لمسات بيانية, لمسات بيانية - حلقات

لمسات بيانية – الحلقة 217

اسلاميات

الحلقة 217

اللمسات البيانية في سورة هود 7

المقدم: نكمل رحلتنا مع سورة هود وكنا توقفنا في اللقاء المنصرم عند الآية الكريمة (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا أُوْلَـئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَـؤُلاء الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (18)) في هذه الآية نود أن نتعرف على مناسبتها لما قبلها؟ واللمسة البيانية الموجودة في هذه المناسبة؟

د. فاضل: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وإمام المتقين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن دعا بدعوته إلى يوم الدين. الآية التي قبلها (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ (13)) فإذن هو الآن قال (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا) بعد أن ذكر الافتراء (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ) قال (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا). فعندما ذكر (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ) ناسب

المقدم: ربطه من حيث الافتراء

د. فاضل: لا أحد أظلم منه (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا).

المقدم: ربط جيد. لكن هنا ربنا قال (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا) وليس “ولا أظلم فلماذا اختيار هذه الصيغة تحديداً؟

د. فاضل: هذا على سبيل الاستفهام (مَنْ أَظْلَمُ) هذا سؤال حتى يشارك المخاطَب. إذا سألت أي واحد من أظلم ممن افترى على الله كذباً؟ سيقول لك لا أحد. إذا قلت أنت تقرر لكن إذا سألت ستجعل المخاطب يقرر

المقدم: هناك فرق بين من أظلم؟ ولا أظلم؟

د. فاضل: (من أظلم؟) استفهام، (لا أظلم) أنت تقرر هذا كلام عادي، أسلوب خبري أنت تقرر هذا الأمر وهذا أسلوب إنشائي هذا سؤال. لما تقول لا أظلم أنت قررت لكن لما تقول من أظلم؟ أنت تطلب من المخاطَب أن يجيب

المقدم: حتى تقوم الحجة عليه، تكون حجة دامغة

د. فاضل: هو الذي سيقرر بنفسه أن لا أحد أظلم ممن افترى على الله كذباً.

المقدم: هنا (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا) الملاحظ أن الله تعالى نكّر (كذب) وعرّفه في آية أخرى كما في قوله تعالى (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ (7) الصفّ) فكيف يأتي معرّفاً ومنكّراً؟ وما اللمسة البيانية لتنكيره هنا؟

د. فاضل: المعرفة ما دل على شيء معين والنكرة على شيء غير معين، فيها عموم. حيث نكّر الكذب يكون أمراً عاماً يشمل كل كذب وإذا عرّف الكذب سيتكلم في أمر معين خاص. مثال (كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِـلاًّ لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُواْ بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (93) آل عمران) إذن هذا أمر معين يتعلق بالطعام، هل يذكر هذه المسألة؟ قال بعدها (فَمَنِ افْتَرَىَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (94) آل عمران) الكذب متعلق بهذه المسألة

المقدم: الكلام متصل بمسألة معينة وهي حِلّية الطعام لبني إسرائيل

د. فاضل: فعرّفها لأنه مسألة معينة. مثال آخر قال (قَالُواْ اتَّخَذَ اللّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ إِنْ عِندَكُم مِّن سُلْطَانٍ بِهَـذَا) ليس عندكم سلطان، (أَتقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (68) قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ (69) يونس) معرّفة، (اتَّخَذَ اللّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ) أنتم ليس عندكم سلطان

المقدم: وكأنها كذبة معينة أو فرية معينة يود أن يخصص الحديث فيها

د. فاضل: في مسألة معينة. (مَا جَعَلَ اللّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَآئِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ وَلَـكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ (103) المائدة). عندما ينكّرها يكون عام مطلق (وَهَـذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ (92) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوْحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنَزلَ اللّهُ (93) الأنعام) كلام عام ليس هناك مسألة واحدة. (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَإِن يَشَأِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ (24) الشورى) لم يذكر مسألة معينة

المقدم: كأنه هنا (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا (18) هود) أيّ كذب بأي نوع بأي مسألة لم يحدده بشيء معين

د. فاضل: في أيّ شيء، عامة نكّر لأنها عامة تشمل كل افتراء في كل حالة، أيُ كذب.

