قصص القرآن

قصص القرآن – الحلقة 15

اسلاميات

الحلقة 15:

 

(وَقُلْنَا يَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (35) فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (36) فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37) قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (38))

في البداية نؤكد للمشاهدين الذين قد يتساءلون أن قصة آدم u قد طالت أن قصة آدم u وردت في القرآن الكريم في سبع سور. والمناهج في القصص القرآني إختلفت بين عالم وآخر من حيث هل يُعرض للقصة بترتيب الأحداث أو بترتيب نزول القرآن أو بترتيب الكتاب كما هو منهجنا نحن. نحن قلنا نعرض السور لوحدها ثم نأخذ في حلقة أو حلقتين نأخذ الموضوع بالترتيب نعرضه ثم نأخذ جزءاً من القصة في البقرة وجزءاً من الأعراف وجزءاً من طه وجزءاً من الحجر وهكذا حتى تكون الصورة الكاملة. لكن هذا يكون بعد الأخذ بترتيب الكتاب الذي له وقع لأن ترتيب النزول اختلف عن ترتيب الكتاب. بالطبع ستطول القصة لكن عندما يرتكب أحد معصية يتذكر العِبرة من قصة آدم u. وآدم هو أبو البشر وعليه قامت البشرية وكفى بواقعة آدم u أن فيها مشروعية التوبة وأنه تعالى تفضّل على العالمين بمشروعية التوبة. ونسأل لماذا شرع الله التوبة؟ البعض يقول ليتوب العاصي هذا صحيح ولكن بالإضافة إلى توبة العاصي ينجو المجتمع منه وهذا موضوع كبير ويكفي كما قلنا أن تكون العبرة من قصة آدم u مشروعية التوبة. بالإضافة إلى مشروعية التوبة نحن نأخذ العبرة في تعامل الرجل مع المرأة وفي سماع كلام الله تعالى واتباعه وفي نسيان آدم وفي لم نجد له عزما وغيرها من المواقف التي وردت في القصة وكل وقفة في القصة لها معنى.

(فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ): أزلهما عكس زحزح. هو حاول إخراجهما من الخير بدليل استعمال الضمير (عنها) عنها: تعني عن الجنة بمدلول الجنة. الجنة ليست غاية هنا وإنما الغاية في الحقيقة مدلول الجنة. كان يجب أن يحصل لآدم ما حصل على عكسنا نحن. لو لاحظنا التعبير القرآني في سورة البقرة وفي سورة طه آيتان فيهما بعض الإختلاف هما (قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (38) البقرة) و (قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123) طه) الفرق في قوله (فمن تبع هداي) و(من اتبع هداي). ومرة يقول أن الذي يسمع الكلام لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، ومرة لا يضل ولا يشقى، (لا يضل) هذه جملة كبيرة جداً: من الذي يقول أن أيّ إنسان لا يخطيء؟ قالها تعالى بشرط أن يتّبع الهوى. نحن جُبِلنا على الخطأ وولدنا على الخطأ ثم التوبة ” كل ابن آدم خطّاء وخير الخطّائين التوابون” التوبة عملت ليرجع المخطئ. لكن لا أحد يمكن أن يقول هذه الكلمة غير الله تعالى قالها الحق تبارك وتعالى حتى يبين لك أنك لست مجبولاً على المعصية وإنما باختيارك أنت لأنه سبحانه وتعالى رسم الطريق. آدم u رُسِم له طريق واحد : لا تأكل من هذه الشجرة حتى يخرج من الجنة، أما نحن فولدنا على المنهج بدليل قوله تعالى (الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآَنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4)) القرآن قبل خلق الإنسان. الإنسان خُلٌِق على منهج.

إذا كان الله تعالى خلق آدم وأودعه وزوجه الجنة فلم يحرّم عليه؟ لأن هذا هو المنهج وهذه سنة الله تعالى أن تمشي على منهج. بنو آدم غير جنس الملائكة المجبولين على الطاعة وغير الجنّ المكلّفين ونحن وسط بينهما نأخذ من سمات هؤلاء ومن سمات هؤلاء. ولو سمع البشر كلام الله تعالى سيكون كأنه ملك ولو عصي سيكون كأنه جِنّ. المنهج وُضِع ولهذا قال تعالى (وإن عليكم لحافظين كراماً كاتبين) لا يزيدون ولا يُنقِصون لأنه ليس من حقهم وإذا جادل أحد يوم القيامة عما كتبه الملائكة يقال له (اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14) الإسراء) (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24) النور) (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا (56) النساء) في ذلك الموقع الجلود (حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (20) وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (21) وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ (22) فصلت) تتكلم وتقول (أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء).

