لمسات بيانية, لمسات بيانية - حلقات

لمسات بيانية – الحلقة 209

اسلاميات

الحلقة 209

اللمسات البيانية في سورة هود 3

المقدم: نكمل رحلتنا في سورة هود واقفين عند اللمسات البيانية الموجودة فيها وكنا في اللقاء المنصرم توقفنا عند قوله تبارك وتعالى (وَهُوَ الَّذِي خَلَق السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَلَئِن قُلْتَ إِنَّكُم مَّبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَـذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ (7)) السؤال الذي يتبادر إلى الذهن لماذا قال تعالى هنا (في ستة أيام) وليس كما درسنا في سورة يس (كن فيكون)؟

د. فاضل: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وإمام المتقين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن دعا بدعوته إلى يوم الدين. هو ربنا سبحانه وتعالى وضع هذه الآية بعد أن ذكر قدرته وعلمه بالبشر وعموم الأحياء في آية سابقة (وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ (6)) وذكر أنه على كل شيء قدير، ذكر الآن قدرته بعموم الخلق فقال (وَهُوَ الَّذِي خَلَق السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) هو الذي يعني هو لا غيره حصراً. هذا مناسبتها لما قبلها. إذا كان هو الذي خلق السموات والأرض حصراً فلِمَ يعبد سكانهما غيره؟

المقدم: هذا من حيث الحجاج العقلي إذا كان هو الذي خلق فلماذا يُعبَد غيره؟

د. فاضل: سكانها.

المقدم: حتى أنه يقول أخلق ويعبد غيري أرزق ويُشكر سواي

د. فاضل: قال (أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللّهَ (2) هود). يبقى السؤال الذي تفضلت به (في ستة أيام) هو كان ممكناً أن يخلقها بكن فيكون هذا في قدرة الله لكن ربنا حكمته أرادها كذلك لا شك أنه لحكمة خلق السنن الكونية جعلها تعمل وكان يمكن أن يقول كن فيكون لكن لحكمة أرادها ويمكن حتى يعلم الإنسان الصبر، إذا كان ربنا بقدرته أن يقول كن فيكون وخلقه في ستة أيام فالإنسان إذن عليه أن يصبر ويتعلم الصبر من هذا الشيء ولا يستعجل الأمور. وحتى أن ربنا سبحانه وتعالى أمر بالصبر في موضع آخر في آية شبيهة قال (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ (38)) ثم قال بعدها (فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ (39) ق) فإذن بعد ذكر هذا قال (فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ) على الأقل تعليم لعباده الصبر وهذا لحكمة وارتباطها في تمام الآية (وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ لَّيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلاَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ (8)) هو خلقها في ستة أيام لحكمة ويؤخرها لحكمة سبحانه وتعالى هذه حكمته هكذا.

المقدم: القرآن حينما يستخدم كلمة يوم هل في ستة أيام هنا هل اليوم عند الله سبحانه وتعالى كخمسين ألف سنة أم ألف سنة أم يوم مما نعده في الحياة الدنيا أم ليست هنالك قرينة سياقية تحدد المعنى؟

د. فاضل: لا ليس هناك قرينة سياقية في هذا الأمر

المقدم: لكن من حيث ما هو معلوم من الدين أن اليوم عند الله غير عندنا

د. فاضل: هكذا لكن لا نعلم إذا كان هذا لأنه في التوراة موجود أنه خلق الأيام إلى الجمعة ثم يوم السبت استراح وتنفس، يعني تعب،

المقدم: ولهذا قال ربنا (وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ). إرتباط هذه الاية في قوله تبارك وتعالى (وَهُوَ الَّذِي خَلَق السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء) بما قبلها؟ واللمسات البيانية الموجودة من خلال هذا الارتباط؟

د. فاضل: (وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء) هذا أولاً يدل على أنه الملك والمالك والحاكم، المالك هو الذي خلق السموات والأرض