المقدم: إذن النكرة تفيد العموم والشمول والمعرفة فيها جزء من التخصيص والتحديد. هنا ربنا تبارك وتعالى قال (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ) هنا حدد لفظ الجلالة (الله) ثم قال في تضعيف الآية (هَـؤُلاء الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى رَبِّهِمْ) قال ربهم وليس على الله فلماذا اختلف مع أن المتحدَّث عنه واحد وهو الله سبحانه وتعالى؟

د. فاضل: الله هو إسمه العلم والربّ أضافه إليهم (ربهم) الذي أحسن إليهم ورباهم وقام على أمرهم وأنعم عليهم، هذا هو الرب. افتروا على الله والله هو خالق السموات والأرض إسمه العلم، ثم افتروا على ربهم الذي أحسن إليهم والافتراء على الرب من أسوأ الأفعال. أقبحها أن تفتري على من أحسن إليك على سيدك ومن أحسن إليك ومن تولى أمرك، هذا بالغ الإساءة. أنت تفتري على من أحسن إليك ومن أنعم إليك وسيدك أليس هذا من أبلغ الإساءات؟

المقدم: بلى

د. فاضل: فإن كان الرب هو الله؟!

المقدم: أبلغ.

د. فاضل: إذن صار أمرين. ذكر أمرين من حيث الإساءة كونه رب الذي يُحسِن هذا لا يحسُن حتى ولو كان أي واحد، أن تفتري على أي واحد، فإن كانت على من أحسن إليك وأنعم عليك وقام على أمرك؟!

المقدم: سيء

د. فاضل: فإن كان على الله؟!

المقدم: أسوأ

د. فاضل: فجمع، لو جاء بواحدة لم تكن بهذه الدلالة لأن كل إسم من أسماء الله له معنى معين ودلالة معينة فالإساءة إذن صارت مضاعفة

المقدم: وبالتالي الاستخدام السياقي له ينصب في جزء كبير منه على هذه الدلالة. إذا قال (الله) فقط ألا يُفهم منها وألا توحي بمعنى الربوبية؟

د. فاضل: معنى الربوبية غير معنى الألوهية، معنى آخر

المقدم: ولذلك بعض الفقهاء يقولون توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية. إذن اللغة تفرق بين الله والرب؟

د. فاضل: طبعاً، الله مأخوذة من ألِهَ يعني عبَد، الله هو المعبود

المقدم: لكن الرب ليس فيها معنى المعبود. إذا كانت لله تعالى يكون فيها لكن من الناحية اللغوية؟

د. فاضل: لا، هو رب الدار، لا ليس فيها

المقدم: ما الغرض من هذه الاية (أُُوْلَـئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَـؤُلاء الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (18) هود) لم يقل (الله)؟

د. فاضل: لتقريرهم والإشهاد عليهم لفضيحتهم يعرضهم على من أساؤوا إليه، على من كذبوا عليه على من افتروا عليه

المقدم: يعني ستنكشف فضائحهم أمام من كذبوا عليه

د. فاضل: على من افتروا عليه مباشرة، هذه فضيحة كبيرة

المقدم: وأيّ فضيحة! ومنها يعرضون يقصد يوم الحساب، ساعة العرض على الله سبحانه وتعالى؟

د. فاضل: نعم.

المقدم: وبالتالي دلالة قوله تعالى (وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَـؤُلاء الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ)؟ من هم الأشهاد؟

د. فاضل: الشهاد الذي شهدوا هذا الأمر وعرفوه فيكون هؤلاء شهود على هؤلاء. الأشهاد جمع شاهد مثل صاحب وأصحاب ومحتمل جمع شهيد أيضاً

المقدم: شهيد شهود؟ أم شهيد شهداء

د. فاضل: حتى الشهداء (وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاء إِذَا مَا دُعُواْ (282) البقرة) شهادة.