الحكمة من خلق آدم (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) ولله تعالى في خلقه شؤون. وحتى نكون أوادم بحق لا نقول لماذا فعل الله هذا؟ لا ترد الأمر على الآمر لأن هذا أخرج إبليس من رحمة الله تعالى فهو رد الأمر على الآمر. أما آدم فقال في البداية حاضر ولم يجادل ثم نسي وهذه هي الفطرة التي فطر عليها أما إبليس فردّ الأمر على الآمر لذلك لم يكن له توبة ولا مغفرة. آدم لم يناقش عند التكليف أما إبليس فناقش وردّ الأمر وهذا جواب على بعض المستشرقين الذين يقولون أن آدم أخطأ وإبليس أخطأ فكيف يتوب الله تعالى على آدم ويطرد إبليس. أما الملائكة فهم لم يناقشوا ولم يردوا الأمر على الآمر بسؤالهم (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء) وقد سبق أن شرحنا معنى سؤالهم في حلقات سابقة.

ساعة قال إبليس هذا الكلام لم يكن قبله أبالسة وقالها بوازع كُنهه (إلا إبليس كان من الجن ففسق) لو فهمنا هذه الآية لعرفنا لماذا فعل هذا؟ هو جبلّته الإستكبار ونحن علينا أن نفرّق بين معصية السهو والنسيان والمعصية المفاجئة ومعصية ردّ الأمر على الآمر والاستكبار. غلطة إبليس هي رد الأمر على الآمر فهي معصية إستكبار وليس لها توبة ولا رجوع. نأخذ مثالاً: شخص لا يصلي فلما تسأله لم لا يصلي يشعر بالندم ويقول لك أريد أن أصلي ولكن خذ بيدي فهذا بمجرد أن يقول تبت إلى الله يقبل تعالى توبته. وآخر يقول ما الصلاة؟ ما هذه الحركات التي تقومون بها؟ وينكر الصلاة فهذا معصيته معصية إستكبار وهذا ليس له توبة وإنما عليه أن يؤمن أولاً ويخرج من حظيرة الإستكبار إلى حظيرة الإيمان بكل مناطه: التقوى والإحسان والإسلام والذي يكون في حظيرة الإستكبار يكون مع إبليس.

لو انتبهنا إلى آيتين في القرآن الكريم التي سبق وذكرناها في البقرة وطه نجد في الأولى (لا خوف عليهم ولا هم يحزنون) والثانية (فلا يضل ولا يشقى) وإذا راجعنا القرآن الكريم نجد أن أولياء الله هم الذين وُصِفوا بأنهم لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. حتى لو أخطأت لا تقلق وإنما تُب إلى الله تعالى ولا تجعل المعصية تحصرك. أولياء الله هم الذين إستمعوا إلى كلام الله تعالى بحذافيره وإن ونسوا وإن أخطأوا. (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (69) المائدة) (فَمَنْ آَمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (48) الأنعام) (فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (35) الأعراف) (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) يونس) (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (13) الأحقاف) هذا توقيع بديع أن الذي يسمع الكلام بالإيمان ومناطه أو التقوى ومناطها لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. مقابل أولياء الله أولياء الشيطان المستكبرين. لا مانع من أن يأتي واحد من حظيرة الإستكبار إلى حظيرة الإيمان بنطق الشهادتين ويندم على فترة الكفر لأن رد الأمر على الآمر قمة الكفر، ويتوب إلى الله. إبليس بعدم سجوده لآدم لا يتّبع آدمي. والناس إما أن تكون من أولياء الله أو من أولياء الشيطان. ونقول لمن لا يؤدي العبادات على الأقل لا تعيب المناسك وإنما قُل ربي يهديني ولا ترد الأمر على الآمر.

هل الجن عليهم حافظين كراماً كاتبين؟ لا ليس عندنا دليل.