المقدم: باعتبار أنه خلق

د. فاضل: خلق إذن هو مالك. (وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء) صاحب العرش ملك، إذن هو مالك وملِك، مالك خلق السموات والأرض وملِك (وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء) لأن صاحب العرض ملك وإذا صار ملكاً فهو حاكم. وهذا يدل على أن ملكه وحكمه قديمان، عرشه على الماء قبل أن يخلق السموات والأرض، الملك وكونه مالكاً وحاكماً هذا قديم فهو رب العرش العظيم

المقدم: قبل خلق السموات كان عرشه على الماء؟

د. فاضل: نعم. ثم قال (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً (7) هود) أي ليختبركم، خلق السموات والأرض ليبلوكم أيكم أحسن عملاً،

المقدم: في العبادة مثلا؟

د. فاضل: لا شك، أحسن عملاً هي عامة.

المقدم: ما في هذه الاية وارتباطها بما قبلها؟

د. فاضل: قال (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) أي ليختبركم، إذن هو خلق السموات والأرض لحكمة (لِيَبْلُوَكُمْ) يعني إذن هو خلقها لحكمة ولم يخلقها عبثاً (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (17) الأنبياء) ثم قال (لِيَبْلُوَكُمْ) يعني يختبركم. ثم ذكر عاقبة هذا الابتلاء، ابتلانا فماذا يحصل؟ لم يتركهم سدى (وَلَئِن قُلْتَ إِنَّكُم مَّبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ الْمَوْتِ (7)) فإذن هنالك عاقبة لهذا الاختبار (لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَـذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ) إذن دل على أن لهذا الاختبار جزاء بعد الموت. إذن ارتبط قوله سبحانه (وَهُوَ الَّذِي خَلَق السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ) بقوله قبلها (وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (4)) وارتبط خلق السموات والأرض بقوله في أول السورة (مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1))

المقدم: ما معنى الحكيم في اللغة؟ هل هو الذي يقدِّر الأمور؟

د. فاضل: شيئان، الحكيم لها دلالتان الأولى من الحكمة والثانية من الحُكم

المقدم: ما هي الحكمة؟ نقول هذا حكيم

د. فاضل: وضع الشيء في محله قولاً وعملاً، توثيق العلم بالعمل ليس قولاً فقط إنما قولاً وعملاً لأنه إذا قلت شيئاً ولم تفعله فلست بحكيم. إذن ارتبط بقوله (حكيم) لأن خلق السموات هذا النظام المحكم الدقيق لا بد أن يكون صاحبه حكيماً، هذا النظام ألا يدل على حكمة؟. إرتبط قوله (وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء) يدل على أن حكمه قديم وارتبط أيضاً بقوله (مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) من الحُكم. قوله (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) معناه أن هذا جعله لحكمة، إذن ارتبط بقوله (مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1)) في البداية. الذي يعلم أحسن الأعمال هو خبير (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) إذن هو حكيم خبير إذن ارتبط بما قبلها إرتباطاً ظاهراً بقوله حكيم خبير وخلق السموات والأرض كلها مرتبطة ارتباطاً ظاهراً بما قبلها. وقوله (وَلَئِن قُلْتَ إِنَّكُم مَّبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ الْمَوْتِ) هذا مرتبط (إِلَى اللّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (4)) إذن هي مرتبطة بما قبلها ارتباطاً ظاهراً.

المقدم: ختمت الآية بقوله تبارك وتعالى (إِنْ هَـذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ (7) هود) اين السحر؟

د. فاضل: أنت تزيّن بحديثك هذا الأمر وليس له حقيقة كالسحر والسحر باطل. تعدهم بالعبث بعد الموت فيطيعوك فتسحرهم بقولك.