المقدم: ليس شهيد الذي مات؟ (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَـؤُلاء شَهِيدًا (41) النساء)

د. فاضل: تشهد عليهم

المقدم: هل شهيد بمعنى شاهد؟ فعيل؟

د. فاضل: فيها المبالغة في الشهادة أنه متمرس في الشهادة

المقدم: شهيد لها معنيان يمكن أن تكون الذي استشهد في الحرب ويمكن أن تكون شهد الأمر وهي أيضاً نفس الدلالة لأنه شهد الأمر.

د. فاضل: (وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاء إِذَا مَا دُعُواْ (282) البقرة) (وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ (282) البقرة)

المقدم: إذن أشهاد جمع شاهد أو شهيد.

د. فاضل: محتمل أن تكون جمع

المقدم: المفرد ربما له تأثير دلالي في هذه الآية تحديداً؟ هل يؤثر دلالياً لإذا كانت شاهد أو شهيد؟

د. فاضل: هو الآن قال أشهاد هذه تحتمل شاهد وشهيد مبالغة في الشهادة، متمرس في الشهادة. عندما افتروا افتروا على ناس متمرسين في الشهادة وعلى عموم من سمع فجمعهم كلهم، شهادة عامة

المقدم: شهادة موثّقة

د. فاضل: موثقة، من هو بليغ في الشهادة ومن سمع فجمعهم كلهم هؤلاء أشهاد فهي مقصودة لأنها أعمّ يقول (هَـؤُلاء الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى رَبِّهِمْ)

المقدم: (أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ)

د. فاضل: وهؤلاء زيادة في فضحهم وخزيهم يشار إليهم (هَـؤُلاء الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى رَبِّهِمْ) يشيرون إليهم.

المقدم: أولئك أليس فيها إشارة؟

د. فاضل: فيها إشارة لكن الآن هم موجودون أمامهم، كلهم حضور

المقدم: الكلام على الملأ، يا للفضيحة! من القائل (أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ)؟

د. فاضل: هي تحتمل أمرين: تحتمل أن يكون القائل هم الأشهاد، ويقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين

المقدم: يكون من جملة كلامهم الذي قالوه

د. فاضل: ومن المتحتمل أن يكون كلام الله، يعني ربنا سبحانه وتعالى عندما شهد هؤلاء ربنا قال (أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) ولم يذكر من القائل، لم يتضح لكن لعله يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون فجمع.

المقدم: مسألة اللعن

د. فاضل: مسالة اللعن أمر عام. في الأعراف (فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (44)) فإذن الآن اجتمعت اللعنتان لعنة الله (أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (161) البقرة)

المقدم: شملت اللعائن

د. فاضل: (أُولَـئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159) البقرة) اجتمعت اللعنتان -والله أعلم – من الله ومن الأشهاد

المقدم: لا توجد قرينة سياقية تحدد من الذي قال هذا هل الأشهاد أم الله سبحانه وتعالى؟

د. فاضل: هذا الذي يجمع، هو أدل على الجمع، تكون اللعنة من كل حدب وصوب، هذا تكون اللعنة أشمل وأعم من أن تجتمع من كل مكان ولو حدد ستكون محددة فهذا الإطلاق.

المقدم: إذا كان الأمر هكذا وهذه جملة الأشهاد التي قالوها (أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) لماذا لم يقل (ألا لعنة الله عليهم)؟

د. فاضل: لو قال عليهم لتخصص بهؤلاء لكن عندما قال (على الظالمين) تخصص بكل الظالمين ودخل فيهم هؤلاء

المقدم: لكن هؤلاء الذين كذبوا إذن هؤلاء مخصصون

د. فاضل: لما قال (أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) عمّم، دخل هؤلاء فيهم. أول مرة قال (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا) إذن هؤلاء ظالمين ومن أظلم ممن افترى فناسب (أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ). (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى – (أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ)

المقدم: وكأن الكذب يجره إلى دائرة الظلم فيستحق اللعنة

د. فاضل: هذا جزء من الظلم والظلم أعمّ فدخل فيه كل ظالم هؤلاء وغيرهم عموماً.

