لمسات بيانية, لمسات بيانية - حلقات

لمسات بيانية – الحلقة 232

اسلاميات

الحلقة 232

اللمسات البيانية في سورة هود 14

المقدم: نكمل رحلتنا مع سورة هود متعلمين مما علمكم الله سبحانه وتعالى وواقفين على اللمسات البيانية الموجودة في هذه السورة. وكنا توقفنا في اللقاء المنصرم عند قوله تبارك وتعالى (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ (39)) ما (مَنْ) هذه؟ كيف نفهمها في سياق الآية الكريمة؟

د. فاضل: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وإمام المتقين إمام البلغاء وسيد الفصحاء سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن دعا بدعوته إلى يوم الدين. الآية الكريمة (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ)، (مَنْ) تحتمل أن تكون إسماً موصولاً بمعنى (الذي) وتحتمل أن تكون إسم استفهام سوف تعلمون من يأتيه عذاب يخيزه يعني من الذي يأتيه عذاب يخزيه؟ الجملة ستكون معلقة كما يسمونه في باب النحو. (الذي) مفعول به لفعل (تعلمون) وإذا كانت استفهامية تصير الجملة مبتدأ وخبر (من) مبتدأ ويأتيه عذاب يخزيه خبر والجملة كلها مفعول به لـ(تعلمون) الإعراب اختلف والدلالة اختلفت

المقدم: حضرتك تميل إلى أيها؟ موصولة أم استفهامية؟

د. فاضل: هو لو أراد أن يعيّنه بمعنى واحد لقال (الذي) بدل (من) تعينت الموصولة. أو لو أراد أن يعين الاستفهام يقول من الذي فيتعين الاستفهام، لكن هكذا جعلها تحتمل المعنيين الاستفهامية والموصولة

المقدم: ماذا يسمى هذا في النحو إذا كانت موصولة أو استفهامية؟ هل له باب معين في النحو؟

د. فاضل: هذا من باب الجمل الاحتمالية التي تحتمل أكثر من دلالة

المقدم: وبالتالي لا يحدد بقرينة سياقية

د. فاضل: القرينة تأتي فيما بعد وأحياناً السياق لا يحدد

المقدم: فيكون مراده الإطلاق، هذا مراد وهذا مراد

د. فاضل: أنت إذا قلت لأحد “ما بك داء” ماذا يفهم منها؟

المقدم: ليس بك داء

د. فاضل: ليس بالضرورة، الذي بك داء، لو أردت النفي قطعاً أقول “ما بك من داء”، تحددت وخلصت للنفي جاءت (من) الاستغراقية فحددتها، “ما بك داء” تحتمل.

المقدم: عجيب! مع أنه في اللغة هذا وذاك لكن إذا جردت للنفي يكون أوفى دلالة مع (من)

د. فاضل: ما عندك علم،

المقدم: استفهامية وموصولة

د. فاضل: ليس بالضرورة استفهامية وموصولة، نافية وموصولة.

المقدم: ما عندك من علم

د. فاضل: هذه نافية إلا إذا أردت أن تجعل أداة الاستفهام محذوفة، يمكن جعلها استفهامية ما عندك من علم؟ ما عندك علم؟ جائز حذف أداة الاستفهام وهذا الحذف موجود في القرآن مثل (إِنَّ لَنَا لأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (113) قَالَ نَعَمْ (114) الأعراف) وفي آية أخرى (أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (41) الشعراء)

المقدم: بحسب السياق أو حسب المراد من السياق

د. فاضل: حسب السياق وأحياناً يراد الاحتمال لأنه يؤدي أكثر من معنى وأحياناً يراد الابهام والبلاغة أحياناً تكون في الإبهام.

المقدم: ربما يذهب العقل للإيضاح وفكرة الإيضاح دائماً

د. فاضل: الإيضاح في مكانه (فَغَشِيَهُم مِّنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ (78) طه) ما الذي غشيهم؟ أمر عظيم.  لما يقال “ليت عينيه سواء” ما المراد بها؟ هل هي دعاء له أو عليه؟ يحتمل هذا وذاك.

المقدم: (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ) لماذا يتغير الفعل في البداية (يأتيه) و(يحل) وربما يكون الإثنان بمعنى؟

د. فاضل: عذاب يحزيه هذا عذاب الدنيا يعني الغرق وما إلى ذلك، ويحل عليه عذاب مقيم هذا في الآخرة مقيم ثابت والدنيا انتهت (مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا (25) نوح) أُغرقوا في الدنيا وأُدخلوا ناراً في الآخرة. يخزيه معناه يفضحه ويذله، هذا في الدنيا، لما يقول (يأتيه) في عذاب الدنيا قال يأتيه والإتيان لا يستلزم الثبات قد يأتي ويذهب ليس بالضرورة أن الإتيان يبقى ملازماً بينما الحلول هو الثبات والدوام. فإذن قال (وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ) يعني العذاب لا يتحول عنه وهو عذاب الآخرة قال يحل لأن هذا يجب وحتى لا ينصرف الذهن أنه قد يذهب، لو قال يأتي يمكن أن يذهب ولذلك قال في عذاب الدنيا يأتيهم لأنه قد يذهب ويحل والحلول هو الوجوب والثبات والدوام ومقيم

المقدم: لماذا يخزيه ومقيم؟

د. فاضل: مقيم لأن الآخرة، ويخزيه في الدنيا، لما قال يأتيه عذاب يخزيه هذا يفضحه ويذله في الدنيا خزي الآن والخزي هو في الدنيا والآخرة لكن هذا الإتيان الأول كما كانوا يسترذلون المؤمنين يهزأون منهم فربنا سبحانه وتعالى كيف كانوا يستهزئون بالمؤمنين فجاء بعذاب يخزيهم جزاء أفعالهم ثم يحل عليهم حلولاً ثابتاً دائماً مقيماً وهو عذاب الآخرة. العذاب الآن أمران عذاب الدنيا وعذاب الآخرة

المقدم: ولهذا يغيّر مرة يأتيه ويحل ومرة يخزيه ومقيم. هذا مختلف عن ذاك، هل هذا بفعل ذنوبهم مع سيدنا نوح ولسخريتهم من سيدنا نوح ومن اتبعه؟

د. فاضل: نعم هم قالوا (وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ (27)) يخزيهم ربنا سبحانه وتعالى.

المقدم: ألا يشفع لهم بأنهم كانوا يبحثون عن الله الحق سبحانه وتعالى حتى قالوا (مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى (3) الزمر) يعني هم يعلمون وجود الله؟ أم أنهم يريدون دليلاً؟ لو جاءني أحد يقول لي أنا نبي مثلاً سأطالبه بالدليل

د. فاضل: كونه يعلم أن الله موجود ينبغي أن تكون عبادته كما يريد الله سبحانه وتعالى لا كما تريد أنت وتتصور فتتخذ شفعاء وأصنام تقربك تفتري على الله، إذا كنت تريد عبادة الله أنت تعبده بما أراد هو لا بما تريده أنت أو بما يفتري عليه غيره.

المقدم: نعبد الله على مراد الله لا على مرادنا نحن

د. فاضل: كما يريد لا كما تشاء أنت ولذلك يقولون أن العبادة فيها ركنان أن تكون خالصة وصواباً، خالصة لله بدون شريك وصواباً بالأمر الذي يريده هو سبحانه لا كما تريد أنت

المقدم: كان المفروض منهم أن يؤمنوا لما رأوا المعجزات

د. فاضل: الآن جاءهم بالدليل، بالمنطق والدليل والمعجزات

المقدم: (حَتَّى إِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ (40)) قال (جاء) في هذه الآية قال تعالى (جاء) وليس أتى فلماذا استخدم جاء هنا تحديداً مع أن القرآن الكريم استخدم جاء وأتى؟ وما الفرق بين جاء وأتى؟؟

د. فاضل: الفرق بين جاء وأتى يراد له كلام طويل، لكن على العموم في القرآن الكريم يستعمل (جاء) لما هو أشق وأصعب من (أتى) عموماً في القرآن الكريم كله، يستعمل جاء ويستعمل أتى يستعمل جاء لما هو أصعب. هنا استخدم جاء وليس أتى هو الآن في العقوبة ولذلك حيث وردت (أمرنا) في العقوبة يستعمل جاء ولا يستعمل أتى، مثال (وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ (58) هود) عقوبة، (فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ (66)) عقوبة، (فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ (82) هود) عقوبة، (وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ (94) هود). عموم (جاء) يستعملها لما هو أصعب من (أتى). قد تسأل قال تعالى (أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا (24) يونس)؟ هذا ليس في الأقوام وإنما في الدنيا لم يذكر عقوبة أقوام (حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ (24) يونس) وإنما هذه الدنيا

المقدم: عقوبة الأقوام تختلف عن الكلام عن الدنيا؟

د. فاضل: هذه عامة يتكلم عن الدنيا ولم يذكر اقواماً بيتما تلك عقوبة أقوام. وهكذا عموماً (هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا (1) الإنسان) ما قال جاء لأنه لم يكن شيئاً مذكورا

المقدم: وقال (إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) النصر)

د. فاضل: هذا المجيء فيه مشقة وليس بسهولة، فيه معاناة، مجيء النصر ليس هكذا وإنما فيه جهاد واستشهاد وشدة وعذاب وتعذيب وهجرة، متى جاء النصر؟! ماذا سبقه؟

المقدم: إذن معول الكلام على ملابسات الحادث نفسه. هنا قال (جاء) لشدة الأمر مع (أمرنا) إذا كانت في العقوبة قال (جاء)

د. فاضل: إذا كان الأمر مقصود به العقوبة يقول (جاء)

المقدم: هل اللغة العربية تفرق بين جاء وأتى؟

د. فاضل: لا، هذا من خصوصيات الاستعمال القرآني.

المقدم: حتى (جاء) أقوى في اللفظ

د. فاضل: ولذلك في القرآن لم يأت مضارع للفعل جاء ولم يأت فعل أمر للفعل جاء ولم يأت إسم فاعل ولا إسم مفعول للفعل جاء على عكس أتى لأنه أسهل، يأتي، آتيهم

المقدم: هذه نقطة تحتاج إلى بحث. حتى فعل الأمر من جاء (جِئ) قليل استعماله في اللغة العربية

د. فاضل: في القرآن استخدم الماضي فقط (جاء) بينما أتى يستعمل الماضي والمضارع والأمر واسم الفاعل واسم المفعول (مأتيا)

المقدم: ما معنى قوله تبارك وتعالى تعالى (وَفَارَ التَّنُّورُ)؟

د. فاضل: يذكرون فيها احتمالين في المعنى. التنور هو تنور الخبز جعله الله تعالى علامة لسيدنا نوح أن بداية الأمر هو فوران الماء ينزل على الأرض هذه إشارة لأن يركب السفينة. وقسم يقول هذا مجاز عن الشدة كما يقال الآن حمي الوطيس، الوطيس هو الفرن لما يقال حمي الوطيس هذا مجاز لشدة المعركة. فار التنور مثل حمي الوطيس من باب المجاز من باب شدة الأمر، قسم يجعلوها عرمة لسيدنا نوح يجعلوها تعبيراً حقيقياً وقسم يعتبرها مجازاً مثل حمي الوطيس.

المقدم: كيف نفهم فار التنور في سياقيات الآية؟ أن الأمر اشتد يحمل من معه؟

د. فاضل: نعم، اشتد الأمر. حتى في العاميّة العراقية نقول قامت القيامة وفار التنور كناية عن الشدة وعن حصول شيء.

المقدم: الملاحظ في سياقيات هذه الآية أن الله سبحانه وتعالى قال (قُلْنَا) يتحدث عن نفسه تبارك وتعالى وقال في تضعيف القصة (وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (44)) فلماذا هنا (قلنا) وهنا (قيل) مع أن القائل واحد؟

د. فاضل: هذه كأنما هو رعاية للمؤمنين (قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) بإسناد القول في النجاة، في نجاة المؤمنين أسند القول إلى نفسه رعاية لهم وفيها رحمة، هناك فرق بين (قلنا) التي تدل على رعايته وبين قوله (وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ). (قلنا) هذه إشارة إلى رحمته سبحانه وتعالى ورعايته (تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاء لِّمَن كَانَ كُفِرَ (14) القمر) فيها رعاية وفيها لطف

المقدم: (وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) فيها شدة؟

د. فاضل: (وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) فيها إهانة لهم، وقد يكون القائل ليس لله سبحانه وتعالى بالضرورة وإنما قد يقول الملائكة والمؤمنون (وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)

المقدم: ماهية الترتيب وكيفية الابتداء والانتهاء من يحمل سيدنا نوح معه في السفينة (قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ) الملاحظ أنه بدأ بالحيوان ثم أهله ثم المؤمنين فكيف نفهم هذا الترتيب؟ وما الضرورة الملحة له وما اللمسة البيانية؟

د. فاضل: بدأ بالحيوان لأنه قوام حياة الإنسان كيف يعيش الإنسان إذا لم يكن هناك حيوان يأكل منه؟!

المقدم: كأنه ضمن له أسباب المعيشة

د. فاضل: كيف يأكل من دون حيوان؟ الطعام الذي يعيشون منه بدأ به. ثم الأهل لأن الأقربين أولى بالمعروف (وَأُوْلُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ (6) الأحزاب) ولذلك هو نادى ابنه ولم ينادِ أحدا غيره (يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا) ثم المؤمنين الذين آمنوا. إذن (وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ).

المقدم: هل (أهلك) يعني أهل بيتك أم أهلك بمعنى الفعلية؟

د. فاضل: أولاً في آية أخرى في المؤمنون قال (إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ (27)) الأمر الآخر لا يحتمل معنى الهلاك، أهلَكَ مَنْ؟

المقدم: أهلك الكفار إلا من سبق عليه القول

د. فاضل: هؤلاء هم الكافرون،

المقدم: ما معنى (مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ)؟

——-فاصل———–

المقدم: نكمل ما كنا نتكلم به قبل الفاصل، ما معنى (مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ)؟

د. فاضل: سبق عليه القول مثل حق عليه القول تستعمل في العقوبة، العذاب. ذكرنا مرة في سورة يس (لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (7)) حق عليهم القول في العقوبات وكذلك سبق عليه القول في العقوبات، العذاب، سبق عليه القول أنه سيعذّب. ولذلك سبق عليه القول في العقوبة جاء بـ(عليه) للإستعلاء لكن (سبق له) يستعملها في الخير (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ (172) الصافات) (لعبادنا) باللام، أما سبق عليه مثل حق عليه، سبق عليه القول يعني حق عليه العذاب.

المقدم: من حيث اللغة هناك فرق بين سبق عليه وسبق له؟

د. فاضل: (له) كأنها للتمليك

المقدم: وعليه؟

د. فاضل: حلّ عليه

المقدم: القرآن يماهي تماهياً دقيقاً بين استخدام حتى الأحرف

د. فاضل: طبعاً. حروف الجر لها معاني متعددة ومختلفة.

المقدم: وحتى إذا اقترن حرف الجر بالفعل ربما يؤدي إلى تغير جزئي في الدلالة

د. فاضل: لما سألت عن (أهلك) التعبير لا يحتمل، لأنه لو قرأنا الآية (قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ) يعني أهلك إلا هؤلاء ومن آمن؟ كيف تعطف من آمن على أهلَكَ؟! هؤلاء عكس المؤمنين فلا يصح

المقدم: لا يصح واللغة لا تحتمل

د. فاضل: لا يمكن. أهلك إلا من سبق يعني صنفان: أحدهما سبق عليه القول آخر، أهلك إلا من سبق عليه القول هما صنفان يعني المؤمن صنف ومن سبق عليه القول آخر، أهلك إلا من سبق عليه القول ومن آمن، صنفان يعني صنف من آمن وصنف سبق عليه القول، هل هم مؤمنين أو غير مؤمنين؟

المقدم: الفهم السليم لها إحمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك أهل بيتك إلا من سبق عليه القول يعني هناك من أهله من لن يركب معه

د. فاضل: ولذلك في المؤمنون قال (فَإِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ (27))

المقدم: هو يقصد أهل بيته ربما ابنه ينضوي تحت هذه (يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا) ممكن؟

د. فاضل: ممكن.

المقدم: (وَقَالَ ارْكَبُواْ فِيهَا بِسْمِ اللّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا (41)) هناك قراءة لـ(مُجراها) بضم الميم فكيف نفهم هذه القرآءة وما اللمسة البيانية فيها؟

د. فاضل: هنالك قراءتان متواترتان لمجراها (مَجراها) وأحياناً بالإمالة وبضم الميم (مُجراها) ومُرساها لها قراءة واحدة. قراءات متواترة. مَجراها بالفتح (مَجرى) هذا مصدر وإسم مكان وإسم زمان فعله جَرَى الثلاثي، مصدر مثل الجري والجريان وإسم مكان يعني مكان الجري وإسم زمان يعني وقت الجري متى. مُجراها بضم الميم مصدر أيضاً وإسم مكان وإسم زمان من الفعل الرباعي أجرى، أجراها الله أو أجرتها الرياح. مرساها مصدر إسم مكان إسم زمان من الفعل الرباعي أرسى وليس الثلاثي رسى مرسى. مُجراها من أجرى ومَجراها من جرى حسب القرآءة، هذا من حيث التركيب اللغوي. هذه العبارة جمعت معاني متعددة. المعنى بسم الله جريانها وإرساؤها من الله سبحانه وتعالى (جريانها مصدر)، وبسم الله إجراؤها وإرساؤها. بسم الله جريانها أنها تجري بسم الله، بسم الله جريها هي وإرساؤها من الله،

المقدم: بداية جريها منها هي ولكن إرساؤها من الله سبحانه وتعالى

د. فاضل: بسم الله إجراؤها من الله (مُجرى) وإرساؤها من الله فالله هو مجريها ومرساها، يكون المعنى إجراؤها وجريانها وإرساؤها كله بسم الله. هذا أمر، بسم الله مكان جريها ومكان إجرائها ومكان إرسائها، المصدر الجري والجريان والإرساء، والمكان مكان الجري ومكان الإجراء ومكان الإرساء، والزمان في الزمان الذي تُجري فيه وتجري فيه وتُرسى فيه، كلها مقصودة الزمان والمكان والمصدر بسم الله. بسم الله جريها وإجراؤها ومكان جريها ومكان إجرائها وزمان جريها وزمان إجرائها، وبسم الله إرساؤها ومكان إرسائها وزمان إرسائها، لو غيرت أي صيغة لا تحتمل هذه المعاني. إذن هي تجري كلها مقدرات، جريانها ومكان الجري والإجراء وزمان الجري وزمان الإجراء والإرساء ومكان الإرساء وزمان الإرساء كلها مقدرات بأمر الله سبحانه وتعالى.

المقدم: لماذا قال ربنا تبارك وتعالى (مجراها) وليس جريها؟

د. فاضل: لأن الجري مصدر فقط

المقدم: لكن مجرى تحتمل

د. فاضل: مجرى مصدر وإسم مكان وإسم زمان

المقدم: فيها عموم وشمول

د. فاضل: طبعاً.

المقدم: إذن كيفية التركيب في الآية (بِسْمِ اللّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا) مبتدأ وخبر؟ أم ماذا؟

د. فاضل: أيضاً تحتمل، على ما ذكرناه الآن مبتدأ وخبر (بِسْمِ اللّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا). تحتمل مجراها بسم الله مبتدأ وخبر. يحتمل أن يكون اركبوا فيها بسم الله، ذاكرين الله، الركوب بسم الله. يعني اركبزا فيها بسم الله مجراها أو اركبوا فيها مسمين الله حين جريها وحين إرسائها.

المقدم: اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها أو اركبوا فيها بسم الله إجراؤها ومرساها

د. فاضل: وتحتمل شيئاً آخر أن (وَقَالَ ارْكَبُواْ فِيهَا بِسْمِ اللّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا) محتمل أن تكون حال يعني اركبوا فيها مسمين الله. قلنا إما ذاكرين الله ومحتمل أن يكون المجرى والمرسى حال، يعني الحال ستكون جارية ومُجراة يعني تقدير مجراها ومرساها هو الحال، يعني نفسها، اركبوا فيها جارية ومجراة بسم الله. بسم الله جريها وإجراؤها وإرساؤها بسمه سبحانه وتعالى وبسم الله في مكان جريها وإجرائها وإرسائها وبسم الله زمان جريها وإجرائها وإرسائها ومسمين الله في جريها وإجرائها وإرسائها واركبوا فيها جارية ومجراة ومرساة بسم الله، كل هذا في هذا التعبير هذا ما ذكره أهل اللغة من حيث الإعراب. كم معنى فيها؟ جارية ومجراة ومرساة وقتئمين وذاكريم ومكان وزمان

المقدم: إذا كانت (بسم الله مجراها ومرساها) جملة ما موقع الجملة من الإعراب؟

د. فاضل: هذا مقول القول (وقال اركبوا فيها)

المقدم: يقول تعالى (إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ) لماذا ذكر الرب هنا؟

د. فاضل: الرب هو المعلم والموجه والمرشد، الرب أنسب إسم لأنه يوجههم. رئيس الملاحين في السفينة يسمى رُبّان والربان من الرب لأنه يوجهها إلى المسار الصحيح. أنسب شيء هو يوجههم ويجريها ويرسيها في المكان.

المقدم: (إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ) وفي غيرما موضع من القرآن الكريم قال (إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ (53) يوسف) في سيدنا يعقوب (إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) لماذا يختلف التركيب في كل آية من الآيات الثلاث؟ وما اللمسة البيانية في سورة هود؟

د. فاضل: سيدنا يوسف أولاً هو رسول لم يرتكب ذنباً وسُجِن ظلماً، هو واحد، فرد. هؤلاء قوم نوح المؤمنين جماعة فاحتاج إلى توكيد أكثر أولاً محتمل أن يقعوا في اللمم وهم أتباع سيدنا نوح

المقدم: قال ربي وليس ربنا أو ربكم

د. فاضل: هو الذي يدعو، هو يتكلم عنهم اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها، هو يخاطبهم، يؤكد لهم إن الله غفور رحيم لأنهم كثرة.

المقدم: ومع سيدنا يعقوب أضاف (هو)؟

د. فاضل: هم قالوا (قَالُواْ يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ (97) يوسف) بعد أن فعلوا ما فعلوا بأخيهم وما حصل لأبيهم منه وهذا الأمر ليس ليعقوب لأنه يتعلق بحقوق الآخرين هم اعتدوا على يوسف، هذا حق الآخرين اعتدوا على أخيهم، هذا ليس ليعقوب هذا الأمر يعود لله حصراً (قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيَ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (98) يوسف) لله حصراً (إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) لأن فيها اعتداء على حقوق الآخرين. وأذى سيدنا يعقوب كان كبيراً فيما حصل له ولابنه قال (قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيَ). يوسف قال (قَالَ لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ (92) يوسف) هو دعا لهم بالمغفرة ولم يطلبوها منه بينما يعقوب مع طلبهم قال (سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيَ) لأن فيه تأثير نفسي وهو متعلق بحقوق الآخرين.

المقدم: ماذا في هذه الآية من لمسات بيانية؟

د. فاضل: أتصور هذا كل شيء.

المقدم: في قوله تبارك وتعالى (وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ (42)) القصة ماضية وانتهت وقال تجري بصيغة المضارع مع أن الحدث ماضي؟

د. فاضل: هذه حكاية الحال وهي التعبير عن الأحداث الماضية بفعل مضارع. لكن نلاحظ أن فيها إيجاز قال (وَقَالَ ارْكَبُواْ فِيهَا بِسْمِ اللّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا) قال (وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ) انتقل إلى مشهد الفلك مباشرة لم يقل فركبوا ثم جرت السفينة، قال اركبوا فيها – وهي تجري، انتقل مباشرة إلى المشهد

المقدم: ألا يعتبر هذا ملاحظة أنه لم يذكر التفاصل حتى تطمئن قلوب من يؤمن بالأنبياء

د. فاضل: لما قال تجري بهم معناها ركبوا فماذا تضيف لو قال فركبوا فيها؟ لا شيء

المقدم: (وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ) ما هذا النداء؟

د. فاضل: أولاً نلاحظ أن نوحاً رفع صوته (نادى) مما يدل على أن ابنه في مكان بعيد لا يُسمعه إلا النداء. نادى معناه أنه في مكان بعيد لا يسمعه إلا النداء والملاحظ أن نوحاً هو الذي نادى ابنه وكان المظنون أن ابن سيدنا نوح هو الذي ينادي

المقدم: لأنه رأى الطوفان ورأى الماء ورأى السفينة تجري

د. فاضل: رأى المنظر وهو يأوي إلى جبل كان المنطق أن يقول يا أبت خذني معك لكنه آثر أن لا يركب مع هؤلاء يذهب ولو وحده في جبل كم في نفسه من الإيمان والمؤمنين؟!

المقدم: قلبه مستغلق والعياذ بالله برغم أنه رأى بأم عينيه ما يحدث!

د. فاضل: ويرى أن الفلك هو سبيل النجاة الوحيد ليس هناك سبيل آخر لكن مع ذلك آثر أن يذهب.

المقدم: لطيفة لا بد أن نتوقف عندها (وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ) المتبادر للذهن أنهمجرد النجاة أن ينجو ولم يدعوه إلى الإيمان فلم لم يقل لا تكن من الكافرين؟

د. فاضل: لاحظ أن النداء كله عطف قال له (يا بني) بالتصغير والتحبيب والتودد والإضافة إلى نفسه (بني) لم يقل له يا فلان وإنما يا بني أراد أن يتودد له ويحننه حتى يأتي. وقال له (وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ) حتى يأتي به لو قال لا تكن من الكافرين قد يبقى مصراً لكن لا تكن مع الكافرين فتغرق، أثنجُ أنت الآن، فدعاه إلى النجاة أولاً. الآن ليس وقت إيمان وإنما وقت نجاة وقت ليأتي إلى مجتمع جديد يالفهم ويبعده عن أولئك الذين أهلكوه (يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28) الفرقان) أراد له النجاة ليعيش في مجتمع آخر مجتمع مؤمن غير المجتمع الذي هو فيه. يعني المعيشة مع المجتمع المؤمن جعله خطوة للنجاة أولاً ثم أن يعيش مع هذه الزمرة ويبتعد عن تلك الزمرة الضالة حتى تكون مرقاة للإيمان، هذه فيها حكمة لأنه لو قال لا تكن من الكافرين يبتعد مباشرة، هو الآن دعاه للصحبة والنجاة حتى تكون مرقاة للإيمان.

المقدم: وكأنه يغريه أن ينجو بنفسه أولاً

د. فاضل: ستأتي سيعيش مع مجتمع مؤمن ويرى الفرق بين هؤلاء وهؤلاء ويهتدي.

المقدم: اللهم اجعلنا من المهتدين.

بُثّت الحلقة بتاريخ 19/3/2010م


من قسم الفيديو

http://www.islamiyyat.com/video.html?task=videodirectlink&id=2127

الرابط علي الارشيف
http://www.archive.org/details/lamasat233

رابط جودة عالية
http://ia331234.us.archive.org/2/items/lamasat233/lamasat233.AVI

رابط جودة متوسطة
http://ia331234.us.archive.org/2/items/lamasat233/lamasat233.rmvb

mp4 رابط
http://ia331234.us.archive.org/2/items/lamasat233/lamasat233_512kb.mp4

رابط صوت
http://ia331234.us.archive.org/2/items/lamasat233/lamasat233.mp3

2010-03-20 11:36:42الدكتور فاضل السامرائي>برنامج لمسات بيانيةpost