المقدم: هذا سحر

د. فاضل: قالوا (فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24) المدثر)

المقدم: هذا الكلام وهذه الزينة التي يتصورونها هل هذا سحر؟

د. فاضل: تسحرهم بهذا القول تخدعهم بذلك ليس له حقيقة وإنما تسحرهم حتى يطيعوك ويتبعوك، تخدعهم حتى يطيعوك

المقدم: إذن هم لا يؤمنون بشيء أن الله خلق السموات والأرض وأنه ليس هنالك بعث؟

د. فاضل: لا يؤمنون بأن هنالك بعث، لا قطعاً. هم ينكرون الساعة (قُلْتُم مَّا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِن نَّظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ (32) الجاثية) (أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُم مُّخْرَجُونَ (35) هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ (36) المؤمنون) لا يصدقون بهذا إذن هو يسحرهم بهذا الكلام وكلامه باطل بطلان السحر كما أن السحر باطل لا حقيقة له فكلامه باطل وإما هو من باب التزيين وقد قالوا في القرآن (إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ).

المقدم: في قوله (وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ لَّيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلاَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ (8)) في تضعيف هذه الاية قال تعالى (أَخَّرْنَا) أسند الفاعل إلى ذاته سبحانه وتعالى لكن في الصرف لم يسند الفعل لنفسه وقال (لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ) ولم يقل لا نصرفه عنهم فلماذا نسب التأخير إلى نفسه ولم ينسب الصرف إلى نفسه مع أن الكل من قِبَل الله سبحانه وتعالى؟

د. فاضل: أسند تأخير العذاب إلى نفسه قال (وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ) وليس هذا فقط هو قال (لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ) ولم يقل (ليس منصرفاً عنهم) جعله إسم مفعول لا ينصرف من نفسه وإنما يصرفه صارف ولو قال ليس منصرفاً كان ينصرف من نفسه

المقدم: هل هناك فرق بين منصرف ومصروف؟

د. فاضل: إحداها إسم فاعل والأخرة إسم مفعول. منصرف إسم فاعل ومصروف إسم مفعول. ليس مصروفاً عنهم يعني هنالك صارف يصرفه لم يقل ليس منصرفاً عنهم إذن هو لا ينصرف من نفسه وإنما يصرفه صارف. يبقى السؤال لماذا قال (لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ) ولم يقل لا نصرفه عنهم؟ هو لو قال لا نصرفه عنهم يعني العذاب سيبقيه، هو أسند تأخير العذاب لنفسه هذا رحمة، عدم صرفه

المقدم: ليس فيه رحمة

د. فاضل: إذن قال (لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُم) إشارة إلى رحمته ولطفه بالعباد

المقدم: الله! ولما كان هو مظنة العذاب لم ينسبه إلى نفسه سبحانه وتعالى

د. فاضل: لم يقل لا نصرفه عنهم، فهو أخّر العذاب رحمة بهم ولم يقل لا أصرفه عنهم تلطفاً بعباده فقال (لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ) لا ينصرف بنفسه وإنما يصرفه صارف وهو الله سبحانه وتعالى لكنه لم يقل هكذا تلطفاً بعباده سبحنانه وتعالى

المقدم: الملاحظ أن الله سبحانه وتعالى دائماً يسند الخير دائماً إلى نفسه ولا يسند العذاب أو ما فيه مظنة العذاب إلى نفسه مع أنه كله من عند الله سبحانه وتعالى

د. فاضل: أحياناً العقوبات قد يسندها لأن فيها خير عام. لكن على العموم هو لا يسند السوء إلى نفسه أبداً. تجد في القرآن زُين لهم أعمالهم وقال زينا لهم أعمالهم لكن لم يقل زينا لهم سوء أعمالهم أبداً.

المقدم: مع أنه سبحانه هو الذي يزيّن

د. فاضل: يقول زينا لهم أعمالهم لكن مع السوء يقول (زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ (37) التوبة)

المقدم: لكن لا بد أن نؤمن أن كله من عند الله سبحانه وتعالى.

