الحلقة 243
اللمسات البيانية في سورة هود 20
المقدم: نكمل رحلتنا مع قصة سيدنا هود عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام في سورة هود وكنا توقفنا في اللقاء المنصرم عند قوله تبارك وتعالى (قَالُواْ يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (53) إِن نَّقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوَءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللّهِ وَاشْهَدُواْ أَنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ (54)) وتوقفنا عندها في بعض المحطات وكنا نهينا بسؤال مفاده التأكيدات التي تضمنتها هذه الآية فحدثنا عن هذه التأكيدات وما اللمسة البيانية التي تضيفها لسياق الآية الكريمة؟
د. فاضل: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين سيد البلغاء والفصحاء سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن دعا بدعوته إلى يوم الدين. في نهاية الحلقة ذكرنا قوله تعالى (مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ) قلنا أيضاً هذا التعبير مؤكّد لأنه نُفي بـ (ما) ولم ينفى بـ(لم) و(ما) آكد من (لم) لأنها تقع جواباً للقسم. (ما) نفي لـ (لقد فعل) – (ما فعل)، (فعل) – (لم يفعل)، (كتب) – (لم يكتب)، (لقد كتب)- (ما كتب).
المقدم: هي تنفي مؤكداً أيضاً
د. فاضل: (لقد) تقع جواباً للقسم و(ما) أيضاً تقع جواباً للقسم. ثم قوله (وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ) (وما نحن) أولاً هذه الجملة اسمية لم يقل لسنا تاركين (لسنا) هذه جملة فعلية
المقدم: هل (ما) هذه حجازية؟ ألا تعمل عمل ليس؟
د. فاضل: بشروطها، الشروط متوفرة لو عملت لا مانع عند الحجازيين في هذه. فإذن الجملة اسمية ليست فعلية ما قال لسنا قال (ما نحن)
المقدم: وهذا التعبير بالجملة الإسمية آكد من الجملة الفعلية
د. فاضل: باعتبار أدوم
المقدم: لأن الاسم يدل على التحقق والثبوت
د. فاضل: ليست فقط اسمية وإنما جاء بالباء في خبرها (بتاركي) هذه الباء يسمونها زائدة للتوكيد تقع في خبر ليس وتقع في خبر (ما) فهي هي زيادة في التوكيد أولاً كونها جملة اسمية منفية بـ (ما) ثم نفي الخبر بالباء كان يمكن أن يقول لسنا تاركي
المقدم: لغة يستقيم؟
د. فاضل: طبعاً، لسنا تاركي
المقدم: نقول الباء زائدة للتأكيد هل يجوز أن نقول في القرآن الكريم زائد؟
د. فاضل: هو مصطلح، النُحاة لا يعنون أنه زائد زائد وإنما الزيادة هنا أنه لو حذفتها المعنى العام يبقى
المقدم: لا تتغير دلالته، لكن البيان يتغير
د. فاضل: صار توكيد ولذلك قسم من النحاة يسميه حروف صلة، حروف الصلة يقصدون بها حروف الزيادة لا يقولون حروف زيادة وإنما يقولون حروف صلة. لكنهم هو يقولون لا مشاحة في الاصطلاح المقصود معلوم واحد ليس فيها إشكال
المقدم: لا حرج إن قلنا الباء زائدة
د. فاضل: لا حرج. ثم قال (وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ) لم يقل “بتاركين آلهتنا” وإنما قالها بالإضافة لأن “تاركين آلهتنا” بالمستقبل أما (تاركي آلهتنا) فهي الآن وفي المستقبل. (عن قولك) فيها
المقدم: لو قال بتاركين آلهتنا اسم الفعل يعمل عمل فعله فينصب آلهتنا تكون آلهتنا معمولة لاسم الفاعل
د. فاضل: لاسم الفاعل لكن لا تدل على الماضي ولا على الحال، قد تدل على الحال والاستقبال أحياناً مثل المضارع، (تاركي آلهتنا) عامة
المقدم: ماضي وحاضر واستقبال
د. فاضل: (فاطر السموات والأرض) هذا ماضي. وأيضاً تستعمل للاستقبال
المقدم: فيها نفس الدلالة. (عن قولك)؟
د. فاضل: فيها معنيان: احتمال (بتاركي آلهتنا) صادرين عن قولك، نصدر عن قولك. والآخر تعليل لأن (عن) تفيد التعليل أيضاً، يعني بسبب قولك. لا نصدر عن قولك ولا نترك بسبب قولك.
المقدم: بمعنى ماذا :لا نصدر عن قولك؟
د. فاضل: لا أنت تقول ونحن نصدر عنه مثل (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) النجم) ليس صادراً قوله عن الهوى، لا يصدر تركنا آلهتنا بسبب قولك. إلى أن قال (وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ) أيضاً تعبير مؤكد أولاً جملة اسمية ما قال “لسنا مؤمنين لك” وأيضاً جاء بالباء زائدة (بمؤمنين) وقدّم الجار والمجرور (وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ) نخصّك بعدم الإيمان تحديداً
المقدم: لو قال خارج القرآن وما نحن بمؤمنين لك
د. فاضل: من حيث الكلام يجوز لكن ليس فيه تخصيص وحصر.
المقدم: إذن المراد سيدنا هود تحديداً
د. فاضل: تحديداً. أنت كلما تقول لا نؤمن لك
المقدم: أيّ صلف! عجيب! هذا من فوائد التقديم والتأخير تفيد الحصر والقصر
د. فاضل: في الغالب. أيضاً (إِن نَّقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوَءٍ) أولاً أسلوب قصر (إن نقول إلا) ما قال: نقول اعتراك بعض آلهتنا بسوء، ولغة يستقيم، لا، ما نقول غير هذا
المقدم: لو قالوا: نقول اعتراك بعض آلهتنا بسوء تحتمل هذا وقول آخر
د. فاضل: نحن لا نقول غير هذا (إِن نَّقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوَءٍ) ما نقول شيئاً آخر
المقدم: وكأن المقولة التي يرددوها: إعتراك بعض آلهتنا بسوء
د. فاضل: قصراً ما نقول إلا هذا، ما عندنا غير هذا القول. ثم النفي بـ(إن) (إِن نَّقُولُ) و(إن) آكد من (ما) كلها مؤكدات
المقدم: إذن (إن) آكد في النفي من (ما) و (لم) هل لهذه التأكيدات مجتمعة دلالة بيانية؟
د. فاضل: نعم لأن أصبح الموقف موقف حرب فتحتاج كل التوكيدات من دون تنازل، أيّ تنازل لا يوجد، فكلها مؤكدات حتى يبين أنه ليس هنالك تنازل أبداً هذا موقفنا ثابت مؤكد ليس عندنا غيره
المقدم: واضع اللغة دقيق في استخدام كلمات اللغة في الموقف المعين إذا أراد أن يعبر عن وجهة نظر سديدة لا تحتمل النقاش والتفاوض أصلاً يلجأ إلى ما لجأ له هنا من مؤكدات في التعبير.
د. فاضل: في الآية التي بعدها (قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللّهِ وَاشْهَدُواْ أَنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ (54) مِن دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ (55)) لما قالوا ما قالوا وآيسوه من إيمانهم وقالوا إن بعض آلهتهم مسته بسوء بجنون أو ما شابه ذلك هو أعلن البراءة من آلهتهم أولاً أشهد الله قال (إِنِّي أُشْهِدُ اللّهِ) ثم طلب أن يشهدوا على ما يقول (وَاشْهَدُواْ أَنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ) ثم تحدّاهم وتحدّى آلهتهم جميعاً
المقدم: لمَ يطلب شهادتهم أو لِمَ يُشهِدهم؟ هو نبي
د. فاضل: إشهدوا عليّ لن أتنازل. يشهدهم يعلن براءته إعلاناً
المقدم: من متطلبات إعلان البراءة منهم إشهادهم
د. فاضل: فيها إعلان اشهدوا عليّ أني بريء، هو تحداهم جميعاً وتحدى آلهتهم أن يكيدوه، هذا تهاون عظيم بالآلهة، آلهتكم جميعاً أضعف من أن تفعل شيئاً، أنا أتحداكم إشهدوا عليّ، أنا أتحداكم وآلهتكم جميعاً كيدوني أنتم جميعاً أنتم قبيلة وأنا واحد كيدوني إن استطعتم، أتحداكم، أنا فرد وأنتم قبيلة، كلكم إن استطعتم كيدوني أنا أتحداكم
المقدم: واضح من كيدوني أنه واحد ليس معه ناس
د. فاضل: واحد وقال كيدوني جميعاً كلكم أنتم وآلهتكم هذا تهاون بهم بأنهم لا يستطيعون أن يفعلوا شيئاً به
المقدم: وكأنه يستخف به وبآلهتهم
د. فاضل: لا تمهلوني من الآن ابدأوا
المقدم: (مِّمَّا تُشْرِكُونَ) ما (ما) هذه؟
د. فاضل: تحتمل أن تكون مصدرية يعني من شرككم، والمعنى الثاني اسم موصول يعني من الذي، أنا بريء من الذي تشركون به وهو الآلهة
المقدم: هل يترتب على هذا تغير في الدلالة أو في المعنى المراد، ما المعنى في كل منها؟
د. فاضل: من الذي يعني من الآلهة، يشركون بالآلهة. وبريء من الشرك أصلاً كله ليس فقط من آلهتكم فقط وإنما الشرك بالله عموماً، هؤلاء والشرك، مما تشركون من شرككم كل الشرك المصدر ومما تشركون به سيجمع الاثنان سيجمع الأصنام وسيجمع الشرك نفسه بحد ذاته. ولذلك ما قال مما تشركون به
المقدم: معروف في اللغة “أشرك به”
د. فاضل: لو قال (به) يأتي بالعائد فسيكون اسماً موصولاً قطعاً ويتجه المعنى للأصنام فقط
المقدم: وهو لا يريد هذا المعنى فقط
د. فاضل: أراد المعنيين
المقدم: هذا توسع في المعنى
د. فاضل: طبعاً لأنه أراد المعنيين فجمعهما.
المقدم: وكأنه يريد أن يبرئ نفسه
د. فاضل: من الشرك أي شرك عموماً بأي صورة كانت آلهة أو أي شيء آخر أي شرك آخر باي صورة من الصور قد يكون شركاً خفياً قد يكون ظاهراً هو تبرأ من الشرك كله ومن هؤلاء. إذن هو جمع كل الشرك بأي مفهوم كان كيف هو عندهم في زمانهم كيف كان أنواعه الشرك قد يكون هناك أصناف أخرى عندهم شرك في الاعتقادات فإذن لو قال (من الذي) كان فقط تعلّق بالأصنام لو قال (به) كان محدداً، لا، هو أطلقه
المقدم: أصنام وغير اصنام ظاهر وخفي
د. فاضل: جاء بـ(ما) التي هي تحتمل العموم وحذف العائد (الهاء في (به) لأن الهاء هو الضمير العائد) فجمع المصدر بريء من المصدر ومن الأصنام.
المقدم: سؤال خارج القرآن هل سيدنا هود قال هذا الكلام حقاً وقد تفضلت بالقول أن القرآن خير ترجمة لما حدث وما سيحدث وأنبانا به الله سبحانه وتعالى؟
د. فاضل: أدق ترجمة باسلوب بياني معجز,
المقدم: هل سيدنا هود قال هذا الكلام وما تفضلت به يريد أن يتنصل ويتبرأ من الشرك ومن الأصنام يريد أن يتوسع في المعنى بلغة قومه آنذاك؟
د. فاضل: هو عندما قال المصدر أكيد هو ذكر الأمرين وربنا ترجمها، كيف عبّرها؟ جمع الإثنين وترجمها وعبّر بهذا التعبير ربما توسع وذكر وربنا جمع المفهوم كله الذي قاله في هذا التعبير
المقدم: وقمة البلاغة الإيجاز أن يعبر عن المعاني الكثيرة بكلمات قليلة، يعبر عن المعاني بقلّة المباني. (إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا (56)) نقف بداية عند فكرة التوكل ما معنى التوكل؟ وما اللمسة البيانية الموجودة في هذا التعبير؟
د. فاضل: التوكل هو الاعتماد. توكل على شيء إعتمد إليه وركن إليه.
المقدم: وتواكل؟
د. فاضل: لا، هذه غير. توكل اعتمد على الله وركن إليه. ثم قال (رَبِّي وَرَبِّكُم) هو ربي وهو ربكم إن شئتم وإن أبيتم وإن اتخذتم أرباب أخرى تعبدونها غيره.
المقدم: لكن هو هنا يقرّ بربوبية الله عليهم
د. فاضل: شاؤوا أم أبوا هو ربهم، هو ربكم لا تفوتونه، هذه الأصنام لا تفعل شيئاً، هو ربي يحميني ويمنعكم ويمنع أصنامكم من الكيد لي هو ربكم يمنعكم يعاقبكم شئتم أم أبيتم
المقدم: وكأنه يقر بألوهية وربوبية الله سبحانه وتعالى
د. فاضل: شاؤوا أم ابوا. ربي وربكم شئتم أم أبيتم هو يحميني ويحفظني أنتم لا تفوتونه لا تستطيعون أن تكيدوني كيدوني إن شئتم الآلهة لا تستطيع أن تفعل لي شيئاً، ربي هو الله ربكم هو يرزقكم كل شيء من النعم منه وليست من الأصنام
المقدم: إذا حدث شيء فهو من الله سبحانه وتعالى ليس من أي شيء غيره
د. فاضل: هذه الأصنام لا تكيدني بشيء إن كانت هي أرباب فلتكيدني
المقدم: تحدي صريح. لكن (عَلَى اللّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم) ألا تكفي على الله، على ربي؟
د. فاضل: هو يدعوهم إلى التوحيد، لأن كلمة رب عامة يعني (اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ (31) التوبة) تجمع كلمة أرباب (اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ (42) يوسف)
المقدم: تجوز لله ولمن هو رب شيء آخر يقال رب الدار رب المال ورب العمل
د. فاضل: (إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ (23) يوسف). هو الآن حدد (عَلَى اللّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم) الله هو الرب وهو الله، هو ربي وربكم شئتم أم أبيتم يوضح المسألة توضيحاً كاملاً لهم ليس لهم رب غيره، هذه الأنصام ليست أرابابً لا تفعل شيئاً، تهاون
المقدم: هل كلمة رب فيها حنان؟
د. فاضل: فيها نعمة، المنعم والقيم على الأمر وصاحب الشأن هو المتفضل والمنعم والهادي والمرشد والموجّه.
المقدم: يذكرهم بنعم الله
د. فاضل: النعم التي أنتم فيها من أين؟
المقدم: نقرأ بلغة العرب تعبير آخذ بناصيته، ناصيتي بيدك، ما قصة الأخذ بالناصية لغة وشرعاً؟
د. فاضل: لما نقول أخذ بناصيته يعني ذليل، فيها ذُل. الناصية هي الجبهة وأيضاً الشعر النابت عليها يسمى ناصية (ناصية كاذبة) يعني المأخوذ بناصيته معناه ذليل ولذلك العرب كانت تأخذ الأسير بناصيته تقوده من شعر رأسه كناية عن الذل والانقياد، العرب إذا أرادت أن تصف أحداً بالذل تقول ما ناصية فلان إلا بيد فلان
المقدم: من الدعاء المأثور: ناصيتي بيدك ماضٍ فيّ حكمك، فيه خضوع كل أمر بيد الله عز وجل
د. فاضل: كلي خاضع لك تفعل بي ما تشاء
المقدم: سبحانه. كلمة واحدة تدل دلالات غير عادية. يعني ليس له من الأمر شيء.
د. فاضل: (ما من دابة)
المقدم: كلمة (دابة) تنصرف على الإنسان؟ على الحيوان؟
د. فاضل: على الجميع (وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِن مَّاء فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ (45) النور)
المقدم: جميع المخلوقات الله سبحانه وتعالى يأخذ بناصيتها
د. فاضل: (مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا) على سبيل الاستغراق
المقدم: ولا تسول نفس الإنسان إليه بأنه يصنع شيئاً خارج إرادة الله
د. فاضل: لا يستطيع، هو منقاد.
المقدم: (ما من دابة)؟
د. فاضل: هذه (من) الاستغراقية استغراق على جميع الدواب بحيث لا يفلت منه شيء كل ما يدبّ من إنسان وحيوان
المقدم: ما دلالة القصر والحصر (إلا)؟
د. فاضل: هذا الإستثناء يسموه مفرّقاً يفيد القصر
المقدم: يعني المستثنى منه غير موجود وهو منفي
د. فاضل: وهو منفي، (دابة) مبتدأ وجملة الخبر (هو آخذ بناصيتها) واقعة بعد (إلا)
المقدم: يلغى أداة النفي وأداة الاستثناء ويعرب بحسب موقعه في الجملة.
—–فاصل——–
المقدم: (إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) ما معناها؟
د. فاضل: مع هذا الاقتدار العظيم الذي ذكره (مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا) مع هذه القدرة ربي لا يجور ولا يظلم على صراط مستقيم لا يجور ينصر من توكل عليه واعتصم به (إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللّهِ) ويذل ويخزي من بغى واعتدى، على صراط مستقيم فهو بالمرصاد لكل ظالم باغي ينصر من اعتصم به وتوكل عليه ويذل ويخزي من بغى واعتدى ليس هذا فقط، وهو يهدي إلى صراط مستقيم ويدل عليه، وليس فقط هذا ومن سار على الطريق المستقيم وصل إليه، وصل إلى ربه كما قال (إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا (19) المزمل) (وَعَلَى اللّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ (9) النحل)
المقدم: هذا سبيل وهذا صراط، هل هناك فرق بين السبيل والصراط؟
د. فاضل: الصراط هو أوسع السبل وأعظمه وهو ملتقى السبل
المقدم: الصراط ملتقى السبل، (إهدنا الصراط المستقيم) الطريق المؤدي إلى الله بعدما تجتمع فيه كل السبل
د. فاضل: ربنا يقول (يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ (16) المائدة) سماها سبل (فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ (69) النحل) الصراط واحد هو أوسعها
المقدم: هل هو لغة بالسين أو بالصاد؟
د. فاضل: سرط هي بالأصل بالسين، لكن أيضاً السين والصاد قد يتعاوران في هذه فيقال صراط. قيل سمي الصراط لأنه يصطرط السابلة يبلعها. والسابلة يعني المارّة، من سعته كل الذين يمشون فيه يبلعهم.
المقدم: الصراط المنصوب على جهنم أرفع من الشعرة وأحدّ من السيف، كيف يكون؟
د. فاضل: نحن نسمع هذا يوضع الصراط على متن جهنم ليس هناك طريق غيره يتسع للمؤمن ويضيق على الكافر
المقدم: ليس الأمر عند الله سبحانه وتعالى بالمسافة أو بالمساحة، الأمر مختلف تماماً عند الله عز وجل. (إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) تركيب (على صراط مستقيم) ماذا أفاد حرف الجر (على)؟
د. فاضل: هو مستعلٍ عليه. يفيد الاستعلاء. هذا التعبير يجمع عدة معاني لا يظلم ولا يجور ويعاقب الجائر الظالم، يدل على الصراط المستقيم يوضح (وعلى الله قصد السبيل) يعني على الله بيانه وهو متوكل ببيانه ثم الصراط المستقيم يوصل إليه من مشى عليه وصل إلى ربه (إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا (19) المزمل) من أراد أن يصل يتخذ هذا السبيل
المقدم: هل لنا أن نسأل ما هو الصراط؟ هل سيدنا هود عليه السلام أعلمهم ما هو الصراط؟ ما هو الطريق؟حينما يدعوهم إلى توحيد الله سبحانه وتعالى؟
د. فاضل: هذا هو الصراط
المقدم: هذه معانيها. ماذا أفادت (إن ربي) ألا يمكن أن يقول ربي على صراط مستقيم ولن يشكك أحد في هذا، لو قال توكلت على الله ربي وربكم وربنا تبارك وتعالى
د. فاضل: لكن السامع شاكٌّ في ذلك، هو يؤكد الأمر
المقدم: من خلال تطواف حضرتك دائماً كانوا يقولون (مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى (3) الزمر) هم يقرّون بوجود إله لكن يعبدون الأصنام لتقربهم إلى الله تعالى هم في قرارة أنفسهم لا ينكرون وجود الله سبحانه وتعالى.
د. فاضل: أبو الرسول r إسمه عبد الله. هم لا ينكرون وجود الله، لذا ربنا يحاكم عقلهم (أفلا تعقلون) هذا أعجب شيء، (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (61) اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (62) وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّن نَّزَّلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِن بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (63) العنكبوت) أفلا تعقلون. ومع ذلك هم يعبدون الأصنام أنها تقربهم إلى الله زلفى وهي لا تسمع ولا تنفع ولا تتكلم ولا تنفع بشيء
المقدم: ماذا أفادت كلمة مستقيم بعد الصراط؟ هل يكون الصراط غير مستقيم؟
د. فاضل: نعم يكون. المستقيم أقرب الطرق إلى المقصود، المستقيم أقصر المسافات بين نقطتين. المستقيم هو أقرب الطرق إلى المقصود فهو على ما فيه من عظم لكنه أقصرها إلى الله. في آية أخرى قال (الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا (45) الأعراف)
المقدم: مستقيم ممهد ليس فيه أمت. (فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقَدْ أَبْلَغْتُكُم مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّونَهُ شَيْئًا إِنَّ رَبِّي عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (57)) تولوا هل هي فعل ماضي أو مضارع؟
د. فاضل: هو يخاطبهم. الكلام معناه فإن تتولوا لأنه قال (فَقَدْ أَبْلَغْتُكُم مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ) لا يزال الكلام للمخاطبين، لا يزال يخاطبهم (فَقَدْ أَبْلَغْتُكُم مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ) إذن (فإن تتولوا) هذا مضارع
المقدم: وهل يجوز بلغة العرب؟
د. فاضل: حذف للتخفيف لما يكون هناك تاءان فيمكن حذف أحدهما للتخفيف وهذا كثير في اللغة
المقدم: هذا على سنن العربية والمعنى لا يتغير
د. فاضل: المعنى العام لا يتغير لكن البياني يتغير
المقدم: (فَقَدْ أَبْلَغْتُكُم مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ)
د. فاضل: أنا الآن أُعذرت، إذا تتولوا أنا بلغتكم. ثم قال هنا (مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ) أرسلت به هنا جاء بالعائد وليس كما في (تشركون) لم يذكر العائد، هنا ذكر العائد، الأشياء التي أرسلت بها بلغتها لكم، أنا لم أبلغكم بإرسالي أني رسول وإنما الأشياء التي أرسلت بها بلّغتها لكم.
المقدم: خراج القرآن يمكن أن يقال: ابلغتكم بما أرسلت؟
د. فاضل: يحتمل معنى آخر، تجمع معنيين.
المقدم: وكأن الذي أرسل به شيء محدد معين
د. فاضل: بلّغتكم به، الذي وصلني أوصلته لكم، الذي قيل لي وأُمرت به أوصلته لكم. ثم هددهم (وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّونَهُ شَيْئًا) هذا تهديد لهم لأنه سبق أن ذكّرهم بأنه استخلفهم بعد قوم نوح (وَاذكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ (69) الأعراف)
المقدم: وكأنه يذكرهم بما حدث لقوم نوح ومصيرهم
د. فاضل: يعني انتبهوا هذا ليس فقط تبليغ وإنما هذا تهديد لهم. (وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّونَهُ شَيْئًا) انتبهوا ليس فقط كلام وإنما فيه تهديد
المقدم: كانت سنة الله قبل الرسول r صلى الله عليه وسلم الإبادة الجماعية يأخذهم مرة واحدة عذاب جماعي
د. فاضل: إستئصال، نعم. ولذلك كان فيه تهديد فظيع لهم، ذكر لهم شيئاً يعلمونه قال لهم (واذكروا) لا تنسوها (وَاذكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ) انتبهوا يفعل بكم ما فعل بقوم نوح ليس فقط تبليغ للرسالة وإنما تهديد لهم إن لم يستجيبوا لما أمر الله به
المقدم: إذن الإيمان به ليس من باب الرفاهية الاجتماعية الدينية وإنما هذا فرض واجب. الأمر أخطر يؤمن أو يذهب الله به
د. فاضل: (واذكروا) ليس فقط إعذار لنفسه وإنما تهديد لهم بالإبادة
المقدم: مع هذا تذكير وحثّ لا بد أن يؤمنوا ويذكرهم بما حدث لقوم سيدنا نوح
د. فاضل: حتى يكون مدعاة لسرعة الاستجابة
المقدم: ربما يقول قائل هو يهددنا أو يتوعدنا
د. فاضل: هو لا بد أن يذكرهم
المقدم: هذا في باطنه تذكير بما حدث وبالتالي خوف عليه إن لم يتبع
د. فاضل: هذا فيه أمرين: بما ذكر لهم من الخير الذي وعدهم به (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ (52)) أعطاهم أشياء وأيضاً هددهم، ذكر الترغيب والترهيب
المقدم: أحسنت ربطاً! إن آمنوا يرسل السماء مدرارا ويزدكم قوة إلى قوتكم وإن أعرضوا انتبهوا يستخلف قوماً غيركم
د. فاضل: (وَلاَ تَضُرُّونَهُ شَيْئًا (57)) هو يفعل ما يشاء
المقدم: هل يتبادر إلى ذهنهم أو إلى ذهن أحد أنهم يضروا الله سبحانه وتعالى؟
د. فاضل: ليس كالأصنام تتكسر
المقدم: من يؤمن يؤمن لنفسه ومن لا يؤمن فعلى نفسه، هو بنفسه يجره لنفسه الصالح أو الطالح. لا إله إلا الله! شيء مخيفّ ليس مجرد البلاغ وليس مجرد الرسالة الأمر يعنينا بشكل كبير
د. فاضل: يعني كل واحد بنفسه هو
المقدم: الملاحظ من خلال السورة حتى الآن سيدنا هود معهم في محاورات وكلام معهم وكأنه يخاف عليهم من عاقبة أمرهم إن استمروا على هذا
د. فاضل: ولهذا يكرر (يا قوم) هم قومه يذكرهم لعلهم يستجيبوا ولعل قلوبهم تلين
المقدم: وكأنه درس عظيم للدعاة وكل من يدعو إلى الله سبحانه وتعالى باللين وأن يطيل النفس بهدوء. (إِنَّ رَبِّي عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ) ما معناها؟ وبما أفادت به بعد الذي حدث؟
د. فاضل: حفيظ قد يكون معناها رقيب محيط بالأشياء كلها لا يخفى عليه، أعمالكم لا تخفى عليه، على كل شيء حفيظ
المقدم: ليس معنى الحفظ الرعاية والعناية؟
د. فاضل: هي تجمع عدة معاني: الإحاطة، الرقابة رقابته مستغرقة للجميع، محيط بالأشياء كلها لا يغفل عن شيء, قد يكون بمعنى الحافظ يحفظ ومعنى الحاكم والمستولي والمحيط بالأشياء كلها. قد تكون بمعنى الإحاطة وبمعنى الحفظ
المقدم: (قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (55) يوسف)
د. فاضل: ما قال حفيظ عليها، قال حفيظ. هذا معنى آخر، حفيظ عليكم فيها سيادة وفيها تمكن وسيطرة وفيها رقابة وسلطة وفيها حكم. هذه تجمعها كلها في (إِنَّ رَبِّي عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ)
المقدم: هنا أكدها بـ (إن) وفي سورة سبأ (وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (21)) بدون تأكيد، نفس المعنى فلماذا اختلف التأكيد؟
د. فاضل: المقام في سورة هود عرفناه هم قالوا لنبيهم (إِن نَّقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوَءٍ) تحدي وكلام بينهم وبين الرسول r (مِن دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ (55) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم (56))، كلام، وهددهم بالاستئصال (وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ (57)) هذا كله ناسب السيطرة تحداهم وهددهم بالاستئصال كله يناسب السيطرة
المقدم: ولكي يبين لهم أن الذي يصنع كل هذا هو الله سبحانه وتعالى الحفيظ فيؤكد
د. فاضل: بينما في سبأ المقام مختلف الكلام ليس كلام رسول مع قومه وإنما كلام عام عن سبأ (لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ (15)) لم يذكر رسول قال (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ (20) وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (21)) ما ذكر اصطدام مع رسول بينما في هود كان هناك أخذ ورد مع الرسول r وتحدي بينما هنا لا، قال (إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (21)) ذاك كلام مع ناس تحدوه وتحداهم وما إلى ذلك وتبليغ، هذه ليس فيها هذا الأمر ولذلك ما احتاج إلى توكيد
المقدم: لكن هنا قال (إِنَّ رَبِّي عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ) وقبلها قال (اللّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم) ذكر ربوبية الله سبحانه وتعالى عليهم هم يذكرهم بهذا وهنا قال ربي فقط ما قال ربي وربكم؟
د. فاضل: هو لما قال (رَبِّي وَرَبِّكُم) ذكرها الآن ذكر ربه الذي أرسله هو لعلهم يقولون ربنا، قبلها ذكر الله قال (إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللّهِ) هنا ما قال (إِنَّ رَبِّي عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ) لو قال ربكم لربما احتملت أربابهم هم التي يبعدونها تحضر، هم لهم أرباب يعبدونها، لا، هذا ربي، الذي ذكرناه الله قبل قليل هو ربي وربكم هذا الذي أرسلني. هنا ذكر ربي لم يذكر ربكم لأنه ذكره هناك، ربي هم يعلمون أنه لا يؤمن بأربابهم
المقدم: ولو قال ربكم يفهمون منها ما تريد أنفسهم فأراد أن يقطع الأمر (إن ربي) وليس ربكم
د. فاضل: قطع هذا الأمر
المقدم: دقة عجيبة! منهتى الدقة!
د. فاضل: لا يدع لهم مجالاً
المقدم: إذن للمناظرة أصول. من يناظر ومن يحاجج العقل بالعقل والحجة بالحجة له أصول وضوابط. نلاحظ هنا قدم الجار والمجرور وفي الشورى قال (اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ (6)) أخّر الجار والجرور، فلمَ يقدّم الجار والمجرور ويؤخرها وربما المعنى العام أن الله حفيظ على كل شيء؟
د. فاضل: قال (إِنَّ رَبِّي عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ) قال على كل شيء، لم يستثني شيئاً. في الشورى قال (اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ) الحفظ ليس مقصوراً عليهم وإنما عليهم وعلى غيرهم، هم جزء، إذن ليس مقصوراً عليهم دون غيرهم، هو حفيظ على كل شيء حفظه على كل شيء لكن لو قال فقط عليهم حفيظ يعني ليس على غيرهم ولكان قصر الحفظ عليهم
المقدم: حفيظ عليهم غير عليهم حفيظ؟
د. فاضل: طبعاً، فيها قصر من حيث اللغة. لما صار قصر اختلفت الدلالة، لما قال عليهم حفيظ عليهم لا على غيرهم
المقدم: حفيظ عليهم؟
د. فاضل: فقط إخبار
المقدم: الله أكبر. حتى نظم المباني بحسب السياق أيضاً هنا يقدّم وهنا يؤخر حسب المراد، لا يقول أحدهم من المستشرقين وممن يهاجمون القرآن أنه لا يفهم اللغة العربية ولا يفهم قواعد اللغة العربية. ربما يقول هنا يقدم وهنا يؤخر ما التقديم والتأخير هذا؟!
د. فاضل: أكيد. كيف يعني؟! هذه تختلف عن هذه، هذا كل شيء وهذه مجموعة.
المقدم: نحن المسلمون فاتنا خير كثير لم ندرس قواعد اللغة العربية بانضباط
د. فاضل: نحتاج إلى هذا الشيء خاصة المتخصص أما عموم الناس لا يحتاجون لهذا يكفيهم الفهم العام
المقدم: حتى يتذوقوا حلاوة القرآن.
د. فاضل: هذا شيء آخر، الذي يريد أن يتذوق الحلاوة ينبغي أن يعلم
المقدم: الآن تتكشف لنا الأمور لمَ لبيد ترك الشعر وجلس يعلم الناس سورة البقرة! كما ورد وقرأنا عنه هكذا لكن إجلالاً لأسلوب القرآن الكريم. من يقرأ القرآن يستغني به. (وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَنَجَّيْنَاهُم مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ (58)) بداية ما الأمر هذا؟
د. فاضل: العقوبة التي ربنا أراد أن ينزلها بهم.
المقدم: هنا يقول ربنا تبارك وتعالى (وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ) في الأعراف في نفس القصة (فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ) لم يذكر صفة الإيمان وهنا ذكر صفة الإيمان لماذا؟
د. فاضل: لو نقرأ تتمة الآية قد يتضح الجواب قال في الأعراف (فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُواْ مُؤْمِنِينَ (72)) لما قطع دابر الكفار إذن معنى المؤمنين نجاهم
المقدم: هذا نفي أنهم لم يؤمنوا فأثبت الإيمان لمن معه
د. فاضل: عندما قال هذا أثبت الإيمان لمن معه وهنا لم يقل هذا فذكر الإيمان
المقدم: وكأنه أثبت الإيمان في الحالين.
د. فاضل: نعم في الحالتين أثبت الإيمان
المقدم: إذن لا يكرر ولا يأتي بكلمة ربما تفيد معنى موجود في الآية
د. فاضل: لها دلائل أخرى
المقدم: ولو حذفت كلمة من القرآن يختل المعنى، لا تكرار ولا زيادة كل كلمة في مكانها. نكمل في الحلقة القادمة بإذن الله تبارك وتعالى.
بُثّت الحلقة بتاريخ 13/9/2011م
————-
الحلقة رقم 243 يوم الثلاثاء ( 13-9-2011 )
من قسم الفيديو
http://www.islamiyyat.com/video.html?task=videodirectlink&id=2609
تحميل الحلقة صوتيا mp3 ( بحجم 5.5 ميجا تقريباً )
2011-09-15 11:21:15الدكتور فاضل السامرائي>برنامج لمسات بيانيةpost