم).
المقدم: لكن هنا (فَلَا يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ) وكأن الله تعالى يقول يا قول لا تحزن رسولي
د. فاضل: (فَلَا يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ)
المقدم: ما هذه الـ(ما)؟
د. فاضل: كما ذكرنا قبل قليل في (ما) تحتمل أن تكون مصدرية وتحتمل أن تكون إسم موصول، يعني نعلم الذي يسرونه من القول وما يعلنونه ويحتمل الإسرار والإعلان، المصدر والإسم الموصول. الإسرار والأعلان يعني الحدث وماذا فيه، يعلم الشيء الذي يسرونه في أنفسهم أو يعلنونه، كلاهما، يعلمهما كليهما الإسرار والإعلان وما أسروه وما أعلنوه.
المقدم: الملاحظ في هذه الآية أن الله سبحانه وتعالى قدّم السر على الإعلان بينما في موضع آخر قدم الجهر على السر كما في قوله تبارك وتعالى (إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى (7) الأعلى) قدّم الجهر على ما يخفى، (إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ (110) الأنبياء) قدّم الجهر على السر، (وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ (284) البقرة) قدّم الجهر فلماذا عكس الترتيب في هذه الاية؟
د. فاضل: فيها أكثر من مسألة: الأولى أن مرتبة السر قبل مرتبة الإعلان لأن الإنسان كل فعل يبدأ في نفسه الأمور في نفسه يسرُّها ثم يفعل ذلك الشيء.
المقدم: من حيث الحدوث هو أولاً.
د. فاضل: نعم. ثم يأتي الإعلان. إذن من حيث الأمور السِرّ أقدم وأسبق. لكن قد يكون التقديم لأسباب سياقية فيتقدم مرة السِرّ ومرة العلن وإن كان القدامى قالوا أن تقديم السر لاحظناه أنه إذا كان السياق في المنافقين والكافرين يقدم السر وإذا كان السياق في المؤمنين يقدم العلن.
المقدم: الملاحظ من خلال الآيات الكريمة؟
د. فاضل: نعم. السياق يحدد كثيراً من هذا الأمر. هذه ملاحظة صحيحة تتبعتها في القرآن يقدم السِرّ مع المنافقين والكافرين والجهر مع المؤمنين. لكن الذي تتبعته وجدت أن السياق هو الذي يحدد (وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ (284) البقرة) هل الحساب على ما يبديه الإنسان أو على ما يخفيه؟
المقدم: على ما يبديه
د. فاضل: إذن إذا أسررت في نفسك سراً وما عملته، لا تحاسب عليه. قدّم ما يحاسب عليه الإنسان (وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ) لأن هذا رهن الحساب. ولذلك عندما نزلت هذه الآية اشتد الأمر على الصحابة وجثوا على الركب فأنزل الله تعالى (لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا (286))
المقدم: أواخر سورة البقرة. إذن معوّل الحساب على الإبداء وليس على الإخفاء
د. فاضل: على الإبداء. بينما الاية الأخرى (قُلْ إِن تُخْفُواْ مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللّهُ (29) آل عمران) لأن العلم إذا كان في الظاهر يعلمه كثير من الناس لكن إذا كان خافياً لا يعلمه إلا الله
المقدم: سبحانه! إذا كان يعلم ما تخفيه الصدور فمن باب أولى أن يعلم ما تبدوه. هذه فيها صفة لله تبارك وتعالى أنه يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور. لكن في مثل هذه الآة أيضاً قدم خائنة الأعين مع أنها ظاهرة (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (19) غافر)؟
د. فاضل: الخائنة هنالك أمر أيضاً نفسي فيها
المقدم: معقول؟ أليست غمزة العين؟
د. فاضل: ليس بالضرورة. تنظر لكن يتبعها شيء. الذي ذكرته (إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ (110) الأنبياء) (إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى (7) الأعلى).
المقدم: نكمل في الحلقة القادمة بإذن الله تعالى.
بُثّت الحلقة بتاريخ 26/10/2009م
الحلقة 198 من اللمسات البيانية
الصفحة علي الارشيف
http://www.archive.org/details/lamasat261009
جودة عالية avi
http://ia311040.us.archive.org/1/items/lamasat261009/lamsat2601009.AVI
http://ia311040.us.archive.org/1/items/lamasat261009/lamsat2601009.WMV
mp4جودة عالية
2009-10-27 08:44:19الدكتور فاضل السامرائي>برنامج لمسات بيانيةpost