د. فاضل: كلٌ من عند الله بلا شك.

المقدم: الملاحظ حتى في كلام الأنبياء عن الله تبارك وتعالى أو مع الله تبارك وتعالى كما على لسان سيدنا إبراهيم (الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) الشعراء) مع أن الذي يُمرِض هو الله سبحانه وتعالى ما قال هو الذي يمرضني

د. فاضل: تأدباً.

المقدم: (أَلاَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ) (يومَ) هذا النصب أو البناء على الفتح أين متعلّقه؟ أين متعلق هذا الظرف (يومَ)؟ وإذا كان مبتدأ فلم لم يقل (يومُ) خصوصاً أنه جاء في القرآن (قَالَ اللّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ (119) المائدة) فلم جاء في الاية (يومَ)؟

د. فاضل: (أَلاَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ)

المقدم: ما هو موقعها الإعرابي؟

د. فاضل: هذا هو الإشكال. وبالمناسبة لم يقل ألا يوم نأتي به،

المقدم: هو يقصد يوم القيامة؟

د. فاضل: العذاب إذا وقع. هنا الحقيقة بين النحاة أخذ ورد في هذه المسألة كثيراً. (أَلاَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ) قسم يذهب إلى أن (يوم يأتيهم) متعلق بـ (مصروف) يعني ليس مصروفاً عنهم يوم يأتيهم

المقدم: اليوم الذي يأتيهم فيه العذاب لا ينصرف عنهم، يقصد العذاب

د. فاضل: (أَلاَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ) ألا يوم يأتيهم العذاب ليس مصروفاً عنهم.

المقدم: في هذه الحالة ماذا تُعرب؟

د. فاضل: ظرف عادي لكن متقدّم على عامله، كثير من النحاة يرفضون هذه. مصروفاً عنهم هذا واقع بعد ليس (وليس) فعل جامد لا يعمل ما بعدها فيما قبلها، قسم منع هذا فذهبوا إلى تقديرات أخرى منها أنه مبتدأ على رأي الكوفيين جوزوا أن يكون مبتدأ مبني على الفتح في محل رفع حتى يخلصوا من هذا الإشكال. قسم يقدم عامل

المقدم: إذا كان مبتدأ لماذا لم يقل ألا يومُ يأتيهم كما قال (هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ)؟

د. فاضل: إذن لماذا هذا التقديم على الأصل؟ ألا ليس مصروفاً عنهم يوم يأتيهم

المقدم: ما هو أصل التركيب خارج القرآن؟

د. فاضل: هذه هي المسألة التي فيها إثارة ما هي خارج القرآن؟ هل هي ألا ليس مصروفاً عنهم يوم يأتيهم وصار تقديم؟ هل هو هذا؟ أم هو مبتدأ؟ الآن ندخل للمعنى. لو قال ألا ليس مصروفاً عنهم يومَ يأتيهم يعني ليس مصروفاً عنهم في يوم يأتيهم قد ينصرف في يوم آخر. أنا لست مسافراً يوم الجمعة لكن يمكن أسافر أي يوم آخر، إذن هو يوم يأتيهم ليس منصرفاً لكن ممكن ينصرف في يوم آخر هل هذا يصح؟!

المقدم: لا يصح

د. فاضل: إذن التقديم بهذا المعنى أيضاً لا يصح. الآن نأتي إلى السؤال الذ يتفضلت به، قسم يقول مبتدأ ولماذا لم يقل (ألا يومُ يأتيهم) مثلما قال (هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ). لو قال ألا يومٌ يأتيهم تزال الإشكالات لكن نأتي لقول (ألا يومُ يأتيهم) يومُ مبتدأ، (ليس مصروفاً عنهم) خبر عن مبتدأ (يومُ) إذا العذاب لا ينصرف، اليوم ينصرف قطعاً لأنه يوم، ما هو الذي لا ينصرف؟ اليوم لكن الكلام على العذاب وليس على اليوم. اليوم ينصرف لكن ما علاقته بالعذاب؟ الكلام على العذاب وليس اليوم إذن سيكون ضعيفاً إذن إذا أعربناه مبتدأ سواء قدمناه أو جعلناه مبني على الفتح أو رفعنا سيكون ضعيفاً وإذا قدرناه بليس مصروفاً عنهم ضعيف. إذن هذا التعبير هو الذي لا يمكن استبداله بغيره. يبقى التخريج، لأنه إذا قدمنا أو رفعنا هذا كله يصير فيه اعتراض

المقدم: لا يفي بالغرض

د. فاضل: فيه ضعف في المعنى، إذن ما السبيل إلى هذا؟ قسم من النحاة ذهب إلى أنه تقدير عامل ألا يلازمهم يوم يأتيهم، أنا أرجح هذا الرأي لأنه خالي من الضعف في الإشكالات.

المقدم: ما معنى حاق (وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ)؟

د. فاضل: حاق يستعمل للأمور السيئة عموماً، أصابهم أمر سيء، حاق بهم من كل جانب

المقدم: هل حاق متعلق بالأمر السيء عموماً أم بالأمر الخير؟

د. فاضل: لا، حاق لا تستعمل إلا في المكروه فقط. هو قال (وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ) العذاب الذي هو، ما قال كبير أو صغير وإنما هو محدد باستهزائهم، هذا منتهى العدل أنه يحيط بهم على قدر استهزائهم لم يحدد وإنما كل واحد على قدر استهزائه

المقدم: يحيط به الذي كان يستهزئ به

د. فاضل: وهذا منتهى العدل.

المقدم: (وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ (9)) ما معنى الذوق؟ هل هو محمود أم مكروه؟ كثير أم قليل؟

د. فاضل: ذاق الشيء يعني خبره وجرّبه ويكون بالفم وغير الفمّ، الذوق ليس مخصوصاً بالفم أو بغير الفم ويكون في المحمود والمكروه ويكون في القليل والكثير، عامّ. ربنا قال (فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ (22) الأعراف) (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ (21) السجدة) (كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ (56) النساء) هذا دائم مستمر. (كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (22) الحج) هذا دائم (وَلَقَدْ صَبَّحَهُم بُكْرَةً عَذَابٌ مُّسْتَقِرٌّ (38) فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ (39) القمر) مستقر، إذن الذوق هذا مستمر ثابت. (وَمَن يَظْلِم مِّنكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا (19) الفرقان) كبير وصفه بالكِبر، (ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ (70) يونس) إذن هو يصلح للقليل والكثير

———فاصل———

المقدم: (إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ) ما معنى يؤوس كفور؟

د. فاضل: كلاهما من صيغ المبالغة على وزن فعول. يؤوس يعني شديد اليأس من أن تعود إليه النعمة التي سلبت منه والكفور شديد لكفران يئس من العودة عظيم الكفران لما سلف من النعم، لم يشكر النعمة ويئس من عودتها فقال يؤوس كفور أمران. يؤوس من أن تعود إليه النعمة وكفور لم يشكر تلك النعمة، يؤوس كفور.

المقدم: (وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً) ربنا تبارك وتعالى قدّم الجار والمجرور على الرحمة مع أنه في آية أخرى في فصلت قال (وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِّنَّا (50)) أخّر (منا) وقدّم) الرحمة فلم اختلف الترتيب؟ واللمسة البيانية في سورة هود؟

د. فاضل: هذه الآية من سورة هود قال (وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ). آية فصلت (وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِّنَّا مِن بَعْدِ ضَرَّاء مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِندَهُ لَلْحُسْنَى (50) فصلت). في آية هود التي نحن بصددها التي هي (وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ) هذا التعقيب (إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُور) على الرحمة أو على نزع الرحمة؟

المقدم: على نزع الرحمة.

د. فاضل: وليس على الرحمة. في آية فصلت (وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِّنَّا مِن بَعْدِ ضَرَّاء مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِندَهُ لَلْحُسْنَى) هذا من أثر الرحمة أو من أثر نزع الرحمة؟

المقدم: من أثر الرحمة

د. فاضل: (لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي) من أثر الرحمة. إذن في هود أثر نزع الرحمة وفي فصلت أثر الرحمة فلما كان الكلام في نزع الرحمة أخّر الرحمة (وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً) ولما كان الكلام على الرحمة قدّم الرحمة في فصلت (وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِّنَّا مِن بَعْدِ ضَرَّاء مَسَّتْهُ)

المقدم: إذن المعيار هو السياق والمراد من هذه الآية ليس مجرد رصف المباني هكذا

د. فاضل: السياق والاهتمام. الاهتمام هو في نزع الرحمة في آية هود والاهتمام بالرحمة وأثرها على الإنسان في فصلت.

أسئلة المشاهدين خلال حلقة 21/12/2009م:

كمال من مصر: (أَلاَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ (8) هود) (ألا) لشد الانتباه و(يوم) ظرف وإسم ليس ضمير محذوف عائد على يوم ومصروفاً هي خبر ليس فما رأي الدكتور فاضل؟

د. فاضل: الكلام عن العذاب وليس عن اليوم (وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ). هو ضمير مستتر وليس محذوفاً، الضمير المستتر يعود على العذاب لأن السياق عن العذاب (وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ لَّيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ (8)) الكلام كله عن العذاب وليس عن اليوم.

أسامة من سوريا: في سورة المطففين (يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ ﴿٢٥﴾ خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ﴿٢٦﴾ وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ ﴿٢٧﴾ عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ ﴿٢٨﴾ المطففين) نحن نعلم أن معنى كلمة تسنيم هي عينٌ في الجنة فلماذا قال القرآن الكريم (عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا) ولم يقل (عيناً يشرب منها)؟

د. فاضل: يشرب بها معناها يرتوي بها، شرب به معناه ارتوى به (إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا (5) عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا (6) الإنسان) لأن هؤلاء عباد الله أعلى من أولئك المذكورين لذلك هنا قال (عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ) والمقربون أعلى من ذكر، هذه منزلة أعلى. شرب به أي اقام بالمكان بالعين مباشرة شرب منه ليس بالضرورة وقد ينقل له. نقول شربت من الماء ليس بالضرورة من عين الماء ولكن قد يؤتى إليك، أكلت من تفاح بستانك ليس بالضرورة أنت في البستان. شرب به أنه لا بد أن تكون مقيماً هناك. هم يأتون إليها فيشربون بها فيتمتعون بلذتي النظر والشراب، يشرب منها لا تعني هذا، قال يشربون من كأس نُقلت إليهم. إذن يشرب بها أعلى من يشرب منها ولذلك تذكر مع المقربين (عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا) عباد الله أعلى من هؤلاء. وقال (وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ) تسنيم عين ممزوجة

المقدم: ما معنى تسنيم؟

د. فاضل: تسنيم هو أعلى شراب في الجنة يقال من السنام وهو أعلى شيء أعلى الذروة فالتسنيم هو أعلى شراب في الجنة. هذا يمزج لمن في الجنة على قدر أعمالهم (وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ) والمقربون يشربون صرفاً من العين، ذاك قال (وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ) يمزج ويُخلط. أما المقربون فيشربون من المنبع يرتوون بها ويتنعمون بلذتي النظر والشراب مقيمين مثل أقمنا بالمكان.

بُثّت الحلقة بتاريخ 21/12/2009م


رابط من قسم الفيديو

http://www.islamiyyat.com/video.html?task=videodirectlink&id=2049

 

2009-12-22 06:50:21الدكتور فاضل السامرائي>برنامج لمسات بيانيةpost