هل كان إبليس طائعاً؟ أو طاووس الملائكة كما يقولون؟

هذا كلام لا أساس له من الصحة وهو من الإسرائيليات المحضة. إبليس ليس له حافظين كراماً كاتبين أن معصيته في القمة فماذا سيكتب له الملك؟ هو في النار أصلاً لأنه استكبر وليس بعد الكفر كفر. هو يعترف بالألوهية والربوبية فيقول (فبعزتك) ويعترف أن الله تعالى خلقه وخلق آدم (خلقتني من نار وخلقته من طين) وكان عليه أن ينتبه لما يقول أن الله تعالى هو الذي خلق الخلق فكيف يرد الأمر عليه؟ آدم وحواء لم يسمعا كلام إبليس إلا بعد أن قاسمهما لأنهما لم يتوقعا أن يحلف أحد بالله تعالى كذباً.

صدر الأمر الإلهي عندما نسي آدم. إبليس عصى  وطُرِد، وآدم نسي (ولقد عهدنا إلى آدم فنسي ولم نجد له عزما) فهل معصية آدم تستحق الطرد من الجنة وهي مجرد نسيان؟

لهذا السؤال إجابتين: الإجابة الأولى: لا نأخذ اللفظ القرآني على ظاهره. ليس كل نسيان نسيان يعني هناك نسيان بالمعنى العام الشائع وهناك نسيان له مدلول آخر. والكلمة في القرآن عاشقة لمكانها بمعنى وبمدلول قد يختلف عن المعنى الشائع. كيف؟ من عظمة هذا الكتاب أنه في نفس السورة  حل مسكلة النسيان حتى نعرف الرد على هذا السؤال: قال تعالى (وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آَدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا (115) طه) عن آدم وقال (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (126) طه) النسيان هنا ليس النسيان الشائع وإنما بمعنى أهملتها وتركتها وكذلك اليوم تُهمل. فالنسيان إهمال وترك هنا. المعنى الشائع موضوع والمعنى القرآني موضوع آخر. المقصود بنسيان آدم تركه الأمر وإهماله مع أن إبليس حذّره فقال (ما نهاكما ربكما عن تلكما الشجرة) لكن لأن هناك نسيان إهمال لم ينتبه آدم حتى للفظ إبليس ولو إنتبه لكلامه لتذكر أن الله تعالى نهاه عن الشجرة. والإجابة الثانية : كان النسيان قبل محمد r له عقوبة ثم رُفِع الحرج عن أمة محمد r كرامة لرسول الله r كما في الحديث :” رُفِع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه” لو نسيت نعطيك فرصة أخرى.

(اهبطوا): لم يقل تعالى إلى أين؟ لم يقل اهبطوا إلى كذا فهو ليس هبوط مكان وإنما هبوط مكانة وهبوط معنوي كما نقول فلان سقط من عيني هو لم يسقط فعلاً وإنما تعبير عن عدم كونه كمت توقعته. هذا تعبير مجازي كما يقول أحدهم وهو في الإسكندرية يقول أنا نازل مصر هو لن يهبط إلى مصر وإنما استبعاده للمسافة بين البلدين يقول أنه سينزل. هو على نفس الأرض لكنه استعمل ينزل بمعنى سينتقل إلى مكان بعيد. عندنا نزول مكان ونزول مكانة وهبوك مطان وهبوط مكانة.

اهبطوا وسنشرع لكم التوبة. في قوله تعالى (اهبطوا مصر) هل نفهم أنهم كانوا في الجنة؟ أو في مكان عالٍ؟ كلا وإنما هو هبوط مكانة. غهبطوا أي سنعطيكم ما تريدون لكن سنتقصون درجة لأنكم تناقشون كثيراً وتطلبون أشياء كثيرة. مناط الهبوط  هو (أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير) ليدل على أن الهبوط معنوي بمعنى ستحصل على ما تريد لكن لو انتظرت لكنت حصلت على ما تريد لكن سؤالك الكثير واعتراضك سيجعلك تهبط مكانة.

قال اهبطوا ولم يقل اهبطا مع أنها وردت في آية أخرى؟ جاءت اهبطا في آية أخرى لما جاءت مثنى جاءت كفريقين: آدم وحواء فريق وإبليس والذرية فريق. هناك إختلاف في التركيب اللفظي في القرآن فتأتي اهبطوا واهبطا واهبطوا منها جميعا وهذا مرتبط بمقاصد الآيات وهذا سمت من سمات القصة القرآنية.

(بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين) على من يعود الضمير في (بعضكم)؟

يجب أن تؤخذ الآية على مدارين في الفهم: إما بعض ذرية آدم وبعض ذرية إبليس ويكون التبعيض من الجنس، بعض هذا الجنس وبعض هذا الجنس. وإما أن تكون بني آدم نفسهم أعداء لبعض: من أسلم ومن كفر أعداء بطريقة واضحة لأن فريق منهم دعوي وفريق كافر وأمة محمد r أمة دعوية (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر) والفريق الثاني يريد أن يقنع الفريق الأول أنه مخطيء. الكاذب يريد أن يكون كل الناس كذابين والسارق يريد أن يكون كل الناس سارقين ومن هنا العداوة. أعظم المخترعات جاءت بعد الحروب ن في الحرب كل فريق يريد أن ينتصر على الفريق الآخر فالصروخ الذي صعدوا فيه للقمر أصله كان معدّاً للحرب ثم استعملوه في الأقمار الصناعية والفضائيات واستفدنا منه. العداوة تولد خيراً ولو أنا مؤمن بالله تعالى لا آخذ العداوة كواقعة لكن آخذها كأصل وأحضر من هم في الفريق الثاني بدعوتي الحسنة (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة).

هل نفهم من الآية أن الله تعالى قرر العداوة بين البشر والجن أو بين البشر والبشر؟

العداوة أصل سواء بين البشر والبشر أو البشر والجن بدليل (قلنا اهبطوا منها جميعا) هناك عداوة مسبقة بين الجن والبشر من ساعة أُمِر إبليس بالسجود آدم. وعداوة بين البشر والبشر بالإيمان والكفر. فالبعضية إما أن أكون مع أولياء الله أو أولياء الطاغوت والعياذ بالله.

(قلنا) وجاء في آية أخرى (قال). هنا يحكي الله تعالى عن واقعة وهناك يوقّع لك واقعة. (قال) جاءت بعد (قلنا). (وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة) يتكلم عن واقعة أزلهما الشيطان فالله تعالى يحكي عن نفسه. (قال) في واقعة. هنا يقررواقعة فقال (قلنا) كما قال (قلنا اسكن) في بداية السورة (وإذ قال ربك للملائكة) هنا أيضاً يحكي عن ذاته. لما يقول (قلنا) يقرر واقعة ولما يقول (قال) يكون يحكي حكاية. (قلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة) تقرير واقعة آدم في الجنة.

(ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين): أي الموت. هناك حين أصغر وحين أكبر. موتي حينٌ أصغر أو قيامة صغرى ويوم القيامة حينٌ أكبر وقيامة كبرى.

تقرير العداوة أنشأها إبليس برفضه السجود والثانية عداوة ضمنية جاءت بإيمان وكفر لكن الفريق المؤمن لا يكره الكافر لأنه يريد أن يسحبه إلى حظيرة الإيمان لأن الدعوة ليست شخصية وإنما هي دعوة للإيمان بالله تعالى لذا لا يجب أن يكون هناك عداوة بين المؤمن والكافر. ولهذا على خطباء المساجد أن لا يرفعون أصواتهم ويغضبون ويهاجمون الناس الذين أتوا للمسجد في خطبهم لأن هؤلاء أتوا وهم أمامهم فإذا كان لا يجوز لهم أن يعنّفوا  الكفار فما بالك بمن أتى إلى المسجد ليستمع وينصت ويصلي؟ علينا أن نلكم الناس بأسلوب طيّب. الرسول r لم يغضب لنفسه أبداً ما غضب r إلا لله تعالى لأنه نبيٌّ ورسول يفهم ونحن يجب أن نأخذ الفهم منه r. إبليس فهم أنه سيذهب إلى النار لأنه يكفر بعزّة هو يُقرِّها.

ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن: هل شاء الله تعالى المعصية في الأرض؟ وكيف نبرر (وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي)؟

نعم. المشئية شيء والأمر شيء آخر. لا يوجد شيء يحصل بعيداً عن مشيئة الله تعالى. الله تعالى شاء بمعصية إبليس لكن أعطاه الإختيار. نضرب مثلاً: عندك ولين وأنت خبير بهم تقول أريد أن أدّخر مالاً ليدخل أحد الولدين كلية الطب لأنك تعرف اجتهاده أما الثاني فتقول هو سيكون مهنياً وتمر الأيام ويدخل الأول كلية الطب والثاني مهني فأنت لم تجبر الأول على الدخول في كلية الطب أو الثاني على كونه مهنياً ولكنك من خبرتك بأولادك علمت حالهم. فكيف بالإله الحق الذي من أسمائه الخبير؟!

