الحلقة 170
اللمسات البيانية في سورة يس
المقدم: نكمل رحلتنا مع سورة يس واقفين عند اللمسات البيانية الموجودة فيها من خلال نظم آي القرآن الكريم وكنا توقفنا في اللقاء السابق عند قوله تبارك وتعالى (يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُون (30)) بداية ما هذه الحسرة؟ وما هذا التعبير، النداء (يا حسرة)؟
د. فاضل: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أفصح من نطق بالضاد سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن دعا بدعوته إلى يوم الدين. قال سبحانه (يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُون) الحسرة كما يقال هو أشد الندم والغمّ، يركب الإنسان حتى يصير حسيراً منقطع لا يعلم ماذا يفعل.
المقدم: الحسرة هي بعد الندم والغم
د. فاضل: ليس فقط هذا، حتى يكون حسيراً يعني لا يفعل شيئاً
المقدم: تقطّعت به السبل
د. فاضل: ماذا يفعل لتدارك ما فات لا يعلم
المقدم: لا يحسن التصرف في أي أمر من الأمور
د. فاضل: كأن هذا المتحسِّر انحسرت عنه قواه،
المقدم: إنحسرت بمعنى خارت
د. فاضل: أصبح فيه إعياء لا يستطيع أن يفعل شيئاً، كيف يفعل؟ لا يعلم من شدة الندم والغمّ والإعياء الذي يركبه، هذه الحسرة. أما (يا حسرة) هو نداء كما يقولون، هو نداء للحسرة كأنما تقول أقبلي يا حسرة هذا أوانك، يتحسر هؤلاء، يعني أن هؤلاء ستأتيهم حسرة كبيرة أقبلي هذا أوانك يعني كأنما ينادون الحسرة والنداء موجود في القرآن في هذا (وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا (13) الفرقان) دعوا يعني نادوا وقالوا واثبوراه!
المقدم: ما هو الثبور؟
د. فاضل: الهلاك. (لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا (14) الفرقان) يصيحون كما يقول الواحد يا ويلي يا ويلي
المقدم: كأنه قيل لهم صيحوا
د. فاضل: (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاء ظَهْرِهِ (10) فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا (11) الانشقاق) ينادي. المعنى أنهم أوقعوا أنفسهم في حسرة ليس منها فرج. ونحن عندنا التعجب بأسلوب النداء في اللغة يعني أحياناً نأتي بالنداء ونقصد به التعجب مثل: يا للهول!، ياللعجب!، ياللمصيبة!، ياللماء! إذا كان كثيراً.
المقدم: هذا أسلوب نداء يراد به التعجب. (يا حسرة) هذا تعجب؟
د. فاضل: مما أوقعوا أنفسهم فيه، كيف أوقعوا أنفسهم في هذا الأمر الذي تحسروا منه أشد التحسر. أيضاً قد يدخل في باب التعجب
المقدم: التعجب لأنهم ذهبوا بأنفسهم وألقوا بأنفسهم في الحسرة
د. فاضل: أحياناً نحن نلاحظ إنساناً يتصرف تصرفاً يُدرك أنه ستلحقه منه خسارة كبيرة يقول ياخسارتي!، ياويله!
المقدم: هذا أسلوب نداء غرضه التعجب. (وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا (49) الكهف)
د. فاضل: يا ويله! يا ويله مما سيصيبه! ونحن في العامية نقول يا ويله ويا سواد ليله!. فهو هذا كأنه هو نداء لكن لا يراد منه الندار الحقيقي وإنما يراد منه التعجب لما يصيبهم. أو قالوا هو مجاز ينادي الحسرة تعالي يا حسرة، تعالي هذا أوانك.
المقدم: حتى في قصة ابني آدم (قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَـذَا الْغُرَابِ (31) المائدة) هل هي يا ويلتى أو ياويلتي أو يا ويلتنا؟ في الكهف (وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا).
د. فاضل: يا ويلتنا مختلفة. (يا ويلتي) ممكن تأتي مكانها الألف يا عجبي ممكن تكون ياعجبا،
المقدم: جائز لغوياً أن نقول ياويلتي وياويلتى
د. فاضل: نعم. ويؤتى بهذا المدّ لما يكون الأمر عظيماً فيحتاج إلى صوت كبير كما يمد الإنسان صوته في البكاء والصوت فيقول (ياويلتى). فـ(يا ويلتى) هي دعاء الويلة أشد من يا ويلتي، فيها مدّ صوت.
المقدم: ياويلتى وكأنه يستغيث، ينازع. يناديها ولكن أيضاً شدة التحسر وشدة الحسرة على ما آل إليه أمره ومآله. هنا قال (يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ) يقول ربنا تبارك وتعالى هنا (من رسول) إدخال (من) على الفاعل؟
د. فاضل: هذه (من) الاستغراقية، يعني هذا شيء من العباد أنهم ما جاءهم من رسول إلا استهزأوا به
المقدم: يقصد جميع الرسل الذين أتوا إليهم لا يقصد رسولاً محدداً أتى إليهم؟
د. فاضل: لا، هذا استغراق، ما يأتيهم من رسول كل الرسل إلا استهزأوا به. ليس فقط استهزأوا وإنما (إِلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُون) استمرار. فرق بين استهزأوا به وبين كانوا به يستهزئون، هذه تفيد الاستمرار في الماضي (كان يفعل).
المقدم: (إِلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُون) كانوا تفيد الماضي ويستهزؤون مضارع.
د. فاضل: للدلالة على الاستمرار في الماضي، الاعتياد. والقدامى يسموه اعتياد ونحن الآن نسميه إستمرار.
المقدم: وكأن هذا شأنهم وديدنهم مع كل الرسل
د. فاضل: والاستمرار بالاستهزاء.
المقدم: كيف نعلم أن (من) إستغراقية؟ هي بداية حرف جر أيضاً لكن لها دلالة استغراقية.
د. فاضل: الاستغراقية لها ثلاثة أشياء: أن تكون مسبوقة بنفي أو شبه النفي (شبه نفي استفهام)، الأمر الآخر أنها تدخل على نكرة والأمر الآخر هذه النكرة المجرورة هي إما مبتدأ أو فاعل أو نائب فاعل أو مفعول به. هذه الشروط وإن كان الأخفش يرفض الشروط كلها، لكن الجمهور هكذا مفعول به فاعل مبتدأ نائب فاعل تدخل عليه وقسم حتى قال مفعول مطلق.
المقدم: وهي تفيد من حيث الدلالة الاستغراق في جنس الرسل، جميع الرسل، كل الرسل
د. فاضل: هذا شأن العباد أنهم ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزؤون ليس إلا استهزأوا به ولكنهم كانوا يستمرون على الاستهزاء.
المقدم: هل الخطاب لكل العباد أم يتحدث ربنا تبارك وتعالى عن فئة معينة هم أصحاب القرية؟
د. فاضل: أصحاب القرية هم جزء من العباد الذين هذا شأنهم. فهؤلاء بقية كبقيتهم. ولذلك قال (وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءهَا الْمُرْسَلُونَ (13) يس) مثل كفار قريش وأصحاب القرية ومن قبلهم هو أمر واحد ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزؤون.
المقدم: فهمت من كلامك أن هذا مجرد مثل والمراد منه العموم على كل من يستهزئ بالرسول r. إذن ليست الدلالة الخاصة في حد ذاتها على أصحاب القرية بأعينهم لكن هو غرضه أن كل من يستهزئ بالرسول r يدخل في هذا المثل. من الذي يقول (يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ)؟
د. فاضل: الآن لما أنت تقول يا ويل فلان، أنت تقوله لكن من صاحب الويل؟
المقدم: فلان.
د. فاضل: فربنا يقول (يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ) لكن من الذين ستدركهم الحسرة؟ العباد الذين هذا أمرهم. أنت تقول ياويله، تخبر عن أمر وتقول يا ويله، أنت تخبر حتى يقولون هذا فيه إخبار وإن كان نداء أنت تُخبر عما سيحصل له
المقدم: وكأن الذي يستهزئ بالرسول r ولا يتّبعه ستناله حسرة ما بعدها حسرة.
د. فاضل: تنقطع القوة ولا يفعل شيئاً.
المقدم: هنا قال ربنا تبارك وتعالى (مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ) وفي الزخرف يقول (وَمَا يَأْتِيهِم مِّن نَّبِيٍّ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُون (7)) لماذا في هذه السورة تحديداً قال رسول وليس نبي؟
د. فاضل: في آية الزخرف (وَمَا يَأْتِيهِم مِّن نَّبِيٍّ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُون (7)) (كم) هذه نسميها كم الخبرية تفيد التكثير.
المقدم: التكثير دلالة على الكثرة. الأنبياء كثر
د. فاضل: في آية يس لم يأت بـ(كم) الخبرية قال (مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ)
المقدم: هناك كم خبرية وكم استفهامية؟
د. فاضل: طبعاً.
المقدم: كيف نعلم الفرق بينهما؟
د. فاضل: أولاً من حيث الدلالة والتعبير
المقدم: السياق هو الحاكم.
د. فاضل: لا ليس فقط السياق. الاستفهامية يأتي بعدها الإسم منصوباً (كم رجلاً أكرمت؟) والخبرية يأتي بعدها الإسم مجروراً (كم رجلٍ أكرمت).
المقدم: هل يمكن أن نقول كم رجلٌ؟
د. فاضل: المعنى يختلف، يصير معنى آخر، تصير رجل واحد، كم مرةً رجلٌ أكرمت؟ تصير معنى آخر. هم حتى يفرقون ويأتون بمثل: كم رجلاً لك قال الحق؟، كم رجلٍ لك قال الحق؟، كم رجلٌ لك قال الحق؟
المقدم: كم رجلاً لك استفهامية تسأل عن العدد. كم رجلٍ كثيرين قالوا الحق، هذه الجملة إذن ليست استفهامية، ليست سؤالاً؟
د. فاضل: لا، هذه خبرية لأن الخبر هو غير الاستفهام، الاستفهام أسلوب إنشائي، وهذه أسلوب خبري. كم رجلٌ لك قال الحق؟ يعني كم مرة قال لك الحلق رجل واحد؟ أنت عندك رجل
المقدم: يعني هذا الرجل بعينه قال الحق كم مرة؟
د. فاضل: تسأل عن عدد مرات الحق التي قالها هذا الرجل.
المقدم: سبحان الله. وهنا؟
د. فاضل: هنا عندما قال (وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِن نَّبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ (6) وَمَا يَأْتِيهِم مِّن نَّبِيٍّ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُون (7) الزخرف) معناها كثرة. الأنبياء أكثر أم الرسل؟
المقدم: الأنبياء أكثر.
د. فاضل: الأنبياء لأن كل رسول نبي ولكن ليس كل نبي رسول.
المقدم: الفرق بين الرسول r والنبي أن الرسول r معه كتاب ومأمور بالتبليغ أما النبي فليس كعه كتاب وليس مأموراً بالتبليغ. الأنبياء أكثر من الرسل.
د. فاضل: إذن أيها يناسب كم الخبرية التي تفيد التكثير؟ النبي. هذا قانون رياضي، قانون لغوي. عندما جاء بـ(كم الخبرية) التي تفيد التكثير جاء بالنبي التي هي أكثر من الرسل.
المقدم: سبحان الله!. لعل هذه هي فكرة النظم التي يقول عنها عبد القاهر الجرجاني.
د. فاضل: نعم، هذه من النظم.
المقدم: عجيب!. إذن بالفعل لا توجد أي لغة تستوعب كلام الله سبحانه وتعالى؟
د. فاضل: لا يمكن.
المقدم: وبالتالي هنالك فتوى لا نوافق على ترجمة القرآن لأنه لا توجد لغة تستوعب معاني القرآن.
د. فاضل: نترجم المعنى
المقدم: ترجمة المعنى لا بأس ولا ضير فيها
د. فاضل: طبعاً، لكن لا يمكن ترجمة القرآن لأنه في القرآن تقديم وتأخير كيف تترجم التقديم والتأخير؟ تأتي بمرادفات وتأتي بمبالغات وتأتي غفار وغفور كيف تترجمها؟، هماز وهمزة كيف تترجمها؟ لا يمكن أبداً.
المقدم: حتى الانجليزية لا يمكن؟
د. فاضل: لا يمكن لأنه لغة مبنية وليس معربة. اللغات قسمان لغات معربة ولغات مبنية، اللغات المبنية تجري وفق نسق واحد لا تستطيع أن تقدم وتؤخر
المقدم: المعربة فيها حيوية أكثر
د. فاضل: كل كلمة تحمل موضعها في المكان.
المقدم: يمكن أن نترجم بسم الله إلى (in the name of Allah)
د. فاضل: هل يفرقون بين الرحمن والرحيم؟
المقدم: لا
د. فاضل: دلالة الرحمن غير دلالة الرحيم كيف يفرقون بينها؟
المقدم: صحيح والرحيم غير الراحم. وتعدد صيغ اللغة العربية لا تستوعبه لغة أخرى إذن كان اختيار الله سبحانه وتعالى للعربية أن تكون وعاء للقرآن الكريم ليس مجرد محاباة.
د. فاضل: محاباة لمن؟
المقدم: للغة مثلاً أو لأنه يحب العرب.
د. فاضل: هذا ليس له علاقة. أولاً (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ (4) إبراهيم) ثم ما عرفنا أن هناك كتاب آخر فيه تحدي يعني بأن يأتي بمثله وإنما كانت تأتي الآيات الأخرى، المعجزات الحسية، ليست الكتب معجزة قبل النبي عليه الصلاة والسلام وإنما العصا والحية، ناقة صالح وغيرها. أما هذا الكتاب معجز ببيانه وبلغته
المقدم: وبالرغم أنهم أصحاب لغة ما استطاعوا أن يأتوا بمثله ولو آية واحدة.
د. فاضل: ليس ولو آية لأن الآية قد تكون كلمة لم يقل أحد آية وإنما قالوا سورة، بمقدار أقصر سورة أو مقدارها من الكلام. أقصر سورة بمقدارها من الكلام معجز، لم يقل أحد آية.
المقدم: ليس آية
د. فاضل: الآية قد تكون كلمة مثل (مدهامتان) أو (يس) لم يقل أحد آية وإنما قالوا أقصر سورة وبمقدارها.
المقدم: سبحان الله! أحسنت. هنا (مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُون) تقديم (به) على يستهزؤون ولم يقل يستهزؤون به؟
د. فاضل: طبعاً التقديم للإهتمام. المفروض عندما يأتي الرسول r من ربنا يقابلوه بالطاعة والإكرام والتبجيل أما هم فيستهزؤون به. الآن لو يرسل المسؤول رئيس دولة رسول هل يستهزئ به؟ لا، حسب المقام.
المقدم: قيمة الرسول r من قيمة مُرسِله.
د. فاضل: مقام عالي يرسل يستهزؤون به؟ هذا من ربهم يأتي من ربهم الذي يكرمهم وهم يستهزئون به، كيف هذا؟!
المقدم: لا يستوي.
د. فاضل: لا يمكن. من ربهم الذي أكرمهم وورباهم وأنعم عليهم وتفضل عليهم
المقدم: فتقديم (به) خاصة بالرسول r
د. فاضل: إهتمام.
المقدم: وهنا (رسول) نكرة للعموم والشمول، ايّ رسول عموماً وليس رسولاً معيناً؟
د. فاضل: لا، طالما دخلت عليه (من) فهي للاستغراق. دخلت عليها (من) فاستغرق كل الكلام. هنا للإهتمام وأحياناً قد يكون مثل هذا التقديم للحصر لكن هذا ليس للحصر.
المقدم: إذن التقديم له أغراض منها الاهتمام.
د. فاضل: هو اهتمام عام، الحصر في مواطن تدل عليه مثل (وعليه توكلنا)
المقدم: هذا حصر التوكل على الله سبحانه وتعالى. ولو قال توكلنا عليه؟ ما المفهوم منها؟ نحن توكلنا على الله.
د. فاضل: ليس حصراً. حتى لو أخذنا الآية (قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا (29) الملك) آمنا به لم يقدم الجار والمجرور
المقدم: تقصد لم يقل به آمنا؟
د. فاضل: أصلاً لا يصح به آمنا، لا يجوز أنه لو آمن شخص بالله وحده يكون كافراً لأن عليه أن يؤمن بالله وملائكته والكتب والرسل واليوم الآخر والقضاء والقدر، طبعاً لا يصح، ولا يجوز.
المقدم: ولهذا قال آمنا به
د. فاضل: طبعاً، لا يجوز لا يصح لو قال أحدهم أؤمن بالله ولا أؤمن بشيء آخر هذا كافر.
المقدم: الله أكبر! لو قال ربنا خارج القرآن به آمنا لا يصح
د. فاضل: لا يصح، لا يجوز أن يقال هذا الشيء
المقدم: حصر الإيمان على الله تعالى وبالتالي لا يؤمن باي شيء آخر ملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقضاء والقدر خيره وشره؟
د. فاضل: كيف؟
المقدم: ولهذا كان السؤال (قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا) لم يقل توكلنا عليه؟ نفس حرف الجر، هنا في مكانه وهنا مقدّم، ما الفرق بين عليه توكلنا وتوكلنا عليه؟
د. فاضل: أنت تُخبر توكلنا عليه لكن لا تقصر التوكل عليه.
المقدم: قد أفهم أني أتوكل على غيره؟
د. فاضل: محتمل أن تتوكل على غيره.
المقدم: ولو أردت أن أقصر اتكالي عليه تحديداً؟
د. فاضل: (عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88) هود). عليه توكلت وإليه أنيب،
المقدم: هو تحديداً. ما شاء الله! بارك الله فيك يا دكتور وأحسن الله إليك وزادك علماً على علم.
د. فاضل: بارك الله فيك.
المقدم: (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنْ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لاَ يَرْجِعُونَ (31)) كم أهلكنا نفهم منها الماضي ويقول ربنا ألم يروا، كيف هذا الزمن والموقف بعيد في الماضي؟
د. فاضل: ألم تر في العربية لها دلالتين: الأولى يعني ألم تشاهده، ألم تر فلاناً اليوم؟ ألم تر خالداً اليوم؟،
المقدم: يعني رؤية عينية
د. فاضل: أو حتى تكون بصرية. ألم تر الأمر كما أراه؟.
المقدم: بالمناسبة الإجابة للإثبات أقول ماذا؟
د. فاضل: بلى
المقدم: الإجابة تكون بلى للإثبات وللنفي؟
د. فاضل: إما نعم وإما لا.
المقدم: لا أو نعم. ألم تر إذا أردت أن أجيب بالإثبات أقول بلى رأيت
د. فاضل: (أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى (172) الأعراف) قالوا بلى، لو قالوا نعم لكفروا.
المقدم: (أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَى (81) يس)
د. فاضل: لو قلت نعم لكفرت.
المقدم: هذه نقطة مهمة. إذا كان السؤال أليس أو أوليس تكون الإجابة للإثبات بـ(بلى) والنفي بـ (نعم أو لا). كيف نفهم هذه؟
د. فاضل: الآن قلنا (ألم) تر لها دلالتان في اللغة. تسال عن الرؤية ألم تر فلان؟ ومعناها أيضاً ألم تعلم
المقدم: معناها العلم. إذن معناها إما رؤية بصرية أو رؤية علمية.
د. فاضل: ألم يروا يعني ألم يعلموا. ولذلك لا ينحصر بما تراه الآن (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) الفجر) أين عاد؟ وعاد بعد نوح، هل رأى عاد؟
المقدم: قد يكون الفعل رأى بمعنى علِم
د. فاضل: ألم تر يعني ألم تعلم. (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ (258) البقرة)
المقدم: هو ما رآه رؤية بصرية
د. فاضل: ألم تعلم؟ هل وصلك علم؟ (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِمْ (243) البقرة) إذن ألم يروا ليس معناها الم تبصرهم
المقدم: (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ (19) الملك)
د. فاضل: هذه تحتمل الرؤية البصرية، هذه فيها دلالتان.
المقدم: يعني ممكن أن تأتي بدلالة واحدة وقد تأتي للعموم والشمول، فيها توسع في المعنى.
د. فاضل: فيها توسع في المعنى وفيها العلم (أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ (45) الفرقان)
المقدم: العلم من مقتضيات النظر
د. فاضل: قد يكون النظر العلمي وليس النظر البصري.
المقدم: لا يشترط ما لم تكن هنالك قرينة.
د. فاضل: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) الفجر) أين هو من عاد؟ (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ (258) البقرة) من أين رآه؟
المقدم: هنا (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنْ الْقُرُونِ (31) يس) بمعنى ألم يعلموا.
د. فاضل: يعني ألم يعلموا.
المقدم: أحياناً ربنا تبارك وتعالى يقول (أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْقُرُونِ (26) السجدة) وهنا يقول (الم) كيف نفهم هذا أولم وألم؟
د. فاضل: هذه واو العطف، حرف العطف يأتي بعد الهمزة لا قبلها تقول أولم، أفلم، (أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُم بِهِ (51) يونس)
المقدم: وفي طه (أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ (128))
د. فاضل: الواو والفاء، وثم تقع بعد الهمزة لكن السؤال بين يهد وير أما الواو والفاء تقع بعد الهمزة.
المقدم: هذا أمر يجوز في اللغة. لكن تغير الفاعل. نستمع إلى الإجابة بعد هذا الفاصل إذا أذنت لنا.
——فاصل——
المقدم: كيف نفهم ألم وأولم؟
د. فاضل: ألم كلمتان و(أولم) ثلاث كلمات. (ألم) همزة الاستفهام مع لم. الهمزة حرف استفهام ولم حرف جزم ونفي وقلب.
المقدم: أولم أين الكلمة الثالثة؟
د. فاضل: الواو. لأن حروف العطف الواو والفاء وثمّ تقع بعد الهمزة لا قبلها مثل حروف الاستفهام، تقول وهل كان؟ فهل كان؟ لا يمكن أن تقو هكذا مع الهمزة، لا بد أن تأتي بعد الهمزة أولم، أولا، أفلم، أفلا، أثم إذا.
المقدم: إذن أحرف العطف تقع قبل أحرف الاستفهام ما عدا الهمزة. أحرف العطف تقع بعد الهمزة وليس قبلها كما هو معتاد نقول وهل، فهل، ثم هل؟ بينما مع الهمزة الحرف يأتي بعدها.
د. فاضل: مع الهمزة الحرف يتأخر، يصير أولم ، أفلم، أثم.
المقدم: هذه دقة عجيبة. يبقى الفرق لِمَ قال ربنا هنا -ولا يُسأل عما يفعل سبحانه وتعالى- لكن نفهم اللفظ على علته في النظم القرآن ألم يروا، أولم يهد؟ لماذا؟
د. فاضل: طبعاً هو من حيث الدلالة متقاربة بين ألم يروا وألم يهد، ألم يهد يعني ألم يتبين لهم وألم يروا يعني أولم يعلموا.
المقدم: أولم يهد لهم يعني يتبين؟
د. فاضل: نعم.
المقدم: من الهداية؟
د. فاضل: ورأى أيضاً صارت يعلموا. (أولم يهد لهم) يعني ألم يتبين لهم ألم يتضح لهم.
المقدم: اولم يهد لهم يعني أولم يتبين لهم أو يتضح لهم؟
د. فاضل: ألم يهد لك يعني ألم يتبين لك هذا؟ هذا من حيث الدلالة عامة. يبقى سبب الاختيار، هو قال (أولم يروا) في مثل هذا التعبير ذكر موطنين وردت في سورة يس (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنْ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لاَ يَرْجِعُونَ (31)) ووردت في الأنعام (أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ (6)). ووردت (ألم يهد) في موطنين، في السجدة (أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ (26)) وفي سورة طه (أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ (128)) للعلم أن القرون معناها الأمم.
المقدم: أليست القرون جمع قرن مائة سنة؟
د. فاضل: لا، قرن يأتي بأكثر من معنى في اللغة. كان هناك سؤالاً (ثُمَّ أَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ (31) المؤمنون) كيف قرناً آخرين. القرن قد يأتي بمعنى المدة وإن اختلفوا في تحديد هذه المدة.
المقدم: ليس هي مائة عامة على الثبات؟
د. فاضل: لا، هذا أحد الأقوال.
المقدم: كم يتراوح هذا القرن؟
د. فاضل: قسم قال ثمانون، قسم قال أربعون وقسم قال مائة.هذا أمر لكن هنا ليس المعنى ذلك وإنما معناه الجيل من الناس.
المقدم: (قَبْلَهُم مِّنْ الْقُرُونِ)
د. فاضل: نعم يمشون في مساكنهم القرن من الناس هم أهل زمان واحد.
المقدم: هذا من حيث اللغة.
د. فاضل: طبعاً.
المقدم: أنا أحسب أنها مجاز مرسل مثلاً.
د. فاضل: القرن له أكثر من معنى منها قرن الثور، و(وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُم مِّنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا (98) مريم) هنا بمعنى جماعة من الناس، (ثُمَّ أَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ (31) المؤمنون) (أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاء عَلَيْهِم مِّدْرَارًا (6) الأنعام). هذا القرن أحد المعاني (الزمان) لكن في القرآن أكثر ما تستعمل لأهل الزمان الواحد.
المقدم: (وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِن بَعْدِ نُوحٍ (17) الإسراء)
د. فاضل: يقصد الناس
المقدم: ليس الزمن بعد سيدنا نوح؟
د. فاضل: لا، أيضاً ورد هذا (ألم يهد لهم). لكن الملاحظ أن ربنا يستعمل فعل الرؤية (ألم يروا كم أهلكنا) في ذكر العقوبات الدنيوية، يذكر أمور العقوبات التي حدثت في الدنيا ويستخدم لها فعل الرؤية باعتبار أن هذه ممكن أن تُرى آثارها.
المقدم: مثل يس مثلاً (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنْ الْقُرُونِ (31))
د. فاضل: ويستعمل (ألم يهد لهم) في أحوال الآخرة لأن الآخرة من باب التبصر الذهني والهداية ليست من باب الرؤية. لما يذكر لك عن الآخرة الآن تتبصرها بذهنك يعني ألصق بالهداية من الرؤية يعني نلاحظ هذه يس (إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ (29)) (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنْ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لاَ يَرْجِعُونَ (31)) هذه في الدنيا، في الأنعام (أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ (6)) بعدها (فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ (6)) هذه دنيا. (وَلَقَدِ اسْتُهْزِىءَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ (10) قُلْ سِيرُواْ فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (11) الأنعام) هذه كلها عقوبات في الدنيا. لكن نلاحظ كيف قال (أولم يهد لهم). ألم يروا استعملها في عقوبات الدنيا. أولم يهد تأتي في سياق عقوبات الآخرة.
المقدم: هذا خط عام؟
د. فاضل: نعم. (أولم يهد لهم) جاءت أصلاً في آيتين. آية السجدة وآية طه. قال في السجدة (أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لَّا يَسْتَوُونَ (18) أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (19) وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ (20) وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (21)) إلى (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (25) أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ أَفَلَا يَسْمَعُونَ (26)) هذا السياق في الآخرة وفي أحوال الآخرة. في آية طه قال (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى (126) وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى (127) أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّأُوْلِي النُّهَى (128))
المقدم: المقارنة مقترنة أكثر بالآخرة. ربما يهدي فيها أمور عقلية أكثر منها بصيرة معاينة ومشاهدة
د. فاضل: فيها تبصّر ذهني. أما أولم يروا آثارها موجودة تُرى.
المقدم: لكن إذا تأملنا الآية في سورة يس (كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنْ الْقُرُونِ (31)) في القرآن الكريم في مواطن أخرى وردت (كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم) كما ورد في الأنعام (كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ (6)) والسجدة (كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْقُرُونِ (26)) فما الفرق؟ وكيف نفهمه؟
د. فاضل: (من) تفيد ابتداء الغاية
المقدم: أليس استغراقية؟
د. فاضل: ليست هذه، الاستغراقية في الشروط التي ذكرناها.
المقدم: إذن كل دلالة لها شروط في اللغة
د. فاضل: تلك ذكرناها أن تكون مجرورة نكرة ومبتدأ أو فاعل أو نائب فاعل وتُسبق بنفي أو شبه نفي. أما ابتداء الغاية أقول انطلقت من هذا المكان إلى هذا المكان
المقدم: ابتداء الغاية
د. فاضل: ابتداء الغاية حتى ذكرنا أكثر من مرة (وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا (10) فصلت) ابتداء الغاية فيها التصاق بينما لو قال قبلهم هذا الزمن قد يكون قريباً وقد يكون بعيداً، من قبلهم ابتداء من الزمن الذي هو ألصق بهم وأقرب إليهم.
المقدم: يعني في آية الأنعام (مِن قَبْلِهِم) الذين يسبقونهم مباشرة.
د. فاضل: مباشرة ابتداء من هؤلاء
المقدم: ولو قال قبلهم؟
د. فاضل: تحتمل القريب والبعيد.
المقدم: يعني في سورة يس (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنْ الْقُرُونِ (31)) تحتمل أن يكون القوم قريبين منهم أو بعيدين
د. فاضل: ولذلك قال (أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لاَ يَرْجِعُونَ) قديم يعني عموم القرون. بينما من قبلهم ابتداء منهم. لكن يبقى السؤال لماذا من قبلهم؟ نحن قلنا من قبلهم يعني ابتداء الغاية أقرب فربنا لما يأتي بـ(من) يقول من قبلهم يكون فيها تهديد وتوعد أكبر، توعد وتهديد أكبر
المقدم: مثل ماذا؟
د. فاضل: إهلاك القريب فيه تهديد أكبر من إهلاك البعيد في الزمن السحيق. يكون قريباً منك
المقدم: يكون قريباً منك وشوهد وهو أردع
د. فاضل: أدل على العبرة من الأزمان السحيقة. لاحظ لما يكون تهديد كبير يأتي بـ (من) التي هي أقرب ولما يكون أقل يحذفها. قال في يس (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنْ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لاَ يَرْجِعُونَ) (أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْقُرُونِ (26) السجدة) المفروض الآن التهديد أشد (يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ أَفَلَا يَسْمَعُونَ (26) السجدة)
المقدم: هم معاصرون لهم معايشون لهم
د. فاضل: قريبون منهم. قال يمشون في مساكنهم
المقدم: في مشاكنهم هي للذين يروا أو الذين عُذبوا؟
د. فاضل: للذين عُذِّبوا. لا شك أنك لما يدخل في دار المعذبين أمور في نفسه أدعى للموعظة وقال إن في ذلك لآيات ما قالها في يس ثم قال (أَفَلَا يَسْمَعُونَ) وبعدها قال (أَفَلَا يُبْصِرُونَ) (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاء إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ (27) السجدة) هذا فيه تهديد وتحذير شديد. فرق بينها وبين من قبلهم، يمشون في مساكنهم، إن في ذلك لآيات.
المقدم: إذن القصة خاصة بمسألة قرب الزمن أو بعده عن الذين يتحدث عنهم الله سبحانه وتعالى؟
د. فاضل: نعم والتحذير فيها أشد.
المقدم: بالطبع قطعاً طالما الزمن قريب فبالتالي العقوبة أردع
د. فاضل: ولذلك يقول (من قبلهم) فيما هو أشد فيقرّعهم (أَفَلَا يَسْمَعُونَ) (أَفَلَا يُبْصِرُونَ).
المقدم: لكن قال ربنا هنا (كم أهلكنا قبلهم من القرون) قدّم (قبلهم)
د. فاضل: قبلها أصلاً إضافة للتهديد قبل الاية قال (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (21) السجدة) لاحظ كيف يكون التهديد بأن لهم عذاباً آخر، فلاحظ كيف يستعمل قبلهم ومن قبلهم. فرق كبير. حتى لو لاحظت في ق وص. في ص قال (كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ (3)) وفي ق قال (وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُم بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ هَلْ مِن مَّحِيصٍ (36)). في ص قال من قبلهم وفي ق قال قبلهم، لو لاحظنا السياق ستجد أن السياق أشد. في ق لم يقل بعدها إلا (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (37)) أما في ص فذكر ثلاث أربع آيات يهددهم فيها (وَعَجِبُوا أَن جَاءهُم مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (4) أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (5) وَانطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ (6) مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ (7) أَأُنزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّن ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ (8)). وقال (وَمَا يَنظُرُ هَؤُلَاء إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَّا لَهَا مِن فَوَاقٍ (15) ص) لاحظ التهديد بينما في ق لم يذكر هذا الشيء.
المقدم: حتى هم قالوا (وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ (16))
د. فاضل: لاحظ التهديد أقوى بكثير. فرق كبير بين قبلهم ومن قبلهم.
أسئلة المشاهدين خلال حلقة 11/5/2009م:
سعيد من الشارقة: هناك آية أتتبع تفسيرها ولم أجد جواباً شافياً لها (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (52) الحج) عندما تتبعت تفسيرها في السيرة وجدتها مرتبطة بآية أخرى (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى) إلى قوله تعالى (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى) يقول المفسرون أن الشيطان ألقى كلمتين على الرسول r صلى الله عليه وسلم كما قال الشيطان “تلك الغرانيط العلا وإن شفاعتهم لترتجى”، هل يمكن تبيين الصحيح من الخطأ.
د. فاضل: هذه القصة مكذوبة غير صحيحة.
المقدم: وهذه تناولتها في برنامجي “من يكتب التاريخ” الذي يرصد التزوير والتحريف الذي ذكرته الآن. البرنامج يعرض مساء الأحد الساعة 7.30 بتوقيت مكة المكرمة.
د. فاضل: نحن أيضاً تكلمنا بها سابقاً وهذه الحادثة ليس لها أصل فعلاً.
عصام من الشارقة: في سورة الكهف (قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (72)) (قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْرًا (75)) ما الفرق بين الآيتين؟ وما دلالة وجود (لك)؟
د. فاضل: في المرة الأولى كان العتاب الأول خفيفاً قال (ألم أقل إنك) بعد خرق السفينة، المرة الثانية كان الرد عليه أشد من العبد الصالح قال (الم أقل لك) هذه فيها شدة. نحن مثلاً إذا أخطأ أحدهم أول مرة تقول له ألم أقل أنك كذا ثم لما يكررها تقول له ألم اقل لك؟ أول مرة ألم أقل لكن إذا تكرر تقول ألم أقل أنك. هناك شدة في خطاب العبد الصالح لموسى في المرة الثانية لأنه كرر المسألة أما الأولى فكانت بلطف (الم أقل أنك) لكن لما كررها موسى قال (الم أقل لك)..
طه من السعودية: لقد فتحتم علينا باباً من أبواب التدبر في القرآن الكريم أدعو الله سبحانه وتعالى أن يفتح لكم به أبواب الجنة جميعاً تدخلون منها حيث تشاؤون إنه على كل شيء قدير. عندي ثلاثة أسئلة: الأول: في بعض آيات القرآن الكريم مثل الآيتين في سورة البقرة (213) (253) كان الناس أمة واحدة (وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ) (وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَـكِنِ اخْتَلَفُواْ) أما في آل عمران الآيات 86 (كَيْفَ يَهْدِي اللّهُ قَوْمًا كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُواْ أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ) والآية 105 (وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ)؟ ما اللمسة البيانية في جاءتهم وجاءهم؟
في سورة النساء الآية 87 (اللّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ حَدِيثًا) وفي الآية 122 (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً) فما اللمسة البيانية في ورود كلمة حديثاً في آية وقيلا في الاية الثانية؟
في آخر سورة النساء عندما تكلم الحق سبحانه وتعالى عن سيدنا عيسى وأمر أهل الكتاب بأن لا يغلوا فيه، قال تعالى (لَّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً لِّلّهِ وَلاَ الْمَلآئِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَن يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيهِ جَمِيعًا (172) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزيدُهُم مِّن فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنكَفُواْ وَاسْتَكْبَرُواْ فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلُيمًا وَلاَ يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ اللّهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا (173)) اتجاه عام في القرآن الكريم أنه يذكر الذين آمنوا والذين كفروا مع بعض حتى يظهر الفرق بينهما في الثواب والعقاب بينما في الاية بعدها (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ بِاللّهِ وَاعْتَصَمُواْ بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا (175) النساء) لم يذكر الصنف الآخر الذين كفروا فما دلالة هذا؟
أم دلال من قبرص: ما اللمسة البيانية في ورود كلمة النار أو جهنم في القرآن؟ وما الفرق بين الاثنين؟
بُثّت الحلقة بتاريخ 11/5/2009م
2012-11-12 05:13:54الدكتور فاضل السامرائي>برنامج لمسات بيانيةpost