المقدم: إذن لعنة الله هنا لا تنصب على هؤلاء فقط

د. فاضل: وإنما شملت كل ظالم ودخل فيها هؤلاء

المقدم: هذا شيء مخيف!، وسّع الدائرة!

د. فاضل: وسّع الدائرة.

المقدم: الله أكبر! وبالتالي هذا من جملة كلام الله سبحانه وتعالى

د. فاضل: الله أعلم، لأن أيضاً اللعنة على الظالمين عامة ليست خاصة.

المقدم: في موقف آخر مسألة الظالمين، الظلم الذين يفترون على الله كذباً فقط وإذا نظرنا إلى قوله تبارك وتعالى في وصفه للظالمين (الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (19) هود) هنا وصف بالمضارع فهل الزمن مضارع بالفعل مع أن الموقف في الآخرة؟

د. فاضل: قلنا هذه فيها احتمالين احتمال أن هذا مما قاله الأشهاد، ذكرنا أن فيها احتمالين احتمال أن القائل هم الأشهاد واحتمال أن القائل هو الله سبحانه وتعالى فإذا كان القائل هم الأشهاد يكون هذا من باب حكاية الحال، ماضية، يعني يتكلمون عن أمر مضى كما قال (فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنبِيَاء اللّهِ مِن قَبْلُ (91) البقرة) لأن هؤلاء يعرضون على ربهم ويقول الأشهاد إذن هذا الكلام في الآخرة (أُوْلَـئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَـؤُلاء الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (18) هود) هذا في الآخرة إذن الذي يصدون لو كان من تمام كلام الأشهاد يكون الكلام على حكاية الحال

المقدم: إسمها حكاية الحال؟

د. فاضل: طبعاً في اللغة حكاية الحال

المقدم: وإذا كان المتكلم الله سبحانه وتعالى؟

د. فاضل: يصير عاماً (أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) يعني هذه تشمل الدنيا والآخرة

المقدم: يا لطيف! سلِّم يا رب. لكن هنا ربما الدائرة اتسعت في صدر الآية يقول ربنا (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا) وهم قالوا (هَـؤُلاء الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى رَبِّهِمْ) فمناط الكلام على الذين كذبوا على ربهم لكن لما قال الظالمين (الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا) فهل هذه فئة غير تلك؟ أم أن الافتراء على الله سبحانه وتعالى صدّ وبغيتهم لها عوجا؟

د. فاضل: الافتراء على الله هو أحد هذه، هذه صفات أخرى، هنالك أمور أخرى، هذه واحدة من الظلم.

المقدم: ما معنى (وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا)؟

د. فاضل: (الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا) إما يصفونها بأنها معوجة وهي مستقيمة (سبيل الله)

المقدم: سبيل مؤنثة؟ (هذه سبيلي)

د. فاضل: طبعاً. مؤنثة وقد تُذكّر

المقدم: هذا سبيلي وهذه سبيلي. إذن (الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا) يبغونها أي سبيل الله

د. فاضل: إما هم يصفونها بالاعوجاج، أنت تدعو إلى الإسلام وواحد يضللك ويقول لك ما هذا الكلام؟ هذا كلام قديم! يصفها بالاعوجاج

المقدم: هذه يبغونها عوجا؟

د. فاضل: يهاجم فيها أو يبغون أهلها أن يرتدوا عن هذا الطريق. هذه يبغونها عوجاً إما يصفونها هي أن هذه الطريق معوجة

المقدم: إما للتدليس والتزوير فيها أو لأجلها

د. فاضل: أو الآخرين يقولون لماذا تتبعون الطريق وهي كذا وكذا؟ يبغونها عوجا

المقدم: (وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ) في هذه الآية الكريم كرر ربنا سبحانه وتعالى (هم) وفي الأعراف قال (الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُم بِالآخِرَةِ كَافِرُونَ (45)) بدون تكرار (هم) فلماذا تكررت هنا ولم تتكر هنا مع أن الآيتين فيهما نفس الألفاظ؟

د. فاضل: أيها الآكد (وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ) أو (وَهُم بِالآخِرَةِ كَافِرُونَ)؟

المقدم: (وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ)

د. فاضل: ننظر هل السياق واحد أم لا. قال في الأعراف (فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (44)) من هم؟ (الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُم بِالآخِرَةِ كَافِرُونَ (45)) في آية هود زاد الكذب (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا (18)) فلما زاد الكذب زاد التوكيد في وصفهم.

المقدم: لكن من حيث اللغة يجوز لو زاد الكذب أو زاد خصالاً أخرى يجوز أن يقول وهم بالآخرة كافرون؟

د. فاضل: في اللغة يجوز لكن في البيان ينبغي أن يضع الكلمة في سياقها

المقدم: مسألة النقد عملية شاقة بالفعل لا تتأتى إلا لذي علم غزير

د. فاضل: طبعاً، يجب أن يكون عنده بصر كبير وباع كبير باللغة

المقدم: ليس مجرد إلمام بالقواعد فقط. ما تتفضل به حضرتك يحتاج إلى نظر دائم

د. فاضل: لو نسأل أي واحد عنده علم نقول له هذه زاد عليها فهل تكون متساوية؟

المقدم: لا، منطق سليم. هل هناك فرق بين البيان والبديع والبلاغة؟

د. فاضل: من حيث التصنيف هناك علم البلاغة،

المقدم: هذا العلم الكبير ويشمل تحته

د. فاضل: المعاني والبيان والبديع. أما نحن في لمسات بيانية نقصد بلاغة القرآن

المقدم: من الناحية اللغوية وليس برنامجاً دينياً كما نقول دائماً، معظم المشاهدين يظنون أنه برنامج ديني

د. فاضل: لا، هو برنامج لغوي. أنا لست فقيهاً ولا مفسراً ولا عالماً بالدين ولكني أستاذ يدرس النحو

المقدم: أنت عالم يا دكتور وهذا تواضع منك. نفع الله بك

المقدم: (أُولَـئِكَ لَمْ يَكُونُواْ مُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُواْ يُبْصِرُونَ (20) هود) في قوله (مُعْجِزِينَ) معجزين من؟ لم يذكر المفعول به؟

د. فاضل: هذا إطلاق يعني نفى عنهم صفة الإعجاز أصلاً. هل فلان يرى؟ تقول لا يرى، هو يسمع؟ تقول لا يسمع. أنت تنفي عنه صفة السمع والرؤية، إذا جئت بمفعول فأنت تعلقه بذلك المفعول تحدد وهو لا يريد أن يحدد (أُولَـئِكَ لَمْ يَكُونُواْ مُعْجِزِينَ) ليسوا معجزين لا لخالق ولا لمخلوق ولا لأي أحد هؤلاء أضعف من أي شيء، ليس لديهم صفة إعجاز أصلاً يتصفون بها، ما هؤلاء؟

المقدم: لا شيء، وكأنه يريد أن يقول هكذا أنهم هَمْل

د. فاضل: هم لا شيء أصلاً هم منفية عنهم هذه الصفة أصلاً، هل فلان يسمع؟ هو لا يسمع.

المقدم: نفى صفة السمع أصلاً. لكن إذا قلنا لا يسمع هذه الضجة ففيها احتمال أنه يسمع شيئاً آخر. إذن (أُولَـئِكَ لَمْ يَكُونُواْ مُعْجِزِينَ) أي شيء، إذن لماذا نراهم معجزين؟

د. فاضل: أصلاً، هذه حقيقتهم.

المقدم: هنا (أُولَـئِكَ لَمْ يَكُونُواْ مُعْجِزِينَ) قال معجزين بالإسمية ولم تأت بالفعلية لماذا معجزين وليس لم يكونوا يعجزون مثلاً؟

د. فاضل: نحن في أكثر من مناسبة نذكر أن الإسم أقوى وآكد وأثبت من الفعل، فهذه صفتهم الثابتة أصلاً وليست صفة عابرة

المقدم: ولو ربطها بالفعلية تكون مختصة بزمن معين وممكن أن نصلح الحال بعدها، فنفاها من المبتدأ إلى الخبر

د. فاضل: هذه صفتهم الثابتة

المقدم: إذا كانت هذه صفتهم فلماذا حددها بالأرض (أُولَـئِكَ لَمْ يَكُونُواْ مُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ)؟ ماذا أضافت كلمة (في الأرض)؟

د. فاضل: أسألك سؤالاً: الإنسان أقوى ما يكون وأعز ما يكون أليس في بلده ومستقره؟

المقدم: بلى

د. فاضل: فإن كان غريباً؟

المقدم: لا حول له ولا قوة

د. فاضل: هؤلاء في مكانهم معجزين، نفاها في مكانهم في موضعهم الذين هم أعز فيه. الاختيارات عجيبة!

المقدم: وكيف نفهم دلالة (وَمَا كَانَ لَهُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء)؟

د. فاضل: إضافة إلى ضعفهم هم ليس هنالك من ينصرهم

المقدم: ما معنى (مِّن دُونِ اللّهِ)؟

د. فاضل: من غير الله،

المقدم: ليس لهم ولي غير الله ينصرهم في الدنيا

د. فاضل: هم ضعاف معجزين وليس هنالك من ينصرهم. في شعيب قالوا (وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ (91) هود)

المقدم: هو شعيف ولكن عنده ناصر

د. فاضل: هؤلاء لا ناصر لهم.

———فاصل——-

المقدم: إذن هم ضعاف وليس لهم ناصر ينصرهم. (وَمَا كَانَ لَهُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء) ما قال من دون الله أولياء، هل هناك فرق بين أولياء بدون (من)؟

د. فاضل: هذه (من) الاستغراقية بمعنى استغرقت النفي المطلق، تفيد الاستغراق والتوكيد. فرق بين ما جاءني رجل وما جاءني من رجل. يمكن أن تقول ما جاءني رجل بل رجال

المقدم: يمكن يكون رجلين أو ثلاثة أو أربعة،

د. فاضل: ما جاءني من رجل يعني ولا جنس رجل. (وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ) هذه إستغراق آكد.

المقدم: وما دلالة جمع أولياء؟ مع أنه في الآية الأخرى أفرد (وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ (116) التوبة) ولي مفرد وهنا قال (من أولياء) لماذا جمع هنا وأفرد هناك؟

د. فاضل: (من ولي) أشمل في النفي، في اللغة أشمل، لكن لا يصح الإفراد. الكلام في الآخرة والآخرة جماعات مختلفة وأزمان مختلفة وبين الجماعات أحياناً قرون متطاولة هؤلاء لا يمكن أن يكون لهم ولي واحد، لا يصح أصلاً أن يكون لهم ولي واحد لأنهم جماعات مختلفة متباينة وبينهم قرون كل واحد له وليّ

المقدم: هو لا يقصد جماعة معينة في بيئة جغرافية في زمن معين إنما على امتداد البشرية إذن هنالك اختلاف بين هذه الجماعات

د. فاضل: لا يمكن أن يكون لهم ولي

المقدم: كل جماعة لهم وليّ

د. فاضل: بين هذه الجماعات قرون! لا يمكن أن يكون لهم ولي واحد غير الله، هذه في الآخرة. وحتى أهل البلد الواحد يمكن أن يكون هناك جماعات يتخذون أولياء لهم، أكثر من ولي، إذن لا يصح. إضافة إلى شيئ أنه لم ترد (من أولياء) إلا في الآخرة أبداً في القرآن الكريم. حيث نفى كلها في الآخرة (وَمَا كَانَ لَهُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء (20) هود) وعندما يقول (ولي) تكون في الدنيا.

المقدم: (وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ (116) التوبة) في الدنيا. أولياء باعتبار الحقبة الزمنية التي عاشتها البشرية.

د. فاضل: هذه لا يمكن أن يكون لها ولي واحد، هذه جماعات

المقدم: إذن الكلام لا يختص بجماعة معينة في زمن معين على طول الفترات

د. فاضل: على طول الفترات.

المقدم: (يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ) لماذا يضاعف لهم العذاب؟

د. فاضل: لأنهم جمعوا أكثر من حالة، فيها افتراء وكذب على الله وكفر بالآخرة، يصدون عن سبيل الله، هذه ذنوبهم وذنوب غيرهم ويبغونها عوجاً إذن سيتحملون ذنوبهم وذنوب غيرهم وقطعاً يضاعف لهم العذاب

المقدم: إذن مضاعفة بسبب أنهم يصدون عن سبيل الله وبالتالي يحملون ذنوبهم وذنوب غيرهم. هذه مصيبة إذن لا يبوء بغثمه فقط وإنما يبوء بإثمه وإثم أخيه كما قال أحد ابني آدم (إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ (29) المائدة)

أسئلة المشاهدين خلال حلقة 18/1/2010م:

عماد من الشارقة: في سورة هود (وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (16)) وذكرت أن يعملون جاءت بصيغة فعل مضارع تشمل الماضي ما كانوا والحاضر والمستقبل، كانوا يعملون ما عملوا في الماضي وما يعملون في الحاضر وما سيعملون في المستقبل، هل هذا صحيح؟

د. فاضل: الذي قلته حتى أكون واضحاً (وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ). ما كانوا يعملون هذا يدل على الماضي المستمر، كلمة باطل هي العامة، ما كانوا يعملون كانوا يعملون هذا الماضي المستمر.

عماد: يعني يعملون الماضي المستمر والحاضر والمستقبل

المقدم: هناك يعملون وكانوا يعملون ما الفرق بينهما؟

د. فاضل: يعملون مضارع، كانوا يعملون ماضي مستمر وقسم يسموه الاعتياد وقسم يسموه الماضي المستمر وهم أهل اللغة القديمة. كان يعمل إما بمعنى أنه كان معتاداً على ذلك ويقولون الماضي المستمر، كان يعمل ليس مثل يعمل، يفعل مضارع، كان يفعل ماضي مستمر هذا شيء آخر

عماد: هذا لا يعني أن ما سيعملوه في المستقبل سيكون باطل أيضاً؟

د. فاضل: هذا أمر آخر. يمكن أنه يتكلم عن الآخرة (وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ)

المقدم: ربما يكون ماضي مستمر في حياتهم أن ما صنعوه في حياتهم هم يعني لا ينسحب بعدهم

د. فاضل: الحبوط كما قال المفسرون في الآخرة. قال (وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ) إذن هذا في الآخرة والباطل عام لم يحدد. هو قال (وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا) (فيها) هل هي متعلقة بصنعوا أو حبط، اختلفوا في (فيها) أما مع يعملون ما قال (فيها) فهي غير محددة.

بُثّت الحلقة بتاريخ 18/1/2010م


من قسم الفيديو

http://www.islamiyyat.com/video.html?task=videodirectlink&id=2067

الرابط علي الارشيف
http://www.archive.org/details/lamsat18012010

رابط جودة عالية
http://ia341337.us.archive.org/1/items/lamsat18012010/lamsat1801_chunk_2_chunk_11.AVI

رابط جودة متوسطة
http://ia341337.us.archive.org/1/items/lamsat18012010/lamsat1801_chunk_2_chunk_11.rmvb

mp4 رابط
http://ia341337.us.archive.org/1/items/lamsat18012010/lamsat1801_chunk_2_chunk_11_512kb.mp4

رابط صوت
http://ia341337.us.archive.org/1/items/lamsat18012010/lamsat1801_chunk_2_chunk_11.mp3

 

2010-01-21 07:56:56الدكتور فاضل السامرائي>برنامج لمسات بيانيةpost