قال تعالى عن القرآن (إن هو إلا ذكر للعالمين لمن شاء منكم أن يستقيم وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين) بالإختيار الذي خلقنا عليه لذا في الجنة يقول المؤمنون (الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله) مشيئة الرب مقدمة وسابقة ومهيمنة على مشيئة العبد. (إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء). هناك فرق بين هداية الدلالة وهداية المعونة. هداية الدلالة أن تدل شخصاً على الطريق وهداية المعونة أن تأخذه معك وتوصله إلى المكان الذي يريد. الله تعالى أثبت الهداية المطلقة لنفسه (إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء) وأثبتها للرسول r (وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم) هداية محمد r هداية دلالة وهداية المعونة من الله تعالى.

إبليس ومن تبعه يستحق العذاب الذي أعدّه الله تعالى له لأنه (من اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى) ومن لم يتبعه يكون عكس ذلك.

(بعضكم لبعض عدو): العداوة كلمة غير محببة لكنها في هذه الآية محببة.عكس العداوة لا تفرح. أن أكون عدو إبليس يكون خير ولو لم أكن عدوه لكنت في النار لذا قال تعالى (بعضكم لبعض عدو) ما قال كلكم لكلكم. فالذي لن يكون من بعض أولياء الله سيكون من بعض أولياء الشيطان فجاءت الآية (بعضكم لبعض عدو) صيانة إحتمال اللفظ القرآني أكبر من فكر فاسد لهذا لم يقل (كلكم لكلكم).

(لكم) الذي سيسمع الكلام أو الذي لا يسمع لن يُخلّد أحد الكل سيُكتب عليه الموت.

(ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين): مستقر إقامة تعيش في قصر، في بيت، في خيمة، في الشارع هذا مستقر. (ولكم في الأرض مستقر) مربوطة بـ (إني جاعل في الأرض خليفة) أي أننا خلقنا لهذه الأرض والجنة إنما كانت مرحلة إنتقالية للتدريب على المعصية وعلى الطاعة بالتوبة.

(إلى حين): القيامة الصغرى والكبرى.

(فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه): هل تلقى آدم الكلمات بمجرد نزوله إلى الأرض؟

كلا، هو تلقاها قبل أن ينزل إلى الأرض. بعد (فتلقى) سيقول تعالى (قلنا اهبطوا منها جميعا) آدم تبا قبل أن ينزل إلى الأرض. (اهبطوا) الأولى هبوط مكانة والثانية (اهبطوا منها جميعا) هبوط مكان ولكن آدم خرج بتوبة.اهبطوا الأولى وردت حتى يبين لنا أنه لم يسمع الكلام فنزل درجة.

(فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه): جاءت بعد معصية. الرجوع إلى الله تعالى لأن الأصل أنه كان في معية الله فالتوبة تعيده إلى هذه المعية. (آدم) المفروض أن يقال آدم وحواء والمنطق أن يقال فتاب آدملكنه في الحقيقة تلقى من ربه كلمات فتاب لأنه لم يعرف أن يتوب من تلقاء نفسه. هو كان في جنة التدريب وآدم وقف محتاراً لا يعرف ماذا يفعل بعد المعصية؟ هو أفاق بعد أن عرف معصيته أما نحن فقد عُلّمنا التوبة. من المؤكد أن الله تعالى علّمه من ضمن (وعلم آدم الأسماء كلها) علّمه كلمة التوبة لكنه لم يوقّعها لذا لا يجب أن يستكبر أحدنا إذا كان أستاذاً أو عالماً أن يسأل شخصاً عن أمر ما ويقول أنا فلان أستاذ أسأل فلاناً؟. كلمة (أنا) هي كلمة إبليس لذا قال الرسول r بثقة : ” لن يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كِبر” البعض يقول أعوذ بالله من كلمة أنا ويكررها على أساس أنها من باب الخشوع فنقول له هذه لا محل لها. لا مانع أن تقول أنا لكن لا تكن واقع استكبار عندك. قول (أنا) ليس حراماً كما يقول البعض إلا إذا أُطلِقت من باب الإستكبار والعُجب. لازم معناها حرام أما الكلمة (أنا) فليست حراماً. والبعض لا يقولها لكنه يقول معناها فيقول لك: هل تعلم مع من تتكلم؟ هذه أسوأ من (أنا) لأن فيها معصية واستكبار. وقد يقول آخر أنا فلان وليس فيها أي استكبار.

توسط آدم بين التلقي وربه، هل آدم فاعل أو مفعول؟

آدم مفعول لأنه أخذ. فجاء تعالى بفعل تلقى وأخذ أعطى الله لآدم كذا. آدم وقع عليه الفعل لكن من عظمة الإله الحق أن جعله هو الفاعل لأنه قد يكون أحدهم تلقى ولم يفعل. كلنا تلقى التوبة لكن كم واحد منا تاب؟ فالله تعالى أرجع الفضل للذي تاب.

إبليس لم يكن منوطاً بمسألة التوبة لذا قال تعالى (فتلقى آدم) الله تعالى هدى آدم ولم يهد إبليس لماذا؟

حينما نستكبر لا نتوب وإنما نؤمن ونخرج من ظائلة الكفر إلى الإيمان. لا توبة للكافر وإنما ‘لان إلسلام وإيمان ل. التوبة درجة جيدة لا يأخذها الكافر. الله تعالى علّم آدم الأسماء ولم يعلّمه التوقيع. وعلّمه التوبة لأنه يستحق التعليم لأنه لم يرد الأمر على الآمر. الذي يقول الحج وثنية كافر عليه أن يؤمن لأنه خرج من المِلّة ومن ولاية الله تبارك وتعالى إلى ولاية الشيطان لأنه يقلّده وقد رد الأمر على الآمر فعليه إن أراد أن يعود أن يغتسل ويشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فيفتح صفحة جديدة والإسلام يجبّ ما قبله فهل هناك أعظم من هذا؟ لكن عليه أن يسير من تلك اللحظة على المنهج (إن هو إلا ذكر للعالمين لمن شاء منكم أن يستقيم) إفعل ولا تفعل وعفا الله عما سلف وعند جميع الفقعاء ليس عليه صلاة ولا صوم للفترة التي كان فيها كافراً مهما حصل حتى لو كان رأس الكفر. فرعون آمن ولم يُسلم لكن بعد فوات الأوان وعلينا أن نعود اليوم ونخاف. فرعون قال لموسى أغثني يا موسى سبعين مرة (والعدد سبعون يستعمله العرب للتهويل) فلم يستجب له فقال تعالى: يا موسى استغاث بك فرعون سبعين مرة فلم تُغثه وعزتي وجلالي لو استغاث بي مرة واحدة لوجدني سميعاً قريباً. أول صفة لله تعالى الرحمن الرحيم. فرعون لم يكن عنده ثقة بالله تعالى وقال (آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل) فجاء الرد من الله تعالى (آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين) لذلك نقول من جاءك اليوم مسلماً فقل به صفحة بيضاء سيكون عليك تكليف الصلاة والصوم والحج من هذه اللحظة.

آدم غُفِر له (فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه) وعندنا (ولا تزر وازرة وزر أخرى) آدم لا يحاسب بمعصيتنا نحن ولا نحن نحاسب بمعصيته هو. وهل أعظم من قوله تعالى (فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه). أما إبليس فله كِفل من آثام البشرية لأنه تنحرف بوسوسته فيأخذ كفلاً من معاصي الناس. أما آدم u فلا يأخذ كفلاً لأنه تاب والتوبة مشروعة لنا لكن المشكلة أن نبقى في المعصية. ووقت التوبة من قريب وليس كما يقول البعض أن وقتها مفتوح بدليل قوله تعالى (إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب) وهذه تكون عكس (آلآن) علينا أن لا نؤجل التوبة حتى لا نموت قبل أن نتوب.

قابيل يأخذ كفل قتل الناس لأنه (من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا) عكسها حلاوة التوبة (ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا) الذي يتوب تكون المصلحة للمجتمع كله وليس لنفسه فقط لأنه عندما تشرع التوبة ينجو العاصي وينجو مجتمعه، ولو لم تشرع التوبة لاستمر العاصي بالفساد. إستمرار العاصي على المعصية تتعب المؤمن لأن المؤمن أُمِر بأن يعفُ ويصفح حتى عمن ظلمك (ولا يأتل أولو الفضل والسعة)  فلو عصى الرجل ولم يتب سيستمر على المعصية وسيظلم المؤمن ويعفو المؤمن عنه.

(إنه هو التواب الرحيم): بعض صفات الله أخذت تفعيلاً واحداً وبعضها فيه مفاعلة.

بُثّت الحلقة بتاريخ 15/